المجموع : 71
قامَ مِن عِلَّتِهِ الشاكي الوَصِب
قامَ مِن عِلَّتِهِ الشاكي الوَصِب / وَتَلَقّى راحَةَ الدَهرِ التَعِب
أَيُّها النَفسُ اِصبِري وَاِستَرجِعي / هَتفَ الناعي بِعَبدِ المُطَّلِب
نَزَلَ التُربَ عَلى مَن قَبلَهُ / كُلُّ حَيٍّ مُنتَهاهُ في التُرُب
ذَهَبَ اللينُ في إِرشادِهِ / كَالأَبِ المُشفِقِ وَالحَدِّ الحَدِب
القَريبُ العَتبِ مِن مَعنى الرِضا / وَالقَريبُ الجِدِّ مِن مَعنى اللَعِب
وَالأَخُ الصادِقُ في الوُدِّ إِذا / ظَهَرَ الإِخوانُ بِالوُدِّ الكَذِب
خاشِعٌ في دَرسِهِ مُحتَشِمٌ / فَكِهٌ في مَجلِسِ الصَفوِ طَرِب
قَلَّدَ الأَوطانَ نَشءً صالِحاً / وَشَباباً أَهلَ دينٍ وَحَسَب
رُبَّما صالَت بِهِم في غَدِها / صَولَةَ الدَولَةِ بِالجَيشِ اللَجِب
جَعَلوا الأَقلامَ أَرماحَهُمُ / وَأَقاموها مَقاماتِ القُضُب
لا يَميلونَ إِلى البَغيِ بِها / كَيفَ يَبغي مَن إِلى العِلمِ اِنتَسَب
شاعِرَ البَدوِ وَمِنهُم جاءَنا / كُلُّ مَعنىً رَقَّ أَو لَفظٍ عَذُب
قَد جَرَت أَلسُنُهُم صافِيَةً / جَرَيانَ الماءِ في أَصلِ العُشُب
سَلِمَت مِن عَنَتِ الطَبعِ وَمِن / كُلفَةِ الأَقلامِ أَو حَشوِ الكُتُب
قَد نَزَلتَ اليَومَ في باديَةٍ / عَمَرَت فيها اِمرَأَ القَيسِ الحِقَب
وَمَشى المَجنونُ فيها سالِياً / نَفَضَ اللَوعَةَ عَنهُ وَالوَصَب
أَعِرِ الناسَ لِساناً يَنظُموا / لَكَ فيهِ الشِعرَ أَو يُنشوا الخُطَب
قُم صِفِ الخُلدَ لَنا في مُلكِهِ / مِن جَلالِ الخُلقِ وَالصُنعِ العَجَب
وَثِمارٍ في يَواقيتِ الرُبى / وَسُلافٍ في أَباريقِ الذَهَب
وَاِنثُرِ الشِعرَ عَلى الأَبرارِ في / قُدُسِ الساحِ وَعُلوِيِّ الرَحِب
وَاِستَعِر رُضوانَ عودَي قَصَبٍ / وَتَرَنَّم بِالقَوافي في القَصَب
وَاِسقِ بِالمَعنى إِلَهِيّاً كَما / تَتَساقَونَ الرَحيقَ المُنسَكِب
كُلَّما سَبَّحتَ لِلعَرشِ بِهِ / رَفَعَ الرَحمَنُ وَالرُسُلُ الحُجُب
قُم تَأَمَّل هَذِهِ الدارُ وَفى / لَكَ مِن طُلّابِها الجَمعُ الأَرِب
وَفَتِ الدارُ لِباني رُكنِها / وَقَضى الحَقَّ بَنو الدارِ النُجُب
طَلَبوا العِلمَ عَلى شَيخِهِمُ / زَمَناً ثُمَّ إِذا الشَيخُ طُلِب
غابَ عَن أَعيُنِهِم لَكِنَّهُ / ماثِلٌ في كُلِّ قَلبٍ لَم يَغِب
صورَةٌ مُحسَنَةٌ ما تَختَفي / وَمِثالٌ طَيِّبٌ ما يَحتَجِب
رَجُلُ الواجِبِ في الدُنيا مَضى / يُنصِفُ الأُخرى وَيَقضي ما وَجَب
عاشَ عَيشَ الناسِ في دُنياهُمُ / وَكَما قَد ذَهَبَ الناسُ ذَهَب
أَخَذَ الدَرسَ الَّذي لُقِّنَهُ / عَجَمُ الناسِ قَديماً وَالعَرَب
سَما يُناغي الشُهُبا
سَما يُناغي الشُهُبا / هَل مَسَّها فَاِلتَهَبا
كَالدَيدَبانِ أَلزَمو / هُ في البِحارِ مَرقَبا
شَيَّعَ مِنهُ مَركَباً / وَقامَ يَلقى مَركَبا
بَشَّرَ بِالدارِ وَبِال / أَهلِ السُراةَ الغُيَّبا
وَخَطَّ بِالنورِ عَلى / لَوحِ الظَلامِ مَرحَبا
كَالبارِقِ المُلِحِّ لَم / يُوَلَّ إِلّا عَقَّبا
يا رُبَّ لَيلٍ لَم تَذُق / فيهِ الرُقادَ طَرَبا
بِتنا نُراعيهِ كَما / يَرعى السُراةُ الكَوكَبا
سَعادَةٌ يَعرِفُها / في الناسِ مَن كانَ أَبا
مَشى عَلى الماءِ وَجا / بَ كَالمَسيحِ العَبَبا
وَقامَ في مَوضِعِهِ / مُستَشرِفاً مُنَقِّبا
يَرمي إِلى الظَلامِ طَر / فاً حائِراً مُذَبذَبا
كَمُبصِرٍ أَدارَ عَي / ناً في الدُجى وَقَلَّبا
كَبَصَرِ الأَعشى أَصا / بَ في الظَلامِ وَنَبا
وَكالسِراجِ في يَدِ الري / حِ أَضاءَ وَخَبا
كَلَمحَةٍ مِن خاطِرٍ / ما جاءَ حَتّى ذَهَبا
مُجتَنِبُ العالَمِ في / عُزلَتِهِ مُجتَنَبا
إِلّا شِراعاً ضَلَّ أَو / فُلكاً يُقاسي العَطَبا
وَكانَ حارِسُ الفَنا / رِ رَجُلاً مُهَذَّبا
يَهوى الحَياةَ وَيُحِبُّ / العَيشَ سَهلاً طَيِّبا
أَتَت عَلَيهِ سَنَوا / تٌ مُبعَداً مُغتَرِبا
لَم يَرَ فيها زَوجَهُ / وَلا اِبنَهُ المُحَبَّبا
وَكانَ قَد رَعى الخَطي / بَ وَوَعى ما خَطَبا
فَقالَ يا حارِسُ خَل / لِ السُخطَ وَالتَعَتُّبا
مَن يُسعِفُ الناسَ إِذا / نودِيَ كُلٌّ فَأَبى
ما الناسُ إِخوَتي وَلا / آدَمُ كانَ لي أَبا
أُنظُر إِلَيَّ كَيفَ أَق / ضي لَهُمُ ما وَجَبا
قَد عِشتُ في خِدمَتِهِم / وَلا تَراني تَعِبا
كَم مِن غَريقٍ قُمتُ عِن / دَ رَأسِهِ مُطَبِّبا
وَكانَ جِسماً هامِداً / حَرَّكتُهُ فَاِضطَرَبا
وَكُنتُ وَطَّأتُ لَهُ / مَناكِبي فَرَكِبا
حَتّى أَتى الشَطَّ فَبَش / شَ مَن بِهِ وَرَحَّبا
وَطارَدوني فَاِنقَلَب / تُ خاسِراً مُخَيِّبا
ما نلتُ مِنهُم فِضَّةً / وَلا مُنِحتُ ذَهَبا
وَما الجَزاءُ لا تَسَل / كانَ الجَزاءُ عَجَبا
أَلقَوا عَلَيَّ شَبَكاً / وَقَطَّعوني إِرَبا
وَاِتَّخَذَ الصُنّاعُ مِن / شَحمِيَ زَيتاً طَيِّبا
وَلَم يَزَل إِسعافُهُم / لِيَ الحَياةَ مَذهَبا
وَلَم يَزَل سَجِيَّتي / وَعَمَلي المُحَبَّبا
إِذا سَمِعتُ صَرخَةً / طِرتُ إِلَيها طَرَبا
لا أَجِدُ المُسعِفَ / إِلّا مَلَكاً مُقَرَّبا
وَالمُسعِفونَ في غَدٍ / يُؤَلِّفونَ مَوكِبا
يَقولُ رِضوانُ لَهُم / هَيّا أَدخلوها مَرحَبا
مُذنِبُكُم قَد غَفَرَ / اللَهُ لَهُ ما أَذنَبا
فَدَيناهُ مِن زائِرٍ مُرتَقَب
فَدَيناهُ مِن زائِرٍ مُرتَقَب / بَدا لِلوُجودِ بِمَرأىً عَجَب
تَهُزُّ الجِبالَ تَباشيرُهُ / كَما هَزَّ عِطفَ الطَروبِ الطَرَب
وَيُحلي البِحارَ بِلَألائِهِ / فَمِنّا الكُؤوسُ وَمِنهُ الحَبَب
مَنارُ الحُزونِ إِذا ما اِعتَلى / مَنارُ السُهولِ إِذا ما اِنقَلَب
أَتانا مِنَ البَحرِ في زَورَقٍ / لُجَيناً مَجاذيفُهُ مِن ذَهَب
فَقُلنا سُلَيمانُ لَو لَم يَمُت / وَفِرعَونُ لَو حَمَلَتهُ الشُهُب
وَكِسرى وَما خَمَدَت نارهُ / وَيوسُفُ لَو أَنَّهُ لَم يَشِب
وَهَيهاتَ ما تُوِّجوا بِالسَنا / وَلا عَرشُهُم كانَ فَوقَ السُحُب
أَنافَ عَلى الماءِ ما بَينَها / وَبَينَ الجِبالِ وَشُمَّ الهُضَب
فَلا هُوَ خافٍ وَلا ظاهِرٌ / وَلا سافِرٌ لا وَلا مُنتَقِب
وَلَيسَ بِثاوٍ وَلا راحِلٍ / وَلا بِالبَعيدِ وَلا المُقتَرِب
تَوارى بِنِصفٍ خِلالَ السُحُب / وَنِصفٌ عَلى جَبَلٍ لَم يَغِب
يُجَدِّدُها آيَةً قَد خَلَت / وَيَذكُرُ ميلادَ خَيرِ العَرَب
أَرى شَجَراً في السَماءِ اِحتَجَب
أَرى شَجَراً في السَماءِ اِحتَجَب / وَشَقَّ العَنانَ بِمَرأى عَجَب
مَآذِنُ قامَت هُنا أَو هُناكَ / ظَواهِرُها دَرَجٌ مِن شَذَب
وَلَيسَ يُؤَذِّنُ فيها الرِجالُ / وَلَكِن تَصيحُ عَلَيها الغُرُب
وَباسِقَةٍ مِن بَناتِ الرِمالِ / نَمَت وَرَبَت في ظِلالِ الكُثُب
كَسارِيَةِ الفُلكِ أَو كَالمِسَل / لَةِ أَو كَالفَنارِ وَراءَ العَبَب
تَطولُ وَتَقصُرُ خَلفَ الكَثيبِ / إِذا الريحُ جاءَ بِهِ أَو ذَهَب
تُخالُ إِذا اِتَّقَدَت في الضُحى / وَجَرَّ الأَصيلُ عَلَيها اللَهَب
وَطافَ عَلَيها شُعاعُ النَهارِ / مِنَ الصَحوِ أَو مِن حَواشي السُحُب
وَصيفَةَ فِرعَونَ في ساحَةٍ / مِنَ القَصرِ واقِفَةً تَرتَقِب
قَدِ اِعتَصَبَت بِفُصوصِ العَقيقِ / مُفَصَّلَةً بِشُذورِ الذَهَب
وَناطَت قَلائِدَ مَرجانِها / عَلى الصَدرِ وَاِتَّشَحَت بِالقَصَب
وَشَدَّت عَلى ساقِها مِئزَراً / تَعَقَّدَ مِن رَأسِها لِلذَنَب
أَهَذا هُوَ النَخلُ مَلكُ الرِياضِ / أَميرُ الحُقولِ عَروسُ العِزَب
طَعامُ الفَقيرِ وَحَلوى الغَنِيِّ / وَزادُ المُسافِرِ وَالمُغتَرِب
فَيا نَخلَةَ الرَملِ لَم تَبخَلي / وَلا قَصَّرَت نَخَلاتُ التُرَب
وَأَعجَبُ كَيفَ طَوى ذِكرَكُنَّ / وَلَم يَحتَفِل شُعَراءُ العَرَب
أَلَيسَ حَراماً خُلُوُّ القَصا / ئِدِ مِن وَصفِكُنَّ وَعُطلُ الكُتُب
وَأَنتُنَّ في الهاجِراتِ الظِلالُ / كَأَنَّ أَعالِيَكُنَّ العَبَب
وَأَنتُنَّ في البيدِ شاةُ المُعيلِ / جَناها بِجانِب أُخرى حَلَب
وَأَنتُنَّ في عَرَصاتِ القُصورِ / حِسانُ الدُمى الزائِناتُ الرَحَب
جَناكُنَّ كَالكَرمِ شَتّى المَذاقِ / وَكَالشَهدِ في كُلِّ لَونٍ يُحَب
يَدُ المَلِكِ العَلَوي الكَريم
يَدُ المَلِكِ العَلَوي الكَريم / عَلى العلمِ هَزَّت أَخاهُ الأَدَب
لِسانُ الكِنانَةِ في شُكرِها / وَما هُوَ إِلّا لِسانُ العَرَب
قَضَت مِصرُ حاجَتَها يا عَلِيُّ / وَنالَت وَنالَ بَنوها الأَرَب
وَهَنَّأتُ بِالرُتَبِ العَبقَرِيِّ / وَهَنَّأتُ بِالعَبقَرِيِّ الرُتَب
عَلِيُّ لَقَد لَقَّبَتكَ البِلادُ / بِآسي الجِراحِ وَنِعمَ اللَقَب
سِلاحُكَ مِن أَدَواتِ الحَياةِ / وَكُلُّ سِلاحٍ أَداةُ العَطَب
وَلَفظُكَ بِنجٌ وَلَكِنَّهُ / لَطيفُ الصَبا في جُفونِ العَصَب
أَنامِلُ مِثلُ بَنانِ المَسيحِ / أَواسي الجِراحِ مَواحي النُدَب
تُعالِجُ كَفّاكَ بُؤسَ الحَياةِ / فَكَفٌّ تُداوي وَكَفٌّ تَهَب
وَيَستَمسِكُ الدَمُ في راحَتَيكَ / وَفَوقَهُما لا يَقَرُّ الذَهَب
كَأَنَّكَ لِلمَوتِ مَوتٌ أُتيحَ / فَلَم يَرَ وَجهَكَ إِلّا هَرَب
يا اِبنَ زَيدونَ مَرحَبا
يا اِبنَ زَيدونَ مَرحَبا / قَد أَطَلتَ التَغَيُّبا
إِنَّ ديوانَكَ الَّذي / ظَلَّ سِرّاً مُحَجَّبا
يَشتَكي اليُتمَ دُرُّهُ / وَيُقاسي التَغَرُّبا
صارَ في كُلِّ بَلدَةٍ / لِلأَلِبّاءِ مَطلَبا
جاءَنا كامِلٌ بِهِ / عَرَبِيّاً مُهَذَّبا
تَجِدُ النَصَّ مُعِجِبا / وَتَرى الشَرحَ أَعجَبا
أَنتَ في القَولِ كُلِّهِ / أَجمَلُ الناسِ مَذهَبا
بِأَبي أَنتَ هَيكَلاً / مِن فُنونٍ مُرَكَّبا
شاعِراً أَم مُصَوِّراً / كُنتَ أَم كُنتَ مُطرِبا
نُرسِلُ اللَحنَ كُلَّهُ / مُبدِعاً فيهِ مُغرِبا
أَحسَنَ الناسَ هاتِفاً / بِالغَواني مُشَبِّبا
وَنَزيلَ المُتَوَّجي / نَ النَديمَ المُقَرَّبا
كَم سَقاهُم بِشِعرِهِ / مِدحَةً أَو تَعَتُّبا
وَمِنَ المَدحِ ما جَزى / وَأَذاعَ المَناقِبا
وَإِذا الهَجوُ هاجَهُ / لِمُعاناتِهِ أَبى
وَرَآهُ رَذيلَةً / لا تُماشي التَأَدُّبا
ما رَأى الناسُ شاعِراً / فاضِلَ الخُلقِ طَيِّبا
دَسَّ لِلناشِقينَ في / زَنبَقِ الشِعرِ عَقرَبا
جُلتَ في الخُلدِ جَولَةً / هَل عَنِ الخُلدِ مِن نَبا
صِف لَنا ما وَراءَهُ / مِن عُيونٍ وَمِن رُبى
وَنَعيمٍ وَنَضرَةٍ / وَظِلالٍ مِنَ الصِبا
وَصِفِ الحورَ موجَزاً / وَإِذا شِئتَ مُطنِبا
قُم تَرى الأَرضَ مِثلَما / كُنتُمو أَمسِ مَلعَبا
وَتَرى العَيشَ لَم يَزَل / لِبَني المَوتِ مَأرَبا
وَتَرى ذاكَ بِالَّذي / عِندَ هَذا مُعَذَّبا
إِنَّ مَروانَ عُصبَةٌ / يَصنَعونَ العَجائِبا
طَوَّفوا الأَرضَ مَشرِقاً / بِالأَيادي وَمَغرِبا
هالَةٌ أَطلَعَتكَ في / ذِروَةِ المَجدِ كَوكَبا
أَنتَ لِلفَتحِ تَنتَمي / وَكَفى الفَتحُ مَنصِبا
لَستُ أَرضى بِغَيرِهِ / لَكَ جَدّاً وَلا أَبا
وَهَذِهِ واقِعَةٌ مُستَغرَبَه
وَهَذِهِ واقِعَةٌ مُستَغرَبَه / في هَوَسِ الأَفعى وَخُبثِ العَقرَبَه
رَأَيتُ أَفعى من بَناتِ النيلِ / مُعجَبَةً بِقَدِّها الجَميلِ
تَحتَقِرُ النُصحَ وَتَجفو الناصِحا / وَتَدَّعي العَقلَ الكَبيرَ الراجِحا
عَنَت لَها رَبيبَةُ السَباخِ / تَحمِلُ وَزنَيها مِنَ الأَوساخِ
فَحَسِبَتها وَالحِسابُ يُجدي / ساحِرَةً مِن ساحِراتِ الهِندِ
فَاِنخَرَطَت مِثلَ الحُسامِ الوالِجِ / وَاِندَفَعَت تِلكَ كَسَهمٍ زالِجِ
حَتّى إِذا ما أَبلَغَتها جُحرَها / دارَت عَلَيهِ كَالسِوارِ دَورَها
تَقولُ يا أُمَّ العَمى وَالطَيشِ / أَينَ الفِرارُ يا عَدُوَّ العَيشِ
إِن تِلجي فَالمَوتُ في الوُلوجِ / أَو تَخرُجي فَالهُلكُ في الخُروجِ
فَسَكَتَت طَريدَةُ البُيوتِ / وَاِغتَرَّتِ الأَفعى بِذا السُكوتِ
وَهَجَعَت عَلى الطَريقِ هَجعَه / فَخَرَجَت ضَرَّتُها بِسُرعَه
وَنَهَضَت في ذِروَةِ الدِماغِ / وَاِستَرسَلَت في مُؤلِمِ التَلداغِ
فَاِنتَبَهَت كَالحالِمِ المَذعورِ / تُصيحُ بِالوَيلِ وَبِالثُبورِ
حَتّى وَهَت مِنَ الفَتاةِ القُوَّه / فَنَزَلت عَن رَأسِها العُدُوَّه
تَقولُ صَبراً لِلبَلاءِ صَبرا / وَإِن وَجَدتِ قَسوَةً فَعُذرا
فَرَأسُكِ الداءُ وَذا الدَواءُ / وَهَكَذا فَلتُركَبُ الأَعداءُ
مَن مَلَكَ الخَصمَ وَنامَ عَنهُ / يُصبِحُ يَلقى ما لَقيت مِنهُ
لَولا الَّذي أَبصَرَ أَهلُ التَجرِبَه / مِنّي لَما سَمّوا الخَبيثَ عَقرَبَه
يَحكونَ أَنَّ أُمَّةَ الأَرانِبِ
يَحكونَ أَنَّ أُمَّةَ الأَرانِبِ / قَد أَخَذَت مِنَ الثَرى بِجانِبِ
وَاِبتَهَجَت بِالوَطَنِ الكَريمِ / وَمَوئِلِ العِيالِ وَالحَريمِ
فَاِختارَهُ الفيلُ لَهُ طَريقا / مُمَزِّقاً أَصحابَنا تَمزيقا
وَكانَ فيهِم أَرنَبٌ لَبيبُ / أَذهَبَ جُلَّ صوفِهِ التَجريبُ
نادى بِهِم يا مَعشَرَ الأَرانِبِ / مِن عالِمٍ وَشاعِرٍ وَكاتِبِ
اِتَّحِدوا ضِدَّ العَدُوِّ الجافي / فَالاتِّحادُ قُوَّةُ الضِعافِ
فَأَقبَلوا مُستَصوِبينَ رايَه / وَعَقَدوا لِلاجتِماعِ رايَه
وَاِنتَخَبوا مِن بَينِهِم ثَلاثَه / لا هَرَماً راعَوا وَلا حَداثَه
بَل نَظَروا إِلى كَمالِ العَقلِ / وَاِعتَبَروا في ذاكَ سِنَّ الفَضلِ
فَنَهَضَ الأَوَّلُ لِلخِطابِ / فَقالَ إِنَّ الرَأيَ ذا الصَوابِ
أَن تُترَكَ الأَرضُ لِذي الخُرطومِ / كَي نَستَريحَ مِن أَذى الغَشومِ
فَصاحَتِ الأَرانِبُ الغَوالي / هَذا أَضَرُّ مِن أَبي الأَهوالِ
وَوَثَبَ الثاني فَقالَ إِنّي / أَعهَدُ في الثَعلَبِ شَيخَ الفَنِّ
فَلنَدعُهُ يُمِدُّنا بِحِكمَتِهِ / وَيَأخُذُ اِثنَينِ جَزاءَ خِدمَتِهِ
فَقيلَ لا ياصاحِبَ السُمُوِّ / لا يُدفَعُ العَدُوُّ بِالعَدُوِّ
وَاِنتَدَبَ الثالِثُ لِلكَلامِ / فَقالَ يا مَعاشِرَ الأَقوامِ
اِجتَمِعوا فَالاِجتِماعُ قُوَّه / ثُمَّ احفِروا عَلى الطَريقِ هُوَّه
يَهوي إِلَيها الفيلُ في مُرورِهِ / فَنَستَريحُ الدَهرَ مِن شُرورِهِ
ثُمَّ يَقولُ الجيلُ بَعدَ الجيلِ / قَد أَكَلَ الأَرنَبُ عَقلَ الفيلِ
فَاِستَصوَبوا مَقالَهُ وَاِستَحسَنوا / وَعَمِلوا مِن فَورِهِم فَأَحسَنوا
وَهَلَكَ الفيلُ الرَفيعُ الشانِ / فَأَمسَتِ الأُمَّةُ في أَمانِ
وَأَقبَلَت لِصاحِبِ التَدبيرِ / ساعِيَةً بِالتاجِ وَالسَريرِ
فَقالَ مَهلاً يا بَني الأَوطانِ / إِنَّ مَحَلّي لَلمَحَلُّ الثاني
فَصاحِبُ الصَوتِ القَوِيِّ الغالِبِ / مَن قَد دَعا يا مَعشَرَ الأَرانِبِ
أَتى نَبِيَّ اللَهِ يَوماً ثَعلَبُ
أَتى نَبِيَّ اللَهِ يَوماً ثَعلَبُ / فَقالَ يا مَولايَ إِنّي مُذنِبُ
قَد سَوَّدَت صَحيفَتي الذُنوبُ / وَإِن وَجَدتُ شافِعاً أَتوبُ
فَاِسأَل إِلهي عَفوَهُ الجَليلا / لِتائِبٍ قَد جاءَهُ ذَليلا
وَإِنَّني وَإِن أَسَأتُ السَيرا / عَمِلتُ شَرّاً وَعَملتُ خَيرا
فَقَد أَتاني ذاتَ يَومٍ أَرنَبُ / يَرتَعُ تَحتَ مَنزِلي وَيَلعَبُ
وَلَم يَكُن مُراقِبٌ هُنالِكا / لَكِنَّني تَرَكتُهُ مَع ذَلِكا
إِذ عِفتُ في اِفتِراسِهِ الدَناءَه / فَلَم يَصِلهُ مِن يَدي مَساءَه
وَكانَ في المَجلِسِ ذاكَ الأَرنَبُ / يَسمَعُ ما يُبدي هُناكَ الثَعلَبُ
فَقالَ لَمّا اِنقَطَعَ الحَديثُ / قَد كانَ ذاكَ الزُهدُ يا خَبيثُ
وَأَنتَ بَينَ المَوتِ وَالحَياةِ / مِن تُخمَة أَلقَتكَ في الفَلاةِ
قَد حَمَلَت إِحدى نِسا الأَرانِبِ
قَد حَمَلَت إِحدى نِسا الأَرانِبِ / وَحَلَّ يَومُ وَضعِها في المَركَبِ
فَقَلقَ الرُكّابُ مِن بُكائِها / وَبَينَما الفَتاةُ في عَنائِها
جاءَت عَجوزٌ مِن بَناتِ عِرسِ / تَقولُ أَفدي جارَتي بِنَفسي
أَنا الَّتي أُرجى لِهَذي الغايَه / لِأَنَّني كُنتُ قَديماً دَأيَه
فَقالَتِ الأَرنَبُ لا يا جارَه / فَإِنَّ بَعدَ الأُلفَةِ الزِيارَه
مالي وُثوقٌ بِبَناتِ عِرسِ / إِنّي أُريدُ دايَةً مِن جِنسي
قَد سَمِعَ الثَعلَبُ أَهلَ القُرى
قَد سَمِعَ الثَعلَبُ أَهلَ القُرى / يَدعونَ مُحتالاً بِيا ثَعلَبُ
فَقالَ حَقّاً هَذِهِ غايَةٌ / في الفَخرِ لا تُؤتى وَلا تُطلَبُ
مَن في النُهى مِثلِيَ حَتّى الوَرى / أَصبَحتُ فيهِم مَثَلاً يُضرَبُ
ما ضَرَّ لَو وافَيتُهُم زائِراً / أُريهُمُ فَوقَ الَّذي اِستَغرَبوا
لَعَلَّهُم يُحيونَ لي زينَةً / يَحضُرُها الديكُ أَوِ الأَرنَبُ
وَقَصَدَ القَومَ وَحَيّاهُمُ / وَقامَ فيما بَينَهُم يَخطُبُ
فَأُخِذَ الزائِرُ مِن أُذنِهِ / وَأُعطِيَ الكَلبَ بِهِ يَلعَبُ
فَلا تَثِق يَوماً بِذي حيلَةٍ / إِذ رُبَّما يَنخَدِعُ الثَعلَبُ
مِن أَعجَبِ الأَخبارِ أَنَّ الأَرنَبا
مِن أَعجَبِ الأَخبارِ أَنَّ الأَرنَبا / لَمّا رَأى الديكَ يَسُبُّ الثَعلَبا
وَهوَ عَلى الجِدارِ في أَمانِ / يَغلِبُ بِالمَكانِ لا الإِمكانِ
داخَلَهُ الظَنُّ بِأَنَّ الماكِرا / أَمسى مِنَ الضَعفِ يُطيقُ الساخِرا
فَجاءَهُ يَلعَنُ مِثلَ الأَوَّلِ / عِدادَ ما في الأَرضِ مِن مُغَفَّلِ
فَعَصَفَ الثَعلَبُ بِالضَعيفِ / عَصفَ أَخيهِ الذيبِ بِالخَروفِ
وَقالَ لي في دَمِكَ المَسفوكِ / تَسلِيَةٌ عَن خَيبَتي في الديكِ
فَاِلتَفَتَ الديكُ إِلى الذَبيحِ / وَقالَ قَولَ عارِفٍ فَصيحِ
ما كُلُّنا يَنفَعُهُ لِسانُه / في الناسِ مَن يُنطِقُهُ مَكانُه
لي جَدَّةٌ تَرأَفُ بي
لي جَدَّةٌ تَرأَفُ بي / أَحنى عَلَيَّ مِن أَبي
وَكُلُّ شَيءٍ سَرَّني / تَذهَبُ فيهِ مَذهَبي
إِن غَضِبَ الأَهلُ عَلَي / يَ كُلُّهُم لَم تَغضَبِ
مَشى أَبي يَوماً إِلَي / يَ مِشيَةَ المُؤَدِّبِ
غَضبانَ قَد هَدَّدَ بِالضَر / بِ وَإِن لَم يَضرِبِ
فَلَم أَجِد لِيَ مِنهُ غَي / رَ جَدَّتي مِن مَهرَبِ
فَجَعَلتني خَلفَها / أَنجو بِها وَأَختَبي
وَهيَ تَقولُ لِأَبي / بِلَهجَةِ المُؤَنِّبِ
وَيحٌ لَهُ وَيحٌ لِهَ / ذا الوَلدِ المُعَذَّبِ
أَلَم تَكُن تَصنَعُ ما / يَصنَعُ إِذا أَنتَ صَبي
خَليفَةٌ ما جاءَ حَتّى ذَهَبا
خَليفَةٌ ما جاءَ حَتّى ذَهَبا / ضاعَ عَليهِ الدَمُ وَالمال هبا
الصاحِبُ اِبنُ الصاحب الكَريمِ / الجللُ المَطلَب وَالغَريمِ
اِبنُ الزُبير وَكَفى تَعريفا / إِن الشَريفَ يَلدُ الشَريفا
أَبوهُ هَضبةُ العُلا الشَماء / وَأُمُّهُ في الشرف السماء
مُستَقبلُ الأَيام بِالصِيامِ / وَمُتعبُ الظَلام بِالقِيامِ
وَأَطهَرُ المُعاهدين ذِمَّه / وَأَكبرُ المُجاهِدين هِمه
وَثباً مِن الخَوارجِ الشِدادِ / إِلى بَني أُميَة اللدادِ
إِلى مُداراة بَني العَباس / وَالعَلويين الشِدادِ الباس
فَاِنتَظَمت أَهلَ الحِجالا بَيعتُه / وَاِحتَكَمَت في البصرتين شِيعتُه
وَدَخل العِراقُ في وَلائِهِ / وَخَرَجَت مصرُ عَلى أَعدائِهِ
فَضاقَ مَروانُ بِهِ ذِراعا / وَاِنخرعت قُدرته اِنخِراعا
بابن الزُبير لا يُقاس ابن الحَكَم / لا تَرفَعُ الأَحكامُ كُلَّ مَن حَكَم
لا يَستوي مَن عُمرَه تَحنَّفا / وَمَن رَسولُ اللَهِ أَقصى وَنَفى
مَروانُ لَيسَ لِلأُمور صاحِبا / وَإِن غَدَت لِذَيلِهِ مساحبا
جر عَلى عُثمانَ ما قَد جرا / أَرادَ أَن يَنفَعَهُ فَضَرّا
رُبَّ عَدوٍّ عاقِلٍ أَشكاكا / وَرُبَّ وَدِّ جاهِلٍ أَبكاكا
لَكنه أَبو النُجوم الزُهرِ / مَصابِحِ الأَمر مُلوكِ الدَهر
حدِّث إِذا باهى المُلوكُ بِالوَلَد / عَن حَجَر الأَرض وَبَيضَةِ البَلَد
يَدنو بَنو المَنصور مِن أَبنائِهِ / في الرفق بِالمَلكِ وَفي بِنائِهِ
ما كسليمانَ وَلا عَبدِ المَلِك / وَلا الوَليدِ عاهِلٌ وَلا مَلِك
لَما أَتى اِبنَ الحَكَمِ الحِمامُ / آل لِعبد المَلك الزِمام
فَيا شَقاءَ اِبنَ الزُبير ما لَقى / لَقَد أُصيبَ بِالدَهيِّ الفَيلَق
فَتى مِن النَوابغ المُرّادِ / إِن همّ لَم يُثنَ عَن المُراد
قَد نَضجت آراؤه غلاما / وَرُزق الهمةَ وَالكَلاما
وَكانَ في الشَرع شِراعَ الأَمّه / وَفي الحَديث مُستَقى الأَئمّه
فاقَ فَلَولا بُخلُهُ وَغَدرُهُ / فاتَ مَقاديرَ المُلوك قَدرُهُ
ما زالَ في الشام إِلى أَن راضها / ضم قِواها وَشَفى أَمراضَها
فَاِجتَمَعت لِذي دَهاءٍ حُوّلي / كَعَهدِها بِالأَمَويّ الأَوَلِ
رَمى بِها مَجموعة مُعدَّه / إِن النِظامَ عَدَدٌ وَعُدّه
فَظَفرت بفِرَق الخَوارجِ / مِن داخِلٍ في طاعَةٍ وَخارِجِ
وَلَم تَدع لابن الزُبير جَمعا / إِلّا أَراها طاعَةً وَسَمعا
بَعد حُروب وائِلِيَةِ الحرَب / لَولا سُباتُ الرُوم ضاعَت العُرب
أَحستِ المللة فيها بِالغرر / وَرُمِيَ البَيتُ العَتيقُ بِالشرر
وَطاحَ فيها مُصعَبٌ كَريماً / يَحمي كَلَيث العَتيقُ بِالشَرر
وَضاقَ عَبد اللَه عَن عَبد المَلك / وَرَأيِهِ الوَضاءَ في الخَطب الحلك
اِنصَرَف الكُرّارُ وَالكُماةُ / وَاِنحَرَف الأَنصارُ وَالحُماةُ
أَسلَمه الأَهلون حَتّى ابناه / وَخَذلت شِمالَه يمناه
فَجاءَ أُمّه وَمَن كَأُمِّه / لَعَلَها تَحمل بَعضَ هَمّه
وَالبَيت تَحتَ قَسطَلِ الحَجاجِ / وَخَيلُهُ أَواخذُ الفِجاجِ
فَقالَ ما تَرينَ فَالأَمرُ لَكِ / لِلمَوت أَمضى أَم لِعَبد المَلِكِ
قالَت بَنيّ وَلدَ القوّامِ / وَاِبنَ العَتيق القائم الصَوّامِ
أَنظُر فَإِن كُنتَ لِدينٍ ثرتَ / فَلا تُفارق ما إِلَيهِ سِرتَ
أَو كانَت الدُنيا قُصارى هِمتك / فَبئس أَنتَ كَم دَمٍ بِذمتك
إِلحَق بِأَحرارٍ مَضوا قَد أَحسَنوا / فَالمَوت مِن ذلِّ الحَياة أَحسَنُ
وَلا تَقُل هُنتُ بِوَهن مَن مَعي / فَلَيسَ ذا فعلَ الشَريف الأَلمَعي
وَمُت كَريماً أَو ذُقِ الهَوانا / وَعَبثَ الغِلمان مِن مَروانا
أَنتَ إِلى الحَقِّ دَعَوتَ صَحبَكا / فَاقضِ كَما قَضوا عَلَيهِ نَحبَكا
وَلا تَقُل إِن مُتُّ مَثَّلوا بِي / وَطافَ أَهلُ الشام بِالمَصلوب
هَيهات ما لِلسَّلخ بِالشاة أَلم / وَرُب جِذعِ فيهِ لِلحَق عَلَم
وَعانَقتهُ فَأَحسّت دِرعا / قالَت أَضِقتَ بِالمَنون ذرعا
مِثلَك في ثِيابه المُشَمّره / جاهد لا في الحَلق المسمّره
لا تَمضِ فيها وَأرح مِنها الجَسد / وَامشض بِلا درعِ كَما يَمضي الأَسَد
فَنزع النَثرةَ عَنهُ وَاِنطَلق / في قلة يَلقى العَديدَ في الحَلَق
فَماتَ تَحتَ المرهفات حرا / لَم يَألُ خَيرَ الأُمَهات بَرّا
ملَك أعيد إلى ربوع حجابه
ملَك أعيد إلى ربوع حجابه / ما قولكم سكن الثرى وثوى به
ما زال عنه إلى الفناء شبابه / لكن إلى الخلد ارتحال شبابه
من للخشوع إذا استفزك للأسى / أجل تولى الله طيّ كتابه
فاصبر وكان الصبر شيمتك التي / تدنى أجر الرضى وثوابه
صحوت واستدركتني شيمتي الأدب
صحوت واستدركتني شيمتي الأدب / وبت تنكرني اللذات والطرب
وما رشاديَ إلا لمع بارقة / يرام فيه ويُقضَى للعلى أرب
دعت فأسمع داعيها ولو سكتت / دعوت أسمعها والحرّ ينتدب
وهكذا أنا في همى وفي هممي / إن الرجال إذا ما حاولوا دأبوا
ولي همامة نفس حيث أجعلها / لا حيث تجعلها الأحداث والنوب
لها على عزة الأقدار إن مطلت / حلم الليوث إذا ما أستأخر السلب
وإن تحير بي قوم فلا عجب / إن الحقيقة سبل نحوها الرّيب
أوشكت أتلف أقلامي وتتلفني / وما أنلت بنى مصر الذي طلبوا
همو رأوا أن تظل القضب مغمدة / فلن تذيب سوى أغمادها القضب
رضيت لو أن نفسي بالرضى انتفعت / وكم غضبت فما أدناني الغضب
نالت منابر وادى النيل حصتها / منى ومن قبل نال اللهو والطرب
وملعب كمعاني الحلم لو صدقت / وكالأماني لولا أنها كذب
تدفق الدهر باللذات فيه فلا / عنها انصراف ولا من دونها حجب
وجاملت عصبة يحيا الوفاء بهم / فهم جمال الليالي أو هم الشهب
باتوا الفراقد لألاء وما سفروا / عليه والبان أعطافا وما شربوا
وأسعدت مشرفاتٌ من مكامنها / حمر المناقير في لباتها ذهب
مستأنسات قريرات بأخبية / من سندس الروض لم يمدد بها طنب
وما بين حام يهاب الجار ساحته / وناشئ يزدهيه الطوق والزغب
وغادةٍ من بنات الأيك ساهية / ما تستفيق وأخرى همها اللعب
قريرة العين بالدنيا مروعة / بالأسر تضحك أحيانا وتنتحب
وتبرح الفرع نحو الفرع جاذبه / بالغصن فالفرع نحو الفرع منجذب
أبا الحيارى ألا رأى فيعصمهم / فليس إلا إلى آرائك الهرب
لن يعرف اليأس قوم حصنهمو / وأنت رايتهم والفيلق اللجب
عوّدتهم أن يبينوا في خلائقهم / فأنت عانٍ عوّدتهم تعِب
والصدق أرفع ما اهتز الرجال له / وخير ما عوّد أبناً في الحياة أب
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت / فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
يا ليلة البال ما خالوك راقصة
يا ليلة البال ما خالوك راقصة / إلا وأنت جمال الدهر والحقب
كم لذة بك ولت وانقضت وجلت / وذكرها فيه لم يبرح ولم يغب
بالله بالكون بالنجم الرفيع بمن / أحياك شائقة بالمنظر العجب
طولى لضيفانه الأمجاد واتصلى / فما ألذ المنى موصولة السبب
وفود مولاى لولا أنها نزلت / بالحلم قلنا وفود البحر ذى العبب
ماج السراى وميدان السراى بها / وماج متسع الساحات والرحب
وأقبلت ظبيات الإنس في كنس / من الهوادج يسعى لا من الكُثُب
تهفو الرياح بها دفعا وهزهزة / وتقبل الخيل بين الوخد والخبب
حتى إذا وقفت مالت إلى شرك / من السواعد مأمون لها حدب
مستجمعات سريعات معاطفها / إلى المعازف مهما تدعها تثب
أهاجها هائج الألحان فانعطفت / مثل النسيم سرى ساريه في القضب
ودارت الراح بالأجياد مثقلة / بالحلى فاستسلمت من شدة الوصب
وبالخصور فمن واهٍ ومن قلِق / ومن سقيم ومن فانس ومن تِعب
والقصر نور وآفاق الوجود سنا / والصفو بينهما زهو لمرتقب
والليل مزّين الأطراف منتطق / مكلل الهام حالى الجيد والّلبب
كأنّ أنجمه فوضى مبدّدة / على الدجى بين مهزوز ومضطرب
آثار كاسية اللبات سابحة / في حليها فلتت من كف مغتصب
تأمل في الوجود وكن لبيبا
تأمل في الوجود وكن لبيبا / وقم في العالمين فقل خطيبا
بفوز جنودنا الفوز العجيبا / بعيد الفتح قد أضحى قريبا
لقينا في الزريبة يوم نصر / كيوم التل في تاريخ مصر
يهيئ للبلاد جديد عصر / ويكفيها القلاقل والخطوبا
فقم من طول نومك والغرور / وخذ بالحزن أو خذ بالسرور
فعار صرف همك عن أمور / ستأخذ من عواقبها نصيبا
بعثنا للدراويش السرايا / تصب على رؤوسهم المنايا
فجاءهم عذاب الله آيا / كما قد جاء قبلهم الشعوبا
وكم من قبل قد عادوا وعدنا / وكم مال على هذا أبدنا
وجيش إثر جيش قد فقدنا / وكان القائد النحس الغريبا
إلى أن قد مضى زمن التخلى / وصار الجوّ أصلح للتجلى
قصدناهم على ذاك المحل / وكان الفخ مكسيم المذيبا
فما للقطر لا يغدو فخورا / ولندن لا تجاوبه سرورا
أرى الجيشين قد ظهرا ظهورا / على غنم الزريبة لن يريبا
وروتر من ذهول لا يخبى / يباهي الأرض في شرق وغرب
بمن يزجي الجيوش ومن يعبى / ومن يسترجع القطر الخصيبا
بسردار البلاد ولا أبالي / إذا ما قلت كتشنر المعالي
سقى السودان أى دم ومال / ولم يبرح بعلته طبيبا
لبثنا في التناوش نحو شهر / والاستطلاع من نهر لنهر
وأتياس الزريبة ليس تدرى / بأن قد حيرت أسدا وذيبا
ظنناها أعزّ من السحاب / وأمنع في الطوابي من عُقاب
فجئناها بألوية صعاب / وجندنا الجنود لها ضروبا
بسود كانت الوثبات منها / وبيض لا تسل في الحرب عنها
وحمر لاقت الأعداء وجها / فكانت سهم راميها المصيبا
طلعنا والصباح على الطوابي / بنار من جهنم لا تحابي
ملكنا منهم قمم الروابي / وماء النهر والغاب الرهيبا
رأونا قبل ما رأوا النهارا / فهبوا من مراقدهم حيارى
فكنا الموت وافاهم جهارا / وهبت ريحه فيهم هبوبا
رصاص لا يغيض ولا يغيب / بعيد في مقاصده قريب
كأن مسيله مطر يصوب / ولكن نقمة وردىً صبيبا
دككنا حصنهم حرقا وكسرا / وأفنيناهم قتلا وأسرا
أخذنا العرش من محمود قسرا / وقد بل الأمير العنقريبا
نعم فتح رعاه الله فتحا / وقتلى هم له ثمن وجرحى
ومال طائل أصلا وربحا / بذلناه ولم نخش الرقيبا
ولكن ما وراءك يا عصام / وبعد الحرب ما يأتي السلام
فليت هياكلا درست تقام / فأسألها وأطمع أن تجيبا
بلى إن الحقيقة قد تجلت / وإن تك بالزخارف قد تحلت
تولى عزنا الماضي وولت / بلاد الله سودانا ونوبا
فيا سردار مصر لك الأيادي / فأنت لها المعين على الأعادى
وكل الناس بل كل البلاد / لسان بالثناء غدا رطيبا
فخذ من مالها حتى الوجودا / وجنِّد كيفما شئت الجنودا
وأنَّى شئت ضع منها الحدودا / شمالا في البسيطة أو جنوبا
فها لَكَ في الحدود اليوم رجل / وفي الخرطوم أخرى سوف تعلو
لأن السعد للقدمين نعل / ومن ذا يغلب السعد الغلوبا
غالب الأمر بالتوكل غالب
غالب الأمر بالتوكل غالب / وأطلب العون في جميع المطالب
رُبَّ أمر به تضيق المساعي / لك منه إلى الفضاء مذاهب
متعاشقان من الزهور تبديا
متعاشقان من الزهور تبديا / ببديع مرأى في الغصون عجيب
يتنسمان الحب بينهما فما / لفمٍ على غصن النبات رطيب
عجِل الردى بهما ولا عجب إذا / ما أوديا بين الهوى والطيب