القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي محمود طه الكل
المجموع : 21
أدخلوا الآن أيها المحسنونا
أدخلوا الآن أيها المحسنونا /
جَنةً كنتم بها توعدونا /
اجعلوها من البدائع زونا /
واملأوها من الجمال فنونا /
املأوها فنّاً وليس فتونا /
وانشروا الصفو فوقها والسكونا /
غير لحنٍ يرفّ فيها حنونا /
تتغنى به الطيورُ وُكونا /
وسناً مُشرِقٍ يضيءُ الدجونا /
سرمديِّ الشعاعِ يمحو المنونا /
رائقِ النورِ ليس يُعشي العيونا /
وتغنوْا بها كما تشتهونا /
وصفوها جداولاً وعيونا /
ووروداً نديَّةً وغصونا /
لا تثيروا بها الهوى والمجونا /
واحذروا أن تذكّروا المجنونا /
فلقد ثابَ من هواهُ شجونا /
وخلا مهجةً وجفَّ شؤونا /
وهو في جنتيه أسعدُ شاعِرْ /
أيها الشاعرُ الكئيبُ مضى اللي
أيها الشاعرُ الكئيبُ مضى اللي / لُ وما زلتَ غارقاً في شجونِكْ
مُسْلِماً رأسكَ الحزينَ إلى الفك / رِ وللسهدِ ذابلاتِ جفونِكْ
ويَدٌ تُمسكُ اليراعَ وأخرى / في ارتعاشٍ تمرُّ فوقَ جبينكْ
وفمٌ ناضبٌ به حَرُّ أنفا / سكَ يطغى على ضعيفِ أنينِكْ
لست تصغي لقاصف الرعد في اللي / لِ ولا يزدهيكَ في الأبراقِ
قد تمشَّى خلالَ غرفتِكَ الصم / تُ ودبَّ السكونُ في الأعماقِ
غيرَ هذا السراجِ في ضوئه الشَّا / حب يهفو عليكَ من إشفاقِ
وبقايا النيرانِ في الموقدِ الدَّا / بل تبكي الحياةَ في الأرماقِ
أنتَ أذبلتَ بالأسى قلبك الغضَّ / وحطَّمَت من رقيقِ كيانكْ
آه يا شاعري لقد نصَل اللي / لُ وما زلتَ سادراً في مكانِكْ
ليس يحنو الدجى عليك ولا يأ / س لتلك الدموعِ في أجفانِكْ
ما وراءَ السّهادِ في ليلك الدَّا / جي وهلَّا فرغتَ من أحزانِكْ
فَقمِ الآن من مكانِكَ واغنمْ / في الكرى غَطّة الخليِّ الطروبِ
والتمس في الفراشِ دِفئاً يُنسِّ / يكَ نهارَ الأسى وليلَ الخطوبِ
لستَ تُجزى من الحياةِ بما حُمّ / لتَ فيها من الضنى والشجوبِ
إنها للمجونِ والختلِ والزي / فِ وليست للشاعر الموهوبِ
قرَّبتُ للنورِ المشعِّ عيوني
قرَّبتُ للنورِ المشعِّ عيوني / ورفعتُ للّهبِ الأحمِّ جبيني
ومشيتُ في الوادي يمزَقُ صخرهُ / قدمي وتُدمي الشائكاتُ يميني
وعدوتُ نحو الماءِ وهو مقاربي / فنأى وردَّ إلى السرابِ ظنوني
وبدَتْ لعيني في السماءِ غمامةٌ / فوقفتُ فارتدَّتْ هنالك دوني
وأصختُ للنسماتِ وهي هوازجٌ / فسمعتُ قصفَ العاصفِ المجنونِ
يا صبحُ ما للشمسِ غيرَ مضيئةٍ / يا ليلُ ما للنجم غيرَ مبينِ
يا نارُ ما للنارِ بين جوانحي / يا نورُ أين النورُ ملء جفوني
ذهبَ النهار بحيرتي وكآبتي / وأتى المساءُ بأدمعي وشجوني
حتى الطبيعة أعرضتْ وتصاممتْ / وتنكرتْ للهارِبِ المسكينِ
إن لم يكن لي من حنانِكْ موئلٌ / فلمنْ أبثُّ ضراعتي وحنيني
آثرتَ لي عيشَ الأسيرِ فلم أُطقْ / صبراً وجُنّ من الأسارِ جنوني
فأعدتني طلق الجناحِ وخلتَ بي / للنور جنَّةَ عاشقٍ مفتونِ
وأشرتَ لي نحو السماءِ فلم أطر / ورددتُ عين الطائرِ المسجونِ
نسيَ السماءَ وبات يجهلُ عالماً / ألقى الحجابَ عليه أسرُ سنينِ
ولقد مضى عهدُ التنقل وانتهى / زمني إليكَ بصبوتي وفتوني
لم ألقَ بعدكَ ما يشوقُ نواظري / عند الرياضِ فليسَ ما يصبيني
فهتفتُ أستوحي قديمَ ملاحني / فتهدَّجَتْ وتعثَّرَتْ بأنيني
ونزلتُ أستذري الظلالَ فعِفنني / حتى الغصون غدونَ غير غصونِ
فرجعتُ للوَكْرِ القديمِ وبي أسىً / يطغى عليّ وذلةٌ تعروني
لما رأته اغرورقت عينايَ من / ألمٍ وضجّ القلبُ بعد سكونِ
ومضت بي الذكرى فرحتُ مكذِّباً / عيني ومتهماً لديهِ يقيني
وصحوتُ من خَبَلٍ وبي مما أرى / إطراقُ مكتئبٍ وصمتُ حزين
فافتح ليَ البابَ الذي أغلقته / دوني وهاتِ القيدَ غير ضنينِ
دعني أروّ القلبَ من خمر الرضى / وأُنِمْ على فجرِ الحنانِ عيوني
وأعِدْ إلى أسر الصبابةِ هارباً / قد آبَ من سفرِ الليالي الجونِ
عافَ الحياةَ على نواكَ طليقةً / وأتاك ينشدها بعينِ سجينِ
أدَنا المزارُ وقرَّت العينانِ
أدَنا المزارُ وقرَّت العينانِ / وفرغتما من لهفةٍ وحنانِ
وهززتما بالشوقِ كفّ مُسَلِّمٍ / وهَفَتْ إلى تقبيله الشَّفتانِ
وحلا العناقُ على اللقاءِ وأومأت / لكما الديارُ فرفرفَ القلبانِ
وعلى الثغورِ الباسماتِ بشائرٌ / وعلى الوجوهِ المشرقاتِ أماني
وعلى سماءِ النيلِ من سمَةِ الضُّحى / وضَحٌ من ثغريكما وَضحانِ
وعلى الضفافِ الضاحكاتِ مزاهرٌ / وعلى السفينِ الراقصاتِ أغاني
يومٌ تطلَّعَتِ المنى لصاحبه / وتحدّثتْ عنهُ بكلِّ لسانِ
وَسرَى التخيلُ بالنفوسِ فهزَّها / مَرَحُ الطروبِ وغبطةُ النشوانِ
والأفقُ مُربدُّ الأديمِ وأنتما / فوق الرياحِ الهوجِ منطلقانِ
تتخايلانِ على السحابِ برفرفٍ / بلواءِ مصرَ مُظَلَّلٍ مزدانِ
تتطلعان إلى السَّديمِ كأنما / تتخيرانِ لها أعزَّ مكانِ
وتحدثانِ النجمَ عن أوصافِها / والنجمُ مأخوذٌ بما تصفانِ
علَّقتما بالناظرين خيالها / شوقاً وأجفانُ المنونِ رواني
هي خطرةٌ أو نظرةٌ ودرجتما / في جوفِ عاصفةٍ من النيرانِ
طاش الزمامُ فلا السحابُ مقاربٌ / لكما ولا الجبَلُ الأشمُّ مُداني
وهوى الجناحُ فلا الرياحُ خوافقٌ / فيه ولا الأرواحُ طوعَ عِنانِ
سَدَّتْ طريقكما الحُتوفُ وأنتما / تتحرقانِ هوىً إلى الأوطانِ
ومشى الرَّدى بكما وتحتَ جناحهِ / جسمانِ بل قلبانِ محترقانِ
يا ملهميَّ الشعرَ هذا موقفٌ / الشعرُ فيه فوق كلِّ بيانِ
لوددتُ لو أنِّي عرضتُ بناتُه / في المهرجانِ نواثرَ الريحانِ
وعقدتُ من شعري ومن ريحانها / إكليلَ غارٍ أو نظيمَ جُمانِ
أنا من يُغَنّي بالمصارع في العُلى / ويَشيدُ بالآلام والأحزانِ
ماذا وراءَ الدمعِ من أمنيةٍ / أوْ ما وراءَ النّوحِ من نشدانِ
أصبحتُ ذا القلبِ الحديدِ وإن أكُنْ / في الناسِ ذاك الشاعِرَ الإنساني
ووهبتُ قلبي للخطارِ فللهوى / شطرٌ وللعلياءِ شطرٌ ثاني
وعشقتُ موتَ الخالدين وعِفتُ من / عمري حقارةَ كلِّ يومٍ فاني
لولا الضحايا الباذلونَ دماءَهمْ / طوتِ الوجودَ غيابةُ النسيانِ
هذا الدمُ الغالي الذي أرخصتمُ / هوَ في بناءِ المجدِ أولُ باني
تبنونَ للوطنِ الحياةَ وهكذا / تبني الحياةَ مصارعُ الشجعانِ
مثَّلتما في الموتِ وحدةَ أمةٍ / ذاقت من التفريقِ كلَّ هوانِ
مسحَ الهلالُ دمَ الصليبِ وضمّدتْ / جُرْحَ الأهلَّةِ راحةُ الصلبانِ
إن كان في ساحِ الردى لكليكما / مثلٌ ففي ساحِ الفدا مَثلانِ
عذراً فرنسا إن جزعتِ فإنه / قدَرٌ وما لكِ بالقضاءِ يدانِ
هزَّتكِ بالرَّوعاتِ قبلَ مصابِنا / أممٌ ملكنَ أعنَّةَ الطيرانِ
واسيتِ مصرَ فما هو نجمٌ لها / إلَّا ومنكِ عليه صدرٌ حاني
حيِّ سماءَ الفرقدينِ وقدِّسي / من تربِكِ الغالي أعزَّ مكانِ
فهنا دمٌ روَّى ثراكِ وههنا / قلبانِ تحت الصخرِ يختلجانِ
يا أمةَ الشهداءِ أنتِ بثُكلهمْ / أدرى وبالأحزانِ والأشجانِ
الغارُ أحقرُ أن يكلِّلَ هامَهمْ / ورؤوسهم أغلى من التيجانِ
لِغَدٍ صبرنا للزمانِ وفي غدٍ / نعفو ونغفرُ للزمانِ الجاني
ونمدُّ للأيام كفَّ مصافحٍ / يجزي المسيءَ إليه بالإحسانِ
ونُدِلُّ فوقَ النيراتِ بموكبٍ / فيه الحِجَى والبأسُ يلتقيانِ
ونهزُّ أجنحةَ الحياةِ ونعتلي / بخفافهنَّ مناكبَ العقبانِ
وننصُّ رايةَ مصرَ أنَّى تشتهي / مصرٌ ويرضاهُ لها الهرمانِ
أَقبِلْ سلاحَ الجَوِّ إِنَّ عيوننا / لِلقاكَ لَم يَغمضْ لَها جِفنانِ
أقْبِلْ سلاحَ الجوِّ إن قلوبنا / كادتْ تطيرُ إليكَ بالخفقانِ
رفرفْ على البلدِ الأمينِ وحيِّهِ / وانزلْ إلى الوادي وطِرْ بأمانِ
كنْ للسلامِ وقاءَه ولواءَه / وشعاعه الهادي على الأرمانِ
وإذا دعتكَ الحادثاتُ فلبِّها / بحميَّةِ المستقتلِ المتفاني
ليضنَّ بالأعمارِ كلُّ معاجزٍ / وليخْشَ حربَ الدهرِ كلُّ جبانِ
لِيَثُرْ على القضبانِ كلُّ معذبٍ / وليحطمِ الأصفادَ كلُّ معاني
هذا الزمانُ الحرُّ ما لشعوبه / صبرٌ على الأصفادِ والقضبانِ
لكمُ الغدُ المرجوُّ فتيانَ الحمى / واليومَ يومكمُ العظيمُ الشانِ
لا تثنينَّكُمُ المنايا إنها / سرُّ البقاءِ وسنةُ العمرانِ
كونوا من الفادينَ إن عزَّ الفدا / كم في الفداءِ من الخلودِ معاني
ولئنْ حُرمتمْ من متاعِ شبابكم / إنَّ النعيمَ يُنال بالحرمان
ليَكُنْ لكمْ في كلِّ أفقٍ طائرٌ / ليكُنْ لكمْ في كلِّ أرضٍ باني
ولينخسن البحرَ من أسطولِكم / عَلمٌ كنجم المدلجِ الحيرانِ
سيروا بهدْي الأحمرينِ ومهّدوا / بهما سبيلَ المجدِ والسلطانِ
لم تبصرِ الأممُ الحياةَ على سنىً / كالنار في شَفَقِ الدماءِ القاني
ضَاربٌ في الخيالِ مُلْقٍ عِنانَه
ضَاربٌ في الخيالِ مُلْقٍ عِنانَه / مَلَكَ الوحيُ قلبَه ولسانَه
مستفيضُ الجمالِ أزهرُ كالور / دِ إذا كلَّلَ النَّدى أفنانَه
عاشَ بين الأنامِ نِضْوَ غرامٍ / لم يُنفِّض من الصِّبا طيلسانَه
ملأ الكونَ من أياديه سحراً / وبنى ملكه وشدَّ كِيانَه
وحباهُ الخلودَ في العالم الفا / ني وأبقى على البلى سلطانَه
هو فجرُ النبوغِ يصدحُ فيه / كلُّ من أطلقَ الهوى وجدانَه
وسماء للشَّاعر الفذّ منها / يستقي الشعرُ وحيَه وبيانَه
تجتلي ريشة المصوّرِ منه / كلَّ عذراءَ لا ترُدُّ بنانَه
وهو قيثارةُ الخلود عليها / يعزفُ الطيرُ في الرُّبى ألحانَه
وأنا الشَّاعر الذي افتنَّ بالحس / نِ وأذكتْ يدُ الحياةِ افتنانه
معهدي هذه المروجُ وأستَا / ذي ربيعُ الطبيعةِ الفينانَه
وأزاهيرُ حانياتٌ على النهر / يُقَبلنَ في الضحى شُطآنه
ناشراتٍ وشَى الربيع عليها / ساكباتٍ في لجّهِ ألوانَه
يتسمّعنَ للخرير المناجي / ويرتّلنَ للرُّبى تحنانَه
معبدٌ للطيور راهبهُ اللي / لُ وناقوسه الصّبَا الرنّانَه
ومحاريبُ للعذارى إذا ما / سَكَب الغربُ في الدجى أُرجوانَه
قام ربُّ الفنّ الجميلِ عليها / مستحِثَّاً تحت الظلام قيانَه
يتغنى لحنَ الخلود ويدعو / من وراءِ الغيبِ الرهيبِ زمانَه
أيُّها الدهرُ حسبك الله ماذا / برجالِ الفُنون هذي المهانَه
هل تبينتَ في رفاتِ أواليَّ / دفيناً محا البلى عنوانَه
قف على الفنّ بين شرقٍ وغربٍ / وصفِ العالمَ المخلِّد شانَه
عرشُ غرناطة إلهُ أثينا / تاجُ روما سماءُ مجدِ الكنانَه
يشرق السحر من تماثيل فيها / ومقاصيرَ كالبروجِ المزانَه
وتراءى العذراءُ تُلهِمُ رافا / ئيلَ روحَ الخلودِ وحيَ الديانَه
وابنُ حمديسَ في الملا ولمرتي / نَ يفيضانِ صَبوةً ومجانَه
ناجيا الروضَ والبحيرةَ حتَّى / لمسَ الفنُّ فيهما عُنفوانَه
إنما المجدُ في الورى لِمُغَنٍّ / هزَّ قلب الورى وقادَ عِنانَه
ولمن ساسَ في الممالك عدلا / وارتضى الحقَّ في العلا بنيانَه
يا ليتَ لي كالفراشِ أجنحةً
يا ليتَ لي كالفراشِ أجنحةً / أهفو بها في الفضاءِ هيمانا
أدفُّ للنُّورِ في مشارقه / وأغتدي من سناه نشوانا
وأرشفُ القطْرَ من بواكرِهِ / فلا أرودُ الضفافَ ظمآنا
وألثم النَّوْرَ في سنابله / مصفقاً للنسيمِ جذلانا
حتى إذا ما المساءُ ظللني / سريتُ بين الورود سهرانا
أشربُ أنفاسَها وقد خفقتْ / صدورُها للربيع تحنانا
تحلم بالفجر فوق جنَّتها / يموج فيه الغمامُ ألوانا
وبالعصافير في ملاحنها / تهزُّ قلبَ الصباحِ إرنانا
لو يعلمُ الزهرُ سرَّ عاشقه / أفردَ لي من هواه بستانا
فلا تراني العيونُ مقتحماً / سياجَه أو تحسُّ لي شانا
إذاً لغرّدتُ في خمائله / وصغتُ فيه الحياةَ ألحانا
لكنُّه شاء خلقَ مبتدعٍ / من فنِّه العبقريِّ فنانا
أراده شاعراً فدلَّهه / وسامه جفوةً وهجرانا
فليحمِني الحسنُ زهرَ جنَّتهِ / وليقصني العمرُ عنه حرمانا
ما كنتُ لولاهُ طائراً غرداً / ولو جهلتُ الغناءَ ما كانا
وقفةٌ بالشواطئِ المحزونه
وقفةٌ بالشواطئِ المحزونه / يذكر النيلُ دمعَه وشجونه
ودَّ لوْ حولوا إلى السِّين مجرا / هُ وبَثُّوا على الطريق عيونه
ومشى بالشهيدِ للوطنِ الثا / كلِ بحراً من الدُّموع الهتونه
دنَتِ الدَّارُ يا سفينة إلَّا / شاطىءٌ حالتْ المنيةُ دونه
فاهدئي في ضفاف مصرَ وقرِّي / آن لليث أن يحلَّ عرينه
قرِّبي من أديمها هيكلَ الحقِّ / تضُمُّ الصدرَ الذي تحملينه
لحظةً يشتكي المتيمُ فيها / لوعةَ البينِ أو يبثُّ حنينه
ولكِ اللّهُ يا شواطئُ فيمن / كنتِ في كل موكبٍ ترقبينه
ذهَبَتْ بسمةُ الثغورِ وحالتْ / لمحاتُ الطوالعِ الميمونه
ما عرَفتِ السفينَ من عهد نافا / رينَ غيرَ المجللاتِ الحزينه
خرجتْ منكِ ليلةَ البحر غرَّا / ءَ عليها من المنى ألفُ زينه
ثم آبتْ إليكِ منكوسةَ الصو / رِ يئنُّ الجريحُ فيها أنينه
فسلي البحرَ هل غدا لكِ أو را / حَ بطيفٍ من الفتوحِ المبينه
ما شهدتِ الأيامَ غيرَ سوادٍ / يشفقُ النجمُ أن يشقَّ دجونه
كلَّ يومٍ تستقبلينَ شهيداً / ذاقَ في وحشةِ الغريب منونه
أو طريداً وراءَ بحرٍ تحامى / أن يرى مصرَ في الحديد سجينه
فاذكري الآن يا شواطئُ عيناً / شيَّعَتْ بالبكاءِ كلَّ سفينه
واحملي الوافدَ الكريمَ حناناً / والثمي ثغرهُ وحيِّ جبينه
وإذا ضقتِ بالأسى فاستمدي ال / نَوحَ من كل قريةٍ ومدينه
سائلي الريحَ أن تضجَّ عويلاً / وسلي البحرَ أن يُجَنَّ جنونه
ذاك وادي البكا وما بعجيبٍ / أن يُرى الناسَ في البكاءِ فنونه
يا شهيدَ الأحرار لا كان يومٌ / كم تمنَّى في الغيب ألَّا يكونه
فزع النيلُ بالظنون إليه / فتحدَّى رجاءَه وظنونه
كلَّ جرح أسالَ جرحُك حتى / رَسَفَتْ مصرُ في الجراح الثخينه
لو تلفَّتَّ خلفَ نعشِك يا عد / لي لراعتكَ أمة مسكينه
كنتَ أهلاً لبرِّها وهواها / وهي كانتْ بمن تُحبُّ ضنينه
كيف لا تستقلُّ في حقك الدم / عَ ولا تُرخص الدموع الثمينه
ما بكاءٌ على الذي تخذ الأو / طانَ دنياهُ في الحياةِ ودينه
ما بكاءٌ على الذي حبس القل / بَ عليها وجيبَه وسكونه
ما بكاءٌ عليه لو كان يُفدى / كنتِ يا مصرُ برةً تفتدينه
يا رسولَ السلامِ في كل حين / فقدتْ مصرُ وحيَه وأمينه
ذكر الناسُ فيكَ أيامَ سعد / فبكوا رحمةً لمَا يذكرونه
وتناجوا بذكر ثروت حتى / رجعوا الأمسَ واستعادوا شؤونه
عرضوا الذكرياتِ فاهتجن فيهم / كامنَ الحزن والهموم الدفينه
دِنْتَ بالنُّبْلِ والوداعةِ قلباً / عجز البطش والأذى أن يُلينه
عقدتْ كفُّه بكفك عهداً / يتمنَّى العدوُّ ألَّا تصونه
وتعانقتما وما كنتَ إلَّا / عونَ سعدٍ وإلفَهُ وخدينه
يا نصيرَ الحقوقِ آثرتَ حقاً / كلّ نفسٍ بما قضاهُ رهينه
فنمِ الآنَ في ثرى مصرَ وانزلْ / منزلَ الحبِّ والهدى والسكينه
لم يَمُتْ مَنْ حديثُه يملأ الوا / دي ويطوي سهولَه وحزونه
تأخذُ الظالمينَ صيحتهُ الكبْ / رى وتستعذبُ السماءُ رنينه
إذا ما طافَ بالشُّرْ
إذا ما طافَ بالشُّرْ / فَةِ ضوء القمر المضْنَى
ورفَّ عليكِ مثل الحلْ / مِ أو إشراقةِ المعنى
وأنتِ على فراش الطُّهْ / رِ كالزنبقة الوَسْنى
فضمِّي جسمكِ العاري / وصوني ذلك الحُسْنا
أغارُ عليكِ من حسابٍ / كأنَّ لضوئه لحنا
تدقُّ له قلوبُ الحو / رِ أشواقاً إذا غنى
رقيقُ اللمس عربيدٌ / بكلِّ مليحةٍ يُعْنى
جريءٌ إن دعاه الشوْ / قُ أن يقتحمَ الحصنا
تحدَّرَ من وراء الغَي / مِ حينَ رآكِ واستأنى
ومسَّ الأرضَ في رفقٍ / يشقُّ رياضها الغَنَّا
عجبتُ لهُ وما أعجبُ / كيفَ استلَمَ الركنا
وكيفَ تسوَّرَ الشَّوك / وكيفَ تسلَّقَ الغُصْنا
على خديك خمرُ / صبابةٍ أفرغها دنَّا
رحيقٌ من جَنَى الفتْ / نَةِ لا ينضُبُ أو يفْنى
وفي نهديكِ طِلسما / نِ في حَلِّهما افتنَّا
إلى كنزهما المعبو / دِ باتَ يعالجُ الرُّدْنا
أغارُ أغارُ إنْ قبَّ / لَ هذا الثغرَ أو ثَنَّى
ولفَّ النَّهْدَ في لينٍ / وضمَّ الجسدَ اللَّدْنا
فإنَّ لضوئهِ قلباً / وإنَّ لسحره جَفْنا
يصيدُ الموجةَ العذرا / ءَ من أغوارها وَهْنا
وكم من ليلةٍ لمَّا / دعاهُ الشوقُ واستدنى
جثا الجبَّارُ بين يديْ / كِ طفلاً يشتكي الغَبْنا
أرادَ فلم يَنَل ثغراً / ورامَ فلم يُصِبْ حِضنا
حوَتْكِ ذراعهُ رسماً / وأنتِ حويتهِ فنَّا
عصيتِ هواهُ فاستضرى / كأنَّ بصدره جِنَّا
مضى بالنظرةِ الرَّعنا / ءِ يطوي السَّهل والحَزْنا
يثيرُ الليلَ أحقاداً / وصدرَ سحابهِ ضِغنا
وعادَ الطفلُ جبَّاراً / يهزُّ صراعهُ الكوْنا
فَرُدِّي الشرفةَ الحمرا / ءَ دونَ المخدَع الأسنى
وصوني الحسنَ من ثَورَ / ةِ هذا العاشق المُضنى
مخافةَ أنْ يظنَّ النا / سُ في مخدعكِ الظنَّا
فكم أقلقتِ منْ ليلٍ / وكم من قَمَرٍ جُنَّا
كنزُ أحلامِكَ يا شاعرُ في هذا المكانِ
كنزُ أحلامِكَ يا شاعرُ في هذا المكانِ /
سحرُ أنغامِكَ طوَّافٌ بهاتيكَ المغاني /
فجرُ أيامِكَ رفَّافٌ على هذي المحاني /
أيها الشاعرُ هذا الرَّيْنُ فاصدحْ بالأغاني /
كلُّ حيٍّ وجمادٍ ههنا / هاتفٌ يدعو الحبيبَ المحسِنا
يا أخا الرُّوحِ دعا الشوقُ بنا / فاسْقِنا من خمرةِ الرَّيْن اسقنا
عالَمُ الفتنةِ يا شاعرُ أم دنيا الخيالِ /
أمروجٌ عُلِّقتْ بين سحابٍ وجبالِ /
ضحكتْ بين قصورٍ كأساطيرِ الليالي /
هذه الجنةُ فانظرْ أيَّ سحرٍ وجمالِ /
يا حبيبَ الروحِ يا حُلمَ السَّنا / هذه ساعتُنا قم غنِّنا
سَكِرَ العشاقُ إلَّا أننا / فاسقنا من خمرةِ الرّينِ اسقنا
ليلةٌ فوق ضِفافِ الرينِ حُلْمُ الشعراءِ /
أليالي الشرقِ يا شاعرُ أم عرس السماءِ /
الدُّجى سكرانُ والأنجمُ بعضُ الندماءِ /
أنصتَ الغابُ وأصغى النهرُ من صخرٍ وماءِ /
فاسمعِ الآن البشيرَ المعلِنا / حانتِ الليلةُ والفجرُ دنا
فاملإِ الأقداحَ من هذا الجنى / واسْقنا من خمرة الرينِ اسقنا
ها هم العشاقُ قد هبُّوا إلى الوادي خفافا /
أقبلوا كالضوءِ أطيافاً وأحلاماً لطافا /
ملأوا الشاطئَ همساً والبساتينَ هُتافا /
أيها الشاعرُ هذا الرَّيْنُ فاستوحِ الضِّفافا /
الصِّبا والحسنُ والحبُّ هنا / يا حبيبي هذه الدنيا لنا
فاملإِ الكأس على شدوِ المنى / واسقنا من خمرةِ الرينِ اسقنا
يا ابنة الأرِ حديثُ الأمس ما أعذب ذكرَهْ /
كان حلما أن نرى الرين وأن نشرب خمرَهْ /
وشربنا فسكرنا وأفقنا بعد سَكرَهْ /
ووقفنا لوداعٍ وافترقنا بعد نظرَهْ /
أين أنت الآن أم أين أنا / ضربتْ أيدي الليالي بيننا
غيرَ صوتٍ طاف كالحلمِ بنا / إسقنا من خمرة الرَّينِ اسقنا
كليوبترا أيُّ حُلمٍ من لياليكِ الحسانِ
كليوبترا أيُّ حُلمٍ من لياليكِ الحسانِ /
طافَ بالموجِ فغنَّى وتغَنَّى الشاطئانِ /
وهفَا كلُّ فؤادٍ وشدا كلُّ لسانِ /
هذه فاتنةُ الدُّنيا وحسناءُ الزمانِ /
بُعِثتْ في زورقٍ مُسْتَلهمٍ من كلِّ فنِّ /
مَرِحِ المجدافِ يختالُ بحوراءَ تُغنِّي /
يا حبيبي هذه ليلةُ حُبِّي /
آه لو شاركتَني أفراحَ قلبي /
نبأةٌ كالكأس دارتْ بين عُشَّاق سُكارى /
سَبَقَتْ كلَّ جناحٍ في سماءِ النيل طارا /
تحملُ الفتنةَ والفرحةَ والوجدَ المثارا /
حلوةً صافيةَ اللحن كأحلام العذارى /
حُلُم عذراءَ دعاها حبُّها ذات مساءِ /
فتغنَّتْ بشراعٍ من خيالِ الشعراءِ /
يا حبيبي هذه ليلةُ حُبِّي /
آهِ لو شاركتَني أفراحَ قلبي /
وتجلَّى الزورقُ الصاعدُ نشوانَ يَميدُ /
يَتهدَّاهُ على الموج نَواتيُّ عبيدُ /
المجاديفُ بأيديهمْ هتافٌ ونشيدُ /
ومُصَلُّونَ لهم في النهرِ محرابٌ عتيدُ /
سَحرَتهم روْعةُ الليلِ فهُمْ خلْقٌ جديدُ /
كلهم ربٌّ يُغنِّي وإلهٌ يستعيدُ /
يا حبيبي هذه ليلةُ حُبِّي /
آهِ لو شاركتَني أفراحَ قلبي /
إصدَحي أيتها الأرواحُ باللْحنِ البديعِ /
إمرَحي يا راقصات الضوءِ بالموج الخليعِ /
قَبِّلي تحت شراعي حُلُمَ الفنِّ الرفيعِ /
زورقاً بين ضفاف النيلِ في ليلِ الرَّبيعِ /
رنَّحته موجةٌ تلعبُ في ضوءِ النجومِ /
وتُنادي بشعاعٍ راقصٍ فوقَ الغيومِ /
يا حبيبي هذه ليلةُ حُبِّي /
آهِ لو شاركتَني أفراحَ قلبي /
ليلُنا خمرٌ وأشواقٌ تُغنِّي حولنا /
وشراعٌ سابحٌ في النُّور يَرْعى ظِلّنا /
كان في الليل سُكارى وأفاقوا قبلنا /
ليتهم قد عرفوا الحبَّ فباتوا مثلنا /
كلما غرَّد كأسٌ شربوا الخمرةَ لحنا /
يا حبيبي كلُّ ما في الليل روحٌ يتغنَّى /
هات كأسي إنّها ليلة حُبِّي /
آهِ لو شاركتني أفراحَ قلبي /
يا ضِفافَ النيلِ باللّهِ ويا خُضرَ الروابي /
هل رأيتنَّ على النهر فتىً غضَّ الإهابِ /
أسمرَ الجبهةِ كالخمرةِ في النُّورِ المذابِ /
سابحاً في زورق من صُنع أحلامِ الشبابِ /
إن يكُنْ مَرّ وحيَّا من بعيدٍ أو قريبِ /
فصفيهِ وأعيدي وصفَهُ فهو حبيبي /
يا حبيبي هذه ليلةُ حُبِّي /
آهِ لو شاركتَني أفراحَ قلبي /
أنتِ يا من عُدْتِ بالذكرى وأحلام الليالي /
يا ابنةَ النَّهر الذي غنّاهُ أربابُ الخيالِ /
وتمنَّت فيه لو تسبحُ ربَّاتُ الجمالِ /
موجهُ الشّادي عشيقُ النُّورِ معبودُ الظلالِ /
لم يَزَلْ يروي وتُصغي للرواياتِ الدهورُ /
والضفافُ الخضر سكرى والسَّنى كاسٌ تدورُ /
حُلمٌ لم تروهِ ليلةُ حُبِّ /
فاذكريه واسمعي أفراحَ قلبي /
يا شعراءَ الروض أينَ البيانْ
يا شعراءَ الروض أينَ البيانْ / أين أغاريدُ الهوى والحنانْ
قد وُلِدَتْ في روضكم زهرةٌ / يا حُسْنها بين الزُّهور الحسانْ
حُلْمُ الفراشات وحبُّ الندى / وخمرةُ النحل وسحرُ الأوانْ
قد بشَّرَ الأرضَ بها مُرْسَلٌ / مُجنَّحٌ من نَسماتِ الجِنانْ
والنورُ سِرٌّ في ضَميرِ الدُّجى / والفجرُ طيفٌ لم يَبنْ للعيانْ
أبصرتُها تهفو على غُصنها / في وحشةِ الليل وصمتِ المكانْ
بيضاءُ أو حمراءُ تُزْهى بها / عرائس النرجس والأقحوانْ
تَظلُّ تُصغي وتظلُّ الرُّبى / والعشبُ والجدولُ والشاطئانْ
وليس منكم حولها هاتفٌ / تسكب موسيقاهُ سِحرَ البيانْ
هل مَلَّتِ الخمرةُ أقداحَكمْ / أم نَضَبَتْ من خمرهنّ الدّنانْ
قوموا انظروا الظِّلَّ على مهدها / يرقصُ فيهِ القمرُ الأضحيانْ
لو تقدرُ الأنسامُ زفَّتْ لها / أربِعَةَ الفردوسِ في مهرجانْ
وأسمَعتْ من خفق أنفاسها / صوتَ البشيرات وشدوَ القيانْ
يا شعراء الروضِ كم زهرةٍ / ميلادُها من حَسنَاتِ الزمانْ
حسبي من الدُّنيا على شَدْوكم / زَهْرٌ وخمرٌ ووجوهٌ حِسانْ
يا رفاقي هذه السَّاعةُ من حُلمِ الزَّمانِ
يا رفاقي هذه السَّاعةُ من حُلمِ الزَّمانِ /
إنَّ هذا زَمَنُ الحبِّ فضِجُّوا بالأغاني /
إرفعوا الأقداحَ ملأى واشربوا نخْبَ الحسانِ /
فالربيعُ السَّمْحُ يدعوكم إلى أقربِ حانِ /
الربيعُ المرِحُ الجذلانُ يختالُ فخورا /
إنَّهُ الحسنُ الذي يملأُ بالحبِّ الصدورا /
كيف لا نقطفُ منه الثَّمرَ الحلوَ النضيرا /
أتِ يا أيتها الشمسُ املأي الآفاق نورا /
يا رفاقي قد دعانا زمن الحبِّ فهيَّا /
أطْلَعَ الروضُ جنَى الكرمةِ والزَّهرَ النديّا /
أقطفوا الأزهارَ منه واعصروا الكرْمَ الجنِيّا /
يا رفاقي قد دعانا زمَنُ الحبِّ فهيّا /
مِن هذه الرُّوحِ وهذا الجبينْ
مِن هذه الرُّوحِ وهذا الجبينْ / يضيءُ في مصرَ منارُ السنينْ
أشِعَّةٌ من بَسماتِ المُنى / ومن رجاءٍ كالصَّباح المبينْ
ومن قُوىً مشبوبة كاللظى / عارمة لا تنثني لا تلينْ
خَطَّتْ بناءَ الملك ثم ارتقتْ / تبني له المجدَ الرفيعَ المكينْ
أوَّلُ بانٍ أنتَ بعد الذي / شيَّدهُ فرعونُ في الأوَّلينْ
قدَّ من الصخر تماثيلهُ / حِجارةً خرساءَ ليستْ تُبينْ
وأنتَ أطلعتَ منارَ الحجا / وشُعلةَ العلم وفجرَ الفنونْ
بناءُ دنيا وحياةٍ معاً / عزَّ بهِ الشعبُ الغبين المهينْ
بعثْتَه خلقاً جديداً إلى / منزلة عَزَّت على الطامحينْ
قالوا الحضارات فقلتُ انظروا / أين كهذا الشعب في المحسنينْ
من قُطنه يلبس هذا الورى / ومن يديه مغزل الناسجينْ
والمدفعُ الصخَّابُ من صنعهِ / والحُمَمُ الحمْرُ كُرَاتُ المنونْ
قد ماجتِ الأرضُ براياته / وخوَّضَتْ ملءَ البحار السفينْ
وجيشُه منقُذُ إفريقيا / وحارسُ الشرق القويُّ الأمينْ
بهؤلاءِ السُّمْرِ جُبْتَ الثرى / ودِنتَ في سلطانك العالمينْ
ومِن بَنيكَ الصِّيدِ أبطالهُ / ومَن كإبراهيمَ في الفاتحينْ
تاجُ البطولات على رأسهِ / مؤتلقٌ والغارُ فوق الجبينْ
مَنْ زخْرَفَ الوادي وأجرَى به / جداولَ التبر كماءٍ معينْ
وأخضعَ النهرَ لسلطانه / وهو إلهٌ ساد في الأقدمينْ
ومَنْ بَنَى تلك السدودَ التي / تختزنُ السُّحبَ ولا يمتلينْ
غوائثُ الأرضِ إذا أقلعتْ / حواملُ الغيث الدفوقِ الهتونْ
مَنْ أتى الصحراءَ في دَوِّها / بهذه الأسوارِ شُمِّ الحصونْ
عبقريَّ الدهرِ إنَّ الذي / صَنَعْتَهُ معجزةُ الصانعينْ
مهندسٌ أنتَ سَمَا فنُّهُ / وعالِمٌ أُوتيَ عِلم السنينْ
أدركتَ ما للفنِّ من قوَّةٍ / فدِنْتَ بالقوّةِ فيما تدينْ
أبياتُ شعرٍ أنا بنَّاؤها / آجُرُّها اللفظ السريُّ السمينْ
رسمتُها بعضَ خطوطٍ كما / يُرْسَمُ أُفْقُ الكونِ للناظرينْ
يبدأُ فيها الفكر لا ينتهي / وتسبح الأعينُ لا يلتقينْ
لسيِّدِ النيل وفاروقهِ / رفعتُها في موكبِ الخالدينْ
مولايَ من جدِّكَ أنشودةٌ / مِزْهَرُها التاريخُ عذبُ الرنينْ
ألهَمها والدَك المجتبى / وأنتَ من أبنائه الملهَمينْ
وأنتَ من روحيهما آيةٌ / كآيةِ اللّه إلى المرسلينْ
وصورةٌ مشرقةٌ سمحةٌ / إطارُها الحبُّ ونورُ اليقينْ
أيَّتُها الأيام ما تصنعينْ
أيَّتُها الأيام ما تصنعينْ / بذلك العبءِ الذي تحملينْ
غُبِنْتِ يا أيام لم يلتمسْ / عذركِ حتى المستضامُ الغبينْ
يلومك الناسُ على ما بهِ / جرى يراعُ الغيبِ فوقَ الجبينْ
وقال من قال لقد أولعت / بالشرِّ فالطَّبْعُ لئيمٌ لعينْ
عدوةٌ أنتِ لمن خانَهُ / حظٌّ وإن كنتِ الصديقَ المعينْ
لحاكِ من أخطأ في رأيه / كأنما أنتِ التي تَفكرينْ
ومن أساء الصُّنْعَ في عيشه / كيف تُسيئين ولا تُحسنينْ
ولامَكِ الضّليلُ في دهره / فمنكِ لا منه الضلال المبينْ
حتى أخو الحرمان في حُبِّهِ / كأنما أنت الحبيبُ الضنينْ
وأنتِ لا شكوى ولا آهةٌ / مما ترى عيناك أو تسمعينْ
لمسْتِ ضَعْفَ الناسِ في عالَمٍ / قويُّهُ لا يرحَمُ المضعفينْ
أخذتِ بالحسنى أراجيفَهم / والضعفُ لا يشفعُ للمرجفينْ
وأنت يا أيام من رحمة / لهم تُصلِّين وتستغفرينْ
وأنت يا أيام كلُّ الرضى / تولينهم من كنزه كلَّ حينْ
فمن مرير علقم كالوزين / حلاوةً في عيشهم تسكبينْ
وتُنبتين الرفقَ في أنفس / غليظة قاسية لا تلينْ
أنا الذي أدري بما تصنعينْ / إن ضِقتُ بالعمر الذي تَفسحينْ
لديك ما يمحو عذابي وما / يرقأ دمعي وهو هامٍ سخينْ
لديك ما يُفني همومي وما / يبرئُ قلبي وهو دامٍ طعينْ
لديكِ ما يُشعرني راحةً / إن عقَّني الودُّ وخان اليمينْ
لديكِ ما يُنصفني سُلوةً / إن ظلم الحبُّ وجار الحنينْ
لولاك لم أنسَ فنائي ولم / أحْلُمْ بأنِّي خالدٌ في السنينْ
نبأٌ في لحظةٍ أو لحظتينْ
نبأٌ في لحظةٍ أو لحظتينْ / طاف بالدنيا وهزَّ المشرقينْ
نبأٌ لو كان همسَ الشفتينْ / منذ عام قِيل إرجافٌ ومَيْنْ
وتراهُ أمةٌ بالضفتينْ / أنَّه كان جنينَ العلمينْ
موسُليني أين أنت اليوم أينْ / حُلُمٌ أم قصَّةٌ أم بينَ بينْ
قصر فينيسيا إليكَ اليوم يُهدي / لعنةَ الشرفة في قربٍ وبُعْدِ
عجباً يا أيُّهذا المتحدِّي / كيف ساموك سقوطَ المتردِّي
إمبراطورُك في هَمٍّ وسُهدِ / صائحاً في ليلهِ لو كان يُجْدي
أين يا فاروس ولَّيْتَ بجندي / أين ولَّيْتَ بسلطاني ومجدي
أعتَزَلْتَ الحكم أم كانَ فرارا / بعد أن ألفيْتَ حوليْكَ الدَّمارا
سُقْتَ للمجزرةِ الزُّغْبَ الصِّغارا / بعد أن أفنيتَ في الحرب الكبارا
يا لهُمْ في حَومةِ الموتِ حَيارى / ذهبوا قتلى وجرحى وأسارى
يملأون الجوّ في الركضِ غُبارا / وقُبوراً ملأوا وجْهَ الصحارى
أعَلى الصُّومال أم أديسَ أبابا / ترفع الرايةَ أم تَبْني القِبابا
أمْ على النيل ضِفافاً وعُبابا / لمحَتْ عيناكَ للمجدِ سرابا
فدفعْتَ الجيشَ أعلاماً عُجابا / ما لهذا الجيشِ في الصحراء ذابا
بخّرتْهُ الشمْسُ فارتدَّ سحابا / حينَ ظنّ النصرُ من عينيه قابا
يا أبا القمصانِ جمعاً وفُرادى / أحَمَتْ قُمصانك السودُ البلادا
لِمَ آثرْتَ من اللَّونِ السوادا / لونُها كان على الشعْبِ حِدادا
جِئْتَ بالأزياءِ تمثيلاً مُعادا / أيُّ شعْب عَزَّ بالزَّيِّ وَسادا
إنهُ الرُّوحُ شُبوباً واتِّقادا / لا اصطِناعاً بلْ يَقينا واعتقادا
موسُليني قِفْ على أبوابِ رُوما / وتأمَّلْها طُلولاً ورسوما
قِفْ تَذَكَّرْها على الأمسِ نُجوما / وتَنَظَّرْها على اليومِ رُجوما
أضرمتَ حولكَ في الأرض التُّخوما / تقتفي شيطانكَ الفظّ الغَشوما
أو كانت تلك روما أم سدوما / يومَ ذاقتْ بخطاياكَ الجحيما
هيَ ذاقتْ من يدِ اللّهِ انتقاما / لآثامِ خالدٍ عاماً فعاما
يومَ صبَّتْ فوقَ بيروت الحِماما / لم تَذَرْ شيخاً ولم ترحمْ غُلاما
من سفينٍ يملأُ البحرَ ضِراما / ذلك الأُسطول كم ثارَ احتداما
أين راحَ اليومَ هل رام السَّلاما / أم على الشاطئِ أغفى ثم ناما
أيُّ عُدوانٍ زَريِّ المظهَرِ / بِدَمٍ قانٍ ودمْعٍ مُهْدَرِ
حينَ طافتْ بِحُمى الإِسندرِ / أجنُحٌ من طَيرِكَ المستنسرِ
تنشرُ الموْتَ بليلٍ مُقمِرِ / يا لمصرَ أتُرى لم تثأرِ
بيدِ المنتقِمِ المستكبِرِ / أتَرى تَذكرُ أم لم تذكُرِ
موسُليني لسْتَ من أمسٍ بعيدا / فاذكرِ المختارَ والشعْبَ الشهيدا
هو رُوحٌ يملأُ الشرقَ نشيدا / ويناديكَ ولا يألو وعِيدا
موسُليني خُذْ بكفيَّكَ الحديدا / وصُغِ القيدَ لساقيْكَ عَتيدا
أو فضَعْ منْكَ على النصْل وريدا / فدمي يَخنِقُكَ اليومَ طَريدا
يا لَلطريقِ الضيِّقِ الصَّاعِدِ بين ربوتينْ
يا لَلطريقِ الضيِّقِ الصَّاعِدِ بين ربوتينْ /
كأنما خُطَّ على قَدْرِ خُطىً لعاشقينْ /
الشَّجَرات حوله كأنها أهدابُ عينْ /
كعهدهِ بصاحب الدَّار ظليلَ الجانبينْ /
نَبَّأهُ الصدى المرنُّ عن قدوم زائرينْ /
في فجرِ يومٍ ماطرٍ شقَّ حجابَ ديمتينْ /
كأنما يَنزِلُ منه الوحيُ حَبَّاتِ لجينْ /
فانتبهت خميلةٌ تهزُّ عُشَّ طائرينْ /
وشاع في الغابةِ هَمْسٌ من شفاهِ زهرتينْ /
مَنِ الغريبان هنا وما سُراهما وأينْ /
وأمسكَ الغيثُ كما لو كان يُصغي مثلنا
وأمسكَ الغيثُ كما لو كان يُصغي مثلنا /
واعتنقتْ حتى وُريْقاتُ الغصون حولنا /
كأنما تخشى النسيمَ أو تخاف الغُصُنا /
وانبعث اللحنُ الشجيُّ من هنا ومن هنا /
يثور في إِيقاعهِ قيثارةً وأَرغُنا /
كأنّ جِنّاً في السماء يُشعلونَ الفِتنا /
كأن أرباباً بها يحاكمونَ الزّمنا /
يا صاحبَ الإِيقاع ما تعرف ما هجْتَ بنا /
الفجرُ أم ثارتْ على الشمس بوارقُ السّنى /
ما لك قد غنَّيتَهُ هذا النشيدَ المحزنا /
غنَّيتَهُ آلهةً أم أنت غنّيتَ لنا /
نُهْزَةٌ أهدَتِ الخيالَ إلينا
نُهْزَةٌ أهدَتِ الخيالَ إلينا / ودَعتْنا لموعدٍ فالتقينا
ههنا تحت ظُلَّةِ الغابة الشجرا / ءِ سِرْنا والفجرُ يحنو علينا
وقطفنا من زهرها وانثنيْنا / فجنيْنا تُفاحَها بيدينا
وَمَرِحْنا بها سحابةَ يوم / وبأشجارها نقشْنا اسمينا
ههنا يا ابنةَ البحيراتِ والأوْ / دِيةِ الخُضْرِ والرُّبى والجبالِ
صدح الحبُّ بالنشيد فَلَبَّيْ / نا نداءَ الهوى وصوتَ الخيالِ
وتَبِعْنا على خُطى الفجر موسِي / قى من العُشب والندى والظلالِ
وسمعنا حفيفَ أجنحةٍ تَهْ / فو بها الريحُ من كهوف الليالي
قُلْتِ لي والحياءُ يَصْبُغُ خَدَّيْ / كِ أنارٌ تمشي بها أم دماءُ
ملءُ عينيكَ يا فتى الشرق أحلا / مٌ سكارى وصبوةٌ واشتهاءُ
وعلى ثغركِ المشوقِ ابتسامٌ / ضَرَّجَتهُ الأشواقُ والأهواءُ
أوَ حقاً دنياك زهرٌ وخمرٌ / وغوانٍ فواتنٌ وغِناءُ
قُلتُ يا فتنة الصِّبا حَفِلَتْ دُنْ / ياكِ بالحبِّ والمُنى والأغاني
ما أثارت حرارةَ الجسَدِ المُشْ / تاقِ إلَّا مرارةُ الحرمانِ
إنَّ أجسادنا معابرُ أروا / حٍ إلى كلِّ رائع فتَّانِ
أنا أهوى روحيَّةَ العالمِ المَنْ / ظورِ لكنْ بالجسم والوجدانِ
ما تكون الحياةُ لو أنكر الأحْ / ياءُ فيها طبائعَ الأشياءِ
أنا أهواكِ كالفراشةِ صاغتْ / ها زهورُ الثرى وكفُّ الضياءِ
أنا أهواكِ فِتنَةً صاغها المثْ / ثَالُ من طينةٍ ومن إِغراءِ
أنا أهواكِ بِدعةَ الخلدِ صِيغَتْ / من هَوى آدمٍ ومن حوَّاءِ
أنا أهواكِ من أثامٍ وطُهرٍ / حُلمَ إغفاءَتي وصَحْوَ غرامي
أنا أهواكِ تُبدعين يقيني / من نسيج الظنون والأوهامِ
أنا أهواكِ دفءَ قلبي ويَنبُو / عَ اشتهائي وشِرّتي وعُرامي
وحناناً مُجسَّداً إنْ طواني الْ / لَيلُ وَسَّدْتُ صدرَهُ آلامي
إنّني بالخيالِ أنتزع الرِقْ / قَةَ من قسوة الزمان المريرِ
عَجباً ما حقائقُ الكون إلَّا / لمحاتُ الخيال والتفكيرِ
قبْلَ أن تشرقَ النجومُ على الأرْ / ضِ أضاءَتْ بذهنِ ربٍّ قديرِ
وتجلَّتْ في حُلمِهِ بنظامٍ / من بديعِ التكوين والتصويرِ
أطلِقي نفسَك السجينةَ ملء الْ / غابِ ملء الفضاء ملء العُبابِ
واحلُمِي بالحياة من نغمِ الخلْ / دِ وخمْرِ الهوى وزهرِ الشبابِ
ههنا عُشُّنا على الشاطئِ المسْ / حورِ نبنِيهِ من غصونِ الغابِ
ونخطُّ البستانَ أحلامَ طِفلٍ / صَقلتهُ مواهبُ الأربابِ
خطرةٌ ثم أطرقتْ في حياءٍ / وأدارتْ في جانب الغاب عينا
وانثنتْ بابتسامةٍ فدعتني / ثم قامت تمشي هناك الهوينا
وتلاقت عيونُنا فتدانتْ لي / وجُنَّ الحنانُ في شفتينا
فاعتنقنا في قُبْلةٍ قد أذابتْ / جَسَديْنا ومازَجَتْ روحينا
في اهتزاز العَصَبِ الثائر والرُّوح المعنّى
في اهتزاز العَصَبِ الثائر والرُّوح المعنّى /
طالَعَتهُ بالهناءِ الليلةُ الأولى فغنَّى /
ورأى مِن حوله الأرضَ سلاماً فتمنَّى /
ليسَ يَدري أشَدا من فرحٍ أم ناح حُزنا /
قُلتُ من أيِّ بلادٍ قِيلَ لحنٌ من فينّا /
يا فينّا سلسلي الأنغامَ سِحرا / في حنايا النفس لا جوِّ المكانِ
أوَ حقاً أنتِ ذي أم أنتِ ذكرى / أم رؤىً تمرح في دنيا الأغاني
وبنانٌ هزَّتِ الأوتارَ سكرى / أم شِفاهٌ لمستْ روح الزمانِ
يا فينّا جدِّدي الآن مسرَّات الليالي /
روحُكِ الراقص لم يَحفِلْ بأرضٍ وقتالِ /
طَرِباً ما زال يشدو بين موجٍ وجبالِ /
بأساطيرَ وأحلامٍ وفنٍّ وخيالِ /
هو روحُ النَّغم الهائمِ في دنيا الجمالِ /
يا فينّا هل غابكِ للشَّمْل اجتماعُ /
أم على فجركِ نايٌ فيهِ للراعي ابتداعُ /
أم على أفقكِ من نور العشيّات التماعُ /
أم على مائك تحت الليل للحب شراعُ /
آه من أمس وما جرّ على النفسِ الوداعُ /
لقاؤكما قد كان حُلمَ زماني
لقاؤكما قد كان حُلمَ زماني / وعهدُكما للشرق فجرُ أماني
ولا عهدَ إلَّا للعروبة والعُلى / لقلبَينِ في كفَّين يعتنقانِ
تُحدِّثني عيني وقد سِرتُما معاً / حبيبانِ سارا أم هما أخوانِ
ويسألني قلبي وقد لاح موكبٌ / من الأحمر اللجيِّ أشرقَ داني
على ملكيٍّ من شراعٍ ولُجَّةٍ / تطامنُ في صفوٍ له وأمانِ
تناسمه بين العشيَّات والضُّحَى / سرائرُ منْ أرضِ الحجازِ حواني
وأفئدةٌ من أرضِ مصرَ مشُوقةٌ / شواخصُ في الثغر المشوق رواني
إلى أُفُقٍ فيه من الروحِ هزَّةٌ / وفيه مِنَ الوحي القديمِ مَعاني
أتسألُ يا قلبي وأنت بجانبي / وكيْفَ ألم تعلم من الخفقانِ
وأنت الذي تُصغي وأنت الذي ترى / وتُنطِقُ مني خاطري ولساني
ومنك الذي أوحى إليَّ فهزَّني / وفجَّر شعري مِن سماءِ بياني
أنالَ جلالُ اليوم منك فخِلتَهُ / رُؤى يقظةٍ بل ذاك رأيُ عيانِ
هو الملكُ الفاروقُ في موقف الهدى / تسير إليه الفلكُ دون عنانِ
يؤمُّ بها ربُّ الجزيرة مصره / وما هيَ إلَّا فرحةٌ وأغاني
هما عاهلا الشرق العريق وركنُهُ / هما حِصنُهُ الواقي من الحدثانِ
هما الحبُّ والإِيمانُ والمجدُ والنّدى / تمثّلَ في آياتها ملكانِ
سلاماً طويلَ العمر مصرُ تبُثُّهُ / بأعذبِ ما رفَّتْ به شَفَتَانِ
وللنِّيل أمواجٌ يثبنَ صبابةً / بأفراح دورٍ فوقهُ ومغاني
تجلّى طرازاً في لقائكَ مُفرداً / رفارفَ خُضراً في ظلالِ جنانِ
يُحيّي بكَ الشعبَ الحجازيَّ شعبُهُ / وفيكَ يُحيِّي القِبلةَ الهَرَمانِ
تساءَل فيها الصاحبان وقد بَدَتْ / مخاضرها من لُؤلؤٍ وجمانِ
وآفاقُها مكيّة النور والشّذى / يُضئْنَ بأقمارٍ بهنَّ حِسانِ
جلاها المساءُ القاهريُّ صباحةً / تغايرَ في لألائها القمرانِ
سعوديةَ الإِشراق تُزهَى بنورها / مطالع فاروقيةُ اللّمعانِ
أَفي مصرَ أَم بطحاء مكة يومُنا / هُنَا وطنٌ أَم هَهُنَا وطنانِ
وتلكَ قطوفُ النِّيل دانيةَ الجَنَى / أَم أن قطوفاً للرياضِ دواني
هوىً لكَ يا عبد العزيز أصارها / وما اختلفتْ في صورةٍ ومكانِ
وأنت أخو الفاروق دارك دارُه / على الرَّحبِ والدّاران تلتقيانِ
فإِن تذكر الأوطانَ والأهلَ عندها / فما مصرُ إلَّا موطنٌ لكَ ثاني
وما هي إلَّا أمَّةٌ عربيَّةٌ / مُوحَّدَةٌ في فكرةٍ ولسانِ
أَيُنْصِتُ لي الضيفُ العظيمُ هنيهةً / ويسمع لي الفاروقُ صوتَ جناني
يقولون نارُ الحرب في الغرب أُخمِدتْ / فما لي أرى في الشرق سُحْبَ دخانِ
مَشَتْ بالشتاءِ الجهم فوق تخومه / برعْدِ حسامٍ والتماعِ سنانِ
بإِيرانَ صيحاتٌ وفي الشام ضجة / وفي القدس جمرٌ مُوشكُ الثَّورانِ
وفي الساحل الغربيِّ من آل طارقٍ / جريحا إِباءٍ في دمٍ غرِقانِ
طماعيةٌ فيه أزالتْ قناعها / وما سترتْ وجهاً لها ببنانِ
رمتْ عن يدٍ قفَّازَها وتحفَّزَتْ / مخالبَ ضارٍ أو براثنَ جاني
فإِن قيل هذا مجلسُ الأمنِ فاسألوا / علام تضجُّ الأرض بالشّنآنِ
وفيمَ دعاة السَّلْمِ طال حديثهمْ / على غير معنىً من رِضىً وأمانِ
وأُبْهِمَ حتى بانَ كالظلِّ طامساً / ودَاوَر حتى راغَ في الدَّوَرَانِ
أرى اليوم مثل الأمس صورةَ غاصبٍ / وإِن حُوِّرَتْ في صبغةٍ ودهانِ
إليكم ملوكَ الشرق كم عن مقالةٍ / ثناني حيائي والوفاءُ دَعاني
أشَدتُ بما شِدتم فرادى وكلكم / يُفاخر جيلٌ بالذي هُو باني
أناشدكُمْ والشرقُ بينَ مطامعٍ / تُهددهُ في حوزةٍ وكيانِ
فهلَّا جمعتم أمره واستعنتمو / بكلِّ فتىً بالطّيبات مُعانِ
أرى حُلفاء الأمْس لم يَحْفِلوا به / وما زال من خُلْفِ الوعودِ يعاني
وما قرَّ في ظلِّ السلام بحقِّهِ / ولا فازَ من حريَّةٍ بِضمانِ
وتلْكَ أمانيهِ على عَتباتهم / مطرَّحةٌ في ذِلَّةٍ وهوانِ
أنقنع من حقٍّ وجامعةٍ له / بجمعٍ يديرُ الرأيَ حولَ خوانِ
وليس لها من قُوَّةٍ غير ألْسنٍ / وأقلام كُتّابٍ وسحرِ بَيانِ
وماذا يفيد الرأيُ لا سيفَ عنده / وماذا يُصيب القولُ يوم طعانِ
على البأس فابنوا رُكْنَها وتأهَّبوا / بمستقتلٍ مِنْ حولها مُتفاني
تلاقى به راياتُ كلِّ شُعوبهِ / وأسيافُهم من صُلْبةٍ وِلدان
كأمواج بحرٍ زاخرٍ متلاطمٍ / ينابيعُهُ شتَّى ذُرىً ورِعانِ
ضَمِنْتُ بكمْ مَجْدَ العروبةِ خالداً / على كرِّ دهرٍ واختلافِ زَمانِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025