المجموع : 25
أَقاحٌ ذاكَ أَم شَنَبُ
أَقاحٌ ذاكَ أَم شَنَبُ / وَريقٌ ذاكَ أَم ضَرَبُ
وَوَجهٌ ذاكَ أَم قَمَرٌ / وَخَدٌّ ذاكَ أَم ذَهَبُ
جَمالٌ غَيرُ مُكتَسَبٍ / وَبَعضُ الحُسنِ يُكتَسَبُ
ثَكِلتِ الظَرفَ عاذِلَتي / أَهَذا الحُسنُ يُجتَنَبُ
عَدَدتُ لَها العُيوبَ وَلَيـ / ـسَ إِلّا الظَرفُ وَالأَدَبُ
فَتاةٌ بَينَ مَبسَمِها / وَبَينَ عُقودِها نَسَبُ
لَواحِظُها نَمَتها الهِندُ / لَكِن أَهلُها عَرَبُ
مُرَنَّحَةٌ إِذا خَطَرَت / رَأَيتَ الغُصنَ يَضطَرِبُ
مَشَت وَوَنَت رَوادِفُها / فَكادَ الخَصرُ يَنقَضِبُ
يُسَرُّ العاذِلونَ إِذا / نَأَت وَيَعودُني الوَصَبُ
وَيَصطَخِبونَ إِن قَرُبَت / وَعِندي يَحسُنُ الطَرَبُ
فَأَبكي كُلَّما ضَحِكوا / وَأَضحَكُ كُلَّما غَضِبوا
سَفَرَت فَقُلتُ لَها أَهَذا كَوكَبٌ
سَفَرَت فَقُلتُ لَها أَهَذا كَوكَبٌ / قالَت أَجَل بل أَينَ مِنّي الكَوكَبُ
وَتَبَسَّمَت فَرَأَيتُ رِئماً ضاحِكاً / عَن لُؤلُؤٍ لَكِنَّهُ لا يوهَبُ
وَتَمايَلَت فَالسَمهَرِيُّ مُصَمِّمٌ / وَرَنَت فَأَبصَرتُ السِهامَ تُصَوَّبُ
أَنشَبتُ أَلحاظي بِوَردِ خُدودِها / لَمّا رَأَيتُ لِحاظَها بي تَنشُبُ
قَد كَلَّمَت قَلبي وَلَم تَرفُق بِهِ / وَاللَحظُ لَو دَرَتِ المَليحَةُ مَخلَبُ
بَيضاءُ ناصِعَةٌ كَأَنَّ جَبينَها / صُبحٌ وَطُرَّتَها عَلَيهِ غَيهَبُ
يا طالَما اِكتَسَبَ الحَريرُ مَلاحَةً / مِنها وَيُكسِبُ غَيرَها ما يَكسَبُ
وَلَطالَما بَعضُ النِساءِ حَسَدنَها / وَلَطالَما حَسَدَ السَليمَ الأَجرَبُ
بَينَ الطِلاءِ وَبَينَهُنَّ قَرابَةٌ / مَشهورَةٌ عَنها الجَميلَةُ تَنكُبُ
إِنَّ المَلاحَةَ عِندَها عَرَبِيَّةٌ / وَجَمالُ هاتيكَ الدُمى مُستَعرَبُ
قُل لِلغَواني إِنَّها خُلِقَت كَذا / الحُسنُ لا يُشرى وَلا يُستَجلَبُ
فَإِذا بَلَغتُنَّ الجَمالَ تَطَرِّياً / فَاِعلَمنَ أَنَّ بَقاءَهُ مُستَصعَبُ
هَيهاتِ ما يُغني المِلاحَ الحُسنُ إِن / كانَت خَلائِقُهُنَّ لا تُستَعذَبُ
إِنّي بَلَوتُ الغانِياتِ فَلَم أَجِد / فيهِنَّ قَطُّ مَليحَةً لا تَكذِبُ
وَصَحِبتُهُنَّ فَما اِستَفَدتُ سِوى الأَسى / ما يُستَفادُ مِنَ الغَواني يُتعِبُ
وَخَبَرتُهُنَّ فَما لِبِكرٍ حُرمَةٌ / تَرعى وَأَغدَرُ مَن رَأَيتُ الثَيِّبُ
لا يَخدَعَنَّكَ ضَعفُهُنَّ فَإِنَّما / بِالضَعفِ أَهلَكَتِ الهَزيرَ الأَرنَبُ
أَزورُ فَتُقصيني وَأَنأى فَتَعتَبُ
أَزورُ فَتُقصيني وَأَنأى فَتَعتَبُ / وَأَوهَمُ أَنّي مُذنِبٌ حينَ تَغضَبُ
وَأَرجو التَلاقي كُلَّما بَخِلَت بِهِ / كَذَلِكَ يُرجى البَرقُ وَالبَرقُ خُلَّبُ
وَأَعجَبُ مِن لاحٍ يُطيلُ مَلامَتي / وَيَعجَبُ مِنّي عاذِلي حينَ أَعجِبُ
هُوَ البُخلُ طَبعٌ في الرِجالِ مُذَمَّمٌ / وَلَكِنَّهُ في الغيدِ شَيءٌ مُحَبَّبُ
كَلَفتُ بِها بَيضاءَ سَكرى مِنَ الصِبا / وَما شَرِبَت خَمراً وَلا هِيَ تَشرَبُ
لَها الدُرُّ ثَغرٌ وَاللُجَينُ تَرائِبٌ / وَشَمسُ الضُحى أُمٌّ وَبَدرُ الدُجى أَبُ
خَليلِيَ أَمّا خَدُّها فَمُوَرَّدٌ / حَياءً وَأَمّا ثَغرُها فَهوَ أَشنَبُ
لَئِن فَرَّقَت بَينَ الغَواني جَمالَها / لَدامَ لَها ما يَجعَلُ الغيدَ تَغضَبُ
وَلَو أَنَّ رُهبانَ الصَوامِعِ أَبصَروا / مَلاحَتَها وَاللَهِ لَم يَتَرَهَّبوا
تُكَلِّفُني في الحُبِّ ما لا أُطيقُهُ / وَتَضحَكُ إِمّا جِئتُها أَتَعَتَّبُ
أَفاتِنَتي حَسبُ المُتَيَّمِ ما بِهِ / وَحَسبُكِ أَنّي دونَ ذَنبٍ أُعَذَّبُ
أُحِبُّكِ حُبَّ النازِحِ الفَردِ أَهلَهُ / فَهَل مِنكِ حُبُّ الأَهلِ مَن يَتَغَرَّبُ
وَهَبتُكِ قَلبي وَاِستَعَضتُ بِهِ الأَسى / وَهَبتُكِ شَيئاً في الوَرى لَيسَ يوهَبُ
فَإِن يَكُ وَصلٌ فَهوَ ما أَتَطَلَّبُ / وَإِن يَكُ بُعدٌ فَالمَنِيَّةُ أَقرَبُ
لَعَمرُكَ ما حُزني لِمالٍ فَقَدتَهُ
لَعَمرُكَ ما حُزني لِمالٍ فَقَدتَهُ / وَلا خانَ عَهدي في الحَياةِ حَبيبُ
وَلَكِنَّني أَبكي وَأَندُبُ زَهرَةً / جَناها وَلوعٌ بِالزُهورِ لَعوبُ
رَآها يَحُلُّ الفَجرُ عَقدَ جُفونِها / وَيُلقي عَلَيها تِبرَهُ فَيَذوبُ
وَيَنفُضُ عَن أَعطافِها النورَ لُؤلُؤاً / مِنَ الطَلِّ ما ضُمَّت عَلَيهِ جُيوبُ
فَعالَجَها حَتّى اِستَوَت في يَمينِهِ / وَعادَ إِلى مَغناهُ وَهوَ طَروبُ
وَشاءَ فَأَمسَت في الإِناءِ سَجينَةً / لِتَشبَعَ مِنها أَعيُنٌ وَقُلوبُ
ثَوَت بَينَ جُدرانٍ كَقَلبِ مُضيمِها / تَلَمَّسُ فيها مَنفَذاً فَتَخيبُ
فَلَيسَت تُحيي الشَمسَ عِندَ شُروقِها / وَلَيسَت تُحيي الشَمسَ حينَ تَغيبُ
وَمَن عُصِبَت عَيناهُ فَالوَقتُ كُلُّهُ / لَدَيهِ وَإِن لاحَ الصَباحُ غُروبُ
لَها الحُجرَةُ الحَسناءُ في القَصرِ إِنَّما / أَحَبُّ إِلَيها رَوضَةٌ وَكَثيبُ
وَأَجمَلَ مِن نورِ المَصابيحِ عِندَها / حَباحِبُ تَمضي في الدُجى وَتَؤوبُ
وَمِن فَتَياتِ القَصرِ يَرقُصنَ حَولَها / عَلى نَغَماتٍ كُلُّهُنَّ عَجيبُ
تُراقِصُ أَغصانُ الحَديقَةِ بِكرَةً / وَلِلريحِ فيها جَيئَةٌ وَذهوبُ
وَأَجمَلَ مِنهُنَّ الفَراشاتُ في الضُحى / لَها كَالأَماني سِكنَةٌ وَوُثوبُ
وَأَبهى مِنَ الديباجِ وَالخَزِّ عِندَها / فَراشٌ مِنَ العُشبِ الخَضيلِ رَطيبُ
وَأَحلى مِنَ السَقفِ المُزَخرَفِ بِالدُمى / فَضاءٌ تَشِعُّ الشُهبُ فيهِ رَحيبُ
تَحِنُّ إِلى مَرأى الغَديرِ وَصَوتِهِ / وَتَحرُمُ مِنهُ وَالغَديرُ قَريبُ
وَلَيسَ لَها لِلبُؤسِ في نَسَمِ الرُبى / نَصيبٌ وَلَم يَسكُن لَهُنَّ هُبوبُ
إِذا سُقِيَت زادَت ذُبولاً كَأَنَّما / يَرُشُّ عَلَيها في المِياهِ لَهيبُ
وَكانَت قَليلُ الطَلِّ يُنعِشُ روحَها / وَكانَت بِمَيسورِ الشُعاعِ تَطيبُ
بِها مِن أُنوفِ الناشِقينَ تَوَعُّكٌ / وَمِن نَظَراتِ الفاسِقينَ نُدوبُ
تَمَشّى الضَنى فيها وَأَيارُ في الحِمى / وَجَفَّت وَسِربالُ الرَبيعِ قَشيبُ
فَفيها كَمَقطوعِ الوَريدَينِ صُفرَةٌ / وَفيها كَمِصباحِ البَخيلِ شُحوبُ
أَيا زَهرَةَ الوادي الكَئيبَةَ إِنَّني / حَزينٌ لِما صِرتِ إِلَيهِ كَئيبُ
وَأَكثَرَ خَوفي أَن تَظُنّي بَني الوَرى / سَواءً وَهُم مِثلُ النَباتِ ضُروبُ
وَأَعظَمَ حُزني أَنَّ خَطبَكِ بَعدَهُ / مَصائِبُ شَتّى لَم تَقَع وَخُطوبُ
سَيَطرَحُكِ الإِنسانُ خارِجَ دارِهِ / إِذا لَم يَكُن فيكِ العَشِيَّةَ طيبُ
فَتُمسينَ لِلأَقذارِ فيكِ مَلاعِبٌ / وَفي صَفحَتَيكِ لِلنِعالِ ضُروبُ
إِسارُكِ يا أُختَ الرَياحينِ مُفجَعٌ / وَمَوتُكِ يا بِنتَ الرَبيعِ رَهيبُ
وَلَكِنَّها الدُنيا وَلَكِنَّهُ القَضا / وَهَذا لَعَمري مِثلَ تِلكَ غَريبُ
فَكَم شَقِيَت في ذي الحَياةِ فَضائِلٌ / وَكَم نَعِمَت في ذي الحَياةِ عُيوبُ
وَكَم شِيَمٍ حَسناءَ عاشَت كَأَنَّها / مَساوِئٌ يُخشى شَرُّها وَذُنوبُ
أزور فتقصيني وأنأى فأتعب
أزور فتقصيني وأنأى فأتعب / وأوهم أني مذنب حين تغضب
وأرجو التلاقي كلّما بخلت به / كذلك يرجى البرق والبرق خلّب
وأعجب من لاح يطيل ملامتي / ويعجب مني عاذلي حين أعجب
هو البخل طبع في الرجال مذمم / ولكنه في الغيد شيء محبب
كلفت بها بيضاء سكرى من الصبا / وما شربت خمرا ولا هي تشرب
لها الدرّ ثغر واللجين ترائب / وشمس الضّحى أم وبدر الدّجى أب
خليلي أما خدّها فمورّد / حياء واما ثغرها فهو اشنب
لئن فرقّت بين الغواني جمالها / لدام لها ما يجعل الغيد تغضب
ولو أن رهبان الصوامع أبصروا / ملاحتها واللّه لم يترهّبوا
تكلّفني في الحبّ ما لا أطيقه / وتضحك إما جئتها أتعتّب
أفاتنتي حسب المتّيم ما به / وحسبك أني دون ذنب أعذّب
أحبك حبّ التازح الفرد أهله / فهل منك حب الأهل من يتغرّب؟
وهبتك قلبي واستعضت به الأسى / وهبتك شيئا في الورى ليس يوهب
فإن يك وصل فهو ما أتطلّب / وإن يك بعد فالمنيّة أقرب