القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 448
طالَت أَناتُكَ في القَومِ الأُلى جَهَلوا
طالَت أَناتُكَ في القَومِ الأُلى جَهَلوا / وَزادَ حِلمَكَ ما قالوا وَما فَعَلوا
أَنَمتَ سَيفَكَ عَن آجالِهِم فَعَتَوا / وَأَيقَظوا الشَرَّ لا يَعتاقُهُم وَجَلُ
ما طَيَّرَ البَرقُ عَنهُم حادِثاً جَلَلاً / نَخشاهُ إِلّا تَلاهُ حادِثٌ جَلَلُ
جَرِّدهُ أَشطَبَ ضَحّاكاً عَلى حَنَقٍ / يَجِدُّ في غَمَراتِ المَوتِ إِن هَزَلوا
وَإِنَّ سَيفَكَ وَالآمالُ خادِعَةٌ / لَكالمَنِيَّةِ يُطوى عِندَها الأَمَلُ
إِن يَسأَلوا غَيرَ ما تَرضى فَقَد جَهِلوا / أَنَّ اِعتِناقَ المَنايا دونَ ما سَأَلَوا
أَو يُصبِحوا قَد أَظَلَّتهُم عَمايَتُهُم / فَسَوفَ تَنجابُ عَنهُم هَذِهِ الظُلَلُ
ما لِلفَيالِقِ كَالدَأماءِ لا غَرَقٌ / يَغشى قَطيعَ العِدى مِنها وَلا بَلَلُ
وَلَو تَشاءُ إِذَن جاشَت غَوارِبُها / بِالمَوتِ لا زَوَرٌ عَنها وَلا حِوَلُ
حَنَّت إِلى الحَربِ تُذكيها وَتُمطِرُها / دَماً يَزيدُ لَظاها حينَ تَشتَعِلُ
تَموجُ شَوقاً إِلَيها وَهيَ ساكِنَةٌ / حَتّى تَكادُ لِطولِ الشَوقِ تَقتَتِلُ
تَرمي العِدى بِعُيونٍ حَشوُها ضَغَنٌ / تُبدي خَفايا قُلوبٍ مِلؤُها دَخَلُ
خُذهُم بِحَولٍ تَميدُ الأَرضُ خَشيَتَهُ / فَالحَولُ يَبلُغُ ما لا تَبلُغُ الحِيَلُ
أَهَذا هُوَ العَدلُ الَّذي فيهِ أَطنَبوا
أَهَذا هُوَ العَدلُ الَّذي فيهِ أَطنَبوا / وَراحَ بِهِ مِنهُم فَخورٌ وَمُعجَبُ
أَعَدلاً يَرَونَ القَتلَ لَم يَأتِهِم بِهِ / كِتابٌ سِوى ما الظُلمُ يوحي وَيَكتُبُ
وَلِلظُلمِ آياتٌ إِذا هِيَ صافَحَت / يَدَي قادِرٍ ظَلَّت عَلى العَدلِ تَضرِبُ
وَشَرعٌ لِما سَنَّت يَدُ اللَهِ ناسِخٌ / فَلا شَرعَ إِلّا باطِلٌ فيهِ يُشجَبُ
أَخَذتُم بِنَفسٍ أَربَعاً وَنَسيتُمُ / دَماً باتَ يبكيهِ الترابُ المُخَضَّبُ
هُنالِكَ حَيثُ الجُندُ لا تَتَّقي الأَذى / وَلا تَرقُبُ العَين الَّتي ثَمَّ تَرقُبُ
وَما نَقَمَت إِلّا الحَنانَ أَثارَهُ / صَريعٌ تَرَدّى وهو حرَّان مُتعَبُ
فَيا أَسَفاً لِلساكبِ الماءَ فَوقَهُ / يُمازِجُ جاريهِ دَمٌ مِنهُ يُسكَبُ
أَنَنسى نُفوساً أَزهَقوها تَشَفِّياً / وَأُخرى غَدَت في دنشوايَ تُعَذَّبُ
نُفوسٌ تَمَنّى لَو يُساوِرُها الرَدى / فَتَمضي عَلى آثارِ تِلكَ وَتَذهَبُ
تَبيتُ تُناجيها وَلِلحزنِ كَالدُجى / ظَلامٌ يُرَدّي غَيهَباً مِنهُ غَيهَبُ
عَرَفَ الزَمانُ مَصارِعَ الأَبطالِ
عَرَفَ الزَمانُ مَصارِعَ الأَبطالِ / وَأَقامَ فيكَ مَآتِمَ الأَجيالِ
لِلمُسلِمينَ بِكُلِّ أَرضٍ رِنَّةٌ / زَجَلُ المَآذِنِ مِن صَداها العالي
جَدَّدتَ لِلإِسلامِ مِن شُهَدائِهِ / ذِكراً يُجَدِّدُ كُلَّ شَجوٍ بالِ
صَعِقَت لِمَوتِكَ دَولةُ الآمالِ / وَجَلائِلِ الآثارِ وَالأَعمالِ
لَيتَ المَنِيَّةَ أَمهَلَتكَ فَلَم تَرُع / نَهضاتِ أَروَعَ غَيرَ ذي إِمهالِ
ما زِلتَ تَبتَدِرُ الغِمارَ تَخوضُها / شَتّى المَخاوِفِ جَمَّةَ الأَهوالِ
حَتّى طَواكَ المَوتُ غَيرَ مُجامِلٍ / شَعباً يُجِلُّكَ أَيَّما إِجلالِ
أَحيَيتَهُ وَقَتَلتَ نَفسَكَ بِالَّذي / حَمَّلتَها مِن فادِحِ الأَثقالِ
أَحَبَبتَ مِصرَ فَغالَ مُهجَتَكَ الهَوى / وَنَجا بِمُهجَتِهِ الخَلِيُّ السالي
أَصحَوتَ أَم أَنتَ اِمرِئٌ تَبلى وَما / يَصحو فُؤادٌ مِنكَ لَيسَ بِبالِ
حَمَلَ الحَياةَ وَلَن يَموتَ عَلى المَدى / مُحيي العُصورِ وَباعِثُ الأَجيالِ
زَلزَلتَ أَقطارَ البِلادِ فَلَم تَبِت / إِلّا عَلى خَطَرٍ مِنَ الزَلزالِ
مَن يَدفَعُ الغاراتِ بَعدَكَ إِن دَعا / يا للحُماةِ وَلَجَّ في الإِعوالِ
مَن يُسمِعُ القاصينَ شَكوى أُمَّةٍ / ناضَلتَ عَنها الدَهرَ خَيرَ نِضالِ
مَن لِليَراعِ يُذيبُ هَولُ صَريرِهِ / قَلبَ الكَمِيِّ وَمُهجَةَ الرِئبالِ
مَن لِلمَنابِرِ يَرتَقيها صائِحاً / في القَومِ صَيحَةَ مِصقَعٍ مِقوالِ
يا لَهفَ نَفسي إِذ تَنوبُ عَظيمَةٌ / تَنزو القُلوبُ لَها مِنَ الأَوجالِ
يا لَهفَ مِصرَ عَلى مُجَدِّدِ مَجدِها / وَمُقيلُها مِن عَثرَةِ الجُهّالِ
أَمُفَطِّرَ الأَكبادِ بِالتَرحالِ / اللَهَ في مُهجٍ عَلَيكَ غَوالِ
إِن كانَ قَد حُمَّ الفِراقُ فَوَقفَةٌ / تَشفي نُفوساً آذَنتُ بِزَوالِ
هَيهاتَ ما جَزَعُ النُفوسِ لِراحِلٍ / سارَت بِهِ الحَدباءُ غَيرُ ضَلالِ
بِرَبِّكَ ماذا أَصابَ البِلادا
بِرَبِّكَ ماذا أَصابَ البِلادا / فَما تَنظُرُ العَينُ إِلّا حِدادا
فَوَيحَ القُلوبِ وَوَيحَ العُيونِ / لِحُزنٍ تَوالى وَخَطبٍ تَمادى
فَقَدنا الظَهيرَ فَقَدنا النَصيرَ / فَقَدنا المُجيرَ فَقَدنا العِمادا
فَقَدنا المَضاءَ فَقَدنا الوَفاءَ / فَقَدنا الإِباءَ فَقَدنا السَدادا
فَيا لَكَ خَطباً يَهولُ النُفوسَ / وَيَأبى عَلى الدَهرِ إِلّا اِشتِدادا
وَيا طولَ وَجدي عَلى أُمَّةٍ / أَساءَ الزَمانُ بِها ما أَرادا
إِذا أَنجَبت رَجُلاً عاجَلَتهُ / يَدُ المَوتِ تُفجِعُ فيهِ البِلادا
سَلامٌ عَلى راقِدٍ لَم يَكُن / لِيَهوى القَرارَ وَيَرضى الرُقادا
وَأَدنى العُيونِ مِنَ النَومِ عَينٌ / تُميتُ طِوالَ اللَيالي سُهادا
فَإِن يَستَرِح جِسمُهُ في الثَرى / فَذَلِكَ مِمّا أَطالَ الجِهادا
جِنايَةُ نَفسٍ لَو اِستودِعَت / ذُرى شاهِقٍ مُستَقِرٍّ لَمادا
وَإِنَّ النُفوسَ مَطايا الجُسومِ / إِلى المَوتِ لَو نَستَبينُ الرَشادا
فَأَمّا الشِدادُ فَتَمضي سِراعاً / وَأَمّا الضِعافُ فَتَمشي اِتِّئادا
وَإِنَّ حَياةَ الفَتى كَالثَراءِ / يُصَرِّفُهُ سَرَفاً وَاِقتِصادا
فَهَذا يُؤَخِّرُ مِنهُ البَقاءَ / وَهَذا يُعَجِّلُ مِنهُ النَفادا
نَظُنُّ الحَياةَ دَماً جائِلاً / وَروحاً تَقينا البَلى وَالفَسادا
وَما هِيَ إلّا حِسانُ الفِعالِ / تُفيدُ البِلادَ وَتُجدي العِبادا
فَلا رَحِمَ اللَهُ إِلّا اِمرَأً / يُجيبُ نِداءَ العُلا إِذ يُنادى
يَخوضُ إِلَيها جِسامَ الأُمورِ / وَيَقتادُ فيها الصِعابَ اِقتِيادا
وَلَو أَبصَرَ المَوتَ مِن دونِها / لَما رامَ عَن جانِبَيها اِرتِدادا
عَزاءً بَني مِصرَ عَن كَوكِبٍ / أَحالَتهُ أَيدي المَنايا رَمادا
كَأَنّي بِهِ يَستَثيرُ القُبورَ / وَيَبعَثُ فيها الحَياةَ اِجتِهادا
كَأَنّي بِأَيدي البِلى واهِناتٍ / تُمارِسُ مِنهُ خُطوباً شِدادا
عَزاءً بَني مِصرَ عَن فَقدِهِ / وَضَنّاً بِشِرعَتِهِ وَاِعتِدادا
وَلا تَتَعادَوا فَإِنَّ الشُعوبَ / تَموتُ اِنقِساماً وَتَحيا اِتِّحادا
أَخا الدَهرِ ما الدَهرُ إِذ يُنسَبُ
أَخا الدَهرِ ما الدَهرُ إِذ يُنسَبُ / وَأَينَ هِيَ الأُمَمُ الغُيَّبُ
شَرِبتَ العُصورَ فَأَفنَيتَها / وَما زِلتَ مِن دَمِها تَشرَبُ
تُميتُ وَتُحيي عَلى شِرعَةٍ / يَدورُ بِها الزَمَنُ القُلَّبُ
تَثورُ وَتَسكُنُ تَقضي الأُمورَ / فَتَطفو الحَوادِثُ أَو تَرسُبُ
أَخا الدَهرِ أَينَ حَديثُ القُرونِ / وَأَينَ المِدادُ لِمَن يَكتُبُ
شَهِدتَ المَمالِكَ تُزجي الجُنودَ / وَعايَنتَها رِمَماً تُندَبُ
وَما حَجَبَ الدَهرُ مِن سِرِّها / فَخافيهِ عِندَكَ لا يُحجَبُ
إِلَيكَ اِنصَرَفتُ أَضُمُّ المُنى / وَأَبعَثُها نُزَّعاً تَدأَبُ
غَوالِبَ تَأخُذُ أَقصى المَدى / وَيَأخُذُها القَدَرُ الأَغلَبُ
يُصَرِّفُها في أَفانينِها / هَوىً لا يَضِلُّ وَلا يكذبُ
عَلى مِلَّةٍ مِن شُعاعِ الضُحى / يُضاحِكُها الرَونَقُ المُعجَبُ
يُجاوِرُهُ أَدَبٌ ساطِعٌ / كَما جاوَرَ الكَوكَبَ الكَوكَبُ
فَيا نيلُ أَنتَ الهَوى وَالحَياةُ / وَأَنتَ الأَميرُ وَأَنتَ الأَبُ
وَيا نيلُ أَنتَ الصَديقُ الوَفِيُّ / وَأَنتَ الأَخُ الأَصدَقُ الأَطيَبُ
وَأَنتَ القَريضُ الَّذي أَقتَفي / فَيَزهى بِهِ الشرقُ وَالمَغرِبُ
وَلَولاكَ تَعذِبُ لِلشارِبينَ / لَما ساغَ مَورِدُهُ الأَعذَبُ
فَإِن أورِثِ الخِصبَ هذي العقولَ / فممّا تعلِّمني تخصبُ
وإن أنا أطربتُ هَذي النُفوسَ / فَصَوتُكَ لا صَوتِيَ المُطرِبُ
تَسيلُ فَتَندَفِقُ الرائِعاتُ / وَتَجري فَتَستَبِقُ الجُوَّبُ
قَوافٍ يَقودُ بِها الحادِثاتِ / فَتىً لا يُقادُ وَلا يُجنَبُ
عَصَيتُكَ إِن كانَ لي مَأرِبٌ / سِواكَ فَيُؤثَرُ أَو يُطلَبُ
قَسَمتَ الحُظوظَ فَمَن يَشتَكي / وَسُستَ الحَياةَ فَمَن يَعتَبُ
لَئِن فاتَني الذَهَبُ المُنتَقى / فَما فاتَني الأَدَبُ المُذهَبُ
وَهَبتُ لَكَ المُلكَ مُلكَ القَريضِ / وَذَلِكَ أَفضَلُ ما يوهَبُ
فَهَل وَهَبَت ما لَها أُمَّةٌ / يَظَلُّ الغُرورُ بِها يَلعَبُ
تَضِنُّ عَلَيكَ بِنَزرِ العَطاءِ / وَيَسلُبُها الغَيُّ ما يَسلُبُ
تُسيءُ إِلَيكَ فَلا تَستَطيرُ / وَتَجني عَلَيكَ فَلا تَغضَبُ
وَتَقتُلُ أَبناءَكَ النابِغينَ / فَتَذهَبُ في الحِلمِ ما تَذهَبُ
أَلَم يَئنِ أَن تَزَعَ الجاهِلينَ / فَنَحيا وَنَأمَنَ ما نَرهَبُ
لَئِن وَجَبَ الحِلمُ عَمَّن أَساءَ / فَإِنَّ دِفاعَ الأَذى أَوجَبُ
فَلا تَجرِ إِلّا دَماً أَو ذُعافاً / وَلا تَحفَل القَومَ أَن يَعطَبوا
أَماناً فَما بَينَنا ثائِرٌ / وَعَفواً فَما بَينَنا مُذنِبُ
عَسى عقِبٌ مِنهُمو صالِحٌ / يُعَظِّمُ أَقدارَ مَن تُنجِبُ
أَعيدوا لَنا عَصرَ الجِهادِ مُظَفَّراً
أَعيدوا لَنا عَصرَ الجِهادِ مُظَفَّراً / وَزيدوهُ عَصراً مِن جَمالٍ وَزُخرُفِ
وَجِدّوا بِنا إِنَّ الحَياةَ مَنازِلٌ / وَإِنّا سَئِمنا مَنزِلَ المُتَخَلِّفِ
فَيا قُربَ ما بَينَ الحَياةِ وَبَينَنا / إِذا ما تَبَدَّلنا مَطاراً بِمَوقِفِ
أَلا ثَقِّفوا الشَعبَ الَّذي نامَ جَدُّهُ / فَما مَلَكَ الدُنيا كَشَعبٍ مُثَقَّفِ
أَلا فَاِنظُروا دُنيا النُسورِ وَسابِقوا / إِلى المَجدِ فيها كُلَّ نَسرٍ مُرَفرِفِ
دَعوها حَياةً مَن يَبِت راضِياً بِها / يَبِت نِضوَ داءٍ ذي عَقابيلَ مُتلِفِ
أَرى كُلَّ نَهّاضٍ إلى المَجدِ صاعِداً / بِعَزمٍ مَتى يَركَب جَناحَيهِ يَعصِفِ
إِلى الأُفُقِ الأَعلى بَني مِصرَ فَاِنهضوا / سِراعاً وَرُدّوا غارَةَ المُتَخَطِّفِ
إِلى الغايَةِ القُصوى فَسيروا عَلى هُدىً / وَخَلّوا سَبيلَ الحائِرِ المُتَعَسِّفِ
أَغيثوا مِصرَ وَاِستَبِقوا بَنيها
أَغيثوا مِصرَ وَاِستَبِقوا بَنيها / فَقَد ضاقَت وُجوهُ العَيشِ فيها
أَتَلقى الحَتفَ لا حامٍ فَيَحمي / مَقاتِلَها وَلا واقٍ يَقيها
أَغيثوها فَما شَقِيَت بِلادٌ / بَنو السَكسونِ أَكبَرُ مُصلِحيها
أَلَستُم أَعدَلَ الأَقوامِ حُكماً / وَأَعوَزَهُم إِذا اِفتَخَروا شَبيها
أَغيثوا أُمَّةً تَشكو إِلَيكُم / أَذى الحِدثانِ وَالعَيشَ الكَريها
نَعوذُ بِعَدلِكُم أَن تُسلِمونا / إِلى نارِ الخَصاصَةِ نَصطَليها
رُعاةُ البَهمِ تَكفي ما يَليها / فَإيهاً يا بَني السَكسونِ إيها
تَرَدَّدَ في الدُجى نَفَسٌ لَهيفٌ / تَعَلَّقَ بِالمَدامِعِ يَمتَريها
نَفَضتُ لَهُ الكَرى عَن ذاتِ قَرحٍ / أُكاتِمُها الغَليلَ وَأَتَّقيها
وَقُمتُ أَجُرُّ أَوصالاً ثِقالاً / تُعاني المَوتَ مِمّا يَعتَريها
نَصَبتُ السَمعَ ثُمَّ بَعَثتُ طَرفي / وَراءَ البابِ أَعتَرِفُ الوُجوها
رَأَيتُ الهَولَ يَنبَعِثُ اِرتِجالاً / فَتَنصَدِعُ القُلوبُ لَهُ بَديها
رَأَيتُ البُؤسَ يَركُضُ في جُلودٍ / يُجانِبُها النَعيمُ وَيَحتَميها
رَأَيتُ نُيوبَ ساغِبَةٍ تَلَوّى / كَأَمثالِ الأَراقِمِ مِلءَ فيها
تُريدُ طَعامَها وَالبَيتُ مُقوٍ / فَتوشِكُ أَن تَميلَ عَلى بَنيها
مَوالِيها اصدَعوا الأَزَماتِ عَنها / فَإِنَّ العَجزَ أَلّا تَصدَعوها
فَأَينَ المُصلِحونَ أَلا حَفِيٌّ / بِمِصرَ مِنَ النَوائِبِ يَفتَديها
مَواليها اصدَعوا الأَزَماتِ عَنها / كَفاها ما تَتابَعَ مِن سِنيها
رَعَينا الجَدبَ في تلَعاتِ مِصرٍ / وَخَلَّينا الرِياضَ لِمُرتِعيها
لَقَد أَعيَت مَوارِدُها عَلَينا / وَما أَعيَت عَلى مَن يَجتَويها
هِبونا مِثلَكُم غُرَباءَ فيها / أَما نَرجو الحَياةَ وَنَبتَغيها
أَلَيسَ النَصفُ أَلّا تَمنَعونا / مَرافِقَها وَلَو كُنتُم ذَويها
أَنيلوا سُؤرَكُم هَلكى نُفوسٍ / نَعوذُ بِبِرِّكُم أَن تُرهِقوها
حُماةَ النيلِ كَم بِالنيلِ طاوٍ / يُريدُ عُلالَةً ما يَحتَويها
وَصادي النَفسِ لَو أَنَّ المَنايا / جَرَت ماءً لَأَقبَلَ يَحتَسيها
وَعاري الجَنبِ يُغضي مِن هَوانٍ / وَكانَ لِباسُهُ صَلفاً وَتيها
حُماةَ النيلِ كَم نُفسٍ تُعاني / مَنِيَّتَها وَتَدعو مُنقِذيها
أَنيلونا الدِيّاتِ وَلا تَكونوا / كَمَن يُردي النُفوسَ وَلا يَديها
زَعَمتُم أَنَّنا شَعبٌ سَفيهٌ / صَدَقتُم عَلِّموا الشَعبَ السَفيها
أَيَومَ الحَشرِ مَوعِدُنا إِذا ما / تَلَمَّسَتِ الشَعوبُ مُعَلِّميها
أَسَأتُم في سياسَتِكُم إِلَينا / وَتِلكَ سِياسَةٌ لا نَرتَضيها
مَن يَمنَعُ اللَيثَ أَن يَعتَزَّ أَو يَثِبا
مَن يَمنَعُ اللَيثَ أَن يَعتَزَّ أَو يَثِبا / ما قيمَةُ السَيفِ إِن جَرَّدتَهُ فَنَبا
مَن يُمسِكُ العَرشَ إِن هَزَّت دَعائِمَهُ / هوجُ العَظائِمِ وَالأَهوالِ فَاِنقَلَبا
مَن يَحفَظُ التاجَ إِن أَلوى بِهِ قَدَرٌ / يَرمي بِهِ صُعُداً في الجَوِّ أَو صَبَبا
مَن يَحرُسُ المُلكَ إِن هَمَّت بِحَوزَتِهِ / سَوالِبُ المَلِكِ الجَبّارِ ما سَلَبا
يا آلَ عُثمانَ مِن تُركٍ وَمِن عَرَبٍ / وَأَيُّ شَعبٍ يُساوي التُركَ وَالعَرَبا
سوسوا الخِلافَةَ بِالشورى وَلا تَدَعوا / لِفِتنَةٍ في نَواحي المُلكِ مُضطَرِبا
وَالمُلكُ إِن رَفَعَ الدُستورُ حائِطَهُ / فَغايَةُ العَجزِ أَلّا يَبلُغَ الشُهُبا
إِنَّ الَّذي كانَ مِن عَدلٍ وَمِن شَطَطٍ / أَمسى تَوارى وَراءَ الدَهرِ وَاِحتَجَبا
لا تَذكُروا ما مَضى مِن أَمرِكُم وَدَعوا / ما جَرَّ بِالأَمسِ حُكمُ الفَردِ أَو جَلَبا
لا تَكتُموا الحَقَّ وَاِرضوا عَن خَليفَتِكُم / وَاِقضوا لَهُ مِن حُقوقِ البِرِّ ما وَجَبا
لَولا مَواضيهِ وَالأَهوالُ مُحدِقَةٌ / بِالمُلكِ أَصبَحَ في أَيدي العِدى سَلَبا
تَأَلَّبوا يَحسَبونَ اللَيثَ قَد وَهَنَت / مِنهُ القُوى فَرَأَوها قُوَّةً عَجَبا
لا يَملِكونَ لَها رَدّاً إِذا اِنبَعَثَت / وَلا يُطيقونَ إِلّا المَوتَ وَالهَرَبا
صونوا الهِلالَ وَزيدوا مَجدَهُ عَلَماً / لا مَجدَ مِن بَعدِهِ إِن ضاعَ أَو ذَهَبا
أَعَزَّهُ الفاتِحُ الغازي وَأَورَثَهُ / بَأساً يَرُدُّ عَلى أَعقابِها النُوَبا
أَبو الخَلائِفِ ذو النورَينِ مورِثُنا / مُلكَ الهِلالِ وَهَذا المَجدَ وَالحَسَبا
نَومُ القَواضِبِ في أَغمادِها سَفَهٌ / وَإِنَّما يُحذَرُ الرِئبالُ إِن وَثَبا
يا تاجَ عُثمانَ إِنَّ اليَومَ مَوعِدُنا / فَجَدِّدِ العَهدَ وَالقَ الحُبَّ وَالرَغَبا
لَو ضاعَ عَهدُكَ أَو حامَ الرَجاءُ بِنا / عَلى سِواكَ لَقينا الحَينَ وَالعَطَبا
لَكِن أَلَذُّ عُهودِ القَومِ أَحدَثُها / وَأَصدَقُ الحُبِّ حُبٌّ يَصدَعُ الرِيَبا
طالَ المَدى وَتَمَشَّت بَينَنا تُهَمٌ / لَولا الهَوى لَم تَدَع قُربى وَلا نَسَبا
اليَومَ نَنسَخُ ما قالَ الوُشاةُ لَنا / وَنَترُكُ الظَنَّ إِن صِدقاً وَإِن كَذِبا
مَنِ البَواسِلُ هَزَّ الأَرضَ ما صَنَعوا / وَغادَرَ الفَلَكَ الدَوّارَ مُرتَعِبا
تَأَلَّبوا كَأُسودِ الغابِ وَاِنطَلَقوا / تَدمى القَواضِبُ في أَيمانِهِم غَضِبا
هَبّوا سِراعاً وَشَبّوها مُؤَجَّجَةً / يَزيدُها بِأسُهُم في يَلدَزٍ لَهَبا
هُم أَحكَموا الرَأيَ وَالتَدبيرَ وَاِتَّخَذوا / لِكُلِّ ما اِعتَزَموا مِن مَطلَبٍ سَبَبا
صانوا الدِماءَ فَلَولا اللَهُ لَاِنبَجَسَت / تَعلو اليَفاعَ وَتَروي القاعَ وَالكُثُبا
حَيِّ الغَطارِفَةَ الأَبرارَ مُحتَفِلاً / وَرَدِّدِ الحَمدَ مُختاراً وَمُنتَخَبا
وَناجِ واضِحَةَ اللَّبَّاتِ حاسِرَةً / عَن مُشرِقاتٍ تَرُدُّ البَدرَ مُنتَقِبا
الناهِضاتِ إِلى الأَبطالِ هاتِفَةً / وَالطائِفاتِ عَلى آثارِهِم عُصَبا
مُحَجَّباتٌ دَعاها المَجدُ فَاِبتَدَرَت / وَلِلجَلالِ حِجابٌ فَوقَها ضُرِبا
بَناتُ قَومِيَ ما يَغفَلنَ مَفخَرَةً / وَلا يَدَعنَ سَبيلَ الحَمدِ مُجتَنِبا
المُنجِباتُ حُماةَ المُلكِ يَندُبُهُم / لِلنّائِباتِ فَيَلقى النَصرَ مُنتَدِبا
بُشرى المَشارِقِ إِنَّ البَعثَ مُدرِكُها / وَبارَكَ اللَهُ في النُعمى الَّتي وَهَبا
رُوَيدَكَ أَيُّها الجَبّارُ فينا
رُوَيدَكَ أَيُّها الجَبّارُ فينا / فَإِنَّ الرَأيَ أَلّا تَزدَرينا
رُوَيدَكَ أَيُّها القاضي عَلَينا / قَضاءَ الظالِمينَ الناقِمينا
زَعَمتَ الحُكمَ حُكمَكَ في كِتابٍ / كَذَبتَ بِهِ الخَلائِقَ أَجمَعينا
وَما غَفلوا عَنِ الأَحقادِ تَغلي / مَراجِلُها وَما جَهلوا اليَقينا
نَفَثتَ سُمومَها إِذ ضاقَ عَنها / فُؤادُكَ وَالقُلوبُ تَضيعُ حينا
زَعَمتَ سُراتَنا وَذَوي نُهانا / مَهاذيرَ المَقاوِلِ كاذِبينا
إِذا ما جِئتَهُم أَرضَوكَ مَدحاً / فَإِن فَارَقتَ عادوا لاعِنينا
زَعَمتَ بِلادَهُم هانَت عَلَيهِم / فَما يَشكونَ عَهدَ الغاصِبينا
زَعَمتَ حَياتَهُم أَرضاً وَماءً / تَجودُ بِهِ أَكُفُّ المانِحينا
زَعَمتَ بِنا مَزاعِمَ كاذِباتٍ / وَما يُغني مَقالُ الزاعِمينا
زَعَمتَ الدينَ وَالقُرآنَ جاءا / بِما يُشقي حَياةَ المُسلِمينا
زَعَمتَ مُحَمَّداً لَم يُؤتَ رُشداً / وَلَم يَسلُك سَبيلَ المُصلِحينا
فَلَيتَكَ كُنتَهُ لِتَسُنَّ شَرعاً / يُبَلِّغُنا مَكانَ السابِقينا
رُوَيدَكَ أَيُّها الجَبّارُ فينا / فَبِئسَ الحُكمُ حُكمُ القاسِطينا
وَهَبنا أُمَّةً في الجَهلِ غَرقى / وَشَعباً في مَهانَتِهِ دَفينا
أَدينُ اللَهِ يَأمُرُنا بِجَهلٍ / وَيوجِبُ أَن نَذِلَّ وَنَستَكينا
سَلِ الأَحياءَ وَالمَوتى جَميعاً / أَكُنّا أُمَّةً مُستَضعَفينا
لَيالِيَ يَبعَثُ الإِسلامُ مِنّا / عَزائِمَ تُخضِعُ المُتَغَطرِسينا
نَثُلُّ عُروشَ جَبّارينَ غُلباً / وَنَجتَثُّ المَمالِكَ فاتِحينا
وَقائِعُ تَرجُفُ الدُوَلاتُ مِنها / وَيَذكُرُها القَياصِرُ صاغِرينا
تَرَكنا الدَهرَ يَنتَقِضُ اِنتِقاضاً / وَغادَرنا الخَلائِقَ ذاهِلينا
بِبَأسٍ لا كِفاءَ لَهُ وَعِلمٍ / جَلا الغَمَراتِ وَاِكتَسَحَ الدُجونا
لَيالِيَ ظَلَّل الأَقوامَ جَهلٌ / أَضَلَّهُمُ فَظَلّوا حائِرينا
سَننَّا الرُشدَ لِلغاوينَ طُرّاً / وَلَولا الدينُ لَم نَكُ راشِدينا
وَلَولا مَعشَرٌ خَذَلوهُ مِنّا / لَكُنّا السابقينَ الأَوَّلينا
أَتَزعُمُ ما جَنى الجُهَلاءُ ديناً / وَتَأخُذُنا بِذَنبِ الجاهِلينا
رُوَيدَكَ أَيُّها الجَبّارُ فينا / فَما أَنصَفتَنا دُنيا وَدينا
رَبِّ أَحبِبني وَأَحبِب أُسرَتي
رَبِّ أَحبِبني وَأَحبِب أُسرَتي / وَاِعفُ عَن قَومي وَبارِك وَطَني
رَبِّ هَذِّبني وَطَهِّر سائِري / مِن قَذىً يَعلَقُ بي أَو دَرَنِ
وَاِصرِفِ المَكروهَ عَنّي وَالأَذى / وَاِكفِني اللَّهُمَّ شَرَّ الفِتَنِ
رَبِّ داوِ النَفسَ مِن أَدوائِها / قَبلَ أَن تُودي وَيُودي بَدَني
كانَ ما كانَ وَلَولا ما مَضى / مِنكَ في تَكوينِهِ لَم يَكُنِ
بِكَ أَستَهدي فَسَدِّدني إِلى / أَرشَدِ السُبلِ وَأَهدى السَنَنِ
رَبِّ وَفِّقني وَكُن عَوني عَلى / شُكرِ ما أَولَيتَني مِن مِنَنِ
أَطهَرُ الأَقلامِ مِن آثارِها / حينَ أُحصيها وَأَزكى الأَلسُنِ
رَبِّ أَمِّني فَإِنّي عائِذٌ / بِرَجاءِ الخائِفِ المُستَأمِنِ
ما لِنَفسي فيكَ ما تَملِكُهُ / غَيرَ ما تَملِكُ نَفسُ المُؤمِنِ
ثِقَةٌ ما خالَطَتها ريبَةٌ / وَيَقينٌ ما بِهِ مِن وَهَنِ
رَبِّ هَذا سَبَبي أُدلي بِهِ / رَبِّ فَاِمدُد سَبَبي لا تُخزِني
هَب لِقَومي مِنكَ جَدّاً عالِياً / يَتَذَرّى عالِياتِ القُنَنِ
جَثَمَ الضَيمُ بِهِم في حُفرَةٍ / جَثَمَت فيها عَوادي الزَمَنِ
كُلَّما قُلتُ أَما مِن نَهضَةٍ / نَهَضَت فيهِم فَهاجَت حَزَني
رُبَّ لَيلٍ بِتُّهُ من أَجلِهِم / يَتَحاماني مَطيفُ الوَسَنِ
ضارِباً في غَمرَةٍ ما تَنجَلي / مِن هُمومٍ كَالخِضَمِّ الأَرعَنِ
طامِياتٍ يَتَرامى مَوجُها / بِالأَماني حائِراتِ السُفُنِ
لَستُ أَدري أَهمو في مَوطِنٍ / يَجمَعُ الأَحياءَ أَم في مَدفَنِ
وَيحَ قَومي غَرَّهُم إِذ هَلَكوا / رَونَقُ القَبرِ وَحُسنُ الكَفَنِ
سَكَنَت نَفسي إِلى اليَأسِ وَبي / مِن هُمومي عاصِفٌ لَم يَسكُنِ
عَزَّتِ الشورى عَلَيهِم فَاِشتَروا / ما اِشتَروا مِنها بِأَغلى ثَمَنِ
ثُمَّ ناموا نَومَةَ الدَهرِ وَما / غَفَلَت عَنهُم عُيونُ المِحَنِ
يا أُساةَ الشَعبِ إِن أَعتِب فَقَد / شَفَّني من دائكم ما شفَّني
عالَجوا مَرضى قُلوبٍ عَمِيَت / وَتَمَشّى داؤُها في الأَعيُنِ
عالَجوا الداءَ وَلَمّا يُعيكُم / وَاِكشِفوا الكَربَ وَلَمّا يُردِني
هُم أَضاعوا حَوزَةَ المُلكِ وَهُم / أَوطَأوهُ أَخمَصَ المُمتَهِنِ
خَذَلوهُ رَوَّعوهُ هَدَموا / مِنهُ ما اِستَنفَدَ جُهدَ المُبتَني
صُبّوا المِدادَ وَحَطِّموا الأَقلاما
صُبّوا المِدادَ وَحَطِّموا الأَقلاما / وَاطووا الصَحائِفَ وَاِنزَعوا الأَفهاما
وَخُذوا عَلى الوِجدانِ كُلَّ ثَنِيَّةٍ / وَاِقضوا الحَياةَ مُزَمّلينَ نِياما
غُضّوا العُيونَ وَطَأطِئوا هاماتِكُم / وَاِرضوا مُقامَ المُستَميتِ مُقاما
وَدَعوا الحَفيظَةَ وَاِغدُروا بِعُهودِهِ / شَعباً يَرى حِفظَ العُهودِ حَراما
يا مِصرُ ماذا تَطلُبينَ أَما كَفى / أَن تُصبِحي لِلعادِياتِ طَعاما
موتي فَما مَوتُ العَليلِ بِضائِرٍ / وَكَفى بِآلامِ الحَياةِ حِماما
مَن ذا يَرُدُّ عَلَيكِ عَهدَكِ صالِحاً / وَيُعيدُ صَوتَكِ عالِياً يَتَرامى
قُمنا بِنَصرِكِ وَالخِناقُ مُضَيَّقٌ / وَالنَفسُ مُرهَقَةٌ أَذىً وَعُراما
أَيّامَ لا صَلَفٌ وَلا جَبرِيَّةٌ / إِلّا لِأَغلَبَ يَصرَعُ الضِرغاما
الحَربُ دائِرَةٌ وَجَيشكِ قائِمٌ / يَنضي السُيوفَ وَيَرفَعُ الأَعلاما
كَيفَ القَرارُ عَلى الإِساءَةِ وَالأَذى / أَم كَيفَ نَكتُمُ في القُلوبِ ضِراما
هَل أَصلَتَ الصَمصامُ عَمرواً في الوَغى / أَم كانَ عَمروٌ يُصلِتُ الصَمصاما
أَنَخونُ مِصرَ وَما تَحَوَّلَ نيلُها / سُمّاً وَما اِنقَلَبَ الضِياءُ ظَلاما
نَبغي لَها الشَرَفَ الأَشَمَّ مُؤَيَّداً / بِالعِلمِ يوئِسُ صَرحُهُ الهُدّاما
وَنُعِزُّ رايَتَها وَنَمنَعُ حَوضَها / وَنَزيدُ صادِقَ حُبِّها اِستَحكاما
أَيَسوسُ رَيبُ الدَهرِ مِنّا أُمَّةً / تَبغي حَياةَ المَجدِ أَم أَنعاما
لَمِنَ الرَواسِمُ يَرتَمينَ صَوادِيا
لَمِنَ الرَواسِمُ يَرتَمينَ صَوادِيا / وَيَجُزنَ بِالعَذبِ الرَوِيِّ أَوابِيا
الطالِعاتِ عَلى الصَباحِ حَنادِساً / السارِياتِ مَعَ الظَلامِ دراريا
الدامِياتِ مَناسِماً وَغَوارِباً / المُدمِياتِ جَوانِحاً وَمَآقِيا
الحائِماتِ مَعَ النُسورِ جَوارِحاً / العادِياتِ عَلى الأُسودِ ضَوارِيا
مَرَّت بِمُهتَزِمِ الرُعودِ قَواصِفاً / وَجَرَت بِمُختَرقِ الرِياحِ هَوافِيا
وَسَرَت بِمُلتَمعِ البُروعِ خَواطِفاً / تَفري أَهاضيبَ الغَمامِ هَوامِيا
حاوَلنَ عِندَ الشِعريَينِ مَآرِباً / وَحَمَلنَ مِلءَ الخافِقينَ أَمانِيا
عِفنَ البِقاعَ خَصيبَها وَجَديبَها / وَبَني الزَمانِ رَشيدَهُم وَالغاوِيا
أَينَ الرَشادُ مِنَ النُفوسِ نَوازِعاً / لِلشَرِّ تَستَبِقُ الضَلالَ نَوازِيا
أَينَ المَسامِعُ وَالعُقولُ فَإِنَّما / تُجدي المَقالَةُ سامِعاً أَو واعِيا
أَمسَكتُ عَن بَعضِ القَريضِ فَلَم أَجِد / في الصُحُفِ إِلّا لائِماً أَو لاحِيا
إيهاً فَإِنَّ مِنَ السُكوتِ بَلاغَةً / جَللاً تَفيضُ عَلى العُقولِ مَعانِيا
صُنتُ القَريضَ عَنِ المَحالِ وَأَرجَفوا / حَولي فَما جاوَبتُ مِنهُم عاوِيا
وَحَمَيتُ مِن عِرضِ المَقالِ وَلا أَرى / فيمَن أَراهُم لِلحَقيقَةِ حامِيا
مِن أَينَ لي بِفَتىً إِذا عَلَّمتُهُ / لَم أُلفِهِ عِندَ التَجارِبِ ناسِيا
مَن لي بِهِ حُرِّ اليَراعِ أَبِيِّهِ / عَفِّ النَوازِعِ والمَطامِعِ عالِيا
يَستَصغِرُ الدُنيا أَمامَ يَقينِهِ / فَيَصُدُّ عَنها مُشمَئِزَّاً زارِيا
يَأبى النَعيمَ مُلَطَّخاً بِمَذَلَّةٍ / وَيَرى مُقامَ السوءِ عاراً باقِيا
إِنّي رَأَيتُ مِنَ المَقالِ مَناقِباً / مَأثورَةً وَوَجَدتُ مِنهُ مَخازِيا
وَعَلِمتُ أَنَّ مِنَ الخِلالِ مَراقِياً / تُعلي جُدودَ مَعاشِرٍ وَمَهاوِيا
وَلَقَد بَلَوتُ الكاتِبينَ جَميعَهُم / فَوَجَدتُ أَكثَرَ ما يُقالُ دَعاوِيا
شَدّوا العِيابَ عَلى هِناتٍ لَو بَدَت / مَلَأَت مَناديحَ الفَضاءِ مَساوِيا
لا بورِكَت تِلكَ الأَكُفُّ فَإِنَّها / ضَرَبَت عَلى الأَلبابِ سَدّاً عاتِيا
حَجَبَت صَديعَ الرُشدِ عَنها فَاِرتَمَت / تَجتابُ لَيلَ الغَيِّ أَسفَعَ داجِيا
سَلني أُنَبِّئكَ اليَقينَ فَإِنَّ لي / عِلماً بِما تُخفي السَرائِرُ وافِيا
أَلفَيتُ أَصدَقَ مَن بَلَوتُ مُداهِناً / وَرَأَيتُ أَمثَلَ مَن رَأَيتُ مُداجِيا
بَعَثوا الصَحائِفَ يَلتَوينَ كَأَنَّما / بَعَثوا بِهِنَّ عَقارِباً وَأَفاعِيا
يَلسِبنَ مَن صَدعَ العِمايَةَ زاجِراً / وَأَهابَ بِالشَعبِ المُضَلَّلِ هادِيا
صُحُفٌ يَزِلُّ الصِدقُ عَن صَفَحاتِها / وَيَظَلُّ جِدُّ القَولِ عَنها نابِيا
لَو يَبغِيانِ بِها القَرارَ لَصادقا / في غَفلَةِ الحُرّاسِ مِنها ماحِيا
ماجَت فِجاجُ المَشرِقينَ مَصائِباً / وَطَغَت شِعابُ الوادِيَينِ دَواهِيا
حاقَت بِنا الأَزَماتُ تَترى وَاِنبَرَت / فينا الخُطوبُ رَوائِحاً وَغَوادِيا
جَفَّت أَمانينا وَكُنَّ حَوافِلاً / وَهَوَت مَطامِعُنا وَكُنَّ رَواسِيا
إِنّا لَنَضرِبُ في غَياهِبَ غَمرَةٍ / تَتَكَشَّفُ الغَمَراتُ وَهيَ كَما هِيا
نَبكي تُراثَ الغابِرينَ مُقَسَّماً / وَلَوِ اِستَطاعَ لَقامَ يَبكي الباكِيا
ذَهَبَ الرِجالُ العامِلونَ فَما تَرى / في القَومِ إِلّا ناعِباً أَو ناعِيا
هَدُّوا مِنَ الشرفِ المُرَفَّعِ ما بَنَوا / وَمَحَوا مَعالِمَهُ وَكُنَّ زَواهِيا
طارَت بِهِ هوجُ العُصورِ عَواصِفاً / وَمَضَت بِهِ نُكبُ الخُطوبِ سَوافِيا
فَإِذا نَشَدَت نَشَدتَ رَسماً عافِياً / وَإِذا رَأَيتَ رَأَيتَ وَسماً خافِيا
يا لِلمَشارِقِ صارِخاتٍ وُلَّهاً / تَدعوا المُغيثَ وَتَستَجيرُ الكافِيا
عَدَتِ الخُطوبُ وَما بَرَحنَ جَواثِماً / وَهَفَت بِهِنَّ وَما فَتِئنَ جَواثِيا
مَلَكَت سَبيلَيها الغُزاةُ وَإِنَّني / لَإِخالُ خَفقَ الريحِ فيها غازِيا
أَخَذَ العُقوقُ عَلى بَنِيها مَوثِقاً / لَم يُلفَ مُحكَمُهُ لَدَيهِم واهِيا
صَدَقوا العَدُوَّ وَلاءَهُم وَتَمَزَّقوا / خُصماءَ فيما بَينَهُم وَأَعادِيا
فَهُمو المَعاوِلُ إِن رَماهُم هادِماً / وَهُمو الدَعائِمُ إِن عَلاهُم بانِيا
وَهُمو السِلاحُ إِذا يُشيحُ مُناجِزاً / وَهُمو العَديدُ إِذا يصيحُ مُناوِيا
ما لي أُهيبُ بِمَن لَوَ اَنّي نافِخٌ / في الصُورِ ما نَبَّهتُ مِنهُم غافِيا
أَفزَعتُ أَصحابَ الرَقيمِ مُنادِياً / وَعَصَفتُ بِالعَظمِ الرَميمِ مُناجِيا
هِيَ صَرعَةٌ مِن رازِحينَ تَقاسَموا / أَلّا يُفيقوا أَو يُجيبوا الداعِيا
لَيتَ الزلازِلَ وَالصَواعِقَ في يَدي / فَأَصَبَّها لِلغافِلينَ قَوافِيا
فَنِيَت بَراكينُ القَريضِ وَلا أَرى / ما شَفَّني مِن جَهلِ قَومي فانِيا
فَلَئِن صَمَتُّ لَأَصمُتَنَّ تَجَلُّداً / وَلَئِن نَطَقتُ لَأَنطِقَنَّ تَشاكِيا
مَهاةَ اللِوى حَسبي وَحَسبُ الهَوى ذُعرا
مَهاةَ اللِوى حَسبي وَحَسبُ الهَوى ذُعرا / أَما نَأمَنُ الإِعراضَ يَوماً وَلا الهَجرا
أَفي كُلِّ يَومٍ مِن صُدودِكِ غارَةٌ / أَخوضُ المَنايا بَينَ أَهوالها حُمرا
أَماناً لِعانٍ يَطلُبُ السِلمَ في الهَوى / وَحَسبُكِ ما أَتلَفتِ مِن نَفسِهِ نَصرا
أَغَرَّكِ جُندٌ لِلمَحاسِنِ باسِلٌ / إِذا ما تَداعى أَمعَنَ القَتلَ وَالأَسرا
وَما زِلتُ أَشكو فِتنَةً بَعدَ فِتنَةٍ / إِلى أَن أَتَت عَيناكِ بِالفِتنَةِ الكُبرى
دَعيني وَما أَلقى مِنَ الدَهرِ وَاِشغَلي / بِحُبِّكِ من لا يَشغَلُ الناسَ وَالدَهرا
وَهَبتُ الصبى وَالشَيبَ وَالشَوقُ وَالهَوى / لِمِصرَ وَإِن لَم أَقضِ حَقَّ الهَوى مِصرا
بِلادٌ حَبَتني أَرضُها وَسَماؤُها / حَياتي وَأَجرى نيلُها في فَمي الدُرّا
تُريدينَهُ حُسناً عَلَيكِ وَبَهجَةً / تُغيرُ الغَواني وَالخَمائِلَ وَالزَهرا
وَأَعتَدُّهُ مَجداً لِمِصرَ وَسُؤدُداً / تَبيتُ لَهُ الأَمصارُ والِهَةً حَرّى
وَما حادِثٌ يَوماً وَإِن راعَ وَقعُهُ / بِماحٍ هَواها أَو يُطاوِلُها ذِكرا
هِيَ الدَهرُ أَو شَيءٌ يُشابِهُ صَرفَهُ / وَإِبرامَهُ وَالنَقضَ وَالطَيَّ وَالنَشرا
تَمُرُّ بِها الدَولاتُ شَتّى وَتَرتَمي / عِظاتُ اللَيالي حَولَ أَهرامِها تَترى
كَأَنّي بِها صُحفُ الخُلودِ وَكُلُّها / يَخُطُّ عَلَيها مِن أَحاديثِهِ سَطرا
لَها في يَدِ التاريخِ ما لَيسَ يَنطَوي / مِنَ العِبَرِ اللائي مَلَأنَ النُهى بَهرا
كَأَنَّ رُباها لِلمَمالِكِ مِنبَرٌ / يَقومُ عَلَيهِ الدَهرُ يوسِعُها زَجرا
كَأَنَّ ثَراها لِلشُعوبِ تَميمَةٌ / تَقي مِن جُنونِ الجَهلِ أَو تُبطِلُ السِحرا
كَأَنَّ بِماءِ النيلِ سِرّاً مُحَجَّباً / يَرُدُّ إِلى حُكمِ الأَناةِ مَنِ اِغتَرّا
خُذي مِن عِظاتِ الدَهرِ يا مِصرُ وَاِشهَدي / عَلَيهِ وَزيدي في أَعاجيبِهِ صَبرا
وَلاقي بِمَأمولِ الرِضى مِنكِ مَوكِباً / تَوارَت لَهُ الجَوزاءُ وَاِستَحيَتِ الشِعرى
هُوَ الخَطبُ حَتّى يُنكِرَ التاجَ صاحِبُهْ
هُوَ الخَطبُ حَتّى يُنكِرَ التاجَ صاحِبُهْ / وَحَتّى يَظُنَّ العَرشَ حَتفاً يُراقِبُهْ
لَئِن مادَ عَرشُ الفاتِحينَ بِرَبِّهِ / لَقَد زُلزِلَت مِن كُلِّ عَرشٍ جَوانِبُه
وَباتَ عَلى التيجانِ إِذ ريعَ تاجُه / نَذيرٌ يَروعُ المُستَبِدّينَ ناعِبُه
تَكَشَّفَ ظِلُّ المُلكِ عَنهُ وَأَقلَعَت / مَواسِمُهُ عَن بابِهِ وَمَواكِبُه
وَعُطِّلَ مِن نورِ الخِلافَةِ أُفقُهُ / فَأَمسى وَما تَنجابُ عَنهُ غَياهِبُه
ثَوى عاثِرَ الآمالِ يونِسُهُ الأَسى / وَتُوحِشُهُ أَوطارُهُ وَمَآرِبُه
كَأَنَّ جَلالَ المُلكِ لَم يَبدُ حَولَهُ / مَهيباً وَلَم تضرب عَلَيهِ مَضارِبُه
كَأَنَّ السَرايا وَالفَيالِقَ لَم تَسِر / إِلى المَوتِ تَثني دونَهُ مَن يُحارِبُه
كَأَنَّ رُؤوسَ الصِيدِ لم تكُ خشَّعاً / لدى بابه المرجوِّ بالأمس حاجبُه
كأنَّ بغاةَ الجودِ وَالمَجدِ لَم تَفِد / عَلَيهِ وَلَم تَهطِل عَلَيهِم مَواهِبُه
كَأَنَّ بُناةَ الشِعرِ لَم تَغشَ بابَهُ / بِمُستَعلِياتٍ تَزدَهيها مَناقِبُه
كَأَنَّ الأُلى زانوا المَنابِرَ بِاِسمِهِ / أَحَلّوا بِدينَ اللَهِ ما لا يُناسِبُه
طَوَوا ذِكرَهُ وَاِستَودَعوا اللَهَ عَهدَهُ / وَكُلُّ اِمرِئٍ رَهنٌ بِما هُوَ كاسِبُه
أَرى الناسَ مَن يَقعُد بِهِ الدَهرُ يَنقُموا / عَلَيهِ وَإِن كانَت قَليلاً مَعايِبُه
أَلَم يَكُ ظِلَّ اللَهِ بِالأَمسِ بَينَنا / نَلوذُ بِهِ وَالخَطبُ ضَنكٌ مَذاهِبُه
أَنُطريهِ قَهّاراً وَنُؤذيهِ مُرهَقاً / كَفى اللَيثَ شَرّاً أَن تُفَلَّ مَخالِبُه
أَما في الثَلاثينَ اللَواتي تَصَرَّمَت / ذِمامٌ لِمَنكوبٍ تَوالَت نَوائِبُه
أَلَم يَقضِ مِنها لَيلَةً نازعَ الكَرى / مَخافَةَ عادٍ يُفزِعُ المُلكَ واثِبُه
أَلَم يَستَطِر يَوماً لِخَطبٍ مُساوِرٍ / مُحافَظَةً مِن أَن تَسوءَ عَواقِبُه
أَلا راحِمٌ هَل مِن شَفيعٍ أَما كَفى / أَكُلُّ بَني الدُنيا عَدُوٌّ يُغاضِبُه
أَكانَ يُريدُ السوءَ بِالمُلكِ أَم يَرى / مَسَرَّتَهُ في أَن تَرِنَّ نَوادِبُه
أَكُلُّ مَآتيهِ ذُنوبٌ أَكُلُّهُ / عُيوبٌ أَلا مِن مُنصِفٍ إِذ نُحاسِبُه
أَكُلُّ ذَوي التيجانِ بِالعَدلِ قائِمٌ / أَما فيهِمو ما لا تُعَدُّ مَثالِبُه
أَلَيسَ الأُلى غَشّوهُ أَجدَرَ بِالأَذى / وَأَولى الوَرى بِالشَرِّ مَن هُوَ جالِبُه
هُمُ اِكتَنَفوهُ بِالدَسائِسِ وَاِفتَروا / مِنَ القَولِ ما يَعمى عَنِ الرُشدِ كاذِبُه
وَهُم خَوَّفوهُ المَوتَ حَتّى كَأَنَّما / يُلاقيهِ في الماءِ الَّذي هُوَ شارِبُه
يَظُنُّ ثَنايا التاجِ تُضمِرُ ثائِراً / يُناوِشُهُ مِن فَوقِهِ وَيُشاغِبُه
وَأَنَّ سَريرَ المُلكِ راصِدُ حَتفِهِ / يُخاتِلُهُ عَن نَفسِهِ وَيُوارِبُه
عُنوا بِوُلاةِ السوءِ فَالشَعبُ سِلعَةٌ / بِأَيديهمو وَالمُلكُ فَوضى مَناصِبُه
يُقَرَّبُ ذو الزُلفى وَيُقصى أَخو الحِجى / وَيُظلَمُ ذو الحَقِّ المُؤَكَّدِ صاحِبُه
وَرُبَّ شَهيدٍ يَضحَكُ الحوتُ حَولَهُ / وَيندِبُهُ أَخدانُهُ وَأَقارِبُه
مَساوِئُ لَو يَدري الإِمامُ خَفِيَّها / لَظَلَّ وَما يَرقا مِنَ الدَمعِ ساكِبُه
بِأَيِّ مِجَنٍّ يَمنَعُ المُلكَ رَبُّهُ / وَمانِعُهُ عادٍ عَلَيهِ فَسالِبُه
رَعى اللَهُ قَوماً أَنهَضوا عاثِرَ المُنى / وَصانوا حِمى عُثمانَ فَاِرتَدَّ طالِبُه
وَحَيّا الإِمامَ المُرتَضى وَأَعَزَّهُ / وَلا زالَ أُفقُ المُلكِ تَزهى كَواكِبُه
يا دَولَةً مِنَ بَقايا الظُلمِ طافَ بِها
يا دَولَةً مِنَ بَقايا الظُلمِ طافَ بِها / عادي الفناءِ فَأَمسى نَجمُها غَرَبا
زولي فَما كُنتِ إِلّا غَمرَةً كُشِفَت / عَنِ النُفوسِ وَإِلّا مَأتَماً حُجُبا
زولي إِلى مُغرِقٍ في البُعدِ مُنقَطِعٍ / لا يَستَطيعُ لَهُ مُستَعتبٌ طلبا
عِنايَةُ اللَهِ لا تُبقي عَلى دُوَلٍ / يَلقى الخَلائِقُ مِنها الوَيلَ وَالحَرَبا
تَرى الشُعوبَ عَبيداً لا ذمامَ لَها / وَتَحسَبُ الحَقَّ في الدُنيا لِمَن غَلَبا
لا بُدَّ لِلشَعبِ وَالأَحداثُ تَأخُذُهُ / مِن غَضبَةٍ تُفزِعُ الأَفلاكَ وَالشُهُبا
ما أَيَّدَ المُلكَ وَاِستَبقى نَضارَتَهُ / كَالرِفقِ وَالعَدلِ ماداما وَما اِصطَحَبا
ما أَضيعَ التاجَ يَرمي الشَعبَ صاحِبُهُ / بِالمُحفظاتِ وَيُؤذيهِ بِما كَسَبا
يَبني المَعاقِلَ مُغتَرّاً بِمَنعَتِها / وَيَحشُدُ القُذَّفَ الفَوهاءَ وَالقَضبا
وَيَجلِبُ الصافِناتِ الجُردِ يُطرِبُهُ / صَهيلُها وَيُعدُّ الجَحفَلَ اللَجِبا
حَتّى إِذا اِنتَفَضَت بِالشَعبِ سَورَتُهُ / أَذَلَّهُ ما اِحتَوى مِنها وَما جَلَبا
أَهْيَ الشُعوبُ تَسوسُ الأَرضَ أَم نَعَمٌ / يَسوسُها النَحرُ لا يَرجو لَها عَقِبا
اليَومَ يَنعمُ بِالأَوطانِ مُغتَرِبٌ / ما هَزَّهُ الشَوقُ إِلّا أَنَّ وَاِنتَحَبا
يُفَرِّقُ النَفسَ في شَتّى مُفَرَّقَةٍ / مِنَ البِقاعِ وَيَطوي العَيشَ مُرتَقبا
وَرُبَّ ناشِئَةٍ في الحَيِّ باكِيَةٍ / أَخاً تَرامَت بِهِ أَيدي النَوى وَأَبا
مَهلاً فَما ثَمَّ لِلباكينَ مِن شَجَنٍ / زالَ الشَقاءُ وَأَمسى الضُرُّ قَد ذَهَبا
يا مُنهِضَ المُلكِ إِذ ريعَت لِكَبوَتِهِ / نُفوسُنا وَمُجيرَ الشَعبِ إِذ نُكِبا
أَدرَكتَ مِن مَجدِهِ ما كانَ مُستَلَباً / وَصُنتَ مِن عِزِّهِ ما كانَ مُنتَهَبا
إِنَّ الجَماهيرَ في الآفاقِ هاتِفَةٌ / تُثني عَلَيكَ وَتَرجو عِندَكَ القُربا
جَزاكَ رَبُّكَ خَيراً إِنَّها ليدٌ / مَن ظَنَّ أَن سَوفَ يجزيها فَقد كَذَبا
أَمّا يَنهى دُعاةَ السوءِ عَنّا
أَمّا يَنهى دُعاةَ السوءِ عَنّا / طَويلُ هَوادَةٍ وَجَميلُ رِفقِ
رُوَيداً مَعشَرَ العادينَ إِنّا / نَطَقنا بِالنَصيحَةِ خَيرَ نُطقِ
وَنَعلَمُ أَن شَعبَ النيلِ طُرّاً / عَلَينا بِالرَجاءِ الحَقِّ يُلقى
لِمِصرَ قُلوبُنا وَلَها هَوانا / عَلى الحالَينِ مَحضاً غَيرَ مَذقِ
لَها ما تَأخُذُ الدُنيا وَتُعطي / وَما تُغني حَوادِثُها وَتُبقي
أَنَحنُ الجاهِلونَ كَما زَعَمتُم / مَعاذَ اللَهُ مِن جَهلٍ وَحُمقِ
أَنَحنُ الخائِنونَ كَما اِدَّعَيتُم / بِأَيَّةِ شيمَةٍ وَبِأَيِّ خُلقِ
زَعَمتُم أَنَّنا طُلّابُ مالٍ / كَذَبتُم إِنَّنا طُلّابُ حَقِّ
وَما مَلَكَت يَدي في الدَهرِ إِلّا / يَراعَ أَمانَةٍ وَلِسانَ صِدقِ
ثَراءُ ذَوي النُهى أَوفى ثَراءً / وَرِزقُ الصالِحاتِ أَجَلُّ رِزقِ
تَوَقَّينا الشَماتَةَ مِن أُناسٍ / ذَوي ضَغنٍ فَما نَفَعَ التَوَقّي
خُذوها كَالصَواعِقِ أَنذَرتكُم / بِرَعدٍ مِن زَواجِرِها وَبَرقِ
تُدَمِّرُ ما بَنيتُم مِن صُروحٍ / تَطيرُ لِهَولِها مِن كُلِّ شقِّ
صُروحُ مُضَلَّلينَ تَعاوَرَتكُم / بُناةُ السوءِ خَلقاً بَعدَ خَلقِ
أَبادَت كُلَّ مَعرِفَةٍ وَفَنٍّ / وَأَفنَت كُلَّ مَقدِرَةٍ وَحِذقِ
هَوَت شُرُفاتُها العُليا وَشاهَت / وُجوهُ القَومِ من سودٍ وَزُرقِ
أَسوءُ سَريرَةٍ وَخَبالُ قَلبٍ / وَلُؤمُ غَريزَةٍ وَفَسادُ عِرقِ
نَعوذُ بِرَبِّنا مِن كُلِّ سوءٍ / وَنَبرَأُ مِن مَعَرَّةِ كُلِّ رِقِّ
هَل ليمَ نَضوُ صَبابَةٍ فَأَفاقا
هَل ليمَ نَضوُ صَبابَةٍ فَأَفاقا / أَم سيمَ صَبراً في الهَوى فَأَطاقا
ما أَتعَبَ اللُوّامَ إن مَلَكَ الهَوى / رِقَّ القُلوبِ وَطَوَّقَ الأَعناقا
حَشَدوا المَلاوِمَ وَاِنبَرى بِلِوائِهِ / يُزجي العُهودَ وَيَحشُدُ الأَشواقا
أَولى الفَوارِس بِاللِواءِ مُجاهِدٌ / يُردي الوُشاةَ وَيَنصُرُ العُشّاقا
عَرَفَ الهَوى حَرباً فَكَرَّ مُغامِراً / فيهِ وَراحَ مُبادِراً سَبّاقا
مَنَعَ الذِمارَ مَنازِلاً وَأَحِبَّةً / وَحَمى الحَقيقَةَ جيرَةً وَرِفاقا
طُف بِالحُماةِ فَهَل تَرى ذا نَجدَةٍ / إِلّا بِحَيثُ تَرى الدَمَ المُهراقا
وَالمَجدُ يَعرِفُهُ بِطيبِ مَذاقِهِ / مَن يَستَطيبُ المَوتَ فيهِ مَذاقا
وَأَرى العُلى تَأبى عَلى خُطّابِها / حَتّى يَكونَ لَه النُفوسُ صَداقا
لَيسَ الَّذي أَخَذَ الحَياةَ بِحَقِّها / مِثلَ الَّذي أَخَذَ الحَياةَ نِفاقا
يُزجي التَصَنُّعَ وَالرِياءَ بِضاعَةً / تُغري التِجارَ وَتَزدَهي الأَسواقا
حَتّى إِذا وَضَحَ اليَقينُ تَسَلَّلوا / عُصَباً تَروعُ العاصِفاتِ إِباقا
إِنَّ الغِوايَةَ لِلرِجالِ تِجارَةً / تَلِدُ البَوارَ وَتورِثُ الإِخفاقا
وَلَقَد رَأَيتُ فَما رَأَيتُ كَمُدَّعٍ / يَرجو بِأَحرارِ الرِجالِ لَحاقا
يَنسى أَباهُ وَلَو يُطاوِعهُ الثَرى / لَسَعى إِلى ساداتِهِ مُشتاقا
يَأتي وَيَذهَبُ في ظِلالِ قُصورِهِم / لا يَشتَكي عَنَتاً وَلا إِرهاقا
لَيسوا كَمَن مَلَكَ النُفوسَ فَسامَها / سوءَ العَذابِ وَغالَها اِستِرقاقا
هَزَّ الجَناحَ يُريدُ دارَةَ قَشعَمٍ / مَلَكَ الجِواءَ وَظَلَّلَ الآفاقا
تَدَعُ النُسورُ لَهُ بَعيدَ مَطارِها / وَتَحيدُ عَن هَبَواتِهِ إِشفاقا
اللَهُ بارَكَ في البُناةِ فَزادَهُم / مَجداً وَزادَ جَلالَهُم إِشراقا
مِن كُلِّ مِقدامٍ يُقيمُ لِجيلِهِ / شَرَفاً يَمُدُّ عَلى النُجومَ رُواقا
وَلَرُبَّ مَغلولِ العَزيمَةِ يَشتَكي / في كُلِّ عِضوٍ رِبقَةً وَوثاقا
لا يَستَطيعُ سِوى المَقالِ وَلا يَرى / أَحَدٌ بِما يَهذي بِهِ مِصداقا
أَسدى وَشَيَّدَ ما اِستَطاعَ وَإِنَّما / أَسدى المِدادَ وَشَيَّدَ الأَوراقا
في كُلِّ حَرفٍ مَسجدٌ أَو مَلجَأٌ / يُعيي الدُهاةَ وَيُعجِزُ الحُذّاقا
لَو شاءَ لِلسَبعِ الطِباقِ زِيادَةً / لَأَقامَ عَشراً فَوقَهُنَّ طِباقا
لَيسَ الأُلى حَمَلوا النُفوسَ كَريمَةً / مِثلَ الأُلى حَمَلوا الوُجوهَ صِفاقا
وُدُّ البِلادِ لِمَن يَقومُ بِحَقِّها / وَلِمَن يُقيمُ لِقَومِهِ الأَخلاقا
إِنَّي نَظَرتُ إِلى الحَوادِثِ نَظرَةً
إِنَّي نَظَرتُ إِلى الحَوادِثِ نَظرَةً / كَشَفَت حَقائِقَها لِعَينِ المُبصِرِ
وَضَحُ اليَقينُ لِذي التَظَنُّنِ جَهرَةً / وَبَدا سَبيلُ الحائِرِ المُتَعَثِّرِ
هِيَ فِتنَةٌ عَمياءُ وَيحَكَ فَاِحتَرِس / وَبِلِيَّةٌ حَمَقى لَعَمرُكَ فَاِحذَرِ
لا تَذهَبَنّ مَعَ العَواصِفِ وَاِجتَنِب / هَبَواتِ هَذا الحادِثِ المُتَنَمِّرِ
اجمَع لَهُ تَقوى الإِلَهِ فِإِنَّها / أَمنُ المَروعِ وَنَجدَةُ المُستَنصِرِ
إِنّي حَلَلتُ مِنَ الإِلَهِ مَحَلَّةً / تلوي بِيَأسِ الظالِمِ المُتَجَبِّرِ
رَبِّ اِتَّخِذني مِن عِبادِكَ إِنَّهُم / عَزّوا بِنَصرٍ مِن لَدُنكَ مُؤَزَّرِ
عَلَمَ الجِهادِ لَكَ التَحِيَّةُ مِن فَتىً
عَلَمَ الجِهادِ لَكَ التَحِيَّةُ مِن فَتىً / بِكَ يَستَظِلُّ إِذا تَقَدَّمَ يَضرِبُ
اخفُق عَلى الجُندِ الَّذي بِسِلاحِهِ / يُحمى الذِمارُ وَيُدفَعُ المُتَوَثِّبُ
أَشرَقتَ في ظُلَمِ الحَوادِثِ كَوكَباً / وَضَحُ السَبيلُ بِهِ وَبانَ المَذهَبُ
لَمَحَتكَ مِصرُ فَأَبصَرتَ آمالَها / تَمشي عَلى السَنَنِ السَوِيِّ وَتَدأَبُ
وَرَأَتكَ تَطلُعُ في الوَغى فَتَطَلَّعَت / فَرَحاً إِلَيكَ وَأَقبَلَت تَتَرَقَّبُ
لَكَ في قَضِيَّتِها مَواقِفُ باسِلٍ / لا الخَصمُ يَخدَعُهُ وَلا هُوَ يُغلَبُ
حُرٌّ يَصونُ لَها الذِمامَ وَلا يَرى / مِن دونِ مَطلَبِها مَراماً يُطلَبُ
فَرَضَ الجَلاءَ عَلى العَدُوِّ فَما لَهُ / مُتَزَحزِحٌ عَنهُ وَلا مُتَقَلِّبُ
أَمِنَ الحَمِيَّةِ أَن نَذِلَّ لِغاصِبٍ / تَشقى البِلادُ عَلى يَدَيهِ وَتُنكَبُ
نَبغي الحَياةَ فَيَستَطيرُ مَخافَةً / وَنَئِنُّ مِن أَلَمِ الجِراحِ فَيَغضَبُ
إِنَّ الَّذي زَعَمَ الحَضارَةَ نَقمَةً / يَرمي القَوِيُّ بِها الضَعيفَ لَيَكذِبُ
الناسُ مِن سَعَةٍ وَمِن حُرِّيَّةٍ / كَالطَيرِ مُطلَقَةً تَجيءُ وَتَذهَبُ
هِيَ فِطرَةُ اللَهِ الكَريمِ لِخَلقِهِ / لا النَفسُ تَنزِعُها وَلا هِيَ تُسلَبُ
اللَهُ حَرَّمَ كُلَّ فاحِشَةٍ فَلا / شَعبٌ يُباعُ وَلا بِلادٌ توهَبُ
الحُكمُ إِنصافٌ وَحُسنُ سِياسَةٍ
الحُكمُ إِنصافٌ وَحُسنُ سِياسَةٍ / فَإِذا حَكَمتَ فَلا تَكُن جَبّارا
رُعتَ النُفوسَ بِمُستَبِدٍّ قاهِرٍ / هَلّا ذَكَرتَ الواحِدَ القَهّارا
فِرعَونُ موسى كانَ أَكثَرَ ناصِراً / وَأَشَدَّ بَغياً مِنكَ وَاِستِكبارا
اللَهُ دَمَّرَ مُلكَهُ وَرَمى بِهِ / في جَوفِ أَكدَرَ يَقذِفُ التَيّارا
جَمَعَ العُبابَ عَلَيهِ حينَ مَشى بِهِ / فَهَوى وَأَغرَقَ جَيشَهُ الجَرّارا
أَفَأَنتَ تَدفَعُ بَطشَ رَبِّكَ إِن أَتى / أَم أَنتَ تَملِكُ دونَهُ الأَقدارا
اجعَل سَبيلَكَ أَن تَعِفَّ عَنِ الأَذى / وَخُذِ التَرَفُّقَ وَالآناةَ شِعارا
نَفَسُ الضَعيفِ إِذا تَرَدَّدَ شاكِياً / هَدَمَ الحُصونَ وَزَلزَلَ الأَسوارا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025