المجموع : 37
أرى الدهر مغلوباً ضعيفا وغالبا
أرى الدهر مغلوباً ضعيفا وغالبا / فلا تَعتِبَنْ لا يسمعُ الدهرُ عاتبا
ولا تكذبنْ ما في البرية راحمٌ / ولا أنت فاترُكْ رحمةً عنك جانبا
تمكّنَ ذو طَوْلٍ فأصبح حاكماً / وجنّب مدحوراٌ فأصبح راهبا
وفاتت أناساً قدرةٌ فتمسكوا / ولم يُخْلقوا أُسداً فعاشوا ثعالبا
إلى روح " مكيافيل " نفحُ تحية / وصوبُ غمامٍ يترك القبرَ عاشبا
أبان لنا وجهَ الحقيقةِ بعدما / أقام الورى ستراً عليه وحاجبا
ولو رُمتُ للعَوْرات كشفاً أريتُكُمْ / من الناس حتى الأنبياءِ عجائبا
أريتكُمُ أنَّ المنافعَ صُوِّرتْ / محامدَ والحرمانَ منها معايبا
أريتكُمُ أنَّ ابنَ آدمَ ثعلبٌ / يماشيك منهوباً ويغزوك ناهبا
لحفظ " الأنانياتِ " سُنَّتْ مناهجٌ / على الخلق صَبَّتْ محنةً ومصائبا
يجرُّ سياسيُّ عليها خصومَه / ويدرك دينيُّ بهنّ المطالبا
فان تراني مستصرخاً من مُلِمَّة / على الناس إذ لم أخدعِ الناسَ صاخبا
فليس لأني ذو شعور وإنّما / أردتُ على الأيام عوناً وصاحبا
هي النفس نفسي يسقط الكلُّ عندها / إذا سَلِمتْ فليذهبِ الكونَُ عاطبا
بلى ربما أهوى سواها لأنه / يَجُرُّ إليها شهوةً ومآربا
ولو مُكِّنََتْ نفسي لأرسلتَ عاصفاً / على الناس يَذروهم وفجَّرتُ حاصبا
فلو كنت دينيّا تخذت محمداً / وعيسى وموسى حجة وركائبا
تناهبتُ أموالَ اليتامى أجوزُها / وأجمعُها باسم الديانة غاصبا
ومهدتُ لي عيشاً أنيقاً بظلها / ومتعتُ نفسي منه ثم الأقاربا
ولو كنتُ من أهل السياسة لم أَدَعْ / سناماً لمن أرتابُ فيهم وغاربا
تَخذتُ الورى بالظن أُحصي خطاهُمُ / ورُحْت لدقاتِ القلوبِ محاسبا
ولم أرَ في الاثم الفظيع اقترفتُه / سوى أنني أدّيتُ للحكم واجبا
فان لم أُطِقْ تهديمَ بيتٍ مصارحاً / أتيتُ فهدَّمتُ البيوتَ مواربا
لجأتُ إلى الدُّسْتُور في كل شدةٍ / أفسّر منه ما أراه مناسبا
وجردتُهُ سيفاً أمضَّ وقيعةً / من السيف هنديا وأمضى مضاربا
أكُمُّ به الأفواهَ حقا وباطلا / وأخْنُقُ أنفاسا به ومواهبا
أُهدّمُ فيه مجلساً ليَ لا أُريدهُ / وإن ضمَّ أحراراً غَيارىَ أطابيا
وأبني عليه مجلساً ليَ ثانيا / أضيّع " ألكاكاً " عليه رواتبا
أُحشّد فيه أصدقائي وأسرتي / كما ضمّ بيتٌ أُسرةً وصواحبا
فان لم تكن هذي لجأتُ لغيرها / أخفَ أذىً منها وألين جانبا
أُرشحُ من لم يعرفِ الشعبُ باسمه / أباعدَ عنه لفّقوا وأجانبا
أُسخّرهم طوراً لنفسي وتارةً / أصُبّ على الأوطان منهم مصائبا
وأغريت بالتلطيف أسْحَرُ شاعراً / وأغدقت بالأموال اخْدَعُ كاتبا
فهذا يسمى الجورَ حزماً وحكمةً / وذلك يعتدُّ المخازي مناقبا
ولو كنتُ فناناً ولو كنتُ عاملاً / ولو كنتُ أُمياً ولو كنت كاسبا
ولو كنت مهما كنت فرداً فانني / لأجهَدُ في تحطيم غيريَ دائبا
ولا أعرف التاريخَ يهتاج ساخطا / عليّ ولا الوجدانَ يرتدُّ غاضبا
فما كانت الأعذار إلا لخاملٍ / وما كنت إلا طامحَ النفسِ واثبا
دعوني دعوني لا تهيجوا لواعجي / ولا تبعثوا مني شجوناً لَواهِبا
أُممٌ تَجِدُّ ونَلعبُ
أُممٌ تَجِدُّ ونَلعبُ / ويُعذَّبون ونَطرَبُ
المَشرِقُ الواعي يَخُط / مَصيرهُ والمَغرب
فهُنا دمٌ يَتعهَّد الـ / جيلَ الجديدَ فَيُسكب
وهنا كِفاحٌ – في سبيلِ / تحرُّرٍ – وتوثّب
وهنا جماهيرٌ يخُبُّ / بها زعيمٌ أغلَب
ونعيشُ نحنُ كما يعيشُ / على الضفافِ الطُحْلُب
مُتطفِّلينَ على الوجودِ / نعومُ فيه ونَرْسُب
مُتذبذِبينَ وشرُّ ما / قتلَ الطُموحَ تَذبذب
نُوحي التطَيرَ كالغُرابِ / إلى النفوس وَتْعَب
ونبُثُّ رُعباً في الصفوفِ / بما ندُسُّ ونكذِب
نَدعو إلى المستعمرينَ / لسوِطهم نَتَحبَّب
نَهوى تَقَربَهم وفيه / حتفُنا يتقرّب
متخاذلينَ كما يشاءُ / تعنّتٌ وتعصّب
إنَّ العراقَ بما نُحَشِّدُ / ضِدَّه ونؤلَّب
بيتٌ على يدِ أهلهِ / مِمَّا جَنَوا يَتخرَّب
إنَّ الحياةَ طريقُها / وعرٌ بعيدٌ مُجدِب
عرَقُ الجبينِ على / الدماء فويَقها يتصببَّ
ومِنَ الجماجم ما يَعيقُ / الواهنينَ ويُرْهِب
يَمشي عليها الآبِنُ / يُنجِزُ ما تَرَسَّمهُ الأب
ولكَم تخلَّفَ مَعشرٌ / عنها وشُرِّدَ مَوكب
ووراءها الواحاتُ طابَ / مراحُها والمَشرَب
ونُريدُ نحنُ لها طَريقاً / منهجاً لا يُنْصِب
الجَاهُ ينْعَمُ تحتَ / ظِلِّ جِهادِنا والمنَصِب
قُلْ للشبابِ تحفَّزوا / وتيقَّظوا وتألَّبوا
وتأهِّبوا للطارئاتِ / فانَّها تَتأهَّب
سيَجِدُّ ما سيطولُ / إعجابٌ به وتعجّب
سيزولُ ما كنَّا / نقولُ مُشرِّقٌ ومُغرِّب
ستكونُ رابطةَ الشعوبِ / مبغَّضٌ ومُحَبَّب
سِيروا ولا تستوحشوا / ورِدُوا ولا تَتَهيَّّبوا
لا تَظمأوا إن الحياةَ / مَعينُها لا يَنْضُب
سِيروا خِفافاً نَفْسُكمْ / وصَفاؤها والمذهب
لا تُثقلوها بالعويصِ / وبالغريبِ فتتعَبوا
وتَلَمَّسوا أُفقاً تلبَّدَ / غَيَمُهُ وترقَّبوا
يَنْهّضْ لكُمْ شَبحٌ / بمسفوحِ الدماءِ مُخَضَّب
غضِرُ الصِبا وكأنَّه / مِمَّا تغبَّرَ أشيب
ذو عارضتَينِ فمؤنسٌ / جَذِلٌ . وآخر مُرعِب
يَرنو إلى أمسٍ فيعبِسُ / عندهَ . ويُقطِّب
ويلوحُ فجرُ غدٍ فيركُض / نحوه ويُرحَّب
يأوي إليهِ مُعمَّر / ويخافُ منه مُخرّب
مخضَ الحياةَ فلم يُفُتْهُ / مُصرَّحٌ ومُرَوَّب
وانزاحَ عنْ عينيهِ ما / يُطوى عليه مُغَيَّب
فاستلهِموهُ فخيرُ من / رَسَمَ الطريقَ مُجرِّب
لا تجمُدوا إنّ الطبيعةَ / حُرَّةٌ تتقلَّب
كونوا كرقراقٍ بِمَدرجةِ / الحَصى يتسَرَّب
نأتي الصخورُ طريقَه / فيجوزُهنَّ ويَذهب
وخُذوا وُجوهَ السانحاتِ / منَ الظروفِ فقلِّبوا
فاذا استوَتْ فتَقحََّّموا / وإذا التوَتْ فتَنكبَّوا
وإذا وجدتُم جذوةً / فضعوا الفتيلَ وألهِبوا
مُدُّوا بأيديِكم إلى / هذا الخليطِ فشذِّبوا
وتناولوا جَمراتِكم / آناً وآناً فاحصِبوا
لا تَحذَروا أن تُغْضِبوا / مَن سرَّهُ أنْ تُغضَبوا
كُونوا كعاصفةٍ تُطَّوحُ / بالرمالِ وتَلعب
وتطلَّبوا بالحتفِ مَن / لحتُوفِكُمْ يتَطلَّب
لا يُؤيسَنَّكُمُ مُقلُّ / عَديدكم أنْ تَغْلِبوا
إنْ لم يكنْ سببٌ يَمُدُّ / خُطاكُمُ فتسبَّبوا
لا تَنْفروا إن الحياةَ / إليكمُ تتقرَّب
لكمُ الغدُ الداني القُطوفِ / وصَفْوُهُ المُستَعْذَب
إنّ النضالَ مُهِمَّةٌ / يَعيا بها المُتَرهِّب
سَيرى الذينَ تدَّثروا / وتزمَّلوا وتَجَلْببوا
وتحدثَّوا نَزْراً كمِعْزاةٍ / بجدب تُحلب
وتَنادَروا هَمْساً كما / ناغَى " جنيدبَ " جُنْدُب
خطواتُهمْ وشِفاهُهم / ورْوسُهم تَترتَّب
نَسَقاً كما الآجُرُّ صَفَّفَهُ / صَناعُ مُدَرَّب
إنّ الحياةَ سريعة / وجريئة لا تُغْلَب
تَرمي بأثقالِ السنينَ / وراءها وتُعَقِّب
وتدوسُ مَن لا يستطيعُ / لَحاقها وتؤدِّب
أأنتَ رأيتَ الشمسَ إذ حُمّ يومُها
أأنتَ رأيتَ الشمسَ إذ حُمّ يومُها / تَحَدَّرُ في مهوىً سحيقٍ لتغربا
تَحدَّرُ في مهوىً تلقفَ قُرْصَها / تلقُّفَ تَنُّورٍ رغيفاً محصبا
وما خلفت في الجو من خطراتها / وما خلعت من مرقصات على الربى
وما بدلت من زرقة البحر ألهَبَتْ / بحمرتها آذيَّهُ فتلهبا
تغيّر حتى حِوَّمَ الطيرُ فوقه / يحاذر أن يدنو إليه ليشْرَبا
وقد صَمَتَ الكونَ الرهيبُ ضجيجُه / على أنّهُ في صمتهِ كان أرهبا
وهيمنَ رَوحٌ من جِمام ورقةٍ / على الشاطئين استيقظا فتوثّبا
أأنت رايتَ الغيمَ يلتَمُّ فوقها / يجاذِبُ متنَْها رداءً مذهَّبا
يغازلها ما غازلتْهُ اخو هوىً / يلاعبُها ما استمتعتْ منه ملعبا
تجَمع من أطرافها ثم مسّه / بروعته لالاؤها فتشعبا
أأنت سألت الكون عن أي باعث / بدا في غروب الشمس جذلان معجبا
وأيّ يد مرت عليه كريمةٍ / صناعٍ . فردَّتْهُ أديما مخضّبا
وما هذه الأشباحُ تترى ؟ اغيمةٌ / تولّد أظرفا ونابا ومخلبا
غرابٌ تصبّاه غرابٌ وثعلبٌ / يطارد في جَوْز السمواتِ ثََعْلبا
وثمَّ سنامٌ مُستَجدٌّ وغاربٌ / يناديك أن تسعى إليه فتركَبا
وثَمَّ سفينٌ من دخانٍ قلوعُه / ونوتيُّهُ رَوح رخيٌّ من الصبا
واولاءِ رهطُ الجنَّ بين نديّهم / يُقيمون من سحرٍ رواقا مطنّبا
كأني أرى المزمارَ في فَم عازفٍ / وأسْمَعُ – لو أقوى – الغناءَ المشببا
وتلكمْ على النادي تطوفُ عرائسٌ / بدا سافراً رهطٌ . ورهطٌ تَنَقَّبا
وهاتيك اقزاعٌ لطافٌ كؤوسُها / وخَمْرَتُها جَوْنُ السَّحاب تذوَّبا
ب " يافا " يومَ حُطَّ بها الرِكابُ
ب " يافا " يومَ حُطَّ بها الرِكابُ / تَمَطَّرَ عارِضٌ ودجا سَحابُ
ولفَّ الغادةَ الحسناءَ ليلٌ / مُريبُ الخطوِ ليسَ به شِهاب
وأوسعَها الرَذاذُ السَحُّ لَثْماً / فَفيها مِنْ تحرُّشِهِ اضطِراب
و " يافا " والغُيومُ تَطوفُ فيها / كحالِمةٍ يُجلِّلُها اكتئاب
وعاريةُ المحاسن مُغرياتٍ / بكفِّ الغَيمِ خِيطَ لها ثياب
كأنَّ الجوَّ بين الشمسِ تُزْهَى / وبينَ الشمسِ غطَّاها نِقاب
فؤادٌ عامِرُ الإيمانِ هاجَتْ / وسوِسُه فخامَرَهُ ارتياب
وقفتُ مُوزَّعَ النَّظَراتِ فيها / لِطَرفي في مغَانيها انْسياب
وموجُ البحرِ يَغسِلُ أخْمَصَيْها / وبالأنواءِ تغتسلُ القِباب
وبيّاراتُها ضَربَتْ نِطاقاً / يُخطِّطُها . كما رُسمَ الكتاب
فقلتُ وقد أُخذتُ بسِحر " يافا " / واترابٍ ليافا تُستطاب
" فلسطينٌ " ونعمَ الأمُ هذي / بَناتُكِ كلُها خوْدٌ كَعاب
أقَّلتني من الزوراءِ رِيحٌ / إلى " يافا " وحلَّقَ بي عُقاب
فيالَكَ " طائراً مَرِحاً عليه / طيورُ الجوِّ من حَنَقٍ غِضاب
كأنَّ الشوقَ يَدفَعُهُ فيذكي / جوانِحَهِ من النجم اقتراب
ركبِناهُ لِيُبلِغَنا سحاباً / فجاوزَه لِيبلُغَنا السّحاب
أرانا كيف يَهفو النجمُ حُبَّاً / وكيفَ يُغازِلُ الشمسَ الَّضَباب
وكيفَ الجوُّ يُرقِصُهُ سَناها / إذا خَطرتْ ويُسكِره اللُعاب
فما هيَ غيرُ خاطرةٍ وأُخرى / وإلاّ وَثْبةٌ ثُمَّ انصِباب
وإلاّ غفوةٌ مسَّتْ جُفوناً / بأجوازِ السماءِ لها انجِذاب
وإلاّ صحوةٌ حتّى تمطَّتْ / قوادِمُها كما انتفَضَ الغُراب
ولمّا طبَّقَ الأرَجُ الثنايا / وفُتِّح مِنْ جِنانِ الخُلدِ باب
ولاحَ " اللُّدُّ " مُنبسِطاً عليهِ / مِن الزَهَراتِ يانِعةً خِضاب
نظْرتُ بمُقلةٍ غطَّى عليها / مِن الدمعِ الضليلِ بها حِجاب
وقلتُ وما أُحيرُ سوى عِتابٍ / ولستُ بعارفٍ لِمَنِ العتاب
أحقَّاً بينَنا اختلَفَتْ حُدودٌ / وما اختَلفَ الطريقُ ولا التراب
ولا افترقَتْ وجوهٌ عن وجوهٍ / ولا الضّادُ الفصيحُ ولا الكِتاب
فيا داري إذا ضاقَت ديارٌ / ويا صَحبيْ إذا قلَّ الصِحاب
ويا مُتسابقِينَ إلى احتِضاني / شَفيعي عِندَهم أدبٌ لُباب
ويا غُرَّ السجايا لم يَمُنُوا / بما لَطُفوا عليَّ ولم يُحابوا
ثِقوا أنّا تُوَحَّدُنا همومٌ / مُشارِكةٌ ويجمعُنا مُصاب
تَشِعُّ كريمةً في كل طَرفٍ / عراقيٍّ طيوفُكُم العِذاب
وسائلةٌ دَماً في كلِّ قلبٍ / عراقيٍّ جُروحُكم الرِغاب
يُزَكينا من الماضي تُراثٌ / وفي مُستَقْبَلٍ جَذِلٍ نِصاب
قَوافِيَّ التي ذوَّبتُ قامَتْ / بِعُذري إنّها قلبٌ مُذاب
وما ضاقَ القريضُ به ستمحو / عواثِرَهُ صُدورُكم الرّحاب
لئنْ حُمَّ الوَداعُ فضِقتُ ذَرعاً / به واشتفَّ مُهجتيَ الذَّهاب
فمِنْ أهلي إلى أهلي رجوعٌ / وعنْ وطَني إلى وطني إياب
ما أحوجَ الشاعرَ الشاكي لمُغضِبَةٍ
ما أحوجَ الشاعرَ الشاكي لمُغضِبَةٍ / وميزةُ الشاعرِ الحساسِ في الغضبِ
أمّا القوافي فأنغامٌ تُوَقِّعُها / يدُ الخُطُوبِ إذا ما هيَّجَتْ عصبي
أصِخْ لتلحينِ روحي وهي ناقمةٌ / فما يهزُّك لحنُ الروحِ إن تَطِب
شجتْك كربةُ أبياتٍ وجدتَ بها / على كآبتها تفريجةَ الكُرَب
ثقافةُ الشعبِ قل لي أين تَنشُدها / أفي الصحافةِ مزجاةً أم الكُتُب
هذي كما اندفعتْ عشواءُ خابطةٌ / وتلك فيما حوت " حمالةُ الحطب "
أما الشعورُ فإنّي ما ظَفِرْتُ به / في مجلسِ العلمِ أو في مَحْفِلِ الأدب
لا ثورةُ النفسِ في الأشعارِ ألْمَسُها / إلا القليلَ ولا التأثيرُ في الخطب
باكون ما حُرِّكَتْ في النفس عاطفةٌ / وضاحكون ولاشيءٌ من الطرب
مُسَخّرون بما توحي الوحاةُ لهم / كما تُهَزُّ دواليبٌ من الخشب
لو عالج المصلحون " الجوعَ " ما فَسَدَتْ / أوضاعُنا هذه الفوضى من السغب
شعبي وما أتوقّى من مصارَحَةٍ / عارٌ على يعربٍ كُلُّ على العرب
ألهاه ماضيه عن تشييدِ حاضره / وعن لبابِ المساعي قِشْرَةُ النَّسَب
عشنا على شرفِ الأجداد نَلصقُهُ / بنا كما عاش قُطَاعٌ على السَّلَب
قامت تُرَوّجُ آداباً عَفَتْ عُصَبٌ / ما أبعدَ الأدبَ العالي عن العُصب
هُزَّ القلوبَ بإحساسٍ تَفيضُ به / ثم ادعُ حتى صخوراً صمةً تُجب
شانت أديباً وحطَّتْ عالماً فَهماً / مشاحناتٌ على الألقابِ والرُّتَب
قالوا " أِدْ " لركيكٍ غيرِ مُنْسَجِمٍ / لو في يدي قلتُ عدّ القولَ وانسحب
حتى صديقٌ عن التقليدِ أرفَعُهُ / مصاخبٌ إذ سوادُ الناسِ في صَخَب
دومي قوافيّ طولَ الدّهْرِ خالدةً / إن صحَّ أنّكِ أوتادٌ من الذهب
أوْلا فبيني أدالَ اللهُ من أثرٍ / تنالُ منه يدُ الأعصارِ والحِقَب
مجَّدْتُ فيكَ مَشاعِراً ومَواهبا
مجَّدْتُ فيكَ مَشاعِراً ومَواهبا / وقضيْتُ فَرضاً للنوابغِ واجِبا
بالمُبدعينَ " الخالقينَ " تنوَّرَتْ / شتَّى عوالمَ كُنَّ قبلُ خرائبا
شرفاً " عميدَ الدارِ " عليا رُتبةٍ / بُوِّئْتَها في الخالدين مراتبا
جازَتْكَ عَن تَعَبِ الفؤادِ فلم يكن / تعبُ الدماغ يَهُمُّ شهماً ناصبا
أعْطَتْكَها كفٌّ تضمُّ نقائصاً / تعيا العقولُ بحلِّها . وغرائبا
مُدَّتْ لرفعِ الأنضلينَ مَكانةً / وهوتْ لصفعِ الأعدلينَ مَطالبا !
ومضَتْ تُحرِّرُ ألفَ ألفِ مقالةٍ / في كيفَ يحترمونَ جيلاً واثبا
في حين تُرهِقُ بالتعنّتِ شاعراً / يَهدي مَواطنَهُ وتُزِهق كاتبا
" التَيْمِسيّونَ ! " الَّذين تناهبوا / هذي البلاد حبائباً وأقاربا
والمغدِقونَ على " البياضِ " نعيمَهُمْ / حَضْنَ الطيورِ الرائماتِ زواغبا
يَستصرخونَ على الشّعُوب لُصوصَها / في حينَ يَحتجزونَ لِصّاً ساربا
ويُجَنِّبونَ الكلب وَخزةَ واخزٍ / ويجَهِّزُونَ على الجُموعِ معاطِبا
أُلاءِ " هاشمُ " مَنْ أروكَ بساعةٍ / يصحو الضميرُ بها ! ضميراً ثائبا
فاحمَدْهُمُ أن قد أقاموا جانباً / واذمُمْهُمُ أن قد أمالوا جانبا
وتحرَّسَّنْ أنْ يقتضوكَ ثوابَها ! / وتوقَّ هذا " الصيرفيَّ " الحاسبا
لله درُّكَ أيُّ آسٍ مْنقذٍ / يُزجي إلى الداءِ الدواءَ كتائبا
سبعونَ عاماً جُلتَ في جَنَباتها / تبكي حريباً أو تُسامرُ واصبا
متحدَّياً حُكمَ الطباعَ ! ودافعاً / غَضَبَ السَّماءِ وللقضاءِ مُغالِبا!
تتلمَّسُ " النَّبَضاتِ " تجري إثرّها / خلَجاتُ وجهِكَ راغباً أو راهبا
ومُشارِفٍ ! نَسَجَ الهَلاكُ ثيابَهُ / ألْبْستَهُ ثوبَ الحياةِ مُجاذبا
ومكابدٍ كَرْبَ المماتِ شركتَهُ / - إذْ لم تَحِدْ منجىً – عناءاً كارِبا
ومحشَرجِ وقفَ الحِمامُ ببابهِ / فدفعتَهُ عنه فزُحزِحَ خائبا
كم رُحْتَ تُطلِعُ من نجومٍ تختفي / فينا وكم أعْلَيْتَ نجماً ثاقبا
هذا الشَّبابُ ومِن سَناكَ رفيفُهُ / مجدُ البلادِ بهِ يرفُّ ذوائبا
هذا الغِراسُ – وملُْ عينِكَ قرّةٌ / أنَّا قطفنا مِن جَناهُ أطايبا
هذا المَعينُ وقد أسلتَ نَميرَهُ / وجهُ الحياةِ به سيُصبْحُ عاشبا
هذي الاكُفُّ على الصدورِ نوازِلاً / مثلُ الغيوثِ على الزُّروغِ سواكبا
أوقفتَ للصَّرعى نهاراً دائبا / وسهِرْتَ ليلاً " نابِغيّاً " ناصبا
وحضَنْتَ هاتيكَ الأسِرَّةَ فوقَها / أُسْدٌ مُضَرَّجَةٌ تلوبُ لواغِبا
أرَجٌ من الذكرى يلفَّكَ عِطْرُهُ / ويَزيدُ جانبكَ المُوطَّد جانبا
ولأنتَ صُنْتَ الدارَ يومَ أباحها / باغٍ يُنازلُ في الكريهةِ طالبا
الْغَيُّ يُنْجِدُ بالرَصاصُ مُزَمْجِراً / والرّشدَ يَنجِدُ بالحجارةِ حاصبا
وَلأنتَ أثخَنْتَ الفؤادَ من الأسى / للمثُخَنينَ مِن الجراحِ تعاقُبا
أعراسُ مملكةٍ تُزَفُّ لمجدِها / غُررُ الشَّبابِ إلى التُرابِ كواكبا
الحْاضنينَ جِراحَهَمْ وكأنَّهمْ / يتَحَضَّنونَ خرائداً وكواعبا
والصابرينَ الواهبينَ نُفوسَهُمْ / والمُخجِلينَ بها الكريمَ الواهبا
غُرَفُ الجنانِ تضوَعَتْ جنَباتُها / بصديدِ هاتيكَ الجراح لواهبا
وبحَشْرجاتِ الذاهبينَ مُثيرةً / للقادمينَ مواكباً فمواكبا
غادي الحيا تلك القبورَ وإنْ غدت / بالنَّاضحاتِ من الدّماءِ عواشبا
وتعهَّد الكَفَنَ الخصيبَ بمثلهِ / وطنٌ سيَبْعَثُ كلَّ يومٍ خاضبا
بغدادُ كانَ المجدُ عندَكِ قَيْنَةً / تلهو وعُوداً يَستحثُّ الضَّاربا
وزِقاقَ خَمْرٍ تستَجِدُّ مَساحبا / وهَشيمَ رَيْحانِ يُذَرَّى جانبا
والجسرُ تمنحُهُ العيونُ من المَها / في الناسِبينَ وشائجاً ومناسِبا
الحَمدُ للتأريخِ حينَ تحوَّلَتْ / تلكَ المَرافِهُ فاستَحَلْنَ مَتاعبا
الشِّعْرُ أصبحَ وهو لُعْبةُ لاعبٍ / إنْ لمَ يَسِلْ ضَرَماً وجَمْراً لاهبا
والكأسُ عادتْ كأسَ موتٍ ينتشي / زاهي الشبابِ بها ويمسحُ شاربا!
والجسرُ يفخرُ أنَّ فوقَ أديمهِ / جثثَ الضَّحايا قد تَرَكْنَ مساحبا!
وعلى بريقِ الموتُ رُحْنَ سوافراً / بيضٌ كواعبُ يندفعنَ عصائبا
حدِّثْ عميدَ الدارِ كيفِ تبدَّلَت / بُؤَراً قِبابٌ كُنَّ أمسِ مَحارِبا
كيف أستحالَ المجدُ عاراً يتَّقَى / والمكرُماتُ من الرّجالِ مَعايبا
ولم استباحَ " الوغدُ " حُرمةَ من سَقى / هذي الديارَ دماً زكِيّاً سارِبا
إيهٍ " عميدَ الدار " كلُّ لئيمةٍ / لابُدَّ – واجدةٌ لئيماً صاحبا
ولكلِّ " فاحشةِ " المَتاع دَميمةٍ / سُوقٌ تُتيحُ لها دَميماً راغبا
ولقد رأى المستعمِرونَ فرائساً / منَّا وألفَوْا كلبَ صيدٍ سائبا!
فتعهَّدوهُ فراحَ طوعَ بَنانِهمْ / يَبْرُونَ أنياباً له ومَخالبا
أعَرَفتَ مملكةً يُباحُ " شهيدُها " / للخائنينَ الخادمينَ أجانبا
مستأجَرِينَ يُخرِّبونَ دِيارَهُمْ / ويُكافئونَ على الخرابِ رواتبا
مُتَنمّرينَ يُنَصّبونَ صُدورهُمْ / مِثْلَ السّباعِ ضَراوةً وتَكالُباً
حتى إذا جَدَّتْ وغىً وتضرَّمَتْ / نارٌ تلُفُّ أباعِداً وأقارِبا
لَزِموا جُحورَهُمُ وطارَ حليمُهُمْ / ذُعْراً وبُدِّلَتِ الأسودُ أرانبا
إيهٍ " عميدَ الدار " ! شكوى صاحبٍ / طفَحَتْ لواعجُهُ فناجى صاحبا
خُبِّرْتُ أنَّكَ لستَ تبرحُ سائلاً / عنّي تُناشدُ ذاهباً أو آيِبا
وتقولُ كيفَ يَظَلُّ " نجم " ساطعٌ / ملءُ العيونِ عن المحافل غائبا
الآنَ أُنبيكَ اليقينَ كما جلا / وضَحُ " الصَّباح " عن العيون غياهبا
فلقد سَكَتُّ مخاطِباً إذ لم أجِدْ / مَن يستحقُ صدى الشكاةِ مُخاطَباً
أُنبيكَ عن شرِّ الطّغامِ مَفاجراً / ومَفاخراً ومساعياً ومكاسبا
الشَّاربينَ دمَ الشَّبابِ لأنَّهُ / لو نالَ من دَمِهِمْ لكانَ الشَّاربا
والحاقدينَ على البلادِ لأنَّها / حقَرَتْهم حَقْرَ السَّليبِ السَّالبا
ولأنَّها أبداً تدوسُ أفاعياً / منهمْ تَمُجُ سمومَها وعقاربا
شَلَّتْ يدُ المستعمرينَ وفرضُها / هذي العُلوقَ على الدّماءِ ضرائبا
ألقى إليهمْ وِزْرَهُ فتحمَّلوا / أثقالَهُ حَمْلَ " الثيّابِ " مشاجبا
واذابَهُمْ في " المُوبقاتِ " فأصبحوا / منها فُجوراً في فجورٍ ذائباً
يتَمَهَّلُ الباغي عواقبَ بَغْيِهِ / وتراهُمُ يَستعجلونَ عواقبا
حتى كأنَّ مصايراً محتومةً / سُوداً تُنيلُهُمُ مُنىً ورَغائبا
قد قلتُ لِلشَّاكينَ أنَّ " عصابةً " / غصَبَتْ حقوقَ الأكثرينَ تَلاعُبا:
ليتَ " المواليَ " يغصبونَ بأمرِهِمْ / بل ليتَهم يترَسَّمونَ " الغاصبا "
فيُهادِنون شهامةً ورجولةً / ويُحاربونَ " عقائداً " ! ومذاهبا
أُنيبكَ عن شرِّ الطّغام نكايةً / بالمؤثرينَ ضميرَهمْ والواجبا
لقَدِ ابتُلُوا بي صاعقاً مُتَلهِّباً / وَقَد ابتُلِيتُ بهمْ جَهاماً كاذبا
حشَدوا عليَّ المُغرِياتِ مُسيلةً / صغراً لُعابُ الأرذلينَ رغائبا
بالكأسِ يَقْرَعُها نديمٌ مالثاً / بالوعدِ منها الحافَتَيْنَ وقاطبا
وبتلكُمُ الخَلَواتِ تُمْسَخُ عندَها / تُلْعُ الرِّقابِ من الظّباءِ ثعالبا!!
وبأنْ أروحَ ضحىً وزيراً مثلَما / أصبحتُ عن أمْرٍ بليلٍ نائبا
ظنّاً بأنَّ يدي تُمَدُّ لتشتري / سقطَ المَّتاع وأنْ أبيعَ مواهبا
وبأنْ يروحَ وراءَ ظهريَ موطنٌ / أسمنتُ نحراً عندهَ وترائبا
حتى إذا عجَموا قناةً مُرَّةً / شوكاءَ تُدمي مَن أتاها حاطبا
واستيأسوُا منها ومن مُتخشِّبٍ / عَنتَاً كصِلِّ الرّملِ يَنْفُخ غاضبا
حُرّس يُحاسِبُ نفسَهُ أنْ تَرْعَوي / حتَّى يروحَ لمنْ سواه محاسِبا
ويحوزَ مدحَ الأكثرينَ مَفاخراً / ويحوزَ ذمَّ الأكثرينَ مثالبا !!
حتى إذا الجُنْديُّ شدَّ حِزامَهُ / ورأى الفضيلةً أنْ يظْلَّ مُحاربا
حَشدوا عليه الجُوعَ يَنْشِبُ نابَهُ / في جلدِ " أرقطِ " لا يُبالي ناشبا !
وعلى شُبولِ اللَّيثِ خرقُ نعالِهم! / أزكى من المُترهِّلين حقائبا
يتساءلونَ أينزِلونَ بلادَهم ؟ / أمْ يقطعونَ فدافِداً وسباسبا؟
إنْ يعصِرِ المتحكِّمونَ دماءَهم / أو يغتدوا صُفْرَ الوجوه شواحبا
فالأرضُ تشهدُ أنَّها خُضِبَتْ دماً / منّي وكان أخو النعيم الخاضبا
ماذا يضرُّ الجوعُ ؟ مجدٌ شامخٌ / أنّي أظَلُّ مع الرعيَّة ساغبا
أنّي أظَلُّ مع الرعيَةِ مُرْهَقاً / أنّي أظَلُّ مع الرعيَّةِ لاغبا
يتبجَّحُونَ بأنَّ موجاً طاغياً / سَدُّوا عليهِ مَنافذاً ومَساربا
كَذِبوا فملءُ فمِ الزّمان قصائدي / أبداً تجوبُ مَشارقاً ومغاربا
تستَلُّ من أظفارِهم وتحطُّ من / أقدارِهمْ وتثلُّ مجداً كاذباً
أنا حتفُهم ألِجُ البيوتَ عليهم ُ / أُغري الوليدَ بشتمهمْ والحاجبا
خسئوا : فَلْمْ تَزَلِ الرّجولةُ حُرَّةً / تأبى لها غيرَ الأمائِلِ خاطبا
والأمثلونَ همُ السَّوادُ فديتُهمْ / بالأرذلينَ من الشُراةِ مَناصبا
بمُمَلِّكينَ الأجنبيَّ نفوسَهُمْ / ومُصَعِّدينَ على الجُموعِ مَناكبا
أعلِمتَ " هاشمُ " أيُّ وَقْدٍ جاحمٍ / هذا الأديمُ تَراهُ نِضواً شاحبا ؟
أنا ذا أمامَكَ ماثلاً متَجبِّراً / أطأ الطُغاة بشسعِ نعليَ عازبا
وأمُطُّ من شفتيَّ هُزءاً أنْ أرى / عُفْرَ الجباهِ على الحياةِ تكالُبا
أرثي لحالِ مزخرَفينَ حَمائلاً / في حينَ هُمْ مُتَكَهِّمونَ مَضاربا
للهِ درُّ أبٍ يراني شاخصاً / للهاجراتِ لحُرّش وَجْهيَ ناصبا
أتبرَّضُ الماء الزُّلالَ . وغُنيتي / كِسَرُ الرَّغيفِ مَطاعماً ومَشاربا
أوْصى الظِّلالَ الخافقاتِ نسائماً / ألاَّ تُبرِّدَ من شَذاتي لاهبا
ودعا ظلامَ اللَّيلِ أنْ يختطَّ لي / بينَ النجومِ اللامعاتِ مَضاربا
ونهى طُيوفَ المُغرياتِ عرائساً / عنْ أنْ يعودَ لها كرايَ ملاعبا
لستُ الذي يُعطي الزمانَ قيادَه / ويروحُ عن نهجٍ تنهَّجَ ناكبا
آليتُ أقْتَحمَ الطُغاةَ مُصَرِّحاً / إذ لم أُعَوَّدْ أنْ أكونَ الرّائبا
وغرَسْتُ رجلي في سعير عَذابِهِمْ / وثَبَتُّ حيثُ أرى الدعيَّ الهاربا
وتركتُ للمشتفِّ من أسآرِهِمْ / أن يستمنَّ على الضّروعِ الحالبا
ولبينَ بينَ منافقِ متربِّصٍ / رعيَ الظروف ! مُواكباً ومُجانبا
يلِغُ الدّماءَ مع الوحوشِ نهارَه / ويعودُ في اللِّيل ! التَّقيَّ الراهبا
وتُسِيلُ أطماعُ الحياةِ لُعابَهُ / وتُشِبُّ منه سنامَهُ والغارِبا
عاشَ الحياةَ يصيدُ في مُتكدِّرٍ / منها ويخبِطُ في دُجاها حاطبا
حتى إذا زوَتِ المطامِعُ وجهَها / عنه وقطَّبَتِ اللُبانةُ حاجبا
ألقى بقارعةِ الطريقِ رداءَه / يَهدي المُضِلِّينَ الطريقَ اللاحِبا
خطَّانِ ما افترقا فامَّا خطَّةٌ / يلقى الكميُّ بها الطُغاة مُناصبا
الجوعُ يَرْصُدها وإمَّا حِطَّةٌ / تجترُّ منها طاعِماً أو شاربا
لابُدَّ " هاشمُ " والزَّمانُ كما ترى / يُجري مع الصَّفْوِ الزُّلالِ شوائبا
والفجرُ ينصُرُ لا محالةَ " ديكَهُ " / ويُطيرُ من ليلٍ " غراباً " ناعبا !
والأرضُ تَعْمُرُ بالشّعوبِ . فلن ترى / بُوماً مَشوماً يَستطيبُ خرائبا
والحالِمونَ سيَفْقَهون إذا انجلَتْ / هذي الطّيوفُ خوادعاً وكواذباً
لابُدَّ عائدةٌ إلى عُشَّاقِها / تلكَ العهودُ وإنْ حُسِبنَ ذواهبا
أنا إنْ كنت مُرهقاً في شبابي
أنا إنْ كنت مُرهقاً في شبابي / مُثقلاً بالهموم والأوصابِ
فمتى أعرف الطلاقةَ والأنسَ / ألمَّا أكونُ تحت التراب؟
خبَّروني فانني من لُباناتي / وعيشي رهينُ أمرٍ عُجاب
أيُّ حالٍ هذي وما السرُّ في تكوين / خلقٍ بهذه الأعصاب
أبداً ينظرُ الحوداثَ والعالمَ / والناسَ من وراءِ ضَباب
ليس شيءٌ من التجانس في نفسٍ / نواسيَّةٍ وعيشٍ صَحابي
شمتتْ بي رجعيَّةٌ ألهبتها / فكرةٌ حرَّة بسوطِ عذاب
وشكتني مسرَّةٌ وارتياحٌ / وبكتني مُجانةٌ وتصابي
تدَّعيني لِما وراء ثيابِ البعض / نفسٌ سريعةُ الاِلتهاب
فتَراني وقد حُرِمت أُسلّي / النفس عنها بلمس تلك الثياب
فإذا لم تكنْ تعوَّضْتُ عنها / صُوراً من تخيّلاتٍ عِذاب
ولقد تخطر " المباذل " في بالي / بشكلٍ يدعو إلى الاِضطراب
أو بشكل يدعو إلى استحياء / أو بشكل يدعو إلى الاعجاب
فتُراني مفكراً هل مواتاة التراضي / أحلى من الاغتصاب ؟
وهل " الفَعلةُ " التي خنتُ فيها / خَلَّتي والتي دعت لاجتنابي
والتي جِئتُها أُكفّر عنها / بكتابٍ أردفته بكتاب
كنت عينَ المصيب فيها وكانت / فَعلةٌ مثلَ تلك عينَ الصواب؟
بشر جاش بالعواطف حتى / جذبتهُ جريمةُ الاِرتكاب
أم تُراني لبست فيها على حين / اندفاع مني لباسَ ذئاب ؟
أتُراها نتيجة الشرب أم أنيَ / ظلماً ألصقتها بالشراب ؟
رِدي يا خيولَ اللهِ مَنْهَلَكِ العَذْبا
رِدي يا خيولَ اللهِ مَنْهَلَكِ العَذْبا / ويا شرقُ عُدْ للغربِ فاقتَحمِ الغَرْبا
ويا شرقُ هَلْ سَرَّ الطواغيتَ أنَّها / فويقَكَ أشلاءٌ مبعثرةٌ إربا
يدٌ جَذَّ يومُ القيروانِ عُروقَها / وظهرٌ على القفقاسِ مستعلِياً جُبَّا
ويا طارقَ الجيلِ الجديدِ تلفُتاً / إلى جبلٍ إجتازه طارقٌ دَرْبا
أثرتَ لنا في غَمرةِ النصرِ خَطْرَةً / من الذكرِ فيها ما نحبُّ وما نأبى
هزَزْنا بها ذِكرى وتِهنا بزهوها / بُدوءاً ونُحنا من تصوَّرها عُقْبى
لمثلِ الذي تَبْغي من الحقِّ قادَها / إلى الموتِ لم تسألْ به السَّهْلَ الصَّعبْا
حَدا من جيوشِ الوحي والنصر ما حدا / وعَبَّا من الإيمانِ بالنصر ما عَبَّا
كنارِ " ابن عمرانَ " التي جاءَ قابساً / سناها حريقٌ في سفائنهِ شبَّا
وألواحُها " الألواحُ " لولا " رسالةٌ " / على " قُرَشيٍّ " لم تُرِدْ عينُه الربَّا
تخطَّتْ إلى مَحْميَّةِ الغربِ أُمَّةٌ / حمتْ فأجادت قبلَها عن حِمّى ذَبَّا
تحدَّتْ عُبابَ البحرِ تُزعجُ حُوتَهُ / ومن قبلهِ في البرّ أزعجتِ الضَّبَّا
أولاءِ " البُداةُ " الغامطُ النّاسِ حقَّهم / وتلكَ التي منها العربَ العَرْبا
لَتِلكَ قلوبٌ نَنشُدُ اليومَ مِثْلَها / أبى دينُها أنْ تجمعَ اللهَ والرُّعبا
سرَتْ كشُعاعِ النورِ في فَحمةِ الدُّجى / ومثلَ النسيم الرَّخْو في يَبَسٍ هبَّا
وفي ذلَّةٍ عزّا وفي ضَلَّةٍ هُدىً / وفي جَنَفٍ عدلاً وفي جَدَبٍ خصبْا
وفي عصبيَّاتٍ غِلاظٍ تسامُحاً / وفي مُلْتوٍ مِنْ نهجها منهجاً لحَبا
أطلت على " مدريدَ " تُسمِعُ دعوةً / وسارتْ إلى " باريسَ " تَسمعُ من لَبَّى
ودبَّتْ مَدَبَّ الروحِ في الكونِ رحمةً / وشدَّتْ لجسمٍ خائرٍ مُتْعَبٍ صُلبا
ومدَّتْ برفقٍ كفَّها فتلَمَّسَت / جراحَ بني الدُّنيا فآستْ لهم نُدْبا
وآوتْ من الأديانِ شتَّى وأطْلَعَتْ / مِن الخطراتِ النيّراتِ بها شُهْبا
وحامَتْ يَراعاً جالَ في جَنَباتِها / وصانَتْ – عليها أو لها – مِقولاً ذَرْبا
وما سَمَلَتْ عيناً وما قَطَعَتْ يداً / ولا حجزتْ رأيا ولا أحْرَقَتْ كتبا
نظرتُ إلى ما كانَ منها . وما جرى / عليها وما يأتي الشقاقُ إذا دَبَّا
وكيفَ أفاءَتْ ما أرادتْ ظِلالَها / وكيفَ اغتدَتْ مستثقلاً ظِلّها نُهْى
فقلتُ : وبعضُ القولِ عُتْبى وبعضُه / عتابٌ وشرُّ القولِ عتبٌ بلا عُتَبى
أساءَت صنيعاً أُمَّةٌٌ مستكينةٌ / صبورٌ على البلوى إلى أُمَّةٍ غَضْبى
سقى " تونساً " ما يدفعُ الخَطْبَ إنَّها / بخُضْرَتِها تُكْفَى الذي يدفعُ الجَدْبا
وحَيَّاً القِبابَ البيضَ رَوْحٌ كأهلها / رقيقُ الحواشي يَمسحُ الماءَ والعُشْبا
ورافقَها نورٌ من الوعيِ مُسْفِرٌ / كأنوارِ أسحارٍ ترقرقها سكبا
نَحنُّ لِذكراها ونشكو افتقادَها / كما شَكَتِ العينُ التَّي افتقدَتْ هُدْبا
ويا" مونتكُمري " لو سقى القولُ فاتحاً / سقَتْكَ القوافي صفَوها السلسلَ العذْبا
ولو كانَ ذَوْبُ العاطفاتِ نِثارةً / نَثْرنا لكَ الإعجابَ والشكرَ والحُبَّا
نضتْكَ لدَرْءِ الشرِّ عَضْباً " صياقلٌ " / أعَدَّتْ لِلُقْيا كلِّ مستكبرٍ عَضْبا
حلَلْتَ على " روميلَ " كَرْباً وقبلَها / أحلَّ بأدهى منه " ولنِكْتِنٌ " كربا
وأنتَ انتزعتَ النصرَ من يدِ قادرٍ / عليهِ ولم ترحَمْ معنّىً به صَبَّا
ودحرجتَهُ عن " مِصْرَ " وهوَ مُعرِّسٌ / بأحلامهِ يُحصي الخراجَ الذي يُجْبى
وغرَّتْهُ من ريحِ الصحاري قَبُولُها / فكيفَ رآها وهي مُعرِضةٌ نَكْبا
دَحَا أرضَها وانصَبَّ كالموتِ فوقَها / ولُحْتَ له مَوتاً على الموتِ مُنصَباً
تركتَ الَّذي رامَ السَّما يلمِسُ الثَّرى / ومنْ كانَ يشكُو بِطنَةً يشتكي السَّغْبا
وبَصَّرْتَهُ لَّما تَصَعَّرَ خدُّهُ / بأنَّكَ أعلْى من أخادِعِهِ كَعْبا
قصَصْتَ جناحَيْه فقَرَّتْ شَذاتُهُ / وعادتْ " نوازي " شَرِّه أفرخاً زُغبا
كشفتَ لهُ ضَعْفاً وغطَّيْتَ قُوَّةً / فكنتَ ولولا خُدعةٌ لم تكن خِبَّا
أرادَ الَّتي من دونِها أنت والوغى / وعدلُ القَضا تَبّاً لِما رامهُ تَبَّا
سددتَ عليه الرأيَ حتى تركتَه / يَرى من سَدادِ الرأيِ ما عدَّه سبَّا
وحتى رأى ذُلَّ الفِرارِ غنيمةً / وحتى رأى الداءَ الذي يشتكي طِبَّا
وضاقتْ عليه الأرضُ فهوَ مهوِّمٌ / عليها نهَتْهُ أنْ يُريحَ بها جَنْبا
تمنَّى عليهِ " رَبُّهُ " مِصْرَ مَنْحةً / وكادَ على " القطَّارِ " أنْ يُرضيَ الربَّا
وكادَ على " القَطَّارِ " يُرْسِلُ حاصباً / على " الشرقِ " لولا أنْ قذفتَ به حَصْبا
تراءى له نَهْباً ولمَّا صَدَمْتَهُ / تراءتْ له الأحلامُ صيْحَ بها نَهْبا
ومدَّتْ لهُ الأطماعُ في نَزواتهِ / إلى أنْ غَدَتْ كَلاً على نَفْسْهِ حَرْبا
وداعَبَتِ " الاسكندريَّةُ " عينَهُ / وخادَعَ منه " النيلُ " في طميْهِ اللُبَّا
ولاحَ له " الاسكندرُ " الصِّدْقُ فانثنتْ / تُزَيَّفُ منه النفسُ إسكندراً كذِِبْا
ومَنَّى بيَنْبوعِ الفراتِ حصانَهُ / وعلَّل " بالزّابَيْنِ " عسكرَهُ اللّجبْا
فيا لَكَ زَوراً ذادَ عن عينهٍ الكَرى / وشَرَّدَ عنْ أجفانهِ حُلُماً رَطْبا
فلمْ يَرَ إلاَّ مَغرِزَ الرَّجْلِ يَقْظَةً / وكانَ يناغي حالِماً عالَماً رَحْبا
من " العَلَمَيْن " استَقْتَهُ محكَمَ القُوى / وفي " تونسٍ " أدركتَهُ رازحاً لَغْبا
نثرتَ لهُ شُمَّ المتالعِ والقُرى / كما نَثَرَ الصيَّادُ للطَّائرِ الحَبَّا
وأغريتَهُ بالقرب حتَّى إذا دَنَا / إليكَ رأى منكَ الَّذي بَغَّضَ القُرْبا
عنودٌ تأبَّى الوَثْبَ في نكَساتهِ / من الكِبْرِ لولا أنْ تُطاردَهُ وَثَبْا
ولو غيرُ " رُوَميلٍ " لقُلْنا كغيرِها / سُقاةُ الرَّدى عاطَتْ بأكؤسُها شَرْبا
ولكنَّه نَدْمانُ موتٍ إذا سَقى / ألحَّ وعاطى مَنْ ينادمُهُ عَبَّا
وقد خَبَّأ السَمَّ الزُّعافَ فَبزَّهُ / خبيرٌ بما أبدى بصيرٌ بما خَبَّا
ولمَّا التقى الجمعانِ غُلْبٌ أشاوسٌ / دَهَتْ مثلَها شُوْساً مُدَجَّجةً غُلْبا
وحُم الحديدُ الضخمُ والصبرُ والحجى / كِلا المعدِنين استَنجدا معدِناً صُلبْا
مشى الحقُّ في الصفَّينِ يدمَغُ باطلاً / ويغمُرُ بالريحان أوفاهما كَسْبا
تَفادى ب " أرنيمٍ " وفَرَّ بنفسه / وأبقى لك الأهلَ الأعزَّةَ والصَّحبا
وأهداكَهم أسرى وقتلى كأنه / بهم يستميحُ العفوَ ممَّا جنى ذَنْبا
تَلَظَّى بهمْ بالنارِ بَرٌّ وقاءهُمْ / خِضمٌّ وراحَ الجوُّ يُمطرهم عَطْبا
كأنَّكَ إذ تُحصي رُكاماً حُطامَهُ / تُصَحِّحُ أغلاطاً فتوسِعُها شَطْبا
فمن يَرَ في الصحراءِ نَثْراً قبورَهُمْ / يخَلْها من الأجداثِ مجنونةً رُعْبا
ومن يُبصرِ الأسرى يُقادونَ هُطَّعاً / يَجِدْ حادياً يحدو إلى سَقَرٍ رَكْبا
وخَلَّى لكَ " الطليانَ " يحتَكُّ بعضُها / ببعضٍ كما تحتَكُّ منَجَربٍ جَرْبا
أتى بهمُ إلْباً عليكَ سَفاهةً / فكانوا عليهِ في تَغَنُّجِهِمْ إلبا
أرادَ لخوْضِ الموتِ أغراسَ نِعمةٍ / غذاها وليُّ الأمرِ فاكهةً أبَّا
حَسِبْنَ لاِزعاجِ ابنِ آوى بنادقِاً / وخلْنَ لمِضمار الهَوى شُزَّباً قُبَّا
وضاعَفْنَ نسجاً من حريرٍ ولأمةً / وجرْنَ بيضَ الهندِ والوشيَ والعَصْبا
ورُحْنَ كأسراب القطا نُعَّمَ الخُطَى / وقىَ اللهُ - من شَرٍّ يرادُ به - السِّرْبا
وجازى بشَرٍّ من أرادَ بجَورْهِ / وجُوهَ الحسان الغيدِ أن تْلمِس الترْبا
وأن تهبِطَ الوديانَ ليلاً لريبةٍ / وأن ترتقي صُبحاً على عَجَلٍ هُضْبا
وأن تَشْهَدَ الأشلاء تنقضُّ حولَها / وفي دَمِها الفرسانُ مخضوبةً خَضْبا
ولم ترتِكبْ إثماً سوى أنَّها دُمًى / ولم تأتِ – إلَّا أنَّها عورة – ذَنْبا
فلو كنتَ يومَ النَّقْعِ شاهِدَ أمرِها / وقد خَبَّأتْ تِرْبٌ بأثوابها تِرْبا
وسدَّتْ ثقوبَ الأرضِ مُحجرةً بها / فما غادرَتْ مأوىً لضبٍ ولا ثقبا
دعوتَ على مَنْ شَقَّ عنها حجابَها / وأقحَمَها ما ليسَ من شأنِها غْصبا
إذن لسألتَ اللهَ فَّلاً لغَربِه / جزاءً على ما فلَّ من سترِها غَرْبا
فرِفْقاً باشباهِ القواريرِ صُدِّعَتْ / وما اسْطعتمُ فاسَتدركوا صدعها رأبا
فيالكِ بُشرى ما أرقَّ وما أصفَى / أغاثَتْ نفوساً ما أحنَّ وما أصبي
ويا حُلفاءَ اليومِ والأمسِ إنَّنا / لكُمْ – ما اردتُم – في مودَتِنا قُرْبى
أريدوا بنا خيراً نَعِدْكُمْ بمثِلهِ / وكونوا لنا حِزْباً نَكُنْ لكُمُ حِزبا
وظَنُّوا بنا خَيراً فَفينا كَوامِنٌ / من الخير إنْ تُبعث تَزدْكمْ بنا عُجْبا
ولا تذكروا عَتْباً فانَّ مُوطّداً / من الودِ زِدْنا فيه ما يرفعُ العتبا
وإلا فكيلوه عتاباً بمثله / لنا . وكلانا مُعْتِبٌ بَعْدُ من أرْبى
ولا تَخْلِطوا شَغباً عليكم مُبغَّضا / إلينا وحقاً لا نريدُ به شغْبا
وآخوا بنا شعباً وهانَتْ أُخوَّةٌ / إذا كنتَ تَلقى عندها الفردَ لا الشَعبا
إنزِعي يا بلدتي ما
إنزِعي يا بلدتي ما / رثَّ من هذي الثيابِ
وإذا خِفتِ عَراءً / فسيكسوك صحابي
أمَلٌ لي فيكِ بعد الله / ينمو في الشباب
يا بني العشرين في / أعمالكم فصلُ الخِطاب
رَهنُ ما عندكم من / همة ٍ عُقبى المآب
يا شباباً نَهَضوا / والناس من هاوٍ وكابي
أيُّ باب ٍ ولجَوها / وولجتم أيَّ باب
كتب الله لك النُّصرةَ / في هذا الغِلاب
إن في أعينكم رمزاً / لأسرارٍ عُجاب
إلزموا خيرَ صِحابٍ / اقرأوا خيرَ كتاب
أطِعوا للشعر شمساً / لا تُبقِّي من ضباب
اتركوا كلَّ قديم / منه يسعى في تَباب
شمّروا واعتصبوا : / نُجحُكُمُ في الاعتصاب
أُنبُذوا منه قُشوراً / وَتَغذِّوا باللُّباب
هُزِلَ الشعرُ وأنتمْ / من مراعِه الخِصاب
لا تقولوا حسبُنا منه / وزِيدوا في الطِّلاب
قد رأيتم ما تجشَّمنا / عليه من صِعاب
ليس بالهيِّن أن / نأتيْ بأبياتٍ عِذاب
خالياتٍ من نُفورٍ / وغلوٍّ واضطراب
إنها ذوبُ قُلوبٍ / صِيغَ في لفظٍ مُذاب
لو سُئلنا كيف نظمُ الشعر / حِرنا في الجواب
لست ادري غيرَ أني / كان حبُ الشعر دابي
كاد يُلهينيَ حتى / عن طعامي وشرابي
قد قرأتُ الشعرَ في القرآنِ / من عهدِ التصابي
بقُدورٍ راسياتٍ / وجِفانٍ كالجوابي
ولكَمْ هَيَّجَ طَبْعِي / نَغْمُ عُودٍ أو رَباب
كانَ لحنُ الشعرِ فيه / بارتفاعٍ وانصباب
وإذا ما عدَّدوا / أهل نبُوغ واكتساب
لم يكنْ عندي سوى الشاعرِ / من خُلق عُجابِ
هكذا كنتُ وما زادَ / على العشر نِصابي
حبذا الشعرُ ربيعيا / طبيعيَّ الإهاب
مُظِهراً قدرةَ ربي / في وِهادٍ أو رَوابي
وصفَ نهر في الثرى / أو وردة بين الشعاب
يوم تُضحي الدمنةُ / الغبراءُ خضراءَ الجْنَاب
أو حماسياً يثير النفس / عن عارٍ وعابِ
كاشفاً عن عينها / كلَّ غطاء وحِجاب
فاذا كان مديحاً / فليقرِّب للصواب
أوَلا يأنفُ حُرٌّ / أن يُحابَى أو يُحابي
وإذا كان رِثاء / فليكن رجعَ المصاب
وإذا كان هجاء / فليُنَزَّهْ عن سِباب
ليس شأنُ المرء ِ / بل شأنُ الكلاب
إمزِجُو الطعنَ به / مزجَكُمُ شُهداً بصاب
ليّنَ اللفظ وفي / طيّاته وخزُ الحراب
قد سئِمت الشعرَ ما / فيه سِوى معنى كِذابِ
كلَّ يوم شاعرٌ / كالبوم ينعَى في خراب
وقوافٍ لا يَلحِنَ / السمعَ إلا باغتصاب
لهجةُ الصدق بها / مثلُ بياضٍ في غُراب
أنا يا شعر وإياك / سواءٌ في العذاب
أنا مما بكَ أبكيكَ / وتَبكيني لِما بي
شكَتِ القومُ حُضوري / وسيشكون غِيابي
بِزَّةُ الشاعر قد تُعرَف / من بعدِ استلاب
إن يكن للمرء أجرٌ / فهو لي يوم الحساب
إن في ايقاظِ قومٍ / رَقَدوا خيرَ الثواب
وبِعِتق الناسِ من أو / هامِهِمْ عِتقُ الرِقاب
يا قيسُ : يا لُطفَ الربيعِ
يا قيسُ : يا لُطفَ الربيعِ / ووقدَ رَونقه الشَبُوبِ
يا قيس : يا همسَ الحبيب يذوب / في سَمع الحبيب
يا قيس : يا هَزَج الرُعاة يَشيعُ / في الحقل الخَصيب
يا قيس : يا شَجْوَ " الهزار " / يُهيبُ بالغصن الرطيب
يا قيس : يا حُلُمَ " العذاري " / يزدَحِمْنَ على " القَليب "
يا قيس : يا ذَوْبَ " الغَضارة " / قُطِّرت بأرَقِّ كُوب
يا قيس : يا لَحْنَ الحياة / ونغمةَ الأمَلِ الرَتيب
يا قيس : يا لمحَ السَنا / يا قيسُ : يا نفْحَ الطُيُوب
يا قيس : هل تَدري بما / خلَّفتَ بعدَك من نُدوب
وبما غَمَرْتَ البيتَ من / فَيْض الصَّبابة والوَجيب
وبما جَلَبْتَ ل " ثاكلٍ " / حَرّى ومُحتَسِب حرَيب
الوالدانِ – عليك يا قيسُ / المدلَّلُ – في لُغُوب
يتعلَّلانِ بلَمح وجهِكَ / في الشُروق وفي الغُروب
ويغالِطانِ النَومَ عنك / بطَيِفك المَرحِ الطَروب
ويراجعانِ تَلاوُماً / نفْسَيهما صُنعَ المُريب
يتبادلانِ أساهُما / شَكوى الغريبِ إلى الغريب
يا قيسُ أُمُّك لا تزالُ / تعيشُ بالأمَل الكَذوب
تهفو لقَرْع الباب في الجِيئات / منكَ وفي الذهوب
وتظَلُّ تسألُ مَخْدَعاً / لك عن هجوعِك والهُبوب
يا قيسُ : يا رمزَ الشهادةِ / عُطِّرت بدَمٍ خَضيب
كرَّمتَ بالكَفَن المخضَّب / منك والخدِّ التَريب
وطناً بمثلك من بنيه / يَستجيرُ من الخُطوب
ويرُد أنصبةً أليهم / ما حَبوه من نَصيب
بالمجدِ تَخلعُه الحُقوبُ / عليهِمُ تلوَ الحقوب
والغار تَضفِرُهُ لهمْ / رَيانَ من طَفَح القلوب
يا قيسُ : يا قيسُ الملوِّح / في شبابك بالحُروب
الشعب يثأرُ من " رُماتِك " / في بعيدٍ أو قريب
كم من سؤالٍ عميقٍ
كم من سؤالٍ عميقٍ / له الدموع جوابُ
أما الفؤاد ففيه / من الهموم كتاب
عل اللسان تَبَدَّى / لمّا استفاض الوِطاب
طَفْحاً كما يتنزّى / على الشراب حباب
ما للثقاب ومالي / ملءُ الضلوع ثقاب
شعابُ قلبي أطاقت / ما لا تُطيقُ الشّعاب
ول شباب وماذا / رأى فيبقى الشباب
ضيف عزيز قراه / ألهمّ والإكتئاب
حقيقةُ الأمر عندي / الشكُّ والإِرتْياب
جنى عليَّ شعوري / إنّ الشعورَ عذاب
أما القوافي فجمرٌ / طوراً وشهدٌ مُذاب
ترضى وتغضب لكن / أرَقُهُنَّ الغِضاب
لا يَحْسُنُ الشعرُ حتى / تُراضَ منه الصِّعاب
أَوْحدهُنَّ فيلغى / عن النساءِ الحجاب
كل المسائل غطى / وجوهَهُنَّ نِقاب
إصلاُحكُم ليس يثجدي / كلُّ الأمورِ خراب
قلبي وبيتي وشعبي / في كُلِّهنَّ اضطراب
ما انسدّ للبؤسِ بابٌ / إلا ّتَفتَّحَ باب
البرلمانُ صحيح / يعوزه الإنتحاب
وفيه قام دويّ / تجهله الأحزاب
الجوعُ يُنْذِرُ قومي / أن يأكل الظُفْرَ ناب
سل دجلةً كيف باتت / قصورُها والقباب
ما ضر لوكان يوماً / غطّى عليها العُباب
غنىّ عليها هَزارٌ / وناح عندي غراب
من دمٍ قلبٍ كسيرٍ / سمنَّ هذي الرقاب
ومن دموعٍ حِرارٍ / مُلِئنَ تلك العيِاب
قد بان من نقص قومي / ما لا تغطِّي الثياب
رّقتْ لما هي فيه / حتى الصخورُ الصِلاب
هل في سوى الزِيّ منا / تجدٌُّدٌ وانقلاب
قالوا : حروب فقلنا / لَهُمْ : وأين الحِراب ؟
في الصبح أوحى بلبل
في الصبح أوحى بلبل / الرّوضِ الى ريحِ الصَّبا
رأيت ما جرّ لنا / عشقُ أزاهيرِ الرُّبى ؟
ألُقيتَ عُقبى الجهدِ والأتعابِ
ألُقيتَ عُقبى الجهدِ والأتعابِ / ونزلت خيرَ مَحلِةٍ وجَناب
ورَحلْتَ خير مُودَّع عن موطنٍ / حاميتَ عنه وأُبتَ خيرَ إياب
ودفعتَ للدار الحصينةِ أمةً / وقَفَتْ سياستُها على الأبواب
ولأنتَ خيرُ لسان صدقٍ ناطقٍ / عنها إذا صَمَتَتْ وخيرَ كتاب
غابَ الاسود جِنيفُ سوفَ يَدوسُها / أسدٌ تقدِّرُه أسودُ الغاب
رحْبُ الفؤادِ غداً تُجِلُّ مكانَهُ / أربابُ أفئدةٍ هناك رِحاب
وهناك سوفَ تَرى النواظرُ مالئاً / كرسيَّهُ قُطباً من الأقطاب
ملءَ العيون سماتُ أصيدَ طافحٍ / عزماً وملءَ السمع فصلُ خِطاب
ومَلامحٌ مشبوبة هي وحدَها / وكَفى دليلُ نجابةِ الأعراب
لله درُّك من خبير بارعٍ / يَزِنُ الأمورَ بحكِمةٍ وصَواب
يُعَني بما تَلد الليالي حيطةً / ويُعِدُّ للأيام الفَ حساب
متمكِّنٌ مما يريد يَنالهُ / موفورُ جأشٍ هادئُ الأعصاب
يلتفُّ " كالدولاب " حول كوارثٍ / حَشَدت عليه تدورُ كالدولاب
وإذا الشعوبُ تفاخَرَت بدُهاتها / في فضِّ مشكلةٍ وحَلِّ صِعاب
جاء العراقَ مباهياً بسَمَيذَعٍ / بادي المَهَابة رائعٍ جَذّاب
يُرضيك طول أناتهِ فاذا التوَى / فهو القديرُ الفذُّ في الإغضاب
أملاعبَ الأرماح يومَ كريهةٍ / في السلمِ أنتِ ملاعبُ الألباب.
أعجبِتُ منكِ بهمةٍ ورويَّةٍ / وأقلُّ إعجابِ امريءٍ إعجابي
إن الذي سوّى دِماغَك خصَّة / من كل نادرةٍ بخير نِصاب
لبّاسُ أطوار يَرىَ لتقلُّبِ الايام / مُدَّخِراً سِفاطَ ثياب
يمشي إلى السر العميقِ بحيلةٍ / أخفى وألطَ من مَدَبَّ شراب
يبدو بجِلبابٍ فانْ لم تَرضَه / يَنْزَعْه مُنسلاً إلى جِلباب
قضت الظروفُ بما تُريد وغَُلِّبتْ / آراءُ مجتمِع القُوى غلاّب
وعرفتَ كيف تَرى السياسةَ خطةً / عربيةَ الأوصاف والألقاب
مشيَّتها عشراً وئيداً مشيها / باللطفِ آونةً وبالإرهاب
وكشَفتَ كلَّ صحيفة مستورةٍ / وتركتَها عُرْياً بغير نِقاب
وقتَلتَ أصناف الرجال درايةً / من مستقيمٍ في خطاهُ وكابي
ومُعارِضٍ خَدَمَ البلادَ لغايةٍ / شَرُفت وآخرَ خائنٍ كذاب
وكأنني بك إذ تقابلُ واحداً / منهم تريه غفلةَ المتغابي
فاذا ادّعىَ ما ليس فيه أتيَتَه / فيما تُريد بمَحضَرٍ وكِتاب
لم تبقَ لولا فرطُ عزمِك ريبةٌ / أن العراق يسير نحو تَباب
حتى وَقفْتَ به يمدُّ لهاتهُ / تَعَباً من الأثقال والأوصاب
لا أدَّعي أنْ قد أتمَّ نموَّه / من كان أمسِ بشكلِ طِفل حاب
فلَتِلك لبستْ بالبعيد منالُها / عن كلِّ شَعب طامحٍ وثّاب
لكن أقولُ اريتَهُ مستقبَلا / لا بالعَديم سَناً ولا الخلاّب
كالشُهد أوّلَ ما تذوَّقَه فمٌ / ما زالَ بين لُهاه طعمُ الصاب
فاليوم هاهو ذا بظلِّك يحتَمِي / مثلَ احتماءِ العَين بالأهداب
ان تشكُ ما قاسيتَ من إجهادةٍ / أو تَلقَ ما لاقيت من أتعاب
فلقد طَلَبَتَ منالَ أمرٍ لم يكُنْ / ليُنالَ إلا من رؤوس حِراب
اليومُ يومُ تَفاهمٍ بالرَغم مِن / أني أحِبُّ تَطاحُنَ الأحزاب
وسياسةٍ سلبيةٍ لو أثمَرَتْ / فيها نجحُ رغائبٍ وطِلاب
وخيانةٌ ان لا يقدِّرَ مخلِصٌ / تدعو سياستُهُ إلى الإِضراب
لكن إذا لم تَبقَ إلا مِيتة / أو أختُها فسياسةُ الإِيجاب
ما يأخذُ المصنوعُ حبلَ وريده / ما بينَ ظُفْْرِ عدوِّهِ والناب
أني هززتُكَ بالقوافي قاصداً / بكَ خدمةَ التاريخِ والآداب
لولا محيطٌ بِتُّ من نَزَعاته / وتضارب الآراءِ كالمرتاب
أطنَبتُ في غصَصٍ لديَّ كثيرةٍ / تبيانُها يدعو الى الإِطناب
لي حقُّ تمحيص الأمورِ كواحدٍ / من سائر الشعراء والكُتاب
فاذا أصبَتُ فخَصْلةٌ محمودةٌ / واذا زَلِلتُ فلستُ فاقدَ عاب
فلطالما حابَيتُ غير مصارحٍ / ولطالما صارحتُ غير مُحابي
ولكم سَكَتُ فلا مصارحةٌ ولا / تمويهةٌ وقبَعْتُ في أثوابي
أبغي المسائلَ محضةً ويعوُقني / عن ذلكم سببٌ من الأسباب
وبلاءُ كلِّ مفكِّرٍ حزبيةٌ / تُلقي على الآراء ألفَ حِجاب
وطني الغضيضُ إهابُهُ
وطني الغضيضُ إهابُهُ / أصبو له وأهابُهُ
خُضْر الحقولِ طَعامُه / والرافدان شَرابه
حَبُّ القلوبِ رِمالهُ / كُحْلُ العيون تُرابه
إن ساءَ مبدأُ موطني / فعَسىَ يَسَرُّ مآبه
لم يبقَ فيه بقيِّةٌ / ظُفْرُ الزمان ونابه
بيد الظروفِ دَنيَّةٌ / العوبةٌ أحزابه
وعلى رَحَى تفريقه / مطحونةٌ " أقطابه"
شعراؤُهُ متكالبونَ / ومثلهم كُتّابه
هيهاتَ ينهضُ موطنٌ / حُبُّ التقسمُّ دابه
سَحقَ الزمانُ رؤوسَه / فترأسَّتْ اذنابه
فاذا نَبَا دهرٌ به / فحُماتهُ نُهَّابه
تبغي السفورَ نساؤهُ / وعلى الرجال حِجابه
ضجَّت جُيوبُ الأجنبي به / وضجَّ " وطابه "
من طول ما امتلأتْ به / أكراشُه وعِيابه
وابنُ البلادِ على الكفاف / يطولُ فيه حِسابه
تبكي لنقص الساكنينَ / قصورهُ وقِبابه
ومن المذلّةِ حُمِّلتْ / مالا تُطيقُ رقابه
مضَّ العتابُ به وذو / الشكوى يُمِضُّ عِتابه
والشاعرُ الغَضبانُ اعذرُ / ما تكونُ غِضابه
الموجعاتُ حسانُهُ / والمُبكياتُ عِذابه
لو لم يُنفه بالقريض / أودِت بهِ أوصابه
قلبي وشِعري سالَ من / هذا وذاكَ مُذابه
حيِ الشبابَ تناهضُوا / فخر العراق شَبابه
بِهُمُ ازدهتْ نهضاته / وبهِمْ سَمَتْ آدابهُ
صُونوا القضيةَ اِنها / سِرٌّ وأنتُمْ بابه
أما السؤالُ " فقبرِصٌ / وأبو عَليَ " جَوابه
البَرُّ ضاقَ فسيحهُ / والبحرُ جاشَ عُبابه
يومَ استقَّلتْ بالمليكِ / ابي الملوك رِكابه
يا نازحاً عَودُ الكرامة / عودُهُ وإيابهُ
هذا كتابكَ والفتى / تاريخهُ وكتابه
اللهُ يعرِفُ ما أتيتَ / وبيتهُ وشِعابه
وأخو المتاعبِ لا يَضيع / سُدىً ولا أتعابه
سيّانِ شُهدُ الدهر عند / العاملين وصَابه
ولعزة الأوطان هان / على " الشهيد " مُصابه
أمر جليل بالتقاعس / لا تُراضُ صعابهُ
وبقدر مَسعى الطالبينَ / له يكونُ طِلابه
ما للفؤادِ وُعودهُ / طالَتْ فطالَ عَذابه
واذا تغالَبَ والرَجاءُ / فيأسُه غِلابه
والدهرُ يُنبيء أنَّ / أحزانَ الوَرَى أطرابُه
ظمآنةٌ لا تمتَلي / من عَبرةٍ أكوابهُ
وطني وفوق الذَنبِ / كان جزاؤه وعِقابه
بشَّرتُهم بِعمارهِ / اذ قيلَ تمَّ خَرابه
مُلْك أريدَ " دَمارُه" / فتعجَّلتْ أسبابه
قَلبُ السياسةِ لا ترِقُّ / على الضعيفِ صِلابه
مِثلُ الذي بكِ يا دمشق
مِثلُ الذي بكِ يا دمشق / من الأسى والحزنِ مابي
دمعي يَبين لك الجوى / والدمعُ عنوانُ الكتاب
زاهي الحمى نهبُ الخطوب / ومهجتي نهبُ المصاب
أرأيت مرتبعَ الشِّعاب / بها ومُصطافَ الهضاب
والنبتُ مخضلُّ الثَّرى / والرُّوضُ مخضرُّ الجْنَاب
والحسنُ تبسُطه الطبيعةُ / في السهولِ وفي الروابي
والشمسُ تبدو من خلال / الغيم خَوْداً في نقاب
فاذا انجلى هزَّتك روعةُ / نورها فوق القباب
والروضُ نشوانٌ سقاه الماءُ / كأساً من شراب
بَرَدَى كأنَّ برودَه / رشفاتث معسولِ الرُّضاب
تلك النَّضارةُ كُلُّها / كُسِيتْ جلابيبَ الخراب
ثوري دمشقُ فانَّما / نَيلُ الأماني في الطِّلاب
وخذي الوِفاق فانما / عُقبى الخلاف إلى تَباب
إن ْ تغضَبي لتليدِ مجدٍ / آذنوه باستلاب
ومنيعِ غابٍ طوقوهُ / بالبنادق والحِراب
ومعطاسٍ شُمٍّ أرادوا / عَرْكها بالإغتصاب
فلأنتِ رغم خلوِّ كفّك / من مُعَدّات الضراب
بالعاطفات الحانيات عليك / وافرةُ النصاب
ولأنتِ امنعُ بالنُّفوس / المستميتة مِن عُقاب
فتماسكي أو تُكرَهي / بالرغم منك على انسحاب
فَلَشرُّ ما عمِلَ امرؤ / عملٌ يُهَدَّدُ باقتضاب
سدّي عليهم ألف بابٍ / إن أطاقوا فتحَ باب
إن لم يكن حجرٌ يضرّ بهم / فكُومٌ من تراب
لا نُكرَ في الدنيا ولا / معروفَ إلا في الغلاب
شُبَّان سوريَّا الذين / تناوشوا قِمِمَ السَّحاب
والمبدلين برأيهم / في الليل عن قبس الشهاب
المالكي الأدب الصميم / ووارثي الشرفِ اللُباب
لكمُ العتابُ وإنَّما / عَتْب الشباب على الشّباب
سوريَّةٌ أم الضراغم أصبحت / مرعى الذِّئاب
مثلَ الوديع من الطيور / تعاورتهُ يدُ الكلاب
باتت بليلةِ ذي جروحٍ / مستفيضاتٍ رغاب
وسهِرتُم متضاربي النزعات / مختلفي الثياب
مَن كانَ حابى أن يقول / الحقَّ إني لا أُحابي
لا بُدَّ أن يأتي الزمانُ / على بلادي بانقلاب
ويرى الذين توطَّنوا / أنَّ الغنيمةَ في الاياب
ماذا يقول المالئو الأكراش / من هذي النهاب
إنْ دال تصريفُ الزمان / وآنَ تصفية الحساب
جاءوا لنا صُفْرَ العِياب / وقد مضَوا بُجْرَ العياب
صدقْتَ يا برق بهذا النبا
صدقْتَ يا برق بهذا النبا / ومن ليَ اليوم بأن تكذَبا
من هِزة الحزن غدا خافقاً / سلكك أم من هِزة الكهرُبا ؟
طارت بيوم النَّحس برقيةٌ / آه على الآمال طارت هبا
شقّت على الأسماع أصداؤها / وهز فيها المشرقُ المغربا
موجزةُ اللفظ وداعي الأسى / بالحزن في أثنائها أطنبا
تكاد أن تَمرُقَ من سلكها / لو وجدت من بينه مهربا
علماً بما تحمل من خطرة / بالرغم ان تقرأ أو تكتبا
لسانُها الأخرسُ من حَلَّه ؟ / ولفظُها المعجمُ من أعربا؟
قُومي البسي بغدادُ ثوب الأسى / إن الذي ترجينه غُيِّبا
إن الذي كان سراج الحمى / يشيع في غيهبه كوكبا
بات على نهضة أوطانه / ملتهب الجمرة حتى خبا
قصرَّ من أيامه همُّهُ / أن يُنقِذ الموطن والمذهبا
قومي افتحي صدرك قبراً له / وطرزيه بوُرود الرُّبى
خُطي على صفحته :" هكذا / يُرفع من مات شهيدَ الابا "
ودرِّسي نشأك تاريخَه / فان فيه المنهج الأصوبا
رُدي إلى أوطانه نَعشَه / لا تدفني في فارس " يعربا "
لا تدعي فارس تختصه / فالولد البَرْز لمن أنجبا
شمس اضاءت ههنا حقبة / وهي هنا أجدر أن تغرُبا
كان يهزُ الصُلب من غالبٍ / ويدفع المغلوب أن يغلبا
يُهيب بالطالب أن يركب الأخطارَ / حتى يبلُغَ المطلبا
لا يأتلي ينشُد حقاً ولا / ينفك ان يُغضب أو يغضبا
كان صليب العود في دنه / وكان في آرائه أصلبا
يمنعه المبدأ أن ينثني / والدين والجَرأةُ أن يكذِبا
عفٌّ عن الدنيا سوى خُطةٍ / يذبُ عنها وكفى مأربا
ورابط الجأش متى ما يشأ / جهَّز ن آرائه مقنبا
يبغضه المعجب إذ أنه / أخو اتضاع يبغض المعجَبَا
محّص بالتجريب أيامه / وكيِّسُ الأقوام من جربا
يكاد أن يُشرب من رقة / ومن جمال الروح ان يُنهبا
شاء العلى والمجد ان يجتلى / وشاءت الاقدار ان يُحجبا
تنازع للكون في اهله / صير منا الحوَّلَ القُلبا
ما الجود في أعمارنا طولها / وإنما الجود بأن توهبا
سيان طال العمر أو لم يطُلْ / ما دامت الغاية أن يسلبا
سمعاً زعيم من نادب / عزَّ عليه اليوم ان نُدْبَا
اليومَ يَرثيك وفي أمسه / كان يُغنيك لكي تَطْرَبا
كان وما زال بأنفاسه / ينفُث كالجمر وقد ألهبا
ما دأبه العجب ولكن كفى / أنك قد كنت به معجَبا
بكل غراءَ اذا أثنشِدت / تلهي العطاش الهيم ان تشربا
تزري على الشمس اذا اشرقت / وتغرُب الشمس ولن تغربا
من أين سارت وجدت قائلاً / أهلاً وسهلاً مرحبا مرحبا
ايةٍ بلادي هل يَقيك الأذى / أني انتضيت المقول المِقْضبا
تعيا القوافي ان تصُدَّ الجوى / يغلي ويعيا الدمعُ ان ينضُبا
شيئانِ ما مثلهما لذةً / في السمع ذكراك وذكرُ الصِّبا
من فلَذٍ القلب وأنياطه / حقٌ لتمثالكَ أن يُنصبا
حيِّ الوزيرَ وحيّ العلمَ والأدبا
حيِّ الوزيرَ وحيّ العلمَ والأدبا / وحيِّ من أنصف التأريخَ والكتبا
وحيِّها ضربةً للجهل قاضيةً / مجالسُ العلمِ قد عجّت لها طربا
وحيّه ساخطاً هاجت حميَّتُهُ / وحيِّهِ ناهضاً غَيرانَ ملتهبا
أُريد منه الذي لم يهوَهُ فنبا / وسِيمَ ما لم يُطقْ وجدانهُ فأبى
لولاك أعدى بُراءاً داءُ دعوتِهم / وربّ عضةِ كلبٍ أورثت كَلَبا
لم يحفظوا لأماني الشعب حرمَتَها / من أجل أن يبلُغوا من مطمعٍ أرَبا
يا صاحب الهمّةِ الشماء حسبُكَهُ / يوماً رَعَيْتَ به الأجدادَ والنسبا
أللهُ يجزيك والآباء مأثرةً / في اللهِ صُنتَ بها آباءَك النُجبا
ما زلت " حباً بما شيدت في رجب " / من فوق كل شهوري رافعاً رجبا
بصّرت بعدك من ياتي بواجبه / نحو البلاد كما أخجلتَ مَنْ ذهبا
لو كان للشعبِ رأي في مصائرِه / حقاً اقام لك التمثالَ والنُصُبا
هم حاولوها لأغراض مُذمَّمَةٍ / حتى إذا سُعِّرَتْ كانوا لها حطبا
جزاء ما قد أظلته البلادُ وما / أضفت عليهم به أثوابَها القُشُبا
عارٌ على صفحة التاريخ قيلتُه / ولطخةٌ في جبين المجدِ ما كتبا
حسب " الحسين " الذي لاقاه مغتربا / من الشآم وما لاقاه محتربا
هذا نتاجُ شعورٍ جاش جائِشُهُ / راعوا عواطف هذا الشعب ياغُرَبا
أما العراقُ فقد غصت " مطاعِمُهُ " / فاستطعموا بعده بيروتَ أوحلبا
ضاقت بما لَقيِتْ منهم مواطِنُهُمْ / لكنّما موطني من ذلةٍ رَحُبا
وقيعة بين شعب هادئ وجدوا / كفواً لها ساقطَ الأخلاق فانتدبا
ما كان يعلم لما أن أهاب به / شيطانُه أنْ يَجُرَّ الويلَ والحربا
حتى إذا صَوَّحَتْ آمالهُ ورأى / أن الأماني التي غرّته عُدْنَ هبا
عضَّ النواجذَ من غيظٍ فما نفعت / شيئاً وأهْوِنْ به من واجد غضبا
كسرتَ من شوكة الطاغوتِ ما عسرت / ورُضْت من خُلُقِ الجْبّارِ ما صُعبا
لا رحمة لغَويٍّ في الضلال هوى / ولا لعاً لِمُجِدٍّ في الشقاق كبا
مشى يظنُّك كالماضين ذا خَوَرٍ / حتى إذا ما رأى ما لم يرَ انسحبا
هيهاتَ في أيّ مرعى شائكٍ سفها / رعى ومن أيِّ كاسٍ عَلْقَمٍ شَرِبا