إِيّاكَ أَن يَفتِنَكَ الشَبابُ
إِيّاكَ أَن يَفتِنَكَ الشَبابُ / وَأَن يَغُرَّ عَينَكَ السَرابُ
فَإِنَّما الشَبابُ ظِلٌّ زائِلُ / وَبَدرُهُ لا بُدَّ يَوماً آفِلُ
وَزَهرَةٌ تُذبِلُها اللَيالي / وَلَيسَ وَصلُهُ سِوى خَيالِ
سَرعانَ ما يَنقَشِعُ الجَهامُ / مِن سُحبِهِ وَيُسفِرُ الإِظلامُ
بادِرهُ ما اسطَعتَ بِما يَزينُ / وَلا تُدَنِّسهُ بِما يَشينُ
وَاِغتَنِم الشَبابَ قَبلَ الهَرَمِ / وَقَبلَ أَن تَصلى أُوارَ النَدَمِ
وَاِبخَل بِهِ إِلّا عَلى ما يَنفَعُك / وَجُد بِهِ فيما تَراهُ يَرفَعُك
فَإِنَّما أَيّامُهُ لَآلي / فَابخَل بِها إِلّا عَلى المَعالي
لا تُفنِها في لَذَّةِ المُدامِ / فَلَذَّةُ الكَأسِ إِلى آلامِ
لا يَسبِكَ الدَلُّ مِن الحِسانِ / وَاحذَر مِن التَشبيبِ بِالغَواني
وَاِطَّلبِ العَلياءَ فَهيَ أَطيَبُ / وَإِنَّ وَصلَ الغيدِ بَرقٌ خُلَّبُ
إِيّاكَ أَن تَجلِسَ في سَبيلِ / تَنظُر ذاتَ مَنظر جَميلِ
تَرشُقُها بَأَسهُمِ الأَلحاظِ / وَساقِطِ الأَقوالِ وَالأَلفاظِ
إِنّي أَرى عَجائِباً في مِصرِ / لا سِيَّما فِتيانُ ذاكَ العَصرِ
تَجَرَّدُوا مِن حِلية التَدَيُّنِ / فَلَم يَعُد إِيمانُهُم في مَأمَنِ
يَقضِي الجَهولُ ناضِرَ الشِهابِ / في لَعِبِ النَردِ مَعَ الأَصحابِ
تُنذِرهُ الساعاتُ وَهوَ سادِرُ / وَكَم هَداهُ الدَهرُ وَهوَ حائِرُ
يَقُولُ بادِر لَذَّةَ الحَياةِ / فَكُلُّ لَذّاتٍ إِلى فَواتِ
مِما حَفِظناهُ مِن العِظاتِ / وَما رَوَيناهُ عَنِ الهُداةِ
أَوّاهُ لَو كانَ الشبابُ يُبصِرُ / وَآهِ لَو كانَ المَشيبُ يَقدِرُ
لا تَزدَهيكَ عِزَّةُ المَناصِبِ / فَعِزَّةُ الدُنيا كَبَرق خالِبِ
عَمّا قَليلٍ شَمسُها تُغَيَّبُ / ما فَخرُ ذِي العَقلِ بِمَجدٍ يَذهَبُ
لا عِزَّةٌ بِمَنصِبٍ وَجاه / وَإِنَّما العزُّ بِتَقوى اللَهِ
فَحَسبُكَ التَقوى عُلاً وَعزاً / وَعُدَّةً لِمَن أَرادَ بَزّا
لا تَفتَخِر بِمَنصَبٍ وَمالِ / إِن كُنتَ ذا عَقلٍ وذا كَمالِ
دَع ما اِستَطَعتَ الفَخرَ بِالأُصُولِ / فَذاكَ فَخرُ العاجِزِ الكَسُولِ
وَإِن تَكُن بَينَ الوَرى شَريفاً / فَاضمُم إِلى تَلِيدِهم طَرِيفا
لا يُرفَعُ المَرءُ بِمَجد الوالِدِ / فَكُلُّنا فرعٌ لأَصلٍ واحِدِ
لا فَضلَ لامرِئٍ عَلى أَخيهِ / إلا بِذِكرٍ طَيِّبٍ يُبقيهِ
مِمَّا حَفِظناهُ مِنَ الآثارِ / وَما سَمِعناهُ مِن الأَخبارِ
أَنَّ امرَأً أَتى إِلى مُحَمَّدِ / يَسأَلُه عَن دينهِ وَيَهتَدي
فَأَدرَكَتهُ رِعدةٌ وَهَيبَه / لَمّا رَأى مُحَمَّداً وَصَحبَه
فَإِنَّهُ كانَ مَهِيبَ المَحضَرِ / إِن تَلقَه كَأَنَّهُ في عَسكَرِ
قالَ لَهُ النَبيُّ ماذا تَرهَبُ / مِنّا وَقَد جِئتَ إِلَينا تَرغَبُ
هَوِّن عَلَيكَ ما أَنا جَبّارُ / وَلا أَنا بَينَ الوَرى قَهّارُ
أُمّي كانَت تَأكُلُ القدِيدا / أَكرم بِهَذا خُلُقاً حَمِيدا
وَهَكذا كُلُّ عَظيم القَدرِ / دانٍ إِلى الناسِ قَليلُ الفَخرِ
وَمَن تَكُن بُغيَتُه العَلياءُ / فَقَدرُهُ في نَفسِهِ هَباءُ
يَسعى إِلى المَجدِ وَلَيسَ يَقنَعُ / وَمَن يَذُق طَعمَ العُلا لا يَشبَعُ
أَمّا قَصِيرُ الباعِ في المَعالي / فَإِنَّهُ يَقنَعُ بالآمالِ
مَهما تَكُن رُتبَتهُ صَغِيره / فَإِنَّها في ظَنِّهِ كَبيرَه
حَسبُكَ ما قَد جاءَ في الأَمثالِ / وَالكَلِمِ النَفائِسِ الغَوالي
إِن الأُسُودَ فَخرُها زَئيرُ / وَبِالنَهيقِ تَفخَرُ الحَميرُ
لا تُزهَ بِالطَريفِ وَالتلادِ / فَكُلُّ ما تَرى إِلى نَفادِ
أَوّاهُ لَو يَعرِفُ كُنهَ قَدرِهِ / في الناسِ مَن أَسقَطَهُ بِكبرهِ
لَو يَنظرُ الإِنسانُ مِمّا صُوِّرا / وَما يَؤُولُ أَمرُهُ ما اِستَكبَرا
إِن كُنتَ ذا عُلاً وَذا اِرتِفاعِ / في الناسِ فَاِحفَظهُ بِالاتِّضاعِ
وَكُن شَبيهَ البَدرِ في السَماءِ / وَنُورُهُ يَلُوحُ فَوقَ الماءِ
إِنَّ الفَتى مَن لَم يقُل أَنا أَنا / كَالغُصنِ إِن أَثمَرَ مالَ وَاِنثَنى
وَإِن يُصِب أَخُوكَ فَضلَ مَنصِبِ / فَلا تَزِد في الوُدِّ وَالتَحَبُّبِ
فَإِنَّهُ ضَربٌ مِنَ النِفاقِ / وَإِنَّهُ مِن سَيِّئِ الأَخلاقِ
وَإِن تَكُن ذا أَدَبٍ وَكيسِ / فَكُن كَما كُنتَ لَهُ بِالأَمسِ
وَزِدهُ في التَبجِيلِ وَالتَعظِيمِ / وَلا تَزد في وُدِّكَ القَديمِ
وَإِن تَزُرهُ وَهوَ في دِيوانِهِ / فَلا تُداعِبهُ لَدى إِخوانِهِ
تريدُ أَن يَفهَم مِنكَ الكُلُّ / أَنَّكَ أَنتَ الصاحِبُ المُدِلُّ
دَع ذَلِكَ الخُلقَ فَإِنّ فيهِ / غَيظاً لِمَن آخَيتَه يُؤذِيهِ
لا تَحسَبَنَّ خُلقَه ما تَفهَمُ / قَبلُ وَلا طِباعَه ما تَعلَمُ
فَإِنَّما الأَخلاقُ قَد تُبدَّلُ / وَالطَبعُ بِالعِزَّةِ قَد يُحَوِّلُ