القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 39
أظلومُ منكِ تعلّمت ظلمي
أظلومُ منكِ تعلّمت ظلمي / حرباً وكانت قبل ذا سَلْمي
كانت بهجري غيرَ عالمةٍ / فَهَدَيتِها منهُ إلى علمِ
هذا وفاقٌ عن مخالفَةٍ / كالزيرِ تُصْلِحُهُ على البمِّ
خودٌ تلقّنُ تِرْبَها حُجَجاً / كالبنتِ مُصْغِيَةً إلى الأمِّ
والغادتانِ تفِيضُ بينهما / خُدَعُ الهوى وقطيعةُ الحلمِ
إنَّ النّواعمَ في العتابِ لها / غَرَضٌ إليه جميعُها تَرْمي
لو قدْ وقفتِ على ضَنى جَسَدي / لوقفتِ باكيةً على رسمِ
ورأيتِ أضداداً أذوبُ بها / حُرَقاً تُشَبّ وأدمعاً تهمي
وبنفسيَ الخودُ التي برِئَتْ / في قتلها نفسي من الإِثمِ
لمياءُ تبسمُ عن مُؤشَّرَةٍ / تجلو الظلامَ ببارِقِ الظَّلمِ
وتخوضُ من سَفَهِ الصِّبا مُلَحاً / فتحلّ منك معاقدَ الحِلْمِ
مَرَّتْ تميسُ فقلتُ هَل سَكرَتْ / من ريقها بسُلافةِ الكرْمِ
كَمُنَعَّمِ الأطرافِ بَلّلَهُ / شَرَقُ النسيم بريقِهِ الوَسْمي
وليلٍ رَسَبْنا في عُبابِ ظَلامِهِ
وليلٍ رَسَبْنا في عُبابِ ظَلامِهِ / إِلى أَن طفا للصُّبح في أُفْقهِ نجمُ
كأنّ الثريّا فيه سَبْعُ جواهرٍ / فواصلُها جَزْعٌ به فُصّلَ النظمُ
وتحسبها من عسكر الشهب سُرْبةً / عمائمهمْ بيضٌ وخيلهمُ دُهمُ
كأنّ السُّها مضنىً أتاه بنعشهِ / بَنوه وظنُّوا أن موْتَتَهُ حَتْمُ
كأنّ انصداعَ الفجر نارٌ يُرَى لها / وراء حجابٍ حالكٍ نَفَسٌ يسمو
وتحسبهُ طفلاً من الرّومِ طَرّقَتْ / به من بناتِ الزنج قائمةً أُمّ
أأُعْلِمَ في أحشائِها أنّ عُمْرَهُ / لدى وضعْهِ يومٌ فشيّبه الوهمُ
وذَرّتْ لنا شمسُ النّهارِ مذيبّةً / على الأرض روحاً في السماءِ له جسم
أرسلتُ طَرْفي يقتضي طرفَها
أرسلتُ طَرْفي يقتضي طرفَها / وَعْداً به أُبرئُ أسقامي
فعاد عنه للحشا جارحاً / كرَجْعَةِ السهمِ إلى الرّامي
فقاتلي طرفيَ لا طَرْفُهَا / والجَفْنُ من جرحِ الحشا دامِ
وطيّبةِ الأنفاسِ تحسبُ وصلها
وطيّبةِ الأنفاسِ تحسبُ وصلها / وَمَنْ واصلته جَنّةَ المتَنَعِّمِ
تفَتّحَ وردُ الخدّ في غُصنِ قدّها / وَنَوّرَ فيه أقحوان التبسمِ
كَأَنَّ استِماعَ اللَّفظ منها تَعَلُّلٌ / بلذّة راحٍ واقتراحِ ترنُّمِ
تُحدّثُني بالسرِّ في ثِنْيِ ساعدي / فيسمعُ نجوى السرّ من فمها فمي
إذا ما الثريّا رَحَّلَ الليلُ شمله / لها في يَدِ الإصباحِ باقةُ أنجمِ
وجدتَ ثناياها العِذابَ كأنّما / تُعَلّ بمسكٍ في رحيقٍ مُختَّمِ
بِحُكمِ زمانٍ يا لهُ كيفَ يحكمُ
بِحُكمِ زمانٍ يا لهُ كيفَ يحكمُ / يُحرّمُ أوطاناً علينا فَتَحْرُمُ
لقد أركبتني غربةُ البين غربةً / إلى اليوم عن رسم الحمى بيَ تَرسُمُ
إِذا كُلَّ عني من سَنَا الصبح أشْهَبٌ / تناول حَمْلي من دُجَى الليل أدهمُ
وتحسبُهُ يرتاضُ في غَرْسِ حمله / وَيُسْرَجُ فيه كلاماً للركوب ويُلجَمُ
لِكُلِّ زَمانٍ واعظٌ وعظه كما / يخط كلاماً بالإِشارة أَبكمُ
وحادٍ رَمى بالعيسِ كلّ مُضِلّةٍ / كأنّ عليه مَجْهَلَ الفيح مَعْلَمُ
وَقَد نَحَرَتْ في كلِّ شَرقٍ ومغربٍ / عليها نُحورَ البيد في العزم أسْهُمُ
وَأَوجفَ حَولَيها الكماةُ ضوامراً / فَلا سنُنْبُكٌ إلّا يَساريه مِنْسَمُ
فمن راكبٍ يأتي به الخصبَ بازلٌ / وَمِن فَارسٍ يَصْلَى بِهِ الحربَ شَيظمُ
فإن تُسرِ في ليلٍ وجيشٍ فإنّها / سفائنُ برٍّ بينَ بحرينِ عُوَّمُ
وصِيدٍ يصيدون الفوارسَ بالقنا / إذا نَكَلَ الأبطالُ في الرّوْعِ أقدموا
ويستطعمون السّمر والبيضَ إنّها / نيوبٌ وأظفار بها الأُسْد تَطْعَمُ
دعَتهُم بُروقٌ بالأَكُفِّ مشيرةً / إِلَيهم وعينٌ عَرْفُهَا يتنَسَّمُ
عصَا شملهم شُقّتْ فشرّق مُنجدٌ / إلى طيّةٍ منهم وغَرّبَ مُتْهِمُ
وما قَدَّ قَدُّ السير بالطُّول سَيْرَهم / وَلكنَّما المُنقَدُّ قَلبي المتَيَّمُ
طَوَى البعدُ عنّا فانطَوَينا عَلى الجَوى / نواعمَ تُشْقي بالنعيمِ وتنعَمُ
دَعُونا نُسايِر حادِياً قادَ نحوها / مسامعَنا منه الحداءُ المُنَغَّمُ
فَما هَذِهِ الأَحداجُ إِلّا قُلوبنا / حَبائِبُنا فيها سَرائِرُ تُكْتَمُ
بِنَفسِيَ من حورِ المها غادَةٌ لَها / فمٌ عن شديدِ الخوف بالصمتِ مُلجَمُ
يَنِمُّ عَلَيها طيبُ رَيّا كَلامها / فَيَدري غيورٌ أَنَّها تَتَكلَّمُ
أُرَجِّعُ بِالشَّوقِ الحنينَ وَإنّما / يهيجُ حنيني عَوْدُها حين يُرْزِمُ
قد سَفَرَتْ في تُوضَحٍ فَتَوضّحَتْ / مسالكهُ للسفرِ واللَّيلُ مظلِمُ
مَرَّتْ على سِقْطِ اللّوى فَتَساقَطَتْ / دموعٌ عليها دُرّها لا ينظَّمُ
وَقَد ضَرّجتْ ثَوبي لدى عينِ ضارجٍ / عليّ جفونٌ ماؤها بالأَسى دَمُ
مَعاهِدُ ما زالَ امرؤ القَيسِ بينها / يُعبّرُ عن عَهْدِ الهوى ويُتَرجِمُ
تَوَهّمْتُها حُلْماً بها فذكرتها / وقد يذكر الإِنسانُ ما يَتَوَهّمُ
وإني لآوي من زمانٍ لبستُهُ / إلى ذِكَرٍ تأسو فؤادي وَتَكْلمُ
ليالِيَ تَسبي اللبّ مِنهُ سَبيئَةٌ / تناولها من كافِرِ القلبِ مُسلِمُ
سُلافَةُ كَرمٍ لَيسَ يَسخو بِمِثلِها / لِغَيرِ فَتى تَحْظَى لدَيه وَتُكْرَمُ
يُطافُ بها في حُمْرَةِ الوردِ جوهراً / له عَرَضٌ وهو السرُورُ المُحرَّمُ
يسيغُ فمي في شِدَّةِ السكر صِرْفَها / وما فَرحةٌ في السَّمعِ إِلّا التَرنُّمُ
فَلِلَّهِ عمرٌ مَرَّ بي فَكَأنّني / به في جنانِ الخُلْد قد كنت أحلُمُ
لياليَ روضُ العيشِ غضٌّ وماؤهُ / نميرٌ ومنقوضُ الشبيبةِ مُبْرَمُ
يا دارَ سلْمى لو رَدَدتِ السلامْ
يا دارَ سلْمى لو رَدَدتِ السلامْ / ما همّ فيك الحزْنُ بالمستهامْ
همودُ رسمٍ منكِ تحتَ البلى / مُحَرِّكٌ مِنِّي سكونَ الغَرَام
لمتُ عَلَيكِ الدَّهرَ في صَرْفِهِ / وقلتُ للأحداث صَمِّي صَمَام
وقَامَ في الخُبْرِ لِمُسْتَخْبِرٍ / سكوتُ مغناكِ مقامَ الكلام
يا بارِقَ الجَوِّ تَبَسَّمْ بِها / وابْكِ عَلَيها بِدُموعِ الغَمام
وَحَلّهَا بالنَّوْرِ من روضةٍ / تَفُضّ عن فأرَةِ مِسْكٍ خِتام
حَتّى أَرى عنها ظِباءَ الفلا / مُرَحَّلاتٍ بِظباءِ الخيام
مِن كُلِّ هَيفاءَ غُلاميّةٍ / مُلْتَبِسٌ بالغُصْنِ منها القَوَام
تُديرُ عَينَي رَشَإٍ فيهِما / من فَتْرَةِ الطرفِ شبيهُ السّقام
تروحُ والعنبرُ والعودُ في / ليلٍ من الفرعَ صقيلِ الظلام
تمنعُ أُخْتَ الشمسِ منها فماً / فيهِ أَخو الدّرِّ وَأُختُ المُدام
لو أنّ لي حكماً بربع الحمى / أعطيتُهُ من كلّ خطبٍ ذمام
حَتّى أَرى بِالوَصْلِ حَبْلَ الهوَى / لا يتُقّى بِالبَينِ مِنهُ انصِرام
رعى وَرَقُ البيضِ الذي زهرُهُ دَمُ
رعى وَرَقُ البيضِ الذي زهرُهُ دَمُ / بهم ورقاً عَن زهره الروضُ يبسمُ
جبابرةٌ في الرّوْع تعْدو جيادُهُمْ / بهمْ فوق ما سحّ الوشيج المُقوَّمُ
تنوءُ بهم في ذُبّلِ الخطِّ أنْجُمٌ / سحائبها نَقْعٌ وأمطارها دمُ
تَرَحّلُ من آجامها الأُسْدُ خيفةً / إذا نَزَلوا للرّعْيِ فيها وخَيّموا
ترى كل جوّ من قناهم وَنَقْعِهِمْ / يُكَوْكَبُ إن ساروا بهم وَيُعتّمُ
فِصاحٌ غَداةَ الرَّوعِ عَزَّ سُكوتُهم / وَأَلسِنَةُ الأَغمادِ عَنهُم تُتَرْجِمُ
كَأَنَّ بِأَيديهِمْ إِذا ضَرَبوا الطُّلى / عزائمَهُمْ لو أنّها تتجسّمُ
إذا ما استوى فِعْلُ المنايا وفعلُهُمْ / بأرواح أبطالِ الوَغى فهمُ همُ
أَعاريبُ أَلقَى في نَتيجاتِ حَيِّهِمْ / لَهُم أَعوَجٌ ما يوجِفونَ وَشَدْقَمُ
صَحِبتُهُمُ في موحِشِ الأرضِ مُقْفِرٍ / به الذئبُ يعوي والغزالةُ تبْغَمُ
سَقى اللَّهُ عَيناً عَذبَةَ الدَّمعِ أَن بَكَتْ / حظاراً بها للجسم قلبٌ مُتَيّمُ
بِلادٌ تُلاقيني الدّرارِيّ كُلَّما / طَلَعْنَ عَلَيها وهيَ عَنهُنَّ نُوّمُ
بِأَرضٍ يُميتُ الهَمَّ عَنكَ سُرورُها / ويمحو ذنوبَ البؤسِ فيها التنعّمُ
وكم لي بها من خلّ صدقٍ مساعدٍ / مُهينِ العطايا وهو للعرضِ مُكرِمُ
يَفيضُ على أيدي العفاةِ سماحةً / على أنّهُ من نَجْدةٍ يَتَضَرّمُ
إذا فرّتِ الأبطال كرّ وسيفُهُ / يُحِلّ بيمناهُ دمَ العلجِ محرمُ
يَموجُ بِهِ بَحرٌ كَأَنَّ حَبابَهُ / عَلَيهِ دِلاصٌ سَردُها مِنهُ محكمُ
وَنَحنُ بَنو الثَّغْرِ الَّذينَ ثُغُورُهُمْ / إذا عَبَسَتْ حربٌ لهم تَتَبَسّمُ
وَمِن حَلَبِ الأَوداجَ يُغْذى فَطيمنا / بحِجْرٍ من الهيجاءِ ساعةَ يُفْطَمُ
لَنا عَجُزُ الجَيشِ اللَّهامِ وَصَدْرُهُ / بِحَيثُ صدورُ السّمْرِ فينا تُحَطَّمُ
يضاعَفُ إن عُدّ الفوارسُ عَدُّنَا / كَأَنَّ الشُّجاعَ الفردَ فينا عَرمَرمُ
نؤخَّرُ للإقدامِ في كلّ ساقةٍ / تأخّرُ ما يلقى الحتوفَ تَقَدُّمُ
فإن كان للحرْبِ العوانِ مُعَوَّلٌ / عَلَينا فَما كُلُّ الكَواكِبِ تَرْجمُ
وتنسجُ يوم الرّوعِ من نسج جردنا / عَلَينا ملاءً بِالقشاعِمِ تَرقمُ
فَمِن كُلِّ مِقدامٍ على أعوجيّةٍ / بِكَرّاتِها طَيرُ المَلاحِمِ تلحمُ
وَطائِرةٍ بالذّمْرِ مِلء عَنانِها / لَها الفضلُ في شَأوِ البروقِ مُسلَّمُ
رَمَينا عداةَ اللَّه في عُقْرِ دَارِهم / بعاديةٍ في غمرةِ الموتِ تُقْحَمُ
تَعومُ بِها بينَ العُلُوجِ مُظِلّةً / كما حلّقَتْ فُتْخٌ على الجوّ حُوّمُ
فَمِن حاملٍ من غير فحلٍ يُنيخُها / إذا وَضَعتْ في ساحل الرّوم صَيْلَمُ
ومنسوبةٍ للحرب مُنْشَأةٍ لها / طوائرُ بالآسادِ في الماءِ عُوّمُ
كأنّ قسيّاً في مواخرها الّتي / يُفَوَّقُ منها في المقادم أَسهُمُ
وترسلُ نِفْطاً يركبُ الماءَ مُحْرِقاً / كمُهْلٍ به تَشْوي الوجوهَ جَهَنَّمُ
مدائنُ تغزو للعلوجِ مدائناً / فتفتحُ قسراً بالسيوف وتَغنَمُ
ومُتّخِذي قُمْص الحديد ملابساً / إذا نَكَلَ الأبطال في الحرب أقدموا
كأنّهم خاضُوا سراباً بِقِيعَةٍ / ترى للدّبا فيها عُيُوناً عَلَيهِمُ
صَبَرْنا لهمْ صَبْرَ الكرام ولم يَسُغْ / لَنا الشهدُ إلّا بعدما ساغَ علقمُ
فغادرَ أفواهاً بهم هبرُ ضربنا / نَواجِذُها من مُرهَفاتٍ تُثَلَّمُ
وَإِنَّ بِأَيدينا الحديدَ لَناطقٌ / إِذا ما غَدا في غَيرها وَهوَ أَبكَمُ
وَأَجنِحَةُ الراياتِ فينا خوافقٌ / كأنّ دَمَ الأبطال فيهنّ عَنْدَمُ
أَمِنْ أَبْرَقٍ بِالدارِ أَوْمَضَ بارقٌ / كَطَائِشِ كَفٍّ بِالبَنانِ يُسلّمُ
مَرَى مِن عُيونٍ سَاهِراتٍ مَدامِعاً / وكحّلَها بالنُّورِ والليلُ مظلمُ
فيا عَجبَا من زورةٍ زارَ طيفُها / جُفوناً من التهويمِ فيها تَوَهّمُ
أَلمّ بساقي عبرةٍ حدَّ قفرة / بِمِنْسَمِ حرفٍ كلَّما بُلّ يُلْطَمُ
وأهدَى أريجاً من شذاها ودونها / لمقتحم الأهوال سَهْبٌ وَخِضرمُ
وَلِلصُّبحِ نورٌ في الظلامِ كَما اكتَسى / حَميماً بِطولِ الركضِ في الصدرِ أَدهَمُ
أَحِنُّ إِلى أَرضي الَّتي في تُرابِها / مفاصلُ من أهْلي بَلِينَ وأعظُمُ
كما حنّ في قَيْدِ الدجى بمُضِلّةٍ / إلى وَطَنٍ عَوْدٌ من الشوق يُرْزِمُ
وقد صَفِرتْ كفَّايَ من رَيّقِ الصبا / ومنّيَ ملآنٌ بذكرِ الصّبا فمُ
بني الثّغرِ لستمْ في الوَغى من بني أمي
بني الثّغرِ لستمْ في الوَغى من بني أمي / إذا لم أصُل بالعُرْبِ منكم على العُجمِ
دعوا النومَ إني خائفٌ أنْ تَدوسَكمْ / دواهٍ وأنتمْ في الأماني مع الحُلمِ
وكأسٍ بأُمّ الموْتِ يَسعى مُديرُهَا / إلى أهلِ كأسٍ حَثها بابنةِ الكرم
فَرُدّوا وجوهَ الخيلِ نحو كريهةٍ / مُصرّحةٍ في الرّوم بالثّكلِ واليُتْمِ
تُهِيلُ من النقع المحلّق بالضحى / على الشمسِ ما هالتْهُ ليلاً على النجمِ
وَصُولوا ببيضٍ في العَجاج كأنّها / بُرُوقٌ بضربِ الهام محمَرّةُ السّجْمِ
ولا عَدِمَتْ في سلّها من غمودها / ظهوراً فقد تخفى الجداول بالرُّجمِ
وقرعُ الحسامِ الرأسَ من كلّ كافرٍ / أحبّ إلى سمعي من النّقْرِ في البمِّ
وَللَّه منكمْ كلّ ماضٍ كَعَضْبِهِ / يسيلُ إلى الهيجاءِ مُتّقِدِ العَزْمِ
يُحَدّثُ بالإقدامِ نفْساً كأنّما / يَطيرُ إلى الحربِ اشتياقاً عن السلمِ
ينيرُ عليه صَبْرَهُ وهو نَشْرَةٌ / لتسريدها أمْنٌ من القَوْرِ والقَصْمِ
وَيَسطو بِمَحجوبِ الظباتِ إذا بدا / جَلا ما جَلا الإِصباحُ من ظلمةِ الظلمِ
له دَخْلَةٌ في الجسْم تُخْرِجُ نَفْسَهُ / قُبَيْلَ خروج الحدّ منهُ عن الجسمِ
وما يُفتدَى منهُ بِلَحمٍ ولا دمٍ / ولكن بما في العظم بالبَرْيِ للعظمِ
ثبوتٌ إذا ما أقْبَلَ الموتُ فاغراً / يُرَدّد في الأسْماعِ جرْجرَةَ القَرْمِ
له عينُ ضرغامٍ هصورٍ فقلبُهُ / بِتصريفِ فِعْلِ الجهل منه على علمِ
وللَّهِ أرضٌ إن عدمتمْ هواءَها / فأهواؤكم في الأرض منثورةُ النّظمِ
وعزّكُمُ يُفْضي إلى الذلّ والنّوَى / من البينِ تَرْمي الشملَ منكم بما ترمي
فإنّ بلادَ الناسِ ليستْ بلادَكُمْ / ولا جارُهَا والخِلمُ كالجارِ والخلمِ
أعَنْ أرضكمْ يغنيكمُ أرضُ غيركم / وكم خالةٍ جَدّاءَ لم تُغْنِ عن أمِّ
أخِلّي الذي وُدّي بوُدّ وَصَلْتَهُ / لديّ كما نِيطَ الوليّ إلى الوسمي
تَقَيّدْ من القطر العزيز بموطنٍ / وَمُتْ عند رَبْعٍ من ربوعكَ أو رسمِ
وإيّاكَ يَوماً أن تُجّربَ غُرْبةً / فلن يستجيزَ العقلُ تجربةَ السَّمِّ
دَمُ الكرمِ في الكاس أم عَنْدمُ
دَمُ الكرمِ في الكاس أم عَنْدمُ / به تُخْضَبُ الكفّ والمِعْصَمُ
أصفراءُ يَبْيَضّ منها الحباب / أمِ الشمسُ عن أنجمٍ تبسِمُ
وتلك شقيقةُ روحِ الفتى / إذا وُجِدَتْ فالأسَى يُعْدَمُ
تُلامُ على شُرْبِ مشمولةٍ / ولم يدرِ ما سرّها اللّوَّمُ
خبيئةُ دنّ سناها المنيرُ / محيطٌ به قارها المظلمُ
وَقَد كَثُر القولُ في عمرها / ولم يُدْرَ عاصرُها الأزلمُ
يقهقهُ في الصبّ إبريقُها / كما هَدَرَ البازلُ المُقْرَمُ
إذا انبعثتْ منه قال النّديم / أَيَنسابُ من فَمِهِ أَرقَمُ
يبيتُ لها سَهَرٌ في العروقِ / وأعينُ شُرّابِها نُوّمُ
كَأَنَّ لها فيْ خَفِيّ الدّبيبِ / نمالاً مساكِنُها الأعظُمُ
يطوفُ بها رشأ أحْوَرٌ / لمقلتهِ الليثُ مُستسلمُ
وتلحظُ بالسحرِ منه الجفونُ / ويلفظُ بالدّرّ منه الفمُ
بفَوّاحَةِ الزّهْرِ مُخْضَلّةٍ / تُجادُ معَ الصّبْحِ أو تُرْهُمُ
كأنّ لها في طباقِ الثّرى / بأيدي الحيا حُللاً تُرْقَمُ
على شدواتِ طيورٍ فصاحٍ / على أنّ أفْصَحَها أعْجَمُ
لهنّ أعاريضُ عند الخليل / مُهْمَلَةُ الوزنِ لا تُعْلَمُ
ترجِّعُ فيها ضروبَ اللحونِ / فَتُطْرِبُنا وَهْيَ لا تفهمُ
هُبّوا فقد رَحّلَ الدّجى ظُلَمَهْ
هُبّوا فقد رَحّلَ الدّجى ظُلَمَهْ / وأقبلَ الصّبحُ رافعاً عَلَمَهْ
كزَاحفٍ أقبلتْ كتائبُهُ / هازِمةً في اتباع مُنْهزِمه
كأنّ في كفّه حسامَ سناً / ما مسّ من حندس به حَسَمَه
كأنّ ليثَ النجوم ريعَ بهِ / فهو من الغرب داخلٌ أجمه
ونفحةُ الزّهر شمُّها عَبِقٌ / وريقةُ الماء بالصَّبا شَبِمَه
ومَعْبَدُ الطير وهو بلبُلها / مُرَجِّعٌ في غصينه نَغَمَه
كأنّما الليلُ أدهمٌ رَفَعَتْ / عن غُرّةِ الصّبْح راحةٌ غُمَمَه
كأنّما الشمسُ جمرةٌ جَعَلَتْ / تحرقُ من كلّ ظلمة حممَه
خُذوا من الكَرْمِ شَرْبةً وَصَفَتْ / للشَّربِ ريّا نَسِيمُها كَتَمَه
كأنّما الدّهرُ في تصرفهِ / أودَعَ في الطولِ عمرها قِدَمَه
تريكَ ياقوتةً مُنَعَّمَةً / عن لؤلؤٍ في الزّجاجِ مُبْتسِمه
كأنّما للمُنى بها شَفَةٌ / فَهْيَ بكلّ الشفاهِ مُلْتَثَمه
فالعيشُ في شربها مُعَتَّقةٌ / بسكرها في العقول محتكمه
على غناءٍ بعودِ غانيَةٍ / يُجْري عليها بنانُها عَنَمه
لسانُ مضرابِها ترَى يَدَها / له فماً ليتني لثمتُ فَمَه
وشادِنٍ في جفونه سَقَمٌ / كأنّني عنه حاملٌ ألمَه
ودّعنا في سلامِهِ عَجِلاً / ففرّقَ الشملَ عندما نَظَمه
كانت وقوفاً بنا زيارتُهُ / كوَاضِعٍ فوق جمرَةٍ قَدمَه
كأنّ ليلَ الوصالِ من قِصَرٍ / في فَلَقِ الصبحِ أدْغمَ العَتَمَهْ
وكأسِ نشوانَ فيها الشمسُ بازغةٌ
وكأسِ نشوانَ فيها الشمسُ بازغةٌ / باتت تديمُ إلى الإصباحِ لثَمَ فَمِه
تخفّ مَلأى وتعطي الثقلَ فارغةً / كالجسم عند وجود الروح أو عدَمِه
وصاحبٍ بصِحّةٍ بلا سَقَمْ
وصاحبٍ بصِحّةٍ بلا سَقَمْ / مُساعدٍ في كلّ أمْرٍ لا يُذَمْ
يقولُ في لا لا وفي نعم نعم / لا ناكبٌ عن فتية ولا برِمْ
مقلّبُ القلبِ لهمّ في الهِمَمْ / يَحِلّ عنكَ بِالغِنى عَنِ العَدم
يحرمُ بالسيف الخطوبَ لا تلم / مجوهرٌ سيفُ عُلاهُ بالكرم
مُهَذّبٌ في كلّ علم للأمم / كأنّما شيمتُهُ خمر الشيم
يحيي السرورَ ويميت كلّ همْ / نادمتُ منه سيّداً بلا نَدَمْ
من عنب سقانيه عتم / مدامةً زادتْ على عُمْرِ القدم
يحملُ من موجودها الكأس عُدَم / زجاجهُا الصافي عليها لا يَنِمْ
إلا بوصفٍ أو بذوقٍ أو بشمْ / في ليلةٍ مَرّتْ كَزَوْرَةِ الحلم
كأنّما الأنجمُ منها في الظُّلَمْ / أوجُهُ رومٍ يسبحونَ في خِضَمْ
حتى إذا ما عُمُرُ الليلِ انْصرم / وفرّ من نورِ الصّباح وانهزَمْ
كَعابِسٍ في حَنَقٍ من مبتسم / قمت لصيد الطير في قَرَا أحَمْ
كالليل إلا قبلة الصبح بفم / بحرٌ عليه بالعنانِ قد ختم
بباشقٍ متَّقِدِ العينِ قَرِمْ / ذي مخلبٍ مُعَوّجٍ لم يستقم
مثلِ هلالٍ طالعٍ مع العَتَمْ / عند انعطافٍ لا اسودادٍ مدلهم
أقنى مُعَرّىً أنفُهُ من الشّمَم / مُصَمَّمٌ على الطيور مقتحم
والطيرُ منها جبناءٌ وبُهَمْ / حتى إذا قَلّبَ عيناً كالضّرَمْ
صادقةً طرفتُها لا تُتّهَمْ / وأبصر الفُرْجةَ همَّ فاعتزم
كالليثِ قد أوفى على سرب النَّعَمْ / في روضةٍ أطيارها ذاتُ نغم
كما تَغَنّتْ فِرَقٌ من العَجَم / قامَ الرّبيع عندها على قدم
فاتحةً أعينَ زهرٍ لم تنم / تجول فيها كمدامع الرَّهَم
ففارَقَ الكفَّ إلى الصّيد فَشِمْ / خاطفَ برقٍ في غمامٍ مرتكم
ما فاتكٌ غادَرَها في المُقْتَحَمْ / فوارساً تلا أيدي الخدم
وعاوَدَ الكفَّ وفيّاً بالذممِ / بِمِنْسَرٍ يسمحُ عنه فَضْلَ دم
مسحك ميَّاع المداد بالقلم /
قلتُ والنّاس يرقبون هلالاً
قلتُ والنّاس يرقبون هلالاً / يشبه الصبّ من نحافةِ جِسْمِه
من يكنْ صائماً فذا رمضانٌ / خَطّ بالنّور للوَرى أوّلَ اسمِه
وأدْهَمَ يَنهَبُ عُرْضَ المدَى
وأدْهَمَ يَنهَبُ عُرْضَ المدَى / ويجري به كلّ عِرْقٍ كريم
بعيني عقابٍ وشِدْقَي غرابٍ / وأرساغ جأبٍ وساقَيْ ظليم
كأن البروقَ على جِسمِه / مَدَاوِسُ تصْقُلُ منه أديم
وتحسبُ غُرّةَ صبحٍ منيرٍ / بَدَتْ منه وَجْهِ ليلٍ بهيم
أبا هاشم هشّمتني الشفار
أبا هاشم هشّمتني الشفار / فَللَّه صبري لذاك الأوار
ذكرت شخيصك ما بينها / فلم يدعني حبّه للفرار
ليهنئ بني الإسلام أنْ أبْتَ سالما / وغادَرْتَ أنْفَ الكفرِ بالذلّ راغما
كشفتَ كروباً عن قلوبٍ كأنّما / وَضَعْتَ عَلَيْها من هواك خواتما
صبرتَ لحرّ الطعن والضربِ ذائداً / عن الدين واستصغرتَ فيه العظائما
تفسّحْتَ في صدرٍ رَحيبٍ بحيثُ لا / يلاقيك فيه القِرْنُ إلا مُصَادِما
رحمناكَ من وَقْعِ الصوارم والقَنَا / فكانَ لنا في حفظك اللّهُ راحما
وكم شَجّةٍ في حُرّ وجهك لم يَزَلْ / لك الحسنُ منها بالشجاعة واسما
أجَبْتَ الهُدى لمّا دعاكَ لِنَصْرِهِ / وجَرّدْتَ عزْماً إذ تَقَلّدتَ صارما
بجيشٍ تثيرُ الجردُ فيه قساطلاً / تريكَ بها وَجْهَ الغزالةِ قائما
إذا بَرَقَتْ فيه الأسنّةُ خِلْتَها / كواكبَ تجلو في السُّكاكِ غمائما
غدَتْ خلفَهُ وَحْشُ العراءِ عواسلاً / وَمِنْ فوْقِهِ طيرُ الهواءِ حوائما
كأنّ عُقابَ الجوّ هَزّتْ خوافياً / حواليكَ منه للوغى وَقَوَادِما
كأنّ زعيم الرّومِ وَيْلٌ لنفسه / أثارَ عليهِ مِنْكَ ليثاً ضُبارما
نَقَمْتَ على من آسفوك بيوسفٍ / وما زلتَ ممن خالفَ الحقّ ناقما
وآذنت عُمّار القفار بحربهم / فيا قُرْبَ ما شَقّوا إليك الخضارما
بنو الحرب غذّتْهم لَبَانَ ثُدِيّها / ولم يستطيبوا منه إلا العَلاقما
يَحُثّونَ للهَيْجاء جُرْداً سلاهباً / وَيُنْضُونَ في البيداءِ بُزلاً صَلادِما
إذا طَعَنوا بالسهريّةَ خِلْتَهُم / ضراغمَ تُغْري بالقلوب أراقما
وإن كرّ منهم ذو لثامٍ مُصَمِّمٌ / غدا لفم الهيجاء بالسيف لائما
ولما التقى بالرّوم طارتَ قلوبُهُمْ / كأنْ لم تكنْ أوكارهُنّ الحيازما
كأنّكَ حرّمْتَ الحياة عليهمُ / غداةَ الوغى لما استحلّوا المحارما
فلم تَبقَ من أهل الضّلالِ بَقِيّةٌ / لقد عادتِ الأعراسُ فيهم مآتما
جعلتَ ثيابَ المشرفيّةِ منهم / دماءً وتيجانَ الرماح جماجما
فلا عجبٌ أن قَدّتِ البيضُ هامَهُمْ / فتلك حروفُ اللين لاقتْ جوازما
أرى الفُنْشَ ولّى يومَ لاقى فوارساً / مَغافرُهُمْ لاثُوا عليها العمائما
يلومُ صليبَ العود وهو يلومه / ومن يَغْوَ لا يَعْدَمْ على الغيّ لائما
نَوى خدعةً في الحرب والحرب خَدعةٌ / فأدْبَرَ مهزوماً وقد كان هازما
ومعتادةٍ أكْلَ الكماةِ جيوشها / أعاربُ تدعو للنّزال أعاجما
إذا اختصموا في اللّه كانت قضاتُهُمْ / قواضبَ تَقْضي بينهم ولهاذما
علوجٌ حَشَوْا في الكفر بالغيظ أعيناً / وقد ملؤوا منها قلوباً سخائما
أفاضوا من الماذيّ ماءً عليهمُ / ليطفئ عنهمْ من لظى الحرب جاحما
أدَرْتَ رحاها دَوْرَةً عَرَبِيّةً / تَرَكتَ عظامَ الروم فيها هشائما
كأنّ كراتٍ وَهْيَ هامُهُمُ غَدَتْ / صوالجها بيضاً تحزّ الغلاصما
وأيدٍ بنت في القفر منها صوامعاً / وكانت لها بالمرهفات هوادما
علاهُنّ للتأذين كلّ مُكَبّرٍ / تكادُ له كفٌّ تَمَسّ الغمائما
وتحسبُها في كلّ بيداءَ عُنْصُلاً / تَرَى ناثراً فيها لهنّ وناظما
لواؤك نادى للقِرى من لحومهم / خوامعْ من آفاقها وَقَشاعِماً
كأنّ عُفاةً منهما يَوْمَ أقْبَلَتْ / بذَلْتَ لها قَتْلَ العلوجِ مكارماً
هناك ثنيتَ الكفرَ خزيانَ باكياً / نعم ورددت الدينَ جذلانَ باسما
حلمتمْ مراجيحاً وَجُدْتُمْ أكارماً / وسدتمْ بهاليلاً وصلتمْ ضراغما
سكنتمْ قلوبَ العارفينَ محبّةً / كما سكنَ الزهرُ الذكيّ الكمائما
نَذرْتُ نذوراً فاقتضاني قضاءها / إيابُكَ من يوْمِ العروبة سالما
ولمّا وجدتُ الوفرَ أعوزَ راحتي / سجدتُ لربّي ثمّ أصبحْتُ صائما
يا رسولي الذي يُحدّثُ سمعي
يا رسولي الذي يُحدّثُ سمعي / بحديثين من شفائي وسقمي
بلّغِ الشمسَ أنّني لا أراها / يَوْمَ صَحْوٍ حتى أرى وَجْهَ نُعْمِ
قالت الشمس صفْ لنا خَلْق شمس / هِمْتَ وَجْداً بها فضُوعِفَ همي
قلتُ والله فيه أحسنُ تقوي / مٍ فهذا في الوصفِ مبلغُ علمي
غادةٌ أكثرت خلافي فكانتْ / نارَ حربٍ وكنتُ جنّةَ سلمِ
وهي لمياءُ تمنعُ الريقَ صوناً / وتروّي السواكَ منه برغمي
أيّ دُرٍّ من العقيق عليه / خاتَمٌ لا يُفكّ عنه بلثمِ
أكسبتني جفونُها من سقامٍ / عرَضاً ضاق عنه جَوْهَرُ جسمي
يا قتولاً أرى لها في نضالي / حدّ سهمٍ مثلّماً حَدّ سَهْمي
أدْرَكَ النارَ ناظرٌ لكِ مُرْدٍ / من له ناظرٌ لخدّك مُدْمي
أقولُ لِبَرْقٍ شِمْتُهُ في غَمامِهِ
أقولُ لِبَرْقٍ شِمْتُهُ في غَمامِهِ / أشامَكَ من أشْبَهْتَ حُسن ابتسامهِ
وهلْ بتّ منْهُ مُستعيراً أناملاً / تشيرُ إلينا حُمْرها بسلامهِ
وكيفَ يشيمُ البرقَ مَنْ باتَ جَفنُهُ / إلى الصبح مكحولاً بطولِ منامهِ
أمَنْ بَرَدَتْ أنْفاسُهُ من سُلُوّهِ / كمَنْ حَمِيَتْ أحشاؤهُ من غرَامهِ
غزالٌ سقيمُ الطّرْفِ أفْنيتُ صحّتي / ولم تغنِ شيئاً في عِلاجِ سقامهِ
وغضْنٌ ذبولي في الهوى باخضرَارِهِ / وبدرٌ محاقي بالضّنا من تَمامهِ
ولوْ شئتُ عَقْدَ الخصرِ منه لحضّني / عليه تَشَنّي خيزرانِ قوامهِ
يصدّ بوردٍ فوقَ خدٍّ كأنّهُ / يقبّلُهُ صدغٌ بِعَطْفَةِ لامهِ
وَمُسْتَوْطنٍ كُورَ النّجيبِ بعزْمهِ / فَرِحْلَتُهُ في ظهرِهِ بمُقامهِ
تَزَاحم هِمّاتُ العُلا في فُؤادِهِ / وَغُرّ المَعَاني في فَصيحِ كلامِهِ
وفي المَيْسِ مَيّاسٌ بإيجافِ سَيْرِهِ / رَجُومٌ بأجواز الفلا بِلُغامهِ
إذا ثارَ صكَّ الصّدْرَ بالخفّ شِرّةً / وطارَ به في القفْرِ وَحْيُ زِمامِهِ
فما زَال سَهبُ الأرْض قوتاً لأرْضِهِ / ولا انفكّ قوتُ الرّحل شحمَ سنامهِ
وأعْمَلتُهُ بَدْراً ولكنْ رَدَدْتُهُ / هلالاً مشى فيه مُحاقُ المَهامِهِ
وَمَرْتٍ يَطولُ سَفْرَهُ بِنفَاذِهِ / أُتيحَ لهُ مُستَنجِدٌ باعْتزامِهِ
إذا صرْصرُ الأرواحِ أغْشَتْهُ صَرَّها / شَوَى الوجْهَ منها حرُّهُ باحْتدامِهِ
يبلّ صَدى الأرْماق في القيظِ رَكبُهُ / بمُلْتَقَطٍ يثْني القَطَا عن جمامِهِ
تُمزِّقُ عنه الكفُّ جلبابَ عَرْمَضٍ / فيبدو كنورِ الصّبْح تحتَ ظلامِهِ
وَجَدْتُ الحلمَ ينصرني على مَنْ
وَجَدْتُ الحلمَ ينصرني على مَنْ / أسُلّ لحربه ظُبةَ الحُسامِ
ولي كَلِمٌ كأنّ اللّفْظَ منها / يَرُشّ السمعَ منه بالسّهامِ
ولكنّي أكفكفها بِحِلْمٍ / يُلاثُ البُرْدُ منه على شمامِ
ولستُ أُعيدُ من حَنَقٍ عليه / مخاطبةً لتجديد الخصامِ
ويقصرُ في الحقيقة كلُّ شيءٍ / ثَنَيْتَ جمِيعَهُ غَيْرَ الكَلامِ
شَدَدْتُ على صَدْرِ الزّماعِ حِزَامي
شَدَدْتُ على صَدْرِ الزّماعِ حِزَامي / وَجَرَّدْتُ من عزْمي شقيقَ حُسامي
وقمتُ نهوض العَوْدِ حُلّ عِقالُهُ / فأقعدَني المقدورُ عند قيامي
إذا صاحَ بي أمرٌ من اللّه صيحةً / رجعتُ ورائي والحبيبُ أمامي
وكيفَ أرى لي قصْد وجهي إليكمُ / إذا كانَ في كفّ القضاءِ زمامي
وما هي إلا غربةٌ مُسْتمرّةٌ / أرى الشيخَ فيها بَعْدَ سِنّ غلامِ
كأنّ قذالي بالقتير مُعَوَّضٌ / قبيلةَ سامٍ منْ قبيلةِ حامِ
وما شيّبَ الإنسانَ مثلُ تَغَرّبٍ / يَمُرّ عليه اليومُ منه كَعامِ
وهل رحتُ إلا طالباً بالنوى عُلاً / كأنّي منها للنّجوم مُسامِ
وإنّي لَسَهْمٌ في نفاذي وليتني / يُهدّبُ بي دارَ الأحبّةِ رامِ
أبا الحسن اسمعْ عذرةً قد بعثتُها / فلا زلتَ في عزّ قرين دوامِ
إذا لم تُطِقْ عن أرض قوْمٍ ترَحَّلاً / فرزقك ما استوعبته بمقامِ
وأعربتَ عن نفسٍ إليّ مشوقةٍ / كأنّ كلاماً منك طيّ كلامِ
أتاني كتابٌ منك نَمّقْتَ خطّهُ / كما دبّجَ الروضَ انسجامُ غمامِ
تناولتُهُ من كفّ مُهْدٍ كأنّما / بَرَدْتُ بعذبِ الماء حَرَّ أُوامِ
مَشَى في ضميري بالسرور كما مشَى / صَلاحُ شفاءٍ في فَسادِ سَقامِ
كأنّ كتابي باليمين أخذتُهُ / وقيل ليَ ادخلُ جنّةً بسلامِ
فلا تحسبوني قدْ تَسَلّيتُ عنكم / بطيبِ سَماعٍ أو بكأسِ مُدامِ
ولا ضحكتْ منّي وهل ضحكتْ وما / وضعتُ على فَضّ الدموعِ ختامي
متى كنتُ مختاراً على الوَصْل فُرْقةً / تُطيلُ إلى وِرْدِ اللقاءِ هيامي
ولا تحسبوني خائفاً قَطْعَ مَهْمَهٍ / يدومُ وأخفافُ المطيّ دوامِ
تَنَفّسَ منه الحرُّ في حُرّ وجنتي / تَنَفُّسَ قَيْنٍ في صقيلِ حسامِ
ولا ساكناً في ليلةٍ مُدْلَهِمَّةٍ / سَرَى ركبُها فيها اصطلاءَ ظلامِ
إذا ما رغا في الجوّ فحلُ سحابها / حَكى الثلجُ من شدقيه جَعْدَ لغامِ
ألمْ أُركبِ النّفْسَ اشتياقاً إليكمُ / غواربَ مخضرّ الغواربِ طامِ
ألم أكُ في الغَرْقى مُشيراً براحتي / فلم أنجُ إلا من لقاءِ حِمامي
ألم أفقدِ الشمسَ التي كان ضوءُها / يُجَلّي عن الأجفانِ كلّ ظلامِ
طمعتُ بهذا كلّه في لقائكمْ / لِتَغْرَمَ نَفْسٌ أُتْلِفَتْ بغرامِ
بقيّةَ أحبابي الذين حَوَتْهُمُ / مضاجعُ لم يُضْجَعْ بها لمنامِ
أخذتُ ذمامي مِنْ زماني عليكمُ / فما كان إلا غادراً بذمامي
تَفرّقتُمُ في البينِ في كلّ وُجْهَةٍ / نثيرَ جُمانٍ في انقطاعِ نظامِ
فَحزبٌ يكفُّ الدهرُ عنهُ عزيمَتي / وحزبٌ تردّ الرومُ عنهُ مَرامي
سأُعْطي بشيراً قال لي قد تجمّعوا / ثوابَ صلاتي طائعاً وصيامي
وأرْقُبُ يوماً فيهِ بالوَصْلِ تَلتقي / سجامُ دموعٍ بيننا بسِجامِ
متى آتكم يُنشَرْ لكم من ضريحه / دفينُ اغترابٍ لا دفينُ رغامِ
خلعتُ على بُنيّاتِ الكرومِ
خلعتُ على بُنيّاتِ الكرومِ / محاسنَ ما خُلِعْنَ على الرسومِ
أخذتُ بمذهب الحكَميّ فيها / وكيفَ أميلُ عن غرَض الحكيمِ
وما فضلُ الطلول على شَمُولٍ / تمجّ المسك في نَفَس النسيمِ
يُجدَّدُ حبّها في كلّ قلبٍ / إذا صقلتْهُ من صدئ الهمومِ
وكنتُ على قديم الدهر أصبو / إلى اللّذّاتِ بالقصر القديمِ
تُرَدّ إذا ظمئت عليّ كأسي / كما رُدّ اللبان على الفطيمِ
وما استنطقْتُ من طَلَلٍ صَموتٍ / كأنّ له إشاراتِ الكليمِ
بل استنطقْتُ بالنّغماتِ عوداً / تَنَبّهَ مُطْرِباً في حجر ريمِ
وربّ منيمةِ الندماءِ سُكْراً / نفيتُ بها المنامَ عن النديمِ
فقامَ ومُقْلةُ الإصباحِ فيها / بقيَّةُ إثمدِ الليلِ البهيمِ
كأنّ الصبحَ معترضاً دجاهُ / خصيمٌ يستطيلُ على خصيمِ
كأنّ الشرق في هذا وهذا / مَصَفٌّ فيه زَنْجيّ ورومي
وليلٍ شُقّ فيه ضياءُ صُبْحٍ / كأدهمَ في إغارتهِ لطيمِ
قطعنا تحت غيهبه عَراءً / بعاريةِ العظامِ من اللحومِ
وداميَةً مناسِمُها رَسَمْنا / لها قَطْعَ المهامِهِ بالرّسيمِ
وَطُفْنا في البلاد طوافَ قَوْمٍ / يريح نفوسهمْ تَعَبُ الجسومِ
وفي مغنى ابنِ عبّادٍ حَلَلْنا / وقد نِلنا المنى عند العَزيمِ
بحيثُ يَغضّ أبصاراً ملوكٌ / تُعظِّمُ هيبةَ الملك العظيمِ
تُنَظَّمُ في مراتبِهِ المعالي / فتحسبُها نجوماً للنّجومِ
وتهمي من أنامِلِهِ العَطايا / فتحسبُها غيوماً للغيومِ
وتصدُرُ عن ندى يده الأماني / إذا وردتهُ هِيماً غير هيمِ
إذا نسيَ الكرامُ أنابَ ذكراً / يسافرُ في فمِ الزّمنِ المقيمِ
تناجيه فراسةُ ناظرَيهِ / بما في مُضْمَرِ القلبِ الكتومِ
فيا ابنَ الصّيد من لخْمٍ ولخمٌ / بدورُ مطالع الحسبِ الصميمِ
إذا جادوا فأنواءُ العطايا / وإن حلموا فأطوادُ الحلومِ
وأحرَمَ في يمينك مَشْرَفيّ / أدَمْتَ ببذلِهِ صَوْنَ الحريمِ
ومُعتَرَكٍ تَلَقّى الفنشُ فيه / غريماً مهلكاً نَفْسَ الغريمِ
تَسَتّرَ بالظلامِ وفرّ خوفاً / برَوْعٍ شَقّ سامعتي ظليمِ
وذاقَ بيوسفٍ ذي البأس بُؤساً / فمرّرَ عنده حلوَ النّعيمِ
وقد نهشتْهُ حيّاتُ العوالي / سلوا الليلَ السليمَ عن السليمِ
ثنى توحيدُكَ التثليثَ منه / يَعَضّ على يَدَيْ فَزِعٍ كظيمِ
رآك وأنتَ مبتسمٌ كضارٍ / تثاءَبَ عن نواجذه شتيمِ
غداة أتى بصلبانٍ أضَلّتْ / علوجاً أبْرَموا كَيْدَ البريمِ
كأنّهمُ شياطينٌ ولكنْ / رميتَهُمُ بمحرقةِ النجومِ
علوجٌ قُمْصُ حَرْبهمُ حَدِيدٌ / يُعبِّرُ عنهمُ سَهَكُ النَّسيمِ
يَقودهمُ لحينهِمُ ظَلومٌ / لأنفسهمْ فوَيلٌ للظلومِ
رعى نَبْتَ الوشيج بهمْ فمادوا / وتلك عواقبُ المرعى الوخيمِ
وأوردهمْ حياضاً في المواضي / بماءِ الموتِ ساقٍ من جمومِ
ولما أنْ أتاكَ بقومِ عادٍ / أتَيْتَ بصرصرِ الريح العقيمِ
وقد ضرَّمتَ نارَ الحرب حتى / حَكَتْ زفراتُها قِطَعْ الجحيمِ
وثارَ بركضِ شُزَّبِها قَتامٌ / خَلَعْنَ به الصريمَ على الصريمِ
فثوبُ الجوّ مُغْبَرُّ الحواشي / ووجهُ الأرض مُحمرُّ الأديمِ
وقد سَكِرَتْ صِعادُ الخطّ حتى / تأوّدَ كلّ لدنٍ مستقيمِ
وما شَرِبت سوى خمرِ التراقي / ولا انتشقتْ سِوَى وَرْدِ الكلومِ
فصلّ لربّك المعبودِ وانحرْ / قُرُوماً منهمُ بَعْدَ القرومِ
وَعَيِّدْ بالهدى وأعِدْ عليهمْ / عذابَ الحرب بالألمِ الأليمِ
أمُدامٌ عن حَبابٍ تبتسمْ / أمْ عقيقٌ فوقه دُرٌّ نُظِمْ
أعَلى الهمّ بعثنا كأسنا / أم بنجمِ الأفْقِ شيطانٌ رُجم
أظلامٌ لضياءٍ طَبَقٌ / أم على الكافور بالمسكِ خُتِم
أندىً في الزهرٍ أم ماءُ الهوى / حارَ في أعينِ حُورٍ لم تنم
أعمودُ الصبح في الغيهبِ أم / غُرّةُ الأشقرِ في الغيمِ الأحَمْ
أمِراةٌ أم غديرٌ دائمٌ / مقشعرّ الجلدِ بالقَرّ شَبِمْ
قَدَرَتْ منه الصّبا سرداً فما / رَفَعَتْ عنه يداً حتى انفصمْ
كلّ ذا يدعو إلى مشمولةٍ / فذرِ اللوم عليها أو فَلُمْ
واغتنمْ من كلّ عيشٍ صَفْوَهُ / فألَذّ العيش صفوٌ يُغْتَنَمْ
واشكلِ الأوتار عن نغمتها / لا تسوغُ الخمرُ إلا بالنّغم
ومدامٍ قَدُمَتْ فهيَ إذا / سُئِلتْ تخبرُ عنْ عادِ إِرم
سكنتْ أجوفَ في جوْف الثرى / نَسَجَ الدّهْرُ عليه وَرَقَم
خالفَتْ أفعالُها أعمارَها / فأتَتْ قُوّتُها بَعْدَ الهرم
فهي في الرّاووقِ إن رَوّقْتَها / لهبٌ جارٍ وماءٌ مُضطرم
أفْنَتِ الأحقابُ منها جوهراً / ما خلا الجزءَ الذي لا ينقسم
فهي مما أفرطتْ رقّتُها / تجدُ الريّ بها وهيَ عَدَم
لا ينالُ الشَّرْبُ من كاساتها / غيرَ لونٍ يُسْرِع السّكرَ وشم
وكأنّ الشمس في ناجودِها / من سوادِ القارِ في قمصِ ظلم
فأدِرْ للروح أُخْتاً والزرا / جينِ بنتاً وسرورِ النفس أُم
فهي مفتاحٌ للذّاتٍ لنا / ويدُ المنصور مفتاحُ الكرم
حلّ قصرَ المجد منه مَلِكٌ / بُدئَ المجدُ به ثمّ خُتِم
يحتبي في الدستِ منه أَسدٌ / وهلالٌ وسحابٌ وَعَلَم
يتركُ النقمةَ في جانبهِ / وإذا عاقبَ في اللّه انتقم
وإذا قال نعم وهي له / عادةٌ أسبغَ بالبذل النِّعَم
ذو أيادٍ بأيادٍ وُصِلَتْ / كتوالي دِيَمٍ بَعْدَ ديم
وإذا ما بَخِلَ الغيمُ سخا / وإذا ما عَبَسَ الدهرُ بَسَم
تنتخي السادات عزّاً فإذا / قَرُبَتْ من عنده صارتْ خدمْ
لست أدري أيمينٌ قُبّلَتْ / منه في تسليمها أمْ مُستَلم
يذعرُ الجبّارُ منه فعلى / شَفَةٍ يمشي إليه لا قدم
فالقُ الهامِ إذا كرّ سطا / مِسْعَرُ الحربِ إذا همّ اعتَزَم
كلَّما أوطأ حرْباً سنبكاً / حمِيَ الرّوْعُ وَشَبّ المقتحم
وإذا حاولَ في طعنِ الكُلى / صَرّفَ اللهذَمَ تصريفَ القلم
يطأ الهامَ التي فَلّقَهَا / بلهامٍ للأعادي مُلتهِم
يُرْجِعُ الليلَ نهاراً بالظّبا / ويعيدُ الظُّهرَ بالنقع عَتَمْ
فضياءُ الشهب في قَسْطَلِهِ / ويعيدُ الظهر ديال في نيم
إنّما حِمْيَرُ أُسْدٌ لم تَزَلْ / من قناها ساكناتٍ في أجَم
كلّ شهمِ القلبِ مرهوبِ الشبا / مُرْتضى الأخلاقِ محمودِ الشيم
يستظلّون بأوراق الظّبا / وأُوَارُ الرّوْعِ فيهم مُحْتَدم
وعروسٍ لك قد أهدَيْتُها / تُكْلَمُ الحُسّادُ منها بالكَلِم
في تقاصيرَ من الدّرّ إذا / حاولوا تحصيلهَا فهيَ حِكَم
يضربُ الأمثالَ فيها بِكُمُ / أُمَمٌ في المدح منْ بعد أُمم
أسكنت ذكرَك حُكْماً خالداً / أبداً بُنْيانُهُ لا ينْهَدِم

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025