المجموع : 54
وأَصفرَ من ياسَمِيِنِ الرِياض
وأَصفرَ من ياسَمِيِنِ الرِياض / يلوح على زُرْقة الخُرَّمِ
فشبَّهْتُ هذا وذا بالسماء / بدتْ في صِغارِ من الأنجم
أو الشَّرَرِ المستِنيرِ الذي / تطايَرَ عن قَبَسٍ مُضْرَمِ
لما أَشارت بعُنَّابٍ على عَنَم
لما أَشارت بعُنَّابٍ على عَنَم / نَحْوي وعَبْرَتُها ممزوجةٌ بدمِ
وأَسفرتْ فبدا من وجهها قمَرٌ / عليه من شرِها داجٍ من الظُّلَم
عانقتُها ودموعي في مدامعها / مُنْهَلَّةٌ وتلاثَمْنا فَماً بفم
كأَنَّ في ثغرها الصَّهْبَاء قد فُتِقَتْ / بماءِ وردٍ لذِيذٍ باردٍ شَبِم
حُبِّي لِوجْهك يا من رحت أَضمِرها / حُبِّي لِبَدْل النَّدَى والجُودِ والكَرِم
تكّرمتَ حتّى جُزْتَ حَدَّ التكُّرمِ
تكّرمتَ حتّى جُزْتَ حَدَّ التكُّرمِ / وأَلبستَ أَثوابَ الغِنى كُلَّ مُعْدِمِ
وما زلتَ تعفو الذنبَ عن كُلّ مذنِبٍ / مُسيءٍ وعظمَ الجُرْمِ عن كلّ مجرم
إلى أن حويتَ الفضلَ وحدَك سابقا / وسُدْتَ البرايا من فصيحٍ وأَعجم
وذا ابن عبيدِ اللّه عبدُك خاضعا / مُقِرّاً بما في ذنبه المتقدّمِ
وأَحسن من كلّ المحاسن مُذْنِب / تلقّاه مولاه بِعَفْوٍ وأَنعُم
فزِده على ذا العفوِ فضلا ونِعمة / يزِدْك عليها اللّه عزّ تعظُّم
بِما حَلَّ قلبي من ودادكَ فاغتَدَى / مَشُوباً ومخلوطاً بلحمي والدمِ
تَقَبَّلْه واجعلْ عنده لك نِعمةً / تروح بها في الناس أَكرمَ مُنعِمِ
فقد كان أيضاً مالكاً لعبتْ بهِ / خطوبٌ وأنت اليوم كهفُ الترحُّم
وأَعظمُ سؤلي أَن أراك وصلتَه / وأَغنَيْتَه بالجُود قبل التكلُّم
تُميط الأَذى عن حامِلِيها الصَّوارمُ
تُميط الأَذى عن حامِلِيها الصَّوارمُ / وتَبْنِي المَعالي للكرام المَكارمُ
وما كلُّ من تَنْدَى يداه بما جد / ولا كُلّ من يَغْشَى الحروبَ ضُبارِمُ
وما الجُود بالأَيدي اضطرارا مُحَسَّنٌ / إذا لم تجده في النفوس الحَيازِمُ
وما تنفع البِيضُ البَواتِرُ صَحْبَها / إذا لم تكن يوما ظُباها العزائمُ
وما الحِلمُ بالمحمود في خُلُق الفتى / إذا لم يكن للحِلم جَهْلٌ مُلازِمُ
أَمَرَّتْ لي الأَيامُ منذُ عرفتُها / فما في منهنَّ إلاَّ العَلاقِمُ
جعلتُك قلبي خيرَ خِدْنٍ وصاحبٍ / فلا تك مِمَّنْ يلتَوي ويصُارِم
فما إن رأَيت الدهَر إِلاَّ معظِّماً / كريماً يُناوِي أَو وَضيعاً يُسالِم
وما فاتَني فيه منْ المجد والغنى / فما أنا إذ نلتُ الحجا فيه نادم
وما إِن قليتُ الدهرَ إلاَّ لأنه / لِقلبيَ من بينِ الأَحبّة ظالمُ
سَقاني من أَقذائه بفراقهمْ / ومن سمّه ما ليس تَسْقي الأَراقمُ
وكم شمتُ من بَرْقٍ لأَسماءَ خُلَّبٍ / وقلبي بما فيه من الزُّور عالِمُ
تُعَللِّني من وصلِها بمَواعدٍ / أراهنَّ أَعراساً وهنَّ مآتم
سأشفى ببَرْد اليأَس غُلَّةَ ذا الهوى / وإن لم يُبَرِّدها النوى واللّوائم
وأَبيضَ يَحكي البدرُ غرّةَ وجهِهِ / وتحكي يديه في السَّماحِ الغمائم
إليك أَميرَ المؤمنين سَمَتْ بنا / أَمانٍ مقيماتٌ عليك حَوائمُ
منحناكَ من حُرِّ الثَّناء قصائداً / بأَيدي العُلا من حَليْهنَّ خواتم
فلم تَلْقَنا إلاّ ومالُكَ هالِك / ووجهُك بَسَّامٌ وعِرْضك سالم
أَبادَ ندَاك المالَ حتَّى كأنما / سماحُك يقظانٌ ومالُك نائم
علوتَ إلى أَن أَيْقَنَتْ كُلُّ مُقْلَةٍ / بأنّك نجم في ذُرَا الأُفْق ناجِمُ
وجُدْتَ إلى أَن ظَنَّ كُلُّ مُوَحِّدٍ / بأنَّك للأَرزاق في الناس قاسمُ
ولو قد رأى إسرافَ جُودِك حاتمٌ / للاَمَكَ في الإعطاء كعبٌ وحاتم
هنَاكَ قُدومُ الِعيدِ يا عيدَ أهلِه / ومَن هُوَ عيدٌ للبريّة دائم
بدا لك فيه السعدُ من كلّ جانب / وهابَتْك فيه عُرْبُه والأَعاجمُ
فَجُودُك سَجْلٌ للمُطِيعين وابلٌ / وسَيْفُك في العاصِين قاضٍ وحاكمُ
إذا ناكِثٌ بالغَدْر عاصاكَ لم تَطِرْ / خَوافي جَناحَيْه به والقوادمُ
وإن رامَ غَدْرا أَظهرَ اللّه سِرَّه / عليه وأَبدَى كلَّ ما هو كاتمُ
لأَنّك سيفُ الحقّ والله ضاربٌ / به ونِظامُ الدِّين واللهُ ناظمُ
وما أنت إلاّ حجّة الله أَشرَقَتْ / بها الأرض حتى ليس فيها مُخاصِمُ
يروم بك الأعداءُ ما حالَ بينهم / وبينَك فيه البارقات الصَّوارمُ
وجُرْد إذا يَمَّمْن أرضاً كأنها / تَطِير بها أشخاصُها والقوائمُ
وسُمْر قَناً صُمّ طِوال كأنها / مَضاؤك في الهَيْجاء والنَّقْع قاتمُ
إذا رُمْتَ أن تَغْزُوهُمُ فحِمامُهمْ / بأن يَعلم الأعداءُ أنّك عازم
فخَوْفُهمُ لم يَتَّرِكْ لهُم يَداً / ولم يُبْقِ مِن أبطالِهم مَن يقاوِم
فيا غالباً ما دَام يلقى محارِباً / ويأيّها المغلوبُ حين يُسالم
كذا لم تزل يآبن الأئّمة ظافراً / ومالُكَ مَغْنومٌ وسَيفُك غانم
على ذا مضى آباؤك الغُرُّ يَرْتَضي / فِعَالَهُمُ بَذْلُ النَّدَى والمَلاحِم
ولو شهدوا حَالَيْكَ في السِّلم والوَغَى / لفدَّاك مسرورا لُؤَيٌّ وهاشم
لكل عدوٍّ من سيوفك قاتِلٌ / وفي كلّ حصنٍ من مَضائك هادم
مُقامُكَ سَيْرٌ في البلاد مُظَفَّرٌ / وَصْمتُك في أذْن الزمان هَماهِمُ
هزمتَ خُطوبَ الدهر رأْياً وَنجدةً / ولم يَهزِم الأيّامَ قبلكَ هازم
ورُضْتَ بحزمٍ كلَّ شيء فلم تَدَع / من الناس مخلوقاً يُرَى وَهْو حازم
وسامَيْتَ حتى لم تُلاقِ مُسامِياً / وكارَمْتَ حتى لم تجِد من يُكارم
وباريْتَ أملاكَ الزمان ففُقْتَهُمْ / وقَصَّرَ منهمْ عنك صِيدٌ أَكارم
فشمسُ الضُّحَى تاجٌ لمُلككَ في العُلا / وزُهْرُ دراريِّ النجومِ دَعائمَ
كأنّك لم يُخْلِف سواكَ ولم يَلِدْ / رئيسا يسود الخلَقَ غيركَ آدم
سأجعل وُدّي بالثناء مُكَلّلاً / عليك وصَمْتي عنك لي فيك شاتم
وهل أنت إلاّ من غُيوثٍ مُلِثَّةٍ / وأقمارِ تِمٍّ صاحَبَتْها ضَراغمُ
وكم جاهلٍ يُصفيك وُدّاً بجهلِه / وأفضَلُ من هذا الوِداد التَّصارمُ
قليلُ ودادِ المرِء بالعقل نافعٌ / ووُدُّ الفتى بالجهل للنَّفع كالِمُ
وإنّي لأُصفيكَ الودِادَ وخيرَه / وأفضَلُه أنِّي به فيك عالم
وإنّي متى ما أَطْوَهِ عنكَ مُوقِنٌ / بأنَّي في طَيٍّ له عنكَ آثم
فلا تُلْحِقَنْ بي مَعْشراً لم يَقُدْهُمُ / لحبِّك إلاّ الخوفُ ثم الدّراهم
ولو مَنَحوكَ الوُدَّ بالصِّدق لم يكن / لودِّهمُ مِن جهلهمْ بك عاصم
وإن اختلاف الناس في الفَضْل بَيِّنٌ / فبعضُهمُ ناسٌ وبعضٌ بَهائم
لِتُلْحِقْكَ نُعْماها الّليالي التّي بدت / لنَا بكَ بِيضاً وهي سُودٌ ظوالم
لو أنَّ أيَّامَ هذا الدهر تَحتشمُ / ما كان عنهنَّ منِّي العَذْلُ ينصرم
وكيفَ يَرضَى عن الأيَّامِ مَنْ عَبِثَتْ / به فأنوارُها في عَيِنه ظُلمُ
أَرى أناساً ولكِنْ جُلُّهم نَعَمٌ / كُثْرٌ قلِيلٌ وموجودون قد عدِموا
ناسٌ سَواسَية يَضْنَى الكريمُ بهمْ / حتى كأنهمُ الأوصاب والسَّقَم
من لم يكن عالِماً ذا بالأنامِ فلا / يَجهَلْ بأنهمُ إن حُصِّلُوا غَنَم
أَرَتْهُمُوني قليلا هِمّةٌ بَلغتْ / بِحَيْثُ لا يَنْتهيه الهَمُّ والهمَمُ
لِلّهِ حالٌ أدانِيها وتُبعدُني / وأشتِهي قُربَها مِنّي وَتنجذِمُ
لا تعذلَني على حظِّي فقد نَشَرَتْ / عليَّ حِرْمانَها الآداب والفَهَم
أرْخَتْ على الّليالي جَوْرَهُنّ ومَنْ / أيّامُه ظَلمتْه سوف يَنْظَلِمُ
سيستقلّ بنَصْري صولةً ذَكَرٌ / وصارِمٌ ليس يَنْبو حَدُّه خَذِمُ
لا أَحمد العزمَ ما لم تَنحطمْ قُضُبٌ / من السّيوف ولَم تُحْصَدْ بِها لِمَم
ولم يَجُلْ بالقنا والخيلُ ساهمةٌ / فَتىً ولم يَجْر بين الجَحْفَلَيْن دم
ولم تشنَّ على الأعداءِ بي دُفَعٌ / تَظَلُّ منها سيوفُ الهند تَبْتَسم
لا فخرَ للمرءِ إلاّ حدّ مُنْصُلِه / لا ما تُزخرِفه الألفاظُ والقلم
أنا الذي قد حلبتُ الدهرَ أشطُرَه / ومَرَّ منه علَّى السُخْنُ والشَبِمُ
لا يَنزِف الغيظُ حِلمْي حين أُسلبَه / ولا التحلُّمُ غَيْظي حين أَنتقِم
أنا ابنُ مَن قد أَعزَّ الدِّينَ مُنْصُلُه / وأَذعنتْ لعُلاه العُرْبُ والعَجَمُ
أعنى الإمامَ مَعَدّاً خيرَ من حسنتْ / به الخلافةُ واستعلتْ به النَّسَم
فخراً ومجداً أميرَ المؤمنين فقد / صلَّى عليك النَّدَى والمجدُ والكرم
تُصِمُّ أُذْنّكَ عن لاحِيك في كَرمٍ / وما بِسمعك عن داعي النَّدَى صَمَمُ
فعِرْضُ مجدِك بالمعروف ممتنِعٌ / وعِرْضُ مالِك في العافين مُقْتَسَمُ
من لم يكن بكَ دون الناس معتصِماً / أَمسَى وليس له في الأرض مُعْتَصَمُ
يا حُجّةً فلَجَتْ لِلّه واتّضحَتْ / حتى اهتدي بسَنَا برهانِها الأمم
يا مطلِقَ الأمَل العاني ومُخرِجَه / لليُسْر من بعد ما أَوْدَى به العَدَمُ
لولا مَعَدٌّ أميرُ المؤمنين لَمَا / عَزَّ الهُدى وفَشَتْ في عَصْرنا النِّعَمُ
في كلّ مَوْطِنِ معروفٍ يَمُدّ يداً / وفي تُقَى كلِّ توحيدٍ له قَدَم
أَغَرُّ أَرْوَعُ وَضّاحٌ لناظِره / كأنّه في أعالي هاشم عَلَم
حُلُو الشمائل في أخلاقه شَرَسٌ / طَوْراً ولِينٌ وفي عِرْنيِنه شمَم
طابت وِلادتُه من أَحمدٍ وزَكَتْ / منه الخلائق والأعراقُ والشِّيَم
يَلقى دواعي الخَنا والُّلؤْمِ منه بلا / وليس تَخْذُلُه في صالح نَعَم
أستغفر اللّهَ لا أحصي فضائلَه / عَدّاً ولو أنّ كُلِّي مَنطِقٌ وفَمُ
وكيف يُحصي الورى عَدّاً مَناقِبَ من / لم يُلْفَ شِبْهٌ له في الناس كلِّهمُ
وما رأيتُ سوى مدحِ المعزِّ ثناً / يُزهَى به الحبرُ والْقِرطاس والقَلَمُ
كأنّما مُلْكُه هَدْىٌ ومَوعظةٌ / وَدهرُه فَرحٌ للناس مُبْتَسِم
لا زلتَ تَبني رُواق العزِّ ما طلعتْ / شمسٌ وما دَرَّت الأنواءُ والدِّيمَ
وهاكها تؤنِسُ الألبابَ خَطْرتهُا / وتستزينُ بها الآدابُ والحِكم
تبدو لسامعها في كلّ ما خَطرتْ / بسمعِه أنّها حنية قسم
يا سراجَ الأنامِ جنحَ الَّظلامِ
يا سراجَ الأنامِ جنحَ الَّظلامِ / ومُبيدَ العُداة يَوم الِّلطامِ
والذي جَلَّ أن يُساوَى بشمسٍ / أو ببَدرِ التَّمامِ عند التَّمامِ
والذي عَمَّ بالجَدَا والعطايا / والنَّوالِ الجزيلِ كلَّ الأنام
والّذي يُرتَجي لِدينٍ ودُنْيَا / والمُصَفَّى من كلّ عَيبٍ وذامِ
والّذي رأيُه إذا أَلْيَلَ الخَطْ / بُ وأَعيَا أَمضَى من الصَّمْصامِ
والّذي صَوْلُه إذا صال في حَرْ / بِ الأعادي كصَوْلةِ الضِّرْعام
إنّ ذا اليوم إذ شربتَ دواءً / فيه يومٌ من أفضل الأيّامِ
في اعتدالٍ من الهواءِ وطِيبٍ / من زمانٍ صافٍ كصفو المُدامِ
في أوانٍ قد أينع الوَرْدُ فيه / بِافْترارٍ من نَوْرِه وابتسامِ
فَهْوَ طَلْقٌ من كُلِّ حَرٍّ وقُرٍّ / وخَليٌّ مِنْ مُنشَآت الغَمام
إنْ تداويتَ بالدَّواءِ فَقِدْماً / كنتَ لِلْمُعْتَفي أَسَا الإعدامِ
دُمْ سليماً من الزّمان مُوَقىًّ / ما تَداعَى في الأَيْكِ وُرْقُ الحمَام
سلامُ اللّه ما طلعتْ نجومٌ
سلامُ اللّه ما طلعتْ نجومٌ / وما غارتْ عَلَى المَلكِ الهُمامِ
ومَن عَظُمَتْ مَناقِبهُ وجَلَّتْ / فما تُحصَى على سَعةِ الكلام
نلتُ المنى مّمن أحِبُّ فَلم أَجِدْ
نلتُ المنى مّمن أحِبُّ فَلم أَجِدْ / أحلىَ لديَّ ولا ألذَّ وأَكرَمَا
من عاشقَين تواقَفَا كي يُطفِئَا / نارَ الغرامِ ويَشْكُوانِ جَواهُما
حتى إذا اعْتَنقا وأَظهَر شجوَهُ / هذا لهذا ساعةً وتكلَّما
رَأَيَا الرقَّيب وفي النفوس بقيَةٌ / وقد استطارَا لذّةً وتَتَيُّما
فاستعمَلا الإطراقَ ثم تجلَّدَا / واستَبكَما وتكلّمتْ عَيناهما
وإذا العيون تكلَمتْ وتراسلتْ / فَهِمَ المحبُّ عن الحبيب وأَفهَما
هِمَمي أنافَتْ بي على الهِمَمِ
هِمَمي أنافَتْ بي على الهِمَمِ / قَبلَ الفِطامِ ومَبلغ الحُلُمِ
وسَمَا بقَدْري في العلا أدبي / حتى وَطِئتُ كواكبَ الظُّلَمِ
تُثني عليّ إذا سكتُّ يَدي / بسَماحِها وتُضيء لي شِيَمي
وإذا الكرامُ جَفَوا تكرُّمَهم / لؤماً فإنّي عاشقٌ كَرَمي
في كلّ صالحة مَدَدتُ يَدي / ولكلِّ مكرُمةٍ سعتْ قَدَمي
وأقلُّ ما أَدْرِيه مِنْ زَمَني / رفعُ الجَهول وسَقْطةُ الفَهِمِ
فاسألْ خُطوبَ الدّهر عن جَلَدي / وغوامضَ الأشياء عن فَهَمي
هل شُمُّ أطوادِ الجبال سِوَى / حِلْمي وهل عَضْبٌ سِوى كَلِمي
والمجدُ فَرْعٌ أصلُه كَرَمي / والدهرُ رُمْحٌ سِنُّه قَلمي
والشمسُ من عِرضي تلأْلؤُها / بسَناه والأيَّامُ مِنْ خَدَمي
لم أَخْشَ قطُّ حُلولَ حادِثةٍ / والليثُ لا يَخْشَى من النَّعَم
وجّهتُ جُودي قبلَ مسألتي / وبعثتُ فِعلي قبل لفظِ فَمي
لا غيرَ أنَّي مانعٌ شَرَفي / ومُبينُ فَضْلِ عُلايَ في الأُمم
فلتَعلَم الدنيا وساكنهُا / أنِّي عَظُمتُ بها عن العِظَم
وشفى نوالي النَاس من عَدَمٍ / وَشفَى مَقالي الصُّمَّ مِن صَمَمِ
وجلستُ من أملاكهم شَرَفا / فوق الرؤس وفي ذُرا القِمَمِ
إلاّ العزيزَ فإنّه مَلِكٌ / كلُّ افتخارٍ عن عُلاه عَمي
جدِّي النبيُّ المستضاءُ به / وأبي المعِزُّ مجلِّل النِّعَمِ
وأَنا الّذي شَهِد الوفاءُ له / بالصِّدْقِ في لاءٍ وفي نَعَمِ
أُرجَى وأُخْشَى سَطْوةً ونَدىً / يُرْجَى نَدَاي وتُتَّقى نِقَمي
أخلصتَ إخلاصَ المحبِّ المغرمِ
أخلصتَ إخلاصَ المحبِّ المغرمِ / ووفيتَ حتّى جزتَ حَدَّ تَوَهُّمي
ومنَحتني مكنونَ حُبِّك خالصاً / مَحْضاً مَشُوباً بالمفَاصِلِ والدَّمِ
والمرءُ أكرمُ ما يكون إذا غَدَا / وَقْفاً على عَهدِ الحِفاظ الأقدَم
ولِذَاك لا يَصْفُو الثناءُ لفاعل / خيراً ولا يُجْزاه إن لم يُتْمم
فأقلُّ حَقِّك ليس يَبلغُ كُنْهَهُ / وَصْفي له ولو انّه مِلْءُ الفَم
يَلقاكَ من قلبي وإن لم تَلقَني / وُدَّانِ مكتومٌ وبادٍ فاعلَم
لا والّذي بِيديهِ ما أنا آمِلٌ / ما بِتْنَ عنكَ خواطِرِي بالنُّوَّم
فلو أنَّ شخصَكَ وَسْطَ أسَودِ ناظِري / ما كان طَرْفي مِنه بالمتألّم
ولقد سألتُ الله ربَّ محّمدٍ / ودعوتُ فِيكَ له دعاءَ الأبكَم
وَغدٌ لمِن يرجو السعادةَ في غَدٍ / أَشْهَى له من يَومِهِ المتقدم
لِيُرْغم الدهر أنِّي
لِيُرْغم الدهر أنِّي / سرقتُ منه نعيما
في ليلةٍ بِتُّ فيها / لكلّ حُسنٍ نديما
حتَى توهّمتُ أنّي / عاشرتُ فيه النُّجوما
أو بتُّ أسَمع فيها / إِسحاقَ ابنَ ابرَهيما
ففاض دمعي سروراً / وذابَ قلبي كُلُوما
حَللتَ عِقْدَ المَعاني فاعتلَى الكَلِمُ
حَللتَ عِقْدَ المَعاني فاعتلَى الكَلِمُ / وأُلبِستْ حَلْيَها الآدابُ والفِهَمُ
يا مَنْ تورّد بَحْراً للبَلاغةِ لَم / يَرِد مَوارِدَها عُرْبٌ ولا عَجَمُ
وافَى قريضُك معدوماً نظائِرهُ / كأنّه مِن نفيِس الدُّرِّ مُنتظِمُ
لفظٌ شَهِيٌّ ومعنىً غيرُ منحرِفٍ / عنه الصوابُ ولا بادٍ بِهِ السَّقَمُ
كأنه أَعينُ النُّوّار غازَلَهَا / تبسُّمُ الشَّمسِ غَدْوا فهي تَبتَسِمُ
أو لفظ أغيَدَ مَعْشوقٍ لعاشِقِه / مِن بعدِ لا وهو يَبْغي وصلَه نَعَمُ
مضمّنا مُلحاً ما مِثلُها مُلَحٌ / وحامِلاً مِدَحاً يُزْهَى بِها الكَرمُ
وواصِفاً مِنْ عَذارَى نَورِ بِرْكَتِنا / ما أسلمتْه له القِيعانُ والأَكَم
وُمنبِئا عن فؤادٍ غيرِ منصرفٍ / عنِ الْوَفاءِ وَوُدٍّ ليس يُتَّهَمُ
ضمّنْتَ ألفَاظه مِنْ مُضمَراتِك ما / لم تَسْتَطِعْ حُسْنَ تضمِيناتِها الأُمَم
يَشِفُّ لَفظُك عن معناكَ فيه وهل / صَفْوُ المُدامِة في الأقداحِ ينكتِمُ
لا شكّ أنّ الّذي أخفيتَ مُضمَرَه / في أوّل النَّظْمِ من ألْفاظكَ القَلَمُ
وأنَّ ثانِي ما أضمَرْتَه قَدَحٌ / كأنّه مِن بيَاضِ الصُّبحِ ملتئِمُ
وأنّ ثالثَ ما عَمَّيْتَه شَبَحٌ / يُمحَى بِتيجانِه الأغساقُ والظُّلَمُ
وقد أجدْتَ وقد مَلَّحْتَ ممتدِحا / ومضمِراً أيهّا العلاّمة الفَهِم
لكْن أُحاجِيك ما شيءٌ له أُذُنٌ / وما له هامَةٌ تَبْدو ولا قَدَمُ
واستعِمِل الفِكَر في أُمٍّ يكون لها / نَجِلٌ وليس لها ثَدْيٌ ولا رَحِمُ
مَيْت تَحِلُّ بِلا ذَبْحٍ لآكِلها / وما جَرَى قطُّ فيها للحياة دَمُ
تنشَقُّ عن وَلَدٍ حيٍّ إذا حَمَلَتْ / ولم يُشَقَّ لها عَيْنٌ ترى وفَمُ
وما نطُوقٌ ولم يَنْطِق بجارحةٍ / إذا تنغّم فَدَّت حُسْنَه النَّغم
أَجَشُّ يُبْدي إذا دَغْدَغْتَهُ ضَحِكاً / تُصغي إليه عُقولُ الناس والهِمَمُ
نَعَمْ وما طائرٌ يسمو بأَرْبَعةٍ / وإن مَشَى حملتْه سِتّة رُسُمُ
ما زُقَّ قَطُّ ولم تَحْضُنْه والدةٌ / ولم يَزَلْ وهو للأطيار مغْتنَمُ
وما مُسفهةٌ وَرْهاء قاطِعةٌ / لكلّ أرضٍ قُطوعاً ليس تنفصم
مسحوبة الذَّيْل ما تَنْبو مصمِّمة / في كلّ طَوْدٍ بحَدٍّ ليسَ يَنْثلِمُ
تَجري وليس لها رِجْلٌ تَسيرُ بها / ولا جَناحٌ وتسْري حين تَعْتَزِم
معشوقةٌ من جميع الناس إنْ ضَعُفَتْ / منها قُواها وتُخشَى حين تَزْدَحم
وما صَدُوقٌ بلا نُطْقٍ ولا فَهَمٍ / بَرٌّ أَمينٌ مُبينٌ صامِتٌ حَكَمُ
يَقضي وليس له سَمْعٌ ولاَ بَصرٌ / وتَرْتضيه الوَرَى عَدْلاً إذا اخْتَصَموا
خُذْها فأنتَ سَنَنْتَ المُضْمَرات لنا / وأنتَ أذْكَيْتَ ما مِنهنّ يَضْطَرِم
واصبر لشَرْحِ معانِيها وإن عظُمَتْ / كما بها جاءنا تيّارُكَ العَرِمُ
فهاكَها بَبدِيع الحُسْنِ مُثقَلةً / يشكو حَرارتَها القِرْطاسُ والقَلَمُ
كأنّها في سطُور الخَطّ ماثلةً / عروس خِدْرٍ خَلُوب الدَّلِّ تَغْتَلِمُ
والله مجتهِداً في الحَلْفِ والقَسَم
والله مجتهِداً في الحَلْفِ والقَسَم / يا بن المعزِّ يميناً غيرَ متَّهَمِ
لو كان للشكر شخصٌ يستبين إلى / عَيْنَيْك في غيرِ أَلفاظٍ ونُطْق فَمِ
جعلتُه لكَ رأىَ العَيْن مُنتَصِباً / حتّى يبينَ بيانَ الصِّدق في الكَلِمِ
من أينَ أَنْسى أياديكَ الّتي سَلَفَتْ / عندي ولحميَ من أَفضالها وَدَمي
كم مِنَّةٍ لك عندي لستُ أكفُرُها / ونعمةٍ قد أنافتْ بي على النِّعَم
لولاك لم يَبْدُ شِعْري مِن كنانَتِه / ولا سَمَتْ بي أمالي ولا هِمَمي
وَلَم أَرُحْ مستقيمَ السّعد مكتفيا / أُرَدّد الطَّرْفَ في مالٍ وفي حَشَم
وكيف أَشكر إحْدَى ما منَنْتَ به / وقد رَماني نَدى كفَّيْكَ بالبَكَم
يَفْدِيك عبدُك مّما بتَّ تحذَرُه / يا أكرَم الناسِ في الأخلاق والشَّيم
مِزاجُكما الخمَرَ بالماءِ لُومُ
مِزاجُكما الخمَرَ بالماءِ لُومُ / دَعاهَا كما ولدتْها الكُرومُ
وحُثَّا ولا تَخْشَيَا نَشْوَتي / فغَيري المُسيءُ عليها المَلُومُ
لأنّي يَسُرّ ارتياحي المُدام / ويَرضى خصالي عليها النَّديمُ
خليليّ قد جَنَّ ثوبُ الدُّجَى / وطاب الهواءُ ورَقَّ النسيمُ
فإن لم يكن فيكما مُسْعِدٌ / فإنّي بإسعاد نَفْسي زعيمُ
فقد حلّ بُولاقَ وَفْدُ السُّرورِ / وطاب لنا في رُبَاها النَّعِيم
مَرِض الجودُ والْتوَى الإكرامُ
مَرِض الجودُ والْتوَى الإكرامُ / وشكَا ما شكوتَه الإسلامُ
وَغَدا لاْعتِلالكَ العِزُّ والمَجْ / د عَلِيلَيْن واحتذى الإعظامُ
عجباً كيف يَشْتَكي مَن فَداهُ الدْ / دهْرُ واستَعصَمتْ به الأيّام
وأطاعتْه عاصياتُ الرّزايا / وصِعابُ الأُمورِ حتّى الحمامُ
مَلِكٌ فيه جَوهرُ النورِ والقُدْ / سِ وإن ظَلَّ تدّعيه الأنام
كيف تَضنَى يَدٌ بِها يُمطر الجو / د وكفّ بها يَصولُ الحُسامُ
وجبينٌ به تُنِير نُجوم السْ / سَعدِ فينا ويَستضِيء الظَّلام
كيف تصفرّ غُرّةٌ لك لولا / ها لَمَا كان للزّمان ابتِسام
إنّما الدهر أنت يا بن مَعَدٍّ / فعلى الدهر إن سَقِمتَ السَّلام
لا أراني الإله فيكَ مُهِمّاً / لا ولا عَرَّجتْ بك الآلام
يا إمامَ الهُدَى الّذي بِيَدَيْهِ / حُسِمَ الكُفْرُ وانجلى الإعدْام
ليتني والكرام نَفْدِيه طرّاً / وقليلٌ له أنا والكِرام
كيف يَضْنَى مَلْكٌ له الله جارٌ / ومُجِيرٌ مّما يريد السَّقام
إنما زارك التشكّي طَلُوباً / منكَ سَلْماً كَيْلاَ بِخَسفٍ يُسامُ
ما تراه استقلّ عنكَ سريعاً / وبه عنك ذِلّة وانهِزَام
ثِقْ بأنّ الإله يُبْقِيك حتى / تَملكِ الأرض قادِراً لا تُرام
وتعِيش العمرَ الّذي هو تسعو / ن وعشر مُسَلَّماً لا تُضام
فبِذا جاءتِ الرّواية قِدْماً / وبهذا جرتْ لك الأقلام
فعلينا لله فيك صلاةٌ / وزكاةٌ زكيّةٌ وصِيامُ
حين عُوفيتَ للخلافة والمُلْ / كِ وصحّت بك الأُمورُ الجِسام
شَرِبَتْ مُهجتي وِدادَك صِرفاً / شُرْبَ من لا يَثْنِيه عنك ملاَم
فعسى أن يكون لي بك فيما / أقتضيه على الزمان ذِمام
أنت سُؤْلي الذي اقترحتُ وهل بع / دَكَ لي في الْبَرِيَّة استعصام
فابقَ مستعلِياً لمُلْكِك مشتدْ / داً بك النقَّضُ فيه والإبرام
لِيَهْنك أنّ الصومَ فرضٌ مؤكَّدٌ
لِيَهْنك أنّ الصومَ فرضٌ مؤكَّدٌ / من الله مفروضٌ على كلّ مسلمِ
وأنَّك مفروضُ المحبّة مِثله / علينا بحقٍّ قلتُ لا بالتّوهّم
فَهُنِّئْتَه يا مَنْ به الله قابِلٌ / من الخَلْق فيه كلَّ نُسْكٍ مقدَّمِ
ولا زلتَ منصوراً على فَرْض صَومِه / ومعتصِماً بالله من كلّ مَحرم
فأنتَ نصَرتَ العدلَ ثم نشرتَه / وجُزْت ببَذْل العُرْف حَدَّ التكّرم
ولست براضٍ بذلك الجُودَ أوّلاً / إذا لم تُعِدْه ثانياً وتتَمم
إلى أن رأيتَ الجودَ فَدّاك ناطقاً / ونادتْ بك العَلْياء وهي بلا فَمِ
وصلّى عليك اللهُ يا من تجاوزَتْ / بدولَته الأيّام عن كلّ مُعدِمِ
إذا استخدمْتني في طِلابِ العُلا هِمَمْ
إذا استخدمْتني في طِلابِ العُلا هِمَمْ / فماءُ المعالي في فَمي بارِدٌ شَبِمْ
ولستُ لعَلْياء الجُدود بمُدَّعٍ / إذا لم أشيِّد ما بَنَى المجدُ في القِدَمْ
لكلّ امرىءٍ أفعالُه وغناؤه / ومن لم يَسُدْ بالفِعل يوما فما حَلُمْ
وقد أَغتدي والليلُ بالصُّبْح أشمَطٌ / وللرَّوضِ كافورٌ يَفوحُ به النَّسَمْ
بأزرقَ يَرمي الطيرَ منه بِمُقْلَةٍ / تكاد تَرَى ما يَستُر الثوبُ في الظُّلَمْ
وليس يَعيبُ البازُ راحةَ ماجدٍ / تعوَّدَ حَمْلَ البازِ والسَّيْفِ والقَلَمْ
يدٌ للنّدى والجُودِ طَوْراً وتارةً / تُقَبَّل في وَسْط النّدى وتُلتثَم
إذا رَكِب البازي يساري وأثّرت / له لحَظَاتٌ كالذُّبالَة تضطرم
ذَعرْتُ به شمْلاً من الطير جامعاً / وضَرَّجْتُها في كلّ ناحية بدَمْ
إذا لم أَصِدْها لم يَطِبْ لي مَذاقُها / ولستُ لِلَحْمٍ لَمْ أَصِدْهُ بِذي قَرَم
مَزجتُ ماءَ الكُرومِ
مَزجتُ ماءَ الكُرومِ / بصفِو ماءِ الغُيومِ
حَتَّى إذا لاحَ فيها / كاللُّؤلؤ المنظومِ
حَملتها كفَّ ظبي / رَطْبِ البَنان رخيم
كأنّه بدُر تِمٍّ / في جُنحِ ليل بهيم
فقام يَسعَى علينا / بأكؤسٍ كالنُّجومِ
والراحُ فيها ارتياحٌ / وَمدفَعٌ للهُموم
خذوا بدمي لؤلؤَ المبتسمْ
خذوا بدمي لؤلؤَ المبتسمْ / وسحرَ العُيون ونظمَ الكَلِمْ
ودونَكُم شادِناً وجهُه / كشَمْس النهار وبدرِ الظُّلَم
له صَوْلَجانٌ كلَوْن الظَّلام / على وَجْنةٍ مثل لونِ العَنَمْ
اِشرَبْ فما لَؤُمَ الزَّمان وإِنّما
اِشرَبْ فما لَؤُمَ الزَّمان وإِنّما / أبناؤه نَسخُوا المكارم لُوما
قومٌ تَناهَى الجَهْلُ فيهمْ وانتهى / بهمُ وعوَّجَ منهم التّقويما
عاشوا وهم كالميّتين جَهالةً / وعمَايةً لم يَعلَموا معلوما
ظَهَروا فكانوا للعيونِ مَدامِعاً / وخَفُوا فكانوا للنُفوس هُموما
فلذاك آثرتُ التفرّد والنوى / وغَدوتُ للراح المُدامِ نديما
لا خَيْرَ عندي في الغِنى ما لم يكن / متنبِّها فيه الغنيُّ كريما
ليس لي فِطنةٌ تُتَرجِم عنّي
ليس لي فِطنةٌ تُتَرجِم عنّي / لَم تدعْ لي نَواكَ فِطْنة فَهْمِ
إنّما تَفهم القلوبُ وقد بِذْ / تَ بِقلبي وكيف يَفهَم جِسمي
عجباً في تخّلِفي عنك أنّي / فيه كالمبتِدي بِتجْرِيبِ سُمّ
كيف أحيا إذا بَعُدْتَ ومِن نُعْ / ماك عِندي دَمي ولَحمي وعظمي
إنّما هوَّنَ الرزيَّةَ أني / منذ خلّفتَني أراك بِوَهمْي