القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : صُرَّدُر الكل
المجموع : 21
لا أعِذر المرءَ يصبو وهو مختارُ
لا أعِذر المرءَ يصبو وهو مختارُ / الحبُّ يُجمَعُ فيه العارُ والنارُ
فعارُه سَفَه العذَّال إن هَجروا / ونارُه حُرَقٌ إن شطّت الدارُ
لولا كَهانة عينى ما درت كبِدى / أن الخِمارَ سحابٌ فيه أقمارُ
يُهوىَ بياضُ محيّاها وحُمرتُهُ / كما يروقك دِرهامٌ ودينارُ
إيهٍ أحاديث نَعْمانٍ وساكنه / إنّ الحديثَ عن الأحباب أسمارُ
يا حبذا روضُة ألأحوىَ إذا احتجَبتْ / عنّى الثغورُ حكاها منه نُوّارُ
وحبَّذا البانُ أغصانا كَرُمنَ فما / لهنَّ إلا الحمَامُ الوُرقُ أثمارُ
ظلِلتَ مُغْرىً بذي عينينِ تعذُله / وقبلَه قد تعاطى العشقَ بشّارُ
عند العذول اعتراضات ومَعنفةٌ / وفي العتاب جواباتٌ وأعذارُ
لا سنَحتْ بعدهم عُفرُ الظباء ولا / ترَّجحتْ في الغصون الخُضْر أطيارُ
كأننى يومَ سُّلمانَيْنِ قد علِقتْ / بِي من أُسَامةَ أنيابٌ وأظفارُ
أفِّتُش الريحَ عنكم كلَّما نفحتْ / من نحو أرضكم نكباءُ مِعطارُ
وأسأل الركبَ أنباءً فيكتمُنى / كأنّكم في صدورِ القوم أسرارُ
حتى الخيال بدا جنبى ليوهمَنى / قُربا ومن دونكم بيدٌ وأخطارُ
ما تطمئنُّ بكم دارٌ كانّ عَلا / ءَ الدِّين مطلبُه في حيِّكم ثارُ
هو الذي لو حمىَ مَرعىً لما سَرحتْ / سوائم الدهر إلا حيث يختارُ
ولو تُجاوره الأغصانُ ما خطَرت / ريحُ النُّعامىَ عليها وهي مغوارُ
يُحكَى له في المعالى كلُّ مأثُرةٍ / تُصبى القلوبَ وتُروَى عنه أخبارُ
عظَّمتُمُ مَن له في المجد مَكُرمةٌ / وأين ممَّن له في المجدِ آثارُ
أنَّى أقام فذاك الشَّعبُ منتجَعٌ / وكلُّ يومٍ يُحيَّا فيه مختارُ
لولا ضمانُ يديه رىَّ عالَمِهِ / لجاءت السُّحبُ من كفَّيه تمتارُ
يلقَى العُفاةَ ببشرٍ شاغلٍ لهمُ / عن السؤال وللأنواء أنوارٌ
وحظُّته في العطايا أنَّ راحتَه / بين العُفاةِ وبين الرِّفدِ سُمّارُ
أخو المطامعِ بلقاه بِذلَّتها / وينثنِى وهو في عِطفْيه نَظَّارُ
أفنىَ الرجاء فما للخيل ما نحتوا / من السروج ولا للعِيس أكوارُ
لا يَنهَبُ الشكرَ إلا من كتائبِه / يومَ التغاورِ أضيافٌ وزُوّارُ
إذا القِرَى عَقَرت أُمَّ الحُسوارِ له / رأيته وهو للآمال عَقَّارُ
لله مقتبلُ الأيام همّتهُ / لها من البأس والإقبال أنصارُ
ثِقْ بالنجاح إذا ما اجتاب سابغةً / لها الثرّيا مساميرٌ وأزرارُ
لا يتوارى ضميرِّ عن سريرته / كأنما ظنُّه للغيب مِسبارُ
من الورى هو لكن فاقهم كرما / كذلك الدرُّ والحصباءُ أحجارُ
بأىِّ رأىٍ أبو نصرٍ يجاذبه / حبلَ الخلاف وبعضُ النقضِ إمرارُ
أما رأى أنَّ ليثَ الغاب مجتمعٌ / لوثبةٍ وفنيقَ النِّيبِ هَدّارُ
ولا جُناحَ على مُرسٍ كلا كلَه / إذا تقدّم إعذارٌ وإنذارُ
بدأتَهُ بابتسامٍ ظنَّه خَوَرا / فاغتَّر والكوكبُ الصبحىّ غرَّارُ
الآن إذ كشفَتْ عن ساقها ورمت / قناعَها الحربُ والفُرسان أغمارُ
غدَا يمسِّح أعطافَ الردَى ندما / وكيف تنهضُ ساقٌ مُخُّها رارُ
يُغشِى السفائنَ نيرانَ الوغَى سفَها / والنارُ أقواتُها الأخشابُ والقارُ
إن كان للأجَم العادىِّ مدّرعا / فالليثُ بين يراع الخيس مِذعارُ
أو كان يغترُّ بالأمواه طاميةً / فإن بالقاعِ من كَفيْه تيّارُ
إذا ترنَّم حَولىُّ البعوضِ له / ترنَّمت في قسى الترُّكِ أوتارُ
أنجِزْ مواعيدَ عزمٍ أنتَ ضامنُها / ولا يُنهنِهْكَ إِردبٌّ وقِنطارُ
فإنما المالُ رُوحٌ أنت مُتلفُها / والذِّكرُ في فلواتِ الدهر سَياَّرُ
لا تتَّرِكْ نُهزَةً عنَّتْ سلَّمَةً / إلى علاك فإن الدهرَ أطوارُ
وما ترشحَّ يومُ المِهرَجانِ لها / إلا وللسعدِ إيراد وإصدارُ
لما رآك نوى نَذار يقومُ به / حتى أتاك وشهرُ الصوم مِضمارُ
وقد زففنا هداياه مُنمنَمةً / كأنّها في رقاب المجد تِقصارُ
ولستُ أرخصُ أقوالى لسائمها / إلا عليك وللأشعارِ أسعارُ
هو منزلُ النجوَى بخالي الأعصرِ
هو منزلُ النجوَى بخالي الأعصرِ / فمتى تجاوزْهُ الركائبُ تُعقَرِ
أشتاقُ دارَهُمُ وليس يشوقنى / إلا مجاورةُ الغزال الأحورِ
وأفضِّل الطيفَ المُلمَّ لأنهم / هَجروا وأن طُيوفَهم لم تَهجُرِ
أرضَى بوعدٍ منهُمُ لم يُنتظَرُ / ومن الخيال بزَورةٍ لم تَعبُرِ
لا ماؤهم للمشتكى ظماً ولا / نيرانُهم للقابس المتنوّرِ
أثرَوْا ولم يقضُوا ديونَ غريمهم / واللُّؤمُ كلُّ اللُّوْم مطلُ الموسِرِ
هل ترعون بأنَّةٍ من مدنفٍ / أو تسمحون لمطلبٍ من مُقترِ
أو تتركون من الدموع بقيَّةً / يلقى بها يومَ التفرُّق مَحْجِرى
ما اجتاز بعضكُمُ بأسرابِ المها / إلا اعترفن عليه مقلةَ جُؤذُرِ
يا من تبلَّد بين آثار الحِمَى / يقفو مَعالِمها بعينَىْ مُنِكرِ
أُنشدْ قضيبَ البان بين مُروطهِم / واطلب كثيبَ الرمل تحت المئزرِ
وإذا أردتَ البدرَ فابعث نظرةً / لمطالع بين اللِّوى فمُحَجَّرِ
أتردُّ يا روضَ العقيق ظُلامةً / رُفِعتْ إليك من القِلاصِ الضُّمَّرِ
إياك أن تطأَ اللَّعاع بمَنسمِ / منها وأن ترعَى الجحيمَ بمَشفَرِ
لولا النجاءُ من الرواقِص بالفلا / لم يُفجَع النجدىُّ بالمتغوّرِ
فصَمِمْنَ حتى لاوعت أسماعُها / تَصهالَ رعدٍ في حَبِىٍّ ممطِرِ
وعمِين حتى لا رأت أبصارُها / بَرقا كناصيةِ الحِصان الأشقرِ
إن كنتَ تنظرُ ما أرى فانظر إلى / بانٍ على أكتادِ نَخلٍ موقَرِ
وكأنما رفعوا قبابَهُمُ على / شجرٍ بربَّات الهوادج مثمِر
أممتِّعى وحشَ الفلا بجمالهم / ما ذنْب طرف الهائم المستهترِ
خلَّفتُمُ خِلَّ الصفاء وراءكم / كالميْتِ إلا أنّه لم يُقبرِ
بمدامع لمَّا تَغِضْ ومَكاسرٍ / لم تَنجبر وجرائحٍ لم تُسبَرِ
وإذا العواذلُ أطفأت صبوَاتِه / شبَّت لظاها زفرةُ المتذكِّرِ
اِحذرْ عذارك والعذارُ مغلِّس / فإذا بدا صبحُ المشيبِ فأقصرِ
وَضَحٌ تَجَنَّبَهُ الغوانى خِيفةَ ال / عَدوَى فإن يقرُبْ إليها تنِفُرِ
ما كنت أحسبُ أنَّ سيفَ ذؤابتى / ينبو بترديد الصّقال الأزهرِ
صدأُ النُّصول من الشعور أدلُّ من / لونِ الجلاء على كريم الجوهرِ
أأسير في الليل البهيم فأهتدى / وأَضِلُّ في إدلاجِ ليلٍ مقمرِ
ومدحتَ لي صِبْغَ المشيبِ بأنه / كافورةٌ ونسيتَ صِبْغَ العنبرِ
وإذا الثناءُ على الوزير قَرَنته / بهما أقراَّ للذكىِّ الأعطرِ
فلذى السعادات ابنِ جعفرَ شيمةٌ / من قَرقفٍ صِرفٍ ومِسك أذفرِ
في الأرض سبعةُ أبحرٍ ويمينُه / وشِمالُه تجرى بعشرةِ أبحرِ
وهما سحائبُ ماؤهنّ لُجينُه / وبروقُهن من النضار ألأحمرِ
قسمت أناملُه المواهبَ في الورى / فكأنهم زَجَروا قداحَ الميسرِ
وإذا عِشارُ المال عُذنَ بكفّهِ / فلقد عقَلن نفوسَهنَّ بمَنحَرِ
ومعذَّلٍ أعيَا على عُذَّاله / في الجود قَصُّ جناحِ ريحٍ صرصرِ
وهو السخىُّ وإنما حسدوا اسمَهُ / فدعَوْه فيما بينهم بمبذِّرِ
طلبوا الذي أجرِى إليه فخُيِّبوا / ومن العناء طِلابُ ما لم يُقدَرِ
والأكرمون حَكَوه في أفعاله / فعُزُوا إلى كرمٍ مزوَّرِ
ما زال يبحث عن سرائر وفده / حتى أجاب إلى اسلؤال المضمَرِ
يغزو إليه المقُتِرونَ لعلمهم / أنَّ النوالَ لديه غيرُ مخَفَّرِ
في كلّ يومٍ يُلجِمون لغارةٍ / فسِنُوه غير محرَّماتِ الأشهرِ
مستنشق عِطرَ الثناء بسمعه / ما كلّ طيِّبة تُشَمُّ بمنَخِرِ
متيقِّظٌ فمتى تُصِبه نَفثةٌ / للشكر في عُقَدِ المطامعِ يُسحَرِ
يسعَى ويكدحُ ثم يُتلفُ ما حوى / عاداتُ أروعَ للأنام مسخَّرِ
بالله نُقسمُ أنه لا خيرَ في / حسبٍ ولا نسبٍ لمن لم يُشكَرِ
لو كان مجهولَ المغارس أخبرت / عنه شمائُله بطِيب العُنصُرِ
قد زان مَخبَره بأجملِ مَنظرٍ / وأعان مَنظرَه بأحسن مخَبرِ
ما مَن تتوّج أو تمنطقَ عسجداً / كمطوَّق بالمكرماتِ مسوَّرِ
تحكى أنابيبُ اليراع بكفّه / فعلَ الرماح تخاطرت في سَمهرِ
وكأنها الخطباءُ فوقَ بنانهِ / لكن بلاغُتها كلامُ المنبرِ
لا تَبعدنْ هِممٌ له أُودِعت / عند الكواكب لادّعاها المشترى
وعزائمٌ يَلحُمْن مثلومَ الظُّبا / ويُقِمنَ أصلابَ القنا المتأطِّرِ
إطراقهُ يُخشىَ ويُرهَبُ صَمتُه / والسيفُ محذورٌ وإن لم يُشهَرِ
لولاك ما انتبه الثرىَ بمَناسمٍ / خُلطتْ بطونُ صعيده بالأظهرِ
وسواهمٍ لبنات نعشٍ لحظُها / وخِفافُها تفلى بناتِ الأَوْبرِ
فأتتك أمثالَ السَّعالَىِ زُوّجتْ / أشباحَ رُكبانٍ كجِنَّةِ عَبقَرِ
غصبَوا النجومَ على السُّرَى وتعلَّموا / خوضَ الظلام ومن المطىِّ الزُّوَّرِ
لا ينظرون وِصابَهم وشحوبَهم / إلا بمِرآة الصباح المُسفرِ
لم يلبسوا الأدراع إلا رِيبةً / لا خيفةً من أبيضٍ أو أسمرِ
إن لم يُنيخوا في ذَراك فإننى / لكفيلُ كلِّ مهنّىءٍ ومبشِّرِ
جدِّدْ بنوروز الأعاجم رتبةً / سَمْتَ المجرة أو فويقَ الأنسُرِ
واسَرحْ سَوامَك في رياضِ سعادةٍ / وعميمِ عُشْبٍ بالعلاء منوِّرِ
فإذا ورَدت فماء أعذبِ مَوْرِد / وإذا صدَرتَ فرَوْح أفسحِ مَصدَرِ
أهديتُ من كلِمِى إليك تحيَّةً / غراءَ تسترعى حنينَ المِزهَرِ
ولو ادخرتُ المالَ أو أبقيتُه / يوما أثبتُ بأبيضٍ وبأصفرِ
لَجاجةُ قلبٍ ما يُفيق غُرورُها
لَجاجةُ قلبٍ ما يُفيق غُرورُها / وحاجةُ نفسٍ ليس يُقضَى يسيرُها
وعينٌ إلى الأطلالِ تُزجِى سحابَها / إذا لوعةُ الأحشاءِ هبَّ زفيرُها
أكلَّفها هطلا على كلِّ منزلٍ / فلو أنها أرضٌ لغارت بُحورُها
وما تجمع العينُ التوسُّمَ والبكا / فهل تعرفانِ مقلةً أستعيرُها
وقفنا صفوفا في الديار كأنها / صحائفُ ملقاةٌ ونحن سطورُها
يقول خليلى والظّباء سوانحٌ / أهذى التي تهوى فقلت نظيرُها
لئن أشبهتْ أجيادُها وعيونُها / لقد خالفت أعجازُها وصدورُها
فيا عجبى منها يَصُدّ أنيسُها / ويدنو على ذُعرٍ إلينا نَفورُها
وما ذاك إلا أنَّ غِزلانَ عامرٍ / يثقنَ بأن الزائرين صُقورُها
ألم يكفِها ما قد جنتهُ شموسُها / على القلب حتى ساعدتها بدورُها
نكَصنا على الأعقاب خوفَ إناثها / فما بالها تدعو نَزالِ ذُكورُها
ووالله ما أدرى غَداة نظرنَنا / أتلك سهام أم كئوسٌ تديُرها
فإن كنَّ من نَبلٍ فأين حَفيفُها / وإن كنَّ من خمرٍ فأين سرورهُا
أيا صاحبىّ استأذنا لىَ خُمْرَها / فقد أذِنتْ لي في الوصول خدورُها
هباها تجافتْ عن خليلٍ يروعُها / فهل أنا إلا كالخيال يزورُها
وقد قلتما لي ليس في الأرض جَنّةٌ / أما هذه فوق الركائب حُورُها
فلا تحسَبا قلبي طليقا فإنما / لها اصلورُ سجنٌ وهو فيه أسيرُها
يعِزُّ على الهِيم الخوامسِ وِردُها / إذا كان ما بين الشفاه غديرُها
أراكَ الحمى قل لي بأَيّ وسيلةٍ / وصلتَ إلى أن صادفتك ثغورُها
ومالي بها علمٌ فهل أنت عالم / أأفواهها أولى بها أم نحورُها
يطيب النسيمُ الرطبُ في كلّ منزلٍ / وما كلُّ أرض يستطابُ هجيرُها
وأنَّ فروعَ البان من أرض بِيشَةٍ / حبيبٌ إلىّ ظلُّها وحَرورُها
أَلذُّ من الورد الجنىّ عَرارُها / وأحلىَ من الشهدِ المصفَّى بَريرُها
على رِسْلكم في الحبّ إنّا عصابةٌ / إذا ظفِرتْ في الحبِّ عفَّ ضميرُها
سَواءٌ على المشتاق والهجر حظُّه / أألقت عصاها أم أجدَّ بُكورُها
لعمرُك ما سحرُ الغوانى بقادرٍ / على ذات نفسي والمشيبُ نذيُرها
وما الشَعراتُ البيضُ إلا كواكبٌ / مطالعُها رأسى وفي القلب نُورُها
ضياءٌ هدانى فاهتديتُ لماجدٍ / سُهولُ المعانى طُرقُه ووُعورُها
أجابَ به اللهُ الخلافةَ إذ دعت / وزيرا فكان من أجنَّ ضميرُها
به غَصَّ ناديها وأشرقَ سعدُها / وأُفعمَ واديها وسُدّت ثُغورُها
تَباهَى به يومَ الرحيل خيامُها / وتُزهَى له يومَ المقام قصورُها
وقد خفيتْ من قبله معجزاتُها / فأظهرها حتى أقرّ كَفورُها
فما رأيه إلا سمُوطُ لآلىء / يرصَّع منها تاجُها وسريرُها
ولا عجبٌ أن تستطيلَ عِمادُها / وهذا الهمامُ الأريحىّ وزيرُها
فقل للّيالي كيف شئتِ تقلَّبي / ففي يدِ عبلِ الساعدينِ أمورُها
يدٌ عبِقت بالمكرُمات وضُمِّختْ / وما الطيبُ إلا مِسكها وعبيرُها
إذا كان خاتامُ الخلافةِ حَلْيَها / فأىّ افتخار يستزيد فَخورُها
وما صيغ لولا معصماهُ سِوارُها / ولا صين لولا مَنكِباه حريرُها
أمانىُّ في صدور الوزارةِ بُلغِّتْ / به كُنهَها حتى استحقَّتْ نُذورُها
لوتْ وجهها عن كلّ طالب مُتعةٍ / إلأى خاطبٍ حِلٍّ عليه سُفورُها
ومن ذا كفخر الدولة اتامها له / وما كلُّ نجم في السماء منيرُها
اَلانَ رأينا في مجالس عزِّها / مجالسَ تُملاَ بالعَلاء صدورُها
كأنَّ على تلك الأرائك ضيغما / له نأَماتٌ لا يجابُ زئيرُها
إذا مَثَلَ ألأفوامُ دون عَرينهِ / تساوَى به ذو طيشها ووقورُها
تكاد لِما قد أُلبست من سكينةٍ / ترِفُّ على تلك الرؤوس طيورُها
دعوا المجد للرّاقى إلى كل قُلَّةٍ / يُشقُّ على العَوْدِ الذلول خُدورُها
لذى الخطَراتِ المخبراتِ يقينَه / بمستقبَل الحالاتِ ماذا مصيرُها
ألم تعلموا أن النعائمَ في الثرى / وأن البُزاةَ في الشِّعاب وُكورُها
وقد علمت أبناءُ هاشمَ كلُّها / بأي ابن هَمٍّ قد أمِرَّ مَريرُها
بمكتهلِ الآراء لو زاحموا به / جبالَ شَروْرَى لارحَجنَّت صُخورُها
مقيم بأطرافِ المكارم سائل / ركابَ بنى الحاجات أين مسيرُها
جزى اللهُ ربُّ الناس خيرَ جزائه / ركائبَ تخَدِى بالمكارم عِيرُها
وأسقَى جيادا سِرنَ بالبأس والندى / من الساريات الغاديات غزيرُها
تناقلن من علياءِ دارِ ربيعةٍ / وبكرٍ بأنواءٍ يفيض نميرُها
تخطَّت شُعوبا من ذؤابة عامرٍ / لها العزُّ حامٍ والنجاحُ خفيرُها
وساعدها من آلِ جُوثَةَ عصبةٌ / إذا ثوّب الداعى يعزُّ نصيرُها
حماةُ السيوف والرماح حِمَامُها / وأحشاءُ ذؤبانِ الفلاة قبورُها
قِبابهم السمرُ الطوالُ عِمادُها / ومُقرَبَةُ الخيلِ العتاقِ ستورُها
وأفنيةٌ مثلُ الروابى جِفانها / ومثل الجبال الراسيات قدورُها
إذا طَرقَ الأضيافُ غنَّت طلابُها / وناحت بشجوٍ شاتُها وبعيرُها
فما خَطَت الجُودِى حتى تراجفتْ / إليهنّ آكام العراقِ وقُورُها
وكادت لها بغدادُ يوم تطلّعت / تسيرُ مغانيها وتَجمحُ دُورُها
فلم تك إلا هِجرةٌ يثربيَّةٌ / حقيقٌ على رهطِ النبىِّ شُكورُها
فلله شمسٌ مغربُ الشمسِ شرقُها / وفي حيثما شاءت طُلوعا ذُرورُها
أعدْتَ إلى جسم الوزارة رُوحَهُ / وما كان يُرجَى بعثُها ونُشورُها
أقامت زمانا عند غيرك طاظِثاً / وهذا الزمان قُرءُها وطَهورُها
من الحقّ أن يُحبَى بها مستحقُّها / ويُنزَعَها مردودةً مستعيرُها
إذا ملك الحسناء من ليس كفؤها / أشار عليها بالطلاقِ مُشِرُها
أظنَّ ابنُ دارستَ الوزارةَ تَلعةً / بفارسَ قد عُدَّتْ عليه بُدورُها
وإن هضاب المجد ليست بمَزلَقٍ / لأحنفَ كابى الحافرين عُثورُها
ألمَّا يكن في نسجِ تُوَّجَ شاغلٌ / له عن تعاطى رتبةٍ لا يطورُها
أقول وقد واراه عنّا حِجابهُ / رويدَكَ دون الفاحشات سُتورُها
وأعلقه بابن الحُصيْن سفاهةٌ / ألا خابَ مولاها وساء عشيرُها
فأعدَى إليه رَأيَهُ فأباده / كما أهلك الزَّبَّاءَ يوما قَصيرُها
وهل نجمه الهاوى سوى دَبَرانها / وهل ريحُه الهوجاءُ إلا دَبورُها
وأطربه تحت الرِّواق نُهاقُه / وليس يروق الأُتْنَ إلا حَميرُها
وما كان طنّى أن للذئب وقفةً / وقد جرَّ أرسانَ الأمور هَصورُها
فأرضُ رُعاءِ البَهْمِ إلا تُقِرَّه / يُعقَّرْ بنابٍ لا يُبِلُّ عقيرُها
ولا تُلقيَنَّ البأسَ عند احتقارهِ / ألا ربما جر الخطوبَ صغيرُها
بودّىَ لو لاقيتُ مجدَك تالياً / مناقبَ أُسديها له وأَنيرُها
ولكننى أبعدتُ في الأرض مذهبى / لإعزاز نفسٍ قد جفاها عَذيُرها
وهجهجَ بي عن أرض بغدادَ ذِلةٌ / كوخز سنانِ السمهرىّ حُصورُها
لأمثالها تعلو الجيادَ سُروجُها / ويلتقم الحَرْفَ العَلَنداةَ كُورُها
فكدت بأن أنسى لذاك فصاحتى / سوى أنّ طبعا في الحمَام هديرُها
تركنا رُبَى الزوراء ينزو خِلالَها / جَنادبُ يعلو في الهجير صَريُرها
وقلتُ بلادُ الله رحبٌ فسيحةٌ / فهل معجزى أفحوصة أستجيرُها
وقد تترك الأسدُ البلادَ تنزُّهاً / إذا ما كلابُ الحيّ لجَّ هريرُها
أقامت بمثواك الليالي مُنيخةً / مكرَّرةً أيامُها وشُهورُها
يؤرَّخُ من ميلاد سعدك عَصْرُها / وتُحصَى بأعمار النسور دُهورُها
فدونكها للتاج يُبتاع دُرُّها / فَرزدقُها غَوَّاصها وجَريُرها
وقد زادها حسنا لعينيك أنها / على مسمعَىْ داود يُتلَى زَبورُها
إذا نثرَ الناسُ الهِرَقْليَّةَ الصُّفْرا
إذا نثرَ الناسُ الهِرَقْليَّةَ الصُّفْرا / نثرتُ على عليائك الحمدَ والشُّكرا
وصغتُ من الذهن المصفَّى بدائعا / أقرِّط أسماعَ الرُّواةِ بها شَذْرا
فلا تحسبَنَّ الدُّرَّ في البحرِ وحدَه / فقد تُخرِج الأفواهُ من لفظها دُرَّا
ومن كان جسمَ المكرمات وروحَها / تحلَّى ثناءً لا لُجينا ولا تِبرا
يُحيَّا برَيحان المحامدِ سمعُه / ويكفيهِ أن كانت مناقبه عِطرا
ولست براضٍ غيرَ وصفك تحفةً / ولا قاضيا إلا بمِدحتك النَّذرا
بلغتَ عميدَ الدولة الغايةَ التي / ركائبُ أنباءِ المنى دونَها حَسرَى
وما زلتَ تُغلى المجدَ حتى جعلتَهُ / عليك حبيسا لا يباعُ ولا يُشرى
وكم طالبٍ فيه نصيبا وإنه / ليَقبِضُ كفَّيْه إذا عَرف السِّعرا
تطيعك في المعروف نفسٌ حيِيَّة / إذا سُئلتْ جدواك تستقبحُ العُذرا
أظنُّك في الدنيا تُريد زهادةً / فلستَ بمستبقٍ لعاقبةٍ ذُخرا
وقد كانت النَّعماءُ جادت بنفسها / فأنشأتَها في عصرك النشأةَ الأخرى
مواهبُ يُعطين الغنىَّ على الغِنَى / مَزيدا ويتركن الفقيرَ كمن أثرى
يوافين سراًّ والسحابُ برعدها / تبوح بما توليه إن أرسلتْ قَطرا
فدّى لك صيفىُّ الغمامة في الندى / يَظُنّ سؤالَ السائلين به مكرا
إذا حامت الآمالُ حول حِياضه / سمعنَ بها من كلِّ ناحيةٍ زَجرا
ألستَ من القوم الذين نداهُمُ / حبائُلهم والراغبون بها أسرى
يبيتون في المشتى خِماصاً وعندهم / من الزاد فضلاتٌ تُصان لمن يُقرى
خشَوا أن يضِلَّ الضيفُ عنهم فرفَّعوا / من النار في الظلماء ألويةً حُمرا
أفادوا الذي شاءوا وأفنَوه عاجلا / فقد جمعتْ أيديهم العُسرَ واليُسرا
تواليك حباَّتُ القلوب كأنما / خُلقتَ سرورا في الضمائِر أو سِرّا
فإن كانت العينان داعيةَ الهوى / فقد أبصرتْ من شخصك الشمسَ والبدرا
وإن كان للنفس الطروبِ تتيُّمٌ / فأجدرُ أن تَهوَى خلائقَك الزُّهرا
فقد جنَح الأعداءُ للسّلم رغبةً / إليك وأىّ الناس لا يعشق البِرّا
فأما سَقام الحاسدين فما له / شفاءٌ وقد كادتهُمُ نِعَمٌ تَتْرَى
تسوت يداك بسطةً وسماحةً / فلم تفخر اليمنى بفضل على اليسرى
ومعترَكٍ للقوم مزَّقتَ جمَعه / بحدِّ لسانٍ يُحسن الكرّ والفرّا
وفحشاء أدّتها إليك جهالةٌ / جعلتَ رتاجَ الحلم من دونها سِترا
سما بك فوق العزّ قلبٌ مشيَّعٌ / إذا ركب الأهوالَ لم يستشر فكرا
وهمّةُ وثَّابٍ على كلّ ذِروةٍ / يَنال على أكّدها النَّهىَ والأمرا
ألا ربَّ ساعٍ في مَداك كَبتْ به / مطاياه أو قالت له رِجلُه عَثْرا
وملتمِسٍ في عدِّ فضلك غايةً / ومن يَشبُر الخضراءَ أو ينزِف البحرا
خذوا عن غُبار الأعوجيَّات جانبا / وإلا فقد ضيعتمُ خَلفها الحُضرا
وخلُّوا لهذا البازلِ القَرِم شَولَه / فإنكُمُ لم تَحذِقوا الهَدْر والخَطْرا
فتىً سالَبَ ألأعداء حِرصا على العلا / فأجلَوا له عنها وما عَقَد الأُزْرا
وهل يُعجب الروضُ المنوّرُ أعينا / رعَتْ في محيّاه الطلاقةَ والبِشرا
كأنَّ الحياءَ انهلَّ في وجَناته / فكانَ لها ماءً وكانت له غُدْرا
تحدّثه الغيبَ الخفىَّ طنونهُ / فتحسبُها قد أودِعتْ صُحُفا تُقرَا
وقالوا هو الغيث الذي يغمرُ الربىَ / فقلت لهم ما زدتموني به خُبرا
فقالوا هو الليثُ المعفِّر قِرنَهُ / فقلت بحقّ الله أيُّهما أجرا
حلفت بها تَهوِى على ثَفِناتها / من الأين مرخاةً أزمَّتُها صُعرا
تجرِّر أذيالَ الرياح وراءَ ها / إذا كتبتْ سطرا محتْ قبلَه سطرا
تَنَزَّهُ عن حَمل الأوانسِ كالدُّمى / وتحمِل في كِيرانها الشُّعثَ والغُبْرا
إلى حيث لا تُجزَى بحسن صنيعها / إذا ما قضَوا نُسكا جزَوها به نَحرا
وبالبيت محفوفا بمن طاف حوله / إطافةَ سِمطىْ لؤلؤ قلّدا نحرا
تُفاضُ سجوفُ الرَّقم في جبناته / على ماثلٍ تَعرَى السيوفُ ولا يعرى
حمىً لا يخاف الطيرُ في شجراتهِ / قنيصا ولا تخشى الظباءُ به ذُعرا
وبالحجرِ الملثومِ سمعا وطاعة / ونعلم أنْ ما يملك النفع والضرا
لأنت إذا صَكُّوا القِداح على العلا / أحظُّهمُ سهما وأسرعُهم قَمرا
وأعلاهُمُ كعبا وأحلاهُمُ جَنىً / وأوفاهُمُ عهدا وأرفعُهم ذِكرا
كفاك نجاحُ السعى في كلّ مطلب / هممت به أن تزج الأدم والعفرا
بعزم كما أطلقن أنشوطة الحبى / وجِدٍّ كما نفَّرتَ عن مَربإ صَقرا
رأيتك طودا للخليفة شامخا / وسيفا على شانيه يختصر العمرا
إِذا عرَضتْ حَوجاءُ كنتَ قضاءَها / وإن طرَقتْ غَمّاءُ سَدّ بك الثغرا
دعاك لأمرٍ ليس يُحكِم فتلَه / سواك وهجِيِّراك أن تُبرمَ الأمرا
فأرسلتَها من بابلٍ وكأنما / تُقلِقلُ من تحت السروج قَطاً كُدْرا
صدمَت بها الأجبالَ والقُرُّ كالحٌ / تجلّلها ثلجا وتُنعلها صخرا
تَذكَّرُ مَرعىً بالعراقِ ومورِدا / وهل ينفع المشتاقَ ترديدُه الذكرا
إذا رَبأتْ في قُنَّةٍ خِلت أنها / خُدارِيّةُ العِقبانِ طالبةً وَكرا
فزاحمن فيها الشُّهب حتى طمعن أن / يحلَّين منهنّ القلائدَ والعُذْرا
بكلِّ منيفٍ يقصُر الطيرُ دونه / ولا تجد النكباءُ من فوقه مَجرى
وطودٍ بحولىّ الجليدِ معمَّمٍ / كما زار لونُ الشيب في هامةٍ شَعرا
كأنا كشطنا عنه جِلدةَ بازلٍ / كسا شحمُه جنبيه والمتنَ والظهرا
أقامت به ألأنواءُ تُهدى لك القِرى / ولم تقتنع بالماء فاحتلبت دَرَّا
فرشنَ بِكافورِ السماء لك الربىَ / فشابهنَه لونا وخالفنَه قِشرا
اذا خلَصت منها الجيادُ رأيتها / وما خالطت لونا محجَّلةً غُرّا
وقاسمها بُعدُ المدى في جسومها / فأفنى بها شطرا وابقى لها شطرا
ولما دَحَت قُود الهضاب وراءَها / ورنّحها طولُ القيادِ لها سُكرا
رمتْ صحصحانَ الرَّى منها بأعين / تردّد في أعطافه نظرا شَزرا
هناك دعا داعٍ من الله مسمِعٌ / فلبَّاك من ضمَّتْ معالمُها طُرَّا
يحيُّون ميمونَ النقيبةِ ماجدا / ويَلقون بالتعظيم أعظمَهم قدرا
ولا قيتَ ربَّ التاج يرفعُ حُجْبَهَ / ويطردُ ما ناجيته التيهَ والكِبرا
وحاورتَه حتى شغفتَ فؤادَه / ألا ربّما كان البيانُ هو السحرا
رأى فيك ما يهواه مجدا وسؤددا / فما كنت إلا في مجالسه صدرا
وحسبُك فخرا أن تجَهزّتَ غاديا / فقضَّيتَ أوطار النبوّة من كِسرى
مليكٌ حمَى الرحمنُ بيضةَ مُلكه / فما في الورى من يستطيع لها كَسرا
كتائُبه في كلّ شرق ومغرب / مدرَّعةٌ فتحا مؤيّدةٌ نصرا
كَفاه نظامُ الملك أكبرَ همّة / وأتعبَ في آرائه السرَّ والجهرا
همامٌ إذا ما هزَّ في الخطب رأيَهُ / فلا عجبٌ أن يُخجل البيضَ والسُّمرا
إذا هو أمضَى نعمةً قد تعنَّست / تخيَّر أُخرى من مواهبه بِكرا
ومن رأيه الميمونِ عقدُ حبالهِ / بحبلك حتى قد شددتَ به أَزْرا
لئن كنتَ أنت المشترِى في سمائه / علوًّا لقد قارنتَ في أفقهِ الشِّعْرَى
فأصبحتُما كالفرقدَيْن تناسُباً / فأكرِمْ بذا حَمْواً وأكرم بذا صِهرا
وقضَّيتَ ثم عطفتَها / تَبارَى كما ينسابُ في الشَّعَر المِدرى
وأُبت كما آبَ الربيعُ إلى الثرى / يَخيط على أعطافهِ حُلَلا خُضرا
ففي كلّ يوم ما أغبَّ مبشِّر / يؤدّى إلى بغدادَ من قربك البُشرى
ولما اطمأنَّت في جَلَوْلاءَ عالجتْ / بذاك النسيم الرطِب أكبادَها الحرَّى
فأقسمتَ لا تنفكّ تحت لُبودِها / إلى أن توافى حَلبةَ القصْرِ والقصرا
وعُجتَ بها تطوِى منازلَ أربعا / إلى منزلٍ يا بعدَ ذلك من مَسرَى
ولله فينا نِعمةٌ إثرَ نعمةٍ / وعَوْدك محروسا هو النعمة الكبرى
فلا كان يومٌ لستَ في صدره ضُحىً / ولا كان ليلٌ لستَ في عَجْزه فجرا
ودِدتُ التصابى فيك إذ كان عاذرى
ودِدتُ التصابى فيك إذ كان عاذرى / وعاديتُ حلمى إذ غدا عنك زاجرى
ومالي سوى قلبٍ يضلّ ويهتدي / فإما الهوى فيه وإما بَصائري
وإني لأدرِي أنما الغُنْجٌ واللَّمَى / وبيضُ الطُّلَى هنّ القذى في المحاجرِ
ولكنّها نفسٌ تروضُ طباعَها / بما حملته من عذاب الجآذِرِ
عدِمتُ فؤادي يبتغي الآنَ رشدَه / فهلاّ قُبيل الحبّ كان مشاورى
فما بالنا نُعطَى الدنيَّة في الهوى / وفي الروع لا نعطَى ظُلامةَ ثائرِ
كأنا جميمُ الروض يقطُف نَوْرَه الظ / باءُ ولا يحلو لأُسْدٍ خوادرِ
وإنّ انقيادى طوعَ ما أنا كارهٌ / يدلُّك أنَّ المرءَ ليس بقادرِ
لواحظُنا تجنىِ ولا علَم عندَها / وأنفسُنا مأخوذةٌ بالجرائرِ
ولم أرَ أغبىَ من نفوسٍ عفائفٍ / تصدّق أخبارَ العيون الفواجرِ
ومن كانت الأجفانُ حُجَّابَ قلبهِ / أَذِنَّ على أحشائه للفَواقِرِ
إذا لم أفز منكم بوعدٍ فنظرَةٍ / إليكم فما نفعى بسمعى وناظرى
وما زال لي عند الظباء ظُلامةٌ / تُرَدُّ إلى قاضٍ من الحبّ جائرِ
لعمرُك ما بي في الصبابة حَيرةٌ / تقسِّم فكرى بين ناهٍ وآمرِ
تصاممتُ عن عذل العذول لأنه اح / تجاجٌ لسالٍ واعتذارٌ لعاذرِ
وكيف بنسياني الذي حفِظ الصِّبا / وبات به طيفُ الخيال مسامرى
بلى إِنّ بَردَ اليأس يطفىءُ حُرقةً / ولو سُقيت منه قلوبُ الهواجرِ
وإِنّا إذا ضلَّت من الحَزْنِ نفحةٌ / فزِعنا إلى نِشدانها بالمناخرِ
أصعِّد أنفاسي إذا ما تمرّغت / على تُربه هوجُ الرياح الخواطرِ
وأذكرُ يوما قصَّر الوصلُ عمرَهُ / كأنا التقينا منه في ظلِّ طائرِ
متى غَنت الورقاءُ كانت مدامتى / دموعى وزفراتي حنينَ مَزاهِري
خليليَّ هذا الحُلُم قد أطلق الأسَى / وبثَّ حُبولَ الشوق بين الضمائر
ولم يبق في الأحشاء إلا صُبابة / من الصبر تجرِي في الدموع البوادرِ
فَلَيًّا بأعناقِ المطىِّ فربّما / أصبنا الأماني في صدور الأباعرِ
وإن لم يكن في ربّة الخِدر مَطمعٌ / قنَعنا بآثار الرسوم الدوائرِ
مَرابط أفراس ومَبرك هَجمةٍ / وملعب ولدان ومجلس سامرِ
وسُفعِ أئافىٍّ كانّ رَمادَها / حمائمُ لكن هنَّ غيرُ طوائرِ
ويا حبّذا تلك النُّئىّ وليتها / تروح خلاخيلي وتغدو أساورى
إذا أنتَ لم تحفَظ عهودَ منازلٍ / فلستَ لعهد النازلين بذاكرِ
سقاها الذي أضحت ينابيعُ فضلهِ / تَمُدُّ شآبيبَ الغيوثِ البواكرِ
فجودُ عميد الدولة العُشبُ والحيا / ومقتَرَحُ الراجى وازادُ المسافرِ
كُفيتَ به أن تطلبَ الرزقَ جاهدا / على زعمهم بالسعي أو بالمقادرِ
تظَلُّ قَلوص الجُود ترقُص تحتهُ / إذا حُديتْ يوما بنغمة شاكرِ
تحدَّثْ ولا تحرَجْ بكلّ عجيبةٍ / من البحر أو تلك الخلال الزواهرِ
فما ذاق طعمَ الرىِّ من لم تُسَقِّه / أناملُه من صوبها المتواترِ
وكم من كسير للّيالي قد التقت / عليه أياديه التقاءَ الجبائرِ
ومنتَهب الجدوى يُريك سحابُه / زمانَ الربيع السكبِ في شهر ناجرِ
يسابقُ بالفعلِ المقالَ كأنه / يرى الوعدَ فنًّا من مِطال الضمائرِ
فأنت تراه ماطرا غيرَ بارقٍ / ولست تراه بارقا غيرَ ماطرِ
مواهبُ سمّاها العفاةُ صنائعا / وهنّ نجومٌ في سماء المآثرِ
ملوم على بذل البضائع في الندى / وما تاجرٌ في المكرُمات بخاسِر
قَطوبٌ وأطرافُ القيانِ عوابثٌ / ضحوك وأطرافُ القنا في الحناجرِ
به ازدانت الدنيا لنا وتلفّتت / إلينا الليالي بالخدود النواضرِ
تعلَّمت الأيامُ منه بشاشةً / أعادت إلىّ الدهرَ حَشَّن المَكاسِر
يذيبُ السؤالُ شَحمةَ الرفِد عنده / وهل يجمُد العنقودُ في كفِّ عاصِر
أبَى أن تُهزَّ العُنجُهِيَّةُ عِطفَهُ / يقيناً بأنّ الكبرَ إحدى الكبائرِ
ولا عيبَ في أخلاقه غيرَ أنها / فرائد دُرّ ما لها من نظائرِ
وما الناسُ إلا كالبحور فبعضُها / عقيمٌ وبعضٌ معدنٌ للجواهرِ
فتعساً لأقدام السُّعاةِ وراءه / ألم ينتهوا عنه بأوّل عاثرِ
يُقِرُّ له بالفضل كلُّ منازع / إذا قيل يومَ الجَمع هل من مُفاخرِ
أخو الحزم ليست في نواحيه فرصةٌ / لنُهزةِ مغتالٍ ونَفثةِ ساحر
إذا ركَضتْ آراؤه خلفَ فائتٍ / تدارك منه غائبا مثل حاضرِ
متى تأتهِ مستشفعا بصنيعهِ / إليك فقد لاقيته بأواصرِ
تتبَّع أوساطَ الأمور مجانبا / تورُّطَ عجلان ووَنيةَ قاصِر
وقد علم النُّزَّاعُ أ ديارَه / إذا انتجعوها نِعم دارُ المُهاجرِ
تسلَّوا عن الأوطان بالأبطح الذي / يلائم مَرعاه لبادٍ وحاضرِ
يطاول بالأقلام ما تبلغ القنا / ويفضُل أفعالَ الظُّبَا بالمخاصرِ
من العصبةِ الغُرِّ الذين سعودُهم / بآرائهم لا بالنجوم السوائرِ
فوارسُ هيجاءٍ وقولٍ ركوبُهم / ظهورُ الجيادِ أو ظهورُ المنابرِ
يظن الضيوفُ أن دارهمُ مِنىً / ودهرَهُمُ عيدٌ لعُظَم المناحرِ
وما أوقدوا النيرانَ إلا ليفضَحوا / بها الليلَ إن أخفى مسالكَ زائرِ
وقد علمتْ تلك المكارم والعلا / وقد ولدتهم أنها غيرُ عاقرِ
أيا شرفَ الدين المشَرِّف عصرِه / ومن حلَّ فيه بالعطايا البواهرِ
تناولْ بنيروز الأكاسِرِ غبطةً / تضاحك أفواهَ ألأماني الفواغرِ
هو اليومُ لا في حُلَّة الصيف رافلٌ / ولا في سرابيل الشتاء بخاطرِ
يكاد لسانَا طِيبهِ واعتدالهِ / يُبينان أنّ الدهرَ ليس بجائرِ
ولما رأيتُ المال عندك هيِّنا / جعلتُ هداياه رياضَ الدفاترِ
فإنك من حمد الرجال وشكرِهم / كثيرُ الكنوزِ واللُّهَى والذخائرِ
لستُ أقضِى إذا رأيُتك نَذرا
لستُ أقضِى إذا رأيُتك نَذرا / غيرَ نثرى عليك حمدا وشكرا
وثناءً إذا تلقَّطه السم / عُ تحلُّى في موضع القُرط دُرَّا
مالىءٌ قلبَ من يواليك إطرا / با وأُذنَ الذي يعاديك وَقْراً
ليس لي من فضيلةٍ فيه إلا / أنني أُلبِس القلائدَ نحرا
أتلقَّى بحسن أخلاقك الغُ / رِّ شبيابهنّ وجهاً أغرَّا
فكأني إذا تمضمضَ بالمد / ح لساني أديرُ في الفمِ خمرا
كلُّ هذا جَهدُ المقلِّ وما قصَّ / ر من يبتنى لمجدك ذِكرا
لا يزور الرقادُ عينا إذا سِر / تَ ولا يسكن الفؤادُ الصدرا
كيف لا تقشعِرُّ أرضٌ إذا أع / رضتَ عنها واستأنستْ بك أخرى
تستطيل الأوقاتَ حتى ترى السا / عةَ حَوْلا وتحسَب اليومَ شهرا
لو أطاقت سعيا إذا زُلتَ عنها / لغدت في أوائل الركب حسرى
أنت روحٌ لها ولا يعُمِر الجث / مانُ إلا ما دام للروح وَكرا
إنما تعدَم البِلادُ متى غب / تَ ضياءَ الآفاق شمساً وبدرا
وسحابا للجود يرعُد وعدا / ثم يَندىَ كفاًّ ويَبرُقُ بِشرا
فإذا ما أقمتَ أصبحنَ خُضرا / وإذا ماظعنتَ أمسين غُبرْا
نغفِرُ الصدَّ للحبيب ولانق / بلُ منه على التباعُد عُذرا
يتمنَّى المحبُّ قربا ووصلا / فإذا فاتَه فقربا وهَجرا
لا تُرعنا بُغربةٍ بعدُ إنَّا / ليس نُعطَى على التفرّق صبرا
إن سقانا إيابُك اليومَ حُلوا / فبما أسقت النوى أمسِ مُرّا
غيرَ أنَّا إذا السلامةُ حاطت / ك وسِعنا الزمانَ عفوا وغَفْرا
بدا ضاحكا لا لأحظَى بما
بدا ضاحكا لا لأحظَى بما / تُسَرُّ به النفسُ من بِشره
ولكن رأى وجهَه مقمرا / فأبَدى كواكبَ من ثغره
أضدَّانِ في جسدٍ واحدٍ
أضدَّانِ في جسدٍ واحدٍ / مقيمان قد جعلاه قَرارا
دموعٌ من العين فياّضةٌ / ووَقدٌ من القلب يَرمِى شَرارا
كأنِّى من السُّحُبِ الساريا / ت يَحمِلنَ فيهنَّ ماءً ونارا
إحَدى الكواعب من بنى نصِر
إحَدى الكواعب من بنى نصِر / شهِد الظلامُ لها على البدرِ
كالبَيْض تحضُنه نعائمه / بيضاءُ في كِلَلٍ من الشَّعرِ
سكَرى اللواحظ وهي صاحيةٌ / فدموعها فنٌّ من الخمرِ
ما خِلتُ أنّ بياضَ مقلِتها / وسوادَها صُحفٌ من السِّحرِ
بسَمتْ وقد برزتْ قلائُدها / فرأيتُ ما في النحرِ في الثغرِ
ومن العجائبِ أن تصادف في ال / عذب الزُّلال لآلىء البحرِ
كيف اهتديت لحبّ ظالمةٍ / وثبَ الغرامُ بها على الصبرِ
جمَّثتُها فنبَتْ فقلتُ لها / أهوَيتُ أطلبُ معدِنَ التبرِ
ضُربتْ بأسمةٍ قِبابهمُ / وكأنَّها في ساحة الصدرِ
بِيضٌ وسُمرٌ في خيامهمُ / ممنوعةٌ بالبيضِ والسُّمرِ
بدم المحبِّ يباع وصلُهمُ / فمن الذي يَبتاع بالسعرِ
لو كان غيرُ الحب جيشَهمُ / أليتهُم في جحفل مَجْرِ
هجروا وهجرهُمُ على دَخَلٍ / فلأجل ذلك طيفُهم يَسِرى
وهَب الظلامُ لنا محاسنَه / وأظنُّ مرسلَه بنا يدرى
حتى إذا الإصباحُ أيقظهُ / ولىَّ يُؤذِّن فيه بالغدرِ
يا ليلةً بالرمل قصَّرها / حلُّ العناقِ معاقدَ الخُمرِ
كادت خُطانا أن تنمَّ على / آثارنا وطُمِسنَ بالأُزرِ
ورأت كلابُ الحىّ رِيبتَنا / فكَرُمن عن نبح وعن هَرِّ
فُضَّت خواتيمُ السرور بها / واللهوِ حتى مطلع الفجرِ
لولا التحرُّجُ والغلوُّ لما / أُسْميتِ إلا ليلةَ القدرِ
والليلُ عِقْصَتُه قد انتشرت / ورَمتْ مَدرِاى الأنجم الزُّهرِ
والنسرُ قد أعيت قوادمُهُ / والغربُ يجذِبه إلى وكَرِ
وهوْت من الجوزاء مِنْطقَةٌ / زهراءُ لم تُعقد على خصرِ
ورمَى الثريّا من معلَّقِها / سبقُ السِّماك وحربَةُ الغَفْرِ
فكأنَّها والشمسُ تجمعها / رهطٌ قد ازدحموا على سِرِّ
مثل العذارى من تعنِّفها / تستصحبُ الدَّبرانَ كالحدرِ
وهلالُها تحكى استدارتُه / عَقدَ التمام لِعدّة الشهرِ
وعلى المجرّة أنجمٌ نُظمتْ / مثلَ الفَقار نُسِقن في الظهرِ
هذى حَبابٌ فوق صفحتها / طافٍ وهذا جدولٌ يجرى
كَيَدِ ابن فَضْلانٍ غمائمُها / تغدو ببذل الوفر أو تسرى
إن حلَّ في بيداءَ أو بلدٍ / نابت سحائبه عن القَطْرِ
أىُّ المكارمِ قد تأبّطها / وعزائمٍ في ذلك الصدرِ
طُهرت من الأحقادِ نيَته / والقلبُ مغسول من الغِمرِ
لامُوه فيما أتلفتْ يدُهُ / فرأى المحامدَ أنفسَ الذُّخرِ
إن قال فالسيفُ الحسامُ مَضى / أوصال أفنَى الليثَ بالذرِّ
ما إن أرى في الناس من أحدٍ / إلا يُمتُّ إليه بالشكرِ
حتى كأنّ الأرضَ طبّقها / بغمائم نشأت من البِرِّ
قد مارس الأعداءُ شدّتَه / فاستسلموا لليث ذى الأجرِى
وكوت مياسِمُهُ قلوبَهم / والكىُّ مشفاةٌ لذى العرِّ
إنّ الشَّدائدَ مذعُنينَ به / قارعنَ جُلمودا من الصخرِ
حَملَ النوائبَ فوقَ عاتقهِ / حتى رجعنَ إليه بالعُذرِ
وبوائقُ الأيّام عاديةً / لاقَين منه دامِىَ الظُّفرِ
لا تنكروا حَبْسا ألمَّ به / إن الحِسانَ تُصان بالخِدرِ
والغِمدُ ليس تُفاض بُردتُهُ / إلا على الهندىِّ ذى الأثْرِ
إن حجَّبوه فكلُّ ذى شرفٍ / يعتزُّ بالبوَّابِ والسِّترِ
يغشى الكسوفُ الشمسَ إذ عظُمتْ / ويعافُ ضوءَ الأنجم الزُّهرِ
قد يستِسرُّ البدرُ ليلتَهُ / لَيتِمَّ ليلةَ رابعِ الشهرِ
أوَ ليس يوسفُ بعد مِحنتِهِ / نقلوهُ من سجن إلى مصِر
لَمرَقَت منها مثلما ما انكردت / فَتخاءُ ترِمى الطيرَ بالذُّعرِ
وصبرَتَ حتى انجابَ غيهبُها / إنَّ النجَاءَ عواقبُ الصبرِ
تُنسَى مرارةُ كلِّ نازلةٍ / بحلاوةٍ في النهى والأمرِ
وإذا الأغانى حنَّ مِزهرُها / ولَّى حنينُ النابِ والبَكرِ
وإذا تولَّى الشىءُ تكرهُه / فكأنّه ما دار في سِرِّ
حمدا وشكرا للإله على / ما قد حباك وواجب النَّذرِ
وكأنني بك فوق غاربها / متسنِّما في ذِروة الفخرِ
ويرمِى العلاءُ إليك مِقودَه / لا ينثنِى بغماغم الزَّجرِ
إن العظائمَ ربّما بُلغت / بالهَوْن لا بالكرِّ والفَرِّ
وكذا الأُلوفُ على تفاوتها / محسوبةٌ بأناملٍ عَشْرِ
أنا من يُغالِى في محبّتهِ / وولائه في السِّر والجهرِ
ما ذاق طعمَ النوم ناظرُهُ / حتى البشيرُ أتاه بالبشِر
ولك الأيادِى لستُ أذكرها / إلا يَجِيشُ بحمدها صدرى
هي نِعمة ليديك أشكُرها / طولَ الزمان وآخرَ العَصِر
قد كان وعدٌ منك أقسمَ لى / بعلاك أنك مصلحٌ أمرى
وإخال أنّك لستَ ناسيَهُ / لكنّنى استظهرتُ بالذِّكر
قد حَزَّت الأيامُ في كبِدى / وأطافَ بى مسٌّ من الضُّرِّ
وشئمتُ عَتبى كلَّ نائبةٍ / وملِلْتُ ما أشكو من الدهرِ
وإذا جذبتَ إليك من ضَبعِي / طاعنتُها بأسنَّةِ القهرِ
وصرفتَ عنِّى كلَّ نائبةٍ / صرفَ الهموم سلافةُ الخمرِ
أهدت لك النَّعماءُ أنفَسَها / من عانس أو عاتقٍ بِكرِ
وخَطتْك أحداثُ الزمانِ ولا / برِحتْ رِباعَك ديمةٌ تجرِى
لولاك في الدنيا لما اعترفوا / للأكرمين بها سوى الذكرِ
زمانٌ فاسدُ النظرِ
زمانٌ فاسدُ النظرِ / مُصاحبهُ على خطَرِ
وقومٌ إن عَددتُهمُ / فليس القومُ من نفرى
سمعت بهم فغرُّونى / وليس الخُبْرُ كالخَبَرِ
عجلتُ إلى مديحهمُ / وذلك شيمةُ البَشَرِ
فما فهموا مدائحهم / ولا قضَّوْا بها وطَرى
فخِلتُ قصائدى حُللا / مُجيَّبةً على بقرِ
وزيرٌ رَضِى من بأسِه وانتقامِه
وزيرٌ رَضِى من بأسِه وانتقامِه / بطَىِّ رِقاعٍ حشوُها النطمُ والنثرُ
كما تسجع الوَرقاء فوق غصونها / وليس لها نهىٌ يطاع ولا أمرُ
بالجِزْعِ ذى السَّمُراتِ لى قمرٌ
بالجِزْعِ ذى السَّمُراتِ لى قمرٌ / غلبَتْ عليه سحائب الأزُرِ
أرسلتُ أنفاسي فما انقشعتْ / عنه وجاد الطَّرفُ بالمطرِ
يا طيبَ يومٍ حَجبتْ شمسَهُ
يا طيبَ يومٍ حَجبتْ شمسَهُ / سحائبٌ تُمطِرُ كافورا
لما توارت تحت أستارِها / مجَّت لنا من ريقها نورا
هززناكُمُ بالمدحِ نَجنِى ثمارَكم
هززناكُمُ بالمدحِ نَجنِى ثمارَكم / ونحِلُبُ من اخلافِ وُجدِكُمُ وَفْرا
فلم نحظَ من رِبح الثناءِ بطائلٍ / فرُدُّوا كرأس المال أو بعِضه شِعرا
فإن أنتمُ لم تنصفونا فإننا / سنقتصُّ من أعراضكم ذلك الوِترا
إذا المنع والإعطاءُ كان خيارُه / إليكم تخيرَّنا المذمَّةَ والشكرا
فلا تحسبوا أنَّا إذا نلتم الغنَى / ولم تُشركونا نُوسعكم عذرا
بِتنا على الزَّوراء نهدِمُ ما
بِتنا على الزَّوراء نهدِمُ ما / بَنَتِ القلوبُ من الأمانى الزُّور
لما لقينا من تُجاهِك عصبةً / نضحَتْ بشكواها ذَفَارَى العِيرِ
إنّ امرأً سلكتْ إليك ركابُهُ / فجًّا لقد دلَّى بحبلِ غرورِ
كان الوداد منغِّصا لوُشاتنا
كان الوداد منغِّصا لوُشاتنا / ولو ارتموا ما بيننا بفواقرِ
تُحظى ظواهرُنا فنُغِمضُ عيننا / عنها ونطمحُ في صوابِ ضمائرِ
متحلِّلِى عُقَد الضغائنِ كلَّما / نصبَ الحسودِّ لنا حِبالة ماكرِ
أيامَ لا عِرسٌ غلإخاء بطالقٍ / منّا ولا أُمّ الصفاءِ بعاقرِ
فالآن أقلقنا الحسودُ كما اشتهى / فينا ونفّرنا صفيرُ الصافرِ
وكأنّما كانت وساوسَ حالم / تلك المودّةُ أو فكاهةَ سامرِ
ومتى ثكَلت مودْةً من صاحبٍ / فلقد عِدمت بها سوادَ الناظرِ
ولذاك نُحْتُ على إخائك مثلما / ناحَ الحمامُ على الربيع الباكرِ
هيهات لستَ بواجدٍ من بعدها / مِثلى ببذلِ بضائعٍ ومَتاجرِ
لا تَنبِذ الخُلاّنَ حولك حَجْرةً / فالعينُ لا تبقى بغَير مَحاجرِ
ما كنتُ أحسبُ أنّ صِبغةَ ودِّنا / مما تحولُ على الزمان الغابر
ولو أننى حاذرتُ ذاك فد يتُها / منه بلونِ ذوائبي وغَدائرى
لكنَّ كلَّ غريبةٍ وعجيبةٍ / من فعلِ هذا المَنْجَنونِ الدائرِ
فلئن أقمتَ على التصرمُ لم تجدْ / رَيْبا سِوى عَتِب الحبيب الهاجرِ
وإن استقلتَ أقلتُها وجزاؤها / منّى مَثوبةُ تائبٍ من غافرِ
حتى ترى سُحُب الوصال معيدةً / ذاك الهشيمَ جميمَ روضٍ ناضرِ
إن الغصونَ يعودُ حُسنُ قَوامِها / من بعد ما مالت بهزِّ صراصرِ
أنا من علمتَ إذا المناطقُ لجلجتْ / ألفاظها أو غامَ أُفْقُ الخاطرِ
ما بين ثغرِى واللَّهازِم بَضعةٌ / هزِئتْ بشِفشقةِ الفنيِق الهادرِ
متحكَّمٌ في القول يلقُط دُرَّه / غَوصِى ولو من قعر بحر زاخرِ
وإذا نثرتُ سمَت بلاغةُ خاطبٍ / وإذا نظمتُ علتْ فصاحةُ شاعرِ
لي في المطايا الفضلِ كلُّ شِمِلةٍ / أبدا أرحِّلها لزادِ مسافرِ
كم موردٍ عرضَ الزُّلالَ لمشربي / روَّعتُه وفجعتُه بمصادرى
إن رثَّ غِمدى لم ترِثَّ مَضاربي / أو فُلَّ لم تُفَلَّ بصائري
تأتي جيادي في الرَّهان سوابقا / وجيادُ غيري في الرعيلِ العاشرِ
ومجالسُ العلماء حشوُ صدورها / أنا والذُّنابَى للجهول الحائرِ
إن قال أقوامٌ علىَّ مَناقصا / لم يضرُر الحسناءَ عيبُ ضرائرِ
لو لم تكن في وسط قلبي حَبَّةً / لسلوتُ عنك سُلوَّ بعِض ذخائرى
ولقلتُ ما هذا بأوّلِ ناقضٍ / عهدا ولا هذا بأوّلِ غادرِ
لكن حللتَ من الفؤاد بمنزلٍ / أصبحتَ فيه ربيبَ بيتٍ عامرِ
شِيَمِى على جَوْر الزمان وعدلِه / أنى أقولُ لَعاً لرِجلِ العاثرِ
هل في جُنوبِ اللِّوى وجدٌ فأطرَبهُ
هل في جُنوبِ اللِّوى وجدٌ فأطرَبهُ / بأنَّةٍ أرسلَتْها حَنَّةُ العِيرِ
أم روضةُ الحَزِن من دمعى على ثقةٍ / فلا تحيِّى حياَ الغُرّ المباكيرِ
ومن يكن غرّه في الحبّ غادرُه / فقد هَوِيتُ ولُبِّى غيرُ مغرورِ
وما ركبتُ الهوى إلا وقد علمتْ / نفسى بما فيه من هول وتغريرِ
أغشَى الخيامَ بذلٍّ ليس يطرُدُه / لَفتُ الخدودِ وإعراضُ الأرسايرِ
دون الأمانىِّ فيهم كلُّ لاذعةٍ / والشَّهدُ من دونه لسعُ الزنابيرِ
ما للزمان تُحلِّى لى خدائعُهُ / أكلَ المُرارِ بأنواعِ الأزاهيرِ
لا يَتبع العينَ قلبي وهي تابعةٌ / وكيف طاعةُ ذى أمرٍ لمأمورِ
وصاحب لا يدُ التجريب تنقُدُه / ولا سبائكُهُ تصفو على الكِيرِ
يسىءُ حتَّى إذا فاحت إساءتُه / رمَى وراء الخطايا بالمعاذيرِ
تركتهُ بعبَاءِ الغِلّ مشتملا / يُكنُّ للغيظ جُرعا غيرَ مسبورِ
حاشَ الذي شفَّ لي عن كلّ خالصةٍ / كأنَّ كَشحيْه صِيغا من قواريرِ
لا يجتبى ببيوت النافقاءِ ولا / يروح مشتملا ثوبا من الزورِ
أيا بنَ ودِّى انتسابا مالَهُ رحِمٌ / إلا الذي فيك من فضلٍ ومن خِيرِ
إليك أشكو مشيبا لاح بارقُهُ / في فرع دهماءَ تجرى بالأساطيرِ
كانت مَفارِقها مسكا مضمَّخةً / فما لها بُدّلت منه بكافورِ
ومقلةً عُهِدتْ كحلاءَ مرَّهها / طولُ البكاءِ على بِيض الطواميرِ
كانت دجىً حسَد الإصباحُ لِمتّه / فجزَّها بحسامٍ منه مشهورِ
يا حبَّذا هي والأقلامُ واردةٌ / فيها وصادرةٌ سُحْمَ المناقيرِ
كأنّما كرَعَت في ناظرَىْ رشأ / أو في سُويداءِ قلبٍ غير مسرورِ
تَحوى القراطيسُ منها روضةً أُنُفا / فيها مُفاخَرة الظلماءِ للنُّورِ
فكيف لي بخضابٍ تسترِدُّ به / من الشبيبة لونا غير مهجورِ
ذؤابة النار شطرٌ فيه معتمدٌ / وفيه للنَّحل شطرٌ غير مبرورِ
قد أحكمته يدُ الطاهى فناشَله / كجاذب القوس عن نزعٍ وتوتيرِ
فجاءنا بغُدافٍ لا تسابقه / شُهبُ البزُاةِ إلى فخرٍ وتنفيرِ
لو أنّ صِبغتَه فاز الشبابُ بها / لما رمىَ الدهرُ فَودَيْهِ بتغيرِ
وحاجة النِّقس إن قلَت وإن كثرت / إذا سمحتَ بها مثلُ الدنانيرِ
إن لم أكنْ من راضعى الخمرِ
إن لم أكنْ من راضعى الخمرِ / ولك أداو السكرَ بالسكرِ
ولا إذا ما ركَدتْ خيلُهَا / أجريُتَها في حلبةِ الصدرِ
فإننى أهوَى النَّدامَى وما / يأتون من خيرٍ ومن شرِّ
وأعشق الكأَس وسلطانُها / يأخذهم بالنهى والأمرِ
كأنما الراحُ براحاتهم / كواكبٌ في فَلِكٍ تجرى
منتظِمو اليدى بأدوارها / كنظمك الأحرفَ في السطرِ
ياقوتُها الأصفرُ أمواههم / يَنبُتُ فيها زَهَرُ الدُّرِّ
تحظى بها عينى وحاشا يدى / منها وحاشا موضعَ البشرِ
بل ربما طاف بها أهيفٌ / أجفانه من صُحُف السحرِ
مِن سَبَج الإظلامِ أصداغُهُ / ووجهُهُ من جوهر البدر
والراح لا يرضَى سواها قِرىً / ولو قَريَناه من التِّبرِ
إذا علاها زَبدٌ خلَته / سُحْباً عليها شَنَبُ الثغرِ
وليس لي ممّا بها قَطرَةٌ / يا واكفَ الأنواءِ بالقَطرِ
فجدْ بها تُشبِهُ في عَرِفها / عِرضى وفي رِقَّتها شِعرِى
أنتَ صَرِيفِنْىِ وقُطْرُبُّلِى / وموضعُ الشكر من الدهرِ
قلقلْ ركابكَ في الفلا
قلقلْ ركابكَ في الفلا / ودع الغوانىَ للقصورِ
فمحالفو أوطانهم / أمثالُ سُكّان القبورِ
لولا التغربُّ ما ارتقَى / دُرّ البحورِ إلى النحورِ
قل لابن جابرَ الذي جعلَ اللهُ
قل لابن جابرَ الذي جعلَ اللهُ / له كلّ خَلَّةً قذِرَهْ
الجنُّ نارٌ والإنسُ من حَمَإٍ / فأنتَ لِمْ خُلقتَ من عَذِرَهْ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025