القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 246
جمالك يا وجه الفضاء عجيب
جمالك يا وجه الفضاء عجيب / وصدرك يأبى الانتهاء رحيب
وعينُك في أم النجوم كبيرةٌ / تضيء على أن الضياء لهيب
وما زلت تغضيها فنُخطئ قصدنا / وتفتحها برّاقةً فنصيب
فيحمرّ منها في الغَدّية مطلع / ويصفرّ منها في العشيّ مغيب
ويخلفها البدر المنير حفيدها / وعنها إذا جنّ الظلام ينوب
وليلٍ كأنّ البدر فيه مليحةٌ / أغازلها والنيّرات رقيب
سريت به والبحر رهوٌ بجانبي / وردُن النسيم الغضّ فيه رطيب
فشاهدت فيه الحسن أزهر مشرقاً / له في العلا وجهٌ أغرّ مهَيب
ورحت وأهل الحيّ في قبضة الكرى / وفي الليل صمتٌ بالسكون مشوب
فكنت كأنّي أسمع الصمت سارياً / له بين أحشاء الفضاء دبيب
ولو أنّ صمت الليل لم يك مطرباً / لما هزّ أعطاف النسيم هبوب
ألا أن وجه البحر بالنور ضاحك / طليق وثغر الماء فيه شنيب
ترقرق منساباً به الماء والسنى / فلم أدر أيّ اللامعين يسيب
وللبدر نورٌ يمنح البحر رونقاً / فيبدو كأنّ الماء فيه ضريب
إذا جمّش البحر النسيم تهلّلت / أسارير فيها للضياء وثوب
وقفت ولألاء السني يستخفّني / فتطرب نفسي والكريم طروب
أردّد بين البدر والبحر ناظري / قيصعد طرفي مرة ويصوب
تأمّلت في حسن العوالم مَوهِناً / فجاش بصدري الشعر وهو نسيب
كأنّي وعُّلويَّ العوالم عاشقَ / أطلّ من الأعلى عليه حبيب
فقام له مستشرفاً ويمينه / تشدّ ضلوعاً تحتهنّ وجيب
ولما رأيت الكون في الأصل واحداً / عجبت لأن الخلق فيه ضروب
ألا أن بطناً واحداً أنتج الورى / كثيرين في أخلاقهم لرغيب
وإن فضاءً شاسعاً قد تضاربت / بأبعاده أيدي القوى لرهيب
وإن اختلاف الآدميين سيرةً / وهم قد سلووا صورة لعجيب
وأعجب ما في الكائنات ابن آدم / فما غيره في الكائنات مريب
يذمّم فعل السوء وهو حليفه / ويحمد قول الصدق وهو كذوب
رأيت الورى كلاًّ يراقب غيره / فكلّ عليه من سواه رقيب
ومن أجل هذا قد نرى كل فاعل / إلى الناس في كلّ الفِعال ينيب
فكم حَمَل في مجمع القوم يُتّقى / به ثعلب عند الخلاء وذيب
ولو باح كلٌّ بالذي هو كاتمٌ / لما كان في هذا الأنام أديب
وليس يجدّ المرء إلاّ تكلُّفاً / وذاك لأن الطبع فيه لعوب
ويجتنب المرء العيوبَ لأنّها / لدى عائبيه لا لديه عيوب
رئاء قديم في الورى شقيت به / قبائل منهم جَمةٌ وشعوب
ورَّبتَ أخلاق يراها خبيثةً / اناس وعند الآخرين تَطيب
وحلم الفتى عند الضعيف فضيلةٌ / ولكنه عند القوىّ مّعيب
وقد يفتري المال الفضائل للورى / وليس لهم مما افتراه نصيب
وللفقر بين الناس وجهٌ تبينّت / به حسنات المرء وهي ذنوب
لقد أحجم المثري فسّموه حازماً / وأحجم ذو فقرٍ فقيل هيوب
وإن يتواضع مُعدمِ فهو صاغرٌ / وإن يتواضع ذو الغنى فنجيب
وذو العُدم ثرثار بكثر كلامه / وذو الوُجد منطيق به ولبيب
وللناس عادات كثير تقودهم / فكلّ امرئ منهم لهنّ جنيب
وهنّ إذا ما يأكلون أكيلهم / وهنّ إذا ما يشربون شريب
أبو أن يحيدوا ضلّة عن طريقها / وإن مسّهم من أجلهن لغوب
هي الداء أعيا الأولين فهل له / على عقمه في الآخرين طبيب
أيها الناظر ذا الفق
أيها الناظر ذا الفق / ر بعين الازدراء
لا تزد بلواه من فع / لك هذا ببلاء
إنه يكفيه ما يج / رع من مرّ الشقاء
أو ما يشجيك منه / أنه في برَ حاء
أو ما يشجيك منه / نفس ذو صُعَداء
أنت تغدو بكساء / وهو من غير كساء
وشِواءً تتغدّى / وهو من غير غداء
ولَكَم بات عشياً / طاوياً دون عشاء
كن إذا كنت غنيّاً / راحماً للفقراء
أنت لولاهم لما أص / بحت بعض الأغنياء
إن أهل الفقر يشقّو / ن لأرباب الثراء
إنهم يسعون للمث / رين سعى الأجراء
إنهم قد مهنوا النا / س بكدّ وعناء
وكغّوهم كل شغل / منتج كل رخاء
أغنياء الناس عاشوا / بمساعي الفقراء
قرأت وما غير الطبيعة من سفر
قرأت وما غير الطبيعة من سفر / صحائف نحوي كل فن من الشعر
أرى غرر الأشعار تبدو نضيدوً / على صفحات الكون سطراً على سطر
وما حادثات الدهر إلاّ قصائد / يفوه بها للسامعين فم الدهر
وما المرء إلا بيت شعر عروضه / مصائب لكن ضربه حفرة القبر
تنظّمنا الأيام شعراً وإنّما / ترّد المنايا ما نظمن إلى النثر
فمّنا طويل مسهب بحر عمره / ومنّا قصير البحر مختصر العمر
وهذا مديح صيغ من أطيب الثنا / وذاك هجاء صيغ من منطق هجر
وربّ ينام في المقابر زرتهم / بمنهل دمع لا ينهنه بالزجر
وقفت على الأجداث وقفة عاشق / على الدار دارس الطلل القفر
فما سال فيض الدمع حتى قرنته / إلى زفرات قد تصاعدن من صدري
أسكان بطن الأرض هلاّ ذكرتم / عهوداً مضت منكم وأنتم على الظهر
رضيتم بأكفان البلى حللاً لكم / وكنتم أولي الديباج والحلل الحمر
وقد كنتم تؤذي الحشايا جنوبكم / فكيف رقدتم والجنوب على العَفر
ألا يا قبوراً زرتها غير عارف / بها ساكن الصحراء من ساكن القصر
لقد حار فكري في ذويك وإنه / ليختار في مثوى ذويك أو لو الفكر
فقلت وللأجداث كفي مشيرة / ألا أن هذا الشعر من أفجع الشعر
وليل عدافىّ الجناحين بته / أسامر في ظلمائه واقع النسر
وأقلع من سفن الخيال مراسياً / فنجري من الظلماء في لجج خضر
أرى القية الزرقاء فوقي كأنها / رواق من الديباج رصع بالدر
ولولا خروق في الدجى من نجومه / قبضت على الظلماء بالأنمل العشر
خليليّ ما أبهى وأبهج في الرؤى / نجوماً بأجواز الدجى لم تزل تسرى
إذا ما نجوم الغرب ليلا تغورت / بدت أنجم في الشرق أخرى على الأثر
تجوّلت من حسن الكواكب في الدجى / وقبح ظلام الليل في العرف والنكر
إلى أن رأيت الليل ولّت جنوده / على الدهم يقفو أثرها الصبح بالشقر
فيالك من ليل قرأت بوجهة / نظيم إليها في نثر أنجمه الزهر
وقلت وطرفي شاخص لنجومه / ألا أن هذا الشعر من أحسن الشعر
ويوم به استيقظت من هجمة الكرى / وقد قدّ درع الليل صمصامةُ الفجر
فأطربني والديك مشجٍ صياحه / ترنّم عصفور يزقزق في وكر
ومما ازدهى نفسي وزاد ارتياحها / هبوب نسيم سجسجٍ طيب النشر
فقمت وقام الناس كل لشأنه / كأنا حجيج البيت في ساعة النَّفر
وقد طلعت شمس النهار كأنّها / مليك من الأضواء في عسكر مجر
بدت من وراء الأفق ترفل للعلا / رويداً رويداً في غلائلها الحُمر
غدت ترسل الأنوار حتّى كأنّها / تسيل على وجه الثرى ذائب التبر
إلى أن جلت في نورها رونق الضحا / صقيلاً وفي بحر الفضاء غدت تجري
وأهدت حياةً في الشعاع جديدةً / إلى حيوان الأرض والنبت والزهر
فقلت مشيراً نحوها بحفاوة / إلا أن هذا الشعر من أبدع الشعر
وبيضة خدر أن دعت نازح الهوى / أجاب ألا لّبيك يا بيضة الخدر
من اللاء يملكن القلوب بكلمة / ويحيين ميت الوجد بالنظر الثزر
تهادت تريني البدر محدقةً بها / أوانس إحداق الكواكب بالبدر
فللّه ما قد هجِنَ لي من صبابة / ألفت بها طيّ الضلوع على الجمر
تصافح إحداهّن في المشي تربها / فنحر إلى نحر وخصر إلى خصر
مررنَ وقد أقصرت خطوي تأدّباً / وأجمعت أمري في محافظة الصبر
فطأطأنّ للتسليم منهنَ أرؤساً / عليها أكاليل ضفرن من الشعر
فألقيت كفّي فوق صدري مسلمّاً / وأطرقت نحو الأرض منحني الظهر
وأرسلت قلبي خلفهنّ مشيعاً / فراح ولم يرجع إلى حيث لا أدري
وقلت وكفي نحوهنّ مشيرة / ألا أن هذا الشعر من أجمل الشعر
ومادة نسج الدمقس غطاؤها / بمجلس شبان هم أنجم العصر
رقى من أعاليها الفنغراف منبراً / محاطاً بأصحاب غطارفة غر
وفي وسط النادي سراج منور / فتحسبه بدراً وهم هالة البدر
فراح بإذن العلم ينطق مقولاً / عرفنا به أن البيان من السحر
فطوراً خطيباً يحزن القلب وعظه / وطوراً يسرّ السمع بالعزف والزمر
يفوه فصيحاً باللغى وهو أبكم / ويسمع ألحان الغنا وهو ذو وقر
أمين أبي التدليس في القول حاكياً / فتسمعه يروي الحديث كما يجري
تراه إذا لقنته القول حافظاً / تمرّ الليالي وهو منه على ذكر
فيالك من صنع به كل عاقل / أقر لآديسون بالفضل والفخر
فقلت وقد تمت شقاشق هدره / ألا أن هذا الشعر من أعجب الشعر
وأصيد مأثور المكارم في الورى / يريك إذا يلقاك وجه فتى حر
يروح ويغدو في طيالسة الغنى / ويقضي حقوق المجد من ماله الوفر
تخوّنه ريب الزمان فاولعت / بإخلاقها ديباجتيه يد الفقر
فأصبح في طرق التصعلك حائراً / يجول من الاملاق في سمل طمر
كأن لم يرح في موكب العزّ راكباً / عتاق المذاكي مالك النهي والأمر
ولم تزدحم صيد الرجال ببابه / ولم يغمر العافين بالنائل الغمر
فظل كئيب النفس ينظر للغنى / بعين مُقِلٍّ كان قس عيشة المثري
إلى أن قضى في علة العُدم نحبه / فجّهزه من مالهم طالبو الأجر
فرحت ولم يحفل بتشييع نعشه / أشيعه في حامليه إلى القبر
وقلت وأيدي الناس تحثوا ترابه / ألا أن هذا الشعر من أحزن الشعر
ونائحة تبكي الغداة وحيدها / بشجو وقد نالته ظلماً يد القهر
عزاه إلى إحدى الجنايات حاكم / عليه قضى بطلاً بها وهو لا يدري
فويل له من حاكم صُبَ قلبه / من الجور مطبوعاً على قالب الغدر
من الروم أما وجهه فمشوّه / وقاح وأما قلبه فمن الصخر
أضرّ بعفّ الذيل حتى أمضّه / ولم يلتفت منه إلى واضح الغدر
تخطّفه في مخلب الجور غيلةً / فزجّ به من مظلم السجن في القمر
تنوء به الأقياد أن رام نهضةً / فيشكو الأذى والدمع من عينه يجري
تناديه والسجان يكثر زجرها / عجوز له من خلف عالية الجدُر
بنيّ أظنّ السجن مسّك ضّره / بنيّ بنفسي حلّ ما بك من ضرّ
بنيّ استعن بالصبر ما أنت جانياً / وهل يخذل الله البريء من الوزر
فجئت أعاطيها العزاء وادمعي / كأدمعها تنهلّ منّي على النحر
وقلت وقد جاشت غوارب عبرتي / ألا أن هذا الشعر من اقتل الشعر
أبعد الدهر في الفضاء مكرّه
أبعد الدهر في الفضاء مكرّه / عالقاً في مكرّه بالمجرةّ
إن أم النجوم بنت زمانٍ / لم تزل حادثاته مستمرةّ
في فضاء لو سافر البرق فيه / ألف قرن لما أتى مستقرةّ
ولو الشمس ضوعفت ألف ضعف / لم تكن في أثيره غير ذرةّ
ولو الفكر غاص فيه مغذّاً / لم يكن بالغاً يدّ الدهر قعره
سعة تحسب المجرة فيها / حَلْقةً ألقيت بصحراء قفره
يقف الفكر دونها مكوئداً / مقشعرّاً وتأخذ العقل حيره
لو أضفنا إلى الفضاء فضاءُ / مثله لم يزد ولا قيد شعره
إن تكن هذه المجرة نهراً / مستفيضاً فشمسنا منه قطره
أو تكن أرضنا من الشمس جزءاً / فهي سقط من جمرة مستحرّه
إن تسائل عنّا فنحن هباءٌ / ذُرّ من صنعة القوى بِمِذَرّه
صادفتنا أشعة من حياة / فظهرنا وهل لأول مرّة
كل من جاوز الأشعة منّا / فهو هاوٍ في ظلمة مكفهرّه
فعلام الحقود يضمر حقداً / وعلام الجهول يظهر كبره
من أين من أين يا ابتدائي
من أين من أين يا ابتدائي / ثم إلى أين يا انتهائي
أمن فناء إلى وجود / ومن وجود إلى فناء
أم من وجود له اختفاء / إلى وجود بلا اختفاء
خرجت من ظلمة لأخرى / فما أمامي وما ورائي
ما زلت من حيرة بأمري / معانق اليأس والرجاء
إن طريق النجاة وعرٌ / يكبو به الطرف ذو النجاء
يا قوم هل في الزمان نطس / يهدي إلى ناجع الدواء
لأي أمر ذِهِ الليالي / تأتي وتمضي على الوِلاء
فتطلُع الشمس في صباح / وتغرُب الشمس في مساء
أرى ضياءً يروق عيني / ولست أدري كنه الضياء
وما اهتزاز الأثير إلا / عُلالة نزرة الجلاء
نحن على رغم ما علمنا / نعيش في غيهب العماء
نشرب ماء الظنون عبّاً / فلم نَعد منه بارتواء
تأتي علينا مشاهدات / نروح منهنّ في مراء
وكم نرى فعل فاعلات / من القوى وهي في الخفاء
با ويلة الحسّ إنه عن / حقيقة الأمر في غطاء
فإن أجزاء كل جسم / مبتعدات بلا التقاء
وفي دقاق الجماد عرك / يتّهم الحسّ بالخطاء
يا قوّة الجذب أطلقيني / من ثقلة أوجبت عنائي
لولاكِ لولاك يا شكالي / لطرت كالنور في الفضاء
أنتِ عماد السماء لكن / خفِيت عن عين كل راء
ربطتِ كل النجوم فيها / بعضاً ببعض ربط اعتناء
فدُرنَ في الجوّ جاريات / كأنها السفن فوق ماء
نحن بني الأرض قد علمنا / بأننا من بني السماء
لو كنت في المشتري لكانت / أرضي سماءً بلا امتراء
فليس فوقٌ وليس تحتٌ / ولا اعتلاءٌ لذي اعتلاء
وإنما نحن فوق نجم / نحيا محاطين بالهواء
فليت شعري أيّ ارتقاء / للروح يبقى أي ارتقاء
وأنتِ يا كهرباء سر / بدا وما زال في غشاء
عجائب الكون وهي شتّى / فيك انطوت أيمّا انطواء
أضأت إن شئت كل داج / لنا وأدنيت كل ناء
فأنت للكائنات روح / إن كانت الروح للبقاء
وكم تقاضاك فيلسوف / حقيقة صعبة الأداء
فقال والقول منه ظنّ / ما الكون إلاّ بالكهرباء
وليلةٍ بتها أنادي / نجومها أبعد النداء
آخذ منهن بالتداني / فكراً ويأخذن بالتنائي
فأنثني باكياً بشعري / ويطرب الليل من بكائي
وربما كرّ بعد وهن / فكري فألفى بعض الشفاء
فأرجع القهقرى أغنّى / وما سوى الشعر من غناء
أقول والنَسر فوق رأسي / وطالع النجم في ازائي
يا أيها الأنجم الزواهي / لله ما فيك من بهاء
أما كفاك السنى جمالاً / حتى تجلّلت بالسناء
يا أنجم النعش فاصدقيني / أمات ذو النعش بانطفاء
إني إذا كنتِ في حِداد / إليك أهدي حسن العزاء
وأنت يا نسر من كلال / وقعت أن طلبة الغذاء
أخوك هل طائر لوكر / أم قاصد منتهى الفضاء
كأن أم النجوم سيف / سلّ على الليل ذو مضاء
رصّعُ متناه بالدراري / فراق في الحسن والرواء
كأن نجم السها أديب / في أرض بغداد ذو ثواء
كأن خط الشهاب مُدلٍ / لأسفل البئر بالرشاء
كأنما أنعم الثريا / في شكلها الباهر الضياء
قُفّاز كفّ به فصوص / من حجر الماس ذي الصفاء
برئت للموت من حياة / ما نكبّت مهيع الشقاء
لم يكفها أنها احتياج / حتى غدت حومة البلاء
يا أيها المترف المهنَّا / يمرح في ثوب كبرياء
مهلاً أخا الكبر بعض كبر / ألست تقني بعض الحياء
أنت ابن فقر إلى أمور / بهنّ تدعى يا ابن الثراء
نحن من أرضنا على منطاد
نحن من أرضنا على منطاد / جائلٍ في شواسع الأبعاد
طائرٍ في الفضاء عرضاً وطولاً / بجناح من القوى غير باد
أيها الأرض سرتِ سيرك مثنى / ذا نتاجين في زمان أحاد
فتقلبت في نهار وليل / ذا مضلٌ وذاك للناس هاد
في بلاد يكون سيرك تأوي / باً على أنه سرىً في بلاد
فيك دفع وفيك يا أرض جذب / لكِ ذا سائق وذا لك حاد
فلك دائر على الشمس طوراً / في اقتراب وتارة في ابتعاد
ليت شعري وما حصلت من الآ / راء إلاّ على خلاف السداد
لبقاءٍ تقلنا الأرض في تس / يارها أم تقلنا لنفاد
نحن في عالم تقصف فيه / عارض النائبات بالإرعاد
شأننا العجز فيه توجد أنّى / قذفتنا يد الخطوب الشداد
ضاع جذر الحياةعنا فخلنا / أنها كالأصمّ في الاعداد
شغلتنا الدنيا بلهوٍ ولعبٍ / فغفلنا والموت بالمرصاد
ضلّ من رام راحةً في حياة / نحن منها في معرك وجلاد
إنما هذه الحياة جروحٌ / أثخنتنا والموت مثل الضِماد
كل أسر يهون إن أطلقت أر / واحنا الموثقات بالأجساد
لا تملني إذا جزعت فإني / ما ملكت الخيار في إيجادي
طال عتبي على عدات الليالي / مثلما طال مطلها بمرادي
كدّرت عيشي الحوادثُ حتى / لا أرى الصفو غير وقت الرقاد
صاح ما دلّ في الأمور على الأش / كال إلا تفحّص الأضداد
فاعتبر بالسفيه تمس حليماً / وتعرف بالغي طرق الرشاد
واللبيب الذي تعلَّم إتيا / ن المعالي من خسّة الأوغاد
أيها الغِرّ لا تغرّك دنيا / ك بكون مصيره لفساد
خفّ من غاص في الغرور كما في / لجّة الماء حفّ ثقل الجماد
يا خليليّ والخليل المواسي / منكما من يقوم في أسعادي
خاب قوم أتوا وغى العيش عزلاً / من سلاحي تعاون واتحاد
قد جَفتَنا الدنيا فهلاّ اعتصمنا / من جفاء الدنيا بحبل وِداد
لو عقلنا لما اختشى قط محسو / دون وقع الأذاة من حسّاد
فمتاع الحياة أحقر من أن / يستفزّ القلوب بالأحقاد
أنا والله لا أريد بأن أو / قع شراً ولو على من يعادي
أن لي أن سمعت أنّة محزو / نٍ أنيناً مرجّعاً في فؤادي
إن نفسي عن همّها ذات شغلٍ / بهموم العباد كلّ العباد
لا أحبّ النسيم إلا إذا هب / ب على كل حاضر أو بادي
أيها الناس إن ذا العصر عصر ال / علم والجد في العلا والجهاد
عصر حكم البخار والكهربائي / ة والماكنات والمنطاد
بُنيت فيه للعلوم المباني / واقيمت للبحث فيها النوادي
فاض فيض العلوم بالرغم ممّن / ضربوا دونهنّ بالأسداد
إن للعلم في الممالك سيراُ / مثل سير الضياء في الأبعاد
أطلع الغربُ شمسَه فحبا الشر / قَ اقتباساً من نورها الوقاد
إن للعلم دولةً خضعت دو / ن علاها عوالم الأضداد
ما استفاد الفتى وإن ملك الأر / ض بأعلى من علمه المستفاد
لا تسابق في حلبة العزّ ذا العل / م فما للهجين شأو الجواد
إن أموات أمة العلم أحيا / ءٌ حياة الأرواح والأجساد
وكأيّن في الناس من ذي خمول / صار بالعلم كعبة القُصّاد
ربّ يوم وردت دجلة فيه / مَورداً خالياً عن الوراد
حيث ينصبّ في سكوتٍ عميق / ماؤها لاثماً ضغاف الوادي
وهبوب النسيم يكتب في الما / ء سطوراً مهتزّة في إطراد
ينمحي بعضها ويظهر بعضٌ / فهي تنساب بين خاف وباد
وتئنّ المياه لي بخرير / كأنين السقيم للعُوّاد
قمت في وجهها اردّد طرفي / ساكتاً والضمير منّي ينادي
واقفاً تحت سرحةٍ ناح فيها / طائر فوق غصنها الميّاد
منشداُ في النواح شعراً غَرِيز / ياًحزيناً كأنه إنشادي
جاوبته أفنانها بأنين / من حفيف الأوراق والأعواد
أيها الطائر المُرَجّع فوق الغص / ن هل أنت نائح أم شاد
بين ماءٍ جارٍ ولحن شجيّ / منك يا طائر استطير فؤادي
يا مياهاً جرت بدجلة تجتا / ز مروراً بجانبي بغداد
إن نفسي إلى الحقيقة عطشى / أفتشفين غلّةً من صاد
كنت تجرين والرُصافة والكر / خ خلاءٌ من رائح أو غاد
أيها الماء أين تجري ضياعاً / وحواليك قاحلات البوادي
فمتى تفطن النفوس فتحيا / بك سقياً موات هذي البلاد
لو زرعنا بك البقاع حبوباً / لحصدنا النضار يوم الحصاد
أنت والله عسجد ولجين / لو أتينا الأمور باستعداد
فاجرِ يا ماء إن جربتَ رويداً / بأناةٍ ومهلةٍ واتئاد
علّنا نستفيق من رقدة الفق / ر فنَغنَى بفيضك المزداد
سلكتك السما ينابيع في الأر / ض أمدتك أيّما امداد
فتفجرت في السفوح عيوناً / نبعت من مخازن الأطواد
وإذا ما انتهيت في جريان / عدت للبدء في متون الغوادي
هكذا دار دائر الكون من حي / ث انتهى عاد راجعاً للمبادي
أجدكِ يا كواكب لا تُرينا
أجدكِ يا كواكب لا تُرينا / بياناً منك يخبرنا اليقينا
كأنّ العالم العلويّ سفر / نطالعه ولسنا مفصحينا
نحاول منه إعراب المعاني / بتأويل فنرجع معجِمينا
كواكب في المجرّة عائمات / حكت في بحر فسحتها السفينا
سرت زهر النجوم وما دراها / فلاسفة مضت ومنجّمونا
شموس في السماء علت وجلَتَ / فظنّوا في حقيقتها الظنونَا
سوابح في الفضاء لها شؤون / ولمَا يعلموا تلك الشؤونا
وما راتجفت بجنح الليل إلاّ / لتضحك فيه مما يزعمونا
لعلّ لها بهذا الجوّ شأنا / سوى ما نحن فيه فرجّمونا
تلوح على الدجى متلألئات / فتنهِج في تلأُلئها العيونا
وأني يدرك الرائي مداها / وإن ألقى لها نظراً شّفونا
توَدّ الغانيات إذا رأتها / لو انتظمت لها عقداً ثمينا
تقلّده على اللّبات منها / وتطرح الدمالج والبرينا
ألكنني يا ضياء إلى الدَّراري / رسالة مسهر فيها الجفونا
لعلك راجع منها جواباً / يزيل عَماية ة المتحيّرينا
فقل إني تحير فيك فكري / كذاك تحير المتفكر ونا
فيا أم النجوم وأنتِ أمٌّ / أيولد فيكِ كالأرض البنونا
وهل فيكِ الحياة لها وجود / فيمكن للردى بكِ أن يكونا
وهل بكِ مثل هذي الأرض أرض / وفيها مثلنا متخالفونا
وهل هم مثلنا خلُقاً وخَلْقاً / هناك فيأكلون ويشربونا
وهل هم في الديانة من خلاف / نصارى أو يهودُ ومسلمونا
وهل طابت حياة بنيك عيشاً / ففوق الأرض نحن معذّبونا
وهل حُسبت بك الأيام حتى / تألف من تعاقُبِها السنونا
وهل بالموت نحن إذا خرجنا / عن الأجساد نحوك مرتقونا
فتبقى عندك الأرواح مِنّا / تصان فلا ترى جنفاً وهونا
فأجب بالمنون إذاً واحبب / بها إن كان سلَمك المنونا
أبِيني ما وراءك يا دراري / فنحن نخاله بعداً شطونا
قد اتّسع الفضاء لكِ اتساعاً / فهل أبعاده بكِ ينتهينا
وصّغَّرَكِ ابتعادك فيه حتى / إليك استشرف المتشوّفونا
فهل كان ابتعادك من دلال / علينا أم بعدت لتخدعينا
خوالد في فضائك أنتِ أم قد / يحل بك الفناء فتذهبينا
وقالوا ما لعدّتكِ انتهاءٌ / فهل صدقوا أو ارتكبوا المجونا
وقالوا الأرض بنتك غيرَ مين / فهل أبناء بنتك يصدقونا
وقالوا إن والدك المُفَدى / أثيرٌ في الفضاء أبي السكونا
ترصّدك الأنام وما أتانا / بعلمِ كيانك المترصّدونا
فهرشل ما شفى منا غليلاً / ولا غاليل أنبأنا اليقينا
وكبلر قد هدى أو كاد لما / أبانك يا نجوم تجاذبينا
إلى كم نحن نلبس فيك لَبْساً / ومن جرّاكِ ندرّع الظنونا
لعلَ النجمَ في إحدى الليالي / سيبَعث للورى نوراً مبينا
تقوم له الهواتف قائلاتٍ / خذوا عَنى النهى ودعوا الجنونا
خبرٌ في الأرض أوحته السما
خبرٌ في الأرض أوحته السما / لأولي العلم برسل الفكر
أنّ هذي الأرض كانت أولا / ما ترى بحراً بها أو جبلا
أو سهولاً أو رُباً أو سُبُلا / أو رياضا زهرها الغضّ نما
من سحاب جادها بالمطر /
إنما كانت كتلك الأخوات / من نجوم سائرات دائرات
حول شمس هي إحدى النيرات / كُنّ من قبلُ عليها سدما
كتلةً واحدة في النظر /
ثم بعدُ انفصلت من ذا السديم / قطعٌ منها صغير وجسيم
ضمن أفلاك بها الدورَ تدُيم / فاستقرّ الكلّ فيها أنجما
حول غير الشمس لم تستدر /
أولاً نبتون منه انفصلا / ثم اُورانِسُ يهدي زُحَلا
ثم للمشتري مريخٌ تلا / ثم هذي الأرض فالزهرة ما
بعدها غير أخيها الأشهر /
وأخو الزهرة بالشمس / اقتدى ولها أقربَ سيّارٍ غدا
وهي سارت خلفهَ طول المدى / فأمام الأرض ذان انتظما
خلفها المريّخ ثم المشتري /
أرضنا كانت لظىً مشتعله / مذ من الشمس غدت منفصله
لم تزل في دورها منتقله / كتلةً فيها اللهيب احتدما
وهي ترمي في الفضا بالشرر /
كان فيح النار منها مُصعِدا / وهجاً في الجّو عنها مبعدا
حيث لا يمكن أن ينعقد / فوقها منه بخار ديما
هاطلاتِ بالحيا المنهمر /
بقيت حيناً وهذا أمرها / وهي بالإشعاع يخبو حرّها
وانثنى يبرد من ذا ظهرها / فاكتست قشراً يحاكي الأدما
واستمرت بطنها في سعر /
ثم قد صار على مرّ الزمان / قشرها يغلظ آناً بعد آن
بيد أن النار عند الهيجان / قد أعادت قشرها منخرما
بصدوع مُدهشات البصر /
شخصت أطراف هاتيك الصدوع / بجبال شمخت منها الفروع
ولها في العين أشكال تروع / تقذف الأفواه منها حمما
صار منهنّ ركام الحجر /
حصلت من قذف هاتيك المواد / حيث يجمدن جبال ووهاد
وركاز وصخور وجماد / بعضها دقّ وبعضٌ عظما
وهو صلب الجسم صعب المكسر /
وهناك انعقدت فيها الغيوم / من بخار كان في الجوّ يعوم
رّده البرد مياهاً في التخوم / فجرى السيل عليها مفعما
كلّ غور فوقها منحدر /
عمّها السيل فغطى حين سال / سطحها مجترفأ منها الرمال
فطما الماء ولكن الجبال / شخصت في الماء لما أن طما
وعلت كالسفن فوق الأبحر /
غمر الماء بها ما غمرا / ثم خلّى بعضها منحسرا
محدثاً في السطح منها جزرا / أنزل الماء بها ما حطما
من أطفال وحتات المدر /
بسيول الماء كم فيها ارتكم / من رمال رسبت فيها أكم
ولكم خدّت أخاديد وكم / قد بنت من طبقات علما
نضدت فيها صفيح المرمر /
ثم صارت وهي من قبل موات / تصلح الأقطار منها للحياة
فانبرت تنبت في البدء النبات / ثم أبدت من قواها النسما
وارتقت فيها لنوع البشر /
فغدت إذ ذاك تزهو بالرياض / وبها الأدواح تنمو في الغياض
ثم ترميها أكفّ الانقراض / بانحطام حيث تُمسي فحما
حجرياً بمرور الأعصر /
من حطام الخلق في الأرض هضاب / كوَّنتهن أكفّ الانقلاب
ما تراب الأرض والله تراب / إنما ذاك حطام قدما
من جسوم باليات الكسر /
كم على الأرض رفاتٌ باليات / من جسوم طحنتها الدائرات
فاحتفر في الأرض تلك الطبقات / تجد الانقاض فيها رمما
هي للأحياء أو للشجر /
كل وجه الأرض للخلق قبور / خفّف الوطء على تلك الصدور
والعيون النجلِ منهم والثغور / إنما أنت ستفنى مثلما
قد فَنُوا والموت دامي الظفُر /
ظلت الأرض على كرّ الدهور / تبحر الأجبل فيها والبحور
فوقها تجبِل والماء يغور / على ذاك استدلّ الحكما
بجبال السمك المستحجر /
علماء الأرض لم تبرح ترى / حَيَوان البرّ لما دثرا
منه في الأبحر أبقى أثرا / وكذا في البرّ ألفى العلما
أثراً من حيوان الأبحر /
كل ما في الأرض من قفر وبيد / وجبال شهقت فوق الصعيد
عن زهاء الربع منها لا يزيد / وسوى ذلك منها انكتما
تحت ماء البحر لم ينَحسر /
في صعيد الأبحر المنغمس / مثلُ ما يوجد فوق اليبس
من جبال ناتئات الأرؤس / ووهادٍ تستزل القدما
ورُباً مختلفات القدر /
ما نرى اليوم من الماء الحميم / والبراكين التي تحكي الجحيم
ومن الزلزال ذي الهول العظيم / دلّ أن الأرض فيما قدما
ذات جرم ذائب مستعر /
كل ما كان بحال السيلان / فهو يغدو كرةً بالدوران
وكذاك الأرض في ماضي الزمان / كروياً قد غدا ملتئما
جِرمها من سيلان العنصر /
ثم أن الأرض من قبل الجمود / وَلَدت منها وليست بالولود
قمراً دار عليها بسعود / وجَلا في الليل عنها الظلما
فهي بنت الشمس أم القمر /
لعمرك ما كل انكسار له جبر
لعمرك ما كل انكسار له جبر / ولا كل سّر يستطاع به الجهر
لقد ضربت كفّ الحياة على الحِجا / ستاراً فعِلم القوم في كنهها نزر
فقمنا جميعاً من وراء ستارها / نقول بشوق ما وراءك يا ستر
حكت سرحة فنواء نُبصر فرعها / ولم ندرِ منها ما الأنابيش والجذر
وقد قال بعض القوم إن حياتنا / كليلٍ وإن الفجر مطلعه القبر
وروح الفتى بعد الردى إن يكن لها / بقاء وحسّ فالحياة هي الخُسر
وإن رقيت نحو السماء فحبّذا / إذا أصبحت مأوىً لها الأنجم الزهر
وأعجب شأن في الحياة شعورنا / وأعجب شأن في الشعور هو الحجر
وللنفس في أفق الشعور مخايل / إذا برقت فالفكر في برقها قطر
وما كل مشعور به من شؤونها / قدير على إيضاحه المنطق الحر
ففي النفس ما أعيا العبارة كشفُه / وقصّر عن تبيانه النظم والنثر
ومن خاطرات النفس ما لم يقم به / بيان ولم يَنهض بأعبائه الشعر
ويا ربّ فكرٍ حاك في صدر ناطق / فضاق من النطق الفسيح به الصدر
ويا ربّ فكر دق حتى تخاوصت / إليه من الألفاظ أعينها الخزر
أرى اللفظ معدوداً فكيف أسومه / كفاية معنّى فاته العدّ والحصر
وافق المعاني في التصور واسع / يتيه إذا ما طار في جوّه الفكر
ولولا قصور في اللغى عن مرامنا / لما كان في قول المجاز لنا عذر
ولست أخُص الشعر بالكَلمِ التي / تُنظّم أبياتاً كما ينظم الدرّ
وذاك لأن الشعر أوسع من لغى / يكون على فعل اللسان لها قصر
وما الشعر إلا كلّ ما رنّح الفتى / كما رنّحت أعطافَ شاربها الخمر
وحرّك فيه ساكنَ الوجد فاغتدى / مهيجاً كما يستنّ في المرح المُهر
فمن نفثات الشعر سجع حمامة / على أَيْكة يُشجي المشوق لها هدر
ومن شذرات الشعر حوم فراشة / على الزهر في روض به ابتسم الزهر
ومن ضحكات الشعر دمعة عاشق / بها قد شكا للوصل ما فعل الهجر
ومن لمعات الشعر نظرة غادة / بنجلاء تسبي القلب في طرَفْها فتر
ومن جمرات الشعر رنّة ثاكل / مفجّعة أودى بواحدها الدهر
ومن نفحات الشعر ترجيع مطرب / تعاور مَجرى صوته الخفض والنبر
وإن من الشعر ائتلاق كواكب / بجنح الدجى باتت يضاحكها البدر
وإن لريحانيِّنا شاعرّيةً / من الشعر فيها أن يقال هي الشعر
وما الشعر إلا الروض أما أميننا / فريحانه والخلق منه هو النشر
وإن لم يكن شعري من الشعر لم يكن / لعمرُ النهى للشعر عند النهى قدر
بني الأرض هل مِن سامع فأبثَّه
بني الأرض هل مِن سامع فأبثَّه / حديث بصير بالحقيقة عالم
جُبلنا على حبّ الحياة وإنها / مخيفة أحلام أطافت بحالم
سعى الناس والأقدار مخبوءة لهم / وناموا وما ليلُ الخطوب بنائم
جرت سفُن الأيام مشحونةً بنا / على بحر عيش بالردى متلاطم
تأمّلت في الأحياء طُرّاً فلم أجد / بهم باسماً إلاّ على ألف واجم
وربّ سعيد واحدٍ تمّ سعده / بألف شقىّ في المعيشة راغم
وما المرء إلاّ دوحة في تنوفةٍ / ملوّحةٌ أغصانها بالسمائم
لها ورق قد جفّ إلاّ أقلَّه / وعيدانها بين النيوب العواجم
ولابدّ أن تجتثّ يوماً جذورها / وتقلعها إحدى الرياح الهواجم
أرى العمر مهما ازداد يزداد نقصه / إذاً نحن في نقص من العمر دائم
ولولا انهدام في بناء جسومنا / لما احتيج في تعميرها للمطاعم
لحى الله بأساء الحياة كأننا / نكبّل من حاجاتها بالأداهم
نروح كما نغدو نجاهد دونها / أموراً دعتنا لارتكاب الجرائم
فلو كنت في هذا الوجود مخيّراً / وفي عدمي لاخترته غير نادم
هل الموت إلا سالك وحياتنا / إليه سبيل مُستبين المعالم
وما زال هذا الدهر غضبان آخذاً / على الناس من سيف المنون بقائم
تبصّرْ تجد هذي البسيطة منزلاً / كثير اليتامى عامراً بالمآتم
وليس الذي آسى له فقد هالك / ولكن ضياع المفجعات الكرائم
أرامل تستذري الدموع وحولها / يتامى كأفراخ القطا والحمائم
وكائنْ ترى مخدومة في جلالها / سعت حيث أبكاها الردى سعي خادم
فليت المنايا حين قوّضن بيتها / بدأنَ بها من قبل هدم الدعائم
أرى الخير في الأحياء ومض سحابة / بدا خلّياً والشر ضربة لازم
إذا ما رأينا واحداً قام بانياً / هناك رأينا خلفه ألف هادم
وما جاء فيهم عادل يستعيلهم / إلى الحق إلا صدّه ألف ظالم
جهلتُ كجهل الناس حكمة خالق / على الخلق طرّاً بالتعاسة حاكم
وغاية جهدي أنني قد علمته / حكيماً تعالى عن ركوب المظالم
رأيت لنفسي في الحياة كأنني / من العيش مُلقىً في شدوق الضراغم
يخاصمني منها على غير طائل / أناس فابدي الصفح غير مخاصم
وأقنع بالقوت الزهيد لطيبه / حذارَ وقوعي في خبيث المطاعم
وأترك ما قد تشتهي النفس نَيْله / لما تشتهيه قلة في دراهمي
وكم لي في بغداد من ذي عداوة / وما أنا في شيء عليه بجارم
إذا جئت بالقلب السليم يجيئني / بقلب له من كَثرة الحقدوارم
لله سرّ في الأنام مطلسم
لله سرّ في الأنام مطلسم / حار الفصيح بوصفه والأعجم
برأ ابن آدم وهو إن لم تلقهَ / في الخلق أقدم فهو فيه مقدّم
وإذا نظرنا في العجائب نظرةً / ظهر ابن آدم وهو منها الأغطم
أما العجيب من ابن آدم فهو ما / نسق الكلام به إذا نطق الفم
والوجه أعجب ما رأيت وإنه / لَيَحارُ في سحنائه المتوسّم
هو من طراز الله إلاّ إنّه / بسرائر النفس الحديثة معلم
أما الحواجب فيه فهي كواشف / والعين فيه عن الضمير تترجم
ولربّ خافيه يكتّمها الفتى / والوجه منه بسرّها يتكلم
كلٌ يشير إلى السريرة وجهُه / فكأنه بضميره متلثم
فالوجه فيه من القرونة مسحةٌ / للخافيات بها وضوح مبهم
صرع النهى فالوهم فيه تيقّن / تحت الملامح واليقين توهّم
ولرب وجه في تبسّمه البكا / ولرب وجه في بكاء تبسّم
والأنف في وجه ابن آدم زينة / فالوجه لولا أنفه متجهّم
كالهدُب في شفر العيون فإنه / لولاه تنشتر العيون وتسجم
إن الوجوه صحائف مطموسة / يمحو كتابتها ويثبتها الدم
بيناك تقرأ حرفها متفهّماً / يبدو تحرّفها فلا تتفهّم
فالعقل فيها عالم متجاهل / طوراً وطوراً جاهل متعلّم
إني أرى هذي الوجوه نواطقاً / بالسرّ لكنْ نُطقهنّ مجمجم
وأرى لحاظ عيونها متحدّثاً / عنها ولكنْ الحديث مرجّم
فكأنني البدويّ يسمع راطناً / وكأنما هي أعجمّي طمطم
ولربّ وجه يستبيك بحسنه / فتروح منه وأنت صبّ مغرم
يبدو إليك وأنت خلِوٌ من هوى / ويصدّ عنك وأنت فيه متيّم
وإذا تغّيب فالبدور مضيئة / وإذا أضاء فكل بدر مظلم
لله في وجه ابن آدم حكمة / يعنو السفيه لها ومن يتحكّم
أقوى مصيف القوم والمربع
أقوى مصيف القوم والمربع / فالدار قفر بعدهم بلقع
سارت بنا الأرض إلى غايةٍ / لنا وللأرض هي المرجع
ونحن كالماء جرى نابعاً / لكن علينا خفي المنبع
والعلم قد أنكر منهاجنا / ولم يُبِنْ أين هو المهيَع
خرقت يا علم رداء لنا / كنا ارتديناه فِهل ترقع
فَجَعْتَنا يا علم في أمرنا / أمعتِب أنت إذا نجزع
لقد طغت حيرة أهل النهى / هل فيك يا علم لها مردع
كم نشرب الظنّ فلا نرتوي / ونأكل الحدس فلا نشبع
والناس ويل الناس في غفلةٍ / ترتع والموت بهم يرتع
والكون قد لاح بمرآته / للعيش وجه شاحب أسفع
وإن في البدر لخطباً به / في البدر لاحت بقع أربع
فالعين ما يورث حزناً ترى / والاذن ما يزعجها تسمع
والأرض في منقلب بالورى / والشمس من مشرقها تطلع
حتى إذا ما بلغت شوطها / لاحت نجوم في الدجى تلمع
وهكذا الظلمة تتلو الضيا / والضوء للظلمة يستتبع
ونحن في ذاك وفي هذه / بالنوم واليقظة نستمتع
ما بين مسعود يميت الدجى / نوماً ومنكود فلا يهجع
ومسرع يسبقه مبطىءٌ / ومبطىء يسبقه مسرع
وشامت يضحك من حادث / حلّ بباكٍ قلبه موجع
لو كان للقسوة عينٌ وقد / رأته كانت عينها تدمع
والكلّ في شغْب لهم دائم / لم يقلعوا عنه ولن يقلعوا
والماء يمسي وشلا تارة / وحوضه آونة مترع
والريح تجري وهي ريدانة / حيناً وحيناً عاصف زعزع
وبعضهم تمرع وديانه / وبعضهم واديه لا يمرع
قد يحسب الإنسان آماله / والموت مصغٍ نحوه يسمع
حتى إذا أكمل حسبانها / وأفاه ما ليس له مدفع
فخرّ للجنب صريعأً به / وأي جنبٍ ما له مصرع
وظل فوق الأرض في حالةٍ / يزَوّر عنها الحسب الأرفع
لا تعمل الأقلام في كّفه / وكان من قبلُ بها يصدع
ولم تعد تقطع أسيافه / من بعد ما كان بها يقطع
فاستّلّ مثل السيف من مُطرَف / طرائق الوشي به تلمع
ولُفّ في ثوب له واحدٍ / ليس له رقم ولا ميدع
واهاً له ثوب البلى إنه / يبلى مع الجسم ولا ينزع
ودُسّ حيث الأرض أمست له / ملحودة ضاق بها المضجع
حيث البلى يرميه حتى إذا / لم يبق في قوس البلى منزع
خالط ترب الأرض جثمانه / مطحونة منه بها الأضلع
لله دّر الموت من خطةٍ / فيها استوى ذو العيِّ والمِصقع
يخون فيها القولُ منطيقه / كما تخون البطل الأَدرع
ما أقدر الموت فمن هوله / لم ينجُ لا كسرى ولا تُبَّع
يا رافع البنيان كم للردى / من سلّم يدرك ما ترفع
ويا طبيب القوم لا تؤذِهم / إن دواء الموت لا ينجع
لابد للمغرور من مندّم / بالعضّ تدمى عنده الأصبع
وما عسى تغني وقد حشرجت / ندامةٌ ليست إذاً تنفع
يا بُرقُع الخلقة واهاً لما / فيك وآهاً منك يا برقع
قد زاغت الأبصار فيما ترى / إذ فات عنها سرّك المودع
وليس في الإمكان عند النهى / أبدعُ ممّا خلق المبدع
متى تطلق الأيامُ حرية الفكر
متى تطلق الأيامُ حرية الفكر / فينشط فيها العقل من عقلة الأسر
ويصدع كلّ بالحقيقة ناطقاً / ويترك ما لم يدر منها لمن يدري
أرانا إذا رمنا بيان حقيقة / عُزينا معاذ الله فيها إلى الكفر
جهلنا أشدّ الجهل آخر عمرنا / كما قد جهلنا قبله أوّل العمر
هما ساحلا بحر من العيش مائج / ففي أيّ أمر نحن بينهما نجري
ومن أين جئنا أم إلى أين قصدُنا / وفي أيّ ليل من تشككنا نسري
كأنّأ أتينا والمعيشة لجّة / لنعبُرَ والأعمار جسر إلى القبر
وماذا وراء القبر مما نريده / وهل من مَدىً بعد العبور على الجسر
تسائلني نفسي وللموت صولة / ألا هل لكسر الموت ويحك من جبر
لعلّ حياة المرء ليلٌ ستنجلي / غياهبه من سكرة الموت بالفجر
فإن كان ذا حقاً فإن حياتنا / كما قيل ستر والردى كاشف الستر
وقد قيل إن الروح تبقى فهل لها / عروج إلى الأعلى إلى الأنجم الزهر
وهل تعرف الجثمان بعد عروجها / فتمكثَ منه في السماء على ذُكر
إذا أرضنا كانت سماءً لغيرها / فما من عروج بل نزول إلى القعر
وهل عرجت أرواح من في عطاردٍ / إلى الأرض أم هذا الكلام من الهذر
خيال به رحنا نعلّل أنفساً / هز أن به لما رجعن إلى الحجر
وشبّه بالنهر الحياةَ معاشرٌ / فمنبعه في رأيهم قدم الدهر
ولكنّهم أعيا عليهم مصبه / وإن رجموا بالظن في منبع النهر
فيا ليت شعري أين ينصبّ جارياً / أعوداً لبدء أم إلى غاية يجري
لعمرك ما هذي الحياة وما الذي / يُراد بنا فيها من الخير والشر
نحلول علماً بالحياة وإنّ ذا / منَوط إلى ما ليس يدرَك بالفكر
ونسلُك منها في مجاهل قفرة / فنخرج من قفر وندخل في قفر
على أننا نَمضي إلى أمر ربنا / كما أننا آتون من ذلك الأمر
أحبّ صراحتى قولاً وفعلاً
أحبّ صراحتى قولاً وفعلاً / وأكره أن أميل إلى الرياء
فما خادعت من أحدٍ بأمرٍ / ولا أضمرت حَسواً في ارتغاء
ولست من الذين يرون خيراً / بابقاء الحقيقة في الخفاء
ولا ممّن يرى الأديان قامت / بوحيٍ مُنزلٍ للأنبياء
ولكن هنّ وضع واتبداع / من العقلاء أرباب الدهاء
ولست من الألى وهموا وقالوا / بأن الروح تعرج للسماء
لأن الأرض تسبح في فضاء / وما تلك السماء سوى الفضاء
ولست من الذين يرون فخراً / لمفتخرٍ باهراق الدماء
ولا ممّن قد ارتبطوا بماضٍ / فعاشوا ينظرون إلى الوراء
ولا ممّن يرى للناس حكماً / سوى الحكام أرباب القضاء
ولا ممّن تودّد في حضور / وعند الغيب جاهر بالعداء
ولا ممّن يرى الأنساب ممّا / يمتّ به الأنام إلى العلاء
ولا ممّن إذا وُبئوا استعاذوا / بتمتمة الدعاء من الوباء
ولا من معشر صَلَّوْا وصامُوا / لما وُعِدوه من حسن الجزاء
ولا ممّن يرون الله يجزي / على الصلوات بالحور الوضاء
ولا ممّن يرى الأشياء تفَنَى / بحيث تكون من عَدَم هواء
ولكن هنّ في جمعٍ وفرقٍ / تبدّلُ منهما صورَ البقاء
ولست من الذين يرون فضلاً / كبيراً للرجال على النساء
ولكن دالت الأيام حتى / تهلون هؤلاء بهؤلاء
ما للحقيقة من بدايةْ
ما للحقيقة من بدايةْ / كلاً وليس لها نهاية
هي عند أرباب العقو / ل أجلّ من حَدَ وغاية
خَفَيت ولكن كم وكم / ظهرت لها في الكون آية
كَم راح مرفوعاً لها / فوق الربا علَم وراية
هي في مقام ظهورها / كالشمس تحجبها غياية
ما بين أعين من يَرو / ن وبينها إلاّ شواية
فلو انجلت غفلاتنا / لتكشّفت عنّا العماية
هي منظر فيه الجلا / ل ومخبر فيه الكفاية
هي في الطبيعة تستفي / ض على الوجود لها جراية
هي في الضياء وفي الظلا / وفي المسير وفي السراية
هي في الفضيلة والفضو / ل وفي النقيصة والزراية
هي في اللباب وفي القشو / ر وفي الحثالة والنفاية
هي في السلام وفي الحسرو / ب وفي الهوادة والنكاية
هي كلّ ما شكت الشكا / ة وكل ما بعث الشكاية
هي في الرُماة إذا رمَوْا / وهي الإصابة في الرماية
هي في العفاة وفي العفا / ء وفي الجناة وفي الجناية
هي في الغياض وفي الريا / ض وفي الفراشة والجداية
هي في المغاني والمبا / ني والبناة وفي البناية
هي في الغباوة والذكا / ء وفي الشفاعة والوشاية
هي في الملاح وفي القبا / ح وفي الرشاد وفي الغواية
وإلى الحقيقة تنتهي / طرق الضلالة والهداية
هي من يموت ومن يعي / ش وكل قابلة وداية
هي كل ما وعت العقو / ل وكل ما روت الرواية
منها الفنا وبها البقا / ومن الفناء هي الوقاية
ليس الوجود لغيرها / إلا خيالاً في مراية
وإذا نظرت الكائنا / ت بأسرها فهي السناية
إني أرى سرّ الحقي / قة كائنا في اللانهاية
وأرى الوجود وإن تعدّ / د واحداً عند الدراية
فاليك يا طاغور جئ / ت عن الحقيقة بالحكاية
أنت الذي قال الحقي / قة بالصراحة والكناية
ما أخطأتْ سنن العلا / إذ هذّيتك يد العناية
لا زلت مشمول الجنا / ب من من الحقيقة بالرعاية
أرى للروح بالبدن اتصالاً
أرى للروح بالبدن اتصالاً / خَفيّاً لا تبين له رسوم
تطيف به الهواجس شاعرات / وتعجز عن حقيقته الفهوم
فإن الروح للجثمان تلو / به منها ومنه بها وسوم
يتم كلاهما هذا بهذا / كذلك تمّ أمرهما القويم
فلا جسد يقوم بغير روح / ولا روح بلا جسد تقوم
هما متلازمان فما لكلٍ / بغير قرينه أبداً لزوم
لذلك كانت الأرواح منا / بحيث تهي إذا وهتِ الجسوم
ولست أظنّ أن الروح تبقى / إذا مُحيِت من الجسد الرسوم
وربَّتَما يكون لها دوام / ولكنْ غير شاعرة تدوم
وما هبطت من الخضراء لكن / من الغبراء أنبتها الحكيم
وأما هذه الأجسام منا / فتبنيها الماكل والطعوم
وتُرويها المشارب والمحاسي / وتذويها اللوافح والسموم
ويُوهِنها التقشَف والتضنّي / ويحسنها التترّف والنعيم
ويعض من مطاعمنا غذاء / تُحاك على العظام به اللحوم
وبعض من مطاعمنا وَقود / تُديم به حرارتها الجسوم
له في جوف آكله احتراق / تكون رَمادَه فيها الشحُوم
وللأرواح كالأجساد زادٌ / به تنمو المشاعر والحُلوم
هو النَغَم الرقيق من المثاني / هو الأدب الرفيع هو العلوم
فإن الروح تغذوها الأغاني / ويجلو هَمها الصَوت الرخيم
ويصقلها الجمال إذا رأته / وتصدئها القبائح والهموم
فلا تنفر بسمعك من غناءٍ / به غنّتك شادية بغوم
ولا تترفَعنّ عن الملاهي / ولو شهدتْ برفعتك النجوم
وكن في المُطربات فتىً طروباً / فإن الناس أطربُها الكريم
وقف عند الحدود بلا تعدّ / إلى ما ليس يحمده الحليم
ولا تشتطَّ في طرب ولهو / فكلّ مُقارفٍ شَططاً ذميم
فإن وافقتني وجربت جَريي / وإلا فاتَك الطبع السليم
لو أسكر الإنسان باطل أمره
لو أسكر الإنسان باطل أمره / لم تلق غير معربِد سكران
لو قاس كلّ فتى سواه بنفسه / فيما أراد لما تعادى اثنان
لو أنصف الخصمان ما اصطاد الرُشا / أهل القضاء بما ادّعى الخصمان
لو أخلص الإنسان في إحسانه / لم يرجُ أن يجزي على الإحسان
لو لم يشكّ بربّه متفلسفٌ / في الدين لم يحتجّ بالبرهان
لو أن عقل المرء يغلبِ حبّه / للنفسي لن يلجأ إلى الأديان
لولا جمود في الشرائع مهلك / لتغيّرت بتغّير الأزمان
لو كان قصد الدين غير سعادة الدّ / نيا لكان الكفر كالإيمان
لو أخلص الرجل التقيّ بدنيه / ما كان ذا طمع بحور جنان
لا خير في تقوى امرئ لو لم يَخف / نار الجحيم للجّ في العصيان
لو كان أمر الحجٌ معقولاً لما / كان استلام القوم للأركان
لو حكّم العقلَ الحجيج بحجّهم / أبَوُ الطواف بتلكم الجدران
لو أخلص الغزّى بنُصرة دينهم / ما حلّ سبي حرائر النسوان
كذبت قريش لو تقادم عهدها / في المجد ما خدعت أبا غبشان
لو كان للشيطان معنى غير ما الْ / إنسان ما آمنت بالشيطان
لو يجعل الناس التعاون دأبهم / لتمتّعوا بسعادة العمران
لو أنّ أخلاق الرجال تهذّبت / لتكّشفت حُجُب عن النِسوان
ومحبّة الأوطان لولاها لما / عَرف الأنام عداوة الأوطان
لو كان خير في المجرّة لم يكن / في الأرض شرٌ دائم الغَلَيان
لو تَمَّ في فلك الثريّا سعدها / لم تُمنَ بالعَيوق والدَّبَران
لو لم يكن فزعاً سهيل لم يبت / في أفقه متتابع الخفقان
قل لنجلا نجلا أبي اللمع إني
قل لنجلا نجلا أبي اللمع إني / عاشقٌ نور فجرها الوضاح
هو للعلم خير فجر تجلَى / مستنيراً بأشهرِ الأوضاع
وسرير الأقلام في الطرس منه / كصياح الديوك في الأصباح
كم تصفّحت فيه من صفحات / عطّرتني بنشرها الفياح
فكأني في النفس والطرس منها / ناظر في بنفسج وأقاحي
ثم إني قرأت فيه لأسما / كلمات بديعة الأفصاح
أيقظتنا بها إلى أن في النو / م ارتياحاً لنا وأيّ ارتياح
صدقتْ في الذي تقول ففحَوى / قولها في غِنىّ عن الإيضاح
حبّذا النوم فهو للروُح رَوْحٌ / من عناء الهموم والأتراح
وهو تجديد قوةٍ ونشاطٍ / لجسوم روازح أطلاح
حبّذا النوم ترتقي النفس فيه / عالماً فوق عالم الأشباح
تلفون به إلى الغيب نُصغي / وتلسكوبنا إلى الأرواح
حبذا النوم إنه شَركٌ يمتد / في الجسم لاصطياد ارتياح
فهو للنفس من مراقي المعالي / وهو للجسم من دواعي الصلاح
حبّذا النوم فهو كالزيت للروّ / ح به تستضيء كالمصباح
وهو معِراجنا إلى أفْق غيبٍ / لن تناهي أبعاده والنواحي
حبّذا النوم وأصلاً بين حيٍّ / ذي ثواءٍ ومّيت ذي براح
حبذا النوم جامعاً بين معشو / ق مقيم وعاشق ذي انتزاح
إن للنوم لذةً هي في الأنفس / أشهى من لذّة الأفراح
أدركتها النفوس بالفعل واستغ / نت بإدراكها عن الإيضاح
أيها القوم إن للنوم سلطا / ناً قوياً لا يُتّقى بسلاح
نافذَ الحكم والقضاء على الإنسا / ن في خزنه وفي الأفراح
وعلى الأسد وهي في الغاب تدأى / وعلى الطير وهي في الأدواح
أرى عيشنا تأبى المنون امتداده
أرى عيشنا تأبى المنون امتداده / كأنّا على كيس المنون نعيش
وما زال وجه الأرض يُوسعه الردى / لطاماً وهاتيك القبور خُدوش
كأنّ انقلاب الأرض ماء كأننا / على الماء من ريح الحياة نقوش
لحا الله ديناً كل يوم بأهلها / تهدّ حصون أو تثلّ عروش
تروح سهام العيش فيها طوائشاً / وللموت سهم لا يكاد يطيش
نمدّ إلى قطب المنى وهي / جمّة من العمر كفاً لا تكاد تنوش
ونرجو ومن سيف الردى في رجائنا / جِراحات يأس ما لهنّ أروش
وأجمل بوجه العيش لو لم يكن به / حنانيك من ظفُر الخطوب خموش
دهانا لرامي الموت سهم مقرطس / نَجيفٌ بأدواء الحياة مريش
لعمرك أن الدهر تغلي خطوبه / وإنّ عويل الصارخين نشيش
وما الدهر إلاّ للخلائق منضج / له مِرجَل بالحادثات يجيش
كأنّ جيوش الموت رافقة بنا / فتزحف منا للحروب جيوش
ومن نظر الدنيا بعين اعتباره / تساوت مُهود عنده ونعوش
حياة الورى جسر مديد وإنما
حياة الورى جسر مديد وإنما / عليه الورى يمشون مشية عابر
وللموت كسر ليس يمكن جبره / بلفّ ضمادِ أو بشدّ الجبائر
وقتل الردى قتل جبار فلم تكن / لتدُرك فيه ثأرها نفس ثائر
فإنّ منايانا سهام عوائر / وكيف اثئار في السهام العوائر
أرى الناس طّراً في الردى غير أنهم / ثَووا بين مقبورٍ هناك وقابر
وما الموت إلاّ هوّةٌ أدلج الورى / إليها بمسودّ الدُّجنُة كافر
فهم أبداً يسّاقطون لقمرها / تساقط عميٍ في عماق الحفائر
أرى كل حيّ في الحياة ممُثلاً / رواية رؤيا من كتاب المقادر
رواية رؤيا قد جرت في ديارنا / فجائعها حتى انتهت في المقابر
لقد قدّم الموت الحياة أمامه / نذيراً ومن يُنذر فليس بغادر
فلا عجبْ أنا نرى كل ساعةٍ / أكفّ المنايا داميات الأظافر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025