القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 21
وَضَحَ اليقينُ لمن يَرى أو يَسمعُ
وَضَحَ اليقينُ لمن يَرى أو يَسمعُ / ولَقلَّما تُجدِي الظُّنونُ وتَنفعُ
النَّصرُ حَقٌّ والمُنَبِّئُ صادقٌ / والويلُ للمغرور ماذا يَصنعُ
اخشَعْ أبا لهبٍ فإنْ تَكُ ذا عَمىً / فجبالُ مَكّةَ والأباطحُ خُشَّعُ
مولى رسولِ اللّهِ يُضرَبُ ما جنى / ذَنباً ولم يك كاذباً يَتَشَيَّعُ
هِيَ يا أبا لَهَبٍ كَتائِبُ رَبّهُ / نَزلتْ تُذِلُّ الكافرين وتقمعُ
أخذتْ لُبابةُ للضّعيفِ بحقّهِ / ومَضَى الجَزَاءُ فأنت عانٍ مُوجَعُ
وشَفَتْهُ مِنكَ بضربةٍ ما أقلعتْ / حتَّى رمتكَ بِعلَّةٍ ما تُقلِعُ
قَالتْ بَغَيْتَ عليه واسْتَضعفتَهُ / أن غابَ سَيِّدُهُ وَعزَّ المفزَعُ
ما بالعمودِ ولا بِرأسِكَ رِيبةٌ / إنَّ الغوِيَّ بمثلِ ذلك يُردَعُ
حُييتِ أمَّ الفضلِ تلك فضيلةٌ / فيها لك الشَّرفُ الأعزُّ الأمنعُ
اللّهُ أهلكَهُ بداءٍ ماله / شافٍ ولا فيه لآسٍ مَطْمَعُ
تمضي البشائرُ جُوّلاً وتجولُ في / دمهِ السُّمومُ فجِلدُهُ يَتمزَّعُ
أمسى المُكاثِرُ بالرجالِ مُبغَّضاً / يُجْفَى على قُربِ المزارِ ويُقطعُ
أكلته صاعِقَةُ العمودِ وإنّما / أكلته سَبْعٌ بعد ذلكَ جُوَّعُ
هم غادروه ثلاثةً في دارِهِ / لا الدّارُ تَلفظهُ ولا هُوَ يَنزعُ
تَتَجَنّبُ الأيدي غَوائِلَ دائِه / فَيُدَعُّ بالخُشُب الطوالِ ويُدفَعُ
رجموه لو كَرِهَ السَّفاهةَ فارْعَوى / ما ساءَ مَهلكُه وهالَ المصرَعُ
ما أكثرَ الباكِينَ مِلءَ جُفونهم / للجمعِ بالبيضِ البَواتر يُصدَعُ
جَزَّ النِّساءُ شُعورَهنَّ وغُودِرَتْ / والبيتُ يَشدو والحَطيمُ يُرجِّعُ
والمُسلِمونَ بنعمةٍ من ربِّهمْ / فيها لِكُلِّ مُوَحِّدٍ مُسْتَمتَعُ
اللّهُ أكبرُ لا مَردَّ لحكمِه / هُوَ ربُّنا وإليهِ منّا المرجعُ
صاحبُ السَّيْفَيْنِ ماذا صنعا
صاحبُ السَّيْفَيْنِ ماذا صنعا / ودَّعَ الصفَّيْنِ والدنيا معا
غابَ عن أصحابهِ ما علموا / أيَّ دارٍ حلَّ لما وَدّعا
غاب عن أعينهم في غَمْرَةٍ / سدَّ غُولُ الهولِ منها المطلعا
طلبوه وتَنادى جَمعُهم / نَكبةٌ حلّتْ وخَطبٌ وقعا
يا رسولَ اللهِ هذا حمزةٌ / أترى عيناك منه المصرعا
إنّه عَمُّكَ إلا أُذُناً / قُطِعَتْ منه وأنفاً جُدِعا
إنّه عمّك فانظرْ بَطْنَهُ / كيف شقُّوه وعاثوا في المِعَى
كبدُ الفارسِ ماذا فعلت / أين طاحت من قضى أن تُنزَعا
نَذرُ هندٍ هِيَ لولا أنها / لم تُسِغْها أكلتها أجمعا
طفقت تَمضغُ مِن أفلاذِها / عَلقماً مُرّاً وسُماً مُنقَعا
كلّما هَمَّتْ بها تَدفعُها / مِلءَ شِدْقَيْها أبتْ أن تُدفعا
نَذرتْ يومَ أبيها نذْرها / عَلّها تشفِي الفُؤادَ المُوجَعا
جَاءَ وَحْشِيٌّ فضجَّتْ فَرحاً / وَيْكِ إنّ الأرضَ ضَجَّتْ فَزَعا
تَبذلينَ الحَلْي والمالَ على / أن جناه جاهلياً مُفظعا
يا له يا هندُ جُرحاً دامياً / ضاقَ عنه الصّبرُ مما اتّسعا
أفما أبصرتِ رُكنَيْ أُحُدٍ / حِينَ سالَ الجرحُ كيف انصدعا
وأبو سُفيانَ ماذا هاجه / أفما يُزمِعُ أن يَرتدعا
غَرَّهُ في يومِه ما غرّه / إنّ عند الغدِ سِرّاً مُودَعا
يَطعنُ اللّيثَ ويَفرِي شِدْقَهُ / حِينَ ألقَى جَنْبَهُ فاضطجعا
لو رآه يتحدَّى نفسَهُ / لرآها كيف تَهوِي قِطعَا
يذكرُ العُزَّى ويدعو هُبلاً / وَيْحَهُ من ذاكرٍ ماذا دعا
أَسدُ اللّهِ رماهُ ثَعلبٌ / يا له من حادثٍ ما أبدعا
أخَذْتهُ عثرةٌ مَزؤودَةٌ / ضَجَّتِ الدنيا لها تدعو لعا
زالتِ الدِّرعُ فغشَّى بطنَهُ / دافقٌ من دمهِ فادّرعا
حَرْبَةٌ ظَمأى أصابت مَشرعاً / كان من خيرٍ وبرٍّ مُترَعا
جَزَع الهادي لها نازلةً / جلّلتْ عُليا قريشٍ جَزَعا
تلك رُؤياهُ وهذا سيفُهُ / لا رعَى الرحمنُ إلا مَن رعى
ثَلمةٌ هدَّت من الكفرِ حِمىً / زعم الكفّارُ أن لن يُفْرَعا
بُورِكَ المضجعُ والقومُ الألى / وسَّدوا فيه الشهيدَ الأروعا
مثَلَ القومُ به من بغيهِم / ما نهاهم دِينُهم أو منَعا
ليس للأخلاقِ إلا دينُها / يُؤثر المثلى ويهدِي مَن وعى
وَعَد الإسلامُ خيراً مَن عفَى / إنّ حُسنَ العفوِ ممّا شَرعا
سائلِ اللائي تقلَّدنَ الحِلَى / من جلودٍ من رآها خَشعا
أهي كاللؤلؤِ أم أبهى سناً / من غواليهِ وأسمى موضعا
بوركَتْ إني أراها زُلَفاً / رفع اللّهُ بها من رَفعا
لن يفوتَ الكفرَ منها ذابحٌ / لا يُبالي أيَّ جلدٍ مَزعا
يا لِرَيْبِ الدّهرِ ما أفدَحَهُ / حادثاً نُكراً ورُزءاً مُفجِعا
رَجَع الذّكرُ به مُؤتنفاً / ولقد أشفقتُ أن لا يرجعا
شُغِلَ الأهلُ عن الأهلِ فيا / عجباً للدهر ماذا صنعا
أفما أُبصِرُ إلا لاهياً / أو مُعَنّىً بالأماني مُولَعا
اذكروا يا قومُ من أمجادِكم / ما نَسِيْتُم رُبَّ ذِكرٍ نَفعا
إلى القومِ الأُلى جمعوا الجموعا
إلى القومِ الأُلى جمعوا الجموعا / إلى نَجدٍ كفَى نجداً هُجوعا
أبتْ شمسُ الهدى إلا طُلوعا / ففاضَ شُعاعُها يغشى الرُّبوعا
ويسطعُ في جوانِبها سُطوعا /
إلى غطفانَ إنّهُمُ استعدُّوا / وظنَّ غُواتُهم أن لن يُهدُّوا
بَني غَطفانَ جِدُّوا ثم جِدُّوا / جَرى القَدرُ المُتاحُ فلا مردُّ
بني غطفانَ صَبراً أو هلوعا /
مشى جُندُ النبيِّ فأيُّ جندِ / وأين مضى الألى كانوا بِنَجْدِ
تولَّى القومُ حَشْداً بعد حشدِ / حَذارَ البطشِ من جِنٍّ وأُسْدِ
ومن ذا يشتهِي الموتَ الفظيعا /
نساءَ الحيِّ ما صنعَ الرجالُ / أمكتوبٌ عليكنَّ القتالُ
لَكُنَّ الأمنُ إن فزعوا فزالوا / أما ومحمدٌ وهو الثَمالُ
لقد نلتنَّهُ حِرزاً منيعا /
إليهِ إليهِ إنّ بكنَّ ضعفا / وإنّ بهِ لمرحمةً وعطفا
وفيه من التُّقى ما ليس يَخفى / وما حاولتُ ترجمةً ووصفا
فلستُ لمثلِ ذلك مُستطيعا /
نزيلَ الشِّعبِ من يحَمِي سواكا / ولكن قل تَبارَكَ من هداكا
أترقدُ هاهنا وهمو هناكا / أما مِن كالئٍ يُرجَى لذاكا
إلى أن يبعثَ اللهُ الصّديعا /
ألا طُوبى لعبّادِ بن بشرِ / وعَمّارٍ كفايةِ كلِّ أمرِ
رسولَ اللهِ نحن لهم ويَجرِي / قضاءُ اللهِ إن طرقوا بِشرِّ
كعهدِكَ إذ جرى سمّاً نقيعا /
وأجرَى الأمرَ عَبّادٌ سويّا / فقامَ ونامَ صاحبهُ مَلِيَّا
وكان بأن يُناصِفَه حَرِيّا / مُحافظةً على المثلى وبُقيا
قَرِيعُ شدائدٍ وافى قريعا /
لِرَبِّكَ صلِّ يا عبّادُ فردا / وَزِدْ آلاءَهُ شُكراً وحمدا
ومُحكَمُ ذكرهِ فاجعلْهُ وِردا / فإنّ له على الأكبادِ بَردا
وإنْ أذكى الجوانحَ والضُّلوعا /
ولاح سوادهُ فرماهُ رامِ / أتى إثرَ الحليلةِ في الظلامِ
فَديتُكَ يا ابن بشرٍ من هُمامِ / أما تنفكُّ عن نزعِ السِّهامِ
تُحامِي عن صلاتِكَ ما تُحامِي / وجسمُك واهنُ الأعضاءِ دامِ
أمالكَ يا ابن بشرٍ في السَّلامِ / وقد جَرتِ الدِّماءُ على الرغامِ
ألا أيقِظْ أخاك من المنامِ / كفاكَ فقد بَلغتَ مدى التمامِ
وما تَدَعُ القُنوتَ ولا الخشوعا /
رأى عمّارُ خَطبكَ حين هبَّا / فلم يرَ مِثلَهُ من قبلُ خطبا
يقولُ وَنفسُه تنهدُّ كربا / أيدعوني الحِفاظُ وأنت تأبى
لقد كُلّفتُ أمراً منك صعبا / ولو أيقظتني لشَفيتَ قلبا
جرحتَ سوادَه جُرحاً وجيعا /
وأبصرَ شخصَه الرامي الملحُّ / فزلزلَ قلبَهُ للرُّعبِ نَضْحُ
وأمسك منه تَهتانٌ وسحُّ / وما إن راعه سَيفٌ ورُمْحِ
ولكنْ مسّه خَبَلٌ فَرِيعا /
تولَّى يخبط الظلماءَ ذُعرا / ويحسب دِرعَهُ كَفَناً وقبرا
ألا أدبِرْ جزاك اللهَ شرّا / ظَفِرتَ بصابرٍ وأبيت صبرا
فآثرتَ الهزيمة والرجوعا /
وجاء غُويرِثٌ يبغي الرسولا / ويطمَعُ أن يُغادِرَهُ قتيلا
كذلك قال يستهوِي القبيلا / غُوَيرِثُ رُمْتَ أمراً مستحيلا
فهل لك أن تثوبَ وأن تريعا /
أتيتَ مُحمداً تُبدي السَّلاما / وتُخفِي الغيظَ يضطرمُ اضطراما
تقول مُخاتِلاً أرِني الحُسَاما / وتأخذُه فلا تَرعَى الذماما
أغدراً يا له خُلُقاً وضيعا /
تهمُّ به ولستَ بمستطيعِ / فأين مَضارِبُ السَّيفِ الصنيعِ
وكيف وَهَتْ قُوى البطلِ الضليعِ / تعالى اللَّهُ من مَلِكٍ رفيعِ
يُريك جلاله الصُّنعَ البديعا /
سألتَ رسوله أفما تخافُ / وسيفُكَ في يَدِي موتٌ ذُعافُ
أراكَ من المواردِ ما يُعافُ / فلا فَرَقٌ عراكَ ولا ارتجافُ
فيا لكِ كَرّةً خسرتْ جميعا /
فقال محمدٌ ربّي يقيني / ويَمنعُ مُهجتي ويصونُ ديني
وصارِمَه تَلَّقى باليمينِ / ألا بُوركتَ من هادٍ أمينِ
تَردُّ أناتهُ الحُلْمَ النزيعا /
أخذتَ السّيفَ لو تبغِي القَصاصا / لما وَجَد المُسِيءُ إذاً مناصا
تقوله له بمن ترجو الخلاصا / إذا أنا لم أُرِدْ إلا اقتناصا
فلن تجد الوليَّ ولا الشفيعا /
يقول غويرثٌ كن خيرَ مولى / وأنتَ أحقُّ بالحسنى وأولى
فقال له أتؤمِنُ قال كلاّ / ولكنّي أُعاهِدُ ثم ولَّى
ودينُ اللَّهِ يَطلبُه سريعا /
وحدّثَ قَومَهُ يا قومِ إني / بخيرِ الناسِ قد أحسنتُ ظنّي
رأيتُ خِلالَه فرجعتُ أُثني / عليه وقد مضى الميثاقُ منّي
فلستُ لمن يُناوِئه تبيعا /
أعزَّ اللّهُ شيخَ الأنبياء / وأيّدهُ بآياتٍ وضاءِ
ألم تخبره تَرجمةُ الرغاءِ / بما يَجِدُ البعيرُ من البلاءِ
تَوجَّعَ يشتكي سُوءَ الجزاءِ / وفُقدانَ المروءةِ والوفاءِ
أيذبحُه ذووه على العياءِ / وبعد الجِدِّ منه والمضاءِ
رثى لِشكاتِهِ حقَّ الرثاءِ / وراضَ ذويه من بعدِ الإباءِ
فَمُتِّعَ بالسّلامةِ والبقاءِ / وراحَ فأيَّ حمدٍ أو ثناءِ
يُؤدّي الحقَّ أو يَجزِي الصّنيعا /
هدأ المخيَّمُ واطمأنَّ المضجعُ
هدأ المخيَّمُ واطمأنَّ المضجعُ / وأبى الهدوءَ الصَّارِخُ المتوجِّعُ
الحقُّ جَنْبٌ بالجراحةِ مُثْخَنٌ / وَحُشَاشَةٌ تهفو وقلبٌ يَفزَعُ
يا سعدُ خطبُكَ عند كلِّ مُوَحِّدٍ / خَطبٌ يجيءُ بهِ الزَّمانُ ويرجِعُ
السَّهمُ حيثُ تَراهُ لا آلامُهُ / تُرجَى عَوَاقِبُها ولا هُو يُنزَعُ
ما أنتَ حَيْثُ يكونُ سَيِّدُ قومِهِ / أين الولائدُ والفِناءُ الأوسعُ
لكَ من رُفَيْدَةَ خَيْمَةٌ في مَسْجِدٍ / للمعشرِ الجَفَلَى تُقَامُ وترفَعُ
بل تلك منزلةُ الصَّفِيِّ بَلَغتَها / فَوَفَى الرجاءُ وصَحَّ مِنكَ المَطمعُ
حَدِبَ الرسولُ عليكَ يَكرهُ أن يَرى / مَثواكَ مطَّرَحَ الجِوارِ ويَجزعُ
جارَ الرسولِ وما بُليتَ بحاسدٍ / الخيرُ والرضوانُ عِندَكَ أجمعُ
قال اجعلوا البطلَ المنوَّهَ باسمِهِ / منِّي على كَثَبٍ أراهُ وأسمعُ
وَأَعُودُهُ ما شئتُ أَقضِي حَقَّهُ / وأرى قَضَاءَ اللَّهِ ماذا يَصنعُ
حَسْبُ المجاهدِ أن يكونَ بمسجدي / فَلَذَلكَ الحَرَمُ الأعزُّ الأمنعُ
اللَّهُ خَصْمُكَ يا ابن قيسٍ إنّه / سَهْمٌ أُصيبَ به التَقِّيُّ الأروَعُ
لا أخطأتكَ من الجحيمِ وَحرِّها / مشبوبةٌ فيها تُدَعُّ وتُدفَعُ
لِمَنِ الدمُ الجاري يَظَلُّ هَدِيرُهُ / مِلءَ المسامعِ دائباً ما يُقلِعُ
أفما تَرَوْنَ بَني غِفَارٍ أنَّه / من عندِ خيمتكم يفيضُ ويَنْبُعُ
ماذا بِسَعْدٍ يا رُفَيْدَةُ خَبِّري / إنّ القلوبَ من الجنُوبِ تَطَلَّعُ
يا حَسْرَتَا هو جُرْحُه يجرِي دَماً / بعد الشِّفَاءِ ونَفسُهُ تَتَمزَّعُ
حَضرتْ منيّتُهُ وحُمَّ قَضَاؤُه / ولكلِّ نَفسٍ يَومُها والمصرعُ
ضَجَّ النُّعاةُ فهزَّ يثربَ وَجدُها / وهفا بِمَكَّةَ شَجُوها المتنوِّعُ
رُكنٌ من الإسلامِ زَالَ وما انتهى / بانيهِ ذَلكمُ المُهمُّ المُفظِعُ
خَطبٌ أصابَ المسلمينَ فذاهلٌ / ما يَستفيقُ وجازعٌ يَتَفَجَّعُ
صَبراً رسولَ اللهِ إن تكُ شِدَّةٌ / نَزَلَتْ فإِنَّكَ لَلأشَدُّ الأَضلَعُ
أنت المعلِّمُ لا شريعةَ للهُدى / إلا تُسَنُّ على يَدَيْكَ وتُشْرَعُ
تَمضي على المُثْلَى وكلٌّ يَقتَفِي / وَتَجِيءُ بالفُضلَى وكُلٌّ يَتْبَعُ
أقِمِ الصَّلاَةَ على الشَّهيدِ وسِرْ بِهِ / في ظِلِّ رَبِّكَ والملائكُ خُشَّعُ
يمشونَ حولَ سريره عَدَدَ الحصى / فالأرضُ ما فيها لِرِجلكَ مَوْضِعُ
تمشي بأطرافِ الأصابِعِ تَتَّقِي / ولقد تكون وما تُوقَّى الإصبعُ
العرشُ مُهتزُّ الجوانبِ يَحتَفِي / واللَّهُ يضحِكُ والسَّماءُ تُرجِّعُ
يا ناهضاً بالدينِ يَحملُ عِبْأَهُ / والبأسُ يعثرُ والسَّوابِقُ تَظْلَعُ
اهنأ بها حُلَلاً حملت حِسانَها / نُوراً على نُورٍ يُضيءُ وَيَسْطَعُ
هذا مكانُكَ لا العطاءُ مُقَتَّرٌ / عِندَ الإلهِ ولا الجزاءُ مُضَيَّعُ
لك يومَ بدرٍ عند ربّكَ مَشهدٌ / هُوَ للهُدَى والحقِّ عُرسٌ مُمتِعُ
نُصِرَ النبيُّ به على أعدائِهِ / والجوُّ يُظْلِمُ والمنايا تَلمعُ
كانت مقالةَ مُؤمنٍ صَدَعَتْ قُوَىً / زعمتْ قُريشٌ أنّها لا تُصدَعُ
بعثَتْ من الأنصارِ كلَّ مُدرَّبٍ / يَقِظَ المضارِبِ والقواضِبُ هُجَّعُ
يا سعدُ ما نَسِيَ العريشَ مُقيمُه / يحمي غِياثَ العالمين ويمنعُ
لمّا تَوالَى الزَّحفُ جِئتَ تَحُوطُهُ / وتَرُدُّ عنه المشركِينَ وتَردعُ
في عُصبةٍ ممّن يَليكَ دَعَوْتَهَا / فالبأسُ يَدلفُ والحميَّةُ تُسرِعُ
قمتم صفوفاً كالهضابِ يشدُّها / راسٍ على الأهوالِ ما يتزعزعُ
ولقد رَميتَ بني قريظةَ بالتي / سَمِعَ المجيبُ فهالكٌ ومُروَّعُ
أحببْ بها من دعوةٍ لك لم تَمُتْ / حتى أصابك خَيَرُها المتوقَّعُ
نقعَ الإلهُ غَليلَ صَدرِك إنّه / يَشفِي صدور المؤمنين وينقعُ
إن شيعوك فلم تجدني بينهم / فالخطبُ خطبي والبيانُ مُشيِّعُ
الدهرُ معمورٌ بذكرِكَ آهلٌ / ما في جوانبِهِ مكانٌ بلقعُ
خَطَب الرسولُ فَكُلُّ سَمْعٍ مُنْصِتٌ
خَطَب الرسولُ فَكُلُّ سَمْعٍ مُنْصِتٌ / في الخَافِقَيْنِ وكلُّ قلبٍ خَاشِعُ
قُلْ يا محمّدُ كُلُّ شيءٍ مُطرقٌ / يَرجو المزيدَ وكلُّ شيءٍ سَامِعُ
قل ما يُعَلِّمكَ الذي هو عَالِمٌ / أنّ النُّفوسَ إلى الفسادِ نَوازِعُ
أدِّبْ بدينِ اللَّهِ قَوْمَكَ إنّه / دِينٌ لأشتاتِ الفضائلِ جامعُ
هذا تراثُ العالمِينَ بأسرهم / يَجرِي عليهم نَفْعُه المتتابعُ
فلكلِّ عصرٍ منه وِردٌ سائغٌ / ولكلِّ جِيلٍ منه كَنْزُ رائعُ
قُل للذي تَرك السّبيلَ ألا اسْتَقِمْ / وعَنِ العَمايةِ فَلْيَزَعْكَ الوازِعُ
فإذا غَوَيْتَ فكلُّ شيءٍ ضائرٌ / وإذا اهتديتَ فكلُّ شيءٍ نافعُ
اللَّهُ أنزلَ في المفصَّلِ حُكمَهُ / والحقُّ يعرفه التَقيُّ الطائعُ
بَنِي حَنِيفَة ما أشقَى مسيلمةً
بَنِي حَنِيفَة ما أشقَى مسيلمةً / وما أضلَّ الأُلَى أمْسَوا له تَبَعا
جئتم بهِ في ثيابٍ مِلؤُها دَنَسٌ / تَكادُ تَلفظُهُ من هَوْلِ ما صَنَعا
تَرمِي به الأرضُ شيطاناً وتَقذِفُه / رِجْساً مُغَطَّى وشرّاً جاءَ مُبتدعا
يا وَيْلَهُ إذ تُرِيه النَّجمَ في يدِهِ / نَفْسٌ مُضلَّلةٌ هاجتْ له طَمَعا
رَام النُبوَّةَ شَطْرٌ للذي اجتمعت / فيهِ وشطرٌ له يا سوءَ ما اخترعا
قال النبيُّ له لو جِئتَ تسألُني / هذا العَسيبَ الذي عانيتَ لامْتنَعَا
أنا النبيُّ وما أمرِي بِمُشْتَرَكٍ / فَاعْصِ الهَوى وَارْتَدِعْ إن كنتَ مُرتدِعا
أضلَّهُ غيهبٌ للجهلِ مُرتَكِمٌ / أحاط بالقومِ حيناً ثُمَّتَ انْقَشَعا
خَفُّوا إلى الحقِّ يرتادونَ مَنْبَتَهُ / وليس كالحقِّ مُرتاداً ومُنتَجَعَا
وَجاءَ في فتنةٍ عَمياءَ زَيَّنَها / له الغُرورُ وسُوءُ الرأيِ فَانْخَدَعا
إنّ الفسادَ جميعاً والضّلالَ معاً / إلى اليمامةِ في أجلادِهِ رَجَعا
تَلقَّفَ النَّاسَ يُغْوِيهمْ ويَكذِبُهم / فهل رَأوْا مِثلَهُ من كاذبٍ بَرَعا
يقولُ إنّ رسولَ اللهِ أشْرَكهُ / في الأمرِ يَحمِلُ شطراً منه فَاضْطَلعا
ورَاحَ يدعو إلى دينٍ يُزيِّنهُ / أشقَى الدُّعاةِ جميعاً مَن إليهِ دَعا
ألغَى الصّلاةَ وأعطى النَّاسَ بُغْيَتَهُمْ / مِنَ الزِّنا ومن السُّمِّ الذُّعافِ مَعا
دِينُ الفجورِ ومَكروهِ الأمورِ ألا / لا باركَ اللّهُ في الدّينِ الذي شَرَعا
لَو راحَ صاحِبُه يرمي به جَبَلاً / يَعلو الجِبالَ مِنَ الأخلاقِ لانْصَدَعا
ما الطاحناتُ وتاءات يُردِّدُها / لا كانَ مِن فاجرٍ لا يَعرِفُ الوَرَعا
صبراً حنيفةُ إنّ اللهَ قاتِلُهُ / ولا مَردَّ لأمرِ اللهِ إن وقعا
اسأَلِي يا نَجدُ أهلَ المَيْفَعهْ
اسأَلِي يا نَجدُ أهلَ المَيْفَعهْ / كيف أمسَوا بعد أمنٍ وَدَعَهْ
وانْظرِي ما صَنَعَ الكُفرُ بهم / من أذىً يُعجبه أن يصنَعَهْ
هو صِنْوُ الشّرِّ أو تَوأمُهُ / ما ثَوى في موطنٍ إلا مَعَهْ
ما الذي يعصمُهم من غَالبٍ / جُذوَةِ الحربِ وليثِ المَعْمَعَهْ
جاءهم يقدمُ من أبطالهِ / كلَّ ماضٍ لا يُبالي مَصْرَعَهْ
يَمنعُ الإسلامَ من أعدائِهِ / بدمٍ يأبَى له أن يَمنعَهْ
لو تمشّى الموتُ في بُرْدَتِهِ / حينَ يمشِي للوغَى ما رَوَّعَهْ
أخذوهم أخْذَةً رابيَةً / صَادفْت منهم نُفوساً فَزِعَهْ
ثم آبوا كالنُّجومِ الزُّهرِ في / نِعمةٍ ممّا أصابوا وَسَعَهْ
يا ابنَ زيدٍ قَدِّم العُذَر وقُلْ / يا رسولَ اللَّهِ هل مِن تَبِعَهْ
رَجلٌ أجْمَعَ أن يخدعني / فجعلتُ السَّيفَ يَعلو أخْدَعَهْ
أعلنَ الإسلامَ يَحْمِي دَمَهُ / وله بالكُفرِ نَفْسٌ مُولَعَهْ
قال هل شَقَّ الفتى عن قلبهِ / فَيرى السِّرَّ ويَدْرِي مَوضِعَهْ
يا ابنَ زيدٍ يا له من خُلُقٍ / لستَ بالمؤمنِ حتَّى تَدَعَهْ
ساءَهُ اللّومُ فقلبٌ آسفٌ / يَتَّقِي اللَّهَ ونفسٌ مُوجَعَهْ
تابَ ممّا سَوَّلَ الظنُّ له / وأباها سُنّةً مُبتَدَعَهْ
ليس للمرءِ من الأمرِ سِوَى / ما رآهُ ظاهراً أو سَمِعَهْ
وخفَايا الغيبِ للهِ الذي / يَعلمُ السّرَّ ويَدرِي مَوقِعَهْ
احترسْ ما الظنُّ إلا شُبهةٌ / تتَّقِيها كلُّ نَفْسٍ وَرِعَهْ
وَاتْبَعِ الحقَّ فهذا حُكمُهُ / جاء في القُرآنِ كيما تَتبَعَهْ
ما سبيلُ المرءِ يَرتادُ الهُدَى / كسبيلِ المرْء يَبْغِي المنفعهْ
ما نَأَى المؤمنُ عن عاداتِهِ / حين ينأى عن هَوانٍ وَضِعَهْ
عُيَيْنَةُ ماذا أنتَ وَيْحَكَ صَانِعُ
عُيَيْنَةُ ماذا أنتَ وَيْحَكَ صَانِعُ / وما ذلك الجمعُ الذي أنتَ جَامعُ
رُوَيْدَكَ هل يغزو المدينةَ حانِقٌ / ويطمعُ فيها يا عُيينَةُ طامِعُ
هي الصّخرةُ العظمى فلا البأسُ نافعٌ / إذا جِئتَ تَبغيها ولا السّيفُ قاطِعُ
لها من جَلاَلِ اللهِ حِصْنٌ مُمنَّعٌ / يَرُدُّ الأذَى عنها وجَيْشٌ مُدافِعُ
وفيها رسولُ اللهِ والنَّفَرُ الأُلى / يَهُونُ عليهم أن تَهُولَ الوقائِعُ
إذا وَرَدوا الهيجاءَ فالنّقعُ قاتمٌ / وإن صَدَرُوا بالخيلِ فالنّصرُ لامِعُ
بَشيرُ بنُ سعدٍ يا عُيينَةُ قادِمٌ / فهل أنتَ بالجمعِ المضلَّلِ راجِعُ
أتاكم على بُعْدِ المَزَارِ حَديثُهُ / فلا قَلْبَ إلا واجفٌ منه جَازِعُ
فَرَرْتُم تُرِيْدونَ النّجاةَ وقد بَدَا / لكم منه يومٌ هائلُ البأسِ رَائِعُ
وغادرتمُ الأنعامَ تَعْوِي رُعاتها / وتَندبُها آثارُها والمراتِعُ
فيا لكَ من نَهْبٍ تَوَلَّى حُماتُهُ / وأقبلَ يُزجَى سِربُهُ المتتابِعُ
ويا للأسِيرَيْنِ اللذين نَهاهما / عن الشِّرْكِ ناهٍ من هُدَى اللهِ رادعُ
هُما أسلما لما بَدَا الحقُّ واضحاً / وللحقِّ نورٌ للعَمَايَةِ صادعُ
أطاعا رسولَ اللهِ فَاهْتَدَيَا بِهِ / وما يَسْتَوِي في النّاسِ عاصٍ وطائعُ
عُيَيْنَةُ من يَنْزَعْ إلى الرُّشْدِ لا يَزَلْ / على لاحبٍ منه فهل أنت نازِعُ
مُت لِتَحيا وَلا تُرِدها حَياةً
مُت لِتَحيا وَلا تُرِدها حَياةً / تَصطَليها النُفوسُ مَوتاً فَظيعا
ضَيعَةُ النَفسِ في اِحتِفاظِكَ بِالنَف / سِ وَعارٌ عَلى الفَتى أَن يَضيعا
آيَةُ الحُرِّ أَن يُغامِرَ لِلمَج / دِ وَأَن يَطلُبَ المَحَلَّ الرَفيعا
يَستَبيحُ الحِمى المَنيعَ وَيَعتَد / دُ دِماءَ العِدى حِماهُ المَنيعا
ساهِرُ الهَمِّ وَالصَريمَةِ لا يَب / غي قَراراً وَلا يُريدُ هُجوعا
يَعلَمُ الحَيُّ أَنَّهُ عِصمَةُ الحي / يِ إِذا خافَ مِن مُلِمٍّ وُقوعا
صادِقُ العَزمِ لا يَضيقُ لَدى الإِق / دامِ ذَرعاً وَلا يُطيقُ رُجوعا
يُنكِرُ السُبلَ لا تَموجُ نُفوساً / حينَ يَمضي وَلا تَمُجُّ نَجيعا
شَرُّ ما تَجلِبُ الخُطوبُ عَلَيهِ / أَن يَرى شَعبَهُ الأَمينَ مَروعا
فَهوَ يَمضي مُجاهِداً لا يُبالي / صَرعَ الخَصمَ أَم تَرَدّى صَريعا
يَتَلَقّاهُ حاسِراً يَأخُذُ الأَس / يافَ غَصباً وَيَستَبيحُ الدُروعا
سائِلِ الناسَ أَيُّهُم صانَ نَفساً / وَاِبكِ حُرّاً صانَ النُفوسَ جَميعا
يا أَيُّها الداعي وَلَيسَ بِمُسمِعٍ
يا أَيُّها الداعي وَلَيسَ بِمُسمِعٍ / أَمسِك عَلَيكَ الصَوتَ حَتّى يَسمَعوا
هُم يَعرِفونَ الحَقَّ فَاِنصَح غَيرَهُم / إِن كانَ هَذا النُصحُ مِمّا يَنفَعُ
أَعَلَيكَ في أَمرِ البِلادِ مُعَوَّلٌ / وَإِلَيكَ في جِدِّ الحَوادِثِ مَرجِعُ
هَوِّن عَلَيكَ فَفي البِلادِ مَدارِهٌ / تُدلي بِحُجَّتِها الَّتي لا تُدفَعُ
لا تَمنَعَنَّ مِنَ العَدُوِّ ذِمارَها / إِنَّ الذِمارَ بِغَيرِ بأسِكَ يُمنَعُ
إِنَّ العَدُوَّ أَحَبُّ مِمَّن تَصطَفي / وَأَجَلُّ شَأناً في النُفوسِ وَأَرفَعُ
لا يَجهَلُ القَومُ الَّذينَ تَمَرَدّوا / أَنَّ الرِقابَ لِحُكمِهِم لا تَخضَعُ
لَيسوا لَنا أَهلاً وَلَسنا نَبتَغي / بَدَلاً بِأَهلينا الَّذينَ تَمَزَّعوا
إِخواننا الأَدنَونَ يُلحِقُنا بِهِم / عَلَمٌ يُظَلِّلُنا وَدينٌ يَجمَعُ
سَيَلفُّنا الزَمَنُ المُفَرِّقُ بَينَنا / وَيَضُمُّنا العَهدُ الَّذي نَتَوَقَّعُ
فَتَزول أَيّامُ النُحوسِ وَتَنقَضي / مِن حادِثاتِ الدَهرِ ما نَتَجَرَّعُ
إِنَّ النُفوسَ عَلى جَلالِ سُكونِها / لَتَجيشُ لِلحَدثِ الجَليلِ وَتَفزَعُ
وَالشَعبُ ما حَمَلَ البَلاءَ فَإِنَّهُ / مَهما تَجَلَّدَ لا مَحالَةَ يَجزَعُ
أَتُحارِبونَ اللَهَ في جَبَروتِهِ
أَتُحارِبونَ اللَهَ في جَبَروتِهِ / أَم تَمكُرونَ بأُمَّةٍ ما تُخدَعُ
عَقَدَت عَزيمَتَها عَلى اِستِقلالِها / وَمَضَت لِطَيَّتِها تَخُبُّ وَتُوضِعُ
لا تَمتَري في الحَقِّ تَطلُبُهُ وَلا / تَلوي العِنانَ لِباطِلٍ لا يَنفَعُ
إِنَّ الحَوادِثَ لا أَبا لَكَ عَلَّمَت / مَن كانَ يَجهَلُ أَيَّ حِزبٍ يَتبَعُ
اليَومَ يَصنَعُ ما تَضيقُ بِهِ الدُنى / مَن كانَ أَمسَ يَقولُ ماذا نَصنَعُ
داعي الجِهادِ دَمٌ بِجِسمِكَ جائِلٌ / وَسِلاحُهُ نَفَسٌ يَجيءُ وَيَرجِعُ
وَالأَرضُ مُضطَرَبٌ لِعَزمِكَ واسِعٌ / وَلَكَ المُحَلَّقُ في الجَواءِ الأَرفَعُ
ما ضاقَ في الدُنيا مَجالُ مُغامِرٍ / إِلّا تَقاذَفَهُ المَجالُ الأَوسَعُ
لا تَفزَعَنَّ إِذا تَطَلَّعَ حادِثٌ / هِمَمُ الرِجالِ عَلى الحَوادِثِ طُلَّعُ
يا رَبِّ ضاقَ الأَمرُ وَاِشتَدَّ الفَزَعْ
يا رَبِّ ضاقَ الأَمرُ وَاِشتَدَّ الفَزَعْ / وَهالَنا مِنَ البَلايا ما وَقَعْ
وَجاشَت الأَنفُسُ مِن فَرطِ الجَزَعْ / وَخانَها إِلّا إِلَيكَ المُطَّلَعْ
وَهَل لَها دونَكَ مَولىً يُنتَجَعْ / إِذا وَهَى حَبلُ الرَجاءِ فَاِنقَطَعْ
إِنَّ العَدُوَّ راعَنا بِما صَنَعْ / فَأَعوَزَ الأَمنُ النُفوسَ وَاِمتَنَعْ
يا رَبِّ فَرِّق مِن قُواهُ ما جَمَعْ /
وَإِنّي لَأَدري أَنَّ لِلأَمرِ مُدَّةً
وَإِنّي لَأَدري أَنَّ لِلأَمرِ مُدَّةً / وَأَنَّ قَضاءَ اللَهِ لا بُدَّ واقِعُ
وَلَكِنَّني حيناً أَضيقُ بِحَملِها / هُموماً تُريني اللَيلَ وَالصُبحُ ساطِعُ
وَإِنّا لَتَخشى الحادِثاتِ نُفوسُنا / وَإِن صَدَقَت آمالُنا وَالمَطالِعُ
بِنا مِن هُمومِ العَيشِ ما المَوتُ دونَهُ / وَلا عَيشَ حَتّى يَصدَعَ الهَمَّ صادِعُ
نُراقِبُ عَهدَ الشَرِّ أَن يَبلُغَ المَدى / وَنَرجو مِنَ الخَيراتِ ما اللَهُ صانِعُ
تَمادى بِنا عَهدٌ مِنَ السوءِ هائِلٌ / وَطاحَ بِنا خَطبٌ مِنَ القَومِ رائِعُ
أَما وَالسِهامِ المُصمِياتِ قُلوبَنا / لَقَد فَزِعَت لِلهالِكينَ المَصارِعُ
عَيينا فَما يَدري الفَتى أَيَّ نَكبَةٍ / يَقي نَفسَهُ أَو أَيَّ خَطبٍ يُقارِعُ
غِياثَكَ ياذا الطَولِ وَالحَولِ كُلِّهِ / فَما لِلَّذي نَشكوهُ غَيرُكَ دافِعُ
غِياثَكَ إِنَّ القَومَ قَد دَبَّروا لَنا / مِنَ الأَمرِ ما تَخشى النُفوسُ الجَوازِعُ
نَظَلُّ حَيارى نَرقُبُ الشَرَّ يَومَنا / وَنُحيي الدُجى مِمّا تَهولُ المَضاجِعُ
رُوَيدَ العِدى إِنَّ الحَياةَ إِلى مَدىً / وَإِنَّ الفَتى يَوماً إِلى اللَهِ راجِعُ
شجنٌ بِقَلبِكَ يَطمَئِنُّ وَيَفزَعُ
شجنٌ بِقَلبِكَ يَطمَئِنُّ وَيَفزَعُ / وَهَوىً لِنَفسِكَ يَستَقِلُّ وَيَرجِعُ
تَنسى الشُموسَ الغارِباتِ وَقَد بَدا / لِهَوى الأَحِبَّةِ مِن جُفونِكَ مَطلَعُ
دَمعٌ تَرَدَّدَ مِنكَ خَلفَ عَزيمَةٍ / ذابَت فَفاضَ كِلاهُما يَتَدَفَّعُ
لَكَ أَن تَبيتَ عَلى الصَبابَةِ عاكِفاً / قَلِقت وَسادُكَ أَم تَلَوّى المَضجَعُ
أَيُطيقُ عِبءَ النَومِ جَفنٌ مُتعَبٌ / وَيُطيعُ حُكمَ الصَبرِ قَلبٌ موجَعُ
تَبَلَتكَ مِصرُ وَمِصرُ في حَرَمِ الهَوى / دارٌ تَضُمُّ العاشِقينَ وَتَجمَعُ
يُجبى لَها شَغَفُ القُلوبِ وَإِنَّما / تُجبى القُلوبُ بِأَسرِها وَالأَضلُعُ
ما أَنتَ وَحدَكَ بِالكِنانَةِ مولِعاً / كُلٌّ بِها صَبٌّ وَكُلٌّ مولَعُ
دارٌ تُزَوِّدُ كُلَّ ناءٍ لَوعَةً / تَجِدُ الدِيارُ غَليلَها وَالأَربُعُ
وَضَعَ الجِباهَ الشُمَّ عَن عَليائِها / جاهٌ أَشَمُّ لَها وَعِزٌّ أَرفَعُ
كَأسُ الهَوى العُذرِيِّ فَوقَ يَمينِها / حَرّى يُلِمُّ بِها المَشوقُ فَيُصرَعُ
يَمشي الشَهيدُ عَلى الشَهيدِ وَإِنَّما / يَمضي عَلى أَثَرِ الرِفاقِ وَيَتبَعُ
يا مِصرُ أَنتِ لِكُلِّ نَفسٍ مَطلَبٌ / جَلَلٌ وَأَنتِ لِكُلِّ قَلبٍ مَطمَعُ
في كُلِّ مُطَّرَحٍ حَزينٌ يَشتَكي / وَبِكُلِّ مُضطَجَعٍ صَريعٌ يَفزَعُ
يَنسابُ فيكَ النيلُ مِلءَ عِنانِهِ / فَالحُسنِ ينبتُ وَالملاحَةُ تَنبُعُ
حاباكِ مِن جَعلَ المَحاسِنَ آيَةً / لَكِ مِن رَوائِعِها الطِرازُ الأَبدَعُ
لَكِ مِن أَيادي الحُسنِ كُلُّ سَنِيَّةٍ / يَجني هَواكِ عَلى القُلوبِ فَتَشفَعُ
عُذرُ الصَبابَةِ أَنَّ حُبَّكِ سُؤدُدٌ / عالٍ وَمَجدٌ ما يُرامُ فَيُفرَعُ
تُحيينَ بِالقَتلِ النُفوسَ فَلا المُنى / تُطوى لَدَيكَ وَلا الدِماءُ تُضَيَّعُ
بِدَمي وَكُلِّ دَمٍ إِلَيَّ مُحَبَّبٍ / دَمُكِ الزَكِيُّ إِذا أَصابَكَ مُفجِعُ
إِنّي قَضَيتُ فَكُلُّ عيدٍ مَأتَمٌ / حَتّى يُظِلَّكِ عيدُكِ المُتَوَقَّعُ
اللَهُ شاءَ فَمَن يُبَدِّلُ حُكمَهُ / وَقَضى القَضاءَ فَمَن يَرُدُّ وَيَمنَعُ
سيري عَلى بَرَكاتِهِ وَتَمَسَّكي / مِنهُ بِحَبلِ عِنايَةٍ ما يُقطَعُ
تَمشينَ ظامِئَةَ المَطالِبِ وَالمُنى / وَكَأَنَّما يَمشي إِلَيكِ المَشرَعُ
لا تَترُكي المُتَطَيِّرينَ لِيَأسِهِم / اليَأسُ يَكذِبُ وَالتَطَيُّرُ يَخدَعُ
في كُلِّ أُفقٍ إِن نَظَرتِ وَكَوكَبٍ / نورٌ يُضيءُ مِنَ الرَجاءِ وَيَسطَعُ
فَخُذي البِشارَةَ مِن فَمي وَتَأَمَّلي / آياتِ رَبِّكِ وَاِنظُري ما يَصنَعُ
يا سوءَ ما حَمَلَ البَريدُ وَيا لَها
يا سوءَ ما حَمَلَ البَريدُ وَيا لَها / مِن نَكبَةٍ تَدَعُ النُفوسَ شَعاعا
يا رَبِّ ما ذَنبُ الَّذينَ تَتابَعوا / يَستَرسِلونَ إِلى المَنونِ سِراعا
جَرحى وَما حَمَلوا السُيوفَ لِغارَةٍ / صَرعى وَما سَأَلوا العَدُوَّ صِراعا
قالوا الحَياةُ فَعوجِلوا أَن يَقرَعوا / عِندَ النِداءِ بِتائِها الأَسماعا
عِزريلُ نُبِّئَ ما أَصابَ جُموعَهُم / فَاِرتابَ ثُمَّ رَآهُمو فَاِرتاعا
مَرأىً يَشُقُّ عَلى العُيونِ وَمَشهَدٌ / يُدمي القُلوبَ وَيَقصِمُ الأَضلاعا
لَمّا أَطَلَّ الظُلمُ فيهِ بِوَجهِهِ / أَلقى عَلَيهِ مِنَ الحَياءِ قِناعا
وَدَعا بِنَيرونَ الرَحيمِ فَما رَنا / حَتّى تَراجَعَ طَرفُهُ اِستِفظاعا
وَصَفوا المُصابَ لِدَنشوايَ فَكَبَّرت / لِلمُصلِحينَ مَقابِراً وَرِباعا
وَاِستَيقَنَت أَنَّ الأُلى نُكِبَت بِهِم / كانوا أَبَرَّ خَلائِفاً وَطِباعا
يا مِصرُ خَطبُكِ في المَمالِكِ فادِحُ / وَمَصابُ أَهلِكِ جاوَزَ المُسطاعا
قَومٌ يَروعُهُمُ البَلاءُ مُضاعَفاً / وَتُصيبُهُم نِوَبُ الزَمانِ تِباعا
لاذوا بِحُسنِ الصَبرِ حَتّى زَلزَلَت / هوجُ الحَوادِثِ رُكنَهُ فَتَداعى
حَمَلوا القُلوبَ تَفورُ مِمّا تَصطَلي / وَتَمورُ مِمّا تَحملُ الأَوجاعا
إِن هاجَهُم طَمَعُ الحَياةِ رَمى بِهِم / خَطبٌ يُرَوِّعُ مِنهُمُ الأَطماعا
وَإِذا أَرادوا نَهضَةً نَفَرَت لَهُم / حُمُرٌ خَلا الوادي فَكُنَّ سباعا
سَفَكوا الدِماءَ بَريئَةً وَتَنَمَّروا / يَرمونَ شَعباً لا يُطيقُ دِفاعا
أَخَذوهُ أَعزَلَ آمِناً مُتَجَرِّداً / يُلقي السِلاحَ وَيَنزَعُ الأَدراعا
أَمَروا فَما نَبَذَ الخُضوعَ وَلا عَصى / وَنَهوا فَأَذعَنَ رَهبَةً وَأَطاعا
لَم يَذكُروا إِذ نَحنُ نَبذُلُ قُوتَنا / وَنَظَلُّ صَرعى في البُيوتِ جِياعا
بِئسَ الجَزاءُ وَرُبَّما كانَ الأَذى / عَدلاً لِمَن يَأَلو العَدُوَّ قِراعا
جاءوا فَقَومٌ يُضمِرونَ مَوَدَّةً / وَرِضىً وَقَومٌ يُضمِرونَ خِداعا
فَتَكافَأَ الحِزبانِ في حالَيهِما / وَمَضَت حُقوقُ العالَمينَ ضَياعا
لا يَستَقِلُّ الشَعبُ يَترُكُ حَقَّهُ / وَيَرى البِلادَ تِجارَةً وَمَتاعا
يَخشى العَدُوَّ فَلا يُطيقُ تَشَدُّداً / وَيُهالُ مِنهُ فَلا يُريدُ نِزاعا
إِنَّ الحَياةَ لِأُمَّةٍ مِقدامَةٍ / تُعيي العَدُوَّ شَجاعَةً وَمَصاعا
تُزجي إِلَيهِ مِنَ الحِفاظِ جَحافِلاً / وَتُقيمُ مِنهُ مَعاقِلاً وَقِلاعا
إِن سامَها في الحادِثاتِ تَفَرُّقاً / عَقَدَت عَلى خِذلانِهِ الإِجماعا
وَإِذا أَرادَ بِها الهَضيمَةَ أَرهَقَت / هِمَماً يَضيقُ بِها الدُهاةُ ذِراعا
يا رَبَّ مِصرَ تَوَلَّ مصرَ وَهَب لَها / شَعباً يُريدُ لَها الحَياةَ شُجاعا
لَو سيمَ يَوماً أَن يَبيعَ بِلادَهُ / بِمَمالِكِ الدُنيا مَعاً ما باعا
هُوَ مِهرجانُ اللَهِ فَاِنظُر وَاِخشَعِ
هُوَ مِهرجانُ اللَهِ فَاِنظُر وَاِخشَعِ / وَاِقرَأ عَلى الصَحبِ الرِسالَةَ وَاِسمَعِ
إِنَّ الأُلى جَعَلوا الكِتابَ إِمامَهُم / سَلَكوا السَبيلَ إِلى المَقامِ الأَرفَعِ
اللَهُ حافِظُهُ وَهُم أَنصارُهُ / جَعَلوا ذخائرَهُ بأكرمِ موضعِ
كم من عدوٍّ لو يُطيقُ رمى به / في قاعِ مُظلِمَةٍ وَلَم يتَوَرَّعِ
وَلَرُبَّ رامٍ مِن بَنيهِ مُلَثَّمٍ / وَمُحارِبٍ شاكي السِلاحِ مُقَنَّعِ
كَنزٌ مِنَ الآيِ الرَوائِعِ مُنزَلٌ / باقٍ عَلى الأَيّامِ غَيرَ مُضَيَّعِ
فيهِ الحَياةُ لِمَن يُريدُ سَبيلَها / بَيضاءَ تَصدَعُ كُلَّ داجٍ أَسفَعِ
وَهوَ الأَمانُ لِكُلِّ مَوهونِ القُوى / جَمِّ المَخاوِفِ وَالهُمومِ مُرَوَّعِ
فَتَحَ الحُماةُ بِهِ المَمالِكَ وَاِبتَنوا / دُنيا الحَضارَةِ في حِماهُ الأَمنَعِ
وَسَلِ الشُعوبَ أَلَم يَكونوا قَبلَهُ / فَوضى المَسالِكِ كَالسُوامِ الرُتَّعِ
سَهِروا وَنِمنا فَاِستُبيحَ حَريمُنا / لَيسَ السَهارى كَالنِيامِ الهُجَّعِ
وَعَظَ اللَبيبُ فَأَينَ مِنّا مَن يَرى / وَدَعا المُهيبُ فَأَينَ فينا مَن يَعي
يا قَومُ لوذوا بِالكِتابِ فَما لَكُم / مِن دونِهِ من مَعقِلٍ أَو مَفزَعِ
لَم يَبقَ مِنكُم غَيرُ شِلوٍ مُثخَنٍ / بِيَدِ الحَوادِثِ وَالخُطوبِ مُمُزَّعِ
لا جَنبَ مُذ هَلَكَ الرُماةُ لِمُسلِمٍ / إِلّا رَمَتهُ يَدُ العَدُوِّ بِمَصرَعِ
وارَحمَتا لِلمُسلِمينَ كَأَنَّما / نَزَلوا مِنَ الدُنيا بَوادٍ بَلقَعِ
ما فيهِ مِن زَرعٍ وَلا لِظِمائِهِم / في جانِبَيهِ سِوى الأَذى مِن مَشرَعِ
يسقونَهُ مِثلَ الحَميمِ وَتارَةً / يَجِدونَهُ مِثلَ الذُعافِ المُنقَعِ
إِن كُنتَ تَدَّخِرُ الدُموعَ لِنَكبَةٍ / فَاِجعَل دُموعَكَ لِلنسورِ الوُقَّعِ
طارَت مُحَلِّقَةً وَعوجِلَ سِربُها / فَهَوَت مُبَدَّدَةً كَأَن لَم تُجمَعِ
يا لَلجَماعَةِ كَيفَ يُنثَرُ عِقدُها / بَدَداً وَيا لَكَ مِن مُصابٍ مُفجِعِ
بِاللَهِ إِن كُنتُم عَلى دينِ الهُدى / فَدَعوا الهَوى لِلجامِحينَ النُزَّعِ
عودوا إِلى دينِ الحَياةِ أَعِزَّةً / فَالوَيلُ لِلمُستَسلِمينَ الخُضَّعِ
وَإِذا الأُمورُ تَشابَهَت أَعلامُها / فَخُذوا السَبيلَ إِلى الأَحَبِّ الأَنفَعِ
هو الحُكمُ أمضته السُّيوفُ القواطعُ
هو الحُكمُ أمضته السُّيوفُ القواطعُ / فلا حُكمَ إلا باطلٌ بَعدُ ضائعُ
سلِ القومَ هل في سيفَر اليومَ ناظرٌ / وهل في أتينا من بني الرُّومِ سامعُ
ترامَوْا إلى أزميرَ والحتفُ راصدٌ / بأرجائِها والبأسُ غَضبانُ رائعُ
جُنودٌ وأعلامٌ يموجُ وراءَها / عُبابٌ لأشتاتِ الأساطيعِ جامعُ
يُريدون من مُلكِ الخلافةِ هَضْبةً / حَمَتْها الصياصي والجبالُ الفوارعُ
إذا انتشرَ الجيشُ اللُّهامُ يُريدُها / طَوَتْهُ المنايا حَولَها والمصارعُ
كأنّ عرينَ اللّيثِ لم يُؤتِ نُصحَه / فيُقصرِ طمّاحٌ ويرتدُّ طامعُ
إذا لم يَزَعْ بعضَ النفوسِ حُلومُها / ففي السّيفِ للغاوي المُضلِّلِ وازعُ
نُذكِّرُهم بالمَشْرَفيِّ إذا نسوا / وللغافلِ النّاسي من الجهلِ شافعُ
وإنّ علينا أن نُقوِّمَ دَرأَهم / إذا ما مشى منهم إلى الشَّرِّ ظالعُ
أهابوا بأبطالِ الجهادِ فما لهم / ولا للمواضي عن دمِ القومِ دافعُ
كتائبُ لا يَعصِي الحتوفَ طريدُها / ولو طاوعته في السّماءِ المطالعُ
تُضيئُ سبيلَ النّصرِ والنَّقعُ حالكٌ / وتصبر في الهيجاءِ والسّيفُ جازعُ
لها في يد الغازي لواءٌ مُظفَّرٌ / تُناجي الفتوحَ الغُرَّ فيه الوقائعُ
إذا هَزَّةُ ألقتْ معاذيرَها الوغَى / وطارت إليه بالحصونِ المدافعُ
تلوذُ به الأجنادُ في البرِّ خِيفةً / وتهفو إليه في البحارِ الدَّوارعُ
إذا النّصرُ أَلوَى بالجنودِ عَصيُّه / تقدَّمَ يَقضي حقَّه وَهْوَ طائعُ
تألّقَ فيه سيفُ عثمانَ كوكباً / تَغيبُ الدّرارِي كلُّها وَهْوَ طالعُ
على مَتنِه فجرٌ من الفتح صادقٌ / وفي حَدِّهِ نورٌ من اللهِ ساطعُ
تُشاوِرهُ الأقدارُ والكونُ مُطرقٌ / وتُلقِي إليه الأمرَ والدّهرُ خاشعُ
إذا اهتزَّ فالدُّنيا قلوبٌ وأهلُها / عُيونٌ وأقطارُ السّماءِ مَسامعُ
يلوحُ من الغازي المجاهدِ في يدٍ / لها من يد الهادي الأمينِ أصابعُ
مضَى يَصحبُ الإِقدامَ والسّيفُ ثالثٌ / ويحمِي لواءَ اللهِ واللهُ رابعُ
تمَارَوْا فقالوا عاث في المُلكِ ناكثٌ / وخان مواثيقَ الخلافةِ خالعُ
إذا بعثوا بالجيشِ ألقى سلاحَهُ / فلا النَّصرُ مَرْجُوٌّ ولا الجيشُ راجعُ
هي الحربُ حتّى لا يَرى اللّيلَ مُصبحٌ / ولا يَتمارى ذو الدّهاءِ المُخادِعُ
لَعمرُكَ ما يُغنِي الفتى سُوءُ رأيهِ / إذا الْتذَّ طعمَ الوِردِ والسُّمُّ ناقِعُ
وما ببني عُثمانَ في الحربِ رِيبَةٌ / إذا ابتدرَ السَّيفَ الكميُّ المُقارعُ
أولئك جندُ الله أمّا الذي أبَوْا / فَحِجْرٌ وأمّا ما أرادوا فواقِعُ
إذا نَفروا للحربِ سَبَّحَ ساجدٌ / وكبّرَ ما بين اللّوائَينِ رَاكعُ
يَطوفُ عليٌّ بالصُّفوفِ وحمزةٌ / ويسعى ابنُ قيسٍ والحبابُ ورافعُ
يلوذُ بآياتِ الكتابِ رِباطُهم / وتمضِي براياتِ النِّبي الطّلائعُ
يُبرِّحُ بالقُوّادِ والجندِ منهمُ / أعاجيبُ شتَّى في الوغَى وبَدائعُ
رموا جيشَ قُسطنطينَ بالبأسِ زاخراً / وبالحتفِ يطغَى مَوجُه المُتدافعُ
إذا انْتظَمَتْهُمْ لُجّةٌ من عُبابِه / ترامت به غُدرانُه والمشارعُ
غواربُ تسمو من حديدٍ ومن دمٍ / بِجأواءَ لم يَصنعْ لها الفُلكَ صانعُ
تمّنوا سُيوفَ التُّركِ حتّى إذا مضت / مضَى المُلكُ وانهالتْ عليه الفجائعُ
أرى الشّعبَ فَوضَى والبلادَ كأَّنما / تُكفِّئُها من جَانِبَيْها الزَّعازعُ
أفي كلِّ يومٍ نَكبةٌ مُدْلَهمَّةٌ / وَنَاعٍ بأطرافِ البلادِ مُسارعُ
وفي كلِّ حِينٍ نَجدةٌ وإعانةٌ / يُشَيِّعُها قَرضٌ لآخرَ تابعُ
لَئِنْ عَمَرتْ تِلكَ الخزائنُ بالبِلىَ / لقد حَفَلتْ منه الدّيارُ البلاقِعُ
بني الرُّومِ هل أمْسَى على الأرضِ يابسٌ / وهل في الرُّبَى من ذلك الغَرْسِ يانعُ
أضلَّكُمُ البرقُ المُليحُ ورُبَّما / أضَلَّ وميضُ البرقِ والبرقُ لامِعُ
ذَهبتُمْ على آثارِ من طَاحَ قبلكم / وفي الذّاهبِ الماضِي لِذي الحِلْمِ رَادعُ
أقاموا لكم مُلكاً تَضيِقُ بمِثلهِ / جَوانِبُ هذا الدَّهرِ والدّهرُ واسعُ
هَوَتْ بشعوبِ الأرضِ مِنهم سياسةٌ / لها شاعرٌ يُشجِي الممالكَ بارعُ
يُجِدُّ أفانينَ الخَيالِ ويزدهِي / أولي الشَّوْق مِنه ذو تطَاريبَ ساجعُ
يُغنّي بِلَيْلى وهي للنّاسِ فِتنةٌ / ويبكي ديارَ الحيِّ والبُعدُ شاسعُ
هو الوَجدُ حتّى ما تجفُّ المدامِعُ / ولا تَشتَفِي ممّا تُجِنُّ الأضالِعُ
هَوىً ما شَفَتْ لَيْلَى تباريحَ دائِه / ولا ساعَفَتْ أسبابُهُ والذّرائعُ
أَحَرُّ الوَغَى أن يَطْرُقَ الحيَّ طارِقٌ / ويَربَعَ من شَوقٍ على الدّارِ رابعُ
وأبرحُ ما تَلْقَى النُّفوسُ مِن الرَّدَى / إذا اغترَّ عانٍ أو تمرَّدَ خاضعُ
لَعَمْري لَنِعمَ القومُ هَبَّتْ سُيوفُهم / تَهُزُّ شُعوبَ الشرقِ والشرق هاجعُ
أبَوْا أن يكونَ الملكُ نِحلةَ مُفْسِدٍ / تُساقُ عَطاياهُ وتُزْجَى القطائعُ
دَعَوا فانَبرتْ للحَربِ بِكرٌ ومُطفلٌ / وخفَّ إلى الهيجاءِ كهلٌ ويافعُ
يُغامِرُ ذُو العِشرينَ فيها بشَيْخِهِ / وتُلقِي إليها بالبنين المراضعُ
نَهضنَ وأسيافُ الغُزاةِ مآزِرٌ / وسِرنَ وأعرافُ الجِيادِ براقِعُ
يَبتْنَ وَراءَ الخيلِ يَحْمينَ سَرْحَها / إذا بات منّا في الحشيَّةِ وادعُ
مِنَ اللَّاءِ يُعطينَ الخِلافةَ حقَّها / وَيَبنْينَ منها ما تهدُّ القوارعُ
يَلِدْنَ الأباةَ الحافِظينَ ذِمارها / وما النّاسُ إلا ذُو إباءٍ وضَارعُ
أخالِدَ زيدي مَجدَ قومكِ وارْفَعي / لَهُمْ مِن مَعالي الذّكرِ ما أنا رافعُ
يَراعٌ يهزُّ المُسلمِينَ صَريرُهُ / وسيفٌ لأعناقِ المُغيرينَ قاطعُ
ظَفرتِ به دُوني وإنّي بواحِدي / وَجَدِّكِ إلا أنْ تلومِي لَقَانعُ
أحَبُّ القوافي ما تصوغُ لكِ الظُّبَى / وتُنشِدُ أهليكِ الرِّماحُ الشَّوارعُ
خَطبْنَ فأَحْسَنَّ البيانَ وإنّهم / إذا خطبوا في مَأزِقٍ لَمصاقِعُ
بدائعُ من وَحْيِ الوَغَى عَبقريَّةٌ / لها مِن نُفوسِ الباسِلينَ مَواقعُ
تُمزِّقُ مِن مُلكِ العِدَى ما تُصيبُهُ / ومهما تُمزِّقْ لا يُصبْ منه رَاقِعُ
ألَمْ تَرَ قُسطنطينَ أصْبَحَ مُلكُهُ / كما صَدَعَ الثَّوبَ المُلفَّقَ صادعُ
رماه بَنو عثمانَ من كلّ جانبٍ / فَزُلزِلَ حَاميهِ وطَاحَ المُدافِعُ
بَني الرُّومِ هل بَرَّتْ عهودُ حليفِكُم / وهل صَدَقتْ آمالُكم والمطامِعُ
بَغيتُمْ على المُسْتأْمنينَ وبَرّحتْ / على الضّعفِ منكم بالبرايا الفظائعُ
رَمَيْتُمْ قُبورَ الفاتحينَ فَزُلْزِلَتْ / بيثربَ أجداثٌ وهِيلَتْ مَضاجعُ
أَهذا هُوَ الفتحُ الذي طَارَ ذِكرُه / وضجَّ يُحيّيه الحليفُ المُشايعُ
ودائعُ مِن مجدِ الهلالِ وعزِّهِ / ذخائرُ طه في حماها ودائعُ
مَضَتْ غُدوةً والسّيفُ حرّانُ ناهِلٌ / وعادت ضُحىً والسّيفُ ريَّانُ ناقعُ
أثرتم بها عصراً من الفتحِ أظلمتْ / عصورُ المَواضي وهو أبيضُ ناصِعُ
تَنَفَّسَ عن ريحِ الجِنانِ فهزَّنا / إليها شذىً من جانبِ الرُّوحِ ضائعُ
لقد كان في تلكَ المَحارِمِ زاجرٌ / ولكنّها أحلامُكم والطّبائعُ
فذوقوا جَزاءَ البَغْيِ لا السَّيفُ راحِمٌ / ولا الفاتحُ الغازي إلى السِّلمِ نَازعُ
فَتَى الشرقِ يَسقِي سيفُهُ كُلَّ ظالمٍ / جَنَى البَغْيَ حتّى يسأمَ البغيَ زارعُ
وكيف يقرُّ اللّيثُ والذُّعرُ آخِذٌ / بِأشبالِه والذّئبُ في الغيلِ راتعُ
بَني الغربِ صبراً لا تَقولوا هَوادةٌ / بني الرُّومِ مَهلاً للأمورِ مواضعُ
أإنْ عاد بابولاسُ والجيشُ صاغِرٌ / وأذعن قسطنطينُ والأنفُ جَادعُ
تُريدونها في آلِ عُثمانَ خُطّةً / هيَ الخَسْفُ إلا ما تَزَحْزَحَ كانعُ
بَنِي الغربِ كُونوا اليومَ أُسْداً فما جَنى / على الأُسْدِ إلاّ الثعلبُ المُتواضعُ
دعو السّيفَ يَشْرَعْ للشُّعوبِ سَبيلَها / فقد أهلكتها سُبْلُكم والشّرائعُ
هو القدرُ المطبوعُ ما ثمَّ قادِرٌ / سواه فيستعلي ولا ثمَّ طابعُ
إذا المرءُ أَعيَتْهُ مُصانَعَةُ العِدَى / مَضَى صادقاً في شأنِه لا يُصانعُ
مَنيعَ الحِمَى لا يُسلِمُ الدّهرَ عِرضَهُ / إذا أسلم العِرضَ الذّليلُ المُطاوعُ
إذا شَرَعَ الرِّعديدُ في الذُلِّ يَفتدي / دَمَ الجَوْفِ أمْسَى وهو في الدّمِ شارعُ
لَعمرُكَ إنّ القومَ ما جَدَّ جدُِّهم / فما لنِواصيهمْ مَدَى الدّهرِ سافعُ
تَفاوتَ شأو القوم سامٍ مُحلِّقٌ / ومُحتجِرٌ في مَجثم الهُونِ قابعُ
وبعضُ بَني الغبراءِ بين شُعوبها / كما اطَّردتْ فوقَ العبابِ الفواقِعُ
سرَاةٌ وأَعيانٌ يَروعُكَ شأنُها / وأنديةٌ مَعْمُورةٌ ومَجامِعُ
عَلَى غيرِ شيءٍ غير أنّا نَظنُّها / مَخائلَ ما ترجو النُّفوسُ الجَوازعُ
دَعَوتُ ذَوي الأحلامِ منّا إلى الهُدى / وإنّي لِنَفْسي إن تولَّوا لبَاخِعُ
إذا النّيلُ لم يَنْبُعْ سَناءً وسُؤدُداً / فَغَوَّرَ وانسدَّتْ عليهِ المنابعُ
بَنِي الغربِ ما في طِبِّكم وكتابِكم / دَواءٌ لأَوجاعِ المشارقِ ناجعُ
صَبَبْتُم علينا الدّاءَ حتّى إذا طَغَى / ترامت بنا في الهالكين المنازعُ
خُذوا ما كَتبتُمْ مِن أناجيلَ مَا قَضى / على الشرقِ إلا شُؤمُها المُتتابعُ
أناجيلُ رُهبانٍ بأيدي أئِمّةٍ / لهم بيَعٌ من أَعْظُمٍ وصوامِعُ
تُطِلُّ على الأعناقِ مِن جَنَباتِها / مُدىً مِن نُضارٍ زَيّنَتْها الرّصائعُ
دَمُ العاجزِ المغلوب في حُجراتِها / وما زِينَ من تلك المحاريبِ مائعُ
تُضيءُ الدُّجى فيه مَصابِيحُها العُلَى / ونحن الفَراشُ السّاقِطُ المتقادِعُ
يُصلِّي بها الأحبارُ مِن كلِّ ناسكٍ / يَخرُّ على الأذقانِ والجَفْنُ دامِعُ
لهم من جُلودِ الهالكينَ على التُّقَى / مُسوحٌ حِسانُ المُجْتَلىَ ومَدارعُ
نَواقيسُهم للِجاهلينَ مَطارِقٌ / وصُلبانُهم للغافلين مقامِعُ
رَمَوْا أُمَمَ الدُّنْيا بأوزارِ نِحلةٍ / من الظُّلمِ مبثوثٌ بها الشَّرُّ شائعُ
يُعلّمها رُسْلَ الحضارةِ يَبتغي / بها الصّيدَ ربٌّ ذو مخاليبَ جائعُ
بنَي يافثٍ لا حيّةُ البحرِ قادِرٌ / عليكم ولا كلُّ الشُّعوبِ ضَفادعُ
عرفتم لذِي الكيدِ المُخاتِلِ حُكمَه / فلا كيدُهُ مُجْدٍ ولا الخَتلُ نافعُ
رُوَيْدَ العِدَى لا آلُ عُثمانَ إذ أبوا / تِجارٌ ولا مُلكُ الهلالِ بَضائعُ
وما الحُرُّ إلا مَن يُغالي بِمُلكِه / إذا باع عِزَّ المُلك في النّاسِ بائعُ
نَهضُتم بهِ حُرَّاً وليس بناهضٍ / إلى المجدِ شَعبٌ أَثْقلتْهُ الجوامعُ
وما الهُبَلُ الأعلى بِمُؤتٍ عَدُوَّكم / مِن المُلكِ والسُّلطانِ ما اللهُ نازعُ
صَدقتُمْ فَأَعْطاكُمْ مِن الخيرِ بَسطةً / وليس لِما يُعطِي مِنَ الخيرِ مانِعُ
ستبقى بكم ممّا وفَيْتُم بِعهدِه / عَوارِفُ في أعناقِنا وصَنائعُ
نسجنا لكم بُرْدَ الثَناءِ مُوشَّعاً / وما البُردُ إلا ما تزين الوشائعُ
صبرنا على الشَّوقِ المُبرِّحِ والجَوَى / فلا القلبُ خَفَّاقٌ ولا الدَّمعُ هامِعُ
سَلامٌ على تلكَ الرِّباعِ وإن عَفَتْ / مَصايفُنا من أجلها والمرابعُ
بني الكنانةِ هذا صوتُها ارتفعا
بني الكنانةِ هذا صوتُها ارتفعا / لا تُنكروا الحقَّ إنّ الحقَّ قد سطعا
أشقى الشُّعوبِ وأولاها بمرحمةٍ / شَعبٌ تَلقَّفَهُ الغاوونَ فانْخدعا
سلوا الأُلىَ صرَعوا الدُّستورَ ما فعلوا / إذ مالَ قائِمُه بالأمسِ فاضطجعا
هُمُ الجُناةُ على الشّعبِ الذي وصلت / أيديهمو من رباقِ الذُلِّ ما قطعا
يَبغِي السَّبيلَ إلى اسْتقلالهِ ويرى / كيدَ الحُماةِ وتضليلَ العِدى شَرَعا
إذا هُمُ انْتَزعوا الدّستورَ من يدهِ / حَسِبْتَهُ من سَوادِ القلبِ مُنتزَعا
يا مُطفِئَ الفتنةِ الكبرى وقد رجفتْ / أرضُ الكِنانةِ من أهوالها فَزعا
لولا دِفاعُكَ طارتْ نارُها شُعَلاً / واسْترسلَ الدَّمُ في أرجائها دُفَعا
وقفتَ للشرِّ تَنهاهُ وتزجُرُه / حَتى تراجعَ بعد الكرَّ وارْتَدعا
لمّا طلعت على الأحداثِ تدفعُها / تكشّفَ العارضُ المُسودُّ وانْقشعا
قالوا السّلاحُ وهاجوها مُضلَّلةً / عمياءَ تبغي وراءَ الحقِّ مُطَّلعا
لو أنصفوكَ لقالوا ذو مُحافظةٍ / حَمَى البلادَ وصان الشَّعبَ فامتنعا
لقد تورّعتَ حتّى باتَ كلُّ فتىً / من الجُنودِ يُوارِي سَيْفَهُ وَرَعا
لو كنتَ غيرَك لم تَرفقْ بسيِّدِهم / ولم تُبال من الدَّهماءِ ما جمعا
يُصِيبُك الجرحُ يغشى مِن صحابتِه / مَن يشتكيك فتُمسِي مُشفِقاً جَزِعا
أما بكَوْا يَومَ تُسدِي الصُّنعَ منك يدٌ / تَشفِي الجِراحَ وتنفِي الهمَّ والوَجَعا
لو كان للدَّمعِ في آماقِهم عَملٌ / جَرَى على الدَّمِ يُجريه بما صنعا
هاجوا النُّفوسَ فلمّا طاحَ هالكُها / طاروا سِراعاً وعادوا مُهطِعين معا
أين المواثيقُ والأَيْمانُ يَحشُدُها / من لَو رأى الحربَ في أحلامِه هَلَعا
كانت نوازعَ نَفْسٍ ردَّها قَدَرٌ / يَردُّ كلَّ غوِيٍّ للأَذى نَزعا
اللهُ أدركَ شَعبَ النِّيلِ فانصدعتْ / عنه الخُطوبُ ولولا اللهُ لانْصدَعا
أَجرى على يدِ إسماعيلَ رحمَتَهُ / فكان من مُستحبِّ الأمرِ ما وقعا
راح السّلامُ مَصوناً في كِلاءتِه / وبات كلُّ فتىً بالأمنِ مُدَّرعا
فراجع الصّانعُ المذعورُ مَيْعتهُ / بعد الوَنى وسقَى الفلّاحُ ما زرعا
لا الأرضُ زالت بأهليها كما زعموا / ولا السّماءُ هوت أجرامُها قِطَعا
طافوا البلادَ وقالوا كلَّ ما ابتدعوا / فما رأى الشّعبُ من شيءٍ ولا سَمِعا
ما انفكَّ سيِّدهُم في كلِّ مُضطَربٍ / حرّانَ يستصرخُ الأنصارَ والشِّنَعا
يُغرِي السّوادَ بمأمونين ما اعتصروا / دَمَ السَّوادِ ولا زانوا له الشُّنَعا
يَجزيهمُ السُّوءَ أَن بَرُّوا بأُمَّتهم / وأَن أَبَوْا من سبيلِ الغَيِّ ما اتّبعا
يَزدادُ بالحكمِ إمّا ذاقَهُ شَغفاً / كالخمرِ يزدادُ مَن يَعتادُها وَلَعا
يَطغَى فإن راعَهُ إيماضُ بارقةٍ / من جانبِ الغاصِبينَ انْحطَّ واتَّضعا
مُستهلِكٌ يبتغِي من وُدِّهم سَبباً / إذا وَهَى السَّببُ الموصولُ فانقطعا
بثَّ الشكاةَ فلم يَتركْ لِذي شَجَنٍ / يشكو جَوى الحُبِّ من قولٍ وإن برعا
لمّا تبيَّنَ مكدولندُ لوعَتَهُ / تحدّرَ الدَّمعُ من عَينَيْهِ أو همعا
وقال ما بالُ إسماعيلُ يُنكرنا / أما يَرى رأيَ مَن أمسَى لنا تبعا
لقد رمانا بخطبٍ من رسالتِه / ما مسَّنا مثله خطبٌ ولا قرعا
خاضَ البِحارَ فلم نَعجبْ لما وجدت / منه ولم نَلُمِ الأُسْطولَ إذ خشعا
ويحَ الكِنانةِ لا استقلالُها صَدقتْ / فيه الظُّنونُ ولا دُستورُها نَفَعا
ضاقَ الرَّجاءُ فما تُقضَى له سَعةٌ / إن لم تَجِدْ دولةُ الإصلاحِ مُتَّسعا
ما يفعلُ المصلحُ الباني لأُمَّتِه / إن عاجلَ الهادمُ الموتورُ ما رفعا
خَلُّوا سبيلَ الشّاعرِ المُتدفِّعِ
خَلُّوا سبيلَ الشّاعرِ المُتدفِّعِ / وخُذوا بيانَ العبقريِّ المُبدِعِ
النيّلُ يُصغِي في مواكبِ عِزّهِ / ويَهُزُّ عِطفَ الشيِّقِ المُتَطَلِّعِ
لَبّيكَ جئتُ وأنطقتني حُرمةٌ / لَكَ لم تَزَلْ منّي بأكرمِ مَوضعِ
لكَ من زَعيمِكَ ما أردتَ وهذه / نجوى زعيمِ الشّعرِ فانظر واسمعِ
أحببتُ مصرَ بقلبهِ ويقينهِ / فبيانُه عِندي وحكمتُه معي
وعَرَفتُها تشكو إليه غليلَها / وتطوفُ من يدهِ بأطيبِ مشرعِ
حامت على استقلالها وتوجّعتْ / للمُشفِقِ الحاني على المُتوجِّعِ
فمَضى يخوضُ إليه كُلَّ مَخوفةٍ / غبراءَ تعصِفُ بالكميِّ الأروعِ
ومَشَى يُحدِّثُ هَالكاً عن هالكٍ / فيها ويسألُ مَصرعاً عن مصرعِ
نستنطق الغَمَراتِ أين مكانه / ونظلُّ ننظرُ في القَتامِ الأسفعِ
مُتطلّعينَ نرَى تَقلُّبَ وجههِ / في مثلِ إيماضِ البُروقِ اللُّمَّعِ
ونَراهُ يَستبِقُ المطالعَ صاعداً / حتّى يَمُرَّ من السّماكِ بمطلعِ
يَبغِي لُبانةَ مصرَ في مُستشرِفٍ / صَلْبِ الجوانبِ بابُه لم يُقرَعِ
أتتِ الغَوائلُ دونها فكأنّما / هيِ من كُهوفِ الجنِّ في مُستودَعِ
كانت كأحلامِ النّيامِ فأصبحتْ / مِلءَ العيونِ سناً ولمّا تهجعِ
أَمُذلِّلَ الأحداثِ أنتَ جَعلتَها / مِنّا بمنزلةِ الذَّلولِ الطيِّعِ
لولا حِجاكَ وَطُولُ باعِكَ جاوزتْ / بَاعَ الرجاءِ ومُستطاعَ المطمعِ
لما اصطفاكَ الشّعبُ كُنتَ له أباً / يَرعاهُ في الحَدَثِ الجليلِ المُفظعِ
دَفَع اللّواءَ إليكَ لم يُؤثِرْ به / غيرَ الأعزِّ من الحُماةِ الأمنعِ
جرّدتَ صَحبَك للكفاحِ مَواضياً / خُذُماً متى تضرب بكفِّكَ تَقْطَعِ
مِن كلّ مُقتحمٍ يَرى الدَّمَ حَوله / فيخوضُهُ ويَكِرُّ غيرَ مُروَّعِ
أبطالُ مصرَ تَداركوا آمالَها / واليأسُ مِلءُ فؤادِها والأضلعِ
وَعَجِبتُ لِلشُّهداءِ حَولَ زَعيمهم / جَزَعَ الرَّدَى ونفوسُهم لم تجزعِ
كتب الشّبابُ لِمصرَ من مُهجاتِهم / عَهدَ الفِداءِ فَقُلْ لِنفسكَ وقِّعي
يا مطلعَ العهدِ الجديدِ تحيّةً / كَسناهُ إن تَظْفَرْ بِنُوركَ تَسطعِ
أخرجتَ قومَك مِن غياهبِ أزمةٍ / لَولاكَ لم تَنْجَبْ ولم تتقشَّعِ
لولا غُلُوُّكَ في المطامعِ ما انْبَرى / يَبغِي الزِّيادةَ طَامعٌ لم يقنعِ
مَا ليسَ من أدبِ الحياةِ وحقّها / فَضَلالةٌ أو باطلٌ لم يُشْرعِ
أحداثُ دَهرٍ مَن يَسُسْها تَستقِمْ / بَعدَ الجُنوحِ ومَن يَرُضْها تَخْضَعِ
وأُمورُ دُنيا ما لَوَتْ يدَ طالبٍ / لَبقٍ ولا ضَاقتْ على مُتوسِّعِ
ذُو الجهل يُقتَلُ بالدَّواءِ وذُو النُّهى / يَجنِي الشفاء مِن الذُّعافِ المُنْقَعِ
وأشدُّ مِن ظُلْمِ الحَوادثِ ظالمٌ / يَبكي لِما صَنعتْ وَما لَمْ تَصْنعِ
مَن راضَ في خِدَعِ السّياسةِ نفسَه / عِلماً بها فكأنّه لم يُخدَعِ
الأَمرُ غَيبٌ والذّرائعُ جَمّةٌ / والصَّبرُ نِعمَ العَونُ للمُتذرِّعِ
إنّ الذي أعطَى الكِنانةَ عَهْدَهُ / لَهُو المُؤمَّلُ لِلمهمِّ المُفزعِ
ياذا القِلادةِ إنّها لَكَ آيةٌ / مِن مَظهرِ الشَّرفِ الأعزِّ الأرفعِ
زَادت مقامَكَ رِفعةً وجَزَيْتَها / فَثَوتْ مع الجوزاءِ فيما تَدّعي
هِيَ فوقَ سُؤدُدِها وغايةِ عِزِّها / فَلْتُغْضِ في عَليائها وَلْتَخْشَعِ
ما المجدُ يلبسُهُ الرِّجالُ مُرصَّعاً / كالمجدِ غُفْلُ التَّاجِ غيرُ مرصَّعِ
أوَ ما كفاكَ الجُّودُ بالنّفسِ التي / حمَّلتَها عِبءَ الجهادِ المُضلِعِ
آثرتَ مِصرَ بما بَذلتَ لأجلها / وَمَنحتَ من مِالِ امرئٍ مُتورِّعِ
لَو لم تكن قَدَّمتَه مُتبرِّعاً / لَبلغتَ أقصَى غايةِ المُتبرِّعِ
جَرَتِ المنابعُ يستبقنَ سَماحةً / وَسبَقتَ أنتَ فكنتَ أوّلَ مَنبعِ
مالي سِوَى الشِّعرِ الذي أنا باذلٌ / والشّعرُ من خيرِ العَتادِ لمن يعي
اجمعْ لِمصرَ جَزاكَ ربُّك صَالحاً / أعلامَ عمروٍ في مواكبِ خفرعِ
واسْلُك بها النّهجَ السَّوِيَّ فإنّها / مهما تكن تُقبِلْ عليكَ وتَتْبَعِ
وإذا الأُمورُ على الرجال تَشابهتْ / فاهدِ النُّفوسَ إلى الأحبِّ الأنفعِ
وَزِنِ العُقولَ فان ظَفرتَ براجحٍ / فاستبقِ كنزَك لا يَكُنْ بِمُضيَّعِ
وتخيَّرِ الأخلاقَ إنّ أجلَّها / ما ليس بالواهي ولا المُتصدِّعِ
ابْنِ الحياةَ على أساسٍ صالحٍ / وتأنَّ تأمنْ زَلَّةَ المُتسرِّعِ
وَبحبلِ ربِّكَ ذي الجلالةِ فاعتصمْ / وإليه في كلِّ المواطنِ فارْجعِ
وخُذِ القِلادةَ صاغها لَكَ شاعرٌ / اللهُ أَوْرَثَهُ قَلائدَ تُبَّعِ
والاكَ في مصرَ التي لم يَنْتَصِرْ / لِسوَى قضِيَّتِها ولم يتشيّعِ
الأُمّةُ ائتمرتْ بأمرِكَ فَاسْتَعِنْ / بِصُفوفِها والشّملَ حُوْلَكَ فَاجْمَعِ
يومَ الشّهيدِ رَجعتَ أيمنَ مرجعِ
يومَ الشّهيدِ رَجعتَ أيمنَ مرجعِ / وَطلعتَ في الأيّام أسعدَ مَطلعِ
غَيَّضتَ عَبْرَةَ كُلِّ عَينٍ ثَرَّةٍ / وشَفَيْتَ لَوعةَ كلِّ قَلبٍ مُوجَعِ
وَدَّعْتنا جَمَّ الجِراحِ مُروَّعاً / وَلَقِيتَنا جذلانَ غيرَ مُروَّعِ
في موكبٍ عالي الجلالِ مُحبَّبٍ / تَهفو إليه جَوانحُ المُتطلِّعِ
تزهو بتاجٍ دُونَهُ شمسُ الضُّحَى / مُتألِّقٍ بِدمِ الشَّهيدِ مُرصَّعِ
رَيّانَ مِن حقٍّ ومن حُرّيةٍ / والحقُّ للوُرَّادِ أطيبُ مَشرعِ
حيَّتْكَ مِصرُ مشوقةً وتلفَّتتْ / لِتَرى جَلالَ شَهيدِها في المصرعِ
نَادَتْهُ فَرحَى أينَ أنتَ فَراعَها / صَوتٌ يُجِيبُ مِن المقامِ الأرفعِ
هُو ها هنا في صَحْبِه وَرِفاقهِ / بأجلِّ مَنزلةٍ وأَشْرفِ مَوضعِ
هُوَ ها هنا في نِعمةٍ أبديّةٍ / للهِ ما في مثلِها مِن مَطمعِ
هو ها هنا يا مصر يُعطَى حَقَّهُ / والحقُّ عِند اللهِ غيرُ مُضيَّعِ
هُوَ ها هُنَا يحمي لواءكِ فَانْظُرِي / هُوَ هُا هُنا يَشدو بِذكركِ فَاسْمَعي
مَرْحَى شبابَ النِّيلِ تلك جُهودُكم / ضَنّتْ بِوَحدتِه فلم تتصدَّعِ
أنتم جَمعتمْ لِلقضيَّةِ جَبهةً / لولا انتظامُ صُفوفِكُمْ لم تُجْمَعِ
ألَّفتُمُ الزُّعماءَ بعد تَفرُّقٍ / ومَلكتمُ الأهواءَ بَعدَ تَمنُّعِ
كانت قُوىً فَوْضى فَمِنْ مُتحزِّبٍ / يَمضِي لِغايتهِ وَمِن مُتشيِّعِ
حَرْبٌ أضرّتْ بالسَّوادِ وَفِتنةٌ / رَمَتِ البلادَ بِكلِّ خَطبٍ مُفزعِ
أدركتمُ اسْتقلالَ مِصرَ وإنّه / لَيَمُدُّ مِن فَزَعٍ يَمينَ مُودِّعِ
إنّا شَرَعنا لِلكنانةِ دِينَها / فَقَضَى على الدِّينِ الذي لم يُشرعِ
دينِ الفَلاسفةِ الذين توهَّموا / أنّا جَمادٌ لا نُحِسُّ ولا نعي
اليومَ نَنهضُ ظَاهرين بِحُجّةٍ / بَيْضاءَ تَدفعُ تُرَّهاتِ المُدَّعي

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025