المجموع : 42
لقد بغَّضَ المرآةَ عنديَ أنَّها
لقد بغَّضَ المرآةَ عنديَ أنَّها / تطالعُني بالشيبِ من كل جانبِ
كما حَبَّبَ المِقراضَ عندي أنَّهُ / يُطَرِّي شبابي في عيونِ الحبائبِ
تحاكَمْنَا إِلى نُوَبِ الليالي
تحاكَمْنَا إِلى نُوَبِ الليالي / على رغمِ الصِّبَا أنا والمشيبُ
فقد شهِدتْ له بالزور بِيضٌ / طوالِعُ في عِذاري لا تغيبُ
وقام بنُصرتِي والذَبِّ عَنِّي / سِنِيَّ وعهدُ مولديَ القريبُ
وعدتُ وقد قضَيْنَ عليَّ جَوراً / لِشيبي والصِّبَا غَضٌّ قشِيبُ
ومن يرجِعْ إِلى الحُكَّامِ فيما / عراهُ فهو يغنَمُ أو يَخِيبُ
لا تَطْمحنَّ إِلى المراتب قبلَ أنْ
لا تَطْمحنَّ إِلى المراتب قبلَ أنْ / تتكاملَ الأدواتُ والأسبابُ
إنَّ الثِمارَ تمِرُّ قبلَ بلوغِها / طَعْماً وهنَّ إِذا بلغنَ عِذابُ
تحسَّنتِ الأيامُ ثم تنكرتْ
تحسَّنتِ الأيامُ ثم تنكرتْ / فعفَّى على إحسانهنَّ ذنوبُها
وقد كان طَلْقاً وجهُها فتجهَّمتْ / وغَيَّرَ ذاكَ البِشْرَ منه قطُوبُها
وأكبرُ عيبٍ في الليالي حُؤولُها / سريعاً وإن كانت كثيراً عيوبُها
أُعلّلُ نفسي بالأمانيّ ضَلَّةً / وأحلَى أمانِيِّ النفوسِ كَذوبُها
مُنىً إن تكنْ كِذْباً فقد طابَ كذبُها / وإن صدقَتْ يوماً تضاعف طِيْبُها
يا نفسُ إيَّاكِ إن نابتْكِ نائبةٌ
يا نفسُ إيَّاكِ إن نابتْكِ نائبةٌ / أنْ تخشعي أو تَضجّي من أذى نَصَبِ
كم جرَّ هُدّابَها طَخياءُ مظلمةٌ / فأقشعتْ ثم لم تسكُبْ ولم تُصِبِ
ومن تَطامنُ للدنيا غواربُهُ / لم يخلُ من نَصَبٍ فيها ومن وَصَبِ
يحنو قَنَاهُ ويخبو نارُ شِرَّتهِ / من بعدما كان لَدْناً مُفْعمَ القَصَبِ
تأبَى صروفُ الليالي أن تُديمَ لنا
تأبَى صروفُ الليالي أن تُديمَ لنا / حالاً فصبراً إِذا جاءتْك بالعَجَبِ
إنْ كان نفسُكَ قد منَّتْك كاذبةً / دوامَ نُعمَى فلا تغتَرَّ بالكَذِبِ
أو خيَّبَتْكَ لدى البأساءِ من فَرَجٍ / يُديلُ منها فكَذِّبْها ولا تَخِبِ
من قاسَ بالعلمِ الثراءَ فإنَّهُ
من قاسَ بالعلمِ الثراءَ فإنَّهُ / في حُكمهِ أعمى البصيرةِ كاذبُ
العلمُ تخدمُه بنفسك دائماً / والمالُ يخدمُ عنكَ فيه نائبُ
والمالُ يُسلَبُ أو يبِيدُ لحادثٍ / والعلمُ لا يُخشَى عليه سالبُ
والعلمُ نقشٌ في فؤادِكَ راسخٌ / والمالُ ظِلٌّ عن فِنائِكَ ذاهبُ
هذا على الإنفاقِ يغزُرُ فيضُهُ / أبداً وذلك حين يُنفَقُ ناضِبُ
لمنْ في عِراصِ البيدِ نُوقٌ مَطَاريبُ
لمنْ في عِراصِ البيدِ نُوقٌ مَطَاريبُ / يُدَرِّسُها رجعَ الحداءِ الأعاريبُ
تُشلُّ بأطرافِ القَنا قد تردَّعَتْ / من الدَّمِ والمسكِ الذكيِّ الأنابيبُ
عليها هلالٌ من هِلالِ بنِ عامرٍ / به يَهتدي جُنْحَ الظلامِ الأراكيبُ
يَحُفُّ بها آسادُ خُفَّانَ تحتَها / سراحينُ إلا أنهنَّ سَراحِيبُ
أغيلِمةٌ لا يملِكُ الحزمُ بأسَهُم / هُمُ والمذاكي والرياحُ مناسيبُ
ولي كَبِدٌ مقروحةٌ وجوانِحٌ / تَحكَّمُ فيهن الحِسانُ الخراعيبُ
إِذا رنَّحتها خَطوةٌ أو ترجَّحَتْ / لها صَبْوةٌ أطَّتْ كما أطَّتِ النِّيْبُ
وعينٌ نصوحُ الماقيينِ إِذا رأتْ / معالمَ حَيٍّ فالدموعُ شَآبِيبُ
وأعوانُ حبٍّ إنْ عفَا كَلْمُ صَبْوةٍ / فلِلقلب منها عَقْرُ كلمٍ وتعذيبُ
رُويحةُ أصباحٍ وخفقةُ بارقٍ / وأورقُ غِرِّيدٌ وأسحمُ غِربيبُ
وفي أُخرياتِ الليل زار رِحالَنا / خيالٌ له أسآدُ سهرٍ وتأويبُ
يُلِمُّ ومن أعوانِه الخِدْرُ والدُّجَى / ويسري ومن أعدائِه الحَلْيُ والطِيبُ
وعينيَ في ضَحْضَاحِ نومٍ مُصَرَّدٍ / يغازلُ جَفنيها كما يلِغُ الذِّيبُ
وقد مَعَجتْ ريحُ الصَّبَا وتخاوصتْ / نجومٌ لها في طُرَّةِ الغرب تصويبُ
بمعتركِ الأحلام يطلبُ ثأرَهُمْ / بنو الحربِ والبيضُ الحسانُ الرعابيبُ
فما جُرِّد البيض الرقاق لمشهدٍ / كما ابْتُزَّ عن تلك الخدود الجَلابيبُ
فيا حسنَها أضغاثُ حُلمٍ وبَردَها / على القلب لولا أنهنَّ أكاذيبُ
ألا حبَّذَا ظِلٌّ بنَعمانَ سَجْسَجٌ / يُزاحِفُه عَذْبُ المذاقةِ أُثعوبُ
إِذا فطمتْهُ الشمسُ فهو مُفَضَّضٌ / وإن حضنتهُ مَسَّ قُطْريهِ تذهيبُ
ومقرورةٌ سجراءُ من نفحةِ الصَّبَا / وللشمسِ من صبغ المشارق تعصيبُ
وليلٌ رقيقُ الطُّرَّتينِ كأنَّه / برقَّةِ وجهي أو بخُلقيَ مقطوبُ
وهَضْبٌ كأجيادِ الكواعبِ أتلَحٌ / وبانٌ كأجفانِ المحبِّينَ مهضوبُ
ولم أرَ مثلي ساحباً ذيلَ عِزَّةٍ / وللدهرِ ذيلٌ في عِناديَ مسحوبُ
ينازعني عزمي وحزمي وهمَّتِي / ويرجِعُ عنِّي وهو خزيانُ مغلوبُ
وإني لأستحيِي لنفسيَ أن أُرى / وصبريَ مغلوبٌ وجأشِيَ مرعوبُ
أصُدُّ عن الماءِ القَراحِ تشوبُه / قَذاةٌ وما بين الجوانحِ أُلُهوبُ
وأحقِنُ ماءَ الوجهِ طَيَّ أديمِه / ومن دونِه ماءُ الوريدينِ مصبوبُ
وقد سَرَّني أنِّي من المالِ مُقْتِرٌ / ولا الوجهُ مبذولٌ ولا العِرضُ منهوبُ
كما سرني أني من الفضل موسرٌ / على أنه فضلٌ من الرزقِ محسوبُ
وما قعد الإقتارُ بي عن فضيلةٍ / وقد يقطع العَوْدُ الفَلا وهو منكوبُ
وليس انقيادي للخطوبِ ضراعةً / وللطِرْفِ نفسٌ مِرَّةٌ وهو مجنوبُ
ولا وقفتي الحادثاتُ تبلُّداً / وكيف اتساعُ الخطوِ والقيدُ مكروبُ
صَحِبْتُ بني الدنيا طويلا وذُقتُهم / وأحكمني فيهم وفيها التجاريبُ
قلوبٌ كأمثالِ الجلاميدِ صخرةٌ / وشرٌّ كشرِّ الزندِ فيهنّ محجوبُ
ودهرٌ قضتْ أحكامُه مُذْ تشابهتْ / أعاجيبُه أنْ ليس فيها أعاجيبُ
هو الأدهُم اليحمومُ لكنْ جبينُه / بشادخةِ المجدِ النظاميِّ معصوبُ
عُلىً فوق أعناقِ النجومِ بناؤُهَا / وعند مجال الغيبِ نَصٌّ وتطنيبُ
يفوتُ بها شأوَ المجارينَ سابقٌ / له عَنَقٌ في ساحتَيها وتقريبُ
ثقيلُ حَصاةِ الحِلم مستصحفُ الحُبَى / إِذا ما هفتْ قُودُ الجِبال الشَّنَاخِيبُ
إِذا ماط عنه السِّتْرَ مُدَّ سُرادِقٌ / عليه من النور الإلهيِّ مضروبُ
مُلَقَّنُ غيبٍ يستوي في ضميرِهِ / قِياسٌ وإلهامٌ وظَنٌّ وتَجْريبُ
له النظرةُ الشَّزْراءُ يقتلُ لحظُها / فتجمُدُ منها أو تذوبُ مقانيبُ
وما راع أهلَ الشامِ إلا طلاعها / رقاقُ الظُّبَى والمقرَباتُ اليعابيبُ
وأرعنُ بحرٍ لو جرى البحرُ فوقَهُ / لما نضخَ الغبراءَ من مائِه كُوبُ
خِضَمٌّ له بالأبرقَيْنِ تدافعٌ / كما انهارتِ الكُثبانِ وارتَّجَّتِ اللُّوبُ
له حَبَبٌ من بَيْضه وحَبيكُهُ / سوابغُه والمرهَفاتُ القراظيبُ
ففي صهواتِ الخيل في كُلِّ غَلْوَةٍ / له منهجٌ مثلَ المجرَّةِ ملحوبُ
إِذا ما دجا ليلُ العجاجةِ لم يزلْ / بأيديهم جمرٌ إِلى الهند منسوبُ
من القادحاتِ النارَ في لُجِّ غَمْرةٍ / ولا الجمرُ مشبوبٌ ولا الماء مشروبُ
ضوامِنُ أن تشقَى الغُمودُ بحَدِّها / إِذا سلِمت منها الطُّلى والعراقيبُ
على عارفاتٍ للطِّعانِ كأنها / دُمَىً ورواقُ النقعِ منها محاريبُ
تُبادر فُدْرَ الرُّعْنِ وهي جوافلٌ / وتفجَأُ كُدْرَ الوُكْنِ وهي أساريبُ
يُعرِّضها للطعن من لا يرُدُّهُ / عن البأسِ والأفضال ذعرٌ وتأنيبُ
لَبِسنَ شفوفَ النقعِ تُخْملُ بالقَنَا / عليهن إضْريجٌ من الدّمِ مخضوبُ
عليها سطورُ الضربِ يُعجِمُها القَنَا / صحائفُ يغشاها من النَّقْع تتريبُ
وخفَّاقةٍ طوعَ الرياحِ كأنَّها / كواسِرُ دُجْنٍ اِلتقتها الأهاضيبُ
تَميدُ بها نشوى القُدودِ كأنها / قُدودُ العَذارى يزدهِيهنَّ تطريبُ
يُرنِّحُها سُقْيا الدماءِ كأنَّها / مُدامٌ وآثار الطِّعانِ أكاوِيبُ
بها هِزَّةٌ بين ارتياحٍ ورهبةٍ / فللنصر مرتاحٌ وللهول مرهوبُ
لها العَذَباتُ الحُمْرُ تهفو كأنَّها / ضِرامٌ بمُستَنَّ العواصفِ مشبوبُ
إِذا نُشِرتْ في الرَّوْعِ لاحتْ صحائِفٌ / عليهنَّ عُنوانٌ من النصرِ مكتوبُ
طوالِعُ طرفُ الجَوِّ منهن خاسِئٌ / حسِيرٌ وقلبُ الأرضِ منهن مرعُوبُ
ولما رأتْها الرومُ أيقنَّ أنَّها / سحابٌ له وَدْقٌ من الدمِ مسكوبُ
فما أقلعتْ إلا وفي كلِ ترعةٍ / بها مِنْبرُ الدينِ الحنيفيِّ منصوبُ
وكم لك فيهم وقعةٌ بعد وقعةٍ / جمعتَ بها الأهواءَ وهي أساليبُ
صدقْتَهُمُ حُرَّ الطِّعانِ فأدبَروا / وبَرْدُ المُنَى بين الجوارحِ مكذوبُ
ولما أتَوا مستلئمينَ معاذِراً / غدَوْا ولهم أهلٌ لديكَ وترحيبُ
رأوكَ ولا في ساعدِ البأس سطوةٌ / عليهم ولا في صفحةِ العفوِ تقطيبُ
وما لَبِسَ الأعداءُ جُنَّةَ ذِلَّةٍ / ومعذرةٍ إلا وسيفُكَ مقروبُ
ولو عجموا للحرب عُودَكَ مرةً / لما عاد إلا خائبُ الظنِّ محروبُ
طُبِعْتَ على حلمٍ فلو شئتَ غيرَهُ / غُلِبتَ عليه والتكلُّفُ مغلوبُ
لك اللّهُ كم ذا الحلمُ عن كلِّ مذنبٍ / له كلما أغضيتَ عضٌّ وتتبيبُ
وما السطوُ في كلِّ الأمور مذمَّماً / ولا العفوُ في كل المواضِع محبوبُ
فإن كنتَ لم تهمُمْ بسطوٍ فإنهُ / بجَدِّكَ مطعونُ المقاتلِ مضروبُ
وكم عاقدٍ عِرْنينَ عِزٍّ تركتَهُ / ومارنُهُ من وسمِ حَدِّكَ معلوبُ
ألم يزجُرِ الأعداءَ عنك عوائدٌ / من اللّهِ فيهن اعتبارٌ وتأديبُ
ألم يستبينوا أن بُقياكَ رحمةٌ / وحِلمَكَ تأديبٌ وعفوَكَ تثريبُ
أما يتَّقِي قرعى الفِصال استنانها / وقد عَجَّ تحت العبءِ بُزْلٌ مصاعيبُ
لقد غَرَّهم متنٌ من السيف ليِّنٌ / فَهلّا نهاهم حدُّهُ وهو مذروبُ
بك اقتدتِ الأيامُ في حَسَناتِها / وشيمَتُها لولاكَ هَمٌّ وتكريبُ
فلا رِزقَ إلّا من نوالكَ مُجتَنَى / ولا عُمْرَ إلّا من عطاياكَ محسوبُ
سعدتْ بطول بقائِكَ الحِقَبُ
سعدتْ بطول بقائِكَ الحِقَبُ / وعدتْ مقرَّ علائك النُوَبُ
أنت الذي انقادَ الزمانُ له / طوعاً ودانَ العُجْمُ والعَرَبُ
أنتَ الذي قسمَ القضاءُ له / فوقَ الرجاءِ ودونَ ما يجبُ
أنت الذي لولا مكارمُه / غاضَ الزُّلالُ وصَوَّحَ العُشُبُ
ما زالَ عن قومٍ نعيمهُمُ / إلا وأنتَ لردِّهِ سَبَبُ
فالمجدُ في حِضنيكَ معتقلٌ / والمالُ من كفَّيكَ منتهَبُ
كالدَّهرِ كلُّ صروفِه عِبَرٌ / والبحرِ كلُّ أمورِهِ عَجَبُ
حَنِقٌ على الأعداءِ مضطغِنٌ / وعلى الرعايَا مُشفِقٌ حَدِبُ
عَرفٌ نَمومٌ عُرْفُهُ شَمِلٌ / وحمىً منيعٌ عِيصُه أَشِبُ
بكَ عَزَّ دينُ اللّهِ واتَّضَحَتْ / آياتُه وتكشَّفَ الحُجُب
فاللّهُ شاكر ما رفدت بهِ / دينَ الهدى والرُسْلُ والكُتُبُ
لولا انقطاعُ الوحْي قامَ بما / قامتْ به في مدحكَ الخُطَبُ
ما بينَ مشرقِها ومغرِبهَا / تُحدَى إليك الأينقُ النُّجُبُ
فتُنَاخُ مِلءُ جلودِها نصبٌ / وتثار ملءُ متونِها نَشَبُ
ووراءَ سطوكَ إنْ هَممْتَ به / حِلمٌ يلوذ بحِقْوِهِ الغَضبُ
وعزيمةٌ هجماتُها دُفعٌ / كالسَّيل طامنَ عنقه الصَّبَبُ
خطَّارةٌ في كلِّ معركةٍ / قلبُ الحِمام لهولها يَجِبُ
وإِذا تحدّبت الكُماةُ على / صُمِّ القَنا وتطاردَ العُصَبُ
في موقفٍ جحدَ الرؤوسُ بهِ / أعناقَها فوشتْ بها القُضُبُ
فهناكَ أنتَ وعزمةٌ عصفَتْ / وانجابَ عنها الجَحفلُ اللَّجِبُ
رَوعاءُ لم يثبُتْ لها بَدَنٌ / إلا يروح وهمُّها الهَرَبُ
يا سائسَ الدنيا بمختلفِ ال / حالينِ فيها الرَّغْبُ والرَهَبُ
ومدبَّراً ضمنتْ أَيالَتُهُ / ألّا يُراعَ لصقرِها الحَزَبُ
ومؤلِّفَ الأضدادِ مجتمعاً / في راحتيهِ الماءُ واللَّهَبُ
بالشرق غيبتُهُ وهيبتُه / بالغربِ حيثُ الشمسُ تُحْتَجَبُ
فالبيضُ لولا رأيُهُ زُبَرٌ / والسُّمْرُ لولا عَزْمُه قَصَبُ
إنْ لَجَّ كفُّكَ في سماحتِها / فُقِدَ الرجاءُ وأقصَرَ الطَّلَبُ
أو دامَ بالأعداء وقعتُها / ضَجرَ الردى وتبرَّم العَطَبُ
كم ذمةٍ لك غيرُ مُخْفَرَةٍ / قد شُدَّ فوق عِنَاجِها الكَرَبُ
ومواربٍ أخفَى عَداوتَه / فبدَتْ كما تتفرَّقُ الجُلَبُ
أوسعتَهُ حِلْماً فأهلكَهُ / ولربما يُستوخَمُ الضَّرَبُ
وتركتَهُ تمكُو فرائصُهُ / للموتِ في حَوبائِه أَرَبُ
وغدتْ ملاعبُه متاعِبَه / يسفي ثَراها البارحُ التَّرِبُ
أينَ المفرُّ لمن طلبت ولو / عصمتْهُ في أفلاكِها الشُّهُبُ
لو كانَ ينجو منك معتصمٌ / لنجا إِذاً في المعدِن الذَّهبُ
زوَّدْتَنِي كُتُباً بموعِدها / قَرُبَ الغِنى وتمهَّدَ الرُّتَبُ
بمؤيدِ المُلْكِ انجلتْ غُمَمٌ / أنْحَت عليَّ وأقلعتْ كُرَبُ
أثنِي عليه بفضلِ أنْعُمِهِ / شكرَ الرياضِ لما سقَى السُّحُبُ
فبقِيت للإسلام تنصُرُهُ / والمُلكِ تأخذُ منه ما تَهَبُ
ورمى القضاء إليك طاعتَهُ / تختارُ ما تهوى وتنتَخِبُ
مريضٌ بأرض الرَّيِّ أعياهُ داؤُهُ
مريضٌ بأرض الرَّيِّ أعياهُ داؤُهُ / وليس له إلا بِجَيَّ طبيبُ
غريبٌ غريبُ القدرِ والفضلِ والهَوى / ألا كلُّ حال الفاضلينَ عجيبُ
وما ليَ ذنبٌ يقتضي مثلَ حالتي / سوى أنّنِي فيما يقالُ أديبُ
أبَى اللّهُ جمعَ الحظِّ والفضلِ للفتى / إِلى أن يُرَى ماءً سقاهُ لهيبُ
فإنْ عِشتُ لم أبرَحْ بلادي وإن أمُتْ / فلا ماتَ بعدي في الزمانِ غريبُ
صُبَّتْ على حِمْيَرٍ وما انتَهبُوا
صُبَّتْ على حِمْيَرٍ وما انتَهبُوا / بِيضٌ رِقاقٌ وشُزَّبٌ قُبُّ
لُفَّتْ على حيِّهم عجاجَتُنا / والشمسُ غَضٌّ شعاعِها رَطْبُ
جئناهُمُ والسماءُ مُصحِيَةٌ / والأرضُ خضراءُ نبتُها القُضْبُ
فما انثنينا إلّا وجَوُّهُمُ / أكلفُ والشمسُ قانِئٌ غضبُ
لم تَنْجُ منهم إلّا مخَدَّرةٌ / دافعَ عنها الرِّعاثُ والقُلبُ
أرى الأيامَ تُمعِنُ في عِنادي
أرى الأيامَ تُمعِنُ في عِنادي / وتُنْحِي بالملمّاتِ الصعابِ
فلا مولىً يُصيخُ إِلى نِدائي / ولا خِلٌّ يَرِقُّ لسوءِ ما بي
ولو أنّي دعوتُ بحالتَيْها / معينَ المُلْكِ لم أُبطِئْ جوابي
عسى الأيامُ تُطْلِعُه علينا / طلوعَ الشمسِ من خَللِ السَّحَابِ
فنكرعُ في مواردِه الطَّوامِي / ونسرحُ في مراتعِه الرِّحابِ
أخي ماذا دهاكَ وما أصابَكْ
أخي ماذا دهاكَ وما أصابَكْ / دعوتُك ثم لم أسمعْ جوابَكْ
هبِ الأيامَ لم ترحمْ عويلي / ولا حُزني ألم ترحمْ شبابَكْ
وقالوا قد رُزِقْتَ به ثوابَاً / فقلت لهم ومن يبغي ثوابَكْ
خبَتْ نارُ نفسي باشتعالِ مفارقي
خبَتْ نارُ نفسي باشتعالِ مفارقي / وأظلمَ عُمري إذ أضاءَ شِهابُها
فيا بُومةً قد عشَّشتْ فوق هامتي / على الرغم مني حين طارَ غُرابُها
رأيتِ خرابَ العُمْرِ مني فزُرْتِني / ومأواكِ من كلِّ الديارِ خَرابُها
لمثلِ معاليك تعنُو الرِّقابْ
لمثلِ معاليك تعنُو الرِّقابْ / ومن جودك الغَمْرِ يحيا السحابُ
ومن نشوةِ الكَرَمِ المُقْتَنى / لديك يُجَدَّدُ عهدُ الشبابْ
وما ضَرَّ جارَكَ لوْ أَنَّهُ / يَحُدُّ له الدهرُ ظُفْراً ونابْ
يَفِيءُ إِلى رَعْن طَوْدٍ أشمَّ / منيعٍ له من سَحابٍ سِحابْ
أرى الدهرَ طوعَ يدَيْ ماجدٍ / رحيبِ الفِناءِ مَرِيعِ الجَنَابْ
يعلّمُهُ طَرَباتِ الكِرام / إِلى مستميحيهِ عِرْقٌ لُبابْ
تلينُ له نَبْعَتا دهْرِه / بصدمةِ رأيٍ يروضُ الصِّعابْ
إِذا جادَ لم يعترِضْهُ المَلال / وطبَّقَ سَيبُ يديهِ الشِّعابْ
يروعُكَ يوميهِ من أصغريه / بفضل الرِقابِ وفصلِ الخِطابْ
غرائمُ أورعَ ضافِي الإزا / ر في دوحةِ المجدِ عالي النِّصَابْ
غرائمُ تفدِي شِهابَ الضُّحَى / بها وتُروِّي صُدورَ الكِعَابْ
به يُشرِقُ المُلْكُ يومَ الفَخار / ويحتدمُ الحرب يومَ الضِرابْ
يُضيءُ شِهاباه في الغَيْهبي / ن غيهبِ ليلٍ وخَطْبٍ أصابْ
رزينُ حَصاةِ النُّهَى ثابت / إِذا ظَنَّ أو قال يوماً أصابْ
هو المُلكُ سيفاً صقيلَ الغِرار / وأنتَ الفِرِنْدُ له والذُّبابْ
تريعُ إليه بهادي الجموح / وبُهْرَته وهو صِفْرُ الوِطابْ
أرى عِرْقَ نُعماكَ صديانَ عندي / وقد كان قِدْماً ثريَّ التُرابْ
وبعضُ أياديكَ عندي الحياة / إِذا أنعُمُ القومِ عندي سَرابْ
فصُنْ لي معاشي باجراءِ رسمي / وصُنْ ماءَ وجهيَ ذُلَّ الطِّلابْ
ومُنَّ بتوفيرِه مُنعماً / تَحُزْ بفعالكَ حسنَ الثَّوابْ
قد كانت الأفلاك في بدئها
قد كانت الأفلاك في بدئها / ضعيفة ليس بها كوكبُ
قيمها الشمس التي لم تزل / بالدور في أفلاكها ترأب
وماؤها يزخر في جوفها / ولأرض في هاوية ترسبُ
ودامت الشمس زماناً على ال / ماء وفوق الأرض لا تغربُ
وأطلعت أبخرة منهما / فابتدأت أفلاكها تصلبُ
واخترعت أنجمها أنفسا / مدبّرات شأنها معجبُ
وكوّن الآثار علوية / والمعدن المكروه والطيّبُ
وكل هذا أصله واحد / منه التراكيب التي ركّبوا
يا قاتل الله معشراَ ظلموا ال
يا قاتل الله معشراَ ظلموا ال / حكمة فينا واغمضوا الكتبا
في السحر والكون والعزائم وال / طلسم قد رتبوا لها رتبا
والكيمياء العويص قد لقي ال / ناس بتدبير أمره نصبا
في المعدنيات والنبات ولم / يغادروا معدناً ولا عشبا
حقائق تشبه المجاز وأمثال / يحاكي صدقها الكذبا
حتى إذا ما الحكيم أبصرها / والجاهل الغرّ أمعنا هربا
قالوا ولم يكذبوا ولا صدقوا / قولاً خفيَّ الرموز مضطربا
إنَّ بني الحكمة الشريفة قد / أتاهم الله قدرة عجبا
سخّر أفلاكهم لأمرهمُ / نجومَها السائراتِ والشهبا
وسخر الاربع الطبائع لا / قائم من أمرهم بما وجبا
والمعدنيات والنبات وما / فيه حياة مما نما وحبا
في قولهم تكوين ما طلبوا / إن قلبوا كل شيء انقلبا
قالوا ولا غرو أنهم علموا / إذ عرفوا الأصل فيه والسببا
وأيسرُ الأمر عندهم عملُ ال / فضة إذ يقلبونها ذهبا
وحيّروا الناس في كلامهم ال / غامض حتى تفرقوا شعبا
لكن أتانا الذين هُمُ / من خشية الله جانبوا الريبا
قالوا اجعلوا كل ماله جسد / لا جسداً واريحوا به التعبا
وجسّدوا الشيء ما له جسد / وقد وصلتم وحزتم الأربا
وقرّبوا الأمر فيه وهو إذا / سَهَّلَه الله ربنا قربا
يرزقه الله من يشاء ولم / يلاقِ فيه بؤساً ولا نصبا
إنّ الهواء به الحيا
إنّ الهواء به الحيا / ة وشأنه شأن عجيب
يخفى ويظهر فعله / فبعيده دان قريب
لا لون فيه وكله / لون إذا نظر الأريب
يرث الحرارة والرطو / بة لا يحسّ له ضريب
منه تجسد ماؤنا / وتروح الأرض الصليب
والنار جارتها على ال / تحقيق وهو لها قريب
وبحرّه وعفونة / في طبعه ظهر الديب
وبلطفه عذب الجَنا / ة وأنضرَ الغصن الرطيب
سبحان خالقنا الذي / في صنعه حار اللبيب
رمادنا في قبة مرفوعة
رمادنا في قبة مرفوعة / سحر العيون برمزه المقلوبِ
رفع النفوس إلى الهواء وعادت ال / أجساد بين بلىً وبين رسوب
أما الرسوب فغير منتفع به / والمنتهى فنهاية المطلوبِ
فاصعد إلى الفلك المحيط فعنده / فَكُّ الأسير وفرجةُ المكروبِ
أرض لنا أنبت ذهبا
أرض لنا أنبت ذهبا / في رغوة يدعونها لهبا
صعدت بأجنحة المليكة نح / و الجو تبغي عنده أربا
حتى إذا بلغت نهايتها / عادت تحاول في الثرى سربا
كبريتة من أرضنا خرجت / صبغ اللجين بشمسها ذهبا
يسقي بها التنينُ جوعتَه / وهي التي يدعونها ذهبا