المجموع : 21
أزمعت عنا إلى مولاك ترحالا
أزمعت عنا إلى مولاك ترحالا / لمّا رأيت مناخ القوم أوحالا
رأيتنا في ظلام ليس يعقبه / صبحٌ فشّمرت للترحال أذيالا
كرهت طول مقام بين أظهرنا / بحيث تبصرنا للحق خذّالا
ولم ترق نفسك الدنيا ونحن بها / لسنا نؤكد بالأفعال أقوالا
وكيف تحلو لذي علم إقامته / في معشر صحبوا الأيام جهّالا
لذاك كنت اعتزلت القوم منفرداً / حتى أقارّبك الأدَنين والآلا
وما ركنت إلى الدنيا وزخرفها / ولا أردت بها جاهاً ولا مالا
لكن سلكت طريق العلم مجتهداً / تهدي به من جميع الناس ضّلالا
محمود شكري فقد نامنك حبرهديّ / للمشكلات بحسن الرأي حّلالا
قد كنت للعلم في أوطاننا جبلاً / إذا تقسم فيها كان أجبالا
وبحر علم إذا جاشت غواربه / تقاذف الدرّ في لجّيه منهالا
يا من بشوّال قد شالت نعامته / نغّصت بالحزن شهر العيد شوّالا
أعظم برزئك في الأيام من حدَث / هزّت عليّ به الأيام عسّالا
أمست لروعته الأبصار شاخصةً / أما القلوب فقد أجفلن إجفالا
طاشت حصاة العلا لما نعيت لها / وكل ميزان علم بالأسى سالا
إذا نعيَك وافى مصر منتشراً / جثا أبو الهول يشكو منه أهوالا
وإن أتى البيت بيت الله رجّ به / وأوجس الركن من منعاك زلزالا
أما العراق فأمسى الرافدان به / سطرين للدمع في خدّيه قد سالا
بكى الورى منك حبراً لا مثيل له / أقواله ضربت في العلم أمثالا
بكوك حتى قد احمرتّ مدامعهم / كأنهم نضحوا فيهنّ جريالا
ولو لفظنا لك الأرواح من كمد / لم نقض من حقك المفروض مثقالا
ولا نخصَص في رزءٍ بتعزية / إلا علوماً أضاعت منك مفضالا
فإن رزأك عمّ الناس قاطبةً / يا أكرم الناس أعماماً وأخوالا
شكراً لأقلامك اللائى كشفت بها / عن أوجه العلم أستاراً وأسدالا
كتبن في العلم أسفاراً سيدرسها / أهل البسيطة أجيالاً فأجيالا
أمددتها بمداد ليس يعقبه / دمع الأنام وإن يبكوك أحوال
وكنت أنت نطاسيّ العلوم بها / وكنّ في سبر جرح الجهل أميالا
يا مُطلعاً في سماء الفكر أنجمه / تهدي إلى العلم رحّالاً وقفّالا
لو أنني بلغت زهر النجوم يدي / نحتها لك بعد الموت تمثالا
ما ضرّ من بعدما خلدّت من كتب / أن لا نرى لك بين الناس أنجالا
إذا ذكرناك يوماً في محافلنا / قمنا لذكراك تعظيماً وإجلالا
إني أخفّ لدى ذكراك مضطرباً / وإن حملت من الأحزان أثقالا
لأشكرتك يا شكري مدى عمري / وأبكينّك أبكاراً وآصالا
فأنت أنت الذي لقنّتني حكما / بها اكتسيت من الآداب سربالا
أوجرتني من فنون العلم أدوية / شفت من الجهل داءً كان قتّالا
فصحّ عقلي وقبلاً كنت مشتكياً / من علّة الجهل أوجاعاً وأوجالا
أنا المقصر عن نعماك أشكرها / ولو ملأت عليك الدهر إعوالا
فاغفر عليك سلام الله ما طلعت / شمس وما ضاء بدر الليل أولالا
هي دنيا بقاؤها مستحيل
هي دنيا بقاؤها مستحيل / فليقف عند حدّه التأميل
ليس يغني فيها عن المرء شيئاً / شرف باذخ ومجد أثيل
إنما الراحة المرجّاة فيها / تعب والهدى بها تضليل
كل شيء في أهلها مستعار / من سواه وكل حال تحول
ليس ما قد جتى علينا بها إلا ق / قار أدهى مما جنى التمويل
رتّلت ألسن اللذائذ آي ال / عيش فيها فغرّنا الترتيل
فرجونا طول البقاء وإن كنّا / علمنا بأننا سنزول
وطلبنا تعلّة لنفوس / ليس يشفي عليلها التعليل
قد قتلت الحياة خبراً ولكن / أنا منها بحيرتي مقتول
كل ما قيل في الحياة ظنون / جرّها في افتكارنا التخييل
قد وهمنا في البدء منها وأما / منتهاها فستره مسدول
إن يك العقل في دجى الشك نجماً / فخفيٌّ مثل السها وضيئل
ويك إن المعقول ما صحّ عندي / فمتى صحّ عندك المنقول
كلنا خابطون في ظلمات / حائر بائر بهنّ الدليل
إن حبّ الحياة أوهم أن ال / موت نوم تحت الثرى لا يطول
إنما هذه الجسوم مبانٍ / قد بناها من الزمان عمول
نزلتها الأرواح حيناً فأضحت / عامراتٍ ما دام فيها النزول
ثم لابدّ أن ترحّل عنها / فيسّمى بالموت ذاك الرحيل
إنما هذه الجسوم رسوم / موحشات بعد الردى وطلول
ما بسقط اللوى مثلن ولكن / بسقوط البلى لهنّ مثول
ليس يسلي الفتى عن الموت إلاّ / خلف صالح وذكر جميل
مثلما مات شيخنا النائب الحب / ر فسالت من الدموع سيول
إن عبد الوهاب عاش جليل ال / قدر فرداً ومات وهو جليل
وقضى عادم المثيل فأمسى / ما لمنعاه في الخطوب مثيل
حادث أظلمت به الأرض واستو / حش منها حزونها والسهول
إن أسينا أسىً عليه كثيراً / فكثير الأسى عليه قليل
كان فحل الفحول علماً وفضلاً / فلهذا بكت عليه الفحول
كيف لا تجزع العلوم لمنعى / رجل باعه بهنّ طويل
قد بكته مدارس عامرات / هو فيها المدّرس المسؤول
وبكاه الكتاب ذو الذكر شجواً / وعلوم إلى الكتاب تؤول
وبكته آيٌ به محكمات / وبكاه التفسير والتأويل
وبكته أرامل ويتامى / جذّ عنها بموته التنويل
إن يكن أغمد الردى منه في القب / ر حساماً فذكره مسلول
أو رمى حدهّ الردى بفلول / فمعاليه ما بهنّ فلول
أو خلت منه دوره مُوحشاتٍ / فذراها بفضله مأهول
كيف لا هؤلاء أبناؤه الغرّ / شهود بما أقول عدول
كلهم في العلاء مثل أبيه / حسن الخلق فاضل بهلول
هل تطيب الفروع في الناس إلاّ / حيث طابت فيهم لهنّ أصول
عذرةً يا أبا الحسين بماذا / نصف الرز وهو رزء جليل
وإذا طاشت الحلوم بيوم / فيه فارقتنا فماذا نقول
اخرس الشعر يوم منعاك لكن / ناب عنه تأوّه وعويل
وإذا أسكت المقاويل حزنٌ / ترجمت عنهم دموع تسيل
فصلتك المنون عنّا ولكن / أنت بالحمد والثنا موصول
لك في العلم رتبة لن تسامى / فاضل القوم عندها مفضول
ومحياً صلت الجبين طليقٌ / يتلالا كأنه قنديل
ويد يجمع الشفاه عليها / كلما قد ومددتها التقبيل
إنما قد ذكرت بعض مزايا / ك وإلاّ فشرحهن يطول
وإذا القول لم يفده اختصار / لم يفده الاطناب والتفصيل
هكذا يدرك في الدنيا الكمال
هكذا يدرك في الدنيا الكمال / هكذا في موتها تحيا الرجال
هكذا يشرف موت المبتغي / شرفاً ليس إذا ريم ينال
من كعبد المحسن الشهم الذي / حفّه بالموت عزّ وجلال
ما بعبد المحسن السعدون إذ / رام قتل النفس مسّ وخبال
بل رأى أوطانه يرهقها / من بني الغرب انتداب واحتلال
فانتضى الهمّة كي ينقذها / كانتضاء السيف ما فيه كلال
مارس الأحوال حتى إنه / شاب في إصلاحها منه القذال
أعمل الرأي وقد جادله / فيه بعض القوم واشتدّ الجدال
خذلوه فاغتدت آراؤه / كسهام كسرت منها النصال
كم غدا ينصحهم حتى إذا / راء أن الداء في القوم عضال
ورأى أن الذي يرجوه من / طلب استقلالهم شيء محال
جاد للأوطان منه بدم / لسوى أوطانه ليس يُسال
والفتى الحرّ له في موته / سعةٌ إن ضاق بالنفس المجال
إنه لما أرادت نفسه / ميتة حمراء ما فيها اعتلال
ميتة الأبطال فيها شمم / طأطأت من دونه الشمّ الجبال
نال بالموت حياة ما لها / أبد الدهر فناءٌ وزوال
هو حيّ أبد الدهر فما / ضرهّ من هذه الدنيا انتقال
ان يكن قد زايل القوم فما / لمساعيه عن القوم زيال
أو يكن عن أعين القوم اختفى / فله في أنفس القوم خيال
وإذا التأريخ أجرى ذكره / أخذ التأريخ بالفجر اختيال
فاندبوا يا قوم منه بطلا / هو للأبطال حسن وجمال
وأقيموا عالياً تمثاله / فهو للأوطان عزّ وجلال
واقصدوا مرقده حجاً فلا / غروَ أن شدّت لمثواه الرحال
واتركوا الغرب وأهليه ولا / تسمعوا منهم إلى ما قد يقال
وعلى أنفسكم فاتّكلوا / خاب من فيه على الغير اتّكال
فالمواعيد التي قد وعدوا / كلها منهم خداع واحتيال
كلما قال لنا ساستهم / نقضت أقوالهم منهم فعال
هكذا كونوا وإلا فاعلموا / أنما استقلالكم شيء محال
وضح الحق واستاقم السبيل
وضح الحق واستاقم السبيل / بعظيم هو النبيّ الرسول
قام بدعو إلى الهُدى بكتاب / عربيّ قرآنه ترتيل
طالباً غاية من المجد قُصوى / صدّه عن بُلوغها مستحيل
ووصولاً إلى مقام رفيع / عَزّ من قبله إليه الوُصول
همّة دونها الكواكب نوراً / واعتلاءً يَعلو بها ويطول
جرّد اللّه منه للحقّ سيفاً / كان ضدَّين حدّه والفلول
فيه عزم للمهلكات قَحُوم / واصطبار للنائبات حَمُول
ودهاء لو ما كرته دواهي الدّ / هر طُرّاً لاغتالها منه غول
تدلهِمّ الخُطوب والرأي منه / في دُجاها كأنّه قِنديل
كل أوصافه الجليلة بِدعٌ / فهو من عبقريّة مَجبول
أطلق الناسِ من تقاليد جهل / كل فرد منهم بها مغلول
وشفاهم بهَديهِ من ضلال / كل فرد منهم به مَعلول
أنهض القوم للعلاء وكانت / في دُنى القوم رقدة وخُمول
فاستقلّت به على الدهر يقظى / هِمم يعرُبيّة وعقول
تلك في الدين نهضة هي للعق / ل انتباه وللهدى تأثيل
نهضة عالميّة في وغَاها / من أمام البعير فرّ الفيل
هي كالبرق سرعة والتماعاً / كل أفق بفضلها مشمول
خضعت فارس لها عن صَغار / وتداعة إيوانها المستطيل
وإلى اليوم قام في الهند منها / أثَر مثل طَودها لا يزول
يعرف النيل فضلها وعلاها / من قديم ويشهد الدردنيل
وبها الأرض والسموات ترضى / وتُقِرّ التوراة والإنجيل
غير أنا عن نَهجها اليوم حِدنا / واستحَلْنا وكل حال تحول
حيث عُدنا وفي النهوض قعود / ورجعنا وفي الصعود نزول
واختلفنا في الدين حتى افترقنا / فِرَقاً لا يُسيغها المعقول
والتزمنا الفروع منه فضاعت / بالتزام الفروع منه الأصول
كل حزب بما لديه فَخور / ولمَن هم مخالفوه خَذول
بِدَع في حياتنا مُنكرات / غضب اللّه فوقها مسدول
حالة ساءت الرسول وساءت / كلَّ آيٍ بها أتانا الرسول
لو رآنا والشر فينا كثير / مستفيض والخير نزر قليل
وثغور الضلال مبتسمات / ووجوه الهدى عليها مُحول
والدعاوى في الحق منّا كبار / طال فيها التزمير والتطبيل
نعبُد اللّه والعبادة لحن / عند بعضٍ وعند بعض عويل
ونحِجّ القبور كالبيت حجّاً / يكثُر المسح فيه والتقبيل
ونَعُدّ الركوع للقبر حِلاًّ / وهو في الدين ما له تحليل
ونُزَحّي إلى القبور نذوراً / فضحايا مسوقةٌ وحُمول
ونقول التوحيد قولاً وكلٌّ / هو للشرك عامد وفَعُول
قال مستنكراً لما نحن فيه / ما بهذا قد جاءني جبريل
أين دين التوحيد منكم وأين ال / أوْب اللّه وحده والقُفول
أنا حرّمت كل ما كان فيه / شَبَه للأصنام أو تمثيل
كل مَن قال منكم أن هذا / هو دين الإسلام فهو جَهول
لمَ لم تحفَظوا أخوّة دين / جاءكم ناطقاً بها التنزيل
كان حبل الإخاء فيكم وثيقاً / كيف أمسى وعَقده محلول
لست منكم بيائس بل نُهوض / منكم بعد فترة مأمول
فاجمعوا الشمل ناهضين فإنّ ال / كُفر في الدين عجزكم والخمول
ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا
ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا / حتى نُطاول في بنيانها زُحلا
جودوا عليها بما دَرَّت مكاسِبُكم / وقابلوا باحتقار كل من بَخِلا
أن كان للجهل في أحوالنا عِلَل / فالعلم كالطبّ يَشْفي تلكم العِللا
سيروا إلى العلم فيها سَير معتَزِم / ثم أركبوا الليل في تحصيله جَمَلا
لا تجعلوا العلم فيها كل غايتكم / بل علّموا النَشء علماً ُينتج العملا
هذي مدارسكم شَروَى مزارعكم / فأنبتوا في ثراها ما علا وغلا
لا تتركوا الشَوك ينمو في مَنابتها / أعني بذلكم الأهواء والنّحلا
وأسّسوها على الأعمال قائمة / مُمهِّدين إلى المَحْيا بها سُبُلا
يلقى بها النشءُ للأعمال مختبراً / وللطباع من الأدران مُغتسَلا
وأمطروا روضها علما ومقدُرة / حتى تُفتحّ من أزهارها الأملا
فتُنبِت العالم الفنّان مخترعا / وتنبت الفارس المِغوار والبطلا
وتنبت الحارث الفلاّح مزدرعاً / وتنبت المِدْرَه المِنطيق مرتجلا
واسقوا المُتلمَذ فيها خمر مَكرُمة / عن خمرة الكرم تُمسي عنده بدلا
حتى إذا ما غدا خِرّيجها طَرِبا / من عزّة النفس خيل الشارب الثَمِلا
ربّوا البنين مع التعليم تربية / يُمسي بها ناقص الأخلاق مُكتَمِلا
وثقّفوهم بتدريب وتبصِرة / ثقافة تجعل المُعوَجّ معتدلا
وجنّبوهمِ على فعل معاقَبةً / أن العقاب إذا كرّرته قتلا
أن العقاب يزيد النفس شِرَّتها / وليس يُنْكِر هذا غير مَن جهِلا
بل أنشِئوا ناشىء الأحداث وهو على / حبّ الفضيلة في مَحْياه قد جُبِلا
بحيث يُمسي إذا شانته شائنة / من فعله أحمرّ منها وجهه خجلا
من يتركِ الشر خوفاً من معاقبة / فليس يحسب ذا فضل وأن فضَلا
فجّيِشوِا جيش علم من شبيبتنا / عرمرماً تضرِب الدنيا به المثلا
أن قام للحَرْث ردّ الأرض مُمرعة / أو قام للحرب دكّ السهل والجبَلا
وأن غزا مستظِلاً ظلّ رايته / هزّ البلاد وأحيا الأعصُر الأُولا
أنّا لمن أمة في عهد نهضتها / بالعلم والسيف قبلاً أنشأت دولا
هذا هو العلم لا ما تَدْأبون له / مما تكون به عقباكم الفشلا
ماذا تقولون في نقدي مناهجكم / وقد كفَيْتكم التفضيل والجُمَلا
وأيّ نفع لمن يأتي مدارسكم / أن كان يخرج منها مثلما دخلا
فأجمِعوا الرأيَ فيما تعلمون به / ثم أعلموا بنشاط يُنكِر المللا
ثم أنهجوا في بلاد العُرْب أجمعها / نهجاً على وحدة التعليم مُشتملا
حتى إذا ما انْتَدْبنا العرب قاطبة / كنّا كأنّا انتدبنا واحداً رجلا
كل ما في البلاد من أموال
كل ما في البلاد من أموال / ليس إلاّ نتيجة الأعمال
أن يطِب في حياتنا الأجتما / عيّة عيش فالفضل للعمّال
وإذا كان في البلاد ثراء / فبفضل الأنتاج والأبدال
نحن خَلق المُقدَّرات وفيها / لا حياة للعاطل المكسال
عندنا اليوم للحياة نظام / قد حوى كل باطلٍ ومُحال
حيث يسعى الفقير سعي أجير / لغنيّ مستأثر بالغلال
فترى المُكثرين في طيب عيش / أرغدته لهم يد الأقلال
وترى الغائصين في البحر أمسى / لسواهم ما أخرجوا من لآل
وترى المُعسرين في كل أرض / كعبيد والموسِرين موالي
أكثر الناس يكدحون لقوم / قعدوا في قصورهم والعَلالي
واحد في النعيم يلهو وألف / في شقاء وأبؤس واعتلال
حالة في معاشنا أسلكتنا / طُرُقات المخاتل المحتال
فترانا بعضاً لبعض لبِسنا / من خياناتنا مُسوك الثعالي
تلك عادٌ مستهجنات ورثنا / ها قديماً من العصور الخوالي
فإلى كم نشقى وحتام نبقى / هكذا في عَماية وضلال
إنما الحق مذهب الأشترا / كيّة فيما يختصّ بالأموال
مذهب قد نحا إليه أبو ذرٍّ / قديماً في غابر الأجيال
ليس فرض الزكاة في الشرع إلا / خُطوة نحو مبتغاه العالي
مبدأ ذو مقاصد ضامنات / ما لأهل الحياة من آمال
موصلات إلى السعادة في العي / ش هوادٍ إلى طريق التعالي
ليس للمرء أن يعيش بلا كدٍّ / وإن كان من عظام الرجال
كل مجدُ يبنى على غير سعيٍ / فهو مجد مهدّد بالزوال
ليس قدر الفتى من العيش إلاّ / قدر انتاج سعيه المتوالي
ما رءوس الأموال إلا أداة / للمساعي كالحبل للأحمال
مثل شدّ الأحمال شدّ المساعي / ودنانيرنا لها كالحبال
صاح ماذا تُجدي الدنانير لولا / همم الدائبين في الأشغال
أفتأتي من الطعام بديلاً / أفتُغنى عن كسوة ونعال
حاجة المرء أكلةٌ وكساء / وسوى ذاك بسطة في الكمال
أن للعيش حَومة في وغاها / لا تحق الحياة للبطّال
أنها مثل حومة الحرب ما دا / رت رَحاها إلاّ على الأبطال
وسوى الحِذق ما بها من سلاح / وسوى الكدّ ما بها من قتال
بطل الحرب مثله بطل السع / يِ ومنه الأعمال مثل الصيال
ونشاط منه لبيض المساعي / مثل أشراعه لسمر العوالي
أيها العاملون أن أتحاداً / بينكم مرخص لكم كل غال
ما لعيش تشكون منه سَقاماً / بسوى الأتحاد من ابلال
فليكن بعضكم لبعض نصيراً / ومُعيناً له على كل حال
وإذا قلت أنكم أنتم النا / س جميعاً فلا أكون المُغالي
فأعلموا دائبين غير كسالى / وأرقُبوا ما به ستأتي الليالي
ثم قولوا معي مقالاً رفيع الصَ / وْت فلتحي زمرة العُمّال
دار السلام تفاخرت برجال
دار السلام تفاخرت برجال / قاموا بأمر حماية الأطفال
وعُنُوا بتربية البنين عنايةً / زادوا بها شمماً على الأجبال
وبنَوْا لهم داراً بما جادت به / أيدي الكرام لهم من الأموال
صانوا بها الأنسال من أمراضها / ومن الحقوق صيانة الأنسال
دار تقيهم بالأواقي كلّ ما / يُخشَى من الأوجاع والأوجال
لم يَخشَ فتكَ السقم فيها رُضَّعٌ / في البؤس قد ولدوا وفي الأقلال
ضمنت لأيتام الأرامل طبّهم / وغذاءهم وبشائر الأبلال
للّه تَلك الدار من متبوَّأ / بذّ النجوم بقدره المتعالي
هي مَفزَع للمعسرين وملجأ / يأتيه كل ضَنٍ من الأطفال
أحماة أطفال الأيامى أنكم / جدراء بالتعظيم والإجلال
مرّت لكم تلك السنون وكلها / غُرَرٌ تزان بأنفع الأعمال
كافحتم الأدواء في أيتامنا / دَأباً بغير كلالة وملال
في حَومة الإحسان طال صيالكم / حقاً فأنتم أشرف الأبطال
سيدوم مسعاكم ويبقى دأبكم / في الدهر غير مهدَّد بزوال
ولسوف يذكركم ويشكر سعيكم / مَن سوف يخلُفُكم من الأجيال
للّه أنتم من أفاضل خُلَّص / فاقوُا الأنام بأشرف الأفضال
أني أُحاول أن أكون معينكم / لولا موانع يعترِضنِ حوالي
لو أن ذات يدي استطاعت رفدكم / ما فاق نَولُ الرافدين نوالي
ولو أن أيامي تجود بصحتي / ما جال أقوى العاملين مجالي
إن لم أُعنكم بالفَعال فإنني / ما زلت من أعوانكم بمقالي
فاليكمو هذا الثناء مخلّداً / من مادح في المدح غير مُغال
لا تَشْكُ للناس يوماً عُسرة الحال
لا تَشْكُ للناس يوماً عُسرة الحال / وأن أدامتك في همّ وبِلبال
وجانب اليأس وأسلُك للرجا طُرُقاً / فالدهر ما بين أدبار وأقبال
وأركب على صَهَوات الجِدّ مغترباً / فيما تحاول ذا حلّ وترحال
وأطلب على عزّه بَيْض الأنوق ولا / تطلب لعمرك أن تَحظى بِمفضال
لك يَبق غير الذي غُلَّت أنامله / إما بأغلال شُحّ أو بإقلال
كم قد غدَوْت على الأيام منتدباً / قوماً أضعت بهم شعري وآمالي
أفعالهم دون أن يُغرَى الرجاء بها / لكنّ أقوالهم أقوال أقيال
من كل هيّ بن بيّ لأثبات له / جَعدِ اليدَين قَؤول غيرِ مفعال
كم بات ذو الحُمق خِلواً في مضاجعه / وبات ذو العقل فيها كاسِف البال
هذا يَميس بأبراد مُفوَّفةٍ / وذا يَخيط شظايا طِمْرِه البالي
هو الليل يُغريه الأسى فيطول
هو الليل يُغريه الأسى فيطول / ويرخي وما غيرُ الهموم سدول
أبِيت به لا الغاربات طوالع / عليَّ ولا للطالعات أفول
وينشر فيه الصمت لِبداً مضاعفاً / فتَطويه منّي رنّة وعويل
ولي فيه دمع يلذع الخدّ حره / وحزن كما امتدّ الظلام طويل
بكَيت على كل ابن أروع ماجد / له نسب في الأكرمين جليل
يُليح من الضيم المُذِل بغُرّةً / لها البدر تِربٌ والنجوم قبيل
من العُرب أما عِرضه فمُوَفَّر / مَصونٌ وأما جسمه فهزيل
له سَلَف عزّوا فبزّوا نباهةً / ولم تعتَوِرهم فترة وخُمول
وساروا بنهج المكْرُمات تُقِِلَهم / قلائص من سعيٍ لهم وخيُول
وكانوا إذا ما أظلم الدهر أشرقت / به غُرَرٌ من مجدهم وحجول
أولئك قوم قد ذوى روض مجدهم / ولم تَسرِ فيه نسمة وقَبول
وقد أعطشَتْه السحب حتى لقد عَلَت / على الزهر منه صُفرة وذُبول
رعى الله من أهل الفصاحة معشراً / لهم كان فوق الفَرقَدَيْن مَقيل
ترامى بهم رَيب الزمان كأنما / له عندهم دون الأنام ذُحول
فأمست من العُمران خلواً بلادهم / فهنَ حُزون قفرة وسهول
وعادت مَغاني العلم فيها دوارساً / تُجَرّ بها للرامسات ذُيول
وقَوّضت الأيام بنيان مجدها / فرَبْع المعالي بَينهنَ محول
نظرت إلى عَرض البلاد وطولها / فما راقني عرض هناك وطول
ولم تَبدُ لي فيها معاهد عزّها / ولكن رسوم رثَةٌ وطلول
نظرت إليها من خلال ذوارفٍ / من الدمع طرفي بينهنّ كليل
فكنت كراءٍ من وراء زجاجة / بعينيه كيما يستبين ضئيل
ولم أتبَّين ما هنالك من علاً / لكثرة ما قد دبّ فيه نُحُول
هناك حَنْيت الظهر كالقوس رابطاً / بكفّي على قلب يكاد يزول
وأوسعت صدري للكآبة فاغتدت / بأرجائه تحت الضلوع تجول
وأرسلت دمعَ العين فانهلَ جارياً / له بين أطلال الديار مسيل
أأمنع عيني أن تجود بدمعها / على وطني إني إذن لبخيل
فإن تعجبوا أن سال دمعي لأجله / فِإنَّ دمي من أجله سَيسيل
وما عِشت أني قد تناسَيت عهده / ولكنَ صبري في الخطوب جميل
وإن أمرءاً قد أثقل الهَمُّ قلبه / كقلبي ولم يَلْق الردى لحَمول
أفي الحق أن أنسى بلادي سلوةً / وما لي عنها في البلاد بديل
أقول لقومي قول حيران جازع / تهيج به أشجانه فيقول
متى ينجلي يا قوم بالصبح ليلكم / فتذهبَ عنكم غفلة وذهول
وينطقَ بالمجد المؤثل سعيكم / فيسكتَ عنكم لائم وعذول
تُريدون للعَليا سبيلاً وهل لكم / إليها وأنتم جاهلون سبيل
أناشدكم أين المدارس إِنها / على الكون فيكم والحياة دليل
وأين الغنىُّ المُرتجىَ في بلادكم / يجود على تشييدها ويطول
بلاد بها جهل وفقر كلاهما / أكول شروب للحياة قتول
أجل إِنكم أنتم كثير عديدكم / ولكن كثير الجاهلين قليل
ولو أنّ فيكم وَحدةً عصبّيةً / لهان عليكم للمرام وُصول
ولكن إذا مستنهض قام بينكم / تلقّاه منكم بالعناد جهول
وأيّ فريق قام للحق صده / فريق طَلوب للمحال خذول
وإن كان فيكم مُصلحون فواحدٌ / فَعول وألف في مداه قؤول
على أن لي فيكم رجاءً وإن أكن / إلى اليأس أحياناً أكاد أميل
ألستم من القوم الألى كان علمهم / به كل جهل في الأنام قتيل
لهم ههم ليس الظُبات تفلّها / وإن كان منها في الظبات فلُول
ألا نهضةٌ علميّة عربية / فتُنْعَشَ أرواح بها وعقول
ويشجُعَ رعديد ويعتزّ صاغر / وينشطَ للسعي الحثيث كسول
فإن لم تقُم بعد الأناة عزائم / فَعْتبي عليكم والملام فُضول
هم يُعَدُّون بالمئات ذكوراً
هم يُعَدُّون بالمئات ذكوراً / وإناثاً لهم قصور مُشاله
ولهم أعبُد بها وإماءٌ / ونعيم ورِفعة وجلاله
تركوا السعي والتكسُّب في الدن / يا وعاشوا على الرعّية عاله
يتجلّى النعيم فيهم فتبكي / أعين السعي من نعيم البَطاله
يأكلون الُباب من كدِّ قوم / أعوزتهم سخينة من نُخاله
فكأن الأنام يَشقَوْن كدّاً / كيْ تنال النعيمَ تلك السُلاله
وكأن الإله قد خلق النا / س لمحيا آل السلاطين آله
نعِموا في غضارة الملك عيشاً / وحملنا من دونهم أثقاله
فإذا ما صال العدوّ خرجنا / دونهم للوغى نردّ صياله
وإذا هم جرُّوا الجرائر يوماً / فعلينا تكون فيها الحَماله
وإذا ما استهل فيهم وليد / فعلينا رَضاعه والكفاله
قد رضِينا بذاك لولا عُتُوٌّ / أظهروه لنا على كلّ حاله
ما بهم ما يَميزهم عن بني السُو / قة إلاّ رسوخهم في الجهاله
هم من الناس حيث لو غُربل النا / س لكانوا نُفاية وحُثاله
ومن الجهل حيث لو صُوِّر الجه / ل لكانوا بين الورى تمثاله
حمّلونا من عيشهم كل عبءٍ / ثمّ زادوا أصهارهم والكلاله
فكَفَيْنا أصهارهم مؤنة العي / ش فكانوا ضِغثاً على إبّاله
فكأنا نُعطيهم أجرة البَض / ع كما أُعطي الأجير العماله
تلك والله حالة يقشعِر ال / حقُّ منها وتشمئز العداله
هي منهم دناءة وشَنار / وهي منا حماقة وضلاله
ليس هذا في مذهب الاش / تراكية إلا من الأمور المحاله
وهو في الملّة الحنيفية البي / ضاء كفرٌ بربنا ذي الجلاله
رويدك غورو أيّهذا الجنيرال
رويدك غورو أيّهذا الجنيرال / فقد آلمتنا من خطابك أقوال
أتيت بلاد الشرق من بعد هدنة / قد اضطربت في المسلمين بها الحال
فجاء إليك ابن الدَنا وهو مسلم / يكيل لك الوُدّ الصميم ويكتال
وقام خطيباً معرباً عن عواطف / لقومك تكريمٌ بهنّ وإجلال
فقمتَ له في محِفل القوم خاطباً / تَجُرّ ذيول الفخر عُجباً وتختال
فذكّرته أهل الصليب وحربهم / إذا نبعث منهم إلى الشرق أبطال
وقلت عن الإفرنج قومِك إنهم / لأبطال هاتيك المعارك أنسال
فحركت حزناً كان في الشرق ساكناً / وجدّدت عهداً منه في الشرق أو جال
أسأت إلينا بالذي قد ذكرته / من الأمر فاستاءت عصور وأجيال
ذكرت لنا الحرب الصليبية التي / بها اليوم قد تّمت لقومك آمال
وتلك لعمري قرحة قد نكأتها / بما قلته فاهتاج بالشرق بلبال
فيا عجباً من أمة قدتَ جيشها / تشابه كردينالها والجنيرال
ولو أننا قلنا كما أنت قائل / لأنحى علينا بالتعصُّب عُذّال
وقالوا لنا أنتم أولو جاهلية / وإن خالفوا وجه الصواب بما قالوا
فلا تصمن الحرب بعد انقضائها / بما هو للدنيا وللدين اخجال
ولا تنس فضل الشرق إذ كان ناصراً / لقومك فيما أحرزوه وما نالوا
فقد قادت الأعراب نحو عدوّكم / خُيولاً لها في حَومة الحرب تجوال
وقامت لكم منهم بمكة راية / لكم فُتحت فيها من القدس أقفال
لقد أغضبوا البيت الحرام وربّه / وهم بمقام البيت لا شك جُهّال
ولو أن عهد المسلمين كعهدهم / قديماً لحالت دون ذا النصر أهوال
ولكنهم باعوا الديانة بالدُنى / فحالت لعمري منهم اليوم أحوال
لذلك قام ابن الدّنا عن دناءة / يُحابيك فيما فيه للقوم إذلال
ولا تحسَبنه مخلصاً في مقاله / ولكنه في مكسب المال محتال
فكان قتيلاً بالمطامع عزُّه / فذّل وإن الحرص للعزّ قتّال
خليليّ قوما بي نطأطيء رءوسنا / لدى جَدَث تعنو لمن ضم أجيال
لدي الجدث الفرد الذي فيه قد ثوى / من الملك الفرد ابن أيوب رئبال
فنبكي على الأوطان حول رِجامه / كما قد بكت من فقدها الأَّم أطفال
ونستنزف الدمع الغزير لتُربه / كما ستنزفت دمع المحبّين أطلال
حنانيك يا قبر ابن أيوب فانصدع / لِينهض ثاوٍ في مطاويك مِفضال
إليك صلاح الدين نشكو مصيبةً / أصيب بها قلب العلا فهو مُغتال
ودارت رءوس القوم فيها توجُّعاً / وحزناً كما دارت بسكران جِريال
وقطبت الأيام حتى تشابهت / بها غُدُواتٌ كالحاتٌ وآصال
وأمسى حمى الإسلام تنتاب روضه / فترعاه من سَرح المُعادين آبال
عندي حديث عن دمشق فأنصتوا
عندي حديث عن دمشق فأنصتوا / فلقد رأيت اليوم طيف خيالها
شاهدتها والغُلّ ناهز قُرطها / والقيد مشدود على خَلخالها
إذ ترسل النظرات في أطرافها / حيث ابن هند قائم بحيالها
وأبو عبيدة واقف بيمينها / وابن الوليد تجاهه بشمالها
وسيوفهم بأكُفّهم مسلولة / والنار تلهب من شِفار نصالها
في ساحة بثّ الأعادي حولها / زُمَراً تموج بخيلها ورجالها
شاهدتها والحزن فوق جبينها / يحكي سواداً فوقه من خالها
ترنو وقد عقد المُصاب لسانها / فشكت مصيبتها بمنطق حالها
جَور العدى أزرى بغضّ جمالها / فذوى وما أزرى بعزّ جلالها
ولقد سمعت أبا يزيد هاتفاً / بمقالة دُهش العدى بمآلها
صُبُّوا لَظاكم في طَريّ جمالها / إني افتديت جلالها بجمالها
هي حرّة تأبى المَذَلّة نفسُها / والدهر أجمعُ عَيّ عن إذلالها
ثم انتحى بالسيف أرضاً حولها / جَلَداً فخطّ بها خطوط مثالها
وغدا به ضرباً على أغلالها / وعلى قيود الرجل من تمثالها
فَعَلت بقامتها وفك أسارها / وانبتّ منقطعاً وثيق عقالها
فمشَوا ثلاْثتهم بها وسيوفهم / شُبِّكْنَ كالاكليل فوق قَذالها
فكأنما هي قَيْلة قد أبررت / تحت اللوامع من ظُبى أقيالها
هذي هي الرؤيا وهل تعبيرها / إلاّ دمشق تفوز باستقلالها
فليعلم اللؤماء من أعدائنا / أن البلاد عزيزة برجالها
فرجالها أسمى الورى وطنية / وأشدهم صبراً بيوم نضالها
فإذا دعتهم للوغى أوطانهم / كانوا الكُماة الشُوس من أبطالها
أرجال كتلتها هنيئاً للعلا / في الدهر أنكم بُغاة وصالها
أولى البرية بالسيادة أمة / تسمو بوحدتها على أمثالها
ومَن افتدت أوطانها بدمائها / وبآخر الرَبَوات من أموالها
وإذا التفرُّق دبّ بين صفوفها / باتت مَهدَّدة العلا بزوالها
يا قوم فَلْنَكُ أمةً كجدودنا / أفعالها تُربي على أقوالها
يا عدل طَال الانتظار فعجِلِّ
يا عدل طَال الانتظار فعجِلِّ / يا عدل ضاق الصبر عنك فأقبل
يا عدل ليس على سواك مُعوَّل / هلا عطفت على الصَريخ المعْوِل
كيف القرار على أمور حكومة / حادت بهنّ عن الطريق الأمثل
في المُلك تفعل من فظائع جَورها / ما لم تقُل وتقول ما لم تفعل
ملأت قراطيس الزمان كتابةً / للعدل وهي بحكمها لم تعدِل
أضحتْ مناصبها تُباع وتُشترى / فغدت تُفوّض للغنيّ الأجهل
تعطى مؤجَّلةً لمن يبتاعها / ومتى انتهى الأجل المسمّى يعزل
فيروح يَشري ثانياً وبما ارتشى / قد عاد من أهل الثراء الأجزل
فيَظَلّ في دار الخِلافة راشياً / حتى يعود بمنصب كالأول
سُوق تباع بع المراتب سُّميت / دار الخلافة عند من لم يعقل
أبَتِ السياسة أن تدوم حكومة / خُصَّت برأي مُقَّدس لم يُسأل
مَثل الحكومة تستبد بحكمها / مَثَل البناء على نَقاً متهّيِل
يا أمة رقدت فطال رقادها / هُبّي وفي أمر الملوك تأمّلي
أيكون ظِلَّ الله تاركُ حكمه ال / مَنْصوص في آي الكتاب المُنزل
أم هل يكون خليفةً لرسوله / من حاد عن هّدْي النبي المُرسَل
كم جاء من مَلِك دهاك بجَوره / ولواك عن قصد السبيل الأفضل
يَقضي هواه بما يَسُومك في الورى / خَسفاً وينقِم منك إن لم تقبلي
ويَروم صبرك وهو يَسقيك الرَدى / ويُريد شكرك وهو لم يتفضل
وقد استكُنْت له وأنت مُهانة / حتى صبَرت لفتكه المستأصل
باتَ السعيدَ وبِتِّ فيه شَقّيةً / تُستخدمين لغَيّه المسترسل
تلك الحماقةُ لا حماقة مثلها / منها رُميتِ بكل داءٍ مُعضِل
إن لم يكن ذُلّ الألولف لواحد / حُمُقاً فهل هو من صحيح تعقُّل
إن الحكومة وهي جمهورية / كشفت عماية قلب كل مضلّل
سارت إلى نُجْح العباد بسيرة / أبدت لهم حُمُق الزمان الأوّل
فسَمَوا إلى أوج الَعلا ونحن لم / نبرح نَسوخ الحضيض الأسفل
حتى استقلّوا كالكواكب فوقنا / تجلو الظلام بنورها المتهلِّل
وعَلَوا بحيث إذا شَخَصنا نحوهم / من تحتهم ضحكوا علينا من عل
لبسوا ثياب فَخارهم مَوشِيّةً / بالعوّ وهي من الطراز الأكمل
نالوا وصال مُنَى النفوس وإنها / حرّية العيش الرغيد المُخْضِل
حتى أُقيم مُجَسَّماً تمثالها / بين الشعوب على بناءٍ هَيْكل
تمثال ناعمة الشمائل وجهها / تزداد نوراً منه عين المُجتلي
أفبعد هذا يا سَراة مَواطني / نَرضى ونَقنع بالمعاش الأرذل
العَوَثُ من هذا الجمود فإنّه / تالله أهَونُ منه صُمُّ الجَنْدل
قد أبْحَرت شُمُّ الجبال وأجبلتْ / لُجّج البحار ونحن لم نتبّدل
ما ضَرَّكم لو تسمعون لناصح / لم يَأتِ من نسج الكلام بهَلهَل
حَتّام تَبقَى لعبة لحكومة / دامَت تُجرِّعنا نَقيع الحنظل
تنحو بنا طُرُق البوار تحيُّفاً / وتَسومنا سوء العذاب الأهَول
هذا ونحن مُجَدَّلون تجاهها / كالفار مُرتعِداً تجاه الخَيْطل
ما بالنا نخاف القتل إن / قمنا أما سنموت إن لم نُقتَل
يا عاذلاً فيما نفثت من الرُقىَ / وعَزَمت فيه على الصريع المهمَل
انظر لصرعة من رَقَيْتُ وطولها / فإذا نظرت فعند ذلك فاعذِل
إليك زعيم الهند أورد هاهنا
إليك زعيم الهند أورد هاهنا / سؤالاً له أرجو الجواب تفضّلا
فنحن هنا في مجلس ذي أمانةٍ / فلم يخشَ فيه الحرّ أن يَتَقوّلا
إذا ما سمعتُ الهند في قول قائل / تخيّلت فيلاً بالحديد مكبّلا
تُزَجّيه كفّ الأجنبيّ مسخَّراً / فيمشي بأعباء الأجانب مُثقلا
ويَبرك أحياناً على الأرض رازحاً / له أنّةٌ من ثِقل ما قد تحملا
ويُنخَس أحياناً فتعلوه رجفةٌ / فيمضي على رغم القُيود مهرولا
وإني أظنّ الفيل صاحب قوّة / تكون له لو شاء من ذاك مّوْثلا
فلو قام هذا الفيل واستجمع القوى / لهزّ بها شُمَّ الجبال وقلقلا
ولو لم تكن بالفيل عندي عَلاقة / لما رُمت عن هذا جواباً مفضّلا
لنا حَمَل وهو العراق نظنّه / غدا من وراء الفيل للذئب مَأكلا
فإن ينجُ هذا الفيل من قيد أسره / نجَوْنا وإلاّ أصبح الأمر مُعضلا
فإن لم يكن هذا صحيحاً فما الذي / ترون سوى هذا عليه المُعَوّلا
ومن بعد هذا يا محمد إنني / أحيّيك باسم الناهضين إلى العلا
نزلت تجرّ إلى الغروب ذيولا
نزلت تجرّ إلى الغروب ذيولا / صفراءَ تشبه عاشقاً متبولا
تهتزّ بين يد المغيب كأنها / صبّ تململ في الفراش عليلا
ضحكت مَشارقها بوجهك بكرةً / وبكت مغاربها الدماء أصيلا
مذ حان في نصف النهار دلوكها / هبطت تزيد على النزول نزولا
قد غادرت كبد السماء منيرة / تدنو قليلا للأفول قليلا
حتى دنت نحو المغيب وجها / كالورس حال به الضياء حيولا
وغدت بأقصى الأفق مثل عرارة / عطشت فأبدت صفرةً وذبولا
غربت فأبقت كالشواظ عقبيها / شفقاً بحاشية السماء طويلا
شفق يروع القلب شاحب لونه / كالسيف ضمّخ بالدما مسلولا
يحكي دم المظلوم مازج أدمعاً / هملت بها عين اليتيم همولا
رقّت أعليه وأسفله الذي / في الأفق اشبع عصفرا محلولا
شفق كأن الشمس قد رفعت به / ردناً بذوب ضيائها مبلولا
كالخود ظلّت يوم ودّع الفها / ترنو وترفع خلفه المنديلا
حتى توارت بالحجاب وغادرت / وجه البسيطة كاسفاً مخذولا
فكأنّها رجل تخرّم عزّه / قرع الخطوب له فعاد ذليلا
وانحطّ من غرف النباهة صاغراً / وأقام في غار الهوان خمولا
لم أنس قرب الأعظمية موقفي / والشمس دانية تريد افولا
وعن اليمين أرى مروج مزارع / وعن الشمال حدائقاً ونخيلا
وترع قلبي للدوالي نعرةٌ / في البين يحبسها الحزين عويلا
ووراء ذاك الزرع راعي ثلّةٍ / رجعت تؤمّ إلى المراح قفولا
وهناك ذو بر ذو نتين قد انثنى / بهما العشيّ من الكراب نحيلا
وبمنتهى نظري دخان صاعد / يعلو كثيراً تارة وقليلا
مدّ الفروع إلى السماء ولم يزل / بالأرض متصلاً يمدّ أصولا
وتراكبت في الجوّ سود طباقه / تحكي تلولاً قد حملن تلولا
فوقفت ارسل في المحيط إلى المدى / نظراً كما نظر السقيم كليلا
والشمس قد غربت ولما ودّعت / أبكت حزوناً بعدها وسهولا
غابت فأوحشت الفضاء بكدرة / سقم الضياء بها فزاد نحولا
حتى قضت روح الضياء ولم يكن / غير الظلام هناك عزرائيلا
وأتى الظلام دنة فدجنّةً / يرخى سدولاً جمّةً فسدولا
ليل بغيهبه الشخوص تلفّعت / فظللت أحسب كل شخص غولا
ثم انثنيت أخوض غمر ظلامه / وتخذت نجم القطب فيه دليلا
أن كان أوحشني الدجى فنجومه / بعثت لتؤنسني الضياءرسولا
سبحان من جعل العوالم أنجماً / يسبحن عرضاً في الأثير وطولا
كم قد تصادمت العقول بشأنها / وسعت لتكشف سرّها المجهولا
لاتحتقر صغر النجوم فإنما / أرقى الكواكب ما استبان ضئيلا
دارت قديماً في الفضاء رحى القوى / فغدا الأثير دقيقها المنخولا
فاقرأ كتاب الكون تلق بمتنه / آيات ربك فصّلت تفصيلا
ودع الظنون فلا وربّك أنها / لم تغن من علم اليقين فتيلا
كان أبو الطيّب امرأ قوله
كان أبو الطيّب امرأ قوله / يبتكر الشعر مذكياً شعله
صاحب نفس كبيرة شرفت / فشرّفت حلّه ومر تحله
كان هو الشاعر الذي انتشرت / أشعاره في البلاد منتقله
أوجدت للشعر دولة عظمت / به فعزت من غيره دوله
من كل معنىً أغرّ مؤتلق / في لفظه كالعروس في الحجلة
وربما رقّ لفظه فبدت / في شعره كل كلمة ثمله
وربما لم تبن مقاصده / لأنها فيه غير مبتذله
فسائلهن عن قريضه حلباً / كم قطفت من زهرة خضله
خلّد ذكراً لسيف دولتها / أيام وشى بمدحه خلله
فاعجب لسيف لم تبل جدّته / وشاعر بالمديح قد صقله
لو حاز موسى مضاء عزمته / ماتاه في التيه عندما دخله
وهو الذي اجتازه بيعملَة / تحمل منه الهمام لا التكله
قد بات كافور من جراءتها / على الموامي بمهجة وجله
إِذ أعجزته بالسير عن طلب / لا خيله تختشي ولا ابله
فسل به النيل يوم ناقته / تغمرّت منه وانتحت جبله
كيف أتى مصر كالعقاب لكي / يبلغ فيها بشعره أمله
وكيف أحيا بالمدح أسودها / ثم وشيكا بهجوه قتله
في شعره حكمة مهذّبة / وروعة بالذكاء مشتعلة
ونغمة بالشعور صادحة / وصنعة بالفنون متصّلة
قدرته في البيان واسعة / يتيه فيها السؤال والسأله
إذا المعاني بذهبه ازدحمت / ما ربكت في انتقائها حيله
كم شاعر قد قفا له أثراً / وناقد راح يبتغي زلله
فأخفقوا عاجزين عن درك / لبعض ما كلّه تيسرّ له
قل لابن عبّاد أيّ منقصة / من أجلها كنت مكثراً عذله
أطبعه بالذكاء متقداً / أم نفسه بالاباء مشتمله
أم شعره والعصور ما برحت / تسعى بل استجادة قبله
لكنما رمت من مدائحه / ما لم تكن سالكاً له سبله
طماعة منك غير واعية / وهي لعمري حماقة وبله
أكبر من أكبر القريض به / وأكبر القاتلين من قتله
يا قاتليه لو تعلمون به / أذن قتلتهم نفوسكم بدله
لكنكم تجهلون رتبته / ماذا فعلتم يا أجهل الجهله
قتلتم الشعر والاجادة والاب / داع فيه يا ألأم القتله
لستم بذا القتل من بني أسد / بل أنتم فيه من بني ورله
لم يزل الدهر بعد مقتله / يضرب في الشعر للورى مثله
كان له عند كلّ بادهة / بدائع في القريض مرتجله
يصطاد في الشعر كلّ شاردة / من القوافي بفطنة عجله
فلا تقسه بغير أدباً / وهل تقاس المعطار بالتفله
كم شاعر يدعي وليس له / من شعره غير منطق الحجله
أن أنت أنشدت شعره هزؤاً / رجعت منه كآكل البصله
وربّ شعر إذا لفظت به / من هجنة فيه تأنف السبله
الشعر معنىً ألفاظه حسنت / فنسّقت في بلاغة جمله
وكلما قصَرت قوالبه / عن حسن معناه أوسعت خلله
حسن المعاني بلفظها مشوهٌ / كحسن حسناء ثوبها سمله
من ذاق في الشعر طعم معجزه / فأحمد الشاعر الذي أكله
أي مقام هيجاؤه احتدمت / بالشعر يوماً ولم يكن بطله
كان عزيزاً يأبى الهوان فما / قرّ عليه يوماً ولا قبله
كم منزل قد نبا به فسرى / مُتّخذ الليل في السرى جمله
كان كما قال وهو مفتخر / بفضل ما قاله وما فعله
جوهرة يفرح الكرام بها / وغصّة لا تسيغها السفله
لا تبك أربعهم ولا الأطلالا
لا تبك أربعهم ولا الأطلالا / واربأ بحبّك أن يكون خبالا
واترك سؤالك للرسوم فإنها / مما يزيدك بالسؤال ضلالا
وانظر إلى حسن الطبيعة أنه / حسنٌ يفيدك في الحياة كمالا
حسنٌ يقيّد من رآه بحّبه / ويفكّ من أفكاره الأغلالا
ويطير في جوّ السرور مرفوفاً / بالمشتكين كآبةً ومسلالا
أو ما ترى البدر المنير إذا بدا / يكسو الدجى من نوره سربالا
ولقد وقفت بجسر مود عشيّةً / والبدر في افق العلا يتلالا
والليل يلبس من سناه مطارفاً / منها يجرّ بدجلة أذيالا
أما النسيم فقد جرى متعطّراً / وحكى بطيب هبوبه الآمالا
وجبين دجلة قد صفا متألّقاً ف / حكى السماء محاسناً وجمالا
فحسبت نفسي في السماء مشاهداً / تحتي بدجلة للسماء مثالا
ورأيت من فوقي السماء حقيقة / ورأيت من تحتي السماء خيالا
فكأنما الجسر الذي أنا فوقه / قد مدّ في حوّ السماء مشالا
وكأنما أنا في السماء محلّقٌ / طروراً أسفّ وتارة أتعالى
للّه ما شاهدته من منظر / يدع الكئيب كشاربٍ جريالا
حفّت جوانبه بكلّ بديعةٍ / فزها جمالاً واستقلّ جلالا
حتى نخيل الجانَببين جمعها / قامت له بحفارة اجلالا
أن بليلاً من نسيم السحر
أن بليلاً من نسيم السحر / لمّا جرى في المربع المخمل
أخبر ريّاه أصحّ الخبر / عمّا جرى في الروض للبلبل
إذ هو مذ ألقى به ناظره / من بعد ما ثغر الصباح ابتسم
صادف فيه وردة زاهرة / والطلّ كاللؤلؤ فيها انتظم
مضمومة أوراقها الناضرة / مثل فم يطلب تقبيل فم
فظلّ يرنو مستديم النظر / رنوّ ظمآنٍ إلى منهل
وهي غدت ممّا بها من خفر / محمرّةً من نظر مخجل
ثم تمادى غرداً صادحا / يعلن للوردة أشواقه
ينطق بالحب لها بائحا / وهي التي تفعل أنطاقه
وتنشر الطيب له نافحا / كأنها تقصد انشاقه
حتى غدا البلبل منذ الصغر / في حبّها منطلق المقول
ينشد فيها شعره المبتكر / ولا يني فيه ولا يأتلي
أما ترى الأزهار كيف اغتدت / فراشة الروض عليها تطير
لها جناح هي منه ارتدت / ملاءةً مَوشيّةً من حرير
فهي إلى الروضة مذ ورّدت / أرسلها البلبل نحو الأمير
تحمل للورد أمير الزهر / رسائل الشوق من البلبل
فشاع في الأزهار هذا الخبر / واستَوجب العطف على المرسل
حتى إذا الورد مضى والنقضى / وعادت الروضة كالبلقعه
مسّت حشا البلبل نار الغضا / من حرقة البين الذي أوجعه
لا تسأل البلبل عمّا مضى / في زمن الورد له من دعه
ولكن اسأل في السماء القمر / عن خبر الورد مع البلبل
إذ كان يصغي منهما للسمر / وهو مطلٌّ ناظر من عل
فراشة الروضة ظلّت لذا / تحوم والأزهار من تحتها
تقبّل الزهرة ذات الشذا / طائرة منها إلى أختها
وتسأل الأزهار عمّا إذا / مرّ فقيد الورد من سمتها
لتخبر البلبل بعض الخبر / لعلّه غمتّه تنجلي
فإنه بات حليف السهر / مذ نزح الورد عن المنزل
رقّت بوصف جمالك الأقوال
رقّت بوصف جمالك الأقوال / ورأتك فأفتتنت بك العذال
وهب الآله بك الجمال تجمّلاً / حتى كأنك للجمال جمال
كل العيون إذا برزت شواخص / كيما تراك وغضّهنّ محال
وإذا الخليّ رآك عاد بمهجة / للوجد مخترق بها ومجال
كم قد سفرت ففي القلوب تولّه / لما رأوك وفي العقول خبال
فرمَوك بالأبصار وهي كليلةٌ / من نور وجهك نورهنّ مذال
ربطوا الأكفّ على ضلوع تحتها / بين النواظر والقلوب جدال
لو كنت في أيام يوسف لم تكن / بجمال يوسف تضرب الأمثال
ولقطّعت دون الأكفّ قلوبها / شوقاً إليك مع النساء رجال
كم قد يجور على جفونك سقمها / كسراً وتجهد خصرك الأكفال
عجباً لطرفك وهو أضعف ما أرى / يرنو فترهب فتكه الأبطال
أ يوسف ما إن أنت من فحل هجمةٍ
أ يوسف ما إن أنت من فحل هجمةٍ / ولكن من الشَول الطوالب للفحل
لئن كنت تنمى للعطاء فإنه / عطاء الذي تزكو الورى فيه بالبخل
وإن كنت قد كفّرتني بجهالة / فبالبهت كم كفرت من مسلم قلبي
وإنك في تكفيرك الناس كافر / تهاون بالله الذي جلّ مثل
رويدك قد كفرت يا وغد مؤمناً / وكذبت فيما تدعي سيّد الرسل
وأنت امرؤٌ لم تجهل العلم وحده / بل الجهل أيضاً بل وجهلك بالجهل
وأنت من الإسلام في كل حالة / بمنزلة الظلم الصريح من العدل
نطقت ببطل القول تهذي ممخرقّاً / ومثلك من يهذي وينطق بالبطل
ألست الذي أعطى اللئام كرامةً / وكشّر فيه الأصل عن أربع عصل
وكم قرطست فيك الرماة ووترّت / عليك القسيّ الملس يا جعبة النبل
فيا علج أقصر عن نهيقك أنه / أضلّ كاضلال الخوار من العجل
أنزّه عنك السيف في قتلك الذي / تحتّم لكن يا مخنّث بالنعل