القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِيف اليازجي الكل
المجموع : 53
عَفَتْ دارٌ كقلبكَ بعد سَلْمَى
عَفَتْ دارٌ كقلبكَ بعد سَلْمَى / فأَيُّ المنزلينِ أَضَلُّ رَسْما
وهل تُغنِي الدِيارُ بغيرِ أهلٍ / ولو سَلِمَتْ وكيفَ تَنالُ سِلْما
بَكيْتُ على المَنازِلِ فاسترابَتْ / فَتىً يسقي المنازلَ وَهْوَ يَظما
تَخُطُّ مدامعي و إذا كأَنّي / أُداعِبُها فأَمحو الخَطَّ لَثْما
فَدَيتُكِ من مُوَدِّعةٍ تَوَلَّت / وَخيَّمَ شخصُها في السِّرِ وَهْما
حُرِمنا مُنذُ عَهدِكِ غُمضَ جَفنٍ / فكيفَ نَظُنُّ وَصلَكِ كانَ حُلما
إلى الجَبَلَينِ منَّا اليومَ شوقٌ / وإِنْ لم نَعرِفِ الجَبَلينِ قِدْما
إذا أَبصَرتُ نارَهُما تَمَنَّى / فُؤَادي أَنَّهُ قد كان فَحْما
حَرَصتُ على الحيَاةِ وتلكَ رَهنٌ / لمن تُدمِي بأَلحاظٍ وتُدمَى
إذا أعطت لواحظُها أَماناً / فتأخيرٌ إلى أَجَلٍ مُسَمَّى
مُنَعَّمةٌ بنارِ الوجدِ تُحمِي / ممنَّعةٌ بماءِ البيضِ تُحمَى
رأَيتُ لعينِها قَوساً ورِيشاً / فما كذَّبتُ أَنَّ هناكَ سهما
يُسَاقُ إلى الدلائِلِ كلُّ حكمٍ / إذا قامَ الدليلُ أَقامَ حُكما
فما قُلنا طَرابُلُسٌ سَماءٌ / إلى أَنْ أَطلَعَت في الأُفقِ نَجْما
كريمٌ للثَّناءِ بهِ ثَناءٌ / فخيرُ القولِ ما لم يُخطِ مَرمَى
لَدَيهِ تَخجَلُ الأَشعارُ نَقْداً / وإِنْ تَكُ قد تباهَتْ فيهِ نَظما
أَصَحُّ القومِ في الغَمَراتِ رِأياً / وأَجلى رُؤْيةً وأَجَلُّ حَزْما
وأَطيَبُ من نسيمِ الرَوضِ نَشْراً / وأعذَبُ من سُلافِ الكأْس طَعْما
يُحِبُّ البَذْلَ إلاّ في امتِنانٍ / ويأْبَى الفضلَ إلاَّ أَن يَتِمَّا
و لا يَهوَى لمُهجتِهِ رَواءً / على عَطَشٍ بصاحبِهِ أَلَّما
نجيبٌ يَسبِقُ الداعي مجيباً / لهُ لو كانَ يُؤْتى قبلُ عِلمَا
وَيَعذِرُ من أتاهُ وليسَ عُذرٌ / لهُ في الناس إذْ لم يأْتِ جُرْما
تُقيِّدُ كُلَّ آبدةٍ لديهِ / سُطورٌ كالسَلاسلِ جئنَ دُهْما
تَخَيَّلَ من بياضِ العينِ طِرساً / فجاءَ بأَسودِ الإِنسان رَقما
وَحَسْبُكَ شاعرٌ عربيُّ لَفظٍ / تَدِقُّ لهُ معانٍ خِلْنَ عُجْما
تَصَرَّفَ بالغرائبِ عن فُؤَادٍ / لأَغلاقِ المَشاكلِ فضَّ خَتْما
رأَيتُكَ تَنظِمُ الدُّرَرَ اليتَامَى / فقد لُقِّبتَ بالنَحَّاسِ ظُلما
وما كُلٌّ يُلَقَّبُ عن حِسابٍ / ولا كُلُّ على قَدَرٍ يُسمَّى
أجاشَ الشِعرَ شِعرُك في فُؤَادي / فقُمتُ صَبَابةً وقَعَدتُ سقُما
وتقصيرُ الضعيفِ يُعَدُّ عيباً / ولكنْ لا يُعدُّ عليهِ إِثما
بين رِئم الحِمَى وآرامِ رامَهْ
بين رِئم الحِمَى وآرامِ رامَهْ / حَربُ بدرٍ فهل علينا مَلامَهْ
قد طلبتُ النِّضالَ حتى تَلاقَيْ / نا فلَمَّا رَنَا طلبتُ السَلامَةْ
أين سيفي من لحظِ مَن يَقطعُ السَّيْ / فَ بلحظٍ لهُ كقَطعِ القُلامَهْ
يَتَّقي العينَ أن تَراهُ وَ يَخشَى / عينَهُ كلُّ فارسٍ تحتَ لامهْ
مَن لِمِثلي بمثلِ ظَبْيٍ حَمَاهُ / سَيفُ جفنٍ يعلو على رُمحِ قامَهْ
إنما الهَجْرُ للمُحِبّينَ موتٌ / ليتَ شِعري متى تكونُ القيامَهْ
لِيَ ذُلٌّ أقامَ عِزّاً لديهِ / ذُلُّ نفسٍ لعِزِّ نفسٍ إِقامَهْ
و إذا لم أَعرِف كَرامةَ نفسي / كيفَ أرجو ممَّن سِوايَ كَرامَهْ
ما أَنا والحِسانَ تُضحِكُ رَيحا / نَ عِذرٍ من عارِضَيَّ ثَغَامَهْ
كُلُّ فنٍّ لهُ رِجالٌ وفي كُلْ / لِ رِجالٍ مَن يستحِقُّ الإِمامَهْ
كإِمام القُضاةِ مولى الموالي / كَعْبةِ الفضلِ العالمِ العَلاَّمَهْ
الَّذي قامَ في طَرابُلُسِ الشا / مِ فكانت في وَجنةِ الشامِ شَامَهْ
عَلَمٌ دَلَّتِ البَنانُ عليهِ / عِندَ إِقبالِهِ فتِلكَ العَلامَهْ
عَجِبَ الناظرونَ للبحرِ منهُ / فوقَ سرجٍ والبدرِ تحتَ عِمامَهْ
هيبةٌ في وَداعةٍ وانبِساطٌ / في وَقارٍ ورِقَّةٌ في شهامَهْ
لا تَنالُ المُدامُ منهُ ولا يَلْ / قَى الغَواني بمُهجةٍ مُستهامَهْ
نَصَبَتْ عينَهُ رقيباً عليهِ / منهُ نفسٌ لنفسِها لَوَّامَهْ
ليسَ يحتاج في الفِعالِ إلى العُذ / رِ ولا تَعقُبُ الفِعالَ النَدامَهْ
عَقَدَتْ في القَضاءِ صُلحَ أعادي / هِ وأَنْسَتْ حُبَّ الصديقِ استقِامَهْ
تُرهِبُ النَّفسَ نظرةٌ منهُ إِجلا / لاً وتُحيى القُلوبَ منهُ ابتِسامَهْ
رامَ تقبيلَ كفِّهِ كلُّ ثَغْرٍ / ولَدَيهِ تَطأمنَتْ كُلُّ هامَهْ
بَعُدتْ غايةُ الإِمام ولم أَظ / فرْ بعينٍ كعينِ ذاتِ اليَمامَهْ
يَسبِقُ الفعلُ منهُ قولي فما أُد / ركُهُ لو رَكبتُ مَتْنَ النَعامَهْ
حَسْبُكَ اللهُ يا محمَّدُ قد أَو / عيتَ ما ضاقَ عنهُ غَورُ تِهامَهْ
ليتَ مُعطِيكَ ذلكَ الفضلَ أعطا / نا لهُ أَلْسُناً بهِ قَوَّامَهْ
على الدُنيا ومَن فيها السَلامُ
على الدُنيا ومَن فيها السَلامُ / إذا ذَهَبَتْ أحبَّتُنا الكرامُ
وما الدُنيا سوَى أهلٍ عَلَيها / إذا رَحَلَ المُقِيمُ فما المُقامُ
رُوَيدَكَ أيُّها الناعي صَباحاً / كَلامُك في القُلوبِ لهُ كلامُ
أَراكَ نَعَيتَ لي قَمَرَ الدَياجي / تُرَى هل يُدرِكُ القَمَرَ الحِمامُ
لميخائيلَ تبكي كُلُّ عينٍ / وإن يكُ في الجِنانِ له اْبتِسامُ
نُسآءُ بما يَسُرُّ وكلُّ نفسٍ / لها وَطَرٌ سِواهُ لا يُرَامُ
أَقامَ على المنازلِ كلَّ خَودٍ / تنوحُ ولا كما ناح الحَمامُ
وما مِثلُ البكآءِ على حبيبٍ / لطائعهِ وعاصيهِ سَقامُ
سوافرُ لا تنالُ العينُ منها / عليها من غدائِرها لِثامُ
لئنْ كانت بُدوراً في ظَلامٍ / فقد صارت بذاك هيَ الظَلامُ
مخضَّبةُ الطُلَى بدِمآءِ دمعٍ / بِهِنَّ الشيخُ خُضِّبَ والغُلامُ
يَحُولُ الدَمعُ دُون الدَمعِ جرياً / فيُوشكُ أَن يُكفكِفَهُ الزِّحامُ
ألا يا لابسَ الدِيباجِ ماذا / لبِستَ وما اكتَستْ تلكَ العظامُ
عَهِدتُ الخَزَّ لا يُرضيكَ مَهْداً / فما افترشَتْ لِجَنْبيَكَ الرِّجامُ
رَحلتَ عَنِ الدِّيارِ بلا وَداعٍ / وهل بعدَ الرحيلِ لها سَلامُ
تُحاذرُ بعدَ بَينِكَ من نَزيلٍ / كأنَّ النازلينَ دَمٌ حرامُ
أيَدري النعشُ أيُّ فتىً عليهِ / ويدري اللّحدُ من فيهِ ينامُ
ولو عُرِفت لهُ في التُربِ ذاتٌ / ومَنزلةٌ لَهابَتْهُ الهَوامُ
بَكَتهُ الصُحْفُ والأَقلامُ حُزناً / كما بَكَتِ البَلاغةُ والكَلامُ
وتبكيهِ العُفاة وكُلُّ عافٍ / على الصَدقاتِ يبكي لا يُلاَمُ
رَمَتْ أيدي المنايا كُلَّ قلبٍ / بسهمِ أسىً بهِ تُصمى السهامُ
قَصَفْنَ قضيبَ بانٍ في صِباهُ / وكيفَ القصفُ إذ لانَ القَوامُ
كذا الدُنيا وإن طالت علينا / لكُلِّ بِداءةٍ فيها خِتامُ
ولم تَزَلِ الحَياةُ لكلِّ نفسٍ / بها نقصٌ وفي الموتِ التَّمامُ
بَنيناها وتَهدِمُنا وكُلٌّ / من الأمرينِ ليسَ لهُ دَوامُ
تلكَ أيّامنا عليها السَلامُ
تلكَ أيّامنا عليها السَلامُ / أجفَلتْ من زَوالِها الأيامُ
أوهَمَتْنا طُولَ الحياة علينا / بَعْدَها إنَّ ساعةَ الصبرِ عامُ
يا خليليَّ لا تَلُوما فمن لا / مَ بما لا مَلامَ فيه يُلامُ
طالَ شوقٌ على فُؤادٍ ضعيفٍ / قبلَ شوقٍ ممَّا بَراهُ السَقامُ
أَسَهرُ الليلَ والعُيونُ نيامٌ / كرقيبٍ في حَيِّ قومٍ يُقَامُ
إنّ عيني بِلُجَّةٍ من دُموعي / غَرِقتْ والغريقُ كيفَ يَنامُ
يا بُرَيقَ الحِمى نَعِمتَ صَباحاً / أينَ أهلُ الحِمَى وأينَ الخِيامُ
هل أصابَ الحيا رُبوعَ المُصلَّى / وهَلِ اخضَرَّ بعدَ ذاكَ البَشامُ
طالمَا راع قَبلكَ الدَهرُ ثغراً / بِدَهاءٍ فلاحَ منهُ ابتِسامُ
ولَكَم شَبَّ في الزَمانِ ضِرامٌ / ولَكَم شابَ في الزمانِ غُلامُ
كلُّ حالٍ سينقضي ليسَ للدهْ / رِ دَوامٌ وليسَ فيهِ دَوامُ
رُبَّما عاهَدَ الفَتَى اليومَ لكنْ / لم يُعاهِدْ غَداً فأينَ الذِمامُ
حالَ عهدي ولم يَحُلْ عهدُ وُدّي / بكِرامٍ وهم عليّ كِرامُ
ذاكَ عِقدٌ تناثَرَ الدُرُّ منهُ / وعلى اللهِ بعدَ ذاكَ النِظامُ
أيها الجيرةُ الذينَ تَوَلَّوا / هل لكم جِيرةٌ سِوانا تُرامُ
حَملَتْ من سَلامِنا لكُمُ الرِّي / حُ ولكنْ ضاعَتْ وضاعَ السَلامُ
مَشهَدٌ يَقصُرُ القَنا دُونَ أدنا / هُ فماذا تَنالُهُ الأقلامُ
دَعْ ذِكرَ باناتِ العَلَمْ
دَعْ ذِكرَ باناتِ العَلَمْ / والنازلاتِ بذي سَلَمْ
جَدَّ المشيبُ فلا تَدَعْ / ذاك القديمَ على القِدَمْ
للدَّهرِ حُكمٌ في الوَرَى / فأطِعْهُ وارضَ بما حَكَمْ
واصبِرْ وإلا فالضَّنَى / وافكُرْ وإلاّ فالنَدَمْ
واعملْ بعلِمِكَ إنَّهُ / من دُونِ ذلكَ كالعَدَمْ
وإذا سكَتَّ فعن رِضَىً / وإذا نَطقتَ فبالحِكَمْ
وإذا سَألتَ فلا تَزِد / وإذا سُئلتَ فقُلْ نَعَمْ
وإذا أرَدتَ قصيدةً / نَبِّهْ لها عُمَراً وَنَمْ
الشاعرُ العربيُّ ذو ال / غَرَرِ التي سَبَتِ العَجَمْ
عَلَمٌ هُوَ الهادي الرفيعُ / فكيفَ شِئتَ هو العَلَمْ
في المَكرُماتِ لهُ يدٌ / وإلى الصَّوابِ لهُ قَدَمْ
ولهُ مَناقِبُ لا تُنا / لُ كأنَّها صيدُ الحَرَمْ
يا من شمائلُ لُطفِهِ / نَسَمٌ بها تحْيا النَسَمْ
آياتُ حَقٍٍّ أُنزِلَتْ / ما بينَ نُونِكَ والقَلَمْ
أعجَزْتَني عن حَصرِها / فأضَعتُ فَذلكَةَ الرَّقَمْ
للشوقِ عِندكَ مُقعِدٌ ومُقيمُ
للشوقِ عِندكَ مُقعِدٌ ومُقيمُ / ذاك الصِّحيحُ وأنتَ منهُ سقيمُ
إن كانَ هذا الشوقُ داءً حادثاً / فالحُبُّ داءٌ في الفُؤادِ قديمُ
في كُلِّ قلبٍ للصَّبابةِ مَنزِلٌ / ولكلِّ صَبٍّ مشرَبٌ معلومُ
والحُبُّ أشبَهُ بالحبيبِ كَرامةً / فكريمُهُ حيثُ الحبيبُ كريمُ
جَرَتِ القُلوبُ على الخِلافِ لحكمةٍ / إنَّ الذي خَلَقَ القُلوبَ حكيمُ
لولا التَّفاوتُ في البريَّةِ لم يكُنْ / وَجهٌ بمَصحلةِ العبادِ يقومُ
في كل عينٍ نُزهةٌ وطُلاوةٌ / ولكلِّ نفسٍ لَذةٌ ونعيمُ
ولَعلَّ بعضَ السيئاتِ بزَعمِهمْ / حَسَنٌ وبعضَ الطيباتِ ذميمُ
ولَرُبَّ عاذِرِ نفسِهِ في خَلَّةٍ / يَنْهاكَ عنها ناصحاً ويلومُ
وإذا انتهيتَ ظلمتَ نفسكَ مرَّةً / فلَعلَّ بعضَ الناصحينَ ظَلُومُ
أهلُ الزَّمانِ على خِلافٍ لازمٍ / مِثلَ الزَّمانِ وفي الخِلافِ لُزومُ
أحكامُ دَهرٍ ليسَ يَعلَمُ سِرَّها / إلا حكيمٌ بالإلهِ عليمُ
أنتَ المُشارُ إليه في ما نَدَّعي / يا مَن لهُ المنطوقُ والمفهومُ
يا بحرَ فيضٍ والبحارُ جداولٌ / يا بدرَ تمٍّ والبُدورُ نجومُ
يا سيّداً جادَ الزَّمانُ لنا بهِ / خَجَلاً لمن قال الزَّمانُ لئيمُ
لكَ في الكلامِ فوائدٌ منثورةٌ / حَكَمت بأن يُهدَى لكَ المنظومُ
تلك الحقائقُ في عُلاكَ تحجَّبت / وبَدَت لعين الناظرِينَ رُسومُ
اطعلتَ من سِحرِ البيانِ لطائفاً / سُحَراءُ بابلَ دُونَهُنَّ تَهيمُ
أحيا عُلومَ الأوَّلين بك الذي / يُحيِى عِظامَ المَيْتِ وَهْيَ رميمُ
هذا سلَيمانُ الوَرَى لكنَّهُ / في طاعةِ الرَّحمن إبراهيمُ
لا تُنكِرُ الإفرنجُ رِفعةَ شأنهِ / والتُركُ قد شَهِدت لهُ والرُّومُ
دَينٌ علينا حمدُهُ ومديحُهُ / ولكلِّ دَينٍ طالبٌ وغريمُ
ولعلَّ عُذرَ المَرْءِ وَهْوَ مُقصِّرٌ / أدنَى قَبُولاً منهُ وَهْوَ عقيمُ
ويلاهُ قد ضاعَ الزََّمانُ ورَكْبُنَا / في كلِّ وادٍ لا يزالُ يَهيمُ
يا طِيبَ أيَّامِ الصِّبا لو أنَّها / دامت وغيرُ الله ليسَ يدومُ
عَبِثَتْ بيَ الأيَّامُ وهيَ سفيهةٌ / فشكوتُها للصبرِ وهوَ حليمُ
وإذا شكوتَ لسامعٍ خفَّ البِلَى / فكأنما قُسِمَتْ عليهِ هُمومُ
يا أيُّها الحَبرُ الذي قُلنا لهُ / بحراً فقيلَ إذنْ لهُ المظلومُ
ما بالُنا ندعوكَ بحراً بيننا / والبحرُ يغرَقُ فيكَ وهو مُليِمُ
عَرَفتْ مُلوكُ العصرِ قَدْرَك حيثُما / ألقى عَصاك الحافظُ القَيُّومُ
فحُبِيتَ من زُهر النجوم بطالعٍ / يُنبِي بسعدِ طُلوعهِ التقويمُ
أُثني عليك بما علمتُ وفاتَني / ما فوقَ عِلمِي سِرُّهُ المكتومُ
فإذا عَفوتَ فقد وَفى حُسْنُ الرِّضى / وإذا اعتذرتُ فقد وَفَى التَّسليمُ
عاجَ المتيَّمُ بالأطلالِ في العَلَمِ
عاجَ المتيَّمُ بالأطلالِ في العَلَمِ / فأبرَعَ الدَمعُ في استهلالِهِ العَرِمِ
دَمعٌ جَرَى عن دَمٍ أو عَنْدَمٍ خَضِلٍ / يَسقي الرِّكابَ ولكنْ ليسَ بالشَبِمِ
حَيٌّ على حيِّ مَيٍّ مَيّتٌ لَحِقتْ / بذَيلِها نَفسُهُ لو تَمَّ رِيُّ ظَمِي
يَصبُو على الذِّكرِ سُكراً كيفَما ذُكرتْ / لهُ فقد أنَّ أنَّى اشتُقَّ لفظُ فمِ
ما لي أُلفِّقُ صُحْفَ العُذرِ في طَرَفٍ / من غَدْرِ مَن فيهِ مالي لا يَفي بدَمي
قد أطلقَ اللحظَ في لفظٍ يُحرِّفُهُ / فراحتِ الرُوحُ بينَ الكَلْمِ والكَلِمِ
وَقَى وَقَدْ وَقَدَ الأحشاءَ سِرَّ هَوىً / بها ليرفُو بِلَى الأطماعِ في الذِمَمِ
من دُرِّ دُرْدُرِ ثَغرٍ طابَ مَرشَفُهُ / كم سال سَلْسالُ دَمعٍ فيهِ مُرتكمِ
ثَبَتُّ في فِتنةٍ شَبَّتْ فَشِبْتُ ففي / شبيبتي شيبةٌ شَنَّتْ بني جُشَمِ
رَمَى هَوَى الغيد بي في البِيدِ رافلةً / عيِسُ النَّوَى في النَّواحي بي بلا خُطُمِ
آرامُ خَيفٍ كِرامٌ في أساوِدِها / بيضٌ صِحاحٌ تُخيفُ الأُسْدَ في الأكَمِ
قَضَتْ بخيبةِ جَفنٍ فَضَّ في شَجَنٍ / دَمعاً كدُرٍّ طُلاها اللامعِ العِصَمِ
لا عطَّلَ اللهُ دَمعاً سالَ وَهْوَ دَمٌ / عَكْساً ولا حالَ وَردٌ لاحَ كالعَلمِ
يحلو الضَّنى في الهَوَى عِندي مُغايَرةً / في العاشِقينَ لمن يشكو من السَقَمِ
هيهاتِ هيهاتِ ما أرجوهُ من رَشأٍ / وقد تَكرَّرَ منهُ اليأسُ في القِدَمِ
مَهْما أشارَ بهِ في اليومِ قُلتُ نَعَمْ / وليسَ لي عِندَهُ في الدَّهرِ مِنْ نَعَمِ
خَطَّ العِذارُ على مصقولِ عارضِهِ / حِسابَ أسْراهُ توليداً من الرَّقَمِ
أغَمضتُ شكوايَ من جَورٍ فَفسَّرها / بجَمعِنا منهُ بينَ الخَصْمِ والحَكَمِ
يا طالما مَثَّلتْ عينايَ صُورَتهُ / كمَنظَرٍ في غَديرِ الماءِ مُرتسِمِ
بَكَيتُ فافتَرَّ فانْجابتْ لنا دُرَرٌ / حتى تَطابَقَ منثورٌ بمُنتظمِ
هازَلتُهُ في اتِّساعِ الجِدِّ تَوْرِيةً / فقالَ سَلْ مَنْ أحلَّ الصَيدَ في الحَرَمِ
قلتُ اقْضِ قال اعتَزِلْ قُلتُ امضِ قال أقِلْ / فأبطَلَ القَبضُ ما وَجَّهتُ في السَّلَمِ
قابلتُهُ خاشِعَ الأبصار مُبتسمِاً / فصَدَّ عنّي دَلالاً غيرَ مُبتسِمِ
لَمَّا رأى مَدمَعي شِبهَ الشقيقِ جَرَى / راعَى النَظيرَ فغَطَّى الوَردَ بالعَنَمِ
خَيَّرتُهُ بينَ عيني والحَشا فَثَوَى / عيني ليَحجُبَها عن سائرِ النَسَمِ
طَيُّ الهَوَى نَشَرتْهُ عَبْرةٌ عَبَرَتْ / بزَفرةٍ فمَزَجْتُ الماءَ بالضَّرَمِ
أدمجتُ شكوايَ منهُ في العِتابِ وما / يُجدي العتابُ ولا الشَكوَى مَعَ الصممِ
أمسَى يُعنّفُني اللاحي فقُلتُ تُرَى / أما اكتفَيتَ بما راجعتَ قال لَمِ
فقُلتُ إنَّكَ فردٌ لا نظيرَ لهُ / إذْ رُمتُ إبهامَ سَمْنِ الوَصفِ بالوَرمِ
ماذا تُحاوِلُ يا شَعبانُ من رَجَبٍ / بمَعَنويِّ مَلامٍ منكَ مهُتضِم
أنتَ الصَبُورُ على ذَمِّ تُصادِفُهُ / في مَعرضِ المدحِ ذو حِلمٍ عن التُهَمِ
أبدَعتَ في اللَومِ لُؤماً لم يُلِمَّ بهِ / فَصلٌ من الحُكْمِ أو فَضلٌ من الحِكَمِ
لولا التَّهكُّمُ في نُصحي ائْتَمَرَتُ بهِ / إنَّ النَصيحةَ عِندي أحسَنُ الشيَمِ
أحكَمتَ في الخيرِ سِرّاً بارعاً حَسَناً / فاترُكْ مُؤَارَبَتي يا طاهِرَ الحُرَمِ
قدِ اشتَهرتَ بتَسْهيمِ الرُّقَى عَلَماً / فأنتَ أشهَرُ من نارٍ على عَلَمِ
يا راحِلينَ انظُرونا نَقتبِسْ طَرَفاً / من نُورِكم فهو يَهْدي العينَ في الظُلَمِ
جَرَّدتُ قلبَ شجيٍّ سارَ إثْرَكُمُ / مُستتبِعاً غُمضَ جَفنٍ باتَ لم يَنَمِ
أطمعتُ عيني برَصدِ الطَّيفِ مُنتظِراً / زيارةَ الزُورِ في ضغْثٍ من الحُلُمِ
حَصَرتُ مُلحقَ أجزاء الهَوَى فأنا / أهلُ الهَوَى بمِلاحِ الأرضِ كُلِّهمِ
بَكَيتُ حَوْلاً ولكنْ غيرَ مُعتذرٍ / وغيرَ مُستدرِكِ التلميحِ بالنَدَمِ
طرَّزتُ زَهْرَ الرُّبَى بالدَّمع مُنسجماً / في طيّ مُنسجِمٍ في طَيِّ مُنسجِمِ
في مَنزِلِ السِرِّ منِّي فِتنةٌ هَتَكتْ / سِترِي فأردَفتُ دَمعي غيرَ مُحتشِمِ
تيَّمتُ في القلبِ صَفْوَ الحُبِّ مُحترِساً / مَعَ التَّمكُّنِ من سَعيٍ إلى اللَمَمِ
حتى عَصانيَ صَبري بعدَ طاعتهِ / وطاعني بذلُ دَمعٍ كانَ في عِصَمِ
وعَرَّضَ الحُبُّ نفسي للبَلاءِ ولَمْ / أكُنْ بمُتلفِ نفسٍ غيرَ مُغترِمِ
سُهدٌ ووَجدٌ وتَعديدٌ أنوحُ بهِ / وزَفرةٌ كأجيجِ النَّارِ في الأجَمِ
وأدمُعٌ أربَعٌ ضَمَّنتُ مُزدَوِجاً / منها فَرائدَ ياقوتٍ فقُلتُ عِمِي
رَجَوتُ أن تَرجِعَ الأيَّامُ تَجمَعُنا / هيهاتِ لا نَتْجَ أرجُوهُ من العُقُمِ
ذَيَّلتُ بالنَّوحِ دَمعاً لا أُلامُ بهِ / ومَن بَكى لِفراقِ الإلفِ لم يُلَمِ
دَبَّجتُ صُفرةَ خَدِّي بالدُّمُوع جَرت / حُمراً وأسْوَدُ رأسي ابيضَّ عن أمَمِ
بالَغتُ مُلتزِماً ما ليسَ يَلزَمُني / حتى دُعيتُ إمامَ العِشق في الأُمَمِ
فلو أطعتُ انسِجامَ الدَمعِ حينَ جرى / لأغرقَ الرَكْبَ فوقَ الأينُقِ الرُسُمِ
ولو تَنفّستُ فوقَ البحرِ حينَ غَلا / غليلُ صَدري لخُضتُ البحرَ بالقَدَمِ
يا جيِرةَ العلَمِ المردود صاحبها / صَدراً لعَجْزٍ ينادي جِيرةَ العَلَمِ
سارُوا وما التَفتُوا نحوَ القتيلِ بهم / نَفسي فِداكُم كَرِهتُمْ مَيظَرَ الرِمَمِ
قالوا أصبْنا فلا تُوجِبْ مَلامَتَنا / نَعَمْ أصابُوا فُؤاداً بالسِّهامِ رُمي
يَكنِي عن السُهدِ طُولُ الليل بَعدَهم / مُستطرِداً من قَصيرِ الذيلِ كالهِمَمِ
قد أطعَمَتْهُ بما أرضاهُ عن كَثَبٍ / سُهولةُ الظَرْفِ فاقتادَتْهُ كالنَّعَمِ
مُرْضىً فَدَعْ أمَلاً لا يستحيلُ بهِ / بلْ يحتَسي الآلَ ماءً عُدَّ في ضَرَمِ
هُمُ الكِرامُ لهم بينَ الكِرامِ هَوىً / منَ الكرامِ وتَرديدٌ من الكَرَمِ
فطابَ تَرصِيعُ شِعري في الثَّنا لَهُمُ / وخابَ تشريعُ فِكري في المُنَى بهِمِ
أنَّى يُناقضهمْ من لا يُماثلُهُم / حتى يَرُدَّ لهم عاداً إلى إرَمِ
ما الزَّهرُ والزُهْرُ في أُفْقٍ وفي أُفُقٍ / أشهى وأشهَرُ من تَفريعِ ذِكرِهمِ
فَوِّفْ وصُغْ جملاً وأنشدْ وطِبْ زَجَلاً / وانزِلْ على حَرَمٍ من أشطُرِ الخِيَمِ
لي بَينَها قَمَرٌ في طَرْفِهِ حَوَرٌ / في ثَغرِهِ دُرَرٌ والسِمْطُ من سَقَمي
سَاوَى على لَوحِ ياقوتٍ لعارِضهِ / سَطرَين من خَطّ رَيحانٍ بلا قَلَمِ
أبكِي فأودِعُ وَرْداً ضمِنَه خَجَلاً / إنّ الحَيا يُنبِتُ الأزْهارَ في الأكَمِ
شَبَّهتُ شَيئينِ من أعطافِهِ ودِما / دمعي بشيئينِ مَوجِ البحرِ والدِيَمِ
وقُلتُ هل كانَ لولا البحرُ من مَطَرٍ / فصَحَّ لو كانَ يُجدِي مَذهَبُ الكَلِمِ
بَشَّرتُ طَرْفي بمرْآهُ فبَشَّرني / مُشاكلاً بالعَذابِ الهُونِ والنِقَمِ
مَن كانَ يبخَلُ عنّي بالكلامِ فهل / أرجُو لهُ في اجتماعِ الشَّملِ من كَرَمِ
أهوَى العَذُولَ الذي أمسى يُعللّنُي / بذِكرِهِ فَهْوَ عندي خيرُ مغتَنِمِ
يُصوِّرُ الذِكرُ لي ميمُونَ طَلعتِهِ / وَهْماً فيُوضِحُ لي عن وَجهِهِ الوَسمِ
يَحْميهِ ماضي لِسانٍ طالَ مُنعطفاً / يَفوهُ باللغُزِ مَنسُوباً إلى البَكَمِ
لو مَرَّ من قَمَرٍ شهرٌ ولم أرَهُ / لم ألقَهُ بعدَها إلاّ بِطَرْفِ عَمِي
رُمتُ الأحاجي بخَدَّيهِ فقُلتُ لهُ / رادَفتَ رَحْلَ لَظىً يا ظَبْيَ ذي سَلَمِ
لا عيبَ فيهِ سِوَى عينٍ إذا مُدِحتْ / في مَعرِضِ الذَمِّ عُدَّتْ من سُيوفِهِمِ
ووَجنةٍ ذاتِ آثارٍ تُرشِّحُها / دَماً وقد خَدَشتْها رِقَّةُ النَّسَمِ
لمعْنَيَيْهِ ائتلافٌ وهْوَ قد فَتَنَ ال / أبصارَ بالحُسن والأسماعَ بالرَنَمِ
تَعطَّفتْ فوقَ ذاك الرِّدْفِ قامتُهُ / تَعَطُّفَ الغُصنِ لمَّا مالَ في القِمَمِ
يا بارعَ الحُسنِ لي فيكَ الشِّفاءُ وقد / طَلَبتَ قتلَ مريضٍ عن سِواكَ حُمِي
أراكَ تَفتَنُّ في قتلي بلا سَبَبٍ / بُشراكَ قد نِلتَ فخراً كان لم يُرَمِ
سَعَت إلى عَدَمي في مَصرَعٍ قَدَمي / ولم تَنَلْ هِمَمي جُزْءاً منَ الشَّمَمِ
ما زالَ عقدُ يميني وجهَ نادرةٍ / كادَت تُؤَثِّرُ فيهِ أحرُفُ القَسَمِ
تألَّفَ اللَفظُ بالمَعنى لِواصِفها / كما تألَّفَ بالأوزانِ في النَغَمِ
محظُورةُ الصيدِ من دُونِ الظِبا كَرَماً / لنُكتةٍ قيلَ فيها ظَبيةُ الحَرَمِ
إذا تَزَاوَجَ دَمعي فافتضَحتُ بهِ / خافَتْ رقيباً فصدَّتْ صَدَّ مُكتتِمِ
حيَّا ليالي بُدُورٍ في الخُدُورِ لَقد / أعارَنا الدَّهرُ إياها فلم تَدُمِ
لم تَلْقَ عيني لها عَيناً ولا أثراً / فلاحَ في الوَهمِ رأيُ الشِرْكِ من ألمِ
تَظَلُّ بيضُ الظُّبَى تَحْمي مَضاجِعَها / فلا مَجازَ إليها دُونَ سفكِ دَمِ
ألدَّهرُ أغرَبُ ما في الدَّهرِ من بِدَعٍ / يَبينُ فيهِ الصِّبَى في قَبضةِ الهَرَمِ
شيخٌ لهُ الليلُ حِبرٌ والضُّحَى وَرَقٌ / يُنشِي فُنونَ اختِراع اللَوحِ والقَلَمِ
أحبابَنا في حَياةٍ نحنُ مُوجَزَةٍ / فيها الغِنَى بالرِّضَى والذُخرُ في الرُّجَمِ
فلا يَدومُ علينا قَبضُ نائبةٍ / ولا يَدومُ لكم بَسطٌ من النِعَمِ
إنّي تَجاهَلتُ في دُنيايَ مَعرفةً / هل كانَ في أهلها مَسٌّ من اللَمَمِ
دارٌ قدِ استَخْدَمَتْ عن صَبْوةٍ غَلَبَتْ / من عهدها المَلِكَ المخدومَ كالخَدَمِ
عَنيفةٌ وَزّعتْ تَوشيعَ طاعتِها / عَدْلاً على المَعْشرينِ العُرْبِ والعَجَمِ
تَنْفي بإيجابها الغاراتِ هُدْنَتَها / فلا تَعُدُّ لَيالي الأشهُرِ الحُرُمِ
بِكْرٌ عَجُوزٌ وَلودٌ حُرَّةٌ أَمَةٌ / قامتْ بتَنسيقِ وَصفٍ غيرِ مُلتئمِ
يُريكَ عنوانَها في الناسِ مُطَّرِداً / كِسرَى بنُ ساسانَ ربُّ التَّاج والغَنَمِ
نَظَلُّ نُرسِلُها في لُؤمِها مَثَلاً / ولا نَزالُ بها لَحْماً على وَضَمِ
هِيَ الدَّنيَّةُ نَدعوها لذلكَ بالدْ / دُنيا اتِّفاقاً وما يُسمَّى بحيثُ سُمِي
دارُ الخَرابِ خَرابُ الدار شيمتُها / وعَكسُ آمال آل المالِ والنِعَمِ
قد أوغَلَ النَّاسُ في حُبِّ الغِنَى سفَهاً / وعاشِقُ المالِ عبدٌ خادمُ الصَنَمِ
لا يَصحَبُ المرءُ شيئاً من غِناهُ ولو / سَلَّمْتُ ذاك لكانَتْ صُحبَةُ العَدَمِ
تجانَفَ القومُ عن تهذيبِ أنفُسِهم / فلا يُراعُون للتأديب من حُرَمِ
ما غَيَّرَ اللهُ عنهم عَقدَ نِعمتهِ / إلاّ وقد غيّروا ما في نفوسِهمِ
كلٌّ يرُوحُ بلا زادٍ سِوَى عمَلٍ / حتَّى المُلوكُ فلا تَستثنِ من أرَمِ
أينَ الذين رَوَى الراوونَ من دُولٍ / وأينَ مَن أرَّخوهُ من ذَوي العِظَمِ
شيبٌ ومُردٌ وأجنادٌ وألْويةٌ / تَفنَى جميعاً كأنْ ما قام لم يَقُمِ
أجسامُهم للثَّرَى تُعطَى وأنفُسُهم / للهِ والمالُ للأعقابِ في القِسَمِ
لا بُدَّ للجمعِ من داعٍ يُفرِّقُهُ / لكن تفاوُتُهُ في الطُّرْقِ الهممِ
والأمس واليوم في الترتيب مثل غد / لهو ولعب يزج السم في الدسم
بئسَ الحياةُ التي طابت أوائلها / إن لم يكن طابَ منها حُسنُ مُختَتَمِ
مَنْ كان مِنكِ أميراً أيُّها الرِّمَمُ
مَنْ كان مِنكِ أميراً أيُّها الرِّمَمُ / ومَن هُمُ الجُندُ والأتباعُ والخَدَمُ
ومَن هُوَ البَطلُ الحامي الدِّيارِ ومن / كانت لهُ الخُطَبُ الغرَّاءُ والحِكَمُ
أينَ الذي كانتِ الدُنيا تَضِجُّ بهِ / رُعباً وكان عليهِ الجيشُ يَزدَحمُ
مَن كانَ يَهزِمُ أبطالَ الرِّجالِ تُرَى / هل كانَ من وَجهِ ذاكَ الدُّودِ يَنهزِمُ
الكُلُّ صاروا تُراباً لا قِوامَ لهُ / يَدُوسُهُ في الطَّريقِ الخُفُّ والقَدَمُ
قَدِ استَوَى العَبدُ والمَولى على نَسَقٍ / وضاعَ بين التُرابِ السَّيفُ والقَلَمُ
بئسَ الحَياةُ التي مَوجودُها عَدَمٌ / يا لَيتَ لا كانَ موجودٌ ولا عَدَمُ
حُلمٌ رآهُ الفتى في طَيِّ رَقدتهِ / لَيلاً فأصبحَ لا نَومٌ ولا حُلُمُ
كم غَرَّتِ النَّاسَ واستَهوتْ أفاضِلَهُمْ / فَتاهَ في قَفْرِها العَلاّمة العَلَمُ
زاغت عن الرُّشدِ فيها كلُّ باصرةٍ / واستهلَكَت في هواها العُرْبُ والعَجَمُ
لا أوحَشَ اللهُ داراً مِن أحبَّتنا / كانت معَاهِدُها بالأُنس تَبتَسِمُ
بَلى قد استَوحَشَتْ منهم ونحن على / آثارهِم نُؤْنسُ الأجداثَ حَيثُ هُمُ
هيهاتِ ما للمَنايا هُدنةٌ أبَداً / كَلاّ ولا عِندَهُنَّ الأشهُرُ الحُرُمُ
هُنَّ الأبِيَّاتُ لا يَطمعَنَ في سَلَبٍ / فما لَهُنَّ سِوى الأرواحَ مُغتَنَمُ
وَيلاهُ قد هُدِّمَتْ أركانُنا عَبثاً / وهل على الأرضِ رُكنٌ ليسَ يَنهدِمُ
نرجو من الدَّهرِ أنْ يَرعَى لنا ذِمماً / يا وَيحَنا ومَتَى كانت لهُ ذِمَمُ
ماتَ الحبيبُ الذي ماتَ السُرورُ بهِ / منَ القُلوبِ وعاشَ الحُزنُ والضَرَمُ
من بعدِهِ صارَ صَوتُ النَّوحِ يُطرِبُنا / وَجداً وتُزعِجُنا الأوتارُ والنَغَمُ
مَضَى وفي كلِّ قلبٍ بعدَهُ كَمَدٌ / يَبقَى وفي كل جِسمٍ بَعدَهُ سَقَمُ
كأنَّهُ من قُلوبِ الناسِ مُقتَطَعٌ / فكلُّ قلبٍ بهِ من فَقْدهِ ألَمُ
لم تخلُ من صَوبِ دمعٍ بَعدَ مَصرَعِهِ / عَينٌ ولم يَخلُ من ذِكراهُ قَطُّ فَمُ
ولم نجِدْ قبلَهُ من أُمَّةٍ رَجُلاً / بَكَتْ عليهِ شُعوبُ الناسِ والأُمَمُ
قد كنتُ أشكو بِعادَ الدَّارِ من قِدَمٍ / فَحبَّذا اليومَ ذاك البُعدُ والقِدَمُ
وكانت الدَّارُ ترجو أن تَراهُ غَداً / أنتَ الغَريبُ إذا ما عُدَّتِ الشِيَمُ
ما أنصَفتْكَ جُفوني وَهْيَ باكيةٌ / دَمعاً فمثِلُكَ مَن يُبكَى عليهِ دَمُ
أيُّ الفضائلِ ليستْ فيكَ كاملةً / وأيُّ عيبٍ نراهُ فيكَ يُتَّهَمُ
فيكَ التُّقَى والنَقا والعِلمُ مجتمعٌ / والحِلمُ والحَزْمُ والإحسانُ والكَرَمُ
نَرثيكَ بالشِّعرِ يا نَقَّاشَ بُردتِهِ / والشِّعرُ يرثيكَ حتى تَنفْدَ الكَلِمُ
تبكي عليك القوافي والمَحابرُ وال / أقلامُ والصُحْفُ والآراءُ والهِمَمُ
وكلُّ دِيوانِ شِعرٍ كُنتَ تَنظِمُهُ / وكلُّ ديوانِ قومٍ فيكَ ينتظِمُ
وكلُّ طالبِ عِلمٍ فاتَهُ مَدَدٌ / وكلُّ طالبِ رفدٍ فاتَهُ نِعَمُ
حَقٌّ علينا رِثاءٌ فيك نُنشِدهُ / لكن أحَبُّ إلى أسماعِنا الصَّمَمُ
أكادُ من فَرْطِ لَهْفي حينَ اكتُبهُ / أمحو المِدادَ بدَمعِي وَهْوَ يَنْسَجِمُ
قُصِفتَ يا غُصنَ بانٍ في الصِّبَى أسَفاً / لمَّا انثَنيَتَ وقد مالَتْ بكَ النَّسَمُ
كُنَّا نُرَجّي ثِماراً منك يانعةً / فسابَقتْنا المنايا وهْيَ تَقْتَحِمُ
ويَحي تُرى هل لنا في الأرضِ مُجتَمعٌ / وهل تُرَى شَمْلُنا في الدَّهرِ يَلتئِمُ
وهل نَرَى ذلكَ الوجهَ الذي نَسَخَتْ / أنوارَهُ تحتَ أطباقِ البِلَى الظُلَمُ
إن كُنتَ قد سِرتَ عن دار الفَناءِ فقد / نِلتَ البقا حيثُ لا شَيبٌ ولا هَرَمُ
إن السَّعيدَ الذي كانت عواقبُهُ / بالخيرِ في طاعةِ الرحمنِ تُختَتَمُ
عُنوانُ كلِّ مديحٍ راسخِ القَدَمِ
عُنوانُ كلِّ مديحٍ راسخِ القَدَمِ / تَرْكُ التَغَزُّلِ والتمويهِ في الكَلِمِ
فإن مَدَحتَ الأمينَ المُستغَاثَ بهِ / فالهَجْ بلَيثِ الشَّرَى لا ظَبْيِ ذي سَلَمِ
قلْ للأمِير جَزاكَ اللهُ مكَرُمةً / فأكرَمُ النَّاسِ عِندَ اللهِ ذو الكَرَمِ
والنَّاسُ ضَربانِ ذو سَيفٍ وذو قَلَمٍ / وأنتَ تجمَعُ بينَ السَّيفِ والقَلَمِ
أُثني عليكَ بلَفظٍ لستُ أحسَبُهُ / مَدحاً لكم بل حديثاً عنكَ في الأُمَمِ
وأحسَنُ المَدحِ ما صَحَّ الحديثُ بهِ / وصَدَّقتْهُ شُهودُ الفِعلِ والشِّيَمِ
وأفضَلُ الحاكِمينَ القائمِينَ فتىً / ذو حِكمةٍ فيَزِينُ الحُكْمَ بالحِكَمِ
قدِ اعترَكتَ صُروفَ الدَّهرِ مُخترطاً / سيفَ العَزائمِ والآراءِ والهَمَمِ
فكُنتَ مَعقِدَ تاجٍ فَوقَ هَامَتِها / بَعدَ الجهادِ وكانتْ موطِئَ القَدَمِ
مَدَدتَ راحةَ قَنَّاصٍ يُعاضِدُها / حَظُّ سَعيدٌ يَصيدُ الصَقْرَ بالرَخَمِ
فما هَمَمْتَ بأمرٍ غيرَ مُقتدرٍ / ولا بَدَأتَ بأمرٍ غيرَ مخُتَتِمِ
يا أثبتَ النَّاسِ في قولٍ وفي عَمَلٍ / على التَمادِي وأوفَى الناسِ بالذِمَمِ
بَيني وبينَكَ عهدٌ في عَشائِرِنا / يَجري على سُنَّةِ المَخدُومِ والخَدَمِ
أنا على عادةِ الأجنادِ من قِدَمِ / فكُنْ على عادةِ الساداتِ من قِدَمِ
إن كُنتَ باللهِ في دُنياكَ تَعتصِمُ
إن كُنتَ باللهِ في دُنياكَ تَعتصِمُ / فلا تَكُنْ خائفاً إن زَلَّتِ القَدَمُ
واطلُبْ لنَفسِكَ غَيرَ الأرضِ مَنزِلةً / إنْ كُنتَ تَبِغي نَعيماً ما بهِ ألَمُ
مَن عاشَ في الأرضِ لا تُرجَى سَلامتُهُ / من نَكبةٍ وَبلايا الدَّهرِ تَزدَحمُ
وكيفَ يأمَنُ من لَطْمِ المياهِ لهُ / مَن خاضَ في البحر والأمواجُ تَلتطِمُ
حوادثُ الدَّهرِ تَخْتارُ الكرامَ فما / زالت على حَسَبِ الأقدارِ تَنقسِمُ
وهَمُّ كلٍّ على مِقدارِ همَّتِهِ / فلا هُمومَ لقَومٍ ما لهم هِمَمُ
النَّاسُ للنَّاسِ كالأعداءِ ما بَرِحَتْ / في أكثرِ الأمر تأتي منهمُ النِّقَمُ
إن لم يكن ضَرُّهُمْ عَمْداً فَعَنْ خَطأٍ / وقد يكونُ بقَصدِ النَّفعِ ضَرُّهُمُ
غَنيمةُ العيشِ في الدُنيا تَجَنُّبُهمْ / لكنَّ ذلكَ مِمَّا ليسَ يُغتَنَمُ
هم كالطَّعامِ الذي لا بُدَّ منه لنا / بهِ نَعيشُ ومنهُ يَحدُثُ السَّقَمُ
كلُّ الجَواهرِ أعراضٌ رَزِيَّتُها / تَهونُ إذ تَسلَمُ الأعراضُ والشِّيمُ
والمالُ مثلُ نسيمِ الرِّيحِ إن سَلِمَتْ / بقُدرةِ اللهِ في أبدانِنا النَّسَمُ
ليسَ البُكاءُ لِفَقْدٍ بَعدَهُ خَلَفٌ / إن البُكاءَ لِفَقْدٍ بَعدَهُ عَدَمُ
قد يَنبتُ المالُ مِثلَ الظُفرِ تَقطَعُهُ / وثُلمَةُ المال مثلَ الجُرحِ تَلتحِمُ
ما دامَ للأجْدَلِ القَنَّاصِ أجنِحةٌ / لا يُفلِتُ الصَّيدُ منهُ حيثُ يَنهزِمُ
والخَيرُ يَعرِفُ طُرْقاً قد تَعوَّدها / فلا يَضِلُّ ولو قامَتْ بها الظُلَمُ
أجَلُّ للمَرْءِ من مجدِ الغِنَى شَرَفاً / مجدُ الوَفاءِ تَقَوى اللهِ والكَرَمُ
وأرفَعُ النَّاسِ عِندَ اللهِ منزِلةً / مَنْ لم يكن لِحُقوقِ النَّاسِ يَهتَضِمُ
للهِ في الخلَقِ سِرٌّ ليس نُدرِكُهُ / وحِكمةٌ بَطَلَتْ من دُونِها الحِكَمُ
لا يُرزَقُ العبدُ إلاّ ما قَضاهُ ولا / يُصيبُهُ غيرُ ما يَجرِي بهِ القَلَمُ
سيَجبُرُ اللهُ قَلباً باتَ مُنكسراً / وليسَ يَترُكُ جَمْراً كانَ يَضطِرمُ
لا ضِيقَ في الدَّهرِ إلا بَعدَهُ فَرَجٌ / ولا شبيبةَ إلاّ بَعدَها هَرَمُ
إذا رَمَى اللهُ يُمنَى العبدِ في عَسَمٍ / يُبقي الشِّمالَ فلا يَغتالُها العَسَمُ
إن لم تَدُمْ عِندَ نصرِ اللهِ نِعمتُهُ / فقد تَعاهَدَ شُكرُ اللهِ والنِّعَمُ
خَودٌ من العُرْبِ عافَتْ شيمةَ الكَرَمِ
خَودٌ من العُرْبِ عافَتْ شيمةَ الكَرَمِ / تَضَنُّ حتَّى بحرفِ النَّفْيِ في الكَلَمِ
قد أتهَمَتْني بذَنْبٍ لَسْتُ أعرِفُهُ / وأكثَرُ الظُّلمِ في الدُّنيا منَ التُّهَمِ
عاتَبتُها فأشاحَتْ غيرَ ناطقةٍ / كأنَّها من بَناتِ الفُرْسِ والعَجَمِ
وما عَجِبتُ فقد كان العَذُولُ بها / يَقولُ سُبحانَ من أبلاكَ بالصَمَمِ
وما لي وما لِكلامِ العاذلِينَ فكم / من ناصحٍ يَتَلقَّى البُرْءَ بالسَقَمِ
وأكثَرُ القَولِ ظنٌّ لا ثَباتَ لهُ / وأكثرُ الظَنِّ وَهْمٌ زاهقُ القَدَمِ
من يَصْحَبِ الدَّهر يعرِفْ حالتَيهِ ومن / يعاجلِ الأمرَ لا يخلو منَ النَدَمِ
ومن يَسَلْ عن أخٍ يَرعَى الذِّمامَ فقُلْ / جِبريلُ من صَدَقاتِ اللهِ ذي النِعَمِ
ذاكَ الصدِيقُ السَّليمُ القلبِ من وَضَرٍ / والصَّادِقُ البارعُ الآدابِ والشِيَمِ
لهُ على الدَّهرِ عهدٌ غيرُ مُنتقِضٍ / قُرباً وبُعداً ووُدٌّ غيرُ مُنثَلِمِ
مُهذَّبُ العقلِ لا يَحتاجُ مَعذِرةً / ويَقبَلُ العُذرَ من لُطفٍ ومن كَرَمِ
ولا يَضيقُ لهُ صَدرٌ بنائبةٍ / ولا يَميلُ لهُ عِطفٌ مَعَ النَّسَمِ
هُوَ البديعُ الذي فاقَ البديعَ وقد / أهدى البديعَ كُدرٍّ منهُ مُنتَظِمِ
قد حَمَّلَ القلبَ شُكراً ليسَ يحمِلُهُ / فَهبَّ مُستنجداً باللَّوحِ والقَلَمِ
أولَى الجميلِ بحَمْدٍ ما بَدَأتَ بهِ / إذا أضَفْتَ إليهِ حُسنَ مُختَتَمِ
وأحسَنُ الأمرِ ما سَرَّتْ عواقِبُهُ / كالصُّبحِ يُنِسي ضياهُ سالفَ الظُلَمِ
زِدْني مِنَ الشِّعرِ يا جِبريلُ فاكِهةً / ودَعْ ثنَاكَ لِمَنْ لاقَ الثَّنا بهِمِ
مَنْ عُوِّدَتْ أُذنُهُ سَمْعَ المديحِ لهُ / تَعوَّدَ النَّاسُ منهُ سَمْعَ مدْحِ فَمِ
جَمعْتَ من أفضَل الأسماءِ في القِدَمِ
جَمعْتَ من أفضَل الأسماءِ في القِدَمِ / بينَ الخليلِ وأيُّوبٍ لدى الأُمَمِ
ونِلتَ في اللُّطفِ سِرّاً طابَ عُنصُرُهُ / فكانَ من حاسدِيهِ ألطَفُ النَسَمِ
هذا اليَراعُ الذي استخدَمتَ عامِلَهُ / قامَتْ لَدَيهِ سُيوفُ الهِندِ كالخَدَمِ
لَوِ ابتغَى لكَ ياقوتٌ مُفاخرةً / لكذَّبَتْهُ شُهُودُ النُّونِ والقَلَمِ
قَدِ اصطَفاكَ فُؤادُ المُلكِ مُنتخِباً / وَهْوَ الدليلُ على ما فيكَ من شِيمَ
وظاهرُ الفِعلِ بُرهانٌ لصاحِبهِ / أقوَى وأجلَى من البُرهانِ في الكَلِمِ
أعطاكَ رُتبةَ فخرٍ أنتَ مَوضِعُها / إنَّ الكريمَ لَيدري مَوضِعَ الكَرَمِ
عظيمةٌ من عظيمٍ كانَ مَصدَرُها / إلى عظيمٍ فكانَتْ مَجْمَعَ العِظَمِ
يا مَن يَليقُ بهِ مِنَّا الثَّناءُ كما / للهِ لاقَ بهِ شُكرٌ على النِعَمِ
لم أمتدِحْ لكَ فضلاً قَصدَ شُهرتِهِ / فذاكَ أشهَرُ من نارٍ على عَلَمِ
أُهدِي لكَ ابنةَ فِكرٍ بنتَ ليلتِها / فإنْ وَجَدْتَ بها قِصَراً فلا تَلُمِ
تَضمَّنتْ من صِفاتِ المدحِ أفضَلَها / إذ قالتِ الحقَّ واستَغْنَت عَنِ التُهَمِ
لنا عيدٌ يَدومُ لَنا جديداً
لنا عيدٌ يَدومُ لَنا جديداً / وعيدُ النَّاسِ ليسَ لهُ دوامُ
وبَهجَةُ عِيدِ كلِّ النَّاسِ يَومٌ / وبَهجَةٌ عيدِنا عامٌ فعامُ
وفي الأَفلاكِ شمسٌ كلَّ يومٍ / تَغيبُ وبَعدَها يأتي الظَّلامُ
وفي بيروتَ شمسٌ كُلَّ حينٍ / تلوحُ فلا غروبَ ولا قَتامُ
تَولَّى ثَغْرَها خُرشيدُ سَعدٍ / فلاحَ من الضِّياءِ لهُ ابتِسامُ
فليسَ سِوَى السَّحائبِ فيهِ باكٍ / وليسَ بنائِحٍ إلاَّ الحَمامُ
لنا منهُ سَلامٌ مُستَمِرُّ / نَعَمْ وَلَهُ من اللهِ السَّلامُ
مَدائِحُهُ افتِتاحُ مورِّخِيهِ / وإيفاؤُ الدُّعاءِ لهُ خِتامُ
قوموا بنا نَسأَلُ الأَمواتَ في الرُّجَمِ
قوموا بنا نَسأَلُ الأَمواتَ في الرُّجَمِ / ما يذكُرونَ منَ اللَذاتِ والأَلمِ
قد كانَ ما كانَ حُلماً فانقَضى ومضى / كأَنَّ رائيهِ لم يَحلُمْ ولم يَنَمِ
العيشُ في الأرضِ وَهمٌ أَهلُهُ عَدَمٌ / وما الذي يا تُرَى نرجو من العَدَمِ
بالأمسِ قد كانَ إبراهيمُ صاحبَنا / واليومَ في التُربِ أَضحَى صاحبَ الرِمَمِ
كأنَّهُ لم يَكُنْ رُكناً لطائفةٍ / ولا مَناراً لدارِ العِلمِ والحِكَمِ
أجَابَ طَوعاً دُعاءَ اللهِ حينَ دَعا / وتلكَ شيمةُ إِبراهيمَ في القِدَمِ
كسا الحِدادَ سِوى القِرطاسِ مُصطحِباً / بَياضَهُ حينَ جَفَّتْ عَبْرَةُ القَلَمِ
وعاهَدَ العينَ لا تُجري مَدَامِعَها / عليهِ ما لم تَكُنْ ممزوجَةً بِدَمِ
مَضى سريعاً فلم تَثبُتْ لهُ قَدَمٌ / مَن كانَ في كلِّ فَنٍّ ثابتَ القَدَمِ
وراحَ كَهلاً كأنَّ اللهَ عاجَلَهُ / شَوقاً إليهِ فلم يلبَثْ إلى الهَرَمِ
بَكَى عليهِ ذَوُو الحاجاتِ من أسَفٍ / ومَن بَكَى قاضيَ الحاجاتِ لم يُلَمِ
وكادتِ الصُّحْفُ تبكي بَعدَ مَصرَعِهِ / لو لا مَخَافَةُ مَحْوِ الدَّمعِ للكَلِمِ
بني مُشاقةَ إِنَّ الصَّبرَ حاجتُهُ / عندَ البَلا كاحتياجِ الطِبِّ للسَّقَمِ
هذا الذي كلُّ مَولودٍ يُصابُ بهِ / فلا حِمَى عِندَنا منهُ سِوى العُقُمِ
لا يَشتَكِ المَرْءُ غَدرَ البينِ مُتَّهِماً / إذ ليسَ بَينَهُما شيءٌ من الذِمَمِ
هذا الذي خُلِقَتْ كلُّ النُفوسِ لهُ / فتُحسَبُ النَّاسُ مَوتى قَبلَ موتِهِمِ
هذا هو المَلِكُ الجَبَّارُ مُقتَدِراً / على المَمالِكِ من عُرْبٍ ومن عَجَمِ
والعادلُ الحُكمِ لا يُرشَى على عَمَلٍ / وليسَ يَفرُقُ مخدوماً عن الخَدَمِ
مِنَّا السَّلامُ على مَن لا سَلامَ لَنا / منهُ ولا بَرْدَ يُطفي غُلَّةَ الضَرَمِ
وَلّى وقد سارَ عَنّا غَيرَ مُلتَفِتٍ / نبكي فيَضحَكُ مِنَّا غيرَ مُبتَسِمِ
ضاعَ النُّواحُ كما ضاعتْ مَدامِعُنا / عندَ الذي قد رَماهُ البينُ بالصَّمَمِ
قد أدركَ الحَقَّ يَمشي في الضِّياءِ بهِ / والقومُ في باطلٍ يَمشُونَ في الظُّلَمِ
يا أَيُّها النَّاسُ هَيُّوا الزادَ وانتَبِهوا / فالموتُ للنَّاسِ كالجَزَّارِ للغَنَمِ
من رَامَ أنْ لا يَرَى فَقْداً لصاحِبِهِ / يَسبُقْ إلى المَوتِ كي ينجو كمُنهَزِمِ
من عاشرَ الدَّهرَ لا يخلو من الهَوَسِ
من عاشرَ الدَّهرَ لا يخلو من الهَوَسِ / لِما يَرَى من دَواهي خُلقِهِ الشكَسِ
كأنُّهُ شاخَ حتى صارَ من خَرَفٍ / لا يُدرِكُ الفَرْقَ بينَ الماءِ والقَبَسِ
بِتنا نُعاتبُهُ جَهلاً ويَلحَظُنا / بعَينِ ساهٍ عَرَتها غَفلةُ النَعَسِ
إذا شَكَوتَ لِمَنْ في أُذنِهِ صَمَمٌ / رأَيتَ لا فَرقَ بينَ النُطقِ والخَرَسِ
دَهرٌ تَرَى كُلَّ أَمرٍ فيهِ مُلتَبِساً / ولا تُصادِفُ حُكماً غيرَ مُنعكِسِ
تَجري القَضايا على غيرِ القياسِ بهِ / فانظُرْ نَتِيجَتَها واسمَع ولا تَقِسِ
كم جاهلٍ لو أرادَ الدُرَّ يَطبُخُهُ / وعالِمٍ يشتهي كَفّاً منَ العَدَسِ
وذي غِنىً لا يُساوي منهُ خَرْدَلةً / وقارسٍ ليسَ يَسوي حافرَ الفَرسِ
لَقد رَضينا بحُكمِ الدَّهرِ كيفَ جَرى / لو دامَ ما نشتكي من عَيشِنا البَخِسِ
صُبحٌ يلوحُ ويأتي بَعدَهُ غَلَسٌ / ونحنُ نَذهبُ بينَ الصُّبحِ والغَلَسِ
في ذِمَّةِ اللهِ مِنَّا راحلٌ رَحَلَتْ / مَعْهُ فكَاهةُ رَغدِ العَيشِ والأُنُسِ
وَدَّعتُهُ عِندَ مَسراهُ فوَدَّعني / صبري وخَلَّفَ ضِيقَ النَّفسِ والنَّفَسِ
مَلَّتْ نُجومُ الدُّجى مِمَّا أُراقبُها / حَتَّى كأَنِّي منَ الأَرصادِ والحَرَسِ
واستَنكَفَ الشَّوقُ من مَثواهُ في بَدَنٍ / كأَنُّهُ طَلَلٌ في الأَربُعِ الدُّرُسِ
يَصولُ وَجدِي على السَّلوَى فيَحِطِمُها / مِثلَ العَجُوزِ تُجاهَ الفاتِكِ الشَّرِسِ
ظَلَّتْ تَمُدُّ إليهِ كَفَّ مُلتَمِسٍ / وظَلَّ يُلقِي عليها كَفَّ مُفترِسِ
حَيَّا الحَيا طِيبَ عَصرٍ مَعْ أَحِبَّتِنا / قد كانَ من فُرَصِ الأَيَّامِ كالخُلَسِ
أَحلَى الليالي الَّتي بالوَصْلِ نَقطَعُها / وأفضَلُ الوَصلِ ما يخلو منَ الدَّنَسِ
هكذا هكذا وإلا فلا لا
هكذا هكذا وإلا فلا لا / ليسَ كُلُّ الرِّجالِ تُدعى رِجالا
هكذا من وَفَى وبرَّ وصافَى / فاعلاً في غدٍ كما أمسِ قالا
جادَ قومٌ بالمَكرُماتِ لِساناً / ففتلنا منَ الهَباءِ حِبالا
زرعوا الوعدَ في أراضي مِطالٍ / فحصدنا من المُحالِ مُحالا
ما لخُرْشيدَ في الكِرامِ مثالٌ / مَن تُراهُ للشَّمسِ يبغي مِثالا
حافِظُ العَهدِ للصَّديقِ أمينٌ / صادقٌ يُتبِعُ المَقالَ فَعالا
ناظِرُ المالِ نظرةٌ منهُ تُغني النْ / نَاسَ حتَّى تكونَ للنَّاسِ مالا
هِيَ إكسيرُنا الذي حيثما صا / دَفَ صُفراً إلى النُّضارِ استحالا
ضابطٌ كلَّ ما تولَّى بعينٍ / منهُ تطوي أبصارُها الأميالا
ويمينٍ تكون كلُّ يمينٍ / عند أَعمالِها لديها شِمالا
ويحَ بيروتَ ما اعتراها من الغَمْ / مِ الذي عمَّ سهلَها والجِبالا
لو دَرَى ماؤُها بما هيَ فيهِ / جفَّ أو صخرُها لَذابَ وسَالا
غابَ عنها مَن ذِكرُهُ دامَ فيها / وثَناهُ يطولُ ما الدَّهرُ طَالا
ذاكَ شمسٌ حلَّت زماناً فغابت / وكذا الشَّمسُ نَزْلةً واُنتقالا
إنَّ عبدَ العزيزِ رأسٌ تولَّى / من ذويهِ الأعضاءَ والأوصالا
مَلِكٌ يقهرُ الأُلوفَ إذا قا / مَ ويُعطِي الأُلوفَ رِزقاً حَلالا
أيُّ شُكرٍ بهِ أَقومُ لقَومٍ / حمَّلوني من الجميلِ جِبالا
هم لعَمري من أحسنِ النَّاسِ فِعلاً / جعلوني من أحسنِ النَّاسِ حالا
عَلى نادي أحبَّتِنا الكِرامِ
عَلى نادي أحبَّتِنا الكِرامِ / سلامٌ في سلامٍ في سلامِ
سلامٌ من مَشُوقٍ صارَ يحكي / سلاماً من مَشوقٍ مُستَهامِ
أذابتهُ الصبابةُ من رحيلٍ / تَضمَّنَ في الحَشا وَهْمَ المُقامِ
ألا يا مَن سَقونا صابَ غَمٍّ / سقاكم ربُّكم صَوْبَ الغَمامِ
نأى عنَّا المَزَارُ فما حُرِمنا / زيارةَ طيفِكم تحتَ الظَّلامِ
حفِظتمْ عَهدَنا العُمَريَّ حتَّى / تَعلَّم طيفُكَم حِفظَ الذِمامِ
رَعَى اللهُ اللُوَيلاتِ اللوَاتي / مَضَيْنَ لنا كحُلمٍ في مَنامِ
رَجونا أن تدومَ لنا فقالتْ / ندومُ إذا طَمعْتُم في الدَّوامِ
لكلِّ لُبانةٍ زَمَنٌ نَراهُ / يَقودُ لها الرِّجالَ بلا زِمامِ
وما لكَ فُرصةٌ ضاعت فرُدَّتْ / وكيفَ يُرَدُّ مُنطلِقُ السِّهامِ
وقد يَرقَى اللِّفاءُ إلى وفاءٍ / كما يَرقَى الهلالُ إلى التمامِ
إذا حَسنُتَْ فواتحُ كلِّ أمرٍ / رَجونا بعدَها حُسْنَ الخِتامِ
يا نفسِ هل من أمرِ ربّكِ عاصمُ
يا نفسِ هل من أمرِ ربّكِ عاصمُ / ومَنِ الذي بقضاءِ ربِّكِ عالمُ
لا تجزَعي عندَ البليَّةِ واعلَمِي / أنَّ التَّجلُّدَ للبَلاءِ يُقاوِمُ
إن القلوبَ إذا شكت جُرحَ الأسَى / فلها مِن الصَّبرِ الجميلِ مَراهمُ
وإذا أبَيتُ اليومَ صبراً في البِلا / طوعاً صبرتُ غداً وأنفي راغمُ
فَقْدُ الحبيبِ بليَّةٌ ونظيرُها / حُزنُ المحبِّ لكلِّ قلبٍ هادمُ
لو كان عندي في دوامِ بقائهِ / طَمَعٌ لحقَّ عليهِ حزنٌ دائِمُ
مَن ليسَ يمضي اليومَ يمضي في غَدٍ / إنَّ الغريبَ عَلى الرَّحيلِ لَعازِمُ
سَفَرٌ بعيدٌ في طريقٍ طامسٍ / لا يَقدَمُ الماضي ويمضي القادمُ
يَنساقُ مخَدومٌ إليهِ كخادمٍ / هيهاتِ كُلٌّ للمنيَّةِ خادمُ
لو كانَ هذا البينُ يَرعَى حُرمةً / تُبقي الكرامَ لكانَ يبقى ناظمُ
خَطْبٌ عظيمٌ لا يقاسُ بهَوْلهِ / خَطْبٌ فليس تُعَدُّ معهُ عظائِمُ
طَفَحت على لُبنانَ منهُ كآبةٌ / لجبالهِ مثلَ الجِبالِ تُصادِمُ
للشَّامِ جسمٌ قد أُصيبَ فُؤَادُهُ / فَبَدَت عليهِ من السَّقامِ علائِمُ
إن العبادَ يَسُوءُهم ما ساءَ مَن / دُفِعَ البَلاءُ بهِ ورُدَّ الظَّالمُ
نبكي على فَقْدِ الحبيبِ ومثلَما / ضاعَ الحبيبُ يضيعُ دمعٌ ساجمُ
يُؤْذي الحزينُ جُفونَهُ بدُموعِهِ / عَبَثاً كما عضَّ البَنانَ النَّادمُ
يا أيُّها البحرُ الذي عَبِثَتْ بهِ / أنواءُ حُزنٍ مَوجُها مُتَلاطمُ
ماذا يقولُ لكَ المُعزِّي إنَّهُ / نونٌ بلُجَّتكَ العظيمةِ عائمُ
إنَّ الجِبالَ تَهُزُّهُنَّ زلازلٌ / لكن سيعقُبها سُكونٌ لازمُ
والشمسُ يَغْشاها الضَّبابُ فينجلي / واللَّيلُ يطرُدُهُ الصَّباحُ الباسمُ
أنتَ العِمادُ لأرضِنا ولمُلكِها / من بعدِ ربِّ المُلكِ منكَ دعائِمُ
وإذا سَلِمتَ لها اطمأنَّت واكتفتْ / وتَعزَّتِ الدُّنيا بأنَّكَ سالمُ
وَفاءُ العَهدِ من شِيَمِ الكرامِ
وَفاءُ العَهدِ من شِيَمِ الكرامِ / ونقضُ العَهدِ من شِيَمِ اللِّئَامِ
وعندي لا يُعَدُّ من السَّجايا / سِوَى حِفظِ المَوَدَّةِ والذِّمامِ
وما حُسنُ البِداءَةِ شرطُ حُبٍّ / ولكن شرطُهُ حسنُ الخِتامِ
وليسَ العهدُ ما ترعاهُ يوماً / ولكن ما رعَيتَ على الدَّوامِ
نَقَضتمْ يا كرامَ الحيِّ عهداً / حَسِبناهُ يدومُ لألفِ عامِ
وكنَّا أمسِ نطمعُ في جِوارٍ / فصرنا اليومَ نقنعُ بالسَّلامِ
جَرَى عهدُ الثّقاتِ على فَعالٍ / وعهدُ الغادرينَ على كلامِ
ومَن لا يبتغي لِلذَّنبِ عُذراً / يهونُ عليهِ تفنيدُ الملامِ
ومَن لا يَرْعَ وُدَّكَ في رحيلٍ / فلا يَرعَى وِدَادَكَ في مُقامِ
ومَن عَدَلَ المَحاسِنَ بالمَساوي / فقد جَهِلَ الصَّباحَ من الظَّلامِ
أَنا الخِلُّ الوفيُّ وإنَّ نفسي / تَفي حقَّ الصَّديقِ على التَّمامِ
أُراعي حقَّهُ ما دامَ حيّاً / وبعدَ وفاتِهِ حقَّ العِظامِ
قِفْ بالمَطايا على أنجادِ ذي سَلَمِ
قِفْ بالمَطايا على أنجادِ ذي سَلَمِ / وقُل سلامٌ على مَن دامَ في الخيَمِ
لمْياءُ مَحجوبةٌ عن مُرسِلٍ بَصَرَاً / دامت على حَجْبها حتَّى على النَّسَمِ
بارَحتُها ونزيلُ الشَّوْقِ في كَبِدي / أقامَ يُهرِقُ دمعاً رشَّ كالعَنمِ
أشكو إلى اللهِ ما حاربتُ في زَمَني / في حُبِّها من جيوشِ الفَتْكِ والسَّقَمِ
لَقِيتُ في العِشقِ هَوْلاً لا أُلامُ بهِ / فذاكَ للصَّبِ قيدٌ مُحكمُ اللَّزَمِ
خَوْدٌ من العُرْبِ فيها النَّحبُ طابَ لنا / كما يطيبُ لحيٍّ أطيبُ النَّغَمِ
لِعزِّها الذُّلُّ صفوَ العزِّ نحسبُهُ / والسُّمُ من يدها خيراً من الدَّسَمِ
يحلو الضنَّى في هَواها للمُحبِّ فلي / فيهِ الشَّقا كالشِّفا واللُؤْمُ كالنِّعَمِ
فتَّانةٌ بجَمالٍ طِيبُ مَوْرِدِهِ / ما زالَ يُحمَى كصَيدٍ لاذَ بالحَرَمِ
تبارَكَ اللهُ مُنشيها على مُلَحٍ / تحلو وتُحمي قلوبَ النَّاسِ كُلِّهِمِ
يا كَعْبةَ الأُنسِ كم جَدَّتْ طَلائعُنا / إلى بَواديكِ وَفْداً في دُجَى الظُّلَمِ
قَفَوتِ من مَنطِقِ الأعرابِ مَنْهجَهُ / دون ارتباطٍ بأسْرِ العَهدِ والقَسَمِ
ظمآنُ يَصدى بِكُم والحَيُّ جانِبَهُ / من نجدِهِ ماؤُهُ يُحيي فُؤادَ ظَمي
أمسى قتيلَ الهوى لَهواً بقاتِلهِ / وليسَ من رائِمٍ للثَّأرِ أو حَكَمِ
نعمَ اللَّيالي التِّي أزهت هناكَ لنا / نخلَ الهنا وانجلاءَ الزَّهرِ في الأكَمِ
يَهْفُو الفُؤَادُ إلى ذاكَ الجِوارِ وإنْ / أطالَ لَهْفي ويَحلُو ذِكرُهُ بفَمي
راقتْ لنا الكأسُ أُنساً في معَالمِها / لكنَّما نَيْلُ ذاكَ الصَّفوِ لم يَدُمِ
دارَ الحبيب التزَمْنا الهمَّ منكِ قِرىً / كما شربنا الصَّدى من مائِكِ الشَّبِمِ
هيهاتِ عَوْدُ انتجاعٍ كانَ يُؤنِسُني / صَفواً وعصر اجتماعٍ دارَ لم يقُمِ
ما كان أَصفَى أُوَيْقاتاً جنيتُ بها / أثمارَ سعدٍ أراهُ كانَ كالحُلُمِ
مع كاعبٍ من نساءِ العُرْبِ مُقلَتُها / سوداءُ تَسبي جِماراً من بني جُشَمِ
أهديتُها الدَّمعَ راجٍ أن يَتمَّ بهِ / صفحٌ فما قَنِعَت من دون سَفْكِ دمي
يا ويلَ أهلِ الهَوى من صَبوةٍ عَكَست / في لجَةٍ كلَّ طَرْدٍ من شؤُونِهِمِ
عبدُ الأميرِ خسيسٌ لا صَلاحَ لهُ / فأينَ عبدُ إماءِ القُرْطِ والخُزُمِ
إنَّ الهوى كرْمةٌ باتَ الحكيمُ بها / سكرانَ من شربِ كأسٍ نازفِ اللَّممِ
في كل يومٍ دلالٌ لذَّ وافِرُهُ / لهُ وداسَ مديدَ الرُّجزِ والأضَمِ
أعوذُ بالله من نُبلِ الهَوى فلقد / رَمَى فراحَ يشُقُّ القلبَ من أَمَمِ
للهِ كم ليلةٍ طاوٍ سهرتُ بهِ / في صَوْمها لم أذُقْ زاداً ولم أنَمِ
رُمتُ الهنا فرماني بالعناءِ هوىً / لِوَردةٍ تُبدِلُ الآمالَ بالألَمِ
ضاعَ الزَّمانُ على جهلٍ نَسيحُ بهِ / من أجل رِثمٍ كمثلِ العابد الصَّنَمِ
يُمسي الخليُّ أمينَ النَّفسِ من جَزَعٍ / وحاملُ الوجدِ يُضحي صائدَ النِّقَمِ
مالي وللعِشقِ بعدَ الشَّيبِ مرَّ بهِ / دهرٌ فلم يبقَ إلإّ صحوةُ الهَرَمِ
نادَى المشيبُ على الهاماتِ في نزَقٍ / اليومَ لاحَ بَياضُ النَّصلِ باللّمَمِ
وربَّةُ الحَلْيِ يأتي دونَها عَطَلٌ / وعاشقُ الحَلْيِ والمعشوقُ للعَدَمِ
النَّفسُ أمَّارةٌ بالسُّوءِ شائِدَها / إلى خرابٍ بنهْجِ الدَّهرِ مُنهدِمِ
جِماحُها حاملُ البلوَى وما تُرِكَت / لهُ ازديادٌ فلا ترتَدُّ باللُّجُمِ
بينَ الخلائقِ في الأنفاسِ كم بِدَعٍ / وكم لخالِقها في الحال من قَسَمِ
أستودِعُ اللهَ قلباً قد بكيتُ بهِ / إذ جَفَّ دمعُ جفونٍ زادَ من قِدَمِ
لَقد قَضينا بجدٍّ للهَوى زَمَناً / فلم نجد نِعمةً حاشَى ولا نَعَمِ
نرومُ طالبَ حربٍ ليسَ يتركهُ / حيناً ولم يَدْرِ حقَّ الأشهرُ الحُرُمِ
ظلَّ الهوَى حَكَماً بالصبِّ يسلُبُهُ / فراحَ من حُكْمهِ في بُردة السَّدَمِ
رجوتُ صيدَ المَهَى فاصطاد باصرُها / قلباً بلا بَصَرٍ من حَرْبةِ النَّدَمِ
مضى الزَّمانُ على هَزلٍ هناكَ ولم / أبرحْ لدَى الملكِ الأعلى من الخَدَمِ
ظِلُّ الإلهِ علينا أوجُ طالعهِ / قد فاقَ فوقَ جهاتِ الأُفق كالعَلَمِ
في خُلقِهِ عجبٌ في عزِّهِ طَرَبٌ / راحاتُهُ سُحُبٌ يَهمُرْنَ بالكَرَمِ
راقي المراتبِ نَبَّاعُ المواهبِ في / أرضِ المطالبِ أهدَى الجود كالدِّيَمِ
نورٌ مَحاشِدُهُ نارٌ تَهَدُّدُهُ / صَفوٌ مَوارِدُهُ عن نادِرِ التُّهَمِ
أمينُ ربِّ الورى في الكونِ مُؤتَمنٌ / على العِبادِ لحقِّ العهدِ والذِّمَمِ
يجودُ بالمالِ مبذولَ النَّوالِ نرَى / فيهِ الكمالَ شريفَ النَّهجِ والشِّيمِ
بديعُ خُلقٍ بديعُ القولِ جاهِرُهُ / بالحقِّ يُوِقعُ جَهْدَ الخصمِ بالبَكَمِ
فرعٌ لعثمانَ مِن محمودَ جاز بما / أبداهُ للآلِ جودُ اللهِ عن عِظَمِ
يمينُهُ للجدا واليسرِ قد فُطِرتْ / ونصلُهُ للرَّدى عن حقِّ منتَقِمِ
أَعطاهُ ربُّ العُلَى من أُنسِ رَحمَتِهِ / لُطفاً تحلَّى بأندَى البِشْر والحُلُمِ
روحُ الوجودِ وُجودُ الرُّوحِ رِفعتُهُ / نادَى به طيبُ صيتٍ فاتحِ الصَّمَمِ
ضمَّ المحاسنَ والإحسانَ نائِلُهُ / من كفِّ بدرٍ منيرِ الوجهِ مبتسِمِ
وليُّ عهدٍ أميرُ المؤْمنينَ فَرَت / بعزمهِ بيضُ أُسْدٍ أسوَدَ القِمَمِ
أقوالهُ دُرَرٌ تُبنَى بها سُوَرٌ / ألقى بها قمرٌ في النورِ والشَّمَمِ
قامت على جبلِ الألطافِ دولتُهُ / باللهِ يبدو عليهِ ثابتَ القَدَمِ
فَردُ الورَى لم تَقُمْ أمٌّ لحكمِ أبٍ / عن مثلهِ بل رماها اللهُ بالعُقٌمِ
هنَّتْ بهِ نفسَها الدُّنيا وقد هُدِيت / بعدلهِ واهتدَت للحقِّ عن حِكَمِ
مَن مثلُ عبدِ العزيزِ الشَّهمِ حَلَّ بِها / مراتباً من ملوكِ العُرْبِ والعَجَمِ
بدرٌ له بهجةٌ في الأوجِ ناميةٌ / بها رياضُ البَها والمجدِ للأُممِ
أضا العِبادَ وأطرافَ البلادِ بها / والسَّعدُ سادَ وباتَ الرَّوعُ كالرِّممِ
رفيعُ شانٍ جميلُ الجودِ دولتُهُ / بالعدل تَقرِنُ حدَّ السَّيفِ بالقَلَمِ
زَهرٌ وطالعُ زُهرٍ خُلقُهُ أدَباً / وخَلقُهُ بسناهُ الرَّاهنِ الوَسِمِ
غُنمٌ لوافِدِه زَهوٌ لواجِدِهِ / رِيْفٌ لقاصِدهِ فَوْزٌ لمُعتصِمِ
إذا سَطا بجنودٍ مِن عساكرِهِ / يوماً أعادَ العِدى لحماً على وَضمِ
لله درُّ بني عثمانَ من صَدَقوا / بطيبِ حَمْلٍ ووَضعٍ حافلِ القِيَمِ
بَنَوا لنا بُرجَ سعدٍ رُسْلُ طلعتهِ / تدعو الأنامَ إلى أعباءِ شكرِهمِ
دارُ السَّعادةِ بابُ النَّصرِ ساكِنهُ / كَهْفُ المَطالبِ مَن حاماهُ لم يُضمِ
نصرٌ وفتحٌ قريبٌ يُطلَبانِ لهُ / وجَدُّ جاهٍ وجودٌ فاضَ كالعَرَمِ
يقومُ بالأمر بادي الرأيِ مُقتدراً / تهابُ زأرتَهُ الآسادُ في الأجَمِ
أسنى الورَى نسباً أوفَى الملا رُتَباً / عفوٌ لهُ عَجَباً عن وِزْرِ مُجتَرِمِ
هذا سليمانُ لطفٍ طابَ موْرِدُهُ / بروحِ فصلِ خطابِ اللُّطفِ والحِكَمِ
بحرُ النَّدَى كَرَماً أشقَى العِدَى نِقَماً / أطفَى الصَّدى نعماً بالبذل والهِمَمِ
أمسَى كبدرٍ كفى نوراً لسلطنةٍ / يلوحُ في ثوبِ مجدٍ زاهرِ الرَّقَمِ
ليثٌ جَسورٌ نَفُورٌ ماجدٌ مَلِكٌ / لرَوعهِ أمست الأعداءُ في الرُّجَمِ
ظلَّ الزَّمانُ لهُ عبداً وكان لهُ / مِلْكاً وحاسدُهُ بالذُّلِّ فيهِ رُمي
فازت بناديهِ أبياتٌ أقرُّ بها / في بيت جُنْدٍ كبيرٍ فاقَ عن إرَمِ
روحٌ وراحٌ وريْحانٌ بهِ عَبِقَت / من مدحه حيثُ عادت أطيبَ الكَلِمِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025