المجموع : 307
إِلامَ تطيلُ نوحَك يا حمامُ
إِلامَ تطيلُ نوحَك يا حمامُ / وَلا وَجدٌ عَراكَ ولا غَرامُ
تَبيت عَلى الغصون حليفَ شجوٍ / تطارحُني كأَنَّك مُستهامُ
وما صدَعَت لك البُرحاء قَلباً / وَلا أَودى بمهجتكَ الهُيامُ
وَلَو صاليتَ نار الشوق أَمسى / علَى خدَّيك للدَمع اِنسجامُ
وَما بكَ بعضُ ما بي غير أَنّي / أُلامُ على البُكاءِ ولا تُلامُ
وَكابدتُ النَوى عشرين عاماً / وَيَومٌ من نَوى الأَحباب عامُ
أَحنُّ إِلى الخيام وإنَّ قَلبي / لمرتَهنٌ بمن حَوتِ الخيامُ
وأذكرُ إذ يُظلِّلنا بَشامٌ / بشرقيِّ الحِمى سُقيَ البَشامُ
فَيا زَمني إِذِ الدُنيا فتاةٌ / كَما أَهوى وإِذ دَهري غُلامُ
أَعائِدَةٌ لياليَّ المواضي / على حُزوى سَقى حُزوى الغمامُ
لَياليَ لا أَرومُ سوى التَصابي / وَما لي غير من أَهوى مَرامُ
أُسامرُ في الدُجى شمسَ الحُميّا / ومن ندمانيَ البَدرُ التَمامُ
وأَلهو والكؤوس لها ضياءٌ / بغانيةٍ غدائرُها ظَلامُ
رَداحٌ لو تمشَّت في رياضٍ / لغرَّد فوقَ قامتها الحَمامُ
لنا من وصلها العَيشُ المهنّا / ولكن هجرُها المَوتُ الزؤامُ
فَيا عصر الصِبا والأنسُ بادٍ / سقاكَ الغَيثُ عارضُهُ رُكامُ
وَيا عصرَ الشباب عليك منّي / مَدى الدَهر التحيَّةُ وَالسَلامُ
معصيَتي أَعظَمُ من طاعَتي
معصيَتي أَعظَمُ من طاعَتي / لكن رَجائي منهما أَعظَمُ
وأَنتَ ذو الرحمَة يا سيِّدي / إِن لَم تكن ترحمُ من يَرحَمُ
ومورَّدِ الوَجَنات أَغيدَ خالُه
ومورَّدِ الوَجَنات أَغيدَ خالُه / قد كادَ يفتنُ بالوَسامةِ عمَّهُ
إن خصَّ قَلبي بالغَرام فربُّه / بالحسن من فَرط الملاحَة عمَّه
كحل العيونَ وكانَ في أَجفانه / عضبٌ حَكى نابَ الشُجاعِ وسمَّهُ
وَبَكى بِطَرفٍ ذي اِحورارٍ زانَه / كحَلٌ فَقُلتُ سَقى الحسامَ وسمَّهُ
عتبتُ على دَهري بأَفعاله الَّتي
عتبتُ على دَهري بأَفعاله الَّتي / براني بها بريَ السِهام من الهَمِّ
ليصرِفَ عنّي فادِحاتِ نوائبٍ / أَضاقَ بِها ذَرعي وأَضنى بها جِسمي
فَقالَ أَلَم تَعلَم بأَنَّ حَوادثي / وأَخطارَها اللاتي تلمُّ بذي الفَهمِ
يضيقُ بها ذو الجهل ذَرعاً وإنَّما / إذا أَشكلت رُدَّت لِمن كان ذا علمِ
لِلَّه روضٌ باتَ نرجسُه به
لِلَّه روضٌ باتَ نرجسُه به / ساهي العيونِ ملاحظاً نمَّامَهُ
وَالوَردُ روميُّ المَلابسِ والحُلى / أَو ما تَراه مزرِّراً أَكمامَهُ
وَرَوضَةٍ قابَلنا بِشرُها
وَرَوضَةٍ قابَلنا بِشرُها / بضاحكِ النوّارِ بسّامِهِ
تسحبُ فيها الريحُ أَذيالَها / وَينفحُ الوَردُ بأَكمامِهِ
سَمحَ البَدرُ بوصلٍ فَشَفى
سَمحَ البَدرُ بوصلٍ فَشَفى / من جوى الحبِّ سَقيماً مُغرما
وَسَما عن مُشبهٍ ثمَّ ومن / أَينَ للبدر شبيهٌ في السَما
رِيعَت وقد أَبصرت نَبتَ العذار بدا
رِيعَت وقد أَبصرت نَبتَ العذار بدا / كالرَوض يفترُّ عن غبٍّ من الديمِ
فَقُلتُ ما الشعرُ هَذا ما ترينَ به / وإنَّما هو نَبتُ الحِلم والكَرَمِ
وعودٍ به عودُ المسرَّة مورقٌ
وعودٍ به عودُ المسرَّة مورقٌ / يغنّي كَما غنَّت عليه الحَمائمُ
إذا حرَّكت أَوتارَه كفُّ غادةٍ / فسيّان من شوق خليٌّ وَهائمُ
يرنِّحُ من يُصغي إليه صَبابةً / كَما رنَّحته في الرِياض النَسائمُ
تَذكَّر بالحِمى رشأً أَغنّا
تَذكَّر بالحِمى رشأً أَغنّا / وَهاجَ له الهوى طَرَباً فغنّى
وحنَّ فؤادُه شَوقاً لنجدٍ / وأَينَ الهندُ من نجدٍ وأَنّى
وغنَّت في فروع الأَيكِ ورقٌ / فجاوبها بزفرتِه وأَنّا
وَطارحَها الغَرامَ فحين رنَّت / له بتنفُّس الصُعداء رنّا
وأَورى لاعجَ الأَشواق منه / بريقٌ بالأبيرق لاح وَهنا
معنّىً كلَّما هبَّت شَمالٌ / تذكَّر ذلك العيش المهنّا
إذا جنَّ الظَلامُ عليه أَبدى / من الوَجدِ المبرِّح ما أَجَنّا
سَقى وادي الغَضا دَمعي إذا ما / تهلّل لا السحاب إذا اِرجَحنّا
فَكَم لي في رُباهُ قضيبَ حُسنٍ / تفرَّد بالملاحة إِذ تثنّى
كَلِفتُ به وما كُلِّفت فرضاً / فأَوجبَ طرفُه قَتلي وسنّا
وأَبدى حبَّه قَلبي وأَخفى / فصرَّح بالهوى شَوقاً وكنّى
تفنَّنَ حسنُه في كُلِّ معنىً / فصار العَيشُ لي بهواه فنّا
بدا بدراً ولاح لنا هلالاً / وأَشرق كوكباً واِهتزَّ غصنا
وَثَنّى قدّه الحسن اِرتياحاً / فهام القَلبُ بالحَسن المُثنّى
ولو أَنَّ الفؤاد على هَواه / تمنّى كان غايَةَ ما تَمَنّى
بَكيتُ دماً وحنَّ إِليه قَلبي / فخضَّب من دَمي كفّاً وحَنّا
أَلا يا صاحبيَّ ترفَّقا بي / فإنَّ البينَ أَنصبني وعنّا
وَلَم تُبقِ النَوى لي غيرَ عزمٍ / إذا حفَّت به المحنُ اِطمأَنّا
وأُقسِمُ ما الهَوى غرضي ولكن / أُعلِّل بالهَوى قَلباً مُعنّى
وأَصرفُ بالتأنّي صَرفَ دَهري / وأَعلم أَن سيظفرُ من تأَنّى
وأَدفعُ فادحاتِ الخطب عنّي / بِتَفويضي إذا ما الخَطبُ عنّا
وَلا واللَهِ لا أَرجو ليُسري / وَعُسري غيرَ من أَغنى وأَقنى
وَما قَصدي بتحبيرِ القَوافي / سوى لفظٍ أُحبِّرُه وَمَعنى
لأَستَجني ثمارَ القول مَدحاً / لمن أَضحى بطيبةَ مُستَجِنّا
وَمَدحُ محمَّدٍ شَرفي وفخري / وَهَل شَرَفٌ وَفَخرٌ منه أَسنى
إِمامُ الأنبياء وَخَيرُ مولىً / به سَعِد الوَرى إِنساً وجِنّا
رَقى بكماله رُتبَ المَعالي / وحلَّ من العُلى سهلاً وحَزنا
هدى اللَهُ الأَنامَ به وأَهدى / لمن والاه إِيماناً وأَمنا
وَكَم قد نالَ من يُسراهُ يسراً / أَخو عُسرٍ ومن يُمناه يُمنا
وَكَم وافاهُ ذو كربٍ وحُزنٍ / ففرَّج كربَه وأَزال حُزنا
وَأَغنى بائساً وَكَفاه بؤساً / وأَنجد صارخاً وأَصحَّ مُضنى
ختامُ جميع رسل اللَه حقّا / وَمبدأ كلِّ إِحسانٍ وحُسنى
بمولده أَضاءَ الكونُ نوراً / وأَشرقَ في البسيطةِ كُلُّ مغنى
وَفاخرت السماءَ الأَرضُ لمّا / غدت بقدومِه السامي تُهنّى
فَخارٌ لا يساويهِ فخارٌ / مَناطُ النَجم من أَدناهُ أَدنى
تَبيدُ له اللَيالي وهو باقٍ / وَيَفنى الواصِفون وليس يَفنى
لمعجزِهِ أَقرَّ الضدُّ عجزاً / وَظلَّت عنده الفُصحاء لُكنا
مَثاني تقشعرُّ له جُلودٌ / وَيَغدو كُلُّ قَلبٍ مطمئنّا
فَيولي كلَّ مَن والاهُ ربحاً / وَيُعقب كلَّ من ناواه غبنا
وَزالَت مُعجزاتُ الرُسل معهم / وَمعجزُ أَحمِدٍ يَزدادُ حُسنا
هُوَ المختارُ من أَزلٍ نَبيّاً / وَما زالَت له العَلياء تُبنى
براهُ واِصطَفاهُ اللَهُ قِدماً / وَأَعلاهُ وأَسماهُ وأَسنى
وَأَرضعَه ثُديَّ المجد دَرّاً / وآواه من العَلياء حضنا
وَصيَّره حَبيباً ثم أَسرى / به لَيلاً فقرَّبه وأَدنى
كذلك كُلُّ محبوب يوافي / أَحبَّته إذا ما اللَيلُ جَنّا
سَما السبعَ الطِباق وبات يَسمو / إلى رُتبٍ هناكَ له تسَنّا
فراح يجرُّ أَذيالَ المَعالي / وَيسحبُ فوق هام المجد رُدنا
فمن كمحمَّدٍ إن عُدَّ فخرٌ / سَما بالفخر منفرداً وضِمنا
أَجلُّ المرسَلين عُلاً وَقَدراً / وأَرجحهُم لدى التَرجيح وَزنا
وأَعظمُهم لدى البأساء يُسراً / وأَسمحُهم إذا ما جاد يُمنى
وأَشرفُ من تقلَّد سيفَ حقّ / وهزَّ مثقَّفَ الأَعطاف لَدنا
فَجلّى في رِهان الفضل سَبقاً / وَجلّى عن سَماء الحقِّ دَجنا
وَطهَّر بالمواضي رجسَ قومٍ / جفته قلوبُهم حسداً وضِغنا
وخُيِّرَ فيهمُ أَسراً ومَنّاً / فأَطلق أَسرَهم وعفا ومَنّا
وراموا منه إِحساناً وفضلاً / فأَوسعهم بنائله وأَغنى
وَكَم للهاشميِّ جميلَ وصفٍ / عليه خناصرُ الأشهاد تُثنى
وَماذا يبلغُ المُثني على من / عليه إلَهُهُ في الذِكرِ أَثنى
أَلا يا سيِّد الكونين سَمعاً / لداعٍ سائلٍ أَمناً ومنّا
وَغوثاً يا فدتكَ النَفسُ غَوثاً / فقد شفَّ الأَسى جِسمي وأَضنى
فَما في الخلقِ أَسرعُ منك نَصراً / لملهوفٍ وأَسمعُ منكَ أذنا
وَها أَنا فيك قد أَحسنتُ ظَنّي / فحاشا أَن تخيِّبَ فيكَ ظنّا
وَكَيفَ يَخافُ ريبَ الدهر عَبدٌ / تَكونُ له من الحدثانِ حِصنا
أَرومُ فكاك أَسري من زَمانٍ / عَلقتُ بكفِّه الشلّاءِ رَهنا
وَأَرجو النَصرَ منكَ على عدوٍّ / متى اِستقبلتُه قَلبَ المِجَنّا
رَكنتُ إليكَ في أَسري ونَصري / وَحَسبي جاهُك المأمول رُكنا
وَكَم لي فيكَ من أَملٍ فسيحٍ / ستُنجحُهُ إذا ما الدَهرُ ضنّا
وَقَد طالَ البِعادُ وَزاد شوقي / إليكَ وعاقَني دهري وأونى
فأَبدلني بِبُعدِ الدار قُرباً / وبوِّئني بتلكَ الدارِ سُكنى
وَجُد لي بالشَفاعة يَومَ حشري / وأَسكنّي من الجنّاتِ عَدنا
عَلَيكَ صَلاةُ رَبِّك ما تَغنّى / حمامُ الأيك في فَنَنٍ وحَنّا
وآلِك وَالصحابةِ خيرِ آلٍ / وَصَحبٍ ما شدا شادٍ وغنّى
اِشرب هَنيئاً عليك التاج مرتفقا
اِشرب هَنيئاً عليك التاج مرتفقا / بصوت شادٍ ودضع شاذاً وغمدانا
إِن كانَ أَلبسَت العليا ابنَ ذي يَزنٍ / تاجاً فقد أَلبستك اليومَ تيجانا
أَيا ماجِداً قد أَتقنَ اللَّفظَ وَالمعنى
أَيا ماجِداً قد أَتقنَ اللَّفظَ وَالمعنى / وَمَعهُ من الإحسان ما لم يكن مَعنا
إليكَ فقد صيَّرتَ سَحبان مُفحماً / وأَخجلتَ بالإفضال يا سيِّدي مَعنا
بانوا فَليت غَرامي بعدَهم بانا
بانوا فَليت غَرامي بعدَهم بانا / واِستشعر القَلبُ بعد البَين سُلوانا
لا بل سَروا بفؤادي قبلَ سيرهم / وأَبدَلوا من جَميلِ الصَبرِ أَحزانا
هَل يَعلَم الصَحبُ أَنّي بعد فُرقتِهم / أَبيتُ أَرعى نجومَ اللَيل سَهرانا
أَقضي الزَمانَ ولا أَقضي به وَطَراً / وأَقطعُ الدَهرِ أَشواقاً وأَشجانا
ولا غَريبَ إِذا أَصبَحتُ ذا حَزَنٍ / إنَّ الغَريبَ حزينٌ حيثما كانا
أَرى فؤادي وإِن ضاقَت مسالكُه / بمدح نَجل رَسول اللَهِ جَذلانا
عمّار أَبنيةِ المجد الَّذي رَفَعت / آباؤُه الغرُّ من ناديه أَركانا
السيِّدُ الماجدُ النَدبُ الشَريفُ ومن / قد بذَّ بالفضل أَكفاءً وأَقرانا
سما به النسبُ الوضّاح فاِجتمعت / فيه المَحامدُ أَشكالاً وأَلوانا
يا واسعَ الخُلق إِفضالاً ومكرُمةً / وموسعَ الخَلق إِنعاماً وإِحسانا
فُقتَ الكرامَ بما أَولَيتَ من كَرَمٍ / لِلَّه درُّك مِفضالاً ومِعوانا
ما قلتَ في المجدِ قَولاً يوم مُفتخر / إِلّا أَقمتَ عليه منك بُرهانا
لا زلتَ في الدَهر مرضيَّ العُلى أَبَداً / وَنائلاً من إِلَه الخَلق رِضوانا
عَلَيكَ منّي سَلامُ اللّه ما صَدحت / ورقُ الحمام وهزَّ الريحُ أَغصانا
شَوقي إليكم يا أَهل ودّي
شَوقي إليكم يا أَهل ودّي / أَلَّف بينَ الأَسى وَبَيني
هَذا وَشَوقي لكم أَراه / شَوقاً لِنَفسي من غير مَينِ
وصدقُ ما أَدَّعيه فيكم / أَنَّ عليّاً أَبو الحُسَينِ
يا بارِقاً صَدَع الدُجى لمعانُهُ
يا بارِقاً صَدَع الدُجى لمعانُهُ / وَسَرى يهلُّ على الحِمى هتّانُهُ
باللَه إن يمَّمت منزلَنا الَّذي / بانَت وَما بانَ الهوى سُكّانهُ
بلِّغ تحيَّتيَ العَفيفَ أَخا العُلى / أَصفى الأَخلّاءِ المعظَّم شانُهُ
واِشرح له شَوقي إليه وصِف له / وَجدي الَّذي يَقضي به وجدانُهُ
واِحذر عليه أَن تبثَّ جميعَ ما / قاسيتُه كيلا يَذوبَ جَنانُهُ
وأَجبه عمّا قد حَواه كتابُه / من عِقد نظمٍ فصِّلت عِقيانُهُ
لا يحسَبَن أَنّي سَلوتُ جنابَه / هَيهات عزَّ أَخا الأَسى سلوانُهُ
لَم أَنس أنساً كان لي بِلقائِه / طابَت معاهدُه وطاب زمانُهُ
أَيّامَ روضُ العيش يشرق نَورُه / وَتميسُ من طربٍ به أَغصانهُ
يا أَيُّها الشَهمُ الَّذي أَثنى على / فتكاته يومَ الطِعان سنانُهُ
أَهديتَ من غررِ المَعاني مُعجزاً / بهرَ العقولَ بديعُه وبيانُهُ
لِلَّه درُّك ناطقاً يَقضي على / حُرِّ الكَلام بما يَشاءُ لسانُهُ
ومحبِّراً وشيَ القَريض إذا اِمتطى / متنَ البراعَة للبَيانِ بَنانُهُ
ومبرّزاً إِن رام سَبقاً أَقصَرت / عن أَن تحاولَ شأوَه أَقرانُهُ
قَسَماً بأَيمان الفتوَّة والوَفا / وَقَديم عَهدٍ أسِّست أَركانُهُ
إِنَّ الوداد كما عهِدت وإنَّما / هَذا الزَمانُ تلوَّنت أَلوانُهُ
والعذرُ في تركي دعاءَك مسرعاً / عذرٌ وحقِّك واضحٌ برهانُهُ
لكن عَسى قد آن إِبّانُ اللِقا / والشيء يُقبِلُ إِن أَتى إِبّانُهُ
فيلين من دَهري بذلك ما قسا / وَيَعودَ بعد إِساءَةٍ إِحسانُهُ
يا راحلينَ وهم في القَلب سكّانُ
يا راحلينَ وهم في القَلب سكّانُ / هَل غَيرُ قَلبي لكم مأوى وأَوطانُ
خذوا من الأَرض أَنّى شئتم نُزُلاً / فأَنتم في سويدا القَلب قُطّانُ
وأَنتَ يا حاديَ الظُعن الَّتي ظعنت / فيها العشيَّةَ أَقمارٌ وأَغصانُ
باللَه إِن لم يكن بدٌّ لمن ظعنوا / من منزل بالحِمى تأويه أَظعانُ
فعُج بشرقيِّ وادي الرَمل من إضم / حيثُ الغضا والأَضى والرندُ والبانُ
لعلَّهم أَن يَحلّوا منه منزلةً / كانوا يحلُّونها والدهرُ جَذلانُ
أَيّامَ أَختالُ في برد الصِبا مَرَحاً / والعمرُ غضٌّ وصفو العيش فَينانُ
لا أَوحشَ اللّهُ من ناءٍ تؤرِّقُني / ذكراه وهو خليُّ البال وَسنانُ
أَذوى وَريق شَبابي بعدَه ظمأٌ / وَغصنُه من مياهِ الحُسن ريّانُ
حَيّا به اللَهُ يَوماً روحَ عاشقه / فإنَّما هو للأَرواح رَيحانُ
قد جلَّ في حُسنه عن أَن يقاسَ به / ظبيٌ وَبَدرٌ وأَغصانٌ وكثبانُ
لِلَّه كَم فيه مِن حُسنٍ يُدِلُّ به / لو كانَ يشفعُ ذاك الحسنَ إِحسانُ
يا عاذلي في هَواه لا ترم شططاً / دَعني فعذلُك شانٌ والهوى شانُ
وَاللَه ما جادَل العذالَ عاشقُه / إلّا وقام له بالحسنِ بُرهانُ
وأَين من سمعيَ اللاحي وزُخرفُهُ / ولي من الحُبِّ سُلطانٌ وَشيطانُ
وَلَيلةً بات بَدري وهو مُعتنقي / فيها سُروراً وبدرُ الأُفق غَيرانُ
فظلَّ يَنقَعُ من قَلبي غَليلَ جوىً / إذ كانَ من قبل إِعراضٌ وهجرانُ
حتّى بدا الفَجرُ فاِرتاعت كواكبُها / كأَنَّها نَقَدٌ وَالفَجرُ سرحانُ
فَقامَ يَثني قواماً زانَه هَيَفٌ / كأَنَّه بِمُدام الوصل نَشوانُ
وَراحَ وَالدَمعُ من أَجفانِه دُرَرٌ / وَرحتُ والدَمعُ مِن جفنيّ عِقيانُ
لِلَّه أَزمانُ وَصلٍ قد مَضَت وقضت / أَن لا تَعودَ بها ما عشتُ أَزمانُ
مرَّت فَلَم يَبقَ لي إلّا تذكُّرُها / وذكرُ ما قد مَضى للوجد عنوانُ
فَيا زَمانَ اللِوى حيِّيتَ من زَمَنٍ / ولا أَغبَّ اللِوى وَالسَفحَ هتّانُ
تُبدي السلوَّ وأَنتَ مُرتهَنُ
تُبدي السلوَّ وأَنتَ مُرتهَنُ / وَخفيُّ سرِّك في الهَوى علنُ
هَذي شهودُ الحبِّ ناطقة / لا الروحُ تُكذبُها ولا البَدنُ
إِن رمتَ تكتمُ ما تكابدُه / بعدَ النَوى فلرأيكَ الغَبَنُ
ما زالَ يُجهدُك الغَرامُ أَسىً / حتّى جَفا أَجفانَكَ الوسنُ
في كُلِّ حين للفؤادِ شجىً / يُوهي العزاءَ وَللهَوى شجنُ
أَنّى لِقَلبكَ أَن يُقالَ صحا / وَثَنى جُموحَ ضَلالِهِ الرَسَنُ
قَد كانَ أَولاكَ النصوحُ هُدىً / لَو أَنَّه في النُصح مؤتَمَنُ
لكن تَعامى عن نصيحتِه / منك الفؤادُ وَصُمَّت الأذنُ
وغدوتَ تخطرُ في بُلهنيَةٍ / من صفوِ عيشكَ والهَوى فِتَنُ
يُصيبكَ كُلُّ مهفهفٍ نَضِرٍ / من قَدِّه يَتَعلَّمُ الغُصنُ
فتنَ القلوبَ بحسن طلعتِه / فَكأَنَّهُ في حُسنه وثنُ
وأَراكَ من باهي محاسِنِه / مِنحاً ولكن دونَها مِحَنُ
أَمّا الغَرامُ فقد مُنيتَ به / فَعلامَ يرهنُ عزمَك الوَهنُ
قَد طالَ مُكثُكَ حيث لا وَطَرٌ / يَصفو به عَيشٌ ولا وَطَنُ
وأَضرَّ قَلبكَ طولُ مُغتَرَبٍ / لا مَسكَنٌ يَدنو ولا سَكَنُ
فإلامَ تَرضى لا رَضيتَ بأَن / يُنمى إِليك العجزُ والجُبُنُ
أَحلا لِنفسِكَ أَن يُقالَ لَها / هَذا عليٌّ حَطَّه الزَمَنُ
حصل الجَهولُ على مآربه / وَمَضى بغير طِلابِه القَمنُ
حتّى مَتى قولٌ ولا عَمَلٌ / وإلى مَتى قصدٌ ولا سَنَنٌ
ما شانَ شأنَك قطُّ منتقِصٌ / أَنتَ العليُّ وذكركَ الحَسَنُ
فاِقطَع برحلكَ حيث لا عَتَبٌ / واِربأ بعرضِكَ حيث لا دَرَنُ
واِفخر بسَبقكَ لا بِسَبق أَبٍ / فخراً فأَنتَ السابق الأرِنُ
إِن يبلَ ثوبُك فالنُهى جنَنٌ / أَو تودَ خَيلُك فالعُلى حُصُرُ
لا تَبتَئِس لملمَّة عرضَت / لا فرحة تَبقى ولا حَزَنُ
ذكرَ الخَيفَ والحِمى وَحَجونَه
ذكرَ الخَيفَ والحِمى وَحَجونَه / فَذرى دمعَه وأَبدى مَصونَه
وَأَعادَ الهوى له عيدَ وجدٍ / منع النوم بالبُكاءِ جفونَه
لا تَلوموه إِن بَكى من جَواهُ / وأَجدَّ الأَسى عليه جنونَه
كُلُّ صبٍّ إذا تذكَّرَ يوماً / هَيَّج الذكرُ وجدَه وشجونَه
يا نَزولاً ببطن مكَّةَ عَطفاً / بمحبٍّ أَبَحتُمُ اليومَ هونَه
مولَعٍ بالأَسى عزيزِ تأَسٍّ / قرَّح الدمعُ خدَّه وشؤونَه
قد أَطلتم مطلَ المحبِّين فاِقضوا / دَين صَبٍّ أَذقتموه مَنونَه
ثم إِن شئتُمُ صِلوا أَو فصدّوا / ما عليه إذا قضيتم ديونَه
لَولا اِزديارُكِ في الكَرى وَهنا
لَولا اِزديارُكِ في الكَرى وَهنا / كانَ السهادُ لطرفِه أَهنا
أَلَطيفُ كانَ أَرقَّ منك له / لَولا الصَباحُ لزارَه مَثنى
إِن تمنعي يَقظى زيارتَه / فَلَقَد أَبحتِ وصالَه وَسنى
يا ظبيةً بالسَفح راتعةً / تَشتو الغضا وتربَّعُ الحزَنا
إن ينأَ حيُّك فالهَوى أمَمٌ / أَو تَقصَ دارُك فالحَشى مَغنى
ما كُنتُ أَحسبُ قبل فُرقتنا / أن سوفَ تغلقُ مُهجَتي رَهنا
وَلَقَد سأَلتُ عَريفَ ركبِهمُ / عنها فقال ترحَّلت مَعنا
لِلَّه مسكنُها على إِضمٍ / لَو دامَ لي وَلهاً به السُكنى
إِذ كانَ رَوضُ صَبابَتي نَضِراً / غضّاً وغصنُ شَبيبَتي لُدنا
أَيّامَ تُسعدني بزورتِها / سُعدى وَكُلُّ لُبانتي لُبنى
لَم أَنسَها وَالبينُ يُزعجها / تُبدي العزاءَ وتكتم الحُزنا
حتّى إِذا جدَّ الرَحيلُ بها / بلَّت سجالُ دموعِها الرُدنا
واهاً لَها من غادةٍ سكنت / منّي الحشى إِذ حاولت ظَعنا
قد بعتُها روحي بلا ثَمَنٍ / لا أَشتَكي في صفقتي غَبنا
غَرّاء يَحكي الصبحُ غرَّتها / لكنَّ صبحَ جبينها أَسنى
تَربو على أَترابها حَفَراً / وَتَفوقُ غرَّ لِداتها حُسنا
نشرت ذوائبَها عَلى قَمَرٍ / وَثَنَت على حِقفِ النَقا غُصنا
لِلَّه أَيُّ محاسنٍ جُليت / لَو كانَ يَشفعُ حسنَها حُسنى
وَمؤنِّبٍ فيها يُزخرفُ لي / نُصحاً وَلَيسَ لنُصحه مَعنى
ما ضرَّه همّي ولا وَصَبي / قَلبي الكَئيبُ وجسمي المُضنى
هَيهات يُسلي العذلُ لي كَلَفاً / ويطرِّقُ التأنيبُ لي أذنا
أَمعلنَ النَوح في أَغصانِه شجناً
أَمعلنَ النَوح في أَغصانِه شجناً / خفِّض عليك فقد أَودى بك الشجنُ
هَذي غصونُك لا تنفكُّ مائسةً / وَذاكَ إِلفُكَ لم يَعصِف به الزَمَنُ
فَكَيفَ بي لا أَزالُ الدهرَ منفرداً / جافي المضاجِع لا إِلفٌ ولا سَكَنُ
ألوى بحادثِ عَهدي حادِثٌ جللٌ / وَشفَّني مِن زَماني الهمُّ والحَزَنُ