المجموع : 448
أَرى بِمِصرَ وُلاةً لا خَلاقَ لَهُم
أَرى بِمِصرَ وُلاةً لا خَلاقَ لَهُم / بِئسَ الوُلاةُ وَبِئسَ الناسُ وَالزَمَنُ
لا يَحفَظونَ إِذا جارَت حُكومَتُهُم / أَن يَجأَرَ الشَعبُ أَو يَستَصرِخَ الوَطَنُ
وَلا يُبالونَ إِن أَبدى العَدُوُّ لَهُم / وَجهَ الرِضى مُدِحوا في الناسِ أَم لُعِنوا
أَقولُ لِلقَومِ مَرحى حينَ بَرَّحَ بي / طولُ العُقوقِ وَجاشَ الهَمُّ وَالحَزَنُ
ماذا تُعانونَ مِن عَيشٍ أُتيحَ لَكُم / في صورَةِ المَوتِ لَولا القَبرُ وَالكَفَنُ
هَلّا رَحَمتُم نُفوساً بيعَ أَكرَمُها / بَيعَ الإِماءِ فَبِئسَ البَيعُ وَالثَمَنُ
هُمُ العِدى وَالرَدى لَولا جَرائِرُهُم / لَم تَشقَ مِصرُ وَلَم تَعصِف بِها المِحَنُ
لَو أَنَّهُم شَرَعوا سُبلَ الأَمانِ لَها / ما اِعتَزَّ فيها العِدى يَوماً وَلا أَمِنوا
لا يَهدَأونَ إِذا راموا مَعونَتَهُم / حَتّى تَميدَ القُرى أَو تَرجُفَ المُدُنُ
الشَعبُ مُحتَنَكٌ وَالخَيرُ مُتَّرَكٌ / وَالعَدلُ مُنتَهَكٌ وَالحَقُّ مُمتَهَنُ
تِلكَ البَلِيَّةُ لَم تُبصِر نَظائِرَها / عَينٌ وَلا صافَحَتُ أَترابَها أُذُنُ
تَدَرَّعوا بِقُوى الأَعداءِ وَاِحتَجَبَت / عَنهُم وُجوهُ الهُدى وَالرَأي فَاِفتَتَنوا
لَسَوفَ يَلقَونَ يَوماً لَيسَ تَعصِمُهُم / فيهِ الدُروعُ وَلا تُنجيهِمُ الجُنَنُ
أَرى الدَمَ يَجري في الكِنانَةِ دائِباً
أَرى الدَمَ يَجري في الكِنانَةِ دائِباً / وَما اِنفَكَّ داعي الشَرِّ يَجري وَيَدأَبُ
لَعَمري لَقَد جَلَّت مُصيبَةُ أُمَّةٍ / يَخونُ بَنوها عَهدَها حينَ تُنكَبُ
وَما كُنتُ أَخشى أَن تَرى العَينُ فِتيَةً / عُكوفاً عَلى اللَذّاتِ تَلهو وَتَطرَبُ
كَأَن لَم يَكُن في مِصرَ شَيءٌ يَروعُها / وَلَم يَعرُها يَومٌ مِنَ النَحسِ أَشهَبُ
حَنانَكَ رَبَّ الناسِ بِالأَنفُسِ الَّتي / تَبيتُ مِنَ المَكروهِ حَيرى تَقَلَّبُ
عَناها مِنَ الحِدثانِ ما رُوِّعَت بِهِ / وَمِن هائِلِ المَقدورِ ما تَتَرَقَّبُ
حَنانَكَ إِنَّ العَيشَ غُمَّت وُجوهُهُ / وَراحَت وُجوهُ المَوتِ حُمراً تَلَهَّبُ
إِلَيكَ أَنبَنا لائِذينَ بِرَحمَةٍ / هِيَ العِصمَةُ الكُبرى إِذا ريعَ مُذنِبُ
تَدافَعَتِ الأَهوالُ مِن كُلِّ جانِبٍ / وَجاءَت خُطوبُ الدَهرِ تَتَرى تَأَلَّبُ
وَوَلّى بشيرُ الخَيرِ بِالخَيرِ مُعرِضاً / وَقامَ نَذيرُ الشَرِّ بِالشَرِّ يَنعَبُ
وَأَقبَلَ مِنّا ذو البَنينِ مُوَدِّعاً / بَنيهِ يَخافُ المَوتَ وَالدَمعُ يُسكَبُ
بَكوا لِأَناشيدِ الوَداعِ وَما دَروا / أَجَدَّ أَبوهُم أَم تَطَرَّبَ يَلعَبُ
وَمَذعورَةٍ لَم تَدرِ مِمّا أَصابَها / أَيهلِكُ أَم يَبقى لِأَبنائِهِ الأَبُ
يَبيتانِ طَوعَ السُهدِ مِن تَعَبِ النَوى / وَلَكِنَّهُ مِمّا دَها مِصرَ أَتعَبُ
يَخافُ عَلَيها شَرَّ قَومٍ تَنَمَّروا / يُريدونَها بِالسوءِ لَمّا تَوَثَّبوا
يَجوبونَ أَطرافَ البِلادِ وَما بِهِم / سِوى الصَيدِ يُرمى وَالفَريسَةِ تُطلَبُ
رَمانا بِهِم قَومٌ يُريدونَ مَأرِباً / وَلِلخائِنِ المَخدوعِ في السوءِ مَأرِبُ
يَخافونَ يَومَ العَدلِ وَالعَدلُ مُقبِلٌ / بِأَيّامِهِ وَالدَهرُ بِالناسِ قُلَّبُ
فَذَلِكَ يَومٌ لا مَحالَةَ واقِعٌ / وَإِن سَفَهَت أَحلامُهُم فَتَرَيَّبوا
اللَهُ أَكبَرُ بِاِسمِ اللَهِ أَهديها
اللَهُ أَكبَرُ بِاِسمِ اللَهِ أَهديها / تَحِيَّةً أَنا أَولى مَن يُؤَدّيها
مِصرُ التَحِيَّةُ هَزَّ الفَتحُ شاعِرَها / فَاِهتَزَّ يُسمِعُ قاصيها وَدانيها
حَيِّ الغُزاةَ وَبَشِّر أُمَّةً صَدَقَت / آمالُها وَجَرَت سَعداً أَمانيها
تِلكَ الحَياةُ لِشَعبٍ ظَلَّ يُخطِئُهُ / مَجدُ الحَياةِ وَتَعدوهُ مَعاليها
أَودى بِهِ حُكمُ أَقوامٍ جَبابِرَةٍ / أَغرى سَياسَتَهُم بِالظُلمِ مُغريها
لا عَهدَ أَشأَمَ مِن عَهدٍ لَهُم جَمَحَت / فيهِ النُفوسُ وَضَلَّت في مَساعيها
تَلَقى الشُعوبُ مَناياها وَما جَهِلَت / أنَّ المَعارِفَ وَالأَخلاقَ تُحييها
إِنّي لَأَعلَمُ ما جَرَّ الزَمانُ عَلى / أَخلاقِ قَومي وَلَكِنّي أُداريها
وَكَيفَ أَطمَعُ في إِصلاحِ ما جَمَعت / مِنَ المَعائِبِ وَالقانونُ يَحميها
لاذَ الغُواةُ بِهِ وَاِستَعصَمَت فِئَةٌ / شُرُّ الكَبائِرِ مِن أَدنى مَساويها
تَدينُ بِالشَرِّ وَالدَيّانُ زاجِرُها / وَتُدمِنُ السُوءَ وَالقُرآنُ ناهيها
تَبيتُ آياتُهُ غَضبى مُرَوَّعَةً / وَما يَخافُ عَذابَ اللَهِ غاويها
مَضى الهُداةُ وَمالَ القَومُ عَن سُنَنٍ / ما يَستَبينُ لِطولِ العَهدِ خافيها
هِيَ السبيلُ إِلى الرضوانِ لَو وَضَحَت / وَاِستَنَّتِ القَومُ تَترى في مَناحيها
يا أُمَّةً أَفزَعَ الأَجيالَ نادِبُها / وَرَوَّعَ الدَهرَ وَالحِدثانَ شاكيها
كُفّي العَويلَ وَغُضّي الطَرفَ وَاِحتَفِظي / بِعَبرَةٍ ضاعَ في الأَطلالِ جاريها
أَما تَرَينَ شُعوبَ الأَرضِ هازِئَةً / يُومي إِلَيكِ مِنَ الأَقطارِ زاريها
أَكُلَّما نَزَلَت بِالشَرقِ نازِلَةٌ / أَرسَلتِ عَيناً يَمَجُّ الحُزنَ باكيها
وَيحَ الضُلوعِ أَما تُشفى لَواعِجُها / وَيحَ القُلوبِ أَما تُروى صَواديها
وَيحَ النَوائِبِ وَالأَرزاءِ ما فَعَلَت / بِأُمَّةٍ أَخذَتها مِن نَواصيها
ما لِلشُعوبِ إِلى العَلياءِ مُنتَهَضٌ / حَتّى يَجِدَّ عَلى الآثارِ ساعيها
لا ذَنبَ لِلدَهرِ فيما نالَ مِن أُمَمٍ / جَدَّ النِضالُ فَلَم يَغلِبهُ راميها
تَعدو الخُطوبُ فَنَشكوها وَما ظَلَمَت / فيما لَقينا وَلا جارَت عَواديها
نَحنُ الجُناةُ عَلَينا لا غَريمَ لَنا / إِلّا النُفوسُ الَّتي أَربَت مَخازيها
لَنا الأَكُفُّ الَّتي يَعتَزُّ هادِمُها / وَيَحمِلُ الذُلَّ وَالحِرمانَ بانيها
لَنا النُفوسُ يَضيمُ الدَهرَ سافِلُها / وَلا يُؤوبُ بِغَيرِ الضَيمِ عاليها
لَنا الوُجوهُ يَباباً ما يُلِمُّ بِها / طَيفُ الحَياءِ وَلا يَمشي بَواديها
لَنا القُلوبُ مِراضاً ما يُفارِقُها / داءُ الحُقودِ وَلا يُرجى تَصافيها
أَرى مَشاهِدَ مِن قَومي مُبَغَّضَةً / يَرضى العَمى وَيَوَدُّ المَوتَ رائيها
أَرى قُصوراً يِضمُّ العارَ شامِخُها / أَرى طَيالِسَ يُخفي السوءَ غاليها
هاجوا الغَليلَ عَلى حَرّانَ مُكتَئِبٍ / مُعَذَّبِ النَفسِ وَالآمالِ عانيها
لا يَرفَعُ الصَوتَ يَدعوهُم لِمَنقبَةٍ / إِلّا تَنافَسَ قَومٌ دونَهُم فيها
أَينَ السُيوفُ لِأَعناقٍ بِها زَوَرٌ / لَولا الحِفاظُ أَقامَتهُ مَواضيها
هِيَ الدَواءُ الَّذي يُرجى الشِفاءُ بِهِ / لِأَنفُسٍ حارَ فيها مَن يُداويها
أَعيَت عَلى نُطُسِ الكُتّابِ عِلَّتُها / فَاِرتَدَّ يَعثُرُ بِالأَقلامِ آسيها
وَأَعجَزَت مِن بَياني كُلَّ مُعجِزَةٍ / تَكادُ تَنهَضُ بِالمَوتى قَوافيها
وَيَلُمِّها أُمَّةً في مِصرَ ضائِعَةً / الخَسفُ مَرتَعُها وَالذِئبُ راعيها
ما تَرفَع الرَأسَ إِلّا غالَ نَخوتَها / تَهدارُ مُضطَرِمِ الأَحشاءِ واريها
وَلا تَطاوَلَتِ الأَعناقُ مِن شِمَمٍ / إِلّا عَلَتها يَدُ الجَلّادِ تَلويها
وَلا اِبتَغَت صالِحَ الأَعمالِ ناهِضَةً / إِلّا اِنبَرى ناهِضُ العُدوانِ يَثنيها
وَلا عَلَت رايَةٌ لِلعِلمِ تَنشُرُها / إِلّا تَلَقَّفَها دَنلوبُ يَطويها
قالوا الصَنائِعُ لِلأَقوامِ مرتبَةٌ / ما في المَراتِبِ مِن شَيءٍ يُساويها
قُلنا صَدَقتُم وَفاضَت ديمَةٌ ذَهَبٌ / رَنّانَةُ الوَرقِ يَشجي الوُرقَ هاميها
كَأَنَّ إِسحاقَ يَشدو في هَيادِبِها / أَو مَعبداً يَتَغَنّى في عَزاليها
كانَت أَلاعيبَ أَقوامٍ قَراضِبَةٍ / لَها مَآرِبُ في مِصرٍ تُواريها
أَينَ الصَنائِعُ هَل جاءوا بِواحِدَةٍ / تُغني البِلادَ وَتُعلي شَأنَ أَهليها
مِن حاجَةِ اللِصِّ بَيتٌ لا سِلاحَ بِهِ / وَلَيلَةٌ يَحجِبُ الأَبصارَ داجيها
وَالظُلمُ لِلضَعفِ جارٌ لا يُفارِقُهُ / فَإِن رَأى قُوَّةً وَلَّى يُجافيها
هَذا لَنا وَلَهُم فيما مَضى مَثَلٌ / وَإِنَّما يَضرِبُ الأَمثالَ واعيها
لا تَبلُغُ النَفسُ ما تَرضى نَوازِعُها / حَتّى تَكونَ المَنايا مِن مَراضيها
إِذا أَضاعَ بَنو الأَوطانِ حُرمَتَها / فَمَن يُغالي بِها أَم مَن يُراعيها
وَإِن هُمو كَشَفوا يَوماً مَقاتِلَها / فَلا تَسَل كَيفَ يَرميها أَعاديها
شَرُّ الجُناةِ وَأَدنى الناسِ مَنزِلَةً / مَن خانَ أُمَّتَهُ أَو راحَ يُؤذيها
يا أُمَّةً تاجَرَ الأَعداءَ بائِعُها / وَتاجَرَ اللَهَ وَالمُختارَ شاريها
خُوضي غِمارَ الخُطوبِ السودِ وَاِرتَقِبي / فُلكَ العِنايَةِ إِنَّ اللَهَ مُزجيها
وَيحَ العُهودِ أَصابَ الخَسفَ ذاكِرُها / وَآبَ بِالبِرِّ وَالإِكرامِ ناسيها
وَيحَ الكِنانَةِ خانَت عَهدَها فِئَةٌ / بِالمُخزِياتِ حَياءٌ مِن مَآتيها
ضاقَ السَبيلُ عَلى الأَعداءِ فَاِتَّخَذَت / أَيديهِمُ السُبلَ شَتّى بَينَ أَيديها
تَرى الحَياةَ بِأَيديهِم وَتَحسَبُها / طَعامَ جائِعِها أَو ثَوبَ عاريها
جِنايَةٌ أَفزَعَ المُختارَ واصِفُها / وَرَوَّعَ البَيتَ ذا الأَستارِ جانيها
حَرباً عَلَينا وَسِلماً لِلأُلى ظَلَموا / تِلكَ الكُلوم يَمُجُّ السُمَّ داميها
بِالغَدرِ آناً وِبِالإِغراءِ آوِنَةً / وَبِالنَمائِمِ تُؤذينا أَفاعيها
وَبِالشَماتَةِ إِن مَكروهَةٌ عَرَضَت / وَاِستَرسَلَت آلُ نِمرٍ في دَعاويها
ما بَشَّرَتنا بِمَحبوبٍ وَما بَرَحَت / يَنعى إِلَينا حُماةَ المُلكِ ناعيها
مَرَّت بِنا مِن أَفاعيلِ العِدى حِجَجٌ / صُمٌّ مَصائِبُها عُميٌ دَواهيها
الحَشرُ رَوعَةُ يَومٍ مِن رَوائِعِها / وَالدَهرُ لَيلَةُ سوءٍ مِن لَياليها
تُغري بِنا المَوتَ حَتّى ما يُدافِعُهُ / إِلّا اليَقينُ وَآمالٌ نُرَجّيها
ما أَبغَضَ العَيشَ إِلّا أَن تُجَمِّلَهُ / سودٌ يُدَمِّرُ صَرحَ البَغيِ ذاريها
تَقضي فَيَمسَحُ عَهدَ الظُلمُ عادِلُها / عَنّا وَيَمحو زَمانَ السوءِ ماحيها
مَتى أَرى الجَيشَ كَالتَيّارِ مُندَفِعاً / بِكُلِّ مُلتَطِمِ الغاراتِ طاميها
تَرمي السُدودُ سَراياهُ وَيَقذِفُهُ / مِنَ الحَواجِزِ وَالأَسوارِ عاتيها
مَتى أَرى الخَيلَ تَحتَ النَقعِ يَبعَثُها / قوداً مُضَمَّرَةً تَسمو هَواديها
يا أُمَّةً مَحَتِ الأَيّامُ نَضرَتَها / وَصَكَّها الدَهرُ فَاِندَكَّت رَواسيها
فُكّي الأَداهمَ وَالأَغلالَ وَاِنطَلِقي / تِلكَ النَجاةُ دَعاكِ اليَومَ داعيها
طاحَ الَّذي وَأَدَ الأَقوامَ وَاِنبَعَثَت / مِنَ القُبورِ شُعوبٌ رُوِّعَت فيها
يَمشي عَلى شِلوِهِ المَأكولِ رائِحُها / وَيَحتَذي سَيفَهُ المَغلولَ غاديها
لِكُلِّ شَعبٍ ضَجيجٌ حَولَ مَصرَعِهِ / وَلِلمَمالِكِ أَعيادٌ تُواليها
ضارٍ مِنَ الوَحشِ لَو يَسطيعُ مِن كَلَبٍ / لَم تَنجُ مِنهُ الدَراري في مَساريها
دامي المَخالِبِ وَالأَنيابِ ما عَرَضتَ / لَهُ الفَريسَةُ إِلّا اِنقَضَّ يَفريها
ما زالَ يَأكُلُ حَتّى اِكتَظَّ مِن شبَعٍ / وَاِنشَقَّ عَن أُمَمٍ يَنسابُ ناجيها
يا دَولَةَ الظُلمِ يَرمينا تَطاوُلُها / بِالمُزعِجاتِ وَيَشجينا تَماديها
شُدّي الرِحالَ وَزولي غَيرَ راجِعَةٍ / تِلكَ الكِنانَةُ جاءَتها مَواليها
تَمَّت رِوايَتُها الكُبرى وَأَودَعَها / خَزائِنَ الدَهرِ وَالأَجيالِ راويها
هَل كانَ عَهدُكِ إِلّا غُمَّةً كُشِفَت / أَو غَمرَةً ذَهَبَت عَنّا غَواشيها
ما بَينَ مِصرٍ وَآمالٍ تُراقِبُها / إِلّا لَيالٍ مَضى أَو كادَ باقيها
تَراكَمَت ظُلُماتُ الخَطبِ فَاِنبَلَجَت / طَلائِعُ الفَتحِ بيضاً في حَواشيها
نَهَضتُ أَو جاشَتِ الأَعراقُ تَنهَضُ بي / إِلى سُيوفِ بَني عَمّي أُحَيّيها
أَسبابُ دُنيا وَدينٍ بَينَنا اِجتَمَعَت / بَعدَ التَفَرُّقِ وَاِنضَمَّت أَواخيها
قالَ الوُشاةُ تَمادى عَهدُها فَهَوَت / أَينَ الوُشاةُ وَأَينَ اليَومَ واهيها
إِذا النُفوسُ تَناءَت وَهيَ كارِهَةٌ / كانَ الهَوى وَالتَداني في تَنائيها
اللَهُ أَكبَرُ جاءَ الحَقُّ وَاِزدَلَفَت / جُندٌ مَلائِكَةٌ يَعتَزُّ غازيها
المُصحَفُ السَيفُ وَالآياتُ أَدرُعُها / وَالقائِدُ الروحُ وَالمُختارُ حاميها
مَن ذا يُصارِعُها مَن ذا يُقارِعُها / مَن ذا يُدافِعُها مَن ذا يُناويها
خَلّوا السَبيلَ بَني التاميزِ وَاِجتَنِبوا / أُسداً تَفِرُّ المَنايا مِن ضَواريها
دَعوا الخِلافَةَ إِنَّ اللَهَ حافِظُها / وَإِنَّ بَأسَ بَني عُثمانَ واقيها
يَمشي الزَمانُ مُكِبّاً تَحتَ أَلوِيَةٍ / راموا السَماءَ فَنالَتها عَواليها
صانوا الكِتابَ فَصانَ اللَهُ دَولَتَهُم / وَاِستُؤصِلَت دُوَلٌ بِالسوءِ تَبغيها
أَمسَت حَديثاً وَأَمسى كُلُّ مُعتَمِرٍ / فيها طلولاً يُناجي البومَ عافيها
إِنَّ السُيوفَ سُيوفَ التُركِ ما بَرِحَت / تَحمي حِماها وَتَمضي في أَعاديها
كانَت لِويلسونَ نوراً يَستَضيءُ بِها / في ظُلمَةِ الحَربِ لَمّا ضَلَّ هاديها
لَمّا مَضى القَومُ في أَحكامِهِم شَطَطاً / أَوحى إِلَيها صَوابَ الحُكمِ موحيها
لاذوا بِهِ وَأَذاعوا كُلَّ رائِعَةٍ / مِنَ الأَحاديثِ تَضليلاً وَتَمويها
سَجِيَّةٌ لِبَني التاميزِ نَعرِفُها / وَخِدعَةٌ لَم تَغِب عَنّا مَراميها
كَم رَوَّعوا مِصرَ بِالأَنباءِ لَو صَدَقَت / لَم يَترُكِ اليَأسُ حُرّاً في مَغانيها
دانوا لِحُكمِ الرِقاقِ البيضِ إِذ طَلَعَت / يُملي عَلَيهِم عُهودَ الصُلحِ مُمليها
اِستَسلَموا طَوعَ جَبّارينَ ما غَضِبوا / إِلّا أَطاعَ مِنَ الجِنَّانِ عاصيها
هَزّوا المَمالِكَ في أَيمانِهِم فَهَوَت / عُروشُها الشُمُّ وَاِنهارَت صَياصيها
لَهُم عَلَينا حُقوقٌ لا نَقومُ بِها / اللَهُ يَشكُرُها عَنّا وَيَجزيها
أَتُحارِبونَ اللَهَ في جَبَروتِهِ
أَتُحارِبونَ اللَهَ في جَبَروتِهِ / أَم تَمكُرونَ بأُمَّةٍ ما تُخدَعُ
عَقَدَت عَزيمَتَها عَلى اِستِقلالِها / وَمَضَت لِطَيَّتِها تَخُبُّ وَتُوضِعُ
لا تَمتَري في الحَقِّ تَطلُبُهُ وَلا / تَلوي العِنانَ لِباطِلٍ لا يَنفَعُ
إِنَّ الحَوادِثَ لا أَبا لَكَ عَلَّمَت / مَن كانَ يَجهَلُ أَيَّ حِزبٍ يَتبَعُ
اليَومَ يَصنَعُ ما تَضيقُ بِهِ الدُنى / مَن كانَ أَمسَ يَقولُ ماذا نَصنَعُ
داعي الجِهادِ دَمٌ بِجِسمِكَ جائِلٌ / وَسِلاحُهُ نَفَسٌ يَجيءُ وَيَرجِعُ
وَالأَرضُ مُضطَرَبٌ لِعَزمِكَ واسِعٌ / وَلَكَ المُحَلَّقُ في الجَواءِ الأَرفَعُ
ما ضاقَ في الدُنيا مَجالُ مُغامِرٍ / إِلّا تَقاذَفَهُ المَجالُ الأَوسَعُ
لا تَفزَعَنَّ إِذا تَطَلَّعَ حادِثٌ / هِمَمُ الرِجالِ عَلى الحَوادِثِ طُلَّعُ
أَرى الناسَ في مِصرَ شَتّى القُلوبِ
أَرى الناسَ في مِصرَ شَتّى القُلوبِ / وَإِن جَمَعَتهُم عَوادي النُوَبْ
فَكُلُّ لَهُ وِجهَةٌ تُستَرادُ / وَكُلٌّ لَهُ شَأنُهُ وَالأَرَبْ
وَبَعضٌ يَمُدُّ حِبالَ الرَجاءِ / وَبَعضٌ يَرى اليَأسَ حَقّاً وَجَبْ
وَهَذا يَنامُ عَلى فِضَّةٍ / وَهَذا يَبيتُ ضَجيعَ الذَهَبْ
وَهَذا يَطوفُ بِأَوراقِهِ / مُعَنّى الأَماني حَثيثَ الطَلَبْ
يُريدُ الضِياعَ بِأَقصى البِقاعِ / وَلَو خالَطَ الشَوكُ فيها الحَطَبْ
وَباتَ الفَقيرُ يُريدُ الرَغيفَ / فَيُمعِنُ مِن خيفَةٍ في الهَرَبْ
إِذا سَأَلَ القوتَ قالوا أَساءَ / وَإن وَصَفَ الفَقرَ قالوا كَذِبْ
وَإِن قالَ يا رَبِّ أَينَ القُلوبَ / أَجابَ الوَعيدُ وَهاجَ الغَضَبْ
وَقالوا فَقيرٌ يَصُكُّ الوُجوهَ / بِفُحشِ المَقالِ وَسوءِ الأَدَبْ
أُمورٌ تَشِقُّ عَلى العارِفينَ / وَتَترُكُ جُمهورَهُم في تَعَبْ
لَقَد أعوَزَ الحَبُّ كُلَّ النُفوسِ / وَلَم يَدرِ حُكّامُنا ما السَبَبْ
يَطوفُ الرِجالُ مَعاً وَالنِسا / ءُ آناً فُرادى وَآناً عُصَبْ
فَيَرمي التِجارُ بَراميلَهُم / بِأَبصارِ جِنٍّ تَمُجُّ اللَهَبْ
وَيُقسِمُ دَهقانُهُم أَنَّهُ / أَبادَ المَطِيَّ وَأَفنى الكُتُبْ
فَلَم يَرَ سُنبُلَةً تُقتَنى / وَلا حَبَّةً في القُرى تُجتَلَبْ
تَواصى أَكابِرُهُم وَالصِغارُ / بِدَهياءَ تَأخُذُكُم مِن كَثَبْ
فَشُدّوا البُطونَ وَغُضّوا العُيونَ / وَروضوا الشُؤونَ وَكُفّوا الشَغَبْ
وَلوذوا بِرُكنٍ شَديدِ القُوى / مِنَ الصَبرِ عِندَ اِشتِدادِ الكُرَبْ
فَما اِستَفحَلَ الشَرُّ إِلّا اِرعَوى / وَلا اِضطَرَب الأَمرُ إِلّا اِستَتَبْ
بَني مِصرَ لوذوا بِالسَكينَةِ وَاِصبِروا
بَني مِصرَ لوذوا بِالسَكينَةِ وَاِصبِروا / فَما هِيَ إِلّا غَمرَةٌ ثُمَّ تَنجَلي
لَكُم في ظِلالِ السِلمِ ما جاوَزَ المُنى / وَأَعيا عَلى مَن باتَ لِلحَربِ يَصطَلي
نَزَلتُم عَلى حُكمِ الأَناةِ وَإِنَّما / نَزَلتُم مِنَ الدُنيا بِأَمنَعِ مَعقِلِ
رُدوا الأَمنَ مَعسولَ النِطافِ وَنَكِّبوا / بَني مِصرَ عَن وِردِ النَقيعِ المُثَمِّلِ
أَمِنتُم بَراكينَ الحُروبِ تُثيرُها / زَلازِلُ تَرمي بِالمَمالِكِ مِن عَلِ
تَثورُ فَتَمحو كُلَّ حِصنٍ وَتَرتَمي / فَتَمسَحُ مَقذوفاتُها كُلَّ جَحفَلِ
تَدُرُّ دَمَ الأَبطالِ مِن كُلِّ مَثعَبٍ / وَتَستَفرِغُ الآجالَ مِن كُلِّ مَقتَلِ
تَخَيَّرَ صنفَيها كُروبٌ وَموزَرٌ / لِحَصدِ البَرايا مِن أَخيرٍ وَأَوَّلِ
عَواصِفُ أَحياناً خَواطِفُ تارَةً / مَتى تَرَها شُمُّ المَعاقِلِ تَجفَلِ
فَكَيفَ بِكُم إِن أَرزَمَت مُرجَحِنَّةٌ / تَصوبُ بِمَصهورِ الحَديدِ المُجَلجِلِ
بَني مِصرَ هَذا حاصِدُ المَوتِ حانِقٌ / عَلى الأَرضِ يَرمي كُلَّ نَفسٍ بِمِنجَلِ
تَرَدّوا لِباسَ السِلمِ لا تَعدِلوا بِهِ / سَرابيلَ مِن نَسجِ الفَناءِ المُعَجَّلِ
لَئِن أَظمَأَ المالُ الجُيوبَ فَرُبَّما / رَمى كُلَّ جَيبٍ مِن نُضارٍ بِمَنهَلِ
فَما بَرِحَ الوُرّادُ مِن كُلِّ منزِعٍ / عَلى جانِبَيهِ مِن عُكوفٍ وَنُزَّلِ
أَلَحّوا عَلَيهِ بِالدَلاءِ تُجيلُها / يَدا كُلِّ مَوّارِ الرِشاءَينِ موغِلِ
سَيَعرِفُنا التاريخُ إِن كانَ جاهِلاً / وَيَقضي لَنا بِالفَضلِ مَن جاءَ يَبتَلي
أَخَذنا بِأَسبابِ الحَياةِ نَسوسُها / سَياسَةَ شَعبٍ ذي تَجارِبَ حُوَّلِ
نُصانِعُ أَحداثَ اللَيالي فَإِن أَبَت / رَضينا بِأَحكامِ القَضاءِ المُنَزَّلِ
هِدايَتَكَ اللَهُمَّ إِنّي أَرى الأُلى
هِدايَتَكَ اللَهُمَّ إِنّي أَرى الأُلى / هُمُ القادَةُ الهادونَ شَتّى المَسالِكِ
أَضِنُّ بِنَفسي أَن تَسيرَ وَراءَهُم / وَأَخشى عَلَيها عادِياتِ المَهالِكِ
هِدايَتَكَ اللَهُمَّ إِنّا نَخوضُها / غَياهِبَ دَهرٍ ذي أَعاجيبَ حالِكِ
يَمِلنَ بأهواء الغويِّ عن الهدى / ويَعلقنَ أسباب التقيِّ المتاركِ
وهالت بَني الدُنيا جَوائِحُ جَمَّةٌ / تَغَلغَلنَ في أَقطارِها وَالمَمالِكِ
فَأَيَّ بَني الغَبراءِ إِلّا يَشوقُهُ / مُتاحُ الرَدى مِن رائِثٍ أَو مُواشِكِ
أَرى كُلِّ وَضّاحِ المَقامَةِ نابِهٍ / عَلى خَطَرٍ مِن مُرجِفاتِ المَآلِكِ
أَعوذُ بِرَبِّ الناسِ مِن كُلِّ ظالِمٍ / وَأَشكو إِلَيهِ كُلَّ خَصمٍ مُماحِكِ
أَعوذُ بِهِ مِن كُلِّ سوءٍ وَأَحتَمي / بِأَسمائِهِ مِن كُلِّ عادٍ وَفاتِكِ
مِصرُ أَنتِ الحَياةُ وَالمَوتُ طُرّاً
مِصرُ أَنتِ الحَياةُ وَالمَوتُ طُرّاً / لِشَهيدٍ رَمَيتِهُ بِسِهامِكْ
ذَهَبَت نَفسُهُ لِنَفسِكِ زُلفى / وَتَقضَّى مَرامُهُ في مَرامِكْ
أَيُّ حَقٍّ مِن قَبلِ حَقِّكِ يُقضى / وَذِمامٍ يُصانُ قَبلَ ذِمامِكْ
باركَ اللَهُ في بَنيكِ وَطوبى / لِسَعيدٍ يَكونُ مِن خُدّامِكْ
نِعمَة العَيشِ مِن أَياديكِ عِندي / وَجَمالُ الحَياةِ مِن إِنعامِكْ
لَو بَذَلنا النُفوسَ فيكِ كِباراً / ما قَضَينا القَليلَ مِن إِكرامِكْ
هَذَّبَ اللَهُ مَنطِقي وَحباني / بِالصَفِيِّ الوَفِيِّ مِن أَقلامِكْ
قَلَمٌ تَحمِلُ الحَوادِثُ مِنهُ / مِثلَ ما تَحمِلينَ مِن آلامِكْ
لَم يَدَع مِن سَلامِها غَيرَ ما أَب / قَت إِغاراتُ جُندِها مِن سَلامِكْ
لا سَمَت في الوُجودِ أَعلامُ مُلكٍ / أَو يَكونَ السِماكُ مِن أَعلامِكْ
أَلِي في الهَوى ما لي وَلِلّائِمِ العُذرُ
أَلِي في الهَوى ما لي وَلِلّائِمِ العُذرُ / أَما يَعلَمُ اللُوّامُ أَنَّ الهَوى مِصرُ
فَإِن يَسأَلوا ما حُبُّ مِصرَ فَإِنَّهُ / دَمي وَفُؤادي وَالجَوانِحُ وَالصَدرُ
لِنَفسي وَفائي إن وَفَيتُ بِعَهدِها / وَبي لا بِها إِن خُنتُ حُرمَتَها الغَدرُ
أَخافُ وَأَرجو وَهيَ جُهدُ مَخافَتي / وَمَرمى رَجائي لا خَفاءٌ وَلا نُكرُ
هِيَ العيشُ وَالمَوتُ المُبَغَّضُ وَالغِنى / لِأَبنائِها وَالفَقرُ وَالأَمنُ وَالذُعرُ
هِيَ القَدَرُ الجاري هِيَ السُخطُ وَالرِضى / هِيَ الدينُ وَالدُنيا هِيَ الناسُ وَالدَهرُ
بِذَلِكَ آمَنّا فَيا مَن يَلومُنا / لَنا في الهَوى إيمانُنا وَلَكَ الكُفرُ
تَدَفَّقَ فيها الوَحيُ شِعراً وَإِنَّما / سَقانا بِه النيلُ الَّذي كُلُّهُ شِعرُ
تَحَيَّرَ فيهِ الواصِفونَ نَفاسَةً / فأَوصافُهُ شَتّى وَأَلقابُهُ كُثرُ
رَئيسٌ وَذو تاجٍ وَشاعِرُ أُمَّةٍ / وَنابِغَةٌ غَمرٌ وَداهِيَةٌ نُكرُ
مُلوكٌ وَأَبطالٌ يَروعُكَ مِنهُمو / شِهابُ الوَغى سَعدٌ وَصاحِبُهُ عَمرُو
إِذا جالَ ماءُ النيلِ في جَوفِ شارِبٍ / فَلَيسَ لَهُ إِن خانَ أَبناءَهُ عُذرُ
هُوَ العَهدُ عهدُ اللَهِ وَالرُسُلِ كُلِّهُم / رِعايَتُهُ تَقوى وَتَوكيدُهُ بِرُّ
وَإِنَّ اِمرَأً يَبغي لِمِصرَ خِيانَةً / وَيَرجو بِها حُسنَ الثَوابِ لُمغتَرُّ
مَحَبَّتُها يُمنٌ وَطاعَتُها رِضىً / وَخِدمَتُها غُنمٌ وَمَرضاتُها ذُخرُ
لِكُلٍّ حِسابٌ لا يُجاوِزُ سَعيَهُ / فَلا الخَيرُ مَصروفُ الجَزاءِ وَلا الشَرُّ
أَرى للفَتى أَمراً يُعَجَّلُ في الدُنى / فَإِن يَكُ يَومُ الدينِ كانَ لَهُ أَمرُ
أَلا رُبَّما قامَت قِيامَةُ مَعشَرٍ / وَلَمّا يَضُمُّ الناسَ بَعثٌ وَلا حَشرُ
فَلا تَكُ إِلّا مُحسِناً تُؤثِرُ الَّتي / أَوائِلُها حَمدٌ وَأَعقابُها أَجرُ
جَزيتُ بَني مِصرٍ وَفاءً وَنَجدَةً / كَذَلِكَ يَجزي قَومَهُ الماجِدُ الحُرُّ
عَلَيَّ لَهُم حَقٌّ وَلي عِندَهُم هَوىً / تَتابَعَ ما بَيني وَبَينَهُما العُمرُ
طَوَيتُ هُمومَ الأَربَعينَ وَرُبَّما / عَناني لِلخَمسينَ مِن بَعدِها نَشرُ
وَمَن يَجعَلُ الإِصلاحَ في الناسِ هَمَّهُ / يَكُن ذا هُمومٍ كُلَّ آوِنَةٍ تَعرو
هَنيئاً لِذي الخَفضِ المُتارِكِ عَيشُهُ / وَإِن كانَ لا نَفعٌ لَدَيهِ وَلا ضُرُّ
وَإِنّي لَفي أَسرٍ مِنَ الهَمِّ موجِعٍ / وَغَمرَةِ وَجدٍ ما يُهَوِّنُها الصَبرُ
فَيا لائِمي وَالنَفسُ وَلهى لِما بِها / حَنانَكَ إِنَّ الحُرَّ يوجِعُهُ الأَسرُ
يا مُنذِرَ السوءِ غُضَّ الصَوتَ إِنَّ لَنا
يا مُنذِرَ السوءِ غُضَّ الصَوتَ إِنَّ لَنا / رَبّاً يَرُدُّ الأَذى عَنّا وَيَحيمنا
إِنّا لَجَأنا إِلَيهِ نَستَعينُ بِهِ / عَلى الحَوادِثِ إِذ قامَت تُناوينا
نَرجو مَراحِمَهُ في كُلِّ كارِثَةٍ / تَهُدُّ مِنّا القُوى هَدّاً وَتُعيينا
يا مُنذِرَ السوءِ لا تُحدِث لَنا فَزَعاً / يا مُنذِرَ السوءِ إِنَّ اللَهَ يَكفينا
وَكَيفَ نَخشى مِنَ الأَحداثِ غائِلَةً / وَمُحكَمُ الذِكرِ يُتلى بَينَ أَيدينا
هُوَ السَبيلُ الَّذي تُرجى النَجاةُ بِهِ / فَليَهدَإِ القَومُ إِنَّ اللَهَ مُنجينا
انظُر إِلى المالِ أَمسى بَينَنا وَرَقاً
انظُر إِلى المالِ أَمسى بَينَنا وَرَقاً / جَمَّ التَجَهُّمِ مُغبَرَّ الأَساريرِ
يا آخِذي المال غَصباً تَرفَعونَ بِهِ / مَيلَ الدَعائِمَ مِن مُلكٍ قَواريرِ
رُدّوا عَلى الأُمَّةِ المُسوَدِّ طالِعُها / بيضَ الدَراهِمِ أَو صُفرَ الدَنانيرِ
يا أَيُّها القَومُ هَل كانَت سِياسَتُكُم / إِلّا سِياسَةَ أَقوامٍ مَهاذيرِ
لَيتَ السَماواتِ وَالأَرضينِ زُلنَ مَعاً / لَمّا رَمَتكُم بِنا أَيدي المَقاديرِ
زولوا فَقَد ضاقَتِ الدُنيا بِأَجمَعِها / عَمّا تَسوقونَ مِن تِلكَ المَعاذيرِ
أَمشي عَلى خَوفٍ وَطولِ تَلَفُّتٍ
أَمشي عَلى خَوفٍ وَطولِ تَلَفُّتٍ / فَإِذا جَلَستُ خَشيتُ شَرَّ المَجلِسِ
وَإِذا ثُويتُ بِمَنزِلي أَلفَيتَني / مَيتَ المَفاصِلِ مُحرَجُ المُتَنَفَّسِ
يا هَمَّ قَلبي مِن حَياةٍ مُرَّةٍ / جَمَعَ الزَمانُ بِها صُنوفَ الأَبؤُسِ
أُزجي طِوالَ هُمومِها بِبَقِيَّةٍ / لِلصَبرِ أَحسَبُها نُفاضَةَ مُفلِسِ
وَلَقَد عَلِمتُ وَإِن تَكاءَدَني الأَسى / أنَّ الكَريمَ عَلى الحَوادِثِ يَأتَسي
يا رَبِّ أَنتَ المُستَعانُ في الغِيَرْ
يا رَبِّ أَنتَ المُستَعانُ في الغِيَرْ / أَنتَ المَلاذُ وَالحِمى وَالمُعتَصَرْ
أَنتَ المُرَجّى حينَ يَشتَدُّ الخَطَرْ / وَيَفدَحُ الأَمرُ فَما يُرجى المَفَرْ
وَجاشَتِ الأَنفُسُ مِن هَولِ القَدَرْ / وَقالَ كُلَّ الناسِ كَلّا لا وَزَرْ
إِنّا أَقَمنا بَينَ خَوفٍ وَحَذَرْ / فَما لِنَفسٍ سَكَنٌ أَو مُستَقَرّْ
فَهَب لَنا الأَمنَ وَجَنِّبنا الضَرَرْ /
ذَهَبَ السُرورُ وَوَلَّتِ الأَعيادُ
ذَهَبَ السُرورُ وَوَلَّتِ الأَعيادُ / فَالعَيشُ هُمٌّ وَالحَياةُ حِدادُ
طُف بِالمَشارِقِ وَالمَغارِبِ هَل تَرى / دَعَةً تُرامُ وَغَبطَةً تُرتادُ
في كُلِّ مَمسى لَيلَةٍ وَصَبيحَةٍ / يَنهاضُ شَعبٌ أَو تَطيحُ بِلادُ
الناسُ حُزنٌ دائِمٌ وَشِكايَةٌ / وَالأَرضُ شَرٌّ شامِلٌ وَفَسادُ
أَودى بِأَعراسِ المَمالِكِ مَأتَمٌ / طاحَت لَهُ المُهجاتِ وَالأَكبادُ
تَتَفَزَّعُ الأَجيالُ مِن أَهوالِهِ / وَتَضُجُّ مِن صَعَقاتِهِ الآبادُ
كَيفَ القَرارُ وَما تَزالُ تَروعُنا / نِوَبٌ تَهُدُّ الراسِياتِ شِدادُ
ما بالُنا نَبغي الحَياةَ شَهِيَّةً / فَنُرَدُّ عَن ساحاتِها وَنُذادُ
وَمَتى أَرى أُمَمَ البَسيطَةِ أُخوَةً / كُرَماءَ لا إِحَنٌ وَلا أَحقادُ
رُحَماءَ لا حَربٌ تَشُبُّ وَلا دَمٌ / يَجري وَلا ظُلمٌ وَلا اِستِعبادُ
شَعبٌ يَزولُ وَأُمَّةٌ يَعتادُها / مِن رائِعِ الحِدثانِ ما يَعتادُ
أَو كُلَّما طارَت بِتاجٍ نَزوَةٌ / نَزَتِ السُيوفُ وَطارَتِ الأَجنادُ
أَفَتِلكَ أَنعامٌ تُساقُ جُموعُها / لِلنَحرِ أَم بَينَ الجُنوبِ جَمادُ
يا رَبِّ إِنَّكَ في سَمائِكَ ناظِرٌ / ما يَصنَعُ الذَبّاحُ وَالجَلّادُ
رُحماكَ يا رَبَّ المَمالِكِ إِنَّها / أُمَمٌ تُساقُ إِلى الرَدى وَتُقادُ
أَدرِك عِبادَكَ إِنَّهُم إِن يُترَكوا / ذَهَبوا كَما ذَهَبَت ثَمودُ وَعادُ
أَجَزَيتَهُم سوءَ العَذابِ بِظُلمِهِم / أَم ذاكَ شَيءٌ بِالشُعوبِ يُرادُ
عَصَفَت أَعاصيرُ الوَغى فَتَطايَرَت / شُمُّ الحُصونِ وَزالَتِ الأَطوادُ
قَدَرٌ أُتيحَ وَنَكبَةٌ ما لِاِمرِئً / في الدَهرِ مِنها مَوئِلٌ وَمَصادُ
تَمضي الفَيالِقُ وَالمَنايا تارَةً / تَطَأُ الصَعيدَ وَتارَةً تَنطادُ
تَمشي بِإِنجيلِ السَلامِ وَعِندَها / أنَّ السَلامَ تَناحُرٌ وَجِلادُ
وَيَقولُ قَومٌ تِلكَ آيَةُ مُلكِنا / تُملَى وَتُكتَبُ كُلُّها وَتُزادُ
كُتِبَت بِأَيدي الفاتِحينَ صَحيفَةٌ / وَدَمُ الكُماةِ الهالِكينَ مِدادُ
تِلكَ الحَضارَةُ لا حُكومَةُ مَعشَرٍ / مَلَكوا بِعدلِهِمُ الرِقابَ وَسادوا
ساسوا فَلا صَلَفٌ وَلا جَبرِيَّةٌ / وَرَعَوا فَلا خَسفٌ وَلا اِستِبدادُ
رَفَعوا عَلى هامِ القَياصِرِ مُلكَهُم / وَالعَدلُ رُكنٌ قائِمٌ وَعِمادُ
دَرَجوا فَلَم تَصفُ الحَياةُ وَلَم تَزَل / تَشقى بِناقِعِ سُمِّها الوُرّادُ
غالَت سَلامَ العالَمينَ جَوانِحٌ / ما لِلنُفوسِ وَلا لَهُنَّ نَفادُ
فَمَتى تَثوبُ إِلى السُيوفِ حُلومُها / وَيَكُفُّ غَيَّ المُرعِداتِ رَشادُ
عامانِ ما عَطَفَ المَمالِكَ فيهِما / حُبٌّ وَلا جَمَعَ الشُعوبَ وِدادُ
حَربٌ نُريدُ لَها الخُمولَ وَقَد أَبى / صَلَفٌ يَشُبُّ ضِرامَها وَعِنادُ
الصُلحُ أَجمَلُ وَالجُنودُ أَعِزَّةٌ / وَالسِلمُ أَفضَلُ وَالسُيوفُ حِدادُ
يا عيدُ أَسعِد ذا الهُمومِ إِذا اِشتَكى / إِنَّ الحَزينَ يُعينُهُ الإِسعادُ
وَعُدِ العَليلَ مُؤاسِياً وَمُعَلِّلاً / إِنَّ العَليلَ تُريحُهُ العُوّادُ
وانْهَ اليَتيمَ عَنِ البُكى مُتَرَفِّقاً / إِنَّ اليَتيمَ تَهيجُهُ الأَعيادُ
عَزِّ الفَقيرَ وَعِدهُ مَوفورَ الغِنى / إِنَّ الَّذي يَهَبُ الغِنى لَجَوادُ
ضَمِّد جِراحاتِ القُلوبِ فَرُبَّما / نَفَعَ القُلوبَ الدامِياتِ ضِمادُ
طُف بِالرُقادِ عَلى سَهارى أَعيُنٍ / أَلوى بِنَضرَتِها أَسىً وَسُهادُ
لا يَجزَعِ العاني فَكُلٌّ زائِلٌ / وَلِكُلِّ دَولَةِ مَعشَرٍ ميعادُ
ما لِلسِحابِ تَدَفَّقَت أَخلافُهُ
ما لِلسِحابِ تَدَفَّقَت أَخلافُهُ / حَتّى ظَنَنّا أَنَّهُ لا يُمسِكُ
دَمعٌ يُراقُ مِنَ السَماءِ غَزيرُهُ / لِدَمٍ عَلى وَجهِ البَسيطَةِ يُسفَكُ
بَكَتِ السَماءُ فَما رَثى لِبُكائِها / فَرَحٌ يُقَهقِهُ لِلدِماءِ وَيَضحَكُ
جَلَبَ البَلاءَ عَلى الخَلائِقِ مَعشَرٌ / مَلَكوا مِنَ الأَقطارِ ما لا يُملَكُ
سَكَنَت عَوادي الدَهرِ إِذ أَخَذوا بِما / نالوا مِنَ الأُمَمِ الضِعافِ وَأَدرَكوا
نُكِبوا بِأَيّامٍ تَتابَعَ نَحسُها / فَلِكُلِّ قَومٍ يَومُهُم وَالمَهلِكُ
زَجّوا الجُيوشَ إِلى الوَغى فَأَبادَها / قَدَرٌ أَشَدُّ مِنَ الجُيوشِ وَأَفتَكُ
قَدَرٌ أَحاطَ بِهِم فَما مِن قُوَّةٍ / إِلّا تُهَدُّ بِهِ الغَداةَ وَتُنهَكُ
سَكَنَ الزَمانُ فَشاغَبوهُ وَما دَرَوا / أَنَّ المَمالِكَ تَحتَهُ تَتَحَرَّكُ
غَصَبوا المَمالِكَ مُفسِدينَ فَأَصبَحَت / وَكَأَنَّما هِيَ مَذبَحٌ أَو مَعرَكُ
فَإِذا القُلوبُ عَلى الحَفائِظِ تَنطَوي / وَإِذا الرَوابِطُ كُلُّها تَتَفَكَّكُ
طَلَبوا مُناخَ الراسِياتِ لِدَولَةٍ / هوجُ الرِياحِ مُناخُها وَالمَبرَكُ
بَطِرَ المُلوكُ فَهَبَّ يَقمَعُ شَرَّهُم / طَبٌّ بِأَدواءِ المُلوكِ مُحَنَّكُ
نادِ المَمالِكَ في الدِماءِ غَريقةً / وَاِنظُر إِلى أُمَمٍ تُذاب وَتُسبَكُ
حَربٌ يَطيحُ الظُلمُ تَحتَ عَجاجِها / وَيَدينُ بِالإيمانِ فيها المُشرِكُ
إِنَّ الجَبابِرَةِ الأُلى أَخَذوا الدُنى / أُخِذوا وَكانَ حِسابُهُم أَن يُترَكوا
مِن كُلِّ كَفّارِ السَريرَةِ جاحِدٍ / يَبدو الهُدى فَيَصُدُّ عَنهُ وَيُؤفَكُ
جَحَدوا الإِلَهَ وَكَذَّبوا بِوَعيدِهِ / حَتّى رَمى بِعُروشِهِم فَتَنَسَّكوا
في كُلِّ يَومٍ لِلكَنائِسِ ضَجَّةٌ / يَدعو المَليكَ بِها وَيَبكي البَطرَكُ
راموا التَبَرُّكَ بِالمَسيحِ وَرُبَّما / نَصَبوا مَسيحاً مِن دَمٍ فَتَبَرَّكوا
زالوا عَنِ الدُنيا فَما لِشُعوبِها / حَقٌّ يُباحُ وَلا حَريمٌ يُهتَكُ
إِنَّ المَمالِكَ لا يُرامُ بَقاؤُها / إِن ضَلَّ مَذهَبُها وَزاغَ المَسلَكُ
يا رَبِّ أَصبَحنا نَخافُ العادِيا
يا رَبِّ أَصبَحنا نَخافُ العادِيا / يا رَبِّ لا نَبغي سِواكَ واقِيا
هَيِّئ لَنا أَمناً وَعَيشاً راضِيا / وَلا تَرُدَّ اليَومَ مِنّا داعِيا
إِنَّ العِدى قَد أَحدَثوا الدَواهِيا / وَرَوَّعوا الآباءَ وَالذَرارِيا
وَغادَروا دينَكَ رَسماً عافِيا / وَزَلزَلوا أَعلامَهُ الرَواسِيا
يا رَبِّ زَلزِل خَصمَكَ المُناوِيا / وَلَقِّهِ مِنكَ الجَزاءَ الوافِيا
وَكُن لِما تَخشى النُفوسُ كافِيا /
وَلَقَد عَجِبتُ مِنَ الغُواةِ وَقَولِهُم
وَلَقَد عَجِبتُ مِنَ الغُواةِ وَقَولِهُم / جَدَّ البَلاءُ فَما لَنا لا نَلعَبُ
شَرِبوا مُعَتَّقَةَ الخُمورِ وَغَيرُهُم / شَرِبوا المَنِيَّةَ حينَ سالَ الأُسرُبُ
فَرِحينَ بِالزَيتونِ يُنهَبُ غُدوَةً / وَالقَتلُ يَستَلِبُ النُفوسَ وَيَنهَبُ
إِن يَعجَبوا لِلقاتِلينَ فَأَمرُهُم / إِذ يَعكِفونَ عَلى الغِوايَةِ أَعجَبُ
أَودى الرُماةُ بِوادِعينَ تَتابَعوا / في غَيرِ ما ذَنبٍ يُعَدُّ وَيُحسَبُ
مِن ذاهِبٍ في شَأنِهِ وَمُسَبِّحٍ / بَعدَ الصَلاةِ لِربِّهِ يَتَقَرَّبُ
كَبَّرتُ إِذا قالوا رَماهُم مُسلِمٌ / اللَهُ أَكبَرُ أَيَّ عَهدٍ نَرقُبُ
مِنّا نُساءُ إِذا الخُطوبُ تَحَفَّزَت / وَبِنا إِذا وَثَبَت نُصابُ وَنُنكَبُ
نَرتادُ أَسبابَ النَجاةِ مِنَ العِدى / فَيَرُدُّنا الأَدنى إِلَينا الأَقرَبُ
أُولاءِ أَعداءُ البِلادِ بَدا لَهُم / قَصدُ السَبيلِ فَأَعرَضوا وَتَنَكَّبوا
نَصَروا العَدُوَّ فَهانَ جانِبُ أُمَّةٍ / غُلِبَت وَكانَ قَديمُها لا يُغلَبُ
كُتِبَ العُقوقُ لِمِصرَ مِن أَبنائِها / وَأَرى الوَفاءَ لِكُلِّ أُمٍّ يُكتَبُ
إِنّي أَى الرومِيَّ في حانوتِهِ / يَرضى لِأَشباهِ الشُعوبِ وَيَغضَبُ
وَيُعِزُّهُم في العالَمينَ وَيَدَّعي / لَهُمُ المَفاخِرَ كُلَّها يَتَعَصَّبُ
وَيَجودُ في الأَزَماتِ تَحُزبُهم بِما / يَبتَزُّ مِن مالِ الغُواةِ وَيَسلِبُ
وَإِذا المَنِيَّةُ أَدرَكَتهُ قَضى لَهُم / بِالوَفرِ يُمنَحُ وَالذَخائِرِ توهَبُ
كُلٌّ لَنا سَلَبٌ وَكُلٌّ قُوَّةٌ / نُرمى بِها إِن حُمَّ يَومٌ أَشهَبُ
هُم يَزعُمونَ فروقَ لاحِقَةً بِهِم / وَيَرَونَها الحَقَّ الَّذي لا يَذهَبُ
كَذَبوا فَإِنَّ اللَهَ مانِعُ رُكنِها / وَمُعِزُّها بِضَراغِمٍ لا تَكذِبُ
الأُسدُ رابِضَةٌ عَلى أَسوارِها / وَالبَأسُ يَهدِرُ وَالرَدى يَتَوَثَّبُ
أَإِلى حِمى عُثمانَ في عَليائِهِ / يَتَطَلَّعُ القَومُ الضِعافُ الهُيَّبُ
فَبِأَيِّ شَيءٍ يَتَّقونَ حُماتَهُ / وَيُدافِعونَ جُموعَهُم إِن أُلِّبوا
أَبوثبةِ البَقّالِ بَينَ سلالِهِ / أَم نَزوَةِ الخَمّارِ ساعَةَ يَشرَبُ
هُم يَخطِبونَ عَلى المَقاعِدِ ما دَروا / أَنَّ السُيوفَ عَلى الجَماجِمِ أَخطَبُ
ذاقوا الوَبالَ فَما اِستَفاقَ غُواتُهُم / وَالناسُ يَكشِفُ غَيَّهُم ما جَرَّبوا
إِن يَجمَحوا فَالسَيفُ مِن أَخلاقِهِ / رَدُّ الجَموحِ وَقَودُ مَن لا يُصحَبُ
إِنَّ الخَلائِفَ لا يُفارِقُ مُلكَهُم / لَيثٌ يَصولُ وَلا حُسامٌ يَضرِبُ
مَن عَلَّمَ الرومِيَّ حينَ يَرومُهُ / أَنَّ العَرينَ يَعيثُ فيهِ الثَعلَبُ
اللَهُ أَكبَرُ هَل بِنا مِن ريبَةٍ / أَم نَحنُ إِن كَذَبوا الخَلائِقَ غُيَّبُ
عَرشَ القَياصِرِ وَالقَضاءُ إِذا جَرى
عَرشَ القَياصِرِ وَالقَضاءُ إِذا جَرى / هَوَتِ العُروشُ وَطارَتِ التيجانُ
أَخَذَتكَ في عالي جَلالِكَ هِزَّةٌ / صَعِقَت حِيالَ جَلالِها الأَزمانُ
خَفَقَت حَوالَيكَ الشُموسُ وَأَيقَنَت / أَنَّ البُروجَ تَخونُها الأَركانُ
صَدَعَ القَياصِرَ أَجمَعينَ وَهَدَّهُم / ما هَدَّ مِنكَ الدَهرُ وَالحِدثانُ
أَلوى بِميخائيلَ فيكَ وَبِطرُسٍ / ما ذاقَ بولُسُ وَاِشتَكى إيفانُ
رَفَعوا بِناءَكَ صاعِدينَ فَما اِنتَهوا / حَتّى تَصَدَّعَ وَاِنتَهى البُنيانُ
ما زِلتَ تَقتَنِصُ المَمالِكَ رامِياً / حَتّى رَماكَ الواحِدُ الدَيّانُ
عَرشٌ تَأَلَّبَتِ الرَواجِفُ حَولَهُ / فَهَوى بِشامِخِ عِزِّهِ الرَجفانُ
رامَتهُ فَاِستَعلى فَجاشَ مَغيظُها / فدنا وَغالَ إِباءَهُ الإِذعانُ
ضَجَّت شُعوبُ الأَرضِ عِندَ هُوِيِّهِ / وَاِرتَجَّتِ الأَقدارُ وَالبُلدانُ
انظُر إِلى مَجدِ العُروشِ وَعِزِّها / في آلِ رومانوفَ كَيفَ يُهانُ
وَإِلى القَياصِرِ كَيفَ يَسلُبُ مُلكَهُم / رَيبُ الزَمانِ وَصِرفُهُ الخَوّانُ
إِنَّ الَّذي هَزَّ المَمالِكَ بَأسُهُ / أَمسَت تَهُزُّ فُؤادَهُ الأَشجانُ
ثارَت عَلَيهِ شُعوبُهُ وَهُمومُهُ / فَتَأَلَّبَ الطوفانُ وَالبُركانُ
عَبَدوهُ فَوقَ سَريرِهِ مِن هَيبَةٍ / حَتّى هَوى فَإِذا بِهِ إِنسانُ
تَرضى الشُعوبُ إِلى مَدىً فَإِذا أَبَت / رِضِيَ الأَبِيُّ وَطاوَعَ الغَضبانُ
وَالحُكمُ إِن وَزنَ الأُمورَ بِواحِدٍ / غَبَنَ الشُعوبَ وَخانَهُ الميزانُ
في عِصمَةِ الشورى وَتَحتَ ظِلالِها / تُحمى المَمالِكُ كُلُّها وَتُصانُ
تُدني الشُعوبَ إِذا تَباعَدَ أَمرُها / فَالكُلُّ تَحتَ لِوائِها إِخوانُ
وَالرَأيُ أَسطَعُ ما يَكونُ إِذا اِنجَلَت / شُبُهاتُهُ وَأَضاءَهُ البُرهانُ
المَجدُ أَجمَعُ وَالجَلالُ لِأُمَّةٍ / صَدَقَت عَزيمَتُها وَعَزَّ الشانُ
جَمَحَ الإِباءُ بِها وَأَذعَنَ غَيرُها / فَالعَيشُ ذُلٌّ وَالحَياةُ هَوانُ
اللَهُ يَحكُمُ في المَمالِكِ وَحدَهُ / وَلِكُلِّ شَيءٍ مُدَّةٌ وَأَوانُ
صَبوحُ دَمٍ يُساجِلُهُ غَبوقُ
صَبوحُ دَمٍ يُساجِلُهُ غَبوقُ / وَلَيلُ رَدىً يُواصِلُهُ شُروقُ
لَقَد طالَت مُعاقَرَةُ المَنايا / فَما تَصحو السُيوفُ وَما تَفيقُ
إِذا وَصَفوا حُمَيّاها لِقَومٍ / تَخاذَلَتِ المَفاصِلُ وَالعُروقُ
وَما تَدري السُقاةُ بِأَيِّ كَأسٍ / تَطوفُ وَأَيَّ ذي طَرَبٍ تَشوقُ
تَرى شُرّابَها صَرعى إِذا ما / تَحَسَّتها الحَلاقِمُ وَالحُلوقُ
كَأَنَّ الأَرضَ والِهَةً تَوالَت / فَجائِعُها وَأَعوَزَها الشَفيقُ
تَتابَعَ ما يَحِلُّ بِساكِنيها / مِنَ النُوَبِ الثِقالِ وَما يَحيقُ
كَأَنَّ جَميعَ أَهليها تِجارٌ / وَكُلَّ بِلادِها لِلمَوتِ سوقُ
لَقَد هَدَّ المَمالِكَ ما تُعاني / مِنَ القَدرِ المُتاحِ وَما تَذوقُ
حُروبٌ يَستَغيثُ البَغيُ مِنها / وَيَنبو الإِثمُ عَنها وَالفُسوقُ
تُداسُ بِها الشَرائِعُ وَالوَصايا / وَتُنتَهَكُ المَحارِمُ وَالحُقوقُ
تَفَنَّنَ في المَهالِكِ موقِدوها / وَبَعضُ تَفَنُّنِ الحُذّاقِ موقُ
تَرَدَّى البِرُّ وَالإيمانُ فيها / وَضَجَّ الكُفرُ مِنها وَالعُقوقُ
فَما يَرضى إِلَهُ الناسِ عَنها / وَلا يَرضى يَغوثُ وَلا يَعوقُ
إِذا اِبتَدَرَت أَجادِلُها مَطاراً / أَسَفَّ النَسرُ وَاِنحَطَّ الأَنوقُ
إِذا دانَت مَكانَ النَجمِ هاجَت / وَساوِسُهُ وَلَجَّ بِهِ الخُفوقُ
تَبيتُ لَهُ الفَراقِدُ جازِعاتٍ / إِذا هَتَكَ الظَلامُ لَها بَريقُ
يَهيجُ خِبالَها تَأويبُ طَيفٍ / يُخالُ لَهُ لِمامٌ أَو طُروقُ
إِذا اِبتَدَرَ السُرى مِنها فَريقٌ / تَعَثَّرَ في مَساريهِ فَريقُ
غَمائِمُ لُحنَ مِن بيضٍ وَسودٍ / تُريقُ مِنَ المَنايا ما تُريقُ
تَصُبُّ المَوتَ أَحمَرَ لا قَضاءٌ / يُدافِعُهُ وَلا قَدَرٌ يَعوقُ
سِهامُ وَغىً تُسَدِّدُها عُقولٌ / لَها في كُلِّ غامِضَةٍ مُروقُ
تُباري الجِنَّ في الإِبداعِ آناً / تُحاكيها وَآوِنَةً تَفوقُ
إِذا الأَسبابُ كانَت واهِياتٍ / دَعَت فَأَجابَها السَبَبُ الوَثيقُ
جَرَت طَلقاً فَجاءَت سابِقاتٍ / وَجاءَ وَراءَها الأَمَدُ السَحيقُ
وَأُخرى تَنفُثُ الأَهوالَ يَجري / بِمَقذوفاتِها القَدَرُ الطَليقُ
تَرُدُّ حَقائِقَ الزلزالِ وَهماً / وَتُبطِلُ ما اِدَّعاهُ المَنجَنيقُ
لَقَد حَمَلَ الرَدى المُجتاحُ مِنها / وَمِن أَهوالِها ما لا يُطيقُ
إِذا قَذَفَت فَمِلءُ الجَوِّ رُعبٌ / وَمِلءُ الأَرضِ مَوتٌ أَو حَريقُ
تُتابِعُ لُجَّتَينِ دَماً وَناراً / سَلامُ الناسِ بَينَهُما غَريقُ
يَهُمُّ إِلَيهِ وَيلُسُنُ حينَ يُدعى / وَقَد سُدَّ الطَريقُ فَلا طَريقُ
حَماهُ مِنَ القَياصِرِ كُلُّ غازٍ / يَسوقُ مِنَ الفَيالِقِ ما يَسوقُ
يُعَبِّئُها وَيُنفِذُها سِراعاً / تُراعُ لَها العَواصِفُ وَالبُروقُ
إِذا ضاقَت فِجاجُ الأرضِ عَنها / سَمَت في الجَوِّ فَاِنفَرَجَ المَضيقُ
وَفي الدَأماءِ داءٌ مُستَكِنٌّ / وَجُرحٌ في جَوانِحِها عَميقُ
إذا الأُسطولُ أَحدَثَ فيهِ رَتقاً / تَوالَت في جَوانِبِهِ الفُتوقُ
تَطيرُ مَدائِنُ النيرانِ مِنهُ / وَتَهوي الفُلكُ فيهِ وَالوُسوقُ
يَخيبُ الحُوَّلُ المَرجُوُّ فيهِ / وَيَهلَكُ عِندَهُ الآسي اللَبيقُ
أَصابَ بِشَرِّهِ الدُنيا جَميعاً / فَما تَصفو الحَياةُ وَما تَروقُ
تَفاقَمَتِ الخُطوبُ فَلا رَجاءٌ / وَأَخلَفِتِ الظُنونُ فَلا وُثوقُ
تُطالِعُنا السُنون مُرَوِّعاتٍ / وَنَحنُ إِلى أَهِلَّتِها نَتوقُ
يَمُرُّ العَهدُ بَعدَ العَهدِ شَرّاً / فَأَينَ الخَيرُ وَالعَهدُ الأَنيَقُ
نَوائِبُ رُوِّعَ التَنزيلُ مِنها / وَضَجَّ القَبرُ وَالبَيتُ العَتيقُ
أَيُقدَرُ لِلمَمالِكِ ما تَمَنّى / وَقَد عَلِقَت بَني الدُنيا عَلوقُ
أَمَضَّ قُلوبَنا داءٌ دَخيلٌ / وَهُمٌّ في جَوانِحِنا لَصيقُ
وَبَرَّحَ بِالتَرائِبِ مُستَطيرٌ / يُعاوِدُهُ التَمَيُّزُ وَالشَهيقُ
وَجَفَ الريقُ حَتّى وَدَّ قَومٌ / لَوَ اَنَّ السُمَّ في اللَهَواتِ ريقُ
بِنا مِن ضارِبِ الحِدثانِ ما لا / يَطيقُ مَضاءَهُ العَضبُ الذَليقُ
كَأَنَّ جِراحَهُ في كُلِّ قَلبٍ / شِفاهٌ لِلمَنِيَّةِ أَو شُدوقُ
رُوَيدَ البومِ وَالغِربانِ فينا / أَما يَفنى النَعيبُ وَلا النَعيقُ
أَكُلُّ غَدِيَّةٍ بِالسوءِ داعٍ / وَكُلُّ عَشِيَّةٍ لِلشَرِّ بوقُ
وَدَدنا لِلنَواعِبِ لَو عَمينا / وَسُدَّت مِن مَسامِعِنا الخُروقُ
يُكَذِّبُ ما نَخافُ مِنَ البَلايا / رَجاءُ اللَهِ وَالأَمَلُ الصَدوقُ
وَيَعلو الحَقُّ بَينَ مُهَوِّلاتٍ / مِنَ الأَنباءِ باطِلُها زَهوقُ
أَقولُ لِجازِعِ الأَقوامِ صَبراً / فَإِنَّ الصَبرَ بِالعاني خَليقُ
إِذا فَدَحَت خُطوبُ الدَهرِ يَوماً / فَنِعمَ العَونُ فيها وَالرَفيقُ
رُوَيدَكَ إِنَّ رَيبَ الدَهرِ حَتمٌ / وَإِنَّ الشَرَّ في الدُنيا عَريقُ
لَعَلَّ اللَهَ يُدرِكُنا بِغَوثٍ / يُبَدِّلُ ما يَروعُ بِما يَروقُ
لَهُ الآلاءُ سابِغَةً وَمِنهُ / خَفِيُّ اللُطفِ وَالصُنعُ الرَقيقُ
يُريدُ فَتَرعَوي النَكَباتُ عَنّا / وَتَزدَجِرُ الخُطوبُ وَتَستَفيقُ
نُؤَمِّلُ ما يَليقُ بِهِ وَنَشكو / إِلَيهِ مِنَ الأَذى ما لا يَليقُ
يا رَبِّ ضاقَ الأَمرُ وَاِشتَدَّ الفَزَعْ
يا رَبِّ ضاقَ الأَمرُ وَاِشتَدَّ الفَزَعْ / وَهالَنا مِنَ البَلايا ما وَقَعْ
وَجاشَت الأَنفُسُ مِن فَرطِ الجَزَعْ / وَخانَها إِلّا إِلَيكَ المُطَّلَعْ
وَهَل لَها دونَكَ مَولىً يُنتَجَعْ / إِذا وَهَى حَبلُ الرَجاءِ فَاِنقَطَعْ
إِنَّ العَدُوَّ راعَنا بِما صَنَعْ / فَأَعوَزَ الأَمنُ النُفوسَ وَاِمتَنَعْ
يا رَبِّ فَرِّق مِن قُواهُ ما جَمَعْ /