المجموع : 45
سيّدُ الرُّسُلِ وأمُّ المؤمنينْ
سيّدُ الرُّسُلِ وأمُّ المؤمنينْ / بشِّرِ الأبطالَ بالنّصرِ المُبينْ
خرجت في الجيشِ ترجو ربَّها / عِصمةَ الراجي وعونَ المستعينْ
ينصرُ الحقَّ ويقضي أمره / إن رماه كلُّ أفَّاكٍ مَهينْ
اصبري إن جلَّ أمرٌ إنّها / يا ابنةَ الصِّديقِ دُنيا الصالحينْ
أرأيتِ الأرضَ لمّا رجفتْ / إذ هَوى عِقْدُكِ بل لا تشعرِينْ
اقشعرّتْ وتمنّتْ لو هَوَى / كل عالٍ من رواسيها مَكِينْ
أنتِ في شأنكِ إذ تبغينه / وهي في همٍّ وغمٍّ وأنينْ
سوف يُبدي الخطبُ عن روعتِه / بعد حينٍ فاصبري حتى يَحينْ
رفعوا الهودَجَ والظنُّ بها / أنّها فيهِ وساروا مُدلِجِينْ
وانجلى اللّيلُ عن الخطبِ الذي / غادرَ الإصباحَ مُسَودَّ الجبينْ
أين غابت أيَّ أرضٍ نزلت / كيف غُمَّ الأمرُ هل من مُسْتَبِينْ
يا رسولَ اللهِ صبراً إنّها / في ذِمامِ اللَّهِ رَبِّ العالَمِينْ
يا أبا بكرٍ رُويداً إنّنا / لَنراها في حِمَى الرُّوحِ الأمِينْ
رجعتْ واللّيلُ في بُرْدَتِه / دائمُ الإطراقِ كالشّيخِ الرزينْ
ذهب الجيشُ وأمستْ وحدَها / غيرَ أصداءٍ من الوادِي الحزينْ
خطرت في الجوِّ من أنفاسِها / خَطَراتٌ للأسى ما ينقَضِينْ
ماجَ كالبحرِ طغتْ أثباجُه / وارتمت أهوالهُ حولَ السّفِينْ
نام عنها الهمُّ لمّا رقدت / فَهْوَ في الأحشاءِ مكتومٌ دفينْ
وأتى صفوانُ ما يبدو له / غيرُ شيءٍ ماثلٍ للنّاظرينْ
يُرسِلُ الطرفَ ويَمشِي نحوها / مِشيةَ المُرتابِ في رِفقٍ ولينْ
عرف الخطبَ فما أصدقَهُ / حين يدعو دعوةَ المسترجعين
دعوةً رنَّتْ فلو قِيلَ اسمعوا / لَسمِعْنا اليومَ ترداد الرنينْ
أيقظت عائشةً من نومها / مثلما يُوقِظُها صوتُ الأذينْ
جفلَتْ منه فغطّتْ وجَهها / وهيَ في سِترين من عقلٍ ودينْ
يَصرفُ اللّحظَ كليلاً دُونها / خاشعَ القلبِ كدأبِ المتقينْ
قرَّب النّاقةَ منها ودعا / اركبي أُمّاهُ مُلِّيتِ البنين
أخذَ المِقْوَدَ يُمناً ومَضى / يتبع الماضِينَ من أهل اليمين
يَنتحِي يثربَ بالنّورِ الذي / يملأُ الدنيا ويُعيي المطفئين
نشروا الإفكَ فساداً وأذىً / وعلى اللَّهِِ جَزاءُ المفسدِينْ
لا ينالُ الحقَّ في سُلطانِه / كذبُ الحَمقى وإفكُ المرجِفين
يا لها من عُصبةٍ فاسقةٍ / هاجها للشرِّ شيخُ الفاسقين
وَجدتْ فيه زَعيماً حاذقاً / وإماماً بارعاً للمُفترِينْ
هكذا يا ابنَ أُبيٍّ هكذا / لا يكن شأنُك شأنَ المسلمين
انْفُثِ السُّمَّ وَخضها فتنةً / تَتلظَّى نارُها للخائضين
يا ابنةَ الصِّديقِ صبراً ليته / ألمُ المرضَى وَهَمُّ الموجعينْ
يا لها من علّةٍ لو تعلمين / إنّها أبرحُ ممّا تشتكين
أعقبَ البشرَ عُبوسٌ وبدا / من رسولِ اللهِ ما لا ترتضِينْ
كيفَ تِيكُمْ ليس من عادته / كيف تيكم يا لهم من مجرمين
غَيَّروه فلوى من عِطفِه / وطوى من لُطفِهِ ما تعهدينْ
وهو يُخفِي لك ما لا ينقضي / من هوىً صافٍ وشوقٍ وحنينْ
سَجَن السرَّ وكم من روعةٍ / لكِ يا أُمّاهُ في السِّرِّ السجينْ
أنصتي فالليلُ مُصغٍ أنصتي / وَقَع الخطبُ فماذا تصنعين
جاشتِ النَّفسُ ولجَّتْ رعدةٌ / لم تدع في القلب من رُكنٍ ركينْ
مِسْطَحٌ لا قرَّ عيناً مِسطحٌ / شبَّها ناراً تهولُ المُصطلينْ
فضحته عَثرةٌ من أُمِّهِ / فانظري كيدَ ذويكِ الأقربينْ
لا تلوميها إذا ما غَضبتْ / إنّها تَعلمُ ما لا تَعلمينْ
أرسلَتْها دَعوةً واحدةً / ليتها زادتْ على حَدِّ المِئينْ
تَعِسَ الثعلبُ ما أخبثَهُ / فَدَعِي بَدراً وآسادَ العرِينْ
رجعتْ في غمرةٍ من همِّها / لم تَبِتْ منها بليلِ الراقدينْ
لوعةٌ مشبوبةٌ في سَقَمٍ / في شآبيبَ من الدَّمعِ السخينْ
يا رسولَ اللَّهِ هل تأذنُ لي / إنّ بيتي بِمُصابي لَقمينْ
مُرْ ودَعْ همّي لأُمّي وأبي / إنما استأذنْتُ خيرَ الآمرِينْ
بَانَ حُسنُ الصَّبرِ والعزمُ انطوَى / وأرى السُّقمَ مُقيماً ما يَبينْ
قال ما شئتِ هلمِّي فافعلي / لكِ يا صاحبتي ما تُؤثِرينْ
ذهبتْ يحزنها أن لم تكن / طوَّحَ الدَّهرُ بها في الذَّاهبينْ
ثم قالت وهي تبكي عجباً / لكِ يا أُماه ماذا تكتمينْ
أفلا نبَّأتني ما زعموا / ويحهم ما حيلتي في الزاعمين
ظلموني ما رعوا لي حُرمةً / ربِّ كُنْ لي ما أقلَّ المنصفين
جزع الصدِّيقُ ممّا نابَهُ / إنه خَطبٌ يَهولُ الأكرمين
قال أُفٍّ لكِ من داهيةٍ / ما رُمينا بكِ في ماضي السِّنينْ
أفَلمَّا زاننا دِينُ الهدى / ساءنا منكِ حديثٌ لا يزين
كيف تيكم يا لها صاعقةً / أُرسِلَتْ من فمِ خيرِ المُرسلينْ
كيف تيكم كيف تيكم كلَّما / جاء إنّ اللَّهَ مولى الصَّابرينْ
اصبري يا ربَّةَ العِقْدِ الذي / زِينَ من عينيكِ بالدُّرِ الثمين
أوجعتها من عليٍّ شِدَّةٌ / هي من دأبِ الأُباةِ الأوّلينْ
سَلَّطَ الضربَ على مولاتها / أيُّ سرٍّ عندها للضاربين
أقسمتْ صادقةً ما علمت / غيرَ ما يدفعُ دعوى الواهمين
التُّقَى والبرُّ في تاجَيْهِمَا / هل رأى التاجَيْنِ أعلى المالكين
مرحباً بالحقِّ يَحمِي جُندُهُ / ما استباحتْ تُرَّهاتُ المبطلين
مرحباً بالوحي يجلو ما طَوتْ / ظُلماتُ الشكِّ من نُورِ اليقينْ
مرحباً بالرُّوحِ يُلقي من عَلٍ / رحمةَ اللَّهِ تُغيثُ المؤمنين
فِتنةٌ جلّتْ فَلّما انكشَفِتْ / أزلفوا الشُّكرَ وراحوا راشدين
وتجلّت غَمرةُ الهادي فلا / رِيبَةٌ تَغشى ولا ظَنٌّ يرين
يا ابنةَ الصِّديقِ طِيبي وانعمي / ذاك حكمُ اللَّهِ خيرِ الحاكمين
ضرب القومَ بماضٍ مِخذَمٍ / من مواضيهِ فولّوا مُدبرين
سَقطوا صَرْعَى عليهم غَبرةٌ / من قتام البغيِ تُخزِي الظالمين
أمسك الصِّدِّيقُ من معروفهِ / يُنكِرُ الغدرَ وينهَى الغادرين
وطوى عن مِسْطَحٍ نِعمتهُ / ليرى حقَّ الكرامِ المنعمين
عاله دهراً فلمّا خانه / رَاحَ يَجزيه جَزاءَ الخائنين
سُنَّةُ العدلِ قضاها مَن قَضَى / سُنّةَ الرحمةِ بين الراحمين
نزل الذكرُ بها قُدسيَّةً / فعفا النَّاقِمُ وارتاحَ الضنين
اجعلِ الخيرَ قريناً إن أبى / كلُّ غاوٍ إنّه نِعمَ القرين
جلَّ ربّي وعلا كلُّ امرئٍ / بالذي يكسبُ من أمرٍ رهين
رُفَيْدَةُ عَلِّمِي النَّاسَ الحَنانا
رُفَيْدَةُ عَلِّمِي النَّاسَ الحَنانا / وَزِيدي قومَكِ العالينَ شانا
خُذِي الجرحَى إليكِ فأكرمِيهم / وَطُوفِي حولهم آناً فآنا
وإن هَجَعَ النِّيامُ فلا تَنامِي / عَن الصّوتِ المردَّدِ حيثُ كانا
أعيني السّاهِرينَ على كُلومٍ / تُؤرِّقُهُم فمثلُكَ مَن أعانا
هُمُ الأهلون ما عرفوا أنيساً / سِوَاكِ لهم ولا وَجَدُوا مكانا
حَبَاكِ اللَّهُ من تقواهُ قلباً / وَسَوَّى من مراحمِهِ البَنَانا
رَفعتِ لأسلمٍ ذِكراً جليلاً / يُزاحِمُ في مواكبِهِ الزمانا
ضُيوفُ اللَّهِ عِندَكِ في مَحَلٍّ / تُذكِّرُنا مَحاسِنُه الجِنانا
فيا لكِ خَيْمَةً للِبرِّ فيها / جَلالٌ لا يُرامُ ولا يُدَانى
جلالُ اللَّهِ ألقاه عليها / فَجَمَّلَها بروعتِهِ وزانا
نَسيجٌ من شُعاعِ الحقِّ بِدْعٌ / نَزِيدُ على الزمانِ بهِ افتتانا
تَقِلُّ بَدائِعُ النُّسّاجِ عنه / وإن نسجوا اللُّجَيْنَ أوِ الجُمانا
وما يَجِدُ الأديبُ الفردُ وصفاً / يُحيطُ به ولو أفنى البيانا
له في الذّهنِ ترجمةٌ ومعنىً / جَليلُ الشأنِ يُعيِي التُّرجمانا
لساني مُوثَقٌ يا ربِّ هَبْ لي / جَنَاحَ الرِّيحِ أجعلُهُ لسانا
فأذهبُ حيثُ شِئْتُ من القوافي / وأُرسلُها مُحَبَّبَةً حِسانا
وأُلبِسُهَا رُفَيْدَةَ مُعجباتٍ / ضَوامِنَ أن تُجَلَّ وأن تُصانا
رُفَيْدَةُ جاهِدِي وَدَعِي الهُوَيْنَى / فما شَرَفُ الحياةِ لمن تَوَانى
وَرُبَّ مُجاهدٍ بَلَغَ الثُريَّا / وما عَرَفَ الضِّرابَ ولا الطِّعانا
وكم هَزَّ الممالكَ في عُلاها / فَتىً ما هزَّ سَيفاً أو سِنانا
ومن لم يَمْتَحِنْ دُنيا المعالي / فما امتحَنَ الشُّجَاعَ ولا الجبانا
رُفَيْدَةُ ذَلِكَ الإسلامُ حَقّاً / تَبَارَكَ مَن هَداكِ ومن هدانا
تَبَارَكَ ربُّنا ألقَى علينا / سَنا الوَحْيِ المنزَّلِ واصطفانا
هَدَيْنَا العالَمِينَ بِهِ وإنّا / لَنحنُ القومُ لا هادٍ سِوَانَا
مَرحباً بالأحبَّةِ المُقبلينا
مَرحباً بالأحبَّةِ المُقبلينا / أطفِئُوا شَوقَكم وقَضُّوا الحنينا
أذِنَ اللَّهُ باللقاءِ وكانتْ / لوعةً للفِراقِ دَامتْ سِنينا
إنّ هَذِي دِياركُم فادخلوها / طَيِّباتٍ لمعشرٍ طيّبينا
ادخلوها بنعمةٍ وسلامٍ / وَاعْمرُوها بأهلِكم والبنينا
أقبلوا أقبلوا وَحيُّوا رسولَ ال / لَهِ مُستبشراً يَمدُّ اليمينا
صَافحوهُ مُحبَّبَ الوجهِ سَمْحاً / والزموهُ مُباركاً مَيمونا
وانظروا حوله الجنودَ أُلوفاً / بعد أن لم تكنْ تُدانِي المئينا
واذكروا خطبَكم وكيفَ ذَهْبتُمْ / خِيفةَ الضَّيْمِ في البلادِ عِزينا
تركبونَ العُبابَ يأخذُه الكِبْ / رُ فيأبَى عِنَانُه أن يَلينا
يَضربُ الموجُ في جوانبِهِ المو / جَ وتُزجِي السَّفينُ فيه السَّفينا
اتَّخذتم أرضَ النجاشيِّ داراً / وتَركتُمْ دِيارَكم والقَطينا
مَلِكٌ عادلٌ أقامَ عليكم / من كريمِ الجوارِ حِصْناً حَصينا
وَرَعاكم رَعْيَ الحفيِّ يُؤّدي / حقَّ أضيافهِ وَفِيّاً أمينا
وَجَدَ العارَ في هَدِيَّةِ عمروٍ / فأباها وَردَّ عَمْراً حزينا
قال يا ويلتا أأهدمُ مَجدِي / وأُعادِي أبُوَّتي الأَوَّلينا
أأبيعُ الضُّيوفَ يا عمروُ دَعْها / خُطّةً تجعلُ العزيزَ مَهِينا
إنها سُبَّةٌ على الدهرِ يَأبَى / كلُّ حُرٍّ مُهذَّبٍ أن تكونا
راعه جعفرٌ بقولٍ مُبينٍ / فرأى الحقَّ واضحاً واليقينا
وَدَرى أنَما السُّجودُ لغيرِ ال / لَهِ إثمٌ يَحيقُ بالسّاجدينا
وَاهْتَدى قَلبُه فآثَرَ دِينَ ال / حقِّ في مجمعِ القَساوسِ دِينا
دَلَفَ القومُ بالمصاحفِ لا يَدْ / رُونَ ماذا يُريدُ أن يَسْتَبينا
قال ما عندَكم أما قال عِيسَى / سوفَ يأتي مِن بعدهِ من يلينا
بَطَلَ الشِّركُ وانتهى الإفكُ هذا / خاتمُ الأنبياءِ والمرسلينا
كيف نَأبَى مُحمّداً وَهْوَ حقٌّ / أيقولُ الهُداةُ إنّا عَمِينا
رَبِّ إنّي آمنتُ فاغفِرْ ذنوبي / وَاهْدِني في عبادِكَ المؤمنينا
هكذا فاز بالكرامةِ حزبُ ال / لَهِ طوبَى لِحزبهِ المفلحينا
اُدْنُ يا جعفرٌ لك الرتَبُ العل / يا وكنتَ أمرأً بهن قَمِينا
وَخُذِ القُبلةَ التي هِيَ أَقْصَى / ما تُرجِّيهِ أنْفُسُ المتَّقينا
اُدنُ يا أشبهَ الرجالِ بأعلى ال / ناسِ قَدْراً وخيرهم أجمعينا
ولك العذرُ إن رقصتَ فَهذِي / نَشوةُ الحبِّ تأخُذُ المُخلِصينا
نادِ يا شاعرَ العُروبةِ واهتفْ / مرحباً بالأماجدِ الأكرمينا
هذه خيبرُ العصيّةُ دَانَتْ / لِسيوفِ البواسلِ الفاتحينا
نَصَر اللَّهُ جُندَهُ وحَباهُ / في لواءِ النبيِّ فَتْحاً مُبينا
فَخُذوا حقَّكم هَنيئاً مَرِيئاً / واشكروا اللَّهَ أكرمَ المُنعِمينا
هَوَازِنُ أقبِلي ماذا التَّوانِي
هَوَازِنُ أقبِلي ماذا التَّوانِي / أدينُ العِزّ أم دينُ الهَوانِ
خُذي السَّبْيَ الموزَّعَ واشكريها / يَدَاً لِمُهَذَّبٍ جَمِّ الحنانِ
دَعَا أصحابَهُ بلسانِ صدقٍ / إلى الحُسْنَى فيا لَكَ من لِسَانِ
أجابوا مُنعمين ولم يَضنُّوا / بما ملكوا من البيضِ الحسانِ
وقال محمدٌ أين ابنُ عَوْفٍ / سَيَحْمَدُ مُنتَواهُ إذا أتاني
له إن آثَرَ الإسلامَ دِيناً / عَطَاءٌ لا تُجاوِزُهُ الأماني
يَعُودُ بأهلِهِ ويُزادُ مالاً / على مالٍ من الإبلِ الهِجانِ
فَأقبلَ مُسلماً وَمَضَى بخيرٍ / جميلَ الذكرِ محمودَ المكانِ
حَلِيمَةُ أنتِ والشَّيْمَاءُ أمٌّ / وأختٌ فانظرا ما تَصنعانِ
أما لكما الكرامةُ عند مَوْلَىً / كريمِ العهدِ مُوفٍ بالضَّمانِ
وهل بعدَ الرِّدَاءِ يُمَدُّ بِرٌّ / وتكرمةٌ لِذِي خَطَرٍ وَشَانِ
أَجَلَّكُما وأَجزلَ من عطاءٍ / يُعينُ على تَصاريفِ الزّمانِ
رَسُولُ اللهِ كيف وجدتماه / وماذا بعدَ ذلكَ تبغيانِ
عليهِ صلاةُ ربِّكما جميعاً / وَبُورِكَ في الرِّضَاعِ وفي اللِّبانِ
أبا صُرَدٍ لَنِعْمَ العَمُّ يرجو / غِياثَ النّاسِ من قاصٍ وَدَانِ
ظَفرتَ وفازَ بالنُّعْمَى زُهَيْرٌ / وهل لكما سِوَى ما ترجوانِ
ولم أرَ حين تُلتَمَسُ الأيادِي / كمثلِ القولِ يَحْسُنُ والبيانِ
وما مَلِكُ الشآمِ وَمَنْ يَلِيهِ / كَمَنْ وَافَيْتُما تَستَعطِفانِ
لقد نالت هَوَازِنُ ما تَمَنّتْ / وآبَتْ بالسّلامَةِ والأمانِ
هنيئاً أبا سُفيانَ لا الذخرُ هَيِّنٌ
هنيئاً أبا سُفيانَ لا الذخرُ هَيِّنٌ / ولا الأجرُ مَمنونٌ ولا أنت مَغبونُ
هو الغنمُ لم يُقْدَرْ لغير مُوفَّقٍ / له مشهدٌ في حَوْمَةِ الحربِ ميمونُ
حملتَ أبا سُفيانَ عَينكَ في يدٍ / بها الخيرُ في كلِّ المواطنِ مَقرونُ
وجِئتَ رسولَ اللهِ لا الوجهُ شاحبٌ / ولا العِطفُ مُزْوَرٌّ ولا القلبُ مَحزونُ
تقول له عَيني التي أنتَ ناظرٌ / مَضَتْ في سبيلِ اللهِ والحافزُ الدِّينُ
فقال إذا أحببتَ فالردُّ مُمكِنٌ / بِقُدرةِ ربِّ أمرُه الكافُ والنُّونُ
وإلا فأُخرَى عنده إن لَقِيتَهُ / وذلك وَعْدٌ عِندَ ربِّكَ مَضمونُ
فآثرتَ هَذِي ثمَّ ألقيتَ بالتي / حَمَلْتَ وما في الحقِّ أن يُؤثَرَ الدُّونُ
سَتَتْبَعُها في وَقعةِ الرُّومِ أخْتُها / إذا حانَ منها بعد ذلكمُ الحِينُ
فخيرٌ على خيرٍ ونُعمَى تزيدها / من اللهِ نُعمى سِرُّها عنك مَكنونُ
هنيئاً أبا سُفيانَ لا الرُّمحُ آسفٌ / ولا السَّيفُ مكروبٌ ولا العزمُ موْهونُ
عَطاؤُكَ في الهيجاءِ لم يُعْطَ مِثلَهُ / من النّاسِ إلا صادقُ البأسِ مأمونُ
وَفَدَ الفارسُ الذي تَفرُقُ الأب
وَفَدَ الفارسُ الذي تَفرُقُ الأب / طالُ مِنهُ وتَفزعُ الفُرسانُ
جاءَ عَمروٌ وأيُّ قَرمٍ كعمروٍ / حِينَ تُدعى القرومُ والشُّجعانُ
ماله في الرجالِ كُفؤٌ إذا ما / حَمِيَ الضربُ وَاسْتَحرَّ الطعانُ
رَاعَ صَمصامُه وشاعَ له في ال / أرضِ ذِكرٌ مُجلجِلٌ رنّانُ
قال يا قيسُ أنتَ سيّدُ قومٍ / ليس فيهم لغيرِكَ اليومَ شَانُ
أيَّما خُطَّةٍ أردتَ فلا مَعْ / دَلَ عنها وحيثما كنتَ كانوا
سِرْ معي ننظُر الذي رَاحَ يَنْهَى / أن تُقامَ الأصنامُ والأوثانُ
إنّه إنْ يَكُنْ نبيّاً فلن يَخْ / فَى علينا الدّليلُ والبُرهانُ
ومن الحقِّ أن يكونَ مُطاعاً / فعلينا الولاءُ والإيمانُ
قال يا عمروُ هل أصابكَ مَسٌّ / فتمادَى الهُراءُ والهَذيانُ
ما أنا بالذي يَلينُ عِناني / لابنِ أُنثَى إنْ لانَ مِنكَ العِنانُ
إن تكنْ مُذعِناً لمن فَتن النا / سَ فما بي لمثلِهِ إذعانُ
ذَهَبَ الفارِسُ الزبيديُّ فَرْداً / وتَقضَّى النداءُ والبُهتانُ
يطلب السّاحةَ التي يُطلَبُ الخي / رُ بأرجائِها ويُرجَى الأمانُ
مَهبطُ الوحيِ يَرتعُ الرّوحُ فيها / كلَّ حينٍ ويَسطعُ الفُرقانُ
رَضِيَ البرَّ والمُروءةَ ديناً / فَصَفتْ نَفسُه وطابَ الجنانُ
زالَ عنه الأذَى فما خطبُ قيسٍ / إنّ قيساً لثائرٌ حَرَّانُ
قال يا ويحَهُ أ آمره أم / رِي فَمِنْهُ الإباءُ والعِصْيانُ
لأُذِيقنَّهُ الجَزاءَ أليماً / فيرى موضِعي وكيفَ يُدانُ
هكذا تصنع الجهالةُ بالنا / سِ فتعمَى العقولُ والأذهانُ
وَمِنَ النّاسِ مُبصِرونَ يَرَوْنَ ال / حقَّ حقّاً ومِنهمُ عُميانُ
جَاءَ الرّسولُ كِتابُه بيمينِهِ
جَاءَ الرّسولُ كِتابُه بيمينِهِ / واليمنُ في فمهِ وَفْوَق جَبينِهِ
وَافَى إمامَ المُرسلينَ مُبشّراً / بالمؤمنينَ من الملوكِ بدينهِ
بعثوا إليه رسولهم وكتابَهم / أن ليس مُتَّبَعٌ لهم مِن دونه
قالوا اعْتَصمنا باليقينِ فَزادنا / دِينُ الهُدى والمرءُ عِندَ يقينِهِ
ولقد قتلنا المشركينَ نُريدُه / فتحاً يَشُجُّ الشِّركَ في عِرْنِينهِ
أقيالُ حِمْيَرَ لانَ جانِبُ عِزِّهم / لِمُسلَّطٍ لِينُ الظُّبَى مِن لِينهِ
سَنَّ السّبيلَ بِسيفهِ وَلِسانِهِ / فتهافتَ الأقوامُ في مَسْنُونِه
لا شيءَ كالحقِّ المُسلَّحِ للفتى / يَشفِيهِ من كَلَبِ الهَوى وجُنونِهِ
اللّيثُ في مِحرابِهِ وكتابِهِ / واللّيثُ في أشبالِهِ وعَرِينهِ
رَجَع الرسولُ على هُدَىً برسالةٍ / فيها الهُدَى يَمحُو الظّلامَ لِحينهِ
فيها قُوى الإسلامِ مُحكَمةُ العُرَى / لِمَن ابْتَغَى الخيراتِ في تَمكينهِ
فيها شَعائرهُ ومَظهرُ مجدهِ / ونظامُ دَولتِهِ وأُسُّ شُؤونِهِ
أخَذَ الملوكَ بواضحٍ من هَدْيهِ / مُتبلِّجٍ لم يَأْلُ في تَبْيينهِ
وَرَمى إليهم بالوصيَّةِ سمحةً / يَقضِي الأمينُ بها زِمامَ أمينِهِ
أن أكْرِموا رُسلِي الذين تَرَوْنَهم / يرجون فضلَ الله عِندَ ديُونهِ
أَوصيتُ زرعةَ أن يكونَ لهم يداً / كَيَدِ القرينِ يَشُدُّ أزْرَ قرينِهِ
ولقد جعلتُ إلى معاذٍ أمرهُمْ / فجعلتُه لِزَعيمهِ وضَمينهِ
لا يرجعنَّ إليَّ إلا راضياً / والله عَوْنُ نَصيرِه وَمُعينِهِ
يا حارثُ اشْكُرْ فَضْلَ رَبِّكَ إنّه / أعطاكَ حَظّاً زَادَ في تَحسينِهِ
أوَ لستَ أوّلَ مُسلمٍ من حِمْيَرٍ / وَرَدَ الهُدى وَمَضى بِصَفْوِ مَعينِهِ
وأقامَ للشركِ المذمَّمِ مَأتماً / يَستعذِبُ الإسلامُ رَجْعَ أنينِهِ
أبْشِرْ بخيرٍ غيرِ مقطوعِ الجنَى / مِن ربّكَ الأعلى ولا مَمْنونِهِ
هَذا السّبيلُ فأينَ يذهبُ من أبى / أوَ ليس نُور اللهِ قد كشفَ الدُّجَى
ليس الذي رَكِبَ الغَوايةَ فَالْتوى / كَمَن استقامَ ولا الضَّلالةُ كالهُدَى
أحسنتَ فروةُ إنّ دِينَ مُحمدٍ / لَهُوَ الذي يَشفِي القُلوبَ مِنَ العَمَى
هذا رسولُكُ جَاءَهُ بِهَديّةٍ / فيها لنفسِك كلُّ ما تَهَبُ المُنَى
أنت السّعيدُ بها ولو أتْبعَتها / كُلَّ الذي لك لم تَزِدْ إلا غِنَى
ماذا يغيظُ الرُّومَ من مُسْتَبْصِرٍ / صَرَفَ العِنانَ عن الغوايةِ وارْعَوَى
سجنوه حين رَأوْهُ يُطلِقُ نفسَهُ / في المعشرِ الطُلَقاءِ من سِجنِ الهَوى
وتكنَّفوهُ لِيفتنُوه فزادَ في / إيمانِهِ ما جَرّعوهُ من الأذَى
لو يعقِلُ الملكُ الغَبيُّ لمَا رأى / رَأْيَ الأُلى ضلّوا السّبيلَ ولا غَوَى
قال اعْتَزِلْ دِينَ الذينَ هُمُ العِدَى / إن كنتَ تُؤثِرُ أن تُرَدَّ على رِضَى
لك عند قومِكَ ما تحبُّ وتَشتهِي / في ذلكَ الحَرمِ المُمنَّعِ والحِمَى
المجدُ والشرفُ الرفيعُ وما ترى / من نعمةٍ خضراءَ دانيةِ الجَنى
قال اقْتصِدْ ما أنْتَ أنْتَ ولا أنا / أنا قد مضى من أمرِنا ما قد مَضى
إنّي اصطفيتُ مُحمداً وهو الذي / أوصى به عيسَى فَنِعمَ المُصطفى
وأراكَ تَعلمُ غيرَ أنّكَ مُولَعٌ / بالمُلكِ تكرهُ أن يكونَ له مدَى
قال اقتلوهُ فراحَ يَلقى ربَّهُ / فَرِحاً بما حَفِظَ الأمانةَ وَاتَّقَى
صَلبوهُ من حَنَقٍ عليه فويحهم / أفَلَمْ يكنْ في قتلِ فروةَ ما كَفَى
نِعْمَ الشهيدُ وبِئْسَ ما صَنعوا به / وسيعلمون لِمَنْ يكونُ المُنتهى
تِلكَ العقيدةُ حكمُها وسبيلُها / إمّا سبيلُ المؤمنينَ أوِ الرَّدى
هُمْ سَادَةُ الحربِ من شِيبٍ وشُبّانِ
هُمْ سَادَةُ الحربِ من شِيبٍ وشُبّانِ / ساروا سِراعاً فما في القومِ من وَانِ
حِيدي جُهَيْنَةُ أو بِيدي مُذَمَّمةً / حُمَّ القضاءُ وخَفَّتْ أُسْدُ خفّانِ
سريّةُ اللهِ ترمي عن يَدَيْ بطلٍ / عالي اللواءِ رفيعِ القَدْرِ والشّانِ
أبا عُبيدَةَ أَوْرِدْها مُظَفَّرَةً / مَوارِدَ النّصرِ تَشفِي كلَّ حَرّانِ
ما للحفِيظَةِ إن جاشَتْ مَراجِلُها / إلا القواضِبُ تُسقَى بالدّمِ القاني
خانت قُريشُ وأمسى عَهدُها كَذِباً / فَبَادِرِ العيرَ وَاضْرِبْ كُلَّ خَوَّانِ
لا يعجبنّ جُناةُ الشرّ إن حَصَدوا / ما يزرعُ الشُّؤْمُ من بَغْيٍ وعُدوانِ
لا تبتئسْ بجرابِ التمرِ يحملُهُ / أولو الحميَّةِ من صَحْبٍ وإخوانِ
أُعجوبةٌ ما لها في الدّهرِ من مَثَلٍ / لكنَّ ربَّكَ ذُو فضلٍ وإحسانِ
إن يَنفدِ الزّادُ أغناكم وزوّدكم / ما ليس يَنفدُ من تقوىً وإيمانِ
كُلُوا من الخَبْطِ نِعمَ الخَبْطُ من أُكُلٍ / لكلّ ذي سَغَبٍ في اللهِ طَيَّانِ
حيّاكُمُ اللهُ من صِيدٍ غَطَارِفَةٍ / يلقون في البؤسِ عيشَ النّاعمِ الهاني
هِيَ النّفوسُ بناها اللهُ من شَممٍ / نِعمَ البناءُ وجَلَّتْ قدرةُ الباني
وأنتَ يا قيسُ فانْحَرْها مُبَارَكةً / تَجنِي بها الحَمْدَ يسْتَعلِي به الجاني
أسديتَها يا ابنَ سعدٍ خيرَ عارفةٍ / جاءَتْ على قَدَرٍ في خيرِ إبّانِ
ما في صَنيعِكَ من بِدْعٍ ولا عَجَبٍ / قَيسٌ ووالدُهُ في الجودِ سِيّانِ
كِلاكُما وسيوفُ اللهِ شاهدةٌ / غَوْثُ اللّهيفِ وَروْحُ البائِسِ العاني
ما أقربَ الحقَّ ممّا يَبتغي عُمَرٌ / لو لم تكنْ لأبٍ للحقِّ صَوَّانِ
يَقضيهِ عنكَ وإن أربيتَ تجعلُهُ / ما تحملُ الأرضُ من إبْلٍ ومن ضَانِ
ما مِثلُ ما قَدَّمَتْ للهِ منك يدٌ / ما قَدَّمَ النّاسُ من هَدْيٍ وقُربانِ
أبا عُبَيْدَةَ لولا أن عزمتَ على / قيسٍ لأَمعنَ قيسٌ أيَّ إمعانِ
يَقولُ إذ رُحتَ تَنهاهُ وتَمنعُهُ / أبا عُبيدَةَ مَهْلاً كيف تنهاني
أنا ابنُ سعدٍ وسعدٌ أنتَ تعرِفُهُ / مَوْلَى العشيرَةِ من قاصٍ ومن دانِ
يَكفي المُهِمَّ إذا ضاقَ الكُفاةُ به / ويُطعِمُ النّاسَ من مَثْنَىً وَوُحدَانِ
أأصنعُ الصُّنْعَ مَحموداً فَيخذِلُني / أبٌ أراه لغيرِي خيرَ مِعوانِ
لا يُبعِدِ اللهُ منه والداً حَدِباً / سمحَ الخلائِقِ أرعاهُ ويرعاني
يا قيسُ إنّ رسولَ اللهِ شاهِدُهُ / فَعَدِّ نَفسَكَ عن وصفٍ وتبيانِ
رَمَتْ جُهَيْنَةُ بالأبْصَارِ من فَزَعٍ / فلم تَجِدْ غيرَ أبطالٍ وفُرسانِ
لاذَتْ بأكنانِها القُصوى ولو قَدرتْ / لاذتْ من الزّاخرِ الطّامِي بأكنانِ
وولّتِ العِيرُ يخشى أن يُحاطَ بها / من الأُلَى هُمْ ذَووها كلُّ شيطانِ
ماذا على القَوْمِ يرضَى البأسُ إن غَضبوا / أن لا يفوزوا بأكفاءٍ وأقرانِ
آبوا بخيرٍ وآبتْ كلُّ طائفةٍ / من الأُلى كَرِهوا الحُسْنَى بِخُسرانِ
للحقِّ سُلطانُهُ فليأتِ مُنكِرُهُ / إنِ اسْتَطاعَ له رَدّاً بِسُلطَانِ
ما حُجَّةُ الشِّركِ والأكوانُ شاهِدَةٌ / بواحدٍ سَرمَدِيِّ المُلكِ دَيّانِ
سُبحانهُ لن يُصيبَ الجاهلونَ على / طُولِ التَّوهُّمِ من ربٍّ لهم ثانِ
طاحَتْ بهم غَمرةٌ ما تَنجَلي وطَغَتْ / على عُقولٍ لهم مَرْضَى وأذهانِ
تلك البراهينُ تترى كلَّ آونةٍ / لو كان ينتفعُ الأعمى بِبرهانِ
أخا جُهَيْنَةَ عُدْ في منظرٍ بَهِجٍ / عَوْدَ امرئٍ مَرِحِ الأعطافِ جَذلانِ
تَمْرٌ وكُسْوَةُ مِعطاءٍ وراحلةٌ / بُشْرَى الصّديقِ وبؤْس الحاسِدِ الشّاني
عَرَفَت قيساً فتى مجدٍ ومكرمةٍ / صدقتَ إنَّكَ ذو علمٍ وعرفانِ
نَبِّئْ جُهَينَةَ واذكرها يداً عظمتْ / فليس في الحقِّ أن تُجزَى بنسيانِ
إذا تدفَّقَ دِينُ المرءِ في دمِهِ / سَرَتْ معانِيهِ في رُوحٍ وجُثمانِ
ما الدينُ يُشرَعُ من صدقٍ ومن وَرَعٍ / كالدينِ يُشرَعُ من زورٍ وبُهتانِ
يا مَنزلَ النَفسِ تَرضاهُ إِلى أَجلٍ
يا مَنزلَ النَفسِ تَرضاهُ إِلى أَجلٍ / مِن الحَياةِ وَتجفوه إِلى حينِ
لا تجزعنَّ لِطُولِ البَينِ إِن جَزعَت / أَطلالُ كلِّ شَجيِّ الرَسم محزونِ
لَسَوفَ تَقضي النَوى مِن بَعدنا عَجَباً / لِمُقفرٍ بِعوادي الدَهرِ مَسكونِ
بَنَيتَ مِن زُخرفِ الدنيا وَباطِلها / فالقَ العَفاءَ وَدَعنِي في حَمى الدينِ
سِر فَالسَعادَةُ حَيثُ كُنتَ تَكونُ
سِر فَالسَعادَةُ حَيثُ كُنتَ تَكونُ / وَمِنَ السَعادَةِ سَيرُكَ المَيمونُ
الحَزمُ هادٍ وَالسِياسَةُ مَركَبٌ / وَالعَزمُ حادٍ وَالمَضاءُ قَرينُ
لَكَ كُلَّ عامٍ رِحلَةٌ تَبغي بِها / ما عَزَّ مِن آمالِنا فَيَهونُ
تَرِدُ المَوارِدَ ما يُكَدِّرُ صَفوَها / قَولُ الوُشاةِ وَلِلوُشاةِ شُؤونُ
سِر فَالقُلوبُ عَلى ركابِكَ حُوَّمٌ / يَبدو لِعَينِكَ سِرُّها المَكنونُ
صَحِبَتكَ تَعلَمُ أَنَّ بِرَّكَ زادُها / وَالبِرُّ بِالحُبِّ الصَريحِ ضَمينُ
اطلُع بِيَلدِزَ كَوكَباً مُتَوَقِّداً / تَنجابُ عَنهُ غَياهِبٌ وَدُجونُ
وَالقَ الخَليفَةَ قَد تَهَلَّلَ وَجهُهُ / بِشراً وَخَفَّ إِلَيكَ وَهوَ رَصينُ
وَتَذَكَّرا العَهدَ القَديمَ وَجَدِّدا / عَهداً عَنِ الوُدِّ المَتينِ يُبينُ
كَثُرَت ظُنونُ الجاهِلينَ وَقَلَّما / تَبقى إِذا وَضَحَ اليَقينُ ظُنونُ
كَذَبوا فَما اِنتَقَضَ الَّذي أَبرَمتُما / وَالظَنُّ في بَعضِ الأُمورِ يَخونُ
أَتَهيجُهُم طَشيوزُ وَهيَ سَحابَةً / تَمضي كَما يَمضي السَحابُ الجُونُ
إِنَّ الخَليفَةَ لَيسَ يِعدُو عِلمُهُ / أَنَّ الأَميرَ حُسامُهُ المَسنونُ
وَمِنَ السِياسَةِ أَن يَظَلَّ مُذَرَّباً / تَعنو لَهُ هامُ العِدى وَتَدينُ
عَبّاسُ إِنَّكَ لِلَّذينَ تَسوسُهُم / حِصنٌ يَرُدُّ العادِياتِ حَصينُ
يَأبى اِشتِدادَ الخَطبِ حينَ تَروضُهُ / عَزمٌ لَهُ النُوَبُ الشِدادُ تَلينُ
أَراكَ عَلى المَغيبِ فَهَل تَراني
أَراكَ عَلى المَغيبِ فَهَل تَراني / وَهَل يَخفى عَلى أَحَدٍ مَكاني
دَعا الداعي فَأَسمَعَ حينَ نادى / بَني الأَقطارِ مِن قاصٍ وَدانِ
مَضوا زُمَراً إِلى واديكَ شَتّى / فَهَل وَجَدوا بِهِ ريحَ الجِنانِ
وَظَلّوا عاكِفينَ عَلَيكَ حَتّى / كَأَنَّكَ كُنتَ مِن خَيرِ الأَماني
فَمِن مَلِكٍ أَغَرَّ وَمِن أَميرٍ / أَعَزَّ وَكاتِبٍ ذَرِبِ البَيانِ
أَتَوكَ وَعاقَني حِدثانُ دَهرٍ / يُصَرِّفُ لا كَما أَرضى عِناني
يَعَزُّ عَلَيكَ أَنّي عَنكَ ناءٍ / تَرى تِلكَ الوُفودَ وَلا تَراني
رُوَيدَكَ إنَّ شَخصَكَ مِلءُ عَيني / وَذِكرَكَ ما يزالُ عَلى لِساني
أَيَشغَلُ شاعِرَ الوَطَنِ المُفَدّى / سِواكَ وَأَنتَ شُغلُ بَني الزَمانِ
حَدا أَسرابَهُم بَرحُ اِشتِياقٍ / إِلَيكَ وَقادَهُم فَرطُ اِفتِتانِ
سَيَكفيكَ الَّذي تَخشى وَتَرجو / مِنَ الأدَبِ المُهَذَّبِ ما كَفاني
فَهَل لَكَ أَيُّها الخَزّانُ عَهدٌ / بِحِفظٍ لِلصَنيعَةِ أَو صِيانِ
وَقَبلَكَ ضاعَ شِعري في دِيارٍ / شَجاني مِن بَنيها ما شَجاني
تعامى مَعشَرٌ عَنّي وَعَنهُ / فَيا عَجَبي أَيَخفى النَيِّرانِ
بِرَبِّكَ هَل يَريدُ ذَووكَ خَيراً / بِشَعبٍ عاثِرِ الآمالِ عانِ
وَهَل تُروى الكنانَةُ وَهيَ ظَمأى / فَتَروي عَن صَنائِعِكَ الحِسانِ
أَحَقّاً أَنتَ داهِيَةٌ جَناها / عَلَينا مِن بَني التاميزِ جانِ
أَحَقّاً أَنَّهُم صَدَقوا فَجاءوا / بِأَحسَنِ ما بَنى لِلخيرِ بانِ
سَتُخبِرُنا اليَقينَ صَروفُ دَهرٍ / يَكُرُّ بِها قَضاءٌ غَيرُ وانِ
لَنا إِن رُمتَ شُكراً لا عَلَينا / كَفانا مِن بُناتِكَ ما نُعاني
فَيا صُنعَ الجَبابِرَةِ اِستَعانوا / عَلَيكَ بِخَيرِ رِدءٍ مُستَعانِ
قُوى أَيديهُمُ وَقُوى نُهاهُم / كِلا الأَمرَينِ عُدَّةُ كُلِّ شانِ
سَتَبقى يا عَروسَ النيلِ تُبدي / جَمالَ الفَنِّ آناً بَعدَ آنِ
تَمُرُّ الحادِثاتُ عَلَيكَ سِلماً / تُقَلِّبُ عَينَ ذي الفَزَعِ الجَبانِ
وَلَيسَ لَها وَإِن جَهِلَت عَلَينا / بِما لا تَبتَغي مِنها يدانِ
أَعِر مِصراً كِيانَكَ إِنَّ مِصراً / وَقاها اللَهُ واهِيَةُ الكِيانِ
أَرى الهَرَمَينِ قَد هَرِما وَشاخا / وَأَنتَ مِنَ الصِبى في عُنفُوانِ
فَناجِهِما وَلَو قَدِرا لَخَفّا / إِلَيكَ فَأَقبَلا يَتَبارَيانِ
عَلَيَّ الجِدُّ يُعجِبُ سامِعيهِ / وَلَيسَ عَلَيَّ وَصفُ المِهرَجانِ
أَتِلكَ مَصارِعُ المُستَضعَفينا
أَتِلكَ مَصارِعُ المُستَضعَفينا / فَما بالُ الهُداةِ المُصلِحينا
أَجيبي دنشوايَ فَإِن تَكوني / عَييتِ عَنِ الجَوابِ فَما عَيينا
مُلِئتِ أَسىً فَلَن تَجِدي عَزاءً / وَلَن تَدَعي التَوَجُّعَ وَالأَنينا
هُمو أَخَذوكِ بِالنَكَباتِ حَرّى / وَبِالأَهوالِ شَتّى يَرتَمينا
تَذوقينَ العَذابَ وَهُم نَشاوى / يُغَنّونَ المَشانِقَ ناعِمينا
إِذا طَرِبتَ أَهابَ بِها مِراحٌ / تُجاوِبُهُ نُفوسُ الهالِكينا
تَطوفُ بِها الأَرامِلُ وَاليَتامى / تَضُجُّ وَتَذرِفُ الدَمعَ السَخينا
وَتَعطِفُها السِياطُ عَلى رِجالٍ / بِمُطَّرَحِ الهَوانِ مُمَزَّقينا
تَعاوَرَهُم أَكُفُّ القَومِ صَرعى / تَطيرُ جُلودُهُم مِمّا لَقينا
إِذا اِنسابَ الدَمُ المُهراقُ مِنهُم / رَأيتَ ثِيابَهُم حُمراً وَجونا
عَلى أَجسامِهِم أَثَرٌ مُبينٌ / تُريكَ سُطورُهُ الظُلمَ المُبينا
صَحائِفُ بِالسِياطِ تَخُطُّ فَاِقرَأ / وَقُل لِلَهِ أَيدي الكاتِبينا
وَقائِلَةٍ أَما لِلقَومِ حامٍ / يَقيهِم ما نُشاهِدُ أَو يَقينا
رُوَيدَكِ إِنَّ رَبَّكِ قَد وَعاها / فَظُنّي الخَيرَ وَاِنتَظِري اليَقينا
أَفاطِمَ إِنَّ لِلضُعَفاءِ رَبّاً / يُديلُ لَهُم مِنَ المُتَجَبِّرينا
رَضينا بِالحَمامِ يَكونُ صَيداً / فَما قَنَعَ الرُماةُ بِما رَضينا
أَبَوا إِلّا النُفوسَ فَما اِستَطَعنا / سِوى شَكوى الضِعافِ العاجِزينا
يُديرونَ الحُتوفَ عَلى أُناسٍ / وَيَقضونَ العَذابَ لِآخَرينا
أَذابوا الأُمَّهاتِ أَسىً وَوَجداً / وَطاحوا بِالأُبُوَّةِ وَالبَنينا
قَضاءٌ طاشَ مِن فَزَعٍ وَخَوفٍ / وَيَحسَبُهُ الأُلى فَزِعوا رَزينا
قَتيلُ الشَمسِ ليسَ لَهُ سِوانا / فَمَرحى لِلقُضاةِ العادِلينا
أَمِن دَعوى التَعَصُّبِ وَهيَ زورٌ / تُباحُ دِماؤُنا لِلغاصِبينا
يَقولُ القَومُ إِصلاحٌ وَعَدلٌ / لَعَمرُ المُصلِحينَ لَقَد شَقينا
بَني التاميزَ كونوا كَيفَ شِئتُم / فَلَم نَدَعَ الكِفاحَ وَلَن نَلينا
خُذوا أَنصارَكُم إِنّا نَراهُم / لَنا وَلِقَومِنا الداءَ الدَفينا
هُمُ الأَعداءُ لَسنا مِن ذَويهِم / وَلَيسوا في الشَدائِدِ مِن ذَوينا
ذَمَمنا عَهدَكُم فَمَتى نَراكُم / تَشُدّونَ الرِحالَ مُوَدِّعينا
دَعوا ذِكرَ الوِفاقِ وَما يَليهِ / فَما نَسِيَ الحَمامُ وَلا نَسينا
زَعَمتُم أَنَّ مَوعِدَكُم قَريبٌ / كَذَبتُم أُمَّةً تُحصي السِنينا
رُوَيدَكَ أَيُّها الجَبّارُ فينا
رُوَيدَكَ أَيُّها الجَبّارُ فينا / فَإِنَّ الرَأيَ أَلّا تَزدَرينا
رُوَيدَكَ أَيُّها القاضي عَلَينا / قَضاءَ الظالِمينَ الناقِمينا
زَعَمتَ الحُكمَ حُكمَكَ في كِتابٍ / كَذَبتَ بِهِ الخَلائِقَ أَجمَعينا
وَما غَفلوا عَنِ الأَحقادِ تَغلي / مَراجِلُها وَما جَهلوا اليَقينا
نَفَثتَ سُمومَها إِذ ضاقَ عَنها / فُؤادُكَ وَالقُلوبُ تَضيعُ حينا
زَعَمتَ سُراتَنا وَذَوي نُهانا / مَهاذيرَ المَقاوِلِ كاذِبينا
إِذا ما جِئتَهُم أَرضَوكَ مَدحاً / فَإِن فَارَقتَ عادوا لاعِنينا
زَعَمتَ بِلادَهُم هانَت عَلَيهِم / فَما يَشكونَ عَهدَ الغاصِبينا
زَعَمتَ حَياتَهُم أَرضاً وَماءً / تَجودُ بِهِ أَكُفُّ المانِحينا
زَعَمتَ بِنا مَزاعِمَ كاذِباتٍ / وَما يُغني مَقالُ الزاعِمينا
زَعَمتَ الدينَ وَالقُرآنَ جاءا / بِما يُشقي حَياةَ المُسلِمينا
زَعَمتَ مُحَمَّداً لَم يُؤتَ رُشداً / وَلَم يَسلُك سَبيلَ المُصلِحينا
فَلَيتَكَ كُنتَهُ لِتَسُنَّ شَرعاً / يُبَلِّغُنا مَكانَ السابِقينا
رُوَيدَكَ أَيُّها الجَبّارُ فينا / فَبِئسَ الحُكمُ حُكمُ القاسِطينا
وَهَبنا أُمَّةً في الجَهلِ غَرقى / وَشَعباً في مَهانَتِهِ دَفينا
أَدينُ اللَهِ يَأمُرُنا بِجَهلٍ / وَيوجِبُ أَن نَذِلَّ وَنَستَكينا
سَلِ الأَحياءَ وَالمَوتى جَميعاً / أَكُنّا أُمَّةً مُستَضعَفينا
لَيالِيَ يَبعَثُ الإِسلامُ مِنّا / عَزائِمَ تُخضِعُ المُتَغَطرِسينا
نَثُلُّ عُروشَ جَبّارينَ غُلباً / وَنَجتَثُّ المَمالِكَ فاتِحينا
وَقائِعُ تَرجُفُ الدُوَلاتُ مِنها / وَيَذكُرُها القَياصِرُ صاغِرينا
تَرَكنا الدَهرَ يَنتَقِضُ اِنتِقاضاً / وَغادَرنا الخَلائِقَ ذاهِلينا
بِبَأسٍ لا كِفاءَ لَهُ وَعِلمٍ / جَلا الغَمَراتِ وَاِكتَسَحَ الدُجونا
لَيالِيَ ظَلَّل الأَقوامَ جَهلٌ / أَضَلَّهُمُ فَظَلّوا حائِرينا
سَننَّا الرُشدَ لِلغاوينَ طُرّاً / وَلَولا الدينُ لَم نَكُ راشِدينا
وَلَولا مَعشَرٌ خَذَلوهُ مِنّا / لَكُنّا السابقينَ الأَوَّلينا
أَتَزعُمُ ما جَنى الجُهَلاءُ ديناً / وَتَأخُذُنا بِذَنبِ الجاهِلينا
رُوَيدَكَ أَيُّها الجَبّارُ فينا / فَما أَنصَفتَنا دُنيا وَدينا
رَبِّ أَحبِبني وَأَحبِب أُسرَتي
رَبِّ أَحبِبني وَأَحبِب أُسرَتي / وَاِعفُ عَن قَومي وَبارِك وَطَني
رَبِّ هَذِّبني وَطَهِّر سائِري / مِن قَذىً يَعلَقُ بي أَو دَرَنِ
وَاِصرِفِ المَكروهَ عَنّي وَالأَذى / وَاِكفِني اللَّهُمَّ شَرَّ الفِتَنِ
رَبِّ داوِ النَفسَ مِن أَدوائِها / قَبلَ أَن تُودي وَيُودي بَدَني
كانَ ما كانَ وَلَولا ما مَضى / مِنكَ في تَكوينِهِ لَم يَكُنِ
بِكَ أَستَهدي فَسَدِّدني إِلى / أَرشَدِ السُبلِ وَأَهدى السَنَنِ
رَبِّ وَفِّقني وَكُن عَوني عَلى / شُكرِ ما أَولَيتَني مِن مِنَنِ
أَطهَرُ الأَقلامِ مِن آثارِها / حينَ أُحصيها وَأَزكى الأَلسُنِ
رَبِّ أَمِّني فَإِنّي عائِذٌ / بِرَجاءِ الخائِفِ المُستَأمِنِ
ما لِنَفسي فيكَ ما تَملِكُهُ / غَيرَ ما تَملِكُ نَفسُ المُؤمِنِ
ثِقَةٌ ما خالَطَتها ريبَةٌ / وَيَقينٌ ما بِهِ مِن وَهَنِ
رَبِّ هَذا سَبَبي أُدلي بِهِ / رَبِّ فَاِمدُد سَبَبي لا تُخزِني
هَب لِقَومي مِنكَ جَدّاً عالِياً / يَتَذَرّى عالِياتِ القُنَنِ
جَثَمَ الضَيمُ بِهِم في حُفرَةٍ / جَثَمَت فيها عَوادي الزَمَنِ
كُلَّما قُلتُ أَما مِن نَهضَةٍ / نَهَضَت فيهِم فَهاجَت حَزَني
رُبَّ لَيلٍ بِتُّهُ من أَجلِهِم / يَتَحاماني مَطيفُ الوَسَنِ
ضارِباً في غَمرَةٍ ما تَنجَلي / مِن هُمومٍ كَالخِضَمِّ الأَرعَنِ
طامِياتٍ يَتَرامى مَوجُها / بِالأَماني حائِراتِ السُفُنِ
لَستُ أَدري أَهمو في مَوطِنٍ / يَجمَعُ الأَحياءَ أَم في مَدفَنِ
وَيحَ قَومي غَرَّهُم إِذ هَلَكوا / رَونَقُ القَبرِ وَحُسنُ الكَفَنِ
سَكَنَت نَفسي إِلى اليَأسِ وَبي / مِن هُمومي عاصِفٌ لَم يَسكُنِ
عَزَّتِ الشورى عَلَيهِم فَاِشتَروا / ما اِشتَروا مِنها بِأَغلى ثَمَنِ
ثُمَّ ناموا نَومَةَ الدَهرِ وَما / غَفَلَت عَنهُم عُيونُ المِحَنِ
يا أُساةَ الشَعبِ إِن أَعتِب فَقَد / شَفَّني من دائكم ما شفَّني
عالَجوا مَرضى قُلوبٍ عَمِيَت / وَتَمَشّى داؤُها في الأَعيُنِ
عالَجوا الداءَ وَلَمّا يُعيكُم / وَاِكشِفوا الكَربَ وَلَمّا يُردِني
هُم أَضاعوا حَوزَةَ المُلكِ وَهُم / أَوطَأوهُ أَخمَصَ المُمتَهِنِ
خَذَلوهُ رَوَّعوهُ هَدَموا / مِنهُ ما اِستَنفَدَ جُهدَ المُبتَني
هَواكِ هَواكِ وَالدُنيا شُؤونُ
هَواكِ هَواكِ وَالدُنيا شُؤونُ / وَلِلصَبَواتِ آوِنَةً سُكونُ
تُقَلِّبُني الحَوادِثُ وَاللَيالي / وَحُبُّكِ عَن تَقَلُّبِها مَصونُ
ظَنَنتِ سِواهُ أَن نَزَحَت دُموعي / وَأَن هَدَأَ التَشَوُّقُ وَالحَنينُ
رُوَيدَكَ إِنَّ أَشقى الحُبِّ حُبٌّ / تَمَشَّت في جَوانِبِهِ الظُنونُ
وَقَبلي أَعيَتِ البُرحاءُ قَوماً / فَما وَفَتِ القُلوبُ وَلا العُيونُ
وَإِنَّي لَو أُشاوِرُ فيكِ رَأيي / لَكَشَّفَ غَمرَتي عَقلٌ رَصينُ
يَجُدُّ عَلائِقَ الأَهواءِ إِلّا / هَوىً يُبنى بِهِ الشَرَفُ المَكينُ
وَيَمنَعُني الَّذي تَبغينَ نَفسٌ / تَهونُ الحادِثاتُ وَلا تَهونُ
نَماها العِلمُ وَالحَسبُ المُصَفّى / وَأَخلاقٌ هِيَ الذُخرُ الثَمينُ
وَما لِلحُرِّ إِن عَددَتِ العَوادي / سِوى أَخلاقِهِ فيها مُعينُ
إِذا الأَخلاقُ لَم تَمنَع أَخاها / أَباحَتهُ المَعاقِلُ وَالحُصونُ
عَزيزَ النيلِ أَنتَ لَهُ حَياةٌ / وَأَنتَ لِمُلكِهِ الرُكنُ الرَكينُ
تَرُدُّ رَوائِعَ الحِدثانِ عَنهُ / مَهولاتٍ تَذِلُّ وَتَستَكينُ
إِذا حادَت أَماني مِصرَ يَوماً / هَداها مِنكَ نورٌ مُستَبينُ
وَإِن رابَت مَواقِفَها اللَيالي / فَمِن تاجيكَ يَنبَلِجُ اليَقينُ
أَضِئ نَهجَ الحَياةِ لَنا فَإِنّا / أَضَلَّتنا الغَياهِبُ وَالدُجونُ
وَوالِ مِنَ النَوابِغِ كُلَّ حُرٍّ / لَهُ في قَومِهِ حَسَبٌ وَدينُ
تُشاوِرُهُ فَما يَألوكَ نُصحاً / وَلا يَجني عَلَيكَ بِما يَخونُ
أَتَملِكُ دَوحَةُ المُلكِ اِرتِفاعاً / إِذا مالَت حِفافَيها الغُصونُ
سَلِ التاريخَ وَاِنظُر ما أَعَدَّت / لَكَ الأُمَمُ الخَوالي وَالقُرونُ
عِظاتُ الدَهرِ وَالأَجيالِ مِنها / بِبَغدادٍ وَأَندَلُسٍ فُنونُ
غَوى العُلَماءُ فَالأَخلاقُ فَوضى / جَوامِحُ ما تَريعُ وَما تَلينُ
نَسيرُ مِنَ العِمايَةِ في مَخوفٍ / تَرامى في جَوانِبِهِ المَنونُ
رَأَيتُ الشَعبَ وَالأَمثالُ جَمٌّ / عَلى ما كانَ مالِكُهُ يَكونُ
وَما تَبَقى المَمالِكُ لاهِياتٍ / تُصَرِّفُها الخَلاعَةُ وَالمُجونُ
إِذا غَوَتِ الهُداةُ فَلا رَشيدٌ / وَإِن خانَ الرُعاةُ فَلا أَمينُ
وَأَعجَبُ ما أَرى شَعبٌ نَحيفٌ / يَسوسُ قَطيعَهُ راعٍ بَدينُ
أَضاعَ الشَرقَ أَهلوهُ وَأَودى / بِهِ مِن جَهلِهِم داءٌ دَفينُ
أَذَلَّت طاعَةُ الأَهواءِ مِنهُم / نُفوساً بِالزَواجِرِ تَستَهينُ
وَكانوا كَالأُسودِ الغُلبِ عِزّاً / فَضاعَ العِزُّ وَاِستُلِبَ العَرينُ
إذا ما أُمَّةٌ غَلَبَت هَواها / فَإِنّي بِالحَياةِ لَها ضَمينُ
عَزيزَ النيلِ وَالآمالُ ظَمأى / تَلوبُ وَعِندَكَ الماءُ المَعينُ
أَعَدَّ لَها المَشارِقُ صالِحاتٍ / يُجانِبُ صَفوَها كَدَرٌ وَطينُ
فَرِحَ الصِغارُ لِما رَأَو مِن مَنظَرٍ / حَمَلَ المَصائِبَ وَالخُطوبَ كِبارا
وَأَرى كِبارَ الناسِ إِن جَهلوا الَّذي / تُطوى عَلَيهِ الحادِثاتُ صِغارا
إِن يَضحَكوا بَينَ المَواكِبِ مَرَّةً / فَلَقَد بَكَيتُ عَلى البِلادِ مِرارا
في كُلِّ يَومٍ يَخلِقونَ لِأَهلِها / مَلِكاً يُذِلُّ رِقابَهُم جَبّارا
سَخِرَ الوُلاةُ بِنا فَساروا سيرَةً / مَلَأَت لَنا خِزياً وَفاضَت عارا
يا بَني النيلِ ما عَسى أَن تُريدوا / صَدَعَ الدَهرُ مُلكَكُم فَاِضمَحَلّا
أَكثَرُ الناسِ بِالمَمالِكِ جَهلاً / مَن يَرى الجاهِلينَ لِلمُلكِ أَهلا
وَأَحَقُّ الشعوبِ بِالمَجدِ شَعبٌ / عاشَ حُرّاً في أَرضِهِ مُستَقِلّا
املَأوا الأَرضَ يا بَني النيلِ سَعياً / وَاِغمُروا العالَمينَ عِلماً وَفَضلا
تَجعَلونَ الهَوى المُضَلِّلَ ديناً / وَتَعُدّونَ باطِلَ الأَمرِ شُغلا
أَحَسِبتُم حَربَ اللَيالي سَلاماً / وَظَنَنتُم ظُلمَ الحَوادِثِ عَدلا
اتبَعوا الجِدَّ وَاِعصِبوها بِرَأسي / حَسبُكُم ما مَضى مِنَ الدَهرِ هَزلا
إِنَّ بِالنيلِ غَمرَةً تَتَمادى / وَأَرى كُلَّ غَمرَةٍ تَتَجَلّى
صونوا الذِمامَ فَإِنَّ الحُرَّ مَن صانا
صونوا الذِمامَ فَإِنَّ الحُرَّ مَن صانا / وَجَدِّدوا مِن قَديمِ العَهدِ ما كانا
إِنَّ الأُلى بايَعوا المُختارَ أَوفَدَهُم / فَبايِعوهُم وَزيدوا الناسَ إيمانا
خُذوا الكِتابَ مِنَ الصِدّيقِ وَالتَمِسوا / بَينَ الصُفوفِ أَبا حَفصٍ وَعُثمانا
خَيرُ النَبِيّينَ يُصفيكُم مَوَدَّتَهُ / وَاللَهُ يَشكُرُكُم فَضلاً وَإِحسانا
أَتِلكَ لِلنَشءِ دارٌ نَحنُ نَشهَدُها / أَم نَحنُ نَشهَدُ لِلإِسلامِ إيوانا
طافَ الأَمينُ عَلى ريحِ الجِنانِ بِها / فَزادَها مِن جَلالِ الحَقِّ أَركانا
لَمّا عَطَفتُم عَلى القُرآنِ مِن نُسُكٍ / تَدَفَّقَت جَنَباتُ النيلِ قُرآنا
تِلكَ الجَماعاتُ هَبَّت مِن مَجاثِمِها / تَدعو إِلى اللَهِ شَعباً باتَ وَسنانا
يَشكو العَمى وَكِتابُ اللَهِ في يَدِهِ / يَكادُ يُنكِرُهُ جَهلاً وَنِسيانا
نورٌ تَدَفَّقَ لَولا اللَهُ مُرسِلُهُ / إِذَن لَجاشَت شُعوبُ الأَرضِ عُميانا
إِذا المَمالِكُ مالَت عَن مَناهِجِهِ / كانَت حَضارَتُها زوراً وَبُهتانا
مَن راحَ مِن قَومِنا يُحيي مَراشِدَهُ / أَحيا بِها أُمَماً شَتّى وَأَوطانا
إِن أَنتَ أَطلَقتَ في الآفاقِ حِكمَتَهُ / أَطلَقتَ لِلعِلمِ وَالعِرفانِ طوفانا
وَإِن رَمَيتَ بَني الدُنيا بِقُوَّتِهِ / رَدَّ العُبابَ دَماً وَالأَرضَ بُركانا
يُزجي الأَساطيلَ في الآياتِ ظافِرَةً / وَيَغمُرُ الحَربَ أَبطالاً وَفُرسانا
بَنى الرَسولُ عَلَيهِ أُمَّةً هَدَمَت / أَقوى الشُعوبِ بِهِ عِزّاً وَسُلطانا
إِنَّ الَّذي نَزَّلَ الذِكرَ الحَكيمَ عَلى / رَسولِهِ زادَهُ حِفظاً وَتِبيانا
باقٍ عَلى الدَهرِ لا يَخشى غَوائِلَهُ / وَلا يَخافُ مِنَ الباغينَ عُدوانا
أَلا تَقومُ بِدارِ المُلكِ جَمهَرَةٌ / تَحمي البِناءَ وَتَرعى الأَمرَ وَالشّانا
هُنالِكَ المَرجِعُ الأَعلى يَكونُ لَنا / إِذا التَمَسنا عَلى الخَيراتِ مِعوانا
لا بُدَّ لِلأَمرِ مِن مَسعىً يُحَقِّقُهُ / وَاللَهُ أَكرَمُ مَن يُرجى لِمَسعانا
يا بَعثَةَ الأَمَلِ المُخضَرِّ جانِبُهُ
يا بَعثَةَ الأَمَلِ المُخضَرِّ جانِبُهُ / يَحيا بها الراجِيانِ الشَعبُ وَالوَطَنُ
سيروا إِلى الأُفُقِ الغَربِيِّ عَن أُفُقٍ / أَنتُم أَهِلَّتُهُ تُجلى بِها المِحَنُ
وَحَدِّثوا القَومَ أَنّا أُمَّةٌ عَرَفتَ / مَعنى الحَياةِ فَلا نَومٌ وَلا وَهَنُ
وَأَنَّكُم رُسُلُ الآباءِ موفَدَةٌ / كَيما يُرَدُّ تُراثٌ ثَمَّ مُرتَهَنُ
إِن يَفخَروا أَو يَقولوا أُمَّةٌ لَعِبَت / بِها الأَكُفُّ وَأَشقى جَدَّها الزَمَنُ
فَذَكِّروهُم بِآثارٍ مُبارَكَةٍ / هاموا بِها في شَبابِ الدَهرِ وَاِفتُتِنوا
عودوا إِلى مِصرَ بِالحَظِّ الرَغيبِ غَداً / تَنهَض جُدودُ رِجالٍ طالَما غُبِنوا
رُدّوا عَلَيها حَياةَ المَجدِ غالِيَةً / فَقَد عَنَتها حَياةٌ ما لَها ثَمَنُ
أَرى بِمِصرَ وُلاةً لا خَلاقَ لَهُم
أَرى بِمِصرَ وُلاةً لا خَلاقَ لَهُم / بِئسَ الوُلاةُ وَبِئسَ الناسُ وَالزَمَنُ
لا يَحفَظونَ إِذا جارَت حُكومَتُهُم / أَن يَجأَرَ الشَعبُ أَو يَستَصرِخَ الوَطَنُ
وَلا يُبالونَ إِن أَبدى العَدُوُّ لَهُم / وَجهَ الرِضى مُدِحوا في الناسِ أَم لُعِنوا
أَقولُ لِلقَومِ مَرحى حينَ بَرَّحَ بي / طولُ العُقوقِ وَجاشَ الهَمُّ وَالحَزَنُ
ماذا تُعانونَ مِن عَيشٍ أُتيحَ لَكُم / في صورَةِ المَوتِ لَولا القَبرُ وَالكَفَنُ
هَلّا رَحَمتُم نُفوساً بيعَ أَكرَمُها / بَيعَ الإِماءِ فَبِئسَ البَيعُ وَالثَمَنُ
هُمُ العِدى وَالرَدى لَولا جَرائِرُهُم / لَم تَشقَ مِصرُ وَلَم تَعصِف بِها المِحَنُ
لَو أَنَّهُم شَرَعوا سُبلَ الأَمانِ لَها / ما اِعتَزَّ فيها العِدى يَوماً وَلا أَمِنوا
لا يَهدَأونَ إِذا راموا مَعونَتَهُم / حَتّى تَميدَ القُرى أَو تَرجُفَ المُدُنُ
الشَعبُ مُحتَنَكٌ وَالخَيرُ مُتَّرَكٌ / وَالعَدلُ مُنتَهَكٌ وَالحَقُّ مُمتَهَنُ
تِلكَ البَلِيَّةُ لَم تُبصِر نَظائِرَها / عَينٌ وَلا صافَحَتُ أَترابَها أُذُنُ
تَدَرَّعوا بِقُوى الأَعداءِ وَاِحتَجَبَت / عَنهُم وُجوهُ الهُدى وَالرَأي فَاِفتَتَنوا
لَسَوفَ يَلقَونَ يَوماً لَيسَ تَعصِمُهُم / فيهِ الدُروعُ وَلا تُنجيهِمُ الجُنَنُ
يا مُنذِرَ السوءِ غُضَّ الصَوتَ إِنَّ لَنا
يا مُنذِرَ السوءِ غُضَّ الصَوتَ إِنَّ لَنا / رَبّاً يَرُدُّ الأَذى عَنّا وَيَحيمنا
إِنّا لَجَأنا إِلَيهِ نَستَعينُ بِهِ / عَلى الحَوادِثِ إِذ قامَت تُناوينا
نَرجو مَراحِمَهُ في كُلِّ كارِثَةٍ / تَهُدُّ مِنّا القُوى هَدّاً وَتُعيينا
يا مُنذِرَ السوءِ لا تُحدِث لَنا فَزَعاً / يا مُنذِرَ السوءِ إِنَّ اللَهَ يَكفينا
وَكَيفَ نَخشى مِنَ الأَحداثِ غائِلَةً / وَمُحكَمُ الذِكرِ يُتلى بَينَ أَيدينا
هُوَ السَبيلُ الَّذي تُرجى النَجاةُ بِهِ / فَليَهدَإِ القَومُ إِنَّ اللَهَ مُنجينا
عَرشَ القَياصِرِ وَالقَضاءُ إِذا جَرى
عَرشَ القَياصِرِ وَالقَضاءُ إِذا جَرى / هَوَتِ العُروشُ وَطارَتِ التيجانُ
أَخَذَتكَ في عالي جَلالِكَ هِزَّةٌ / صَعِقَت حِيالَ جَلالِها الأَزمانُ
خَفَقَت حَوالَيكَ الشُموسُ وَأَيقَنَت / أَنَّ البُروجَ تَخونُها الأَركانُ
صَدَعَ القَياصِرَ أَجمَعينَ وَهَدَّهُم / ما هَدَّ مِنكَ الدَهرُ وَالحِدثانُ
أَلوى بِميخائيلَ فيكَ وَبِطرُسٍ / ما ذاقَ بولُسُ وَاِشتَكى إيفانُ
رَفَعوا بِناءَكَ صاعِدينَ فَما اِنتَهوا / حَتّى تَصَدَّعَ وَاِنتَهى البُنيانُ
ما زِلتَ تَقتَنِصُ المَمالِكَ رامِياً / حَتّى رَماكَ الواحِدُ الدَيّانُ
عَرشٌ تَأَلَّبَتِ الرَواجِفُ حَولَهُ / فَهَوى بِشامِخِ عِزِّهِ الرَجفانُ
رامَتهُ فَاِستَعلى فَجاشَ مَغيظُها / فدنا وَغالَ إِباءَهُ الإِذعانُ
ضَجَّت شُعوبُ الأَرضِ عِندَ هُوِيِّهِ / وَاِرتَجَّتِ الأَقدارُ وَالبُلدانُ
انظُر إِلى مَجدِ العُروشِ وَعِزِّها / في آلِ رومانوفَ كَيفَ يُهانُ
وَإِلى القَياصِرِ كَيفَ يَسلُبُ مُلكَهُم / رَيبُ الزَمانِ وَصِرفُهُ الخَوّانُ
إِنَّ الَّذي هَزَّ المَمالِكَ بَأسُهُ / أَمسَت تَهُزُّ فُؤادَهُ الأَشجانُ
ثارَت عَلَيهِ شُعوبُهُ وَهُمومُهُ / فَتَأَلَّبَ الطوفانُ وَالبُركانُ
عَبَدوهُ فَوقَ سَريرِهِ مِن هَيبَةٍ / حَتّى هَوى فَإِذا بِهِ إِنسانُ
تَرضى الشُعوبُ إِلى مَدىً فَإِذا أَبَت / رِضِيَ الأَبِيُّ وَطاوَعَ الغَضبانُ
وَالحُكمُ إِن وَزنَ الأُمورَ بِواحِدٍ / غَبَنَ الشُعوبَ وَخانَهُ الميزانُ
في عِصمَةِ الشورى وَتَحتَ ظِلالِها / تُحمى المَمالِكُ كُلُّها وَتُصانُ
تُدني الشُعوبَ إِذا تَباعَدَ أَمرُها / فَالكُلُّ تَحتَ لِوائِها إِخوانُ
وَالرَأيُ أَسطَعُ ما يَكونُ إِذا اِنجَلَت / شُبُهاتُهُ وَأَضاءَهُ البُرهانُ
المَجدُ أَجمَعُ وَالجَلالُ لِأُمَّةٍ / صَدَقَت عَزيمَتُها وَعَزَّ الشانُ
جَمَحَ الإِباءُ بِها وَأَذعَنَ غَيرُها / فَالعَيشُ ذُلٌّ وَالحَياةُ هَوانُ
اللَهُ يَحكُمُ في المَمالِكِ وَحدَهُ / وَلِكُلِّ شَيءٍ مُدَّةٌ وَأَوانُ