المجموع : 46
لم يدْرِ ما أَلقى من الحبّ
لم يدْرِ ما أَلقى من الحبّ / لاحٍ خليّ العينِ والقلبِ
شوقي وكربي ما درى بهما / فإليه يا شوقي ولا كربي
حتى تُقَلّبَ قَلْبَهَ حُرَقٌ / ويفرّ من جنبٍ إلى جنبِ
كم غريبٍ حنّتْ إليه غريبَهْ
كم غريبٍ حنّتْ إليه غريبَهْ / وكئيبٍ شجاه شَجْوُ كئيبَهْ
سُلّطَتْ كرْبةُ التنائي علينا / فعسى فرحةُ التداني قريبهْ
فمتى نلتقي فتصبحَ منّا / كلّ نفسٍ لكلّ نفسٍ طَبيبه
كتابك راق الوشيُ من خطِّ كاتبِهْ
كتابك راق الوشيُ من خطِّ كاتبِهْ / أم الرّوْض فيه راضياً عن سحائبهْ
أم الفلك الأَعلى وفيه دليلُه / نقلتَ إلى الأسطارِ زُهرَ كواكِبه
فإنّي كَحَلْتُ العَينَ منه بفرقد / توَقّدَ نوراً وهو جار لصاحبه
طلعتَ على مصر ونورك ساطع / فقالوا هلالٌ طالعٌ من مغاربه
وفي المَغرب البَحر المُحيط وقد عَلا / على نيلِ مصرٍ منه مدّ غواربه
ولمّا انْثنى بالجَزرِ أبقى لديهِمُ / أحاديثَ تُرْوى من صنوفِ عجائبه
فيا فارس الشعر الذي ماتَ قِرْنُه / بموتِ زهيرٍ في ارتجالِ غرائبه
لأصبحتَ مثل البَحر يَزخَر وَحدَه / وإن كثُرَ الأنهار مِن عن جوانِبه
تدَرّعْتُ صبري جُنَّةً للنوائبِ
تدَرّعْتُ صبري جُنَّةً للنوائبِ / فإن لم تُسالمْ يا زمان فحاربِ
عجمتَ حصاةً لا تلين لعاجمٍ / ورُضْتَ شموساً لا يذلّ لراكبِ
كأنّك لم تقنع لنفسي بغربةٍ / إذا لم أُنَقّب في بِلاد المَغاربِ
بِلادٌ جرى فوق البُلادة ماؤها / فأصبح منه ناهلاً كلُّ شاربِ
فُطِمتُ بها عن كلّ كأسٍ ولَذّةٍ / وأنفقتُ كنزَ العمر في غير واجِبِ
يبيت رئاسُ العضب في ثِنْيِ ساعدي / مُعاوضَةً من جِيد غيداءَ كاعبِ
وما ضاجعَ الهنديُّ إلا مثلّماً / مُضارِبه يَومَ الوغى في الضّرائبِ
إذا كانَ لي في السَيفِ أُنس ألِفته / فلا وحشة عندي لِفقد الحبائِبِ
فَكُنتُ وَقَدّي في الصَبا مِثلُ قَدّه / عَهدتُ إِلَيه أَن مِنهُ مَكاسِبي
فَإِن تَكُ لي في المَشرَفِيّ مآربٌ / فَكَم في عَصا مُوسى لَهُ مِن مَآرِبِ
أَتحسبني أنْسَى وما زلت ذاكِراً / خِيانةَ دَهري أو خيانةَ صَاحبي
تَغَذّى بأخلاقي صغيراً ولَم تَكُنْ / ضَرائِبُه إلّا خِلافَ ضَرائبي
ويا ربّ نَبْتٍ تعتريهِ مرارَةٌ / وقد كان يُسقى عذبَ ماء السحائِبِ
علمتُ بتجريبي أموراً جَهِلتُها / وقد تُجْهَل الأشياءُ قبل التجارِبِ
ومَنْ ظَنّ أمْواه الخضارم عَذْبَةً / قضى بخلاف الظنّ عندَ المشارِبِ
ركبتُ النّوَى في رحلِ كلّ نَجيبةٍ / تُواصِلُ أسبابي بقطع السَباسِبِ
قِلاصٌ حَناهنّ الهزالُ كَأنها / حنِيّات نَبْعٍ في أكفِّ جواذِبِ
إذا وَرَدَتْ من زرقة الماءِ أَعيُناً / وقَفْنَ على أرجائها كالحواجِبِ
بصادقِ عزْم في الأماني يُحِلّني / على أمَلٍ من همّةِ النفس كاذِبِ
ولا سَكَنٌ إلا مناجاة فكرضةٍ / كأني بها مستحضرٌ كلّ غائِبِ
ولما رأيْت الناس يُرْهَب شرهُم / تجنّبْتُهم واخترْت وَحْدَة راهِبِ
أَحتّى خَيالٌ كُنتُ أَحظى بزَوْرِهِ / لَه في الكَرى عن مَضجعي صدّ عاتِبِ
فَهل حالَ من شَكلي عليهِ فَلم يَزرْ / قضافةُ جسمي وابيضاضُ ذوائبي
إذا عدَّ مَن غابَ الشُهورَ لِغُربَةٍ / عددتُ لها الأحقابَ فوقَ الحقائِبِ
وكَم عَزَماتٍ كالسيوفِ صوادِق / تجرّدها أيدي الأَماني الكواذِبِ
ولي في سماء الشرقِ مَطلَعُة كَوكَبٍ / جلا من طلوعي بينَ زهرِ الكواكِبِ
ألفتُ اغترابي عنه حتى تكاثَرَت / له عُقَدُ الأيّام في كفِّ حاسِبِ
متى تَسمَعُ الجَوزاءُ في الجو مَنطقي / تصخْ في مَقالي لارتجالِ الغرائِبِ
وكم لي به من صنوِ وُدٍّ محافظٍ / لذي العيب من أعدائهِ غير غائِبِ
أخي ثقةٍ نادَمْتُهُ الراحَ والصبا / له من يدِ الأيامِ غَيرُ سوالِبِ
معتّقةٌ دعْ ذكر أحْقابِ عُمرها / فقد مُلئتْ منها أناملُ حاسِبِ
إذا خاض منها الماءُ في مُضْمَر الحشا / بدا الدرّ منها بين طافٍ وراسِبِ
لياليّ بالمهديَّتين كأنها ال / لآلئُ منْ دنْياك فَوقَ ترائِبِ
ليالي لم يذهبن إلّا لآلئاً / نظمنَ عقوداً للسّنين الذواهِبِ
إذا شئتُ أنْ أرْمي الهلالَ بلحظَةٍ / لمحتُ تَميماً في سماءِ المناقِبِ
ولو أنّ أرضي حرةٌ لأتَيتُها / بعزمٍ يعُدُّ السيرَ ضربةَ لازِبِ
ولكنَّ أَرضي كَيفَ لي بفكاكها / من الأسْر في أيدي العُلوجِ الغواصِبِ
لَئِن ظَفِرت تِلكَ الكِلابُ بأَكلِها / فبعد سكونٍ للعروقِ الضوارِبِ
أَحينَ تفانى أَهلها طوْعَ فتنةٍ / يضرّم فيها نارَه كلُّ حاطِبِ
وأَضحَت بها أَهواؤهم وكَأَنَّما / مذاهبهم فيها اختلافُ المذاهِبِ
ولَم يرحَمِ الأَرحامَ منها أقارِبٌ / تروّي سيوفاً من نجيع أقارِبِ
وكان لهم جَذْبُ الأصابِعِ لم يَكُن / رواجبُ منها حانياتِ رواجِبِ
حُماةٌ إذا أبْصَرْتَهُمْ في كريهَةٍ / رضيتَ من الآساد عن كلّ غاضِبِ
إِذا ضَارَبوا في مأزِقِ الضربِ جرّدوا / صواعقَ من أيديهمُ في سحائِبِ
لهم يومَ طَعْنِ السُّمْرِ أيدٍ مبيحةٌ / كُلَى الأسْدِ في كرّاتهم للثَعالِبِ
تخبّ بهمْ قبٌّ يُطيلُ صهيلُها / بأرْض أعاديهم نياحَ النّوادِبِ
مؤلَّلَةُ الآذان تحتَ إلالهمْ / كما حُرّفَتْ بالبريِ أقلامُ كاتِبِ
إذا ما أدارَتها على الهام خلتَها / تَدورُ لِسَمعِ الذِكر فوقَ الكَواكِبِ
إذا سكتوا في غمرةِ الموْتِ أنْطقوا / على البيض بيضَ المرهفاتِ القواضِبِ
تَرى شُعَل النيرانِ في خَلجِ الظبا / تذيق المنايا من أكفِّ المواهِبِ
أُولئكَ قومٌ لا يُخاف انحرافُهُمْ / عن الموت إن خامَتْ أسودُ الكتائِبِ
إِذا ضَلَّ قومٌ عن سَبيلِ الهُدى اهتدوا / وأيّ ضَلالٍ للنّجوم الثواقِبِ
وكم منهمُ من صادق البأس مُفْكِرٍ / إذا كَرّ في الأقدامِ لا في العَواقِبِ
له حملةٌ عن فتكَتَينِ انفراجُها / كفتكِك من وجهين شاهَ الملَاعِبِ
إذا ما غَزَوْا في الرّومِ كان دخولُهُمْ / بطونَ الخلايا في مُتون السّلاهِبِ
يموتونَ موتَ العِزّ في حَوْمةِ الوَغى / إذا ماتَ أهلُ الجبنِ بين الكَواعِبِ
حَشَوْا من عجاجاتِ الجهادِ وسائداً / تُعَدّ لهم في الدّفن تَحتَ المَناكِبِ
فغاروا أفولَ الشهب في حُفَرِ البلى / وأبْقَوْا على الدنْيا سوادَ الغياهِبِ
ألا في ضمانِ اللَّه دار بِنُوطَسٍ / وَدَرّتْ عليها مُعْصِراتُ الهواضِبِ
أُمَثّلُها في خاطري كلّ ساعةٍ / وأمْري لها قَطْرَ الدّموعِ السواكِبِ
أَحنّ حنينَ النيبِ للمَوطنِ الّذي / مغَاني غوانيه إِليهِ جَواذبي
ومن سار عن أرْضٍ ثوى قلبُهُ بها / تَمَنَّى له بالجِسمِ أَوبةَ آيِبِ
خِطابُ الرَزايا إنّهُ جلل الخَطْبِ
خِطابُ الرَزايا إنّهُ جلل الخَطْبِ / وسَلْمُ المَنايا كالخَديعَةِ في الحربِ
تُريدُ منَ الأَيّام كَفَّ صُروفِها / أَمُنتَقِلٌ طَبْعُ الأفاعي عنِ اللّسبِ
وتَلقى المنايا وهيَ في عَرَض المُنى / وكم أجَلٍ للطير في مَلْقَطِ الحَبِّ
تناوَمَ كلّ الناس عمّا يُصيبُهُم / وهمْ من رزايا دهرهم سَلَمُ العَصْبِ
بكأسِ أبِينا آدمٍ شُرْبُنا الّذي / تضَمّنَ سُكرَ الموْت يا لك من شرْبِ
إذا ورث المولودُ عِلّةَ والدٍ / فعدِّ بهِ عنْ حيلةِ البرءِ والطبِّ
حُتوفٌ على سَرْحِ النّفوسِ مغيرةٌ / فقلْ كيف تغدو وهيَ آمنةُ السّرْبِ
يَسُنّ عليه الذِّمْرُ عذراءَ نثرةً / تَخال بها التَأنيث في الذكر العَضبِ
على الجِسمِ مِنها الذَوب إن فاضَ سرْدها / كفيضِ أتِيٍّ والجمود على الكَعبِ
ويُصميهِ سهمٌ مُصْرَدٌ ليس يُتّقَى / له في الحشا رامٍ تَسَتّرَ بالخلبِ
وليس بمعصومٍ من الموْتِ مُخْدَرٌ / له غَضَبٌ يبدو بحملاقَةِ الغَضْبِ
كأنّ سكاكيناً حداداً رؤوسها / مغرّزة في فيهِ في جانِبَيْ وقْبِ
فكيفَ نَردّ الموْت عَنْ مُهجاتنا / إذا غَلبت منه ضراغمةُ الغلبِ
وقاطعةٌ طولَ السُّكاكِ وَعَرضه / تُحلّق من بُعْدِ السماءِ على قربِ
إِذا بَرقَ الإِصباح هزّ انتفاضَها / من الظلّ أشباهُ العواملِ والقضبِ
مباكرة صيدَ الطيور فما تَرى / طريدتَها إلا مخضخضَةَ القعبِ
وعَصمٌ إذا استَعصَمن في شاهِقٍ رَقَتْ / إِلَيها بنات الدّهْرِ في المرْتَقَى الصّعبِ
عَلى أَنها تنقضّ من رأس نيقها / على كلّ رَوْقٍ عند قرْعِ الصَفا صَلبِ
سَينسفُ أمْرُ اللّهِ شمَّ جبالها / كما تَنْسِف الأرواحُ مُنْهالةَ الكثبِ
لكلٍّ حياةٌ ثمَّ موتٌ ومبعثٌ / إِذا ما التقى الخَصمانِ بين يَدَيْ ربِّي
وتُستوقَف الأفلاك عَن حَركاتِها / ويسقُط دريّ النجوم عن القطب
ألم تأتِ أهلَ الشرقِ صرخةُ نائحٍ / يُفيِض غروبَ الدمع من بلدِ الغربِ
سَقى اللَّه قَبراً ثائراً بسفاقسٍ / سواجمَ يَرْضى الترب فيها عنِ السحبِ
فقد عَمّهُ الإعْظامُ منْ قَبْرِ عَمّةٍ / أنوحُ عليها بالنحيب إلى النّحْبِ
بدمع يمدّ البحرُ في السَّيْفِ نحوه / إذا الحزن منه واصل السَكبَ بالسَكبِ
ولو آمنُ الإغراقَ أضْعَفْتُ سَحّهُ / ولكنّ قلبي الرطبَ رَقّ على قلبي
برغمي نَعَتْها ألْسُنُ الركب للعلى / فكيف أرُدّ النّعْيَ في ألسُنِ الرَكبِ
غريبةُ قبرٍ عن قبور بأَرضها / مجاورةٌ في خطّة الطعْنِ والضّربِ
كريمةُ تقوى في صلاة تقيمها / وصومٍ يَحُطّ الجسمُ منه عَلى الجَدبِ
زَكَتْ في فروعِ المَكرماتِ فروعُها / وأَنجبتِ الدُنْيا بآبائها النُّجبِ
ولَما عَدمنا من بهاليلِ قَومها / مَآتِم تَبكيها بَكَينا مع الشُهبِ
حَمَدنا بُكاءَ الزُّهْرِ بنتَ محمّد / وهَل نَدبت إلّا ابنةَ السيد الندبِ
مضَتْ ولها ذِكْرٌ منَ الدينِ والتّقى / تفسّرُهُ للعُجم ألسِنةُ العُربِ
أَيُصبحُ قلبي بالأَسى غيرَ ذائبٍ / وقلبُ الثَرى قاسٍ على قلبها الرّطبِ
وكنتُ إذا ما ضاق صدري بحادثٍ / فزعتُ بنجواه إلى صدرِها الرَحبِ
وتُذْهِبُ عنّي همّ نفسي كأنّها / شَفَتْ غُلّةَ الظَمآنِ بالبارِدِ العذبِ
أهاتفَةً باسمي عليّ تَعَطّفاً / حنينَ عطوفٍ شقّ سامِعَتيْ سَقْبِ
أبوكِ الذي من غرسه طالتِ العُلى / وأُسْنِدَ عامُ المحْل فيِه إِلى الخِصبِ
تَنَسّكَ في بِرٍّ ثمانينَ حِجّةً / فيا طولَ عُمْرٍ فيه فرَّ إلى الرّبِ
ضَمَمْتُ إلى صَدري بكفّيّ جسمَهُ / وأسندتُ مخضرّ الجَنابِ إلى الجَنبِ
تبرّكَتِ الأيدي بتَسوِيَةِ الثرَى / على جَبَلٍ راسي الأناةِ على هَضْبِ
أغارَ لهم ماءُ الجَموم بعبرة / أمِ انبَتّ في أيديهمُ كَرَبُ الغَرْبِ
فَيا لَيتَني شاهدتُ نَعشَكِ إذ مَشى / حواليه لا أهلي حفاةً ولا صَحبي
ودَفْنَكِ بالأيدي الغريبةِ والْتَقَتْ / مع المَوتِ في إِخفاءِ شَخصِك في حدبِ
فأَبسطَ خَدّي فوق لَحدِكَ رحمةً / وتُسْفي عليه التربَ عينايَ بالهدبِ
أرى جسمك المرموسَ من روحه عفا / وأصبحَ معموراً به جَدَثُ التربِ
فلو أنّ روحي كان كسبي وهبتُهُ / لجسمك لكن ليس روحِيَ من كسبي
ولَوْ تُنظم الأحساب يوماً قَلائِداً / لقلد منها جَوْهَرُ الحسبِ اللّبِ
أبا الحسن الأيامُ تَصْرَعُ بالغِنى / وتُعْقِبُ بالبلوى وتخدَع بالحبِّ
مَصابُكَ فيها من مصابي وجدتُه / وحزنُك من حُزني وكَربك من كَربي
فَصَبْراً فَلَيْسَ الأجرُ إلّا لِصابرٍ / على الدهر إن الدهر لم يَخلُ من خطبِ
ألم ترَ أنّا في نوىً مُستمرّةٍ / نَروحُ ونَغدو كالمُصرّ على الذّنْبِ
فَلا وَصلَ إلّا بَينَ أسمائنا الّتي / تسافرُ منّا في مُعَنْوَنَةِ الكتبِ
فَدائِمَة السقيا سماءُ مدامعي / لخدي وأرض الخدّ دائِمةُ الشربِ
فؤادي نجيبٌ والجلالُ نجيبُ
فؤادي نجيبٌ والجلالُ نجيبُ / فأبْعدُ مطْلوبٍ عليّ قريبُ
وإنْ أجدبَتْ عند الفتاةِ إقامتي / فمُرْتَحَلِي عند الفلاة خصيبُ
إذا كانَ عَزْمي مثلَ ما في حمائلي / فإنّي امرُؤٌ بالصّارِمَيْنِ ضَروبُ
خُذِ العَزْم من بَرْدِ السّلُوّ فإنّما / هوَى الغيد عندي للهوان نسيبُ
وبادرْ ولا تهمل سُرَى العيس إنّها / لنا خببٌ في النُّجْح ليسَ يخيبُ
فشهبُ الدّراري وهي علويّةٌ لها / طلوعٌ على آفاقها وغروبُ
ولو لم يكن في العزم إلّا تَقَلّبٌ / ترَى النفسُ فيه سعيها فتطيبُ
وإن ضاقَ بالحرِّ المجالُ ببلدةٍ / فكمْ بلدَةٍ فيها المجالُ رحيبُ
إذا أنْتَ لبّبتَ العزيمة واضعاً / لها الرجلَ في غرزٍ فأنْتَ لبيبُ
ومنكرةٍ مني زماعاً عرفتهُ / عدوّكِ يا هذي إليّ حبيبُ
جرَى دمْعُها والكحلُ فيه كأنّه / جمانٌ بماءِ اللّازورد مشوبُ
وقالت غرابيبٌ دَرَجْن بِبَينه / سيستدرجُ الأعوامَ وهو غريبُ
فما كان إلا ما قضى بالُها به / فهل كان عنها الغيبُ ليس يغيبُ
لقد خمّسَ التأويبَ والعزمَ والسرى / وعَودَ الفلا عُودٌ عليه صليبُ
رمى فأصابَ الهمَّ بالهمِّ إذ رمى / هي الكفّ ترْمي أُختها فتصيبُ
وأجرى سفينَ البرّ في لُجّ زئبقٍ / من الآل هَزّتْ جانِبَيْه جَنُوبُ
ومستعطفاتٍ بالحداء على السرى / إذا رجّعَ الألحانَ فيه طروبُ
إذا جُلِدَتْ ظلماً ببعض جُلودها / تَبَوّع منها في النّجاء ضروبُ
فللَّهِ أشطانُ الغروب التي حَكَتْ / مقاودَ عيس مِلْؤهنّ لغوبُ
ومشحونةٍ بالخوف لا أمنَ عندها / كأنّك فيها حيثُ سِرْتَ مُريبُ
كأنّك في ذنبٍ عظيم بقطعها / فأنْتَ إلى الرحمن منه تتوبُ
إذا الشمسُ أحمتْ فيحَها خلت رملها / رماداً وقودُ النّار فيه قريبُ
ترى رامحَ الرّمضاءِ فيه كأنّه / مُواقِعُ نارٍ واقعته ذنوب
كأنّ ارتفاع الصوت منه تَضَرّعٌ / إذا لذع الأحشاءَ منه لهيبُ
وتحسب أنّ القفرَ حُمَّ فماؤه / من العرق الجاري عليه صبيبُ
وما كان إلّا خير ذخر تعدّه / قطاةٌ لأرْمَاقِ النفوس وذيبُ
وراعٍ سوامُ الشمسِ لم يَشوِ وجهها / ولا لاح للتلويح منه شحوبُ
له لَوْلَبٌ في العين ليس يديره / لذي ظمإٍ حَيث المياهُ تلوبُ
رقيبٌ على شمسِ النّهار بفعله / أحَيٌّ على شمْسِ النّهار رقيبُ
إذا نزل الركبانُ طابَ لنفسه / على الجمر من حرِّ الهجير ركوبُ
تَكَوّنُ وسط النّار منه سبيكةٌ / من التبر ليسَت بالوِقاد تَذوبُ
خَرُوجٌ مِنَ الأديانِ تحسبُ أنّه / على كلّ عُودٍ بالفلاة صليبُ
وَعِظْتَ بلمّتك الشائبه
وَعِظْتَ بلمّتك الشائبه / وفقد شبيبتك الذاهبَهْ
وسبعينَ عاماً ترى شمسَها / بعينك طالعةً غاربه
فوَيحك هل عَبَرَتْ ساعةٌ / ونفسُك عن زلّةٍ راغبه
فرغت لصنعك ما لا يقيك / كأنّك عاملة ناصبه
وغَرّتك دنياك إذ فوّضت / إليك أمانيّها الكاذبه
أصاحبةٌ خلتها إنها / بأحداثها بئست الصّاحبه
أما سلبتْ منك بُرْدَ الشباب / فهل يُسْتَرَدّ من السالبه
وإنّ دقائقَ ساعاتها / لِعُمْرِكَ آكلةٌ شاربه
وإنّ المنية من نحوها / عليك بأظفارها واثبه
ألمْ تَرَها بحصاةِ الردى / لِكلّ حميم لها حاصبه
كأنّ لنفسك مغنيطساً / غَدَتْ للذنوب به جاذبه
فيا حاضراً أبداً ذنبُهُ / وتوبتُهُ أبداً غائبه
أذِبْ منك قلباً تُجاري به / سوابقَ عبرتك الساكبه
على كلّ ذنبٍ مضى في الصبا / وأتعبَ إثباتُه كاتبه
عسى اللّه يدرأ عنك العقابَ / وإلّا فقد ذُمّت العاقبه
ومشرعةٍ بالموتِ للطّعنِ صَعْدَةً
ومشرعةٍ بالموتِ للطّعنِ صَعْدَةً / فلا قِرْنَ إنْ نادَتْهُ يوماً يُجيبها
مُداخِلَةٌ في بعْضها خَلْقَ بَعضها / كجوْشن عظم ثَلّمَتْهُ حروبها
تذيقُ خفيّ السمّ من وَخْزِ إبرةٍ / إذا لَسَبَتْ ماذا يلاقي لسيبها
وتمهل بالرّاحاتِ مَن لم يَمُتْ بها / إلى حين خاضت في حشاه كروبها
إذا لم يكنْ لونُ البهارةِ لوْنَهَا / فمن يرقانٍ دبّ فيه شحوبها
لها سَوْرَةٌ خُصّتْ بصورةِ ردّةٍ / ترَى العين منها كل شيء يريبها
وقد نصلت للطعن مَحْنِيَّ صَعْدَةٍ / بشوكةِ عُنّابٍ قتيلٍ زبيبها
ولم ترَ عَيْنٌ قبلَها سَمْهريّةً / منظمةً نَظْمَ الفرند كعوبها
لها طعنةٌ لا تسْتَبينُ لناظرٍ / ولا يُرْسِلُ المسبارَ فيها طبيبها
نسيتُ بها قيساً وذكرى طعينهِ / وقد دقّ معناها وجلّت خطوبها
يحمل منها مائع السمّ بغتةً / نجيعَ قلوب في الضلوع دبيبها
لها سقطةٌ في الليلِ مؤذيةٌ بها / إذا وَجَبَتْ راع القلوبَ وجيبها
ونَقْرٌ خفيّ في الشخوص كأنّه / بكلّ مكان ينتحيه رقيبها
ومن كلّ قطر يتّقي شرّها كما / تذاءب في جنح الدجنة ذيبها
تجيء كأمّ الشبل غضبى تَوَقّدَتْ / وقد تَوّجَ اليافوخَ منها عسيبها
بعينٍ ترى فيها بعينك زرقةً / وإن قلّ منها في العيون نصيبها
حكى سَرطاناً خَلْقُهَا إذ تَقَدّمت / وقدّمَ قرنيها إليه دبيبها
وتالٍ من القرآن قلْ لنْ يصيبنا / وقد حانَ من زُهْرِ النجوم غروبها
يقولُ وسقفُ البيت يحذفُهُ بها / حصاةُ الرّدى يا ويح نفسٍ تصيبها
فصَبّ عليها نعلَهُ فتَكَسّرَت / من اليبس تكسيرَ الزّجاج جنوبها
عدوّ من الإنْسان يَعْمُرُ بيتَهُ / فكيف يوالي رقدة يستطيبها
ولولا دفاعُ اللَّه عَنّا بلطفِهِ / لَصُبّتْ من الدنْيا علينا خطوبها
كُنْ واثقاً باللّه سبحانه
كُنْ واثقاً باللّه سبحانه / فهو الذي يصرفُ عنك الخطوبْ
واصرفْ إليه الوَجْه عن مَعْشرٍ / قد صرَفوا عنك وُجوهَ القلوب
أشهابٌ في دجى الليل ثَقَبْ
أشهابٌ في دجى الليل ثَقَبْ / أم سراجٌ نارُهُ ماءُ العِنَبْ
أم عروسٌ فوق كرسيِّ يدي / يجتليها اللهوُ في عقدِ الحبب
يا شقيقَ النفس أنفاس الصَّبا / بَرَدَت والصبح لا شكّ اقترب
قمْ أمتِّعك بعيشٍ لمْ تَقَعْ / في صفاءٍ منْهُ أقذاءُ النّوب
فلقد حانَ لضوءِ الفجر أنْ / يضربَ السرحانُ فيه بذنب
فأدِرْها تحْتَ ليلٍ سَقْفُهُ / ظلمةٌ فيها من النور ثُقَبْ
أو على برقِ سماءٍ ضاحكٍ / غيمُهُ بالدّمْع منه منسكِب
سَكِرَ الرّوضُ وغنّى طيرُهُ / أفلا ترقصُ قاماتُ القُضُب
هات دُرّاً فيه ياقوتٌ وخُذْ / جسمَ ماءٍ حاملاً روحَ لهب
قهوَةً لو سُقِيَتْها صخرةٌ / أورقتْ باللّهو منها والطّرب
يجذبُ الرّوح إليه روحُها / ألطف الشيئين عندي ما انجذب
وُلِدَتْ بالشّيبِ في عنقودها / وهيَ اليومَ عجوزٌ لم تشب
كلَّما مَوّجَها المزنُ أَرَتْ / حَبَبَ الفضّةِ في ماءِ الذهب
ما درى خمّارُها عاصِرَها / فحديثُ الصدق فيها كالكذب
خندريسٌ عُتّقَتْ في أجوَفٍ / من دم العُنقودٍ مملوءٍ نُخَبْ
واضعٌ كفَّيْه في أخصارهِ / وقيامٌ في قعودٍ قد وجب
دفنوا اللَّذةَ فيها حيّةً / وأتى الدّهرُ عليها وذهب
ظَنَّهُ كنزاً فلمّا انْتَسَبَتْ / منهُ للأنفِ درى ذاك النسبْ
قلتُ إذ أبرَزَها في قعبه / أهيَ بنت الكرم أم أمّ الحقب
قتلتني وهي بي مقتولةٌ / صولةُ الميت على الحيّ عجب
كيفَ لا تصرعُني صَوّالةٌ / وهي منّي في عروقٍ وعصب
ومليح الدلّ إنْ علّ بها / قلتَ نجمٌ في فمِ البدر غرب
شعشعَ القهوةَ في صوب الحيا / وسقاني فضلةً مما شرب
فتلاقى في فمي من كأسِهِ / ماءُ كرْمٍ وغمامٌ وشَنَبْ
وشدا من مدح يحيى نَغَماً / هزّ منه الملكُ عِطفيه طَرَب
مِن مُعِزِّ الدّين في الفخر له / خيرُ جَدٍّ وتميمٌ خيرُ أب
مَنْ له وجْهُ سماحٍ سافراً / أبداً للمجتدي لا ينْتقب
مَلِكٌ عن ثُغْرَةِ الدّين اتّقى / ورمى الأعداءَ بالجيش اللجب
في سرير الملك منه قمرٌ / يُجْتَلَى يومَ العطايا بالسحب
طاهرُ الأخلاق مألوفُ العلى / طيّبُ الأعراق مصقول الحسب
عادلٌ تعكف بالحمد على / ذكره أفواهُ عُجمٍ وعرب
سالبٌ منه الندى ما سَلَبَتْ / من أعاديه عواليه السُّلُب
في نصابٍ لم يزل من حِمْيَر / مُعْرِقاً في كلّ قومٍ مُنْتَخَب
بُهَمٌ إنْ ذُكِرَ الجيشُ بِهِمْ / هالَ منه الرعبُ واشتدّ الرّهَب
والحديدُ الصلبُ لولا بأسُهُ / لم يخَفْ في الطعنِ من لين القصب
أثبت الإقدامُ في أنفسهمْ / أنّ مرّ الضّرْبِ حُلْوٌ كالضَّرَب
يتّقي فيضَ النّدى مَنْ كَفّهُ / عيل منه لدغ دهر يَنتَهب
وإذا ما ضحكت سنّ الرضى / منه لم يُخْشَ عبوسْ في الغضب
كلّ قطر منه يلقى مشرباً / من جداه ولقد كان سرب
يحسب الطودَ حصاةً حلمُهُ / وتظنّ البحرَ نعماهُ ثُغَب
نالَ أهلُ الفضلِ منه فضلَهُمْ / ومن الشمس سنا نور الشّهب
تتّقي الأعداءُ منه سطوةً / وهو في ظلّ علاه مُحتجب
والهصورُ الوردُ يُخْشى وثبهُ / وهو في الغيلِ مقيمٌ لم يثب
كم فمٍ طاب لنا من ذكره / فهو كالمسكِ وكم ثغر عَذُب
وكأنّ الرّوضَ في أوصافِهِ / تُغْمَسُ الأشْعار فيه والخطب
ثابتٌ كالطود في معتركٍ / جائلِ الأبطال خفّاقِ العَذَبْ
ورؤوسٌ بالمواضي تُخْتَلى / ونفوسٌ بالعوالي تُنتهب
كم شجاعٍ خاض في مهجته / بسنانٍ في الحيازيم رسب
قلمٌ يمشقُ في الطّعنِ فَقُلْ / أمَحَا العيشَ أمِ الموتَ كتب
أيها الواصلُ من إحسانِهِ / سبباً من كلّ منبَتِّ السبب
ربّ رأيٍ لك جَهّزْتَ به / جحفلاً ذاقَ العدى منه الشجب
كنتَ يوم الحرب عنه غائباً / وظُبَى نصرِكَ فيه لم تَغِبْ
كالّذي يلعبُ في شطرنجه / رأيُهُ عنه تَخَطّى في اللّعب
أنا مَنْ صاح به يومَ النوى / عن مغانيه غرابٌ فاغترب
طفتُ في الآفاق حتى اكتهلَتْ / غُرْبَتِي واحتنكت سنّ الأدب
ثمّ أقبلتُ إلى الملكِ الذي / مدَّ بالطَّوْلِ على الدنيا طُنُب
منَحَ العلياء كَفّيْ ناقدٍ / فانتقى الدرّ وأبقى المخشلب
فَلَعَلّي ببقايا عُمُري / منه أقضي البعضَ من حقٍّ وَجبْ
لها العَتْبُ هذا دأبها وَليَ العُتْبَى
لها العَتْبُ هذا دأبها وَليَ العُتْبَى / سلمتُ من التعذيب لو لم أكن صبّا
رأى عاذلي جسمي حديثاً فرابه / ولم يدرِ أني رعيت به الحبّا
وكيف ونفسي تؤثرُ الغصن والنقا / وتهوى الشقيقَ الغضَّ والعَنَمَ الرطبا
وذاتِ دلالٍ أعْجَبَ الحسنَ خَلْقُها / فهزّ اختيالُ التّيه أعطافَها عُجبا
يكادُ وليدُ الذرِّ يجرحُ جسمَها / إذا صافحتْ منها أنامله الإتبا
فتاةٌ إذا أحسنتُ في الحبِّ أذنَبَتْ / فمن أين لولا الجورُ تُلْزِمني الدنيا
وإني لصعبٌ والهوى راضني لها / وغيرُ عجيبٍ أن يروضَ الهوى الصعبا
سريعةُ غدرٍ سيفها في جفونها / وهل لك سلمٌ عند من خُلِقَت حربا
وروضة حسنٍ غَرّدَت فوقَ نحرها / عصافيرُ حَلْيٍ تلقطُ الدرّ لا الحبّا
وألحقها بالسرب جيدٌ ومقلةٌ / وإن لم يناسبْ دُرُّ مبسمها السربا
لها من فُتون السحرِ عينٌ مريضةٌ / تحلّبُ من أجفانها الدمع والكربا
شربتُ بلحظي سكرةً من لحاظها / فلاقيت منها سَوْرَةً تشربُ اللّبا
وإني لصادٍ والزلالُ مبرَّدٌ / لديّ وإن أكثرت من صفوه شربا
فمن لي بودقٍ مطفئٍ حرّ غُلّتي / أباكرُ طلّاً من أقاحيّه عذبا
وقالوا أما يسليكَ عن شغفِ الهوَى / ومن ذا من السلوان يَسْلُكُ بي شِعْبا
وأنفاسها أذكى إذا انصرف الدجى / وريقتُها أشهى ومقلتها أسبى
وحمراءَ تُلْقَى الماء في قيد سكرِه / ويطلق من قيد الأسى شربُها القلبا
تَوَلّدَ في ما بين ماءٍ ونارِها / مُجَوّفٌ دُرٍّ لا تطيقُ له ثقبا
قستْ ما قستْ ثم اقتضى المزجُ لينَها / فكم شررٍ في الكأسِ رشّت به الشربا
وذي قتلةٍ بالراحِ أحييتُ سمعه / بأجوفَ أحيته مميتَتُهُ ضَرْبا
فهَبّ نزيفاً والنّسيم معطرٌ / فما خلتُهُ إلّا النّسيم الّذي هبّا
شربنا على إيماضِ برقٍ كأنّهُ / سنا قبسٍ في فحمةِ الليل قد شبّا
سرى رامحاً دهم الدياجي كأبْلَقٍ / له وثبةٌ في الشرق يأتي به الغرْبا
كأنّ سياط التبر منهُ تَطايَرتْ / لها قِطَعٌ مما يسوق بها السُّحْبا
إذ العيْش يجري في الحياة نعيمهُ / وذيلُ الشبابِ الغضّ أركضهُ سَحْبا
لياليَ يَندى بالمنى لي أمانُها / كأيّام يحيى لا تخاف لها خطْبا
سليلُ تميم بن المعزّ الذي له / مطالعُ فخرٍ في العلى تُطلعُ الشّهبا
هو الملك الحامي الهدى بقواضبٍ / قلوبُ العدى منها مقلّبةٌ رعبا
إذا ما الحيا روّى ليسكب صوبهُ / رأيتَ ندى يمناه يبتدرُ السكبا
بنى من منار الجود ما جَدُّهُ بنى / وذبّ عن الإسلام بالسيف ما ذبّا
وجهَّزَ للأعداءِ كلَّ عَرَمرَمٍ / يغادرُ بالأرماح أرواحهم نهبا
كتائبُ يعلوها مُشارُ قتامها / كما نَشّرَتْ أيدٍ مرسّلة كتبا
وتفشي سريراتِ النُفوسِ حماتها / بجهدِ ضرابٍ يصرعُ الأُسدَ الغلبا
إذا ما بديعُ المدحِ ضاقَ مجاله / على مادحٍ ألفاهُ في وصفه رَحْبا
ثناءٌ تخالُ الشمسَ ناراً له وما / على الأرضِ من نبتٍ له منزلاً رطبا
سميعُ سؤالِ المُجْتدي غيرَ سامعٍ / على بذلِ مالٍ من مُعاتِبه عتبا
ومن ذا يردُّ البحرَ عن فَيْضِ مَدّهْ / إذا عبّ منه بالجنائب ما عبّا
إذا ما أديرتْ بالسيول من الظُّبى / رحى الحرب في الهيجاء كان لها قطبا
شجاعٌ له في القرْن نجلاءُ ثرّةٌ / يُجَرّرُ منْها وهو كالثَّملِ القُضْبا
يُطير فراشَ الرأس مضربُ سيفِهِ / وعامله في القلبِ يحترشُ الضبّا
يخوضُ دمَ الأبطال بالجَرْدِ في الوغى / فيصدرها ورْداً إذا وردت شهبا
عليمٌ بأسرار الزمان فراسةً / كأنّ لها عيناً تريه بها العُقبى
قريبٌ إذا ساماه ذو رفعةٍ نأَى / بعيدٌ إذا ناداه مستنصرٌ لبّى
يُشرّد من آلائهِ الفقرَ بالغِنى / ويقصد من آرائه بالهِنَا النُّقْبا
يطوّقُ ذا الجُرْم المخالفِ مِنَّةً / ولولا مكانُ الحلم طَوّقَهُ العضبا
يَعُدّ من الآباءِ كلّ مُتَوَّجٍ / نديم المعالي مُلِّكَ المال والتّربا
لهم كل مرتاعٍ به الرّوعُ مُعْلَمٌ / إذا الحَرب بالأَرماحِ ناجزَتِ الحربا
مضرِّم هيجا في طويِّة غمدِهِ / منَ الفتك ما يرضي مَنيَّتها الغَضبى
إذا حاولوا قَضْبَ الجماجم جرّدوا / لها ورقاً يَنبتن في النار أو قُضبا
وإن رُفعت فوق المفارق صَيّرَتْ / دبيبَ المنايا من مضاربها وثبا
لقد أصبحتْ ساحاتُ يحيى كأنّما / إليه نفوسُ الخلق منقادةٌ جذْبا
ربوعٌ بعثتُ الطرفَ فيهنّ خاشعاً / وإن كان بُعْد العزّ يمتنح القربا
فلا همّةٌ إلا رأيتُ لها عُلاً / ولا أمّة إلا لقيت لها ركبا
بلى جرّ أذيالَ الصِّبَا وتصابَى
بلى جرّ أذيالَ الصِّبَا وتصابَى / وأوجفَ خيلاً في الهوى ورِكابا
وهزّ قناةً تحت برديْه لدنةً / تلينُ وتندى نضرةً وشبابا
وجاوَلَهُ قِدْح الهوى إذ أجالَهُ / من الرّبربِ الساجي العيونِ وثابا
قطعتُ زماني بالشَّمول مُسِنّةً / وبالروضِ كهلاً والفتاةِ كعابا
وكنتُ أعيبُ اللهوَ فيها ولا أرى / عليّ هواها في التعفف عابا
وأركبُ عزّاً صهوتي وهي مهرةٌ / أُساور منها بالشبابِ شبابا
وغيْداءَ رُؤدٍ قادني نحوها هوىً / تنسّمتُ منهُ في الهواء ملابا
مضيِّعَةٍ للطّيبِ تحسبُ أنّها / تُطَيّبُ من مسك التريب ترابا
وما صابني إلا مريجٌ بضربةٍ / تكون سؤالاً للرّضى وجوابا
فبتّ كسرٍّ في حشا الليل داخلٍ / على حبّة القلب المَصون حجابا
كأنّ الدّجى من طوله كان جامداً / فلّما تنازعنا التحية ذابا
فقلْ في ظلامٍ طالَ ثم بدا له / فقد أبْصَرَت منهُ العيونُ عُجابا
كأنّي بشطرٍ منه ثوّرت باركاً / كسيراً وشطراً قد أطرتُ غرابا
رعيتُ الصّبا حتى ذوى وَرقُ الصِّبا / ولم يُبْقِ في عمري المشيبُ شبابا
وحتى اغتدَى زَنْدي شحاحاً بقادحٍ / وأضحى جناحي في النّهوض ذُبابا
وقاطعِ أجوازِ الفيافي مُرَوّعٍ / بدَهرٍ رماه بالخُطوبِ وَرابا
يناجي بها في الليل سيداً عملّساً / ويَصحَب هَيْقا بالنّهار وجابا
بريحٍ جنوحِ الرحل يُمْسي هبوبها / نجاءً لها ملءَ الدجى وهَبابا
أبنتَ الجديلَ القاطعِ البيد جدّ لي / سباسبَ من غَوْلِ الفلا وظرابا
إذا ما النّوى ألقتْ عَصايَ محبّةً / تجنّب ليَ صرفُ الزمان جنابا
وسُرْبِلْتُ إحساناً من الحسَنِ الذي / هَمَى الجودُ من كلتا يديه وطابا
هو الملكُ الحامي الهُدى من ضلالةٍ / ففلّ لها ظفراً وهَتّمَ نابا
غدا كعبهُ في كفّة الملك عالياً / ومُلّكَ من أهل الزّمان رقابا
وأضحى لقومٍ مذعنينَ بعدلهِ / نعيماً وقومٍ مجرمين عذابا
إذا عُدّتِ الأحسابُ عُدّ نجارُهُ / له حسباً بين الملوك لبابا
توَقّدَ إقداماً وفاض سماحةً / وهُذّبَ أخلاقاً وطاب نصابا
من السادة الغُرّ الألى ملكوا الورى / وأعطاهمُ الدّهرُ الأبِيُّ جنابا
غطارفةٌ مثل الجبال حُلومُهُمْ / تكونُ لهم شمُ الجبال هضابا
إذا غضِبوا للَّه أرضاكَ فَتكهُمْ / وأَفتكُ ما تلقى الأُسودُ غِضابا
وإِن جَزموا الأعمارَ في الحربِ صَيّروا / عواملهم في الدّارِعينَ حِرابا
وتَحسَبهم تَحتَ السَوابِغ والقَنا / ضراغمَ شقّتْ في العَرينِ سَرابا
مفيدٌ مبيدٌ في سبيليه جاعلٌ / مذاقة شهدٍ للأَنامِ وصَابا
كأنّ زماناً تائباً من ذنوبهِ / رَأَى عَدلَه أَو خافَ منهُ فَتابا
إِذا مَنعَ الأَملاكُ نائِلَهُمْ سخا / وإنْ أخْطَؤوا وجهَ الصّوابِ أصابا
كثيرُ وفودِ القصْدِ لم تكفِ دجلةٌ / بِسَاحَتِهِ لِلآكِلينَ شَرابا
تُفيضُ العَطايا بالأَماني يَمينُهُ / فَتَحسِب فيهِنّ البحورَ ثغابا
وجيشٍ تخالُ الشَدْوَ في جنَبَاته / إِذا صَاهَلتْ فيه العِرابُ عرابا
إذا أسفرتْ من نقعهِ الشهب في دجىً / رَأَيت لوَجهِ الشمسِ منهُ نِقابا
تحطّمُ مُرّانَ الرّماحِ كماتُهُ / طعاناً وأوراقَ الصِفاح ضرابا
وتحسبُ أنهاءً مُلئْنَ عليهمُ / حَبائكَ من نَسجِ الصّبا وحبابا
أرونيَ منكم راجياً رَدّ قاصداً / إلى قصده وجه الرّجاءِ فخابا
ولا تعتبوهُ في الشفاعة والنّدى / فلن تجعلوا نقلَ الطباعِ عتابا
ولو خضبَ الأيدي نداهُ رأيتمُ / لكلّ يدٍ بالتّبرِ منْه خضابا
يردّ لِسانُ العضبِ عندَ سُكوتِه / إِلى هامَةِ المِقدامِ عنه خِطابا
فيا ابن عليّ أنت شبلٌ حَمَى الهدى / وأنبتَ حوليه الذوابلَ غابا
جَعَلت نيوبَ الثّغرِ زُرْقَ أسِنّةٍ / فَلَم تَجنِ زرقُ الرّوم مِنهُ رضابا
ولَو نَظَم الديماسُ مَنثورَ هامِهم / لَقلّدَ جيدَ القَصرِ منهُ سَخابا
فَلِلدينِ عيدانٌ منَ النبع جُرّبَتْ / بِعَجْمٍ فألفاها الصليبُ صِلابا
طلعتَ لَنا بدراً شموسَ طلاقةٍ / تلفّ عَلَيها راحَتاهُ سَحابا
فحالفك النّصرُ العزيزُ الّذي به / تغادرُ آسادَ الحُروبِ ذِئابا
ولا زلتَ عيداً للورى غيرَ ذاهبٍ / إذا العيدُ ولّى بالزمانِ ذهابا
مَن كانَ يعذُبُ عندها تعذيبي
مَن كانَ يعذُبُ عندها تعذيبي / أَنّى تَرقّ لِعبرتي ونَحيبي
مِن أَين يَعلَمُ من ينام مسلَّماً / حُمَةً تؤرِّق مُقلةَ الملسوبِ
أَتَدبُّ في جَفنَيه طائِفة الكرى / وعقاربُ الأصداغ ذاتُ دبيبِ
وتَنامُ في وَردِ الخُدودِ ولَدغها / متسرّب من أعينٍ لِقُلوبِ
وكأنّما سَمٌّ مُذيبٌ مسكُها / أَيُذيبُني والمِسكُ غَير مُذيبِ
كيفَ السّبيلُ إِلى لِقاءِ غَريرة / تَلقى ابتِسامَ الشّيبِ بالتَقطيبِ
مِن أَينَ أرجو أَن أَفوزَ بِسَلمِها / والحَربُ بين شَبابِها وَمَشيبي
ما حبّ شَمس عَنكَ تَغرِبُ في الفَلا / مِن أَنجُمٍ طلعَت بِغَيرِ غروبِ
قالَت لمنشدها نسيبي ما لهُ / ليس النّسيب لمثله بنسيبِ
فإلام ينشدني تغزّلَ شاعرٍ / ما كان أولاه بوعظِ خطيبِ
يا هذه أصَدىً دعَوت مُرَدّداً / ليجيب منكَ فكان غير مجيبِ
ليتَ التفاتي في القَريض أعرتهِ / حُسْنَ التفاتك رحمةً لكئيبِ
وذكرت من ضربِ المرفّل صيغةً / بمرفّل من ذلكَ المسحوبِ
وعسى وعيدُك لا يضير فلم أجِدْ / في البحر ضرباً مؤلمَ المضروبِ
إنّ الزمانَ أصابني بزمانةٍ / أبلت بتجديدِ الحَياة قَشيبي
ففنيتُ إلّا ما تطالع فكرتي / بالحذق من حِكَمي ومن تجريبي
ووجدتُ علم الشعر أخفى من هوىً / لم تفشِهِ عينٌ لعين رقيبِ
ومدائحُ الحسنِ المبخّرَة التي / فغمتْ بِطيبِ الفخر أَنفَ الطيبِ
ذو همَّةٍ بَذَلَ الندى وحمى الهدى / بمهنّدٍ ذَرِبٍ بكفِّ ضروبِ
حامي الحقيقة عادلٌ لا تتّقي / في أرضه شاةٌ عداوةَ ذيبِ
ملكٌ غدا للعيد عيداً مُبْهجاً / هُمُعُ العلى حوليه ذات ضروبِ
وَرَدَ المصلّى في جلال مُعَظّمٍ / ووَقارِ مُختَشِع وسمتِ منيبِ
بعرَمرَم رَكبت لإِرجالِ العِدى / عقبانُ جوٍّ فيه أُسْدَ حروبِ
عُقِدَ اللواءُ به على ذي هيبةٍ / حالي المناسبِ بالكرامِ حسيبِ
والبُزلُ تجنحُ بالقبابِ تهادياً / عَوْمَ السفينِ بشمألٍ وجنوبِ
من كلّ رهوٍ في المقادة مشيُهُ / نَقلَ الخطى منه على ترتيبِ
وكأنّما تعلو غواربها رُبى / روضٍ بثجّاج الحيا مَهْضوبِ
ونَجائبٍ مثل القِسيِّ ضوامرٍ / وَصَلَت بقطعِ سَباسِبٍ وسهوبِ
من كلّ مختصرِ الفلاةِ بمُعجلٍ / فكأنها إيجازُ لفظِ أديبِ
يرعى الفلا بفمٍ وترعى نحضَهُ / من منْسَمٍ للمَروِ ذي تشذيبِ
ومطلةٍ في الخافقين خوافقٍ / كقلوب أعداءٍ ذَواتِ وجيبِ
من كلّ منشورٍ على أفق الوَغى / مسطورُهُ كالمُهْرَقِ المكتوبِ
جاءَتْ تتَرّبُهُ العتاقُ بنقعها / والريح تنفضه منَ التَتريبِ
أو كلّ ثعبانٍ يُناطُ بقَسْوَرٍ / بين البنود كمُحْنَقٍ وغَضُوبِ
صُوَر خُلِعْنَ على المَواتِ فخيلت / فيها الحياة بسورةٍ ووثوبِ
وفغرنَ أفواهاً رحاباً عُطّلَتْ / أشداقها من ألْسُنٍ ونيوبِ
من كلّ شخصٍ يحتسي من ريحِهِ / روحاً يحرّك جسمَه بهبوبِ
وترى بها العنقاءَ تنفضُ سِقْطَها / في نَفْنَفٍ للحائماتِ رحيبِ
وَصلتْ ذُرى المَهدِيّتين وهاجرَتْ / وكراً لها بالهِند غيرَ قريبِ
وصواهلٍ مثل العواسل عَدْوُهَا / أبداً لحربِ عدوّك المحروبِ
من كلّ وردٍ ما يشاكلُ لونَهُ / إلا تورّدُ وجنةِ المحبوبِ
وكأنّما كَنَزَتْ ذخيرةُ عِتْقِهِ / مِنهُ عبابَ البحر في يَعبوبِ
أَو أَدهمٍ داجي الإِهابِ كَأنّما / صَبَغَ الغرابَ بِلَونِهِ الغربيبِ
أرساغُهُ دُرَرٌ على فيروزجٍ / لان الصفا من وقعهِ لصليبِ
يعدو ولا ظلٌّ له فكأنّهُ / بَرق فَيا لِلبرقِ مِن مركوبِ
أَو أَشهبٍ مثل الشهابِ ورَجمهِ / شخصَ المريدِ بِمُحرقٍ مشبوبِ
لا فرقَ ما بين الصباحَ وبينه / إلّا بِعَدْوٍ منه أو تقريبِ
أو أصفرٍ مثل البهار مغيّر / بسواد عَرْفٍ عَن سَوادِ عسيبِ
أو أشعلٍ للون فيه شُعْلَةٌ / تُذْكى بريحٍ منه ذاتُ هبوبِ
وكأنّه مرداة صخرٍ حَطّهُ / من عَلْوَ سيلٌ ماجَ في تَصويبِ
وكأنّما سَكِرَ الكميتُ بلونه / فلَهُ بمشيتِهِ اختيالُ طروبِ
وكأنّ حدّة طرفه وفؤادِه / من خَلْقِهِ في الأذنِ والعرقوبِ
وجَلَتْ سروجُ الحَلْيِ فوق متونها / سُرُجاً تألّقُ وهي ذاتُ لهيبِ
صَدَرَتْ منَ الذَهَب الثَقيلِ خِفافُها / ونشاطها متخثّرٌ بلغوبِ
وكأنّما من كلّ شمسٍ حلية / صيغتْ لكلّ مُسَوّمٍ مَجْنوبِ
صلّيتَ ثم قفوتَ مِلّةَ أحْمَدٍ / في نَحْرِ كلّ نجيبةٍ ونَجيبِ
مِن كُلّ مُرتَفِعِ السنام تَحمّلتْ / فيه المُدَى بالفرْيِ والتّرغيبِ
حيثُ الندى بعفاتِه مُتبرحٌ / تُسْديه كفّ متوَّج محجوبِ
يا من قوافينا مخافةَ نَقْدِهِ / خَلُصَتْ منَ التَنقيحِ وَالتَهذيبِ
لَم يَبقَ في الدنيا مَكان غَير ذا / يُجْري المديحَ به ذوو التأويبِ
خُذها عَروسَ مَحافل لا تجتلى / إلا بحلي علاك فَوقَ تَريبِ
لَم يَخرج الدرُّ الَّذي زينت به / إلّا بغوصٍ في البُحورِ قَريبِ
أَما بَناتي المفرداتِ فإنَّها / في الحُسنِ أَشهر من بناتِ حبيبِ
لا ينكحُ العذراءَ إلا ماجدٌ / تَبقَى بِعصمَتِه بقاءَ عسيبِ
وأنا أبو الحسناءِ والغرّاءِ إنْ / أُغْرِبْ فما الإغرابُ لي بغريبِ
يَدعو لكَ الحجّاجُ عند عجيجهم / وصِياحِهِمْ بالبيتِ في ترجيبِ
من كلّ أشعثَ مُحْرِمٍ بلغ المُنَى / بِمِنىً وأدركَ غايةَ المطلوبِ
يبكي بمكّة والحجونِ مُرَدّداً / وبيثربٍ يدعو بلا تَثريبِ
فَبَقيتَ في العليا لتدميرِ العِدَى / وغِنى الفَقير وفرجةِ المَكروبِ
غَيّرَتْهُ غِيَرُ الدّهرِ فشابْ
غَيّرَتْهُ غِيَرُ الدّهرِ فشابْ / ورمته كلُّ خود باجتنابْ
فغدا عند الغواني ساقطاً / كسقوط الصّفْرِ من عدّ الحسابْ
وتَولى عنه شَيطانُ الصبا / إذ رماه الشيبُ رجماً بشهاب
وكأنّ الشَّعرَ منه سَعَفٌ / يلتظي فيه شواظٌ ذو التهاب
أيها المُغْرى بِتأنيبِ شجٍ / سُلّطَ الوجدُ عليه هل أناب
هامَ لا همتَ من الغيد بمن / حُبّها عَذْبٌ وإن كان عذاب
لمتَ لا لمتَ عميداً قَلْبُهُ / عن سماعِ اللوم فيها ذو انقلاب
والهوى باقٍ مع المرءِ إذا / كان مع عَصْرِ الصِّبا عنه ذهاب
بأبي من أقبلتْ في صورةٍ / ليس للتّائب عنها منْ مَتَاب
كلُّ حُسْنٍ كامِلٍ في خَلقها / لَيتها تَنجو منَ العينِ بعاب
فالقوامُ الغُصْنُ والرِّدف النَّقا / والأقاحُ الثَّغْرُ والطَّلُ الرُّضاب
ظبيةٌ في العقد إمّا التفتَتْ / ومهاة حين ترنو في النقاب
ضَاع قَلبي فالتَمِسْهُ عِندها / تُلْفِهِ في النحر وُسْطَى بِسِخاب
روضةٌ تعبقُ نشراً ما لها / غُمِسَتْ في ماءِ وردٍ وَمَلاب
عَنّفَتْ رُسْلي وَرَدّتْ تُحَفي / وأتَتْ تقرعُ سَمعي بالعِتاب
ومحتْ أسْطُرَ شوقٍ كُتِبَتْ / بدموع نِقْسُها قلبٌ مذاب
ثُمَّ غَطَّتْ بِنِقابٍ خَدّها / مَنْ رأى الشمسَ تَوارَت بالحِجاب
بِكَلامٍ يَسْتَبي أهلَ النّهى / ويحُطّ العُصْمَ من شُمّ الهِضاب
حيثُ أخلاقي رواضٍ خَضَعَتْ / في الهَوى منها لأخلاقٍ صِعاب
كَيفَ لا أَبكي بِهذا كلّهِ / وأنا الفاقدُ ريعانَ الشَباب
صدّت البيضُ عن البيضِ أما / كانَ ما بينَ الشَبيهَين انجذاب
أفلا أبكي شباباً فَقْدُهُ / قَلَبَ الماءَ لظمآنٍ سَرَاب
أَخطَأَ الشَيبُ ظُباءً والصِّبا / لو رماها خَذَفاتٍ لأَصاب
خُذْ برأيٍ في زماع واصلٍ / طَرَفَيْهِ بِسَفينٍ ورِكاب
واغتربْ وارجُ المنى كم من فتىً / مُعْدَمٍ نالَ المُنى بَعدَ اغتراب
إِنّ أَتراحَ النَوى يعقُبُها / بِجَزيلِ الحَظِّ أفراحُ الإياب
وإذا نابكَ خَطْبٌ فَاقْرِهِ / بمهيبٍ فهوَ للإِسلامِ ناب
إنّ للقائد عزّاً جارهُ / في جوار النجم محميّ الجناب
أسَدُ الرّوع الذي حِمْلاقُهُ / يُرْسِلُ اللحظةَ موتاً فَيُهاب
صارمٌ يُبْكي دُمَى الرومِ دَماً / إن تغنّى منه في الهامِ ذُباب
في جهادٍ قَرَنَ اللَّه به / عنده الزّلفى إلى حُسْن المآب
كم بأرْضِ الشرك من معمورةٍ / أصبحت في غَزْوِهِ وهي يَبَاب
في أساطيلَ ترى أحشاءَها / لبناتِ الرّومِ فيهنّ انتحاب
ككناسٍ بَغَمَتْ غزلانُهُ / من زئيرٍ راعها مِنْ أُسْدِ غاب
كلّ مُسْوَدّ قَرَاهُ خلقةً / لابساً من ذلك الليلِ إهاب
إنّ ثعبانَ سراه يقتدي / في نعيب منه بالبّرِ غراب
شَجَراتٌ حَمْلُها البيضُ إذا / نَوّرَتْ بالمشرفياتِ العضاب
أثمرتْ بالعينِ في الماءِ وإن / ثَوّرَتْ منه عَجاجات العُبَاب
تقرأ الأعلاجُ منها للرّدَى / فوْقَ طِرْسِ الماءِ أسطارَ كتاب
من صناديدهمُ إنْ ساوروا / أُسُدَ البيد وحيّاتِ الشعاب
لستُ أدري أقلوبٌ منهمُ / أمْ صخورٌ في الحيازيم صِلاب
بُهَمٌ إنْ ثَوّبَتْ حَرْبٌ بِهِمْ / أوجفوا البُزْلَ إليها والعِراب
أيّها العزمُ الذي منه زكا / في المعالي عنصُرُ المجدِ وطاب
هاكها بنتَ ضميرٍ أعْرَبَتْ / عن معاليك بألفاظٍ عِذاب
يا لها من حكمةٍ بالغةٍ / خاطبَ الفضلَ بها فَصْلُ الكتاب
وَصِلِ الغزوَ بتدميرِ العدى / وَاحْيَ في العِزِّ لتسهيلِ الصعاب
الصبح شرّ بغيضِ
الصبح شرّ بغيضِ / والليلُ خير حبيبِ
فما أُحَدّثُ إلّا / عن ممرضي وطبيبي
فالصبح أبْعَدَ مني / قُرْبَ الغزال الربيب
فلو قضيتَ لقلبي / لما شكا من وجيب
أمتَّ عينَ صباحي / يوماً وعينَ رقيبي
وكنتُ إذا مرضتُ رجوتُ عيشاً
وكنتُ إذا مرضتُ رجوتُ عيشاً / لياليَ كنتُ في شرخ الشبابِ
فصرتُ إذا مرضت خشيت موتاً / وقلتُ قد انقضى عَدَدُ الحسابِ
فنفسُ الشيخ تضعف كلّ حينٍ / وقوّتُهُ على طَرَفِ الذّهابِ
ولستُ مُصَدّقاً خُدَعَ الأماني / وهل تُوكى المَزَادُ على السّرابِ
نَعوذُ مِنَ الشيطانِ باللّه إنّهُ
نَعوذُ مِنَ الشيطانِ باللّه إنّهُ / يوسوسُ بالعصيان في أُذُنِ القلبِ
عَدُوّ أبينا قبْلنا والذي له / جنودٌ مع الأيام دائمةُ الحَربِ
ولو لمْ يكنْ أمْرُ الشياطينِ يُتّقَى / لما احْتَرَسَتْ منها الملائكُ بالشهبِ
رُوَيْدَكِ يا معذِّبَةَ القلوبِ
رُوَيْدَكِ يا معذِّبَةَ القلوبِ / أما تَخْشَينَ من كسْبِ الذنوبِ
متى يُجْري طلوعُكِ في جفوني / سنا شمسٍ مواصلةِ الغروبِ
وكم تُبْلي الكروبُ عليك جسمي / ألا فَرَجٌ لديك من الكروبِ
وأنْتِ قدحتِ في أعشارِ قلبي / بسهميك المُعلّى والرّقيبِ
ولم أسمع بأنّ عيونَ عِينٍ / تُفيضُ سهامَهُنَّ على القلوبِ
أسِهامٌ مُفَوّقاتٌ لرمْيِي
أسِهامٌ مُفَوّقاتٌ لرمْيِي / أم قِداحٌ مفوَّقات لضربي
صائباتٌ جميعُهَا فاتراتٌ / وَيْحَ قلبي ماذا يُعِدّ لقلبي
تلكمُ الأعينُ التي خذلَتني / في التصابي بها خواذلُ سَربِ
رَبّةَ البُرْقُعِ الَّتي فيه تَحمي / وردةَ الخدّ عقربٌ ذاتُ لسبِ
قد مزَجْتِ العذابَ لي فهو عذبٌ / بزلالٍ من ماء ثغرِكِ عَذْبِ
لا أركبُ البحرَ خوفاً
لا أركبُ البحرَ خوفاً / عليّ منه المعاطب
طينٌ أنا وهو ماءٌ / والطينُ في الماء ذائب