المجموع : 29
قَبرٌ به سيِّدٌ شريفٌ
قَبرٌ به سيِّدٌ شريفٌ / تُكْشَفُ في مثلِهِ الكرُوبُ
دهى عُلاه خطبُ المنايا / وللمنايا بنا خطوبُ
فلا طبيبٌ ولا حبيبٌ / ولا بعيدٌ ولا قريبُ
يَرُدُّ ما قَد قضاه ربٌّ / وهو على عَبده رقيبُ
وآهاً له من فراق / فغائب القوم لا يؤوبُ
تبكي عليه أشراف قومٍ / لها بكاءٌ به نحيبُ
يومٌ به قد قيل أَرِّخ / مَضى إلى ربّه النقيبُ
يا قلبُ هل لك في السُّلُوِّ
يا قلبُ هل لك في السُّلُوِّ / فَقَد أراعَك مَنْ تحبُّ
وجفاك من نهوى فلا / منه إليك اليوم قربُ
ظَعَنَ الذين هَوَيْتَهم / وَحَدَتْ بهم نجبٌ ونجبُ
وتنافَرَتْ تلك الظِّباء / وريع منها ويك سرب
ساروا بصبرك حيث شاؤوا / فَقَد أراعَك من تحبُّ
فالقلبُ صَبٌّ في هواهم / مغرمٌ والدَّمع صَبُّ
طرفي بدمعي لا يجفُّ / ولا زفيرُ الوجد يخبو
يا طرفُ نَهْنِهْ من دُموعك / بعدهم فالوَجْدُ حَسب
فارَقْتُهم وتفرّق الأَحبا / ب بعد الجمع صعب
وذكرتُهم فكأنَّما / نارٌ بأحشائي تشبُّ
يا ليتَ قَومي يَعْلَمون / بما أُصابُ وما أَصُبُّ
أو إنَّهم رجعوا إليَّ / وضَمَّنا يا سعد شعبُ
ويلاه من هذا الزَّمان / فكم دهاني منه خطب
في كلّ يومٌ تُسْتَفاضُ / مدامعٌ ويُراعُ قلبُ
وللوعتي وتجلُّدي / في الحبّ إيجاب وسلبُ
لا موردي صَافي النّمير / ولا مذاق العيش عذب
وأُعاتِبُ الدَّهرَ المِشُتَّ / وهَلْ يفيد الدَّهر عتب
والذَّنبُ للأَحبابِ إذ / رَحَلوا وما للبَيْن ذَنْبُ
ولمَّا ابْتُلِيتُ بفقدِ الكرامِ
ولمَّا ابْتُلِيتُ بفقدِ الكرامِ / وذَمِّ الزَّمان وأصحابِهِ
فأصْبَحْتُ أَمْدحُ أهلَ القبور / وأهلُ المقابرِ أولى بِهِ
أبو الثناء شهابُ الدِّين ما بَلَغَتْ
أبو الثناء شهابُ الدِّين ما بَلَغَتْ / عقائلُ المالِ إلاَّ من مواهِبه
قضى على المال بالإِنفاق نائله / فقلتُ يا فوزَ راجيه وطالبه
وكلَّما رُحْتُ أستسقي سحائبه / سُقيتُ عذباً نميراً من سحائبه
مستعذب الجود يجني الشّهد سائله / كما يَسوغ ويُستحلى لشاربه
سيف الشَّريعة ماضي الحدّ منصلت / فهل ظفِرْتَ بأمضى من مضاربه
وهل سَمِعتَ بفضلٍ عُدَّ في زمنٍ / ولم يكن آخذاً منه بغاربه
يا دَرَّ دَرُّ زمانٍ من غرائبه / إنْ كانَ أغربَ شيءٍ في غرائبه
قد عزَّ جانبه العالي وبزَّ عُلًى / فالعِزُّ أجمعُ والعليا بجانبه
ولاح للفَلَكِ الأَعلى مناقبه / فَعَدَّها وهي أبهى من كواكبه
يا من يُحَدِّثُ عن العلم يسنده / حدِّثْ عن البحر وارْوِ من عجائبه
ويومَ وقفْنا دون أسْنِمة النَّقا
ويومَ وقفْنا دون أسْنِمة النَّقا / وقد كانَ يومٌ يا هُذَيم عصيبا
على طلل ظامٍ إلى ريِّ أهْله / تَصُبُّ عليه الماقيانِ ذنوبا
ولما تَلَفَّتْنا فلم نَرَ أنجماً / هنالك إلاَّ قد غربن غروبا
وكلّ فؤاد من رفاقي وأنيقي / تطالب من تلك الرسوم حبيبا
وقد رُدَّ طرفُ الركب بعد طموحه / حَسيراً وقلبُ المغرمين كئيبا
شَقَقْنَ عليهنّ القلوب تأسّفاً / إذا ما شَقَقْنَ الثاكلات جيوبا
وقد أخَذَتْ منا الديار نصيبها / من الدَّمع والجفن القريح نصيبا
وحنَّتْ نياق الركب حتَّى وجدتني / وَجَدْتَ لها تحت الضلوع لهيبا
ولم أدرِ يوم الجزع في ذلك الحمى / فَقَدْنَ حَبيباً أم فقدن قلوبا
جَميلَ الصَّنيعِ بأهْل الأدَبْ
جَميلَ الصَّنيعِ بأهْل الأدَبْ / بَيتَ لنا في الهنا والطَرَبْ
أعِندك علمٌ بأنَّ الهمومَ / على خاطِر المرءِ مثل الجرب
ولا من دواء لأدوائنا / ولا برءَ منها كبنت العنب
وحشر مع الغانيات الحسان / إذا حشر المرء معْ من أحب
وإنِّي فقيرٌ إلى قهوةٍ / ومن لي مثل ذوب الذهب
تقوّي العظام وتشفي السقام / وتذهب عن شاربيها النصب
إذا مُزِجَتْ بابن ماء السَّماء / تولَّدَ منها لآلي الحبب
فيا مَن ودادي له ثابت / وما ليَ عن حُبِّه منْقَلَبْ
صَراحَتي ما بها قطرةٌ / فقل عند ذلك يا للعجب
وأَنْتَ ملكت نصابَ الشراب / فأين الزكاة وهذا رجب
أتَتْنا من الزّوراء منكم قصيدةٌ
أتَتْنا من الزّوراء منكم قصيدةٌ / فجاءتْ بأبيات يَرُقْنَ عذابا
فَسرَّت عُيونَ الناظرين وشنَّفَت / مسامعَ أرباب الكمال خطابا
وأصْبَحتِ الفيحاء مفتخراً بها / وقد أظهرت للعارفين عجابا
فما برحت تتلى على كلّ فاضل / وتكشِفُ عن وجه الجمال نقابا
فجوزيت يا مولاي خيراً فقد غدت / أياديك عندي في الجميل رغابا
تدير على الأرواح كأساً رويّةً / فنشرب منها ما يسوغ شرابا
وهيّجت أشواقي إليك ولوعتي / وها أنا فيها قد عزمت إيابا
سأرسل بعد اليوم في كلّ مركب / إليك سلامي جيئة وذهابا
ويشغلني فيك الثناء ولم يكن / سكوتي عن ذاك الجواب جوابا
ولو كنت تدري ما الَّذي عنك عافني / عذرتَ وما أوْرَدْتَ منك عتابا
تَلفَّتَ في مَنازل آلِ مَيٍّ
تَلفَّتَ في مَنازل آلِ مَيٍّ / فَلَمْ يَرَ يا سُلَيْمى من يُحِبُّ
فلم يرقأ له إذ ذاك طرف / ولم يَصْبِرْ له إذ ذاك قلب
وتحتَ ضلوعِه للوجدِ نار / تَشُبُّ من الشجون وليس تخبو
يُلامُ على الهوى من غير علمٍ / وهل يصغي إلى اللّوام صبُّ
وأطلال بميثاء دروساً / سَقَتْ أطلالها سحب وسحب
تذكّرني بها فيها التّصابي / وعَيشاً كلُّه لهو ولعب
وغزلاناً لها في القلب مرعًى / ومن عَبرات هذا الطرف شرب
ويجمَعُنا ومن نهواه شملٌ / بحَيثُ يضمُّنا والحيّ شِعب
وحيث الشّيحُ ينفحُ والخزامى / وحيث البانُ لدن القدّ رطب
إلى أرواحها ترتاح روحي / وألقى بالأحِبَّة ما أُحِب
ولي حتَّى أرى الأحبابَ فيها / على الأيام طول الدهر عتب
سقى الله هذا القبرَ من صيّب الحيا
سقى الله هذا القبرَ من صيّب الحيا / وصُبّ عليه كلّ يوم مَصابُه
به حلَّ ذو علم وفهم وحكمة / وأمسى إلى الربّ الكريم ذهابُه
ومعروفٌ الكرخيُّ مذ كانَ جارَه / فأشرقَ فيه ما هناك ترابه
بشهر ربيع الآخر ارتاح أو مضى / وأصبحَ في أعلى الجنان جنابُه
وكان بعلم الطبّ أعلمَ عالِمٍ / وللعَسكر المنصور كانَ انتسابُه
لقد فاز بعد الموت بالعفو والرضا / من الله يوفى عفوَه وثوابُه
وآبَ إلى جنَّات عدنٍ فأرِّخوا / عليٌّ بجنَّات الخلود مآبه