القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 39
مِنَ المَرمَرِ المَسنونِ صاغوا مِثالَهُ
مِنَ المَرمَرِ المَسنونِ صاغوا مِثالَهُ / وَطافوا بِهِ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ زُمَر
وَقالوا صَنَعناهُ لِتَخليدِ رَسمِهِ / فَقُلتُ أَلا يَفنى كَما فَنِيَ الأَثَر
وَقالوا نَصَبناهُ اِعتِرافاً بِفَضلِهِ / فَقُلتُ إِذَن مَن يَعرِفِ الفَضلَ لِلحَجَر
وَقالوا غَنِيٌّ كانَ يَسخو بِمالِهِ / فَقُلتُ لَهُم هَل كانَ أَسخى مِنَ المَطَر
وَقالوا قَوِيٌّ عاشَ يَحمي ذِمارَنا / فَقُلتُ لَهُم هَل كانَ أَقوى مِنَ القَدَر
أَكانَ غَنِيّاً أَم قَوِيّاً فَإِنَّهُ / بِمالِكُم اِستَغنى وَقُوَّتِكُم ظَفَر
فَلَم يَتَعَشَّقُكُم وَلا هِمتُم بِهِ / كَما خِلتُمُ لَكِنَّهُ النَفعُ وَالضَرَر
وَلَم تَرفَعوا التِمثالَ لِلبَأسِ وَالنَدى / وَلَكِن لِضَعفٍ في نُفوسِكُم اِستَتَر
فَلَستُم تُحِبّونَ الغَنِيَّ إِذا اِفتَقَر / وَلَستُم تُحِبّونَ القَوِيَّ إِذا اِندَحَر
رَأَيتُكُم لا تَعرِجونَ بِرَوضَةٍ / إِذا لَم يَكُن في الرَوضِ فَيءٌ وَلا ثَمَر
وَلا تَعلِفونَ الشاةَ إِلّا لِتَسمَنوا / وَلا تَقتَنونَ الخَيلَ إِلّا عَلى سَفَر
إِذا كانَ حُبُّ الفَضلِ لِلفَضلِ شَأنُكُم / وَلَم تُخطِؤوا في الحِسِّ وَالسَمعِ وَالبَصَر
فَما بالُكُم لَم تُكرِموا اللَيلَ وَالضُحى / وَلَم تَنصُبوا التِمثالَ لِلشَمسِ وَالقَمَر
لا تَنثَني في الرَوضِ أَغصانُ الشَجَر
لا تَنثَني في الرَوضِ أَغصانُ الشَجَر / حَتّى تُدَغدِغُها النَسائِمُ في السَحَر
وَأَنا كَذَلِكَ لا يُفارِقُني الضَجَر / حَتّى تُداعِبَ لِمَّتي بِيَدَيها
الشَمسُ تُلقي في الصَباحِ حِبالَها / وَتَبيتُ تَنظُرُ في الغَديرِ خَيالَها
أَمّا أَنا فَإِذا وَقَفتُ حِيالَها / أَبصَرتُ نورَ الشَمسِ في خَدَّيها
الطَودُ يَقرَءُ في السَماءِ الصافِيَه / سَفراً جَميلٌ مَتنُهُ وَالحاشِيَه
أَمّا أَنا فَإِذا فَقَدتُ كِتابِيَه / أَتلو كِتابَ الحُبِّ في عَينَيها
الطَيرُ إِن عَطِشَت وَلَجَّ بِها الظَما / هَبَطَت إِلى الأَنهارِ مِن عَلوِ السَما
أَمّا أَنا فَإِذا ظَمِئتُ فَإِنَّما / ظَمَأي الشَديدُ إِلى لَمى شَفَتَيها
النَدُّ يَطلُبُهُ الخَلائِقُ في الرُبى / بَينَ الوُرودِ وَفي نُسَيماتِ الصَبا
أَمّا أَنا فَأَلَذُّ مِن نَشرِ الكَبا / عِندي الَّذي قَد فاحَ مِن نَهدَيها
الراحُ تَصرُفُ ذا العَناءِ عَنِ العَنا / وَتَطيرُ بِالصُعلوكِ في جَوِّ المُنى
فَيَرى الكَواكِبَ تَحتَهُ أَمّا أَنا / فَتَظَلُّ أَفكاري تَحومُ عَلَيها
فيها وَمِنها ذِلَّتي وَسَقامي / وَبِها غَرامي القاتِلي وَهُيامي
أَشتاقُها في يَقظَتي وَمَنامي / وَأَطوَلَ شَوقِ المُستَهامِ إِلَيها
كَم تَستَثيرُ بِيَ الصَبابَة وَالهَوى
كَم تَستَثيرُ بِيَ الصَبابَة وَالهَوى / عَنّي إِلَيكَ فَإِنَّ قَلبي مِن حَجَر
مالي وَلِلحَسناءِ أُغري مُهجَتي / بِوِصالِها وَالشَيبُ قَد وَخَطَ الشَعَر
كَم بَِلجَزيرَةِ لَو يُتاحُ لِيَ الهَوى / مِن غادَةٍ تَحكي بِطُلعَتِها القَمَر
وَلَكَم بِها مِن جَدوَلٍ وَحَديقَةٍ / مِن صَنعَةِ الرَحمَنِ لا صُنعِ البَشَر
فيها اللَواتي إِن رَمَت أَلحاظَها / شَلَّت يَدَ الرامي وَقَطَّعَتِ الوَتَر
قَد كانَ لي في كُلِّ خَودٍ مَطمَعٌ / وَلِكُلِّ رائِعَةِ المَحاسِنِ بي وَتَر
أَيّامُ شِعري كَالدُجى مُحلَولِكٌ / أَيّامُ عَيشي لا يُخالِطُهُ كَدَر
ذَرني وَأَشجاني وَجِسمي وَالضَنى / وَيَدي وَأَقلامي وَطَرفي وَالسَهَر
أَأَبيتُ أَلهو وَالهُمومُ تُحيطُ بي / وَأَنامُ عَن قَومي وَقَومي في خَطَر
صَوتُ المُصَفِّقِ مَوعِدٌ ما بَينَنا / ماذا أَقولُ لَهُم إِذا الديكُ اِستَحَر
نَسِيَ الكَنارُ نَشيدُهُ
نَسِيَ الكَنارُ نَشيدُهُ / فَتَعالَ كَي نَنسى الكَنار
وَليَقذِفَنَّ بِهِ المَلالُ / مِنَ القُصورِ إِلى القِفار
وَلتَرمِيَنَّ بِريشِهِ / لِلأَرضِ عاصِفَةُ النِفار
وَلنَستَعِض عَنهُ بِطَيرٍ / مِن لُجَينٍ أَي نُضار
لا لا فَإِن سَكَتَ الكَنا / رُ فَلَم يَزَل ذاكَ الكَنار
أَو كانَ فارَقَهُ الصُدا / حُ فَلَم يُفارِقهُ الوَقار
صَمتُ الكَنارِ وَإِن قَسا / خَيرٌ مِنَ النَغَمِ المُعار
صَبراً فَسَوفَ يَعودُ لِلـ / ـتَغريدِ إِن عادَ النَهار
مِنَ الفَرنسيسِ قَيدَ العَينِ صورَتَها
مِنَ الفَرنسيسِ قَيدَ العَينِ صورَتَها / عَذراءَ قَد مُلِأَت أَجفانُها حَوَرا
كَأَنَّما وَهَبَتها الشَمسُ صَفحَتَها / وَجها وَحاكَت لَها أَسلاكَها شَعَرا
يَدُ المَنِيَّةِ طاحَت غِبَّ مَولِدِها / بِأُمِّها وَأَبوها ماتَ مُنتَحِرا
في قَريَةٍ مِن قُرى باريسَ ما صَغُرَت / عَنِ الفَتاة وَلَكِن هَمُّها كَبُرا
وَالنَفسُ تَعشَقُ في الأَهلينَ مَوطِنَها / وَلَيسَ تَعشَقُهُ يَحويهُمُ حُفَرا
وَتَعظُمُ الأَرضُ في عَينَيكَ مُحتَرَماً / وَلَيسَ تَعظُمُ في عَينَيكَ مُحتَقَرا
فَغادَرَتها وَما في نَفسِها أَثَرٌ / مِنها وَلا تَرَكَت في أَهلِها أَثَرا
إِلى الَّتي تَفتِنُ الدُنيا مَحاسِنُها / وَحُسنُ مَن سَكَنوها يَفتِنُ البَشَرا
إِلى الَّتي تَجمَعُ الأَضدادَ دارَتُها / وَيَحرُسُ الأَمنُ في أَرجائِها الخَطَرا
إِذا رَآها تَقِيٌّ ظَنَّها عَدَناً / وَإِن رَآها شَقِيٌّ ظَنَّها سَقَرا
تَوَدُّ شَمسُ الضُحى لَو أَنَّها فَلَكٌ / وَالأُفقُ لَو طَلَعَت في أَوجِهِ قَمَرا
وَالغَربُ لَو كانَ عوداً في مَنابِرِها / وَالشَرقُ لَو كانَ في جُدرانِها حَجَرا
في كُلِّ قَلبٍ هَوىً مِنها كَأَنَّ لَهُ / في أَهلِها صاحِباً في أَرضِها وَطَرا
باريسُ أُعجوبَةُ الدُنيا وَجَنَّتُها / وَرَبَّةُ الحُسنِ مَطروقا وَمُبتَكَرا
حَلَّت عَلَيها فَلَم تُنكِر زَخارِفَها / فَطالَما أَبصَرَت أَشباهَها صُوَرا
وَلا خَلائِقَ أَهليها وَزَيَّهُمُ / فَطالَما قَرَأتَ أَخلاقُهُم سِيَرا
وَإِنَّما أَنكَرَت في الأَرضِ وِحدَتَها / كَذَلِكَ الطَيرُ إِما فارَقَ الوَكرا
يَتيمَةٌ ما لَها أُمٌّ تَلوذُ بِها / وَلا أَبٌ إِن دَعَتهُ نَحوَها حَضَرا
غَريبَةٌ يَقتَفيها البُؤسُ كَيفَ مَشَت / ما عَزَّ في أَرضِ باريسٍ مَنِ اِفتَقَرا
مَرَّت عَلَيها لَيال وَهيَ في شُغُلٍ / عَن سالِفِ الهَمِّ بِالهَمِّ الَّذي ظَهَرا
حَتّى إِذا عَضَّها نابُ الطَوى نَفَرَت / تَستَنزِلُ الرِزقَ فيها الفَرد وَالنَفَرا
تَجني اللُجَين وَيَجني الباذِلوهُ لَها / مِن كَفِّها الوَردَ مَنظوما وَمُنتَثِرا
لا تَتَّقي اللَهَ فيه وَهوَ في يَدِها / وَتَتَّقي فيهِ فَوقَ الوَجنَةِ النَظَرا
تَغارُ حَتّى مِنَ الأَرواحِ سارِيَةً / فَلَو تَمُرُّ قَبولٌ أَطرَقَت خَفَرا
أَذالَتِ الوَردَ قانيه وَأَصفَرَهُ / كَيما تَصونَ الَّذي في خَدِّها نَضَرا
حَمتهُ عَن كُلِّ طَرفٍ فاسِقٍ غَزِلٍ / لَو اِستَطاعَت حَمتهُ الوَهم وَالفِكرا
تُضاحِكُ الخَلقَ لا زَهوا وَلا لَعِباً / وَتَجحَدُ الفَقرَ لا كِبرا وَلا أَشَرا
فَإِن خَلَت هاجَتِ الذِكرى لَواعِجَها / فَاِستَنفَدَت طَرفَها الدَمعَ الَّذي اِذَّخَرا
تَعَلَّقتُهُ فَتىً كَالغُصنِ قامَتُهُ / حُلوَ اللِسانِ أَغَرَّ الوَجهِ مُزدَهِرا
وَهامَ فيها تُريهِ الشَمسَ غُرَّتُها / وَالفَجرَ مُرتَصِفاً في ثَغرِها دُرَرا
إِذا دَنا رَغِبَت أَن لا يُفارِقَها / وَإِن نَأى أَصبَحَت تَشتاقُ لَو ذُكِرا
تُغالِبُ الوَجدَ فيه وَهوَ مُقتَرِبٌ / وَتَهجُرُ الغَمضَ فيهِ كُلَّما هَجَرا
كانَت تَوَقّى الهَوى إِذ لا يُخامِرُها / فَأَصبَحَت تَتوَقّى في الهَوى الحَذَرا
قَد عَرَّضَت نَفسَها لِلحُبِّ واهِيَةً / فَنالَ مِنها الهَوى الجَبّارُ مُقتَدِرا
وَالحُبُّ كَاللِصِّ لا يُدريكَ مَوعِدَهُ / لَكِنَّهُ قَلَّما كَالسارِقِ اِستَتَرا
وَلَيلَةٍ مِن لَيَلي الصَيفِ مُقمِرَةٍ / لا تَسأَمُ العَينُ فيها الأَنجُمَ الزُهرا
تَلاقَيا فَشَكاها الوَجدَ فَاِضطَرَبَت / ثُمَّ اِستَمرَّ فَباتَت كَالَّذي سُحِرا
شَكا فَحَرَّكَ بِالشَكوى عَواطِفَها / كَما تُحَرِّكُ كَفُّ العازِفِ الوَتَرا
وَزادَ حَتّى تَمَنَّت كُلُّ جارِحَةٍ / لَو أَصبَحَت مَسمَعاً أَو أَصبَحَت بَصَرا
رانَ الهَيامُ عَلى الصَبَّينِ فَاِعتَنَقا / لا يَملِكانِ النُهى وِردا وَلا صَدِرا
وَكانَ ما كانَ مِمّا لَستُ أَذكُرُهُ / تَكفي الإِشارَةُ أَهلَ الفِطنَةِ الخُبَرا
هامَت بِه وَهيَ لا تَدري لِشَوقَتِها / بِأَنَّها قَد أَحَبَّت أَرقَماً ذَكَرا
رَأَتهُ خَشفاً فَأَدنَتهُ فَراءَ بِها / شاةً فَأَنشَبَ فيها نابَهُ نَمِرا
ما زالَ يُؤمِنُ فيها غَيرَ مُكتَرِثٍ / بِالعاذِلينَ فَلَمّا آمَنَت كَفَرا
جَنى عَلَيها الَّذي تَخشى وَقاطَعَها / كَأَنَّما قَد جَنَت ما لَيسَ مُغتَفَرا
كانَت وَكانَ يَرى في خَدِّها صَعَراً / عَنهُ فَباتَت تَرى في خَدِّهِ صَعَرا
فَكُلَّما اِستَعطَفَتهُ اِزوَرَّ مُحتَدِماً / وَكُلَّما اِبتَسَمَت في وَجهِهِ كَشَرا
قالَ النِفار وَفِرجيني عَلى مَضَضٍ / تَجَرَّعُ الأَنقَعَينِ الصاب وَالصَبرا
قالَت وَقَد زارَها يَوماً مُعَرَّضَةً / مَتى لَعَمرُكَ يَجني الغارِسُ الثَمَرا
كَم ذا الصُدود وَلا ذَنبٌ جَنَتهُ يَدي / أَرِو بِكَ الصَفوَ لا أَرجو بِكَ الكَدَرا
تَرَكَتني لا أَذوقُ الماءَ مِن وَلَهي / كَما تَرَكتَ جُفوني لا تَذوقُ كَرى
أَشفِق عَلَي وَلا تَنسَ وُعودَكَ لي / فَإِنَّ ما بِيَ لَو بِلصَخرِ لَاِنفَطَرا
أَطالَتِ العَتبَ تَرجو أَن يَرِقَّ لَها / فُؤادُهُ فَأَطالَ الصَمتَ مُختَصِرا
وَأَحرَجَتهُ لِأَنَّ الهَمَّ أَحرَجَها / وَكُلَّما أَحرَجَتهُ راغَ مُعتَذِرا
وَضاقَ ذَرعاً بِما يُخفي فَقالَ لَها / إِلى ما أُلزِمُ فيكِ العَي وَالحَصَرا
أَهواكِ صاحِبَةً أَمّا اِقتِرانُكِ بي / فَلَيسَ يَخطُرُ في بالي وَلا خَطَرا
أَهوى رِضاك وَلَكِن إِن سَعَيتُ لَهُ / أَغضَبتُ نَفسِي وَالدَيّان وَالبَشَرا
عَنَيتُ مالِيَ مِن قَلبَينِ في جَسَدي / وَلَيسَ قَلبي إِلى قِسمَينِ مُشَطِرا
تُطالِبيني فُؤادي وَهوَ مُرتَهَنٌ / في كَفِّ غَيرِكِ رُمتِ المَطلَبَ العَسِرا
يَكَفيكِ أَنّي فيكِ خُنتُ إِمرَأَتي / وَلَم يَخُن قَلبَها عَهدي وَلا خَفَرا
قَد كانَ طَيشاً هِيامي فيكِ بَل نَزَقاً / وَكانَ حُبُّكِ ضَعفاً مِنكِ بَل خَوَرا
قالَت مَتى صِرتَ بَعلاً قالَ مِن أَمَدٍ / لا أَحسَبُ العُمرَ إِلّاه وَإِن قَصُرا
يا هَولَ ما أَبصَرَت يا هَولَ ما سَمِعَت / كادَت تُكَذِّبُ فيهِ السَمع وَالبَصَرا
لَولا بَقِيَّةُ صَبرٍ في جَوانِبِها / طارَت لَهُ نَفسُها مِن وَقعِهِ شَذَرا
يا لِلخِيانَةِ صاحَت وَهيَ هائِجَةٌ / كَما تَهَيَّجَ لَيثٌ بِاِبنِهِ وُتِرا
الآنَ أَيقَنتُ أَنّي كُنتُ واهِمَةً / وَأَنَّ ما كُلِّ بَرقٍ يَصحَبُ المَطَرا
وَهَبتَ قَلبَكَ غَيري وَهوَ مِلكُ يَدي / ما خِفتِ شَرعا وَلا بالَيتَ مُزدَجَرا
لَيسَت شَرائِعُ هَذي الأَرضِ عادِلَةً / كانَ الضَعيف وَلا يَنفَكُّ مُحتَقَرا
قَد كُنتُ أَخشى يَدَ الأَقدارِ تَصدَعُنا / كانَ أَجدَرَ أَن أَخشاكَ لا القَدَرا
وَصَلَتني مِثلَ شَمسِ الأُفقِ ناصِعَةً / وَعِفتَني مِثلَ جُنحِ اللَيلِ مُعتَكِرا
كَما تَعافُ السَراةُ الثَوبَ قَد بَلِيَت / خُيوطُه وَالرُواةُ المَورِدَ القَذِرا
خِفتَ الأَقاويلَ بي قَد نامَ قائِلُها / هَلّا خَشيتَ اِنتِقامي وَهوَ قَد سَهَرا
يا سالِبي عِفَّتي مِن قَبلِ تَهجُرَني / أُردُد عَلَيَّ عَفافي وَاِردُدِ الطهرا
هَيهاتَ هَيهاتَ ما مِن عِفَّتي عِوَضٌ / لاحَ الرَشاد وَبانَ الغَي وَاِنحَسَرا
وَأَقبَلَت نَحَُهُ تَغلي مَراجِلُها / كَأَنَّها بُركانٌ ثار وَاِنفَجَرا
في صَدرِها النارُ نارُ الحِقدِ مُضرَمَةً / لَكِنَّما مُقلَتاها تَقذِفُ الشَرَرا
وَأَبصَرَ النَصلَ تُخفيهِ أَنامِلُها / فَراحَ يَركُضُ نَحوَ البابِ مُنذَعِرا
لَكِنّها عاجَلَتهُ غَيرَ وانِيَةٍ / بِطَعنَةٍ فَجَّرَت في صَدرِهِ نَهرا
فَخَرَّ في الأَرضِ جِسماً لا حَراكَ بِهِ / لَكِنَّ فَرجينَ ماتَت قَبلَما اِحتَضَرا
جُنَّت مِنَ الرُعب وَالأَحزانِ فَاِنتَحَرَت / ما حَبَّتِ المَوتَ لَكِن خافَتِ الوَضَرا
كانَت قُبَيلَ الرَدى مَنسِيَّةً فَغَدَت / بَعدَ الحِمامِ حَديثَ القَوم وَالسَمَرا
تَتلو الفَتاةُ عِظاتٍ في حِكايَتِها / كَما يُطالِعُ فيها الناشِئُ العِبَرا
بِتُّ أَرعى في الظَلامِ الأَنجُما
بِتُّ أَرعى في الظَلامِ الأَنجُما / لَيسَ لِلعُشّاقِ حَظٌّ في الكَرى
صَرَعَتني نَظرَةٌ حَتّى لَقَد / كُدتُ أَن أَحسُدَ مَن لا يُبصَرُ
نَظرَةٌ قَد أَورَثَت قَلبي الكَمَد / ما بَلاءُ القَلبِ إِلّا النَظَرُ
لا رَعاكَ اللَهُ يا يَومَ الأَحَدِ / لا وَلا حَيّاكَ عَنّي المَطَرَ
أَنتَ مَن أَطلَعتَ هاتيكَ الدُمى / سافِراتٍ فِتنَةً لِلشُعَرا
هِمتَ فيمَن حَسُنَت صورَتُها / مِثلَما قَد حَسُنَت مِنها الخِصال
أَخجَلَت شَمسَ الضُحى طُلعَتُها / وَاِستَحى مِن لَحظِها لَحظُ الغَزال
كُلُّ ما فيها جَميلٌ يُشتَهى / ما بِها عَيبٌ سِوى فَرطِ الجَمال
لَو رَآها لائِمي فيها لَما / لامَني في هُبِّها بَل عَذَرا
ذاتُ حُسنٍ خَدُّها كَالوَردِ في / لَونِه وَالطيبِ في نَكهَتِهِ
زَهرَةٌ لَكِنَّها لَم تُقطَفِ / وَجَمالُ الزَهرِ في رَوضَتَيهِ
دُرَّةٌ ما خَرَجَت مِن صَدَفٍ / تُرخِصُ الدَرَّ عَلى قيمَتِهِ
بَضَّةُ الخَدَّين وَالنَهدَينِ ما / سَفَرَت إِلّا رَأَيتُ القَمَرا
ذاتُ شَعرٍ مُسبَلٍ كَالأُفعُوان / يَتهادى فَوقَ رِدفٍ كَالكَئيب
وَقَوامٌ لَو رَآهُ الغُصنُ بان / خَجِلاً مِن ذَلِكَ الغُصنِ الرَطيب
كادَ لَولا مابِهِ مِن عُنفُوان / يَقِفُ الوِرقُ بِه وَالعَندَليب
وَجُفونٌ أَشبَهَتني سَقَماً / كَمَنَ السِحرُ بِها وَاِستَتَرا
تَبعَثُ الحُبَّ إِلى قَلبِ الخَلي / وَهوَ لا يَدري وَلا يَستَشعِرُ
وَالهَوى في بَدَنِهِ عَذبٌ شَهِيُّ / كُلُّ شَيءٍ بَعدَهُ مُحتَقَرُ
كُلُّ مَن لا يَعرِفُ الحُبَّ شَقِيُّ / لا يَرى في دَهرِهِ ما يُشكَرُ
يَصرُفُ العُمر وَلَكِن سَأَماً / عَبَثاً يَطلُبُ أَن لا يَضجُرا
لَم أَكُن أَعرِفُ ما مَعنى الهَنا / قَبَ أَن أَعرِفَ ما مَعنى الغَرام
يَضحَكُ الناسُ سُرورا وَأَنا / عابِسٌ حَتّى كَأَنّي في خِصام
عَجَبوا مِنّي وَقالوا عَلَناً / قَد رَأَينا الصَخرَ في زَيِّ الأَنام
أَوشَكوا أَن يَحسِبوني صَنَماً / لَو رَأَوا الأَصنامَ تَخفي كَدَرا
لَم أَزَل في رَبقَةِ اليَأسِ إِلى / أَن أَعادَ الحُبُّ لي بَعضَ الرَجا
كُنتُ قَبلَ الحُبِّ أَسري في ظَلامٍ / وَلا أَلقى لِنَفسِيَ مَخرَجا
فَجَلاهُ الحُبُّ عَنّي فَاِنجَلى / مِثلَما يَجلو سَنا الشَمسُ الدُجى
باتَ قَلبِيَ بِالأَماني مُفعَما / وَهوَ قَبلاً كانَ مِنها مَقفَرا
رَوَّعَتني بِالنَوى بَعدَ اللِقاء / وَكَذا الدُنيا دُنُو وَاِفتِراق
غَضِبَ الدَهرُ عَلى كَأسِ الصَفاء / مُذ رَآها فَأَبى أَلّا تُراق
وَلَو أَنَّ الدَهرَ يَدري بِالشَقاء / ساعَدَ الصَبَّ عَلى نَيلِ التَلاق
لَم أَجِد لي مُشبِهاً تَحتَ السَما / في شَقائي لا وَلا فَوقَ الثَرى
وَأَبي لَو أَنَّ ما بي بِالجِبال / أَصبَحَت تَهتَزُّ مِن مُرِّ النَسيم
فَاِعذُروني إِن أَكُن مِثلَ الخَيال / وَاِعذُلوني إِن أَكُن غَيرَ سَقيم
إِنَّ دائِيَ جاءَ مِن صاد وَدال / وَدَواءُ القَلبِ في ضاد وَميم
باتَ صَبِيَ مِثلُ جِسمي عَدَما / إِنَّما يَصبُرُ مَن قَد قَدِرا
رُبَّ لَيلٍ عادَني فيهِ السُهاد / وَنَأى عَن مُقلَتي طيبُ الكَرى
هاجَتِ الذِكرى شُجوناً في الفُؤاد / فَبَكى طَرفي عَقيقاً أَحمَرا
نَبَّهَ الأَهلَ بُكائِي وَالعِباد / فَأَتوا يَستَطلِعونَ الخَبَرا
قُلتُ داءٌ في الفُؤادِ اِستَحكَما / كادَ قَلبِيَ مِنهُ أَن يَنفَطِرا
صَدَّقوا ما قُلتُهُ ثُمَّ مَضى / واحِدٌ مِنهُم يَستَدعي الطَبيب
سار وَالكُلُّ عَلى جَمرِ الغَضا / وَأَنا بَينَ أَنين وَنَحيب
لَم يَكُن إِلّا كَبَرقٍ وَمَضا / وَإِذا الدُكتورُ مِن مَهدي قَريب
قالَ لِلجُمهورِ ماذا الاِجتِماع / أُخرُجوا أَو زِدتُموهُ خَطَرا
خَرَجَ الكُلُّ فَأَمسَت غُرفَتي / مِثلُ قَلبِ الطِفلِ أَو جَيبِ الأَديب
فَدَنا يَسأَلُني عَن عِلَّتي / وَأَنا أَسمَعُ لَكِن لا أُجيب
فَنَضا الثَوبَ فَأَبصَرتُ الَّتي / كادَ جِسمِيَ في هَواها أَن يَغيب
خَلَعَت عَنها لِباسَ الحُكَما / فَرَأَت عَينايَ بَدراً نَيِّرا
وَاِعتَرَتني دَهشَةٌ لَكِنَّها / دَهشَةٌ مَمزوجَةٌ بِالفَرَحِ
كدتُ أَن أَخرُجَ عَن طَورِ النُهى / رُبَّ سُكرٍ لَم يَكُن مِن قَدَحِ
يا لَها مِن ساعَةٍ لَو أَنَّها / بَقِيَت كَالدَهرِ لَم تُستَقبَحِ
عانَقَتني وَأَنا أَبكي دَماً / وَهيَ تَبكي لِبُكائِيَ دُرَرا
وَجَعَلنا بَعدَ أَن طالَ العِناق / تَتَناجى بِأَحاديثِ القُلوب
بَينَما نَحنُ عَلى هَذا الوِفاق / قُرِعَ البابُ فَأَوشَكنا نَذوب
فَأَشارَت لِيَ قَد حانَ الفُراق / فَاِنقَطَعنا وَاِرتَدَت ثَوبَ الطَبيب
أَقبَلَ القَومُ فَقالَت كُلُّ ما / كانَ يَشكو مِنهُ عَنهُ قَد سَرى
دُميَةٌ حَسناءُ تُغري النَظَرا
دُميَةٌ حَسناءُ تُغري النَظَرا / أَم مَلاكٌ طاهِرٌ فَوقَ الثَرى
طِفلَةٌ ساذَجَةٌ أَطهَرُ مِن / زَهرَةِ الرَوض وَأَنقى جَوهَرا
شَرُفَت أَصلا وَطابَت عُنصُراً / وَاِرتَقَت نَفسا وَراقَت مَنظَرا
حَمَلَت قَلباً أَبى أَن يَحمِلَ / الحِقدَ أَو يَكتُمَ نَفَساً كَدَرا
تَجهَلُ الشَر وَلا تُحسِنُ أَن / تَخدَعَ الغَير وَلا أَن تَغدِرا
لا تُبالي بِبَناتِ الدَهرِ إِن / أَقبَلَ الدَهرُ بِها أَو أَدبَرا
وَعظُمُ الكَونُ لَدَينا جُرمُهُ / وَتَراهُ عِندَها قَد صَغُرا
إِنَّما الدُنيا لَدَيها كُلُّها / أَبَواها وَهُما كُلُّ الوَرى
جُؤذَرٌ لَكِنَّها آنِسَةٌ / لَم يَرُعها ما يَروعُ الجُؤذَرا
سَرَقَ التُفّاحُ مِن وَجنَتِها / وَاِستَعارَ الظَبيُ مِنها الحَوَرا
ذاتُ شِعرٍ ذَهَبِيٍّ لَونُهُ / قَد حَكى نورَ الضُحى مُنتَشِرا
وَعُيونٍ بِالنُهى عابِثَةٍ / جَذَبَ الغُنجُ إِلَيها الخَفَرا
شُغِفَت بِالبَدرِ حُبّاً فَهيَ لا / تَعرِفُ الغَمضَ إِلى أَن يُسفَرا
وَقَفَت تَرقُبُهُ في لَيلَةٍ / مِثلِ حَظِّ الأُدَباءِ الشُعَرا
تَكتُمُ الظَلماءُ مِن لَألائِها / أَيُّ بَدرٍ في الظَلامِ أَستَرا
أَرسَلَت نَحوَ الدَراري لَفتَةً / أَذكَرَت تِلكَ الدَراري القَمَرا
وَإِذا بِالبَدرِ قَد مَزَّقَ عَن / وَجهِهِ بُرقَعَهُ ثُمَّ اِنبَرى
فَأَضاءَ الجَو وَالأَرضَ مَعاً / نورُهُ الفِضِّيُّ لَمّا ظَهَرا
فَرَنَت عَن فاتِر وَاِبتَسَمَت / عَن نَظيمٍ قَد أَكَنَّ الدُرارا
ثُمَّ قالَت يا حَبيبي مَرحَباً / لا رَآكَ الطَرفُ إِلّا نَيِّرا
قِف قَليلاً أَو كَثيراً فَعَسى / نورُكَ الباهِرُ يَجلو البَصَرا
إِن تَغِب فَالصُبحُ عِندِيَ كَالدُجى / وَالدُجى إِن جِئتَ بِالصُبحِ اِزدَرى
لَم تُحِبَّ السَيرَ لَيلاً فَإِذا / ذَرَّ قَرنُ الشَمسِ عانَقتَ الكَرى
أَتَخافُ الشَمسَ أَم أَنتَ كَذا / تَعشَقُ اللَيل وَتَهوى السَهَرا
ثُمَّ ناجَت نَفسَها قائِلَةً / أَتُرى أَبلُغُ مِنهُ وَطَرا
لَيتَ لي أَجنِحَةً بَل لَيتَني / نَجمَةً أَتبَعُهُ أَنّى سَرى
وَهُمَ البَعضُ فَقالوا دِرهَمٌ / ما أَرى الدِرهَمَ إِلّا حَجَرا
وَلَقَد أَضحَكَني زَعمُهُمُ / أَنَّهُ يُشبِهُ في الحَجمِ الثَرى
زَعَموا ما زَعَموا لَكِنَّما / هُوَ عِندي لُعبَةٌ لا تُشتَرى
أَنا لَستُ في دُنيا الخَيال وَلا الكَرى
أَنا لَستُ في دُنيا الخَيال وَلا الكَرى / وَكَأَنَّني فيها لِرَوعَةِ ما أَرى
يا قَومُ هَل هَذي حَقائِقُ أَم رُأىً / وَأَنا أَصاحٍ أَم شَرِبتُ مُخَدِّرا
لا تَعجَبوا مِن دَهشَتي وَتَحَيُّري / وَتَعَجَّبوا إِن لَم أَكُن مُتَحَيِّرا
كَيفَ اِلتَفَتُّ رَأَيتُ آيَةَ شاعِرٍ / لَبِقٍ تَعَمَّدَ أَن يُجيدَ لِيُبهِرا
مَسَحَت بِإِصبَعِها الحَياةُ جُفونَهُ / فَرأى المَحاسِنَ فَاِنتَقى وَتَخَيَّرا
ما لوس أَنجِلوس سِوى أُنشودَةٍ / اللَهُ غَنّاها فَجُنَّ لَها الوَرى
خَلَعَ الزَمانُ شَبابَهُ في أَرضِها / فَهوَ اِشضِرارٌ في السُفوح وَفي الذُرى
أَخَذَت مِنَ المُدُنِ العَواصِمِ مَجدَها / وَجَلالَها وَحَوَت حَلاواتِ القُرى
هِيَ راحَةٌ لِلمُتعَبين وَجَنَّةٌ / لِلعاشِقين وَمَلعَبٌ لِذَوي الثَرا
كَفَّنتُ في نيويوركَ أَحلامَ الصِبا / وَطَوَيتُها وَحَسَبتُها لَن تُنشَرا
لَكِنَّني لَمّا لَمَحتُ زُهورَها / شاهَدتُ أَحلامي تَطُلُّ مِنَ الثَرى
تَتَنَفَّسُ الهَضَباتُ في رَأدِ الضُحى / تِبرا وَفي الآصالِ مِسكاً أَذفَرا
فَالسِحرُ في ضَحِكِ النَدى مُتَرَقرِقاً / كَالسِحرِ في رَقصِ الضِياءِ مُعَطَّرا
قُل لِلأُلى وَصَفوا الجِنان وَأَطنَبوا / لَيسَت جِنانُ الخُلدِ أَعجَبَ مَنظَرا
كُلُّ الفُصولِ هُنا رَبيعٌ ضاحِكٌ / فَإِذا تَرى شَهراً رَأَيتَ الأَشهُرا
إِن كُنتَ تَجهَلُ ما حِكاياتُ الهَوى / فَاِنصُت لِوَشوَشَةَ النَسيمِ إِذا سَرى
وَاِنظُر إِلى الغَبراءِ تُنبِتُ سُندُساً / وَتَأَمَّلِ الغُدرانَ تَجري كَوثَرا
وَاِشرَب بِعَينَيكَ الجَمالَ فَإِنَّهُ / خَمرٌ بِغَيرِ يَدِ الهَوى لَن تُعصَرا
حاوَلتُ وَصفَ جَمالِها فَكَأَنَّني / وَلَدٌ بِأُنمُلِهِ يَحوشُ الأَبحُرا
وَاِستَنجَدَت روحي الخَيالَ فَخانَني / وَكَبا جَوادُ فَصاحَتي وَتَعَثَّرا
أَدرَكتُ تَقصيري وَضَعفِيَ عِندَما / أَبصَرتُ ما صَنَعَ الإِلاه وَصَوَّرا
إِنّي شَهِدتُ الحُسنَ غَيرَ مُزَيَّفٍ / بِئسَ الجَمالُ مُزَيَّفا وَمُزَوَّرا
أَحبَبتُ حَتّى الشَوكَ في صَحرائِها / وَعَشِقتُ حَتّى نَخلَها المُتَكَبِّرا
اللابِسَ الوَرَقَ اليَبيسَ تَنَسُّكاً / وَالمُشمَخِرَّ إِلى السَماءِ تَجَبُّرا
هُوَ آدَمُ الأَشجارِ أَدرَكَهُ الحَيا / لَمّا تَبدّى عُريُهُ فَتَسَتَّرا
إِبنُ الصَحارى قَد تَحَضَّر وَاِرتَقى / يا حُسنَهُ مُبتَدِياً مُتَحَضِّرا
وَبَدَت غِياضُ البُرتُقالِ فَأَشبَهَت / جِلبابَ خَودٍ بِالنُضارِ مُزَرَّرا
مِن فَوقِها اِنتَشَرَ الضِياءُ مَلاءَةً / مِن فَوقِهِ جَوٌّ صَفا وَتَبَلوَرا
وَكَأَنَّما تِلكَ القُصورِ عَلى الرُبى / عَقدٌ لِغانِيَةٍ هَوى وَتَبَعثَّرا
لَمّا تَراءَت مِن بَعيدٍ خِلتُها / سُفُنا وَخِلتُ الأَرضَ بَحراً أَخضَرا
نَفَضَ الصَباحُ سَناهُ في جُدرانِها / وَأَتى الدُجى فَرأى مَناثِرَ لِسَرى
مُتَأَلِّقاتٍ كَاِبتِساماتِ الرِضى / تُنسيكَ رُؤيَتُها الزَمانَ الأَعسَرا
أَنا شاعِرٌ ما لاحَ طَيفُ مَلاحَةٍ / إِلّا وَهَلَّلَ لِلجَمال وَكَبَّرا
وَزَّعتُ نَفسي في النُفوسِ مَحبَّةً / لا شاكِياً أَلَما وَلا مُتَضَجِّرا
وَمَشَيتُ في الدُنيا بقَلبٍ يابِسٍ / حَتّى لَقيتُ أَحِبَّتي فَاِخضَوضَرا
قَد كُنتُ أَحسَبُني كَياناً ضائِعاً / فَإِذا أَنا شَخصٌ يَعيشُ مُكَرَّرا
فَكَأَنَّني ماءُ الغَمامِ إِذا اِنطَوى / في الأَرضِ رَدَّتهُ نَباتاً مُثمِرا
ما أَكرَمَ الأَشجارِ في هَذا الحِمى / فيها لِقاصِدِها البَشاشَة وَالقِرى
تُقري الفَقيرَ عَلى خَصاصَةِ حالِهِ / كَرَماً كَما تُقري الغَنِيَّ الموسَرا
البَذلُ دَيدَنُها سَواءٌ جِئتَها / مُتَقَدِّماً أَم جِئتَها مُتَأَخِّرا
فَكَأَنَّها مِنكُم تَعَلَّمَتِ النَدى / كَيما تُغيثُ الناسَ إِن خَطبٌ عَرا
الحُسنُ حَولَك في الوِهاد وَفي الذُرى
الحُسنُ حَولَك في الوِهاد وَفي الذُرى / فَاِنظُر أَلَستَ تَرى الجَمالَ كَما أَرى
أَيلولُ يَمشي في الحُقول وَفي الرُبى / وَالأَرضُ في أَيلولَ أَحسَنُ مَنظَرا
شَهرٌ يُوَزِّعُ في الطَبيعَةِ فَنُّهُ / شَجَراً يُصَفِّقُ أَو سَناً مُتَفَجِّرا
فَالنورُ سِحرٌ دافِق وَالماءُ شِعرٌ / رائِق وَالعِطرُ أَنفاسُ الثَرى
لا تَحسَبِ الأَنهارَ ماءً راقِصاً / هَذي أَغانيهِ اِستَحالَت أَنهُرا
وَاِنظُر إِلى الأَشجارِ تَخلَعُ أَخضَراً / عَنها وَتَلبِسُ أَحمَراً أَو أَصفَرا
تَعرى وَتُكسى في أَوانٍ واحِدٍ / وَالفَنُّ في ما تَرتَديه وَفي العُرا
فَكَأَنَّما نارٌ هُناكَ خَفِيَّةٌ / تَنحَلُّ حينَ تَهُمُّ أَن تُستَشعَرا
وَتَذوبُ أَصباغاً كَأَلوانِ الضُحى / وَتَموجُ أَلحانا وَتَسري عَنبَرا
صُوَر وَأَطيافٌ تَلوحُ خَفيفَةً / وَكَأَنَّها صُوَرٌ نَراها في الكَرى
لِلَّهِ مِن أَيلولَ شَهرٍ ساحِرٍ / سَبَقَ الشُهور وَإِن أَتى مُتَأَخِّرا
مَن ذا يُدَبِّجُ أَو يَحوكُ كَوَشيهِ / أَو مَن يُصَوِّرُ مِثلَما قَد صَوَّرا
لَمَسَت أَصابِعُهُ السَماءَ فَوَجهُها / ضاح وَمَرَّ عَلى التُرابِ فَنَوَّرا
رَدَّ الجَلالَ إِلى الحَياة وَرَدَّني / مِن أَرضِ نيويوركَ إِلى أُمِّ القُرى
خَيرُ ما يَكتُبُهُ ذو مَرقَمٍ
خَيرُ ما يَكتُبُهُ ذو مَرقَمٍ / قِصَّةٌ فيها لِقَومٍ تَذكِرَه
كانَ في ماضي اللَيالي أُمَّةٌ / خَلَعَ العِزُّ عَلَيها حِبرَه
يَجِدُ النازِلُ في أَكنافِها / أَوجُهاً ضاحِكَةً مُستَبشِرَه
وَيَسيرُ الطَرفُ مِن أَرباضِها / في مَغانٍ حالِياتٍ نَضِرَه
لَم يَقِس شَعبٌ إِلى أَمجادِها / مَجدَهُ الباذِخَ إِلّا اِستَصغَرَه
هَمُّها في العِلمِ تُعلي شَأنَهُ / بَينَها وَالجَهلِ تَمحو أَثَرَه
ما تَغيبُ الشَمسُ إِلّا أَطلَعَت / لِلوَرى مَحمَدَةً أَو مَأثُرَه
فَتَمَنّى الصُبحُ تَغدو شَمسَهُ / وَتَمَنّى اللَيلُ تَغدو قَمَرَه
وَمَشى الدَهرُ إِلَيها طائِعاً / فَمَشَت تائِهَةً مُفتَخِرَه
كانَ فيها مَلِكٌ ذي فِطنَةٍ / حازِمٌ يَصفَحُ عِندَ المَقدِرَه
يَعشَقُ الأَمرَ الَّذي تَعشَقُهُ / فَإِذا اِستَنكَرَتهُ اِستَنكَرَه
بَلَغَت في عَهدِهِ مَرتَبَةً / لَم تَنَلها أُمَّةٌ أَو جَمهَرَه
فَإِذا أَعطَت ضَعيفاً مَوثِقاً / أَشفَقَت أَعدائُهُ أَن تَخفِرَه
وَإِذا حارَبَها طاغِيَةٌ / كانَتِ الظافِرَةَ المُنتَصِرَه
ماتَ عَنها فَآقامَت مَلِكاً / طائِشَ الرَأيِ كَثيرَ الثَرثَرَه
حَولَهُ عُصبَةُ سوءٍ كُلَّما / جاءَ إِدّاً أَقبَلَت مُعتَذِرَه
حَسَّنَت في عَينِهِ آثامَهُ / وَإِلَيهِ نَفسَهُ المُستَكبِرَه
وَتَمادى القَومُ في غَفلَتِهِم / فَتَمادى في المَلاهي المُنكَرَه
زَحزَحَ الأُمَّةَ عَن مَركَزِها / وَطَوى رايَتِها المُنتَشِرَه
وَرَأَت فيها اللَيالي مَقتَلاً / فَرَمَتها فَأَصابَت مُدبِرَه
فَهَوَت عَن عَرشِها مُنعَفِرَه / مِثلَما تَرمي بِسَهمٍ قُبَّرَه
كانَ فيها شاعِرٌ مُشتَهِرٌ / ذو قَوافٍ بَينَها مُشتَهِرَه
كُلَّما هَزَّت يَداهُ وَتَراً / هَزَّ مِن كُلِّ فُؤادٍ وَتَرَه
تَعِسُ الحَظ وَهَل أَتعَسُ مِن / شاعِرٍ في أُمَّةٍ موحتَضَرَه
يَقرَءُ الناظِرُ في مُقلَتِهِ / ثَورَةً طاهِرَةً مُستَتِرَه
ما يَراهُ الناسُ إِلّا واقِفاً / في مَغاني قَومِهِ المُندَثِرَه
حائِراً كَالرَيحِ في أَطلالِها / باكِيا وَالسُحُبَ المُنهَمِرَه
وَهيَ في أَهوائِها لاهِيَةٌ / وَكَذاكَ الأُمَّةُ المُستَهتِرَه
ما رَأَت مُهجَتُهُ المُنفَطِرَه / لا وَلا أَدمُعُهُ المُنحَدِرَه
فَشَكاهُ الشِعرُ مِمّا سامَهُ / وَشَكاهُ اللَيلَ مِمّا سَهَرَه
ثُمَّ لَمّا عَبِثَ اليَأسُ / مَزَّقَ الطِرس وَشَجَّ المِحبَرَه
مَرَّ يَوماً فَرَأى أَشيُخاً / جَلَسوا يَبكونَ عِندَ المَقبَرَه
قالَ مالُكُمُ ما خَطبُكُم / أَيُّ كِنزٍ في الثَرى ىَو جَوهَرَه
وَمَنِ لثاوي الَّذي تَبكونَهُ / قَيصَرٌ أَم تُبَّعٌ أَم عَنتَرَه
قالَ شَيخٌ مِنهُم مُحدَودِبٌ / وَدُموعُ اليَأسِ تَغشى بَصَرَه
إِنَّ مَن نَبكيهِ لَو أَبصَرَهُ / قَيصَرٌ أَبصَرَ فيهِ قَيصَرَه
كَيفَ يا جاهِلُ لا تَعرِفَهُ / وَحُداةُ العيسِ تَروي خَبَرَه
هُوَ مَلِكٌ كانَ فينا وَمَضى / فَمَضَت أَيّامِنا المُزدَهِرَه
وَلَبِثنا بَعدَهُ في ظُلَمٍ / داجِيَتٍ فَوقَنا مُعتَكِرَه
وَالَّذي كانَ بِنا مَعرِفَةً / لِصُروفِ الدَهرِ أَمسى نَكِرَه
فَاِنتَهى التاجُ إِلى مُعتَسِفٍ / لَم يَزَل بِالتاجِ حَتّى نَثَّرَه
كُلُّ ما تَصبو إِلَيهِ نَفسُهُ / مُعصَرٌ أَو خَمرَةٌ مُعتَصَرَه
مُستَهينٌ بَِلَّيالي وَبِنا / مُستَعينٌ بِالطَغامِ الفَجَرَه
كُلَّما جاءَ إِلَيهِ خائِنٌ / واشِياً قَرَّبَه وَاِستَزوَرَه
فَإِذا جاءَ إِلَيهِ ناصِحٌ / شَكَّ في نِيَّتِهِ فَاِنتَهَرَه
مُستَبِّدٌ باذِلٍ في لَحظَةٍ / ما اِذَّخَرناهُ لَه وَاِذَّخَرَه
يَهَبُ المَرء وَما يَملُكُهُ / وَعَلى المَوهوبِ أَن يَستَغفِرَه
هَزَأَ الشاعِر مِنهُم قائِلاً / بَلَغَ السوسُ أُصولَ الشَجَرَه
رَحَمَةُ اللَهِ عَلى أَسلافِكُم / إِنَّهُم كانوا تُقاةً بَربَرَه
رَحمَةُ اللَهِ عَلَيهِم إِنَّهُم / لَم يَكونوا أُمَّةً مُنشَطِرَه
إِنَّ مَن تَبكونَهُ يا سادَتي / كَالَّذي تَشكونَ فيكُم بَطَرَه
إِنَّما بَأسُ الأُلى قَد سَلَفوا / قَتلَ النَهمَةَ فيه وَالشَرَه
فَاِحبُسوا الأَدمُعَ في آماقِكُم / وَاِترُكوا هَذي العِظامَ النَخِرَه
لَو فَعَلتُم فِعلَ أَجدادِكُم / ما قَضى الظالِمُ مِنكُم وَطَرَه
ما لَكُم تَشكونَ مِن مُحتَكِمٍ / أُضتُمُ أَلسِنَكُم أَن تَشكُرَه
وَجَعَلتُم مِنكُم عَسكَرَهُ / وَحَلَفتُم أَن تُطيعوا عَسكَرَه
كَيفَ لا يَبغي وَيَطغى آمِرٌ / يَتَّقي أَشجَعُكُم أَن يَنظُرَه
ما اِستَحالَ الهِرُّ لَيثاً إِنَّما / ىُسُدُ الآجامِ صارَت هِرَرَه
وَإِذا اللَيثُ وَهَت أَظفارُهُ / أَنشَبَ السِنَّورُ فيهِ ظُفرَه
ما بالُهُم نَقَضوا العُهودَ جَهارا
ما بالُهُم نَقَضوا العُهودَ جَهارا / وَتَعَمَّدوا الإِذاء وَالإِضرارا
وَاِستَأسَدوا لَمّا رَأوا لَيثَ الشَرى / عافَ الزَئير وَقَلَّمَ الأَظفارا
داروا بِه وَالشَرُّ في أَحداقِهِم / ذا يَدَّعي حَقّا وَذَلِكَ ثارا
لُؤمٌ لَعَمرُ أَبيكَ لَم يَرَ مِثلَهُ / التاريخُ مُنذُ اِستَقرَأَ الأَخبارا
وَخِيانَةٌ ما جائَها القَومُ الأُلى / تَخِذوا مَعَ الوَحشِ القِفارَ دِيارا
أَمسى يُحَرِّضُ عاهِلَ الأَلمانِ عَن / أَمسى يُحَرِّضُ في الخَفا البُلغارا
أَمُعاشِرَ الإِفرَنجِ لَيسَ شَهامَةً / ما تَفعَلونَ إِذا أَمِنتُم عارا
أَمِنَ المُروأَةِ أَن يُساءَ جِوارُنا / في حينِ أَنّا لا نُسيءُ جِوارا
أَمِنَ المُروأَةِ أَن يُطَأطِئَ تاجَهُ / مَلِكٌ لِيَملُكَ في الثَرى أَشبارا
البَغيُ مَرتَعُهُ وَخيمٌ فَاِعلَموا / وَالظُلمُ يُعقَبُ لِلظَلومِ دَمارا
إِن تُحرِجوا الرِئبالَ في عَرينِهِ / يَذَرُ السُكوت وَيَركَبُ الأَخطارا
وَكَما عَلِمتُم ذَلِكَ الجَيشُ الَّذي / يَأبى وَيَأنَفُ أَن يُرى خَوّارا
فَالوَيلُ لِلدُنيا إِذا نَفَضَ الكَرى / وَالوَيلُ لِلأَيّامِ إِمّا ثارا
إِنّي أَرى لَيلاً يُخَيِّمُ فَوقَنا / لا يَنجَلي حَتّى يُشَبَّ النارا
فَحَذارِ ثُمَّ حَذارِ مِن يَومٍ بِهِ / يَجري انَجيعُ عَلى الثَرى أَنهارا
يَومٌ تُباعُ بِهِ النُفوسُ رَخيصَةً / يَومٌ يُقَصِّرُ هَولَهُ الأَعمارا
يَومٌ يَكونُ بِهِ الجَميعُ عَساكِراً / وَالكُلُّ يَدخُلُ في الوَغى مُختارا
دَبَّت وَقَد أَرخى الظَلامُ سِتارا
دَبَّت وَقَد أَرخى الظَلامُ سِتارا / وَلَطالَما كَتَمَ الدُجى الأَسرارا
سُفُنٌ هِيَ الأَطوادُ لَولا سَيرَها / أَعَهِدتُمُ جَبَلاً مَشى أَو سارا
كَالطَيرِ أَسرابا وَلَكِن إِن عَدَت / تَنَتِ الرِياح وَتَسبَقُ الأَطيارا
مِثلُ الكَواكِبِ في النِظام وَإِنَّها / لَكَما الكَواكِبُ تَبعَثُ الأَنوارا
هِيَ كَالمَدائِنِ غَيرَ أَن نُزيلَها / أَبَداً بِها يَتَوَقَّعُ الأَخطارا
وَأَظُنُّها فَقَدَت حَبيباً أَو أَخاً / وَلِذَلِكَ اِرتَدَتِ السَوادَ شِعارا
تَغشى المِياهَ لَعَلَّ ما في قَلبِها / يُطفى فَتَزدادُ الضُلوعُ أَوارا
وَتَميدُ حَتّى لا يُشَكُّ بِأَنَّها / سَكرى وَلَم تَذُقِ السَفينُ عَقارا
وَتُسَرُّ إِن رَأَتِ الثُغورَ كَأَنَّها / المَقرورُ أَبصَرَ بَعدَ جُهدٍ نارا
وَبَوارِجٌ قَد سُيِّرَت كَالجَحفَلِ / الجَرّارِ تَحمِلُ جَحفَلاً جَرّارا
حَمَلَت أُناساً كَالقُرودِ وُجوهُهُم / صَفراءُ يَحكي لَونَها الدينارا
فُطسُ الأُنوفِ قَصيرَةٌ قاماتُهُم / هَيهاتِ لا تَتَجاوَزُ الأَشبارا
قَد قادَها طوغو فَقادَ ذُلولَةً / تَهوى الصِعاب وَتَعشَقُ الأَسفارا
في قَلبِهِ نار وَفي أَحشائِها / مِثلُ الَّذي في نَفسِهِ قَد ثارا
ما زالَ يَدفَعُها البُخارُ فَتَرتَمي / كَالسَهمِ أُطلِقَ في الفَضاءِ فَسارا
طَوراً تَراها في السَحاب وَتارَةً / في القاعِ يوشِكُ جُرمُها يَتَوارى
حَتّى دَنَت مِن ثَغرِ شِمولبو الَّذي / جَمَعَ الأُلى يَعرِفوا ما صارا
نَفَرٌ مِنَ الرُؤوسِ الَّذينَ سَمِعتُ عَن / أَفعالِهِم فيما مَضى الأَخبارا
مِن كُلِّ مِغوارٍ إِذا زارَ الوَغى / زارَ الحِمامُ الفارِسَ المُغوارا
ما كانَ غَيرَ الفارِياجِ لَدَيهِم / وَسَفينَةً أُخرى أَخَفُّ دِثارا
قالَ العَدُوُّ لَهُم وَقَد داناهُمُ / وَكَفى بِما وافى بِهِ إِنذارا
أَمّا القِتالُ فَتَلحَقونَ بِمَن مَضَوا / أَو تُحسِنونَ فَتُؤخَذونَ أُسارى
كانَ الجَوابُ قَذائِفاً نارِيَّةً / تَهوى الوُرود وَتَكرَهُ الإِصدارا
مِثلُ الرُجومِ إِذا هَوَت لَكِنَّها / لا تَعرِفُ الأَخيار وَالأَشرارا
وَأَقَلُّها خَطباً فَكيفَ أَشَدُّها / لَو نالَتِ الجَبَلَ الأَشَمَّ أَنهارا
حَفَّت بِهِم سُفُنُ العُداة وَأَحدَقَت / حَتّى وَالكُلُّ إِخالَها أَسوارا
ما بَينَ بارِجَة وَطَرّادٍ إِلى / نَسّافَة وَالكُلُّ يَقذِفُ نارا
مَلَأَ الفَضاءَ دُخانُها وَذَكاءُ / اِحتَجَبَت وَما بَرَحَ النَهارُ نَهارا
وَالجَوُّ أَظلَم وَاِكفَهَرَّ أَديمُهُ / حَتّى كَأَنَّ عَلى السَماءِ سِتارا
وَالبَحرُ خُضِّبَ بِالدِماء وَأَصبَحَت / أَمواجُه وَهيَ اللُجَينُ نُضارا
ذا وَالقَنابِلُ لَم تَزَل مُنهَلَّةً / مِنها تُحاكي الصَيبَ المِدرارا
وَالمَركِبانُ الفارِياج وَأُختُها / في ابوَةٍ لا يَعرِفانِ قَرارا
إِحداهُما ظَفِرَت بِها مَقذوفَةٌ / فَكَأَنَّ صاعِقَةً أَصابَت دارا
فَهَوَت بِمَن فيها وَقَد فَتَحَت لَا / الأَمواجُ صَدراً يَكتُمُ الأَسرارا
هَبَطَت وَزادَ هُبوطَها المُتَقاتِ / لينَ عَلى مُداوَمَةِ الوَغى إِصرارا
لَكِنَّما الأُخرى أُصيبَت بِالأَذى / حَتّى غَدَت لا تَملِكُ التَسيارا
فَرَأى الفَتى رُبّانُها أَن يَفتَدي / الجُندَ الكِرامَ مِنَ المَماتِ فِرارا
قَد فَرَّ بَعضُهُم وَلَكِن جُلَّهُم / طَلَبوا الفِرارَ مِنَ الفِرارِ خَيارا
أَودوا بِها نَسفا وَماتوا عِندَها / غَرَقا وَيَأبى الباسِلونَ العارا
هَذي حِكايَتُهُم أُسَطِّرُها لَكُم / لا دِرهَماً أَبغي وَلا دينارا
فَلَئِن أَفادَتكُم فَخَيرٌ اءَ مَن / شَر وَإِلّا فَلتَكُن تَذكارا
سَرى يَطوي بِنا الأَميالَ طَيّاً
سَرى يَطوي بِنا الأَميالَ طَيّاً / كَما تَطوِ السِجِلَّ أَوِ الإِزارا
فَلَم نَدر وَجُنحُ اللَيلِ داجٍ / أَبَرقاً ما رَكِبنا أَم قِطارا
بِنا وَبِهِ حَنين وَاِشتِياقٌ / وَلَولا ذانِ ما سِرنا وَسارا
وَلَكِنّا وَسِعنا الشَوقَ ذَرعاً / وَضاقَ بِهِ فَصَعَّدَهُ بُخارا
وَسَمَّينا الَّذي يُخفيهِ وَجداً / وَسَمَّينا الَّذي يُخفيهِ نارا
غَفا صَحبي وَبَعضُهُم تَغَفى / وَلَم أَذُقِ الكَرى إِلّا غِرارا
جَلَستُ أُراقِبُ الجَوزاءَ وَحدي / كَما قَد يَرقَبُ الساري المَنارا
يَسيرُ بِنا القِطار وَنَحنُ نَرجو / لَو اِختَصَرَ الطَريقَ بِنا اِختِصارا
وَأُقسِمُ لَو أُحَدِّثَهُ بِما بي / لَحَلَّقَ في الفَضاءِ بِنا وَطارا
إِلى البَلَدِ الأَمينِ إِلى كِرامٍ / يُراعونَ المَوَدَّة وَالجِوارا
إِلى المُزدادِ وُدَّهُم لَدَينا / إِذا زِدنا صِفاتُهُمُ اِختِبارا
إِذا سَتَرَت نَحَبَّتِها قُلوبٌ / فَحُبّي لا أُطيقُ لَهُ اِستِتارا
فَيا إِخوانَنا في كُلِّ أَمرٍ / أَصِخوا كَي أُخاطِبَكُم جِهارا
طَوَيناها سَباسِبَ شاسِعاتٍ / تَسيرُ الواخِداتُ بِها حَيارى
وَلَولا أَن تَسيرَ بِنا إِلَيكُم / رَكائِبُنا مَشَيناها اِختِيارا
لِنَنقُلَ مِن نويركَ لَكُم تَحايا / تُحاكي في لَطافَتِها العَقارا
وَنَنقُلُ عَنكُمُ أَخبارَ صِدقٍ / تُحاكي النِدَّ في الرَوضِ اِنتِشارا
سَمِعنا بَِلهَزار وَنَحنُ قَومٌ / كَما نَهوى الغِنا نَهوى الهَزارا
لَدَيكَُم كَوكَب وَبِنا ظَلامٌ / وَأَنتُمُ تَكرَونَ لَنا العِثارا
جَعَلنا رَسمُهُ في كُلِّ نادٍ / وَصَيَّرنا القُلوبَ لَهُ إِطارا
أَجَل هَذا الَّذي نَبغيهِ مِنكُم / وَنَرجو لا اللُجَين وَلا النُضارا
أَتَيناكُم عَلى ظَمَإٍ لِأَنّا / عَرَفنا فيكُمُ السُحبَ الغِزارا
وَأَنتُم مَعشَرٌ طابوا نُفوساً / وَأَخلاقاً كَما كَرُموا نِجارا
بَقَيتُم في سَلام وَاِغتِباطٍ / تُضيءُ وُجوهُكُم هَذي الدِيارا
قالَت وَصَفَت لَنا الرَحيق وَكوبَها
قالَت وَصَفَت لَنا الرَحيق وَكوبَها / وَصَريعَها وَمُديرَها وَالعاصِرا
وَالحَقل وَالفَلّاحَ فيهِ سائِراً / عِندَ المَسا يَرعى القَطيعَ السائِرا
وَوَقَفتُ عِندَ البَحرِ يَهدُرُ مَوجُهُ / فَرَجِعتُ بِالأَلفاظِ بَحراً هادِرا
صَوَّرتَ في القِرطاسِ حَتّى الخاطِرا / فَخَلَبَتنا وَسَحَرتَ حَتّى الساحِرا
وَأَرَيتَنا في كُلِّ قَفرٍ رَوضَةً / وَأَرَيتَنا في كُلِّ رَوضٍ طائِرا
لَكِن إِذا سَأَلَ اِمرُؤٌ عَنكَ اِمرَأً / أَبصَرتَ مُحتاراً يُخاطِبُ حائِرا
مَن أَنتَ يا هَذا فَقُلتُ لَها أَنا / كَالكَهرُباءِ أُرى خَفِيّاً ظاهِرا
قالَت لَعَمرُكَ زِدتَ نَفسي ضَلَّةً / ما كانَ ضَرَّكَ لَو وَصَفتَ الشاعِرا
فَأَجَبتُها هُوَ مَن يُسائِلُ نَفسَهُ / عَن نَفسِهِ في صُبحِه وَمَسائِهِ
وَالعَينَ سِرَّ سُهادِها وَرُقادِها / وَالقَلبَ سِرَّ قُنوطِه وَرَجائِهِ
فَيَحارُ بَينَ مَجيإِه وَذَهابِهِ / وَيَحارُ بَينَ أَمامِه وَوَرائِهِ
وَيَرى أُفولَ النَجمِ قَبلَ أُفولِهِ / وَيَرى فَناءَ الشَيءِ قَبلَ فَنائِهِ
وَيَسيرُ في الرَوضِ الأَغَنِّ فَلا تَرى / عَيناهُ غَيرَ الشَوكِ في أَرجائِهِ
إِن نامَ لَم تَرقُد هَواجِسُ روحِهِ / وَإِذا اِستَفاقَ رَأَيتَهُ كَالتَائِهِ
ما إِن يُبالي ضِحكَنا وَبُكاءَنا / وَيُخيفُنا في ضِحكِه وَبُكائِهِ
كَالنارِ يَلتَهِمُ العَواطِفَ عَقلُهُ / فَيُميتُها وَيَموتُ في صَحرائِهِ
قالَت أَتَعرِفُ مَن وَصَفتَ فَقُلتُ مَن / قالَت وَصَفتَ الفَيلَسوفَ الكافِرا
يا شاعِرَ الدُنيا وَفيكَ حَصافَةٌ / ما كانَ ضَرَّكَ لَو وَصَفتَ الشاعِرا
فَقُلتُ هُوَ اِمرُؤٌ يَهوى العُقارا / كَما يَهوى مُغازَلَةَ العَذارى
إِذا فَرَغَت مِن الراحِ الدِنانُ / تَوَهَّمَ أَنَّما فَرَغَ الزَمانُ
يُعاقِرُها عَلى ضَوءِ الدَراري فَإِن / غَرُبَت عَلى ضَوءِ النَهارِ
وَيَحسَبُ مِهرَجانَ الناسِ مَأتَم / بِلا خَمر وَجَنَّتُهُم جَهَنَّم
مَلولٌ لا يَدومُ عَلى وَلاءٍ / وَلَكِن لا يَدومُ عَلى عِداءِ
أَخو لُب وَلَكِن لا إِرادَه / وَذو زُهد وَلَكِن بَِلزَهادَه
يَميلُ إِلى الدُعابَة وَالمُزاحِ / وَلَو بَينَ الأَسِنَّة وَالصِفاحِ
وَيوشِكُ أَن يُقَهقِهَ في الجَنازَةِ / وَيَرقُصَ كَالعَواصِفِ في المَفازَه
إِذا بَصُرتَ بِهِ عَينُ الأَديبِ / فَقَد وَقَعَت عَلى رَجُلٍ مُريبِ
يُعَنِّفُهُ الصَحابُ فَلا يُنيبُ / وَيَزجُرُهُ المَشيبُ فَلا يَتوبُ
فَقالَت جِئتَ بِالكَلَمِ البَديعِ / وَلَكِن ما وَصَفتَ سِوى الخَليعِ
وَخِفتُ إِعراضَها عَنّي فَقُلتُ إِذَن / هُوَ الَّذي أَبَداً يَبكي مِنَ الزَمَنِ
كَأَنَّما لَيسَ في الدُنيا سِواهُ فَتىً / مُعَرَّضٌ لِخُطوبِ الدَهر وَالمِحَنِ
يَشكو السَقام وَما في جِسمِهِ مَرَضٌ / وَالسُهدَ هُوَ قَريبُ العَهدِ بِالوَسَنِ
وَالهَجر وَهوَ بِمَرءٍ مِن أَحِبَّتِهِ / وَالأَسر وَهوَ طَليقُ الروح وَالبَدَنِ
وَلا يَرى حَسَناً في الأَرضِ يَألَفُهُ / أَو يَشتَهِه وَكَم في الأَرضِ مِن حَسَنِ
يَنوحُ في الرَوض وَالأَشجارُ مورِقَةٌ / كَما يَنوحُ عَلى الأَطلال وَالدِمَنِ
فَقاطَعَتني وَقالَت قَد بَعدتَ بِنا / ما ذي الصِفاتُ الشاعِرِ الفَطِنِ
قُلتُ مَهلاً إِذا ضَلَلت وَعُذراً / رُبَّما أَخطَأَ الحَكيم وَضَلّا
هُوَ مَن تَرسُمُ الجَمالَ يَداهُ / فَنَراهُ في الطِرسِ أَشهى وَأَحلى
لَوذَعِيُّ الفُؤادِ يَلعَبُ بِالأَل / بابِ لُعباً إِن شاءَ أَن يَتَسَلّى
وَيُرينا ما لَيسَ يَبقى سَيَبقى / وَيُرِنا ما لَيسَ يَبلى سَيَبلى
يَطبَعُ الشُهبَ لِلأَنامِ نُقوداً / وَهوَ يَشكو الإِملاقَ كَيفَ تَوَلّى
أَفَما ذا مَن تَبتَغين وَأَبغي / وَصفَهُ قالَتِ المَليحَةُ كَلّا
يا هَذِهِ إِنّي عَيِّتُ بِوَصفِهِ / وَعَجِزتُ عَن إِدراكِ مَكنوناتِهِ
لا تَستَطيعُ الخَمرُ سَردَ صِفاتِها / وَالرَوضُ وَصفَ زُهورِه وَنَباتِهِ
هُوَ مَن نَراهُ سائِراً فَوقَ الثَرى / وَكَأَنَّ فَوقَ فُؤادِهِ خُطُواتِهِ
إِن ناحَ فَالأَرواحُ في عَبَراتِهِ / وَإِذا شَدا فَالحُبُّ في نَغَماتِهِ
يَبكي مَعَ الناءِ عَلى أَوطانِهِ / وَيُشارِكُ المَحزونَ في عَبَراتِهِ
وَتُغَيِّرُ الأَيّامُ قَلبَ فَتاتِهِ / وَيَظَلُّ ذا كَلَفٍ بِقَلبِ فَتاتِهِ
هُوَ مَن يَعيشُ لِغَيرِه وَيَظُنُّهُ / مَن لَيسَ يَفهَمُهُ يَعيشُ لِذاتِهِ
عَيناك وَالسِحرُ الَّذي فيهِما
عَيناك وَالسِحرُ الَّذي فيهِما / صَيَّرَتاني شاعِراً ساحِرا
علَّمَتنِيَ الحُب وَعَلَّمتُهُ / بَدَر الدُجى وَالغُصن وَالطائِرا
إن غِبتِ عَن عَيني وَجُنَّ الدُجى / سَأَلتُ عَنكِ القَمَرَ الزاهِرا
وَأَطرُقُ الرَوضَةَ عِندَ الضُحى / كَيما أُناجي البُلبُلَ الشاعِرا
وَأَنشُقُ الوَردَةَ في كُمِّها / لِأَنَّ فيها أَرَجاً عاطِرا
يُذَكِّرُ الصَبُّ بِذاكَ الشَذا / هَل تَذكُرينَ العاشِقَ الذاكِرا
كَم نائِمٍ في وَكرِهِ هانِئٍ / نَبَّهتِهِ مِن وَكرِهِ باكِرا
أَصبَحَ مِثلي تائِهاً حائِراً / لَما رَآني في الرُبى حائِرا
وَراحَ يَشكو لي وَأَشكو لَهُ / بَطشَ الهَوى وَالهَجر وَالهاجِرا
وَكَوكَبٍ أَسمَعتُهُ زَفرَتي / فَباتَ مِثلِيَ ساهِياً ساهِرا
زَجَرتُ حَتّى النَومَ عَن مُقلَتي / وَلَم أُبالِ اللائِمَ الزاجِرا
يا لَيتَ أَنّي مَثَلٌ ثائِرٌ / كَيما نَقولُ المَثَلَ السائِرا
كَأَنِّيَ في رَوضٍ أَرى الماءَ جارِياً
كَأَنِّيَ في رَوضٍ أَرى الماءَ جارِياً / أَمامي وَفَوقي الغَيمُ يَجهَدُ بِالنَشرِ
تَوَهَّمتُهُ هَمّاً فَقُلتُ لَهُ اِنجَلي / فَإِنَّ هُمومي ضاقَ عَن وِسعِها صَدري
بِرَبِّكَ سِر حَيثُ الخَليُ فَإِنَّني / فَتىً لا أَرى غَيرَ المَصائِبِ في دَهري
فَأَقشَعَ حَتّى لَم أَشُكَّ بِأَنَّهُ / أَصاخَ إِلى قَولي وَما شَكَّ في أَمري
رَعى اللَهُ ذَيّاكَ الغَمامَ الَّذي رَعى / عُهودي وَأَولاني الجَميل وَلَم يَدرِ
تَظَلَّلتُ بِالأَشجارِ عِندَ اِختِفائِهِ / وَيا رُبَّ طَلٍّ كانَ أَجمَلَ مِن قَطرِ
جَلَستُ أَبُثُّ الزَهرَ سِرّاً كَتَمتُهُ / عَنِ الناسِ حَتّى صِرتُ أَخفى مِنَ السِرِّ
وَلَمّا شَكَوتُ الوَجدَ وَجدي تَمايَلَت / كَأَنَّ الَّذي أَشكوهُ ضَربٌ مِنَ الخَمرِ
وَأَدهَشَها صَبري فَأَدهَشَني الهَوى / دَهِشتُ لِأَنَّ الزَهرَ أَدهَشَها صَبري
وَلَمّا دَرَت أَنّي مُحِبٌّ مُتَيَّمٌ / بَكَت وَبَكاني كُلُّ ضاحِكٍ مُفتَرِ
عَجِبتُ لَها تَبكي لِما بي وَلَم يَكُن / عَجيباً عَلى مِثلي البُكاءُ مِنَ الصَخرِ
كَأَنِّيَ بَدر وَالزُهورُ كَواكِبٌ / وَذا الرَوضِ أُفقٌ ضاءَ بِالبَدر وَالزَهرِ
كَأَنّي وَقَد أَطلَقتُ نَفسي مِنَ العَنا / مَليكٌ لِيَ الأَغصانُ كَالعَسكَرِ المَجرِ
فَما أَسعَدَ الإِنسانَ في ساعَةِ المُنى / وَما أَجمَلَ الأَحلامَ في أَوَّلِ العُمرِ
وَهاتِفَةٍ قَد أَقلَقَتني بِنَوحِها / فَكُنتُ كَمَخمورٍ أَفاقَ مِنَ السُكرِ
تُرى رُوِّعَت مِثلي مِنَ الدَهرِ بِالفِرا / قِ أَم بَدَّلَت مِثلي مِنَ اليُسرِ بِالعُسرِ
بَكَيت وَلَو لَم أَبكِ مِمّا بَكَت لَهُ / بَكَيتُ لِما بي مِن سَقام وَمِن ضَرِّ
وَنَهرٍ إِذا والى التَجَعُّدَ مائُهُ / ذَكَرتُ الأَفاعي إِذ تَلوي عَلى الجَمرِ
تُحيطُ بِهِ الأَشجارُ مِن كُلِّ جانِبٍ / كَما دارَ حَولَ الجيدِ عَقدٌ مِنَ الدُرِّ
وَقَد رَقَمَت أَغضانَها في أَديمَةٍ / كِتاباً مِنَ الأَوراقِ سَطراً عَلى سَطرِ
كَأَنَّ دَنانيراً تَسّاقَطُ فَوقَهُ / وَلَيسَ دَنانيرٌ سِوى الوَرَقِ النَضرِ
كَأَنّي بِهِ المِرآةُ عِندَ صَفائِها / تُمَثِّلُ ما يَدنو إِلَيها وَلا تَدري
فَما كانَ أَدرى الغُصنَ بِالنَظم وَالنَثرِ / وَما كانَ أَدرى الماءَ بِالطَي وَالنَشرِ
ذَرِ المَدح وَالتَشبيبَ بَِلخَمر وَالمَهى / فَإِنّي رَأَيتُ الوَصفَ أَليَقُ بِالشِعرِ
وَما كانَ نَظمُ الشِعرِ دَأبي وَإِنَّما / دَعاني إِلَيهِ الحُب وَالحُبُّ ذو أَمرِ
وَلي قَلَمٌ كَالرُمحِ يَهتَزُّ في يَدي / إِلى الخَيرِ يَسعى وَالرِماحُ إِلى الشَرِّ
وَتَفتَكُ اتيكَ الأَسِنَّةُ في الحَشى / وَيُحيِ الحَشى إِن راحَ يَفتُكُ بِالحِبرِ
إِذا ما شَدا بِالطِرسِ أَذهَبَ شَدوُهُ / هُمومَ ذَوي الشَكوى وَوَقرَ ذَوي الوَقرِ
تَبَختَرَ فَوقَ الطِرسِ يَسحَبُ ذَيلَهُ / فَقالوا بِهِ كِبَرٌ فَقُلتُ عَنِ الكِبَرِ
لِكُلٍّ مِنَ الدُنيا حَبيب وَذا الَّذي / أَشُدُّ بِهِ أَزري وَيَعلو بِهِ قَدري
وَيَبقى بِهِ ذِكرى إِذا غالَني الرَدى / حَسبُ الفَتى ذِكرٌ يَدومُ إِلى الحَشرِ
كانَت قُبَيلَ العَصرِ مَركَبَةٌ
كانَت قُبَيلَ العَصرِ مَركَبَةٌ / تَجري بِمَن فيها مِنَ السَفرِ
ما بَينَ مُنخَفِض وَمُرتَفِعٍ / عال وَبَينَ السَهل وَالوَعرِ
وَتَخُطُّ بِالعَجَلاتِ سائِرَةً / في الأَرضِ إِسطارا وَلا تَدري
كَتَبَت بِلا حِبر وَعَزَّ عَلى / الأَقلامِ حَرفٌ دونَ ما حِبرِ
سَيّارَةٌ في الأَرضِ ما فَتِأَت / كَالطَيرِ مِن وَكرٍ إِلى وَكرِ
تَأبى وَتَأنَفُ أَن يَلِمَّ بِها / تَعَب وَأَن تَشكو سِوى الزَجرِ
حَمَلَت مِن الرُكّابِ كُلَّ فَتىً / حَسَنَ الرُواء وَكُلَّ ذي قَدرِ
يَتَحَدَّثونَ فَذاكَ عَن أَمَلٍ / آت وَذا عَن سالِفِ العُمرِ
يَتَحَدَّثون وَتِلكَ سائِرَةٌ / بِالقَومِ لا تَلوي عَلى أَمرِ
فَكَأَنَّما ضَرَبَت لَها أَجَلاً / أَن تَلتَقي وَالشَمسَ في خِدرِ
حَتّى إِذا صارَت بِداحِيَةٍ / مَمدودَةٍ أَطرافَها صُفرِ
سَقَطَت مِنَ العَجَلاتِ واحِدَةٌ / فَطَحَطَّمَت إِرَباً عَلى الصَخرِ
فَتَشاءَمَ الرُكّاب وَاِضطَرَبوا / مِمّا أَلَمَّ بِهِم مِنَ الضَرِّ
وَتَفَرَّقوا بَعدَ اِنتِظامِهِمِ / بَدَدا وَكَم نَظمٍ إِلى نَثرِ
وَالشَمسُ قَد سالَت أَشِعَّتُها / تَكسو أَديمَ الأَرضِ بِالتِبرِ
وَالأُفقُ مُحمَرٌّ كَأَنَّ بِهِ / حَنَقاً عَلى الأَيّام وَالدَهرِ
وَالقَومُ واجِفَةٌ قُلوبُهُمُ / قَلَقاً كَأَنَّهُم عَلى الجَمرِ
قَد كانَ بَينَ الجَمعِ ناهِدَةُ / الثَديَينِ ذاتُ مَلاحَةٍ تُغري
تَبكي بُكاءَ القانِطين وَما / أَسخى دُموعَ الغادَةِ البِكرِ
وَقَفَت وَشَمسُ الأُفقِ غارِبَةٌ / تَذري عُلىً كَالوَردِ كَالقَطرِ
شَمسانَ لَولا أَنَّ بَينَهُما / صِلَةٌ لَمّا بَكَتا مِنَ الهَجرِ
وَتُديرُ عَنينَها عَلى جَزَعٍ / كَالظَبيِ مُلتَفِتاً مِنَ الذُعرِ
وَإِذا فَتىً كَالفَجرِ طَلعَتُهُ / بَل رُبَّما أَربى عَلى الفَجرِ
وافى إِلَيها قائِلاً عَجَباً / مِمَّ البُكاءُ شَقيقَةَ البَدرِ
قالَت أَخافُ اللَيلَ يَدهَمُني / ما أَوحَشَ الظَلماءِ في القَفرِ
وَأَشَدُّ ما أَخشاهُ سَفكُ دَمي / بِيَدِ الأَثيمِ اللِصِّ ذي الغَدرِ
هِنري اللَعين وَما الفَتى هِنري / إِلّا اِبنُ أُمِّ المَوتِ لَو تَدري
رَصَدَ السَبيلَ فَما تَمُرُّ بِهِ / قَدَم وَلا النَسَماتُ إِذ تَسري
وا شَقوَتي إِنَّ الطَريقَ إِلى / سَكَني عَلى مُستَحسَنِ النَكرِ
إِنّي لَأَعلَمُ إِنَّما قَدَمي / تَسعى حَثيثاً بي إِلى القَبرِ
قالَ الفَتى هَيهاتِ خَوفُكِ لَن / يُجديكِ شَيئاً رَبَّةَ الطُهرِ
فَتَشَجَّعي وَعَلَيَّ فَاِتَّكِلي / فَأَنا الَّذي يَحميكِ مِن هِنري
قالَت أَخافُ مِنَ الخَأونِ عَلى / هَذا الشَبابِ الناعِمِ النَضرِ
فَأَجابَها لا تَجزَعي وَثِقي / أَنّي عَلى ثِقَةٍ مِنَ النَصرِ
عادَت كَأَن لَم يَعرُها خَلَلٌ / تَخِدُ القِفارَ سَفينَةُ البَرِّ
وَاللَيلُ مُعتَكِرٌ يَجيشُ كَما / جاشَت هُمومُ النَفسِ في الصَدرِ
فَكَأَنَّهُ الآمالُ واسِعَةٌ / وَالبَحرُ في مَد وَفي جَزرِ
وَكَأَنَّ أَنجُمُه وَقَد سَطَعَت / دَمعُ الدَلال وَناصِعُ الدُرِّ
وَالبَدرُ أَسفَرَ رُغمَ شامِخَةٍ / قَد حاوَلَت تَطويهِ كَالسِرِّ
أَلقى أَشِعَّتُهُ فَكانَ لَها / لَونُ اللُجَين وَلُؤلُؤُ الثَغرِ
فَكَأَنَّهُ الحَسناءُ طالِعَةٌ / مِن خِدرِها أَو دُميَةُ القَصرِ
وَكَأَنَّما جُنحُ الظَلامِ جَنى / ذَنباً فَجاءَ البَدرُ كَالعُذرِ
وَضَحَت مَسالِكُ لِلمَطِيَّةِ قَد / كانَت شَبيهَ غَوامِضِ البَحرِ
فَغدَت تُحاكي السَهمَ مُنطَلِقاً / في جَريِها وَالطَيفَ إِذ يَسري
وَالقَومُ في لَهو وَفي طَرَبٍ / يَتَناشَدونَ أَطايِبَ الشِعرِ
حَتّى إِذا صارَت بِمُنعَرِجٍ / وَقَفَت كَمُنتَبِهٍ مِنَ السُكرِ
فَتَرَجَّلَت ليزا وَصاحِبَها / وَمَشَت وَأَعقَبَها عَلى الأَثرِ
وَاِستَأنَفَت تِلكَ المَطِيَّةُ ما / قَد كانَ مِن كَر وَمِن فَرِّ
مَشَتِ المَليحَة وَهيَ مُطرِقَةٌ / ما ثَمَّ مِن تيه وَلا كِبرِ
أَنّى تَتيه وَقَد أَناخَ بِها / هَم وَبَعضُ الهَمِّ كَالوَقرِ
لَم تَحتَثي خَمرا وَتَحسَبُها / مِمّا بِها نَشوى مِنَ الخَمرِ
في غابَةٍ تَحكي ذَوائِبَها / في لَونِها وَاللَف وَالنَشرِ
ضاقَت ذَوائِبُها فَما اِنفَرَجَت / إِلّا لِسَيرِ الذِئب وَالنَمرِ
كَاللَيلَةِ اللَيلاءِ ساجِيَةً / وَلَرُبَّ لَيلٍ ساطِعٍ غِرِّ
قَد حاوَلَ القَمَرُ المُنيرُ بِها / ما حاوَلَ الإيماُ في الكُفرِ
تَحنو عَلى ظَبي وَقَسوَرَةٍ / أَرَأَيتُمُ سِرَّينِ في صَدرِ
صَقر وَوَرقاء وَمِن عَجَبٍ / أَن تَحتَمي الوَرقاءُ بِالصَقرِ
هَذا وَأَعجَبُ أَنَّها سَلِمَت / مِنهُ عَلى ما فيهِ مِن غَدرِ
ظَلَّت تَسير وَظَلَّ يَتبَعُها / ما نَمَّ مِن إِثم وَلا وِزرِ
طالَ الطَريق وَطالَ سَيرَهُما / لَكِنَّ عُمرَ اللَيلِ في قِصَرِ
حَتّى إِذا سَفَرَ الصَباح وَقَد / رُفِعَ الظَلام وَكانَ كَالسِترِ
وَالغابُ أَوشَكَ أَن يَبوحَ بِها / وَبِهِ بِلا حَذَرٍ إِلى النَهرِ
نَظَرَت إِلَيهِ بِمُقلَةٍ طَفَحَت / سِحرا وَوَجهٍ فاضَ بَِلبِشرِ
قالَت لَهُ لَم ةَبقَ مِن خَطَرٍ / جَمٍّ نُحاذِرُه وَلا نَذرِ
أُنظُر فَإِنَّ الصُبحَ أَوشَكَ أَن / يَمحو ضِياءَ الأَنجُمِ الزُهرِ
وَأَراهُ دَبَّ إِلى الظَلامِ فَهَل / هَذا دَبيبُ الشَيبِ في الشَعرِ
وَأَسمَعُ فَأَصواتُ الطُيورِ عَلَت / بَينَ النَقا وَالضال وَالسِدرِ
قالَ الفَتى أَو كُنتُ في خَطَرٍ / قالَت لَهُ عَجَباً أَلَم تَدرِ
فَأَجابَها ما كانَ في خَطَرٍ / مَن كانَ صاحِبُهُ الفَتى هَنري
فَتَقَهقَرَت فَزَعاً فَقالَ لَها / لا تَهلَعي وَاِصغي إِلى حُرِّ
ما كُنتُ بِالشِرّيرِ قَط وَلا / الرَجُلُ الَّذي يَرتاحُ لِلشَرِّ
لَكِنَّني دَهرٌ يَجوزُ عَلى / دَهرٍ يَجوزُ عَلى بَني الدَهرِ
بَل إِنَّني خَطَرٌ عَلى فِأَةٍ / مِنها عَلى خَطَرٍ ذَوي الضُرِّ
قَتَلوا أَبي ظُلماً فَقَتَلتُهُمُ / عَدل وَحَسبِيَ العَدلُ أَن يَجري
لا سِلمَ ما بَيني وَبَينَهُمُ / لا سِلمَ بَينَ الهِر وَالفَأرِ
سَيَرَونَ في المَوتِ مُنتَقِماً / لا شافِعَ في الأَخذِ بِالثَأرِ
تَاللَهِ ما أَنساكَ يا أَبَتي / أَبَدا وَلا أُغضي عَلى الوِترِ
قالَت لَقَد هَيَّجتَ لي شَجَناً / فَإِلَيكَ ما قَد كانَ مِن أَمري
بَعَثَ المَليكُ إِلى أَبي فَمَضى / وَأَخي مَعاً تَوّاً إِلى القَصرِ
فَإِذا أَبي في القَبرِ مُرتَهَنٌ / وَإِذا أَخي في رِبقَةِ الأَسرِ
يا ساعِدَيَّ بُتِرتُما وَيَدُ / الدَهرِ الخَأونِ أَحَقُّ بَِلبَترِ
نابي وَظِفري بِتُّ بَعدَكُما / وَحدي بِلا ناب وَلا ظِفرِ
وَيلاهُ مِن جورِ الزَمانِ بِنا / وَالوَيلُ مِنهُ لِكُلِّ مُغتَرِّ
وَكَأَنَّنا وَالمَوتُ يَرتَعُ في / أَرواحِنا مَرعى وَمُستَمري
لَمّا اِنتَهَت وَإِذا بِهِ دَهِشٌ / حَيرانُ كَالمَأخوذِ بِالسِحرِ
شاءَ الكَلامَ فَنالَهُ خَرَسٌ / كُلُّ البَلاغَةِ تَحتَ ذا الحَصرِ
وَكَذَلِكَ الغَيداءُ أَذهَلَها / مَيلٌ إِلى هَذا الفَتى الغِرِّ
قالَت أَخي وَاللَه وَاِقتَرَبَت / تَرنو إِلَيهِ بِمُقلَةِ العَفرِ
وَإِذا بِهِ أَلقى عَباءَتَهُ / بَرَحَ الخَفاءُ بِها عَنِ الجَهرِ
صاحَت أَخي فَِكتورُ وا طَرَبي / روحي شَقيقي مُهجَتي ذُخري
وَتَعانَقا فَبَكى الفَتى فَرَحاً / إِنَّ البُخارَ نَتيجَةُ الحَرِّ
وَتَساقَطَت في الخَدِّ أَدمُعُها / كَالقَطرِ فَوقَ نَواضِرِ الزَهرِ
قُل لِلأُلى يَشكونَ دَهرَهُمُ / لا بُدَّ من حُلو وَمِن مُرِّ
صَبراً إِذا جَلَلٌ أَصابَكُمُ / فَالعُسرُ آخِرُهُ إِلى اليُسرِ
أَبصَرتُها في الخَمس وَالعَشرِ
أَبصَرتُها في الخَمس وَالعَشرِ / فَرَأَيتُ أُختَ الرِئم وَالبَدرِ
عَذراءَ لَيسَ الفَجرُ والِدَها / وَكَأَنَّها مَولودَةُ الفَجرِ
بَسّامَةٌ في ثَغرِها دُرَرٌ / وَهفو إِلَيها الشاعِرُ العَصري
وَلَها قَوامٌ لَو أُشَبِّهُهُ / بِالغُصنِ باءَ الغُصنُ بِالفَخرِ
مِثلُ الحَمامَةِ في وَداعَتِها / وَكَزَهرَةِ النِسرينِ في الطُهرِ
مِثلُ الحَمامَةِ غَيرَ أَنَّ لَها / صَوتَ الهَزار وَلَفتَةَ الصَقرِ
شاهَدتُها يَوما وَقَد جَلَسَت / في الرَوضِ بَينَ الماء وَالزَهرِ
وَيَدُ الفَتى هِنري تُطَوِّقُها / فَحَسَدتُ ذاكَ الطَوقَ في الخَصرِ
وَحَسَدتُ مُقلَتَه وَمِسمَعَهُ / لِجَمالِها وَكَلامِها الدُرّي
أَغمَضتُ أَجفاني عَلى مَضَضٍ / وَطَوَيتُ أَحشائي عَلى الجَمرِ
وَخَشيتُ أَنَّ الوَجدَ يَسلِبُني / حِلمي وَيَغلِبُني عَلى أَمري
فَرَجِعتُ أَدراجي أُغالِبُهُ / بِاليَأسِ آوِيَة وَبِالصَبرِ
ثُمَّ اِنقَضى عام وَأَعقَبَهُ / ثان وَذاكَ السِرُّ في صَدري
فَعَجِبَت مِنّي كَيفَ أَذكُرُها / وَقَد اِنقَضى حَولانِ مِن عُمري
خُلتُ اللَيالي في تَتابُعِها / تُزري بِها عِندي فَلَم تَزرِ
زادَت مَلاحَتَها فَزُدتُ بِها / كَلَفا وَموجَدَةً عَلى هِنري
وَسَإِمتُ داري وَهيَ واسِعَةٌ / فَتَركتُها وَخَرَجتُ في أَمرِ
فَرَأَيتُ فِتيانَ الحِمى اِنتَظَموا / كَالعِقدِ أَو كَالعَسكَرِ المَجرِ
يَتَفَكَّهونَ بِكُلِّ نادِرَةٍَ / وَعَلى الوُجوهِ عَلائِمُ البِشرِ
ساروا فَأَعجَبَني تَدَفُّقُهُم / فَتَبِعتُهُم أَدري وَلا أَدري
ما بالُهُم وَلِأَيَّةٍ وَقَفوا / لِمَنِ البِناءُ يَلوحُ كَالقَصرِ
أَوّاهُ هَذي دارُ فاتِنَتي / مَن قالَ ما لِلشَمسِ مِن خِدرِ
وَعَرَفتُ مِن فِرجَينِ جارَتِها / ما زادَني ضُرّاً عَلى ضُرِّ
قَد كانَ هَذا يَومَ خُطبَتِها / يا أَرضُ ميدي يا سَما خِرّي
وَرَأَيتُ ساعِدَها بِساعِدِهِ / فَوَدَدتُ لَو غُيِّبتُ في قَبرِ
وَشَعَرتُ أَنَّ الأَرضَ واجِفَةٌ / تَحتي وَأَنَّ النارَ في صَدري
وَخَشيتُ أَنَّ الوَجدَ يَسلِبُني / حِلمي وَيَغلِبُني عَلى أَمري
فَرَجِعتُ أَدراجي أُغالِبُهُ / اليَأسِ آوِنَة وَبِالصَبرِ
قالوا الكَنيسَةُ خَيرُ تَعزِيَةٍ / لِمَنِ اِبتُلي في الحُبِّ بِالهَجرِ
فَنَذَرتُ أَن أَقضي الحَياةَ بِها / وَقَصَدتُها كَيما أَفي نَذري
لازَمتُها بَدرَينِ ما اِلتَفَتَت / عَيني إِلى شَمس وَلا بَدرِ
أَتلو أَناشيدَ النَبِيِّ ضُحىً / وَأُطالِعُ الإِنجيلَ في العَصرِ
حيناً مَعَ الرُهبانِ أَوينَةً / وَحدي وَأَحياناً مَعَ الحَبرِ
في الغابِ فَوقَ العُشبِ مُضطَجِعاً / في السَفحِ مُستَنِداً إِلى الصَخرِ
في غُرفَتي وَالريحُ راكِدَةٌ / بَينَ المَغارِس وَالصَبا تَسري
حَتّى إِذا ما القَلبُ زايَلَهُ / تَبريحُه وَصَحَوتُ مِن سُكري
وَسَلَوتُها وَسَلَوتُ خاطِبَها / وَأَلِفتُ عَيشَ الضَنك وَالعُسرِ
عادَ القَضاءُ إِلى مُحارَبَتي / وَرَجِعتُ لِلشَكوى مِنَ الدَهرِ
في ضَحوَةٍ وَقَفَ النَسيمُ بِها / مُتَرَدِّداً في صَفحَةِ النَهرِ
كَالشاعِرِ الباكي عَلى طَلَلٍ / أَو قارِئٍ حَيرانَ في سِفرِ
وَالشَمسُ ساطِعَة وَلامِعَةٌ / تَكسو حَواشي النَهرِ بِالتِبرِ
وَالأَرضُ حالِيَةٌ جَوانِبُها / بِالزَهرِ مِن قان وَمُصفَرِّ
فَكَأَنَّها بِالعُشبِ كاسِيَةٌ / حَسناءَ في أَثوابِها الخُضرِ
وَعَلا هُتافُ الطَيرِ إِذ أَمِنَت / بَأسَ العُقاب وَصَولَةَ النَسرِ
تَتلو عَلى أَهلِ الهَوى سُوَراً / لَيسَت بِمَنظوم وَلا نَثرِ
يَحنو الهَزارُ عَلى أَليفَتِهِ / وَيُداعِبُ القَمَرِيَّةَ القُمري
وَاِنسابَ كُلُّ مُصَفِّقٍ عَذبٍ / وَاِهتَزَّ كُلُّ مُهَفهَفٍ مَضِرِ
فَتَذَكَّرَت نَفسي صَبابَتَها / ما أَولَعَ المَهجورَ بِالذِكرِ
أَرسَلتُ طَرفي رائِداً فَجَرى / وَجَرى عَلى آثارِهِ فِكري
حَتّى دَوى صَوتُ الرَئيسِ بِنا / فَهَرَعت وَالرُهبانُ في إِثري
وَإِذا بِنا نَلقى كَنيسَتَنا / بِالوافِدينَ تَموجُ كَالبَحرِ
وَإِذا بِها وَإِذا الفَتى هِنري / في حَلَّةٍ بَيضاءَ كَالفَجرِ
تَمشي وَيَمشي بَينَ ذي أَدَبٍ / حُلو وَبَينَ مَليحَةٍ بِكرِ
رَفَعَ الرَئيسُ عَلَيهِما يَدَهُ / وَأَنا أَرى وَيَدي عَلى صَدري
يا قَلبُ ذُب يا مُهجَتي اِنفَطِري / يَ طَرفُ فِض بِالأَدمُعِ الحُمرِ
أَغمَضتُ أَجفاني عَلى مَضَضٍ / وَطَوَيتُ أَحشائي عَلى الجَمرِ
وَخَشيتُ أَنَّ الوَجدَ يَسلِبُني / حِلمي وَيَغلِبُني عَلى أَمري
فَرَجِعتُ أَدراجي أُغالِبُهُ / بِاليَأسِ آوِنَة وَبِالصَبرِ
وَخَرَجتُ لا أَلوي عَلى أَحَدٍ / وَرَضيتُ بَعدَ الزُهدِ بِالكُفرِ
أَشفَقتُ مِن هَمّي عَلى كَبِدي / وَخَشيتُ مِن دَمعي عَلى نَحري
فَكَلفتُ بِالصَهباءِ أَشرَبُها / في مَنزِلي في الحانِ في القَفرِ
أَبغي الشِفاءَ مِنَ الهُمومِ بِها / فَتُزيدُني وِقراً عَلى وَقرِ
وَتَزيدُني وَلَعاً بِها وَهَوىً / وَتَزيدُني حِقداً عَلى هِنري
قالَ الطَبيب وَقَد رَأى سَقَمي / لِلَّهِ مِن فِعلِ الهَوى العُذري
ما لي بِدائِكَ يا فَتى قِبَلٌ / السِحرُ مُحتاجٌ إِلى سِحرِ
وَمَضى يُقَلِّبُ كَفَّهُ أَسَفاً / وَلَبِثتُ كَالمَقتولِ في الوَكرِ
ما أَبصَرَت عَينايَ غانِيَةً / إِلّا ذَكَرتُ إِلى الدُمى فَقري
وَسَإِمتُ داري وَهيَ واسِعَةٌ / فَتَرَكتُها وَخَرَجتُ في أَمرِ
فَرَأَيتُها في السوقِ واقِفَةً / وَدُموعُها تَنهَلُّ كَالقَطرِ
في بُردَةٍ كَاللَيلِ حالِكَةٍ / لَهَفي عَلى أَثوابِها الحُمرِ
فَدَنَوتُ أَسأَلُها وَقَد جَزِعَت / نَفسي وَزَلزَلَ حُزنُها ظَهري
قالَت قَضى هِنري فَقُلتُ قَضى / مَن كادَ لي كَيدا وَلَم يَدرِ
لا تَكرَهوا شَرّاً يُصيبُكُمُ / فَلَرُبَّ خَيرٍ جاءَ مِن شَرِّ
وَهَفا هَواها بي فَقُلتُ لَها / قَد حَلَّ هَذا المَوتُ مِن أَسري
قالَت وَمِن أَسري فَقُلتُ إِذَن / لي أَنتِ قالَت أَنتَ ذو الأَمرِ
فَأَدَرتُ زِندِيَ حَولَ مِنكَبِها / وَلَثَمتُها في النَحر وَالثَغرِ
وَشَفَيتُ نَفسي مِن لَواعِجَها / وَثَأَرتُ بَِلتَصريحِ مِن سِرّي
ثُمَّ اِنثَنَيتُ بِها عَلى عَجَلٍ / بابَ الكَنيسَةِ جاعِلاً شَطري
وَهُنالِكَ بارَكَني وَهَنَّأَني / مَن هَنَّأوا قَبلي الفَتى هِنري
مِن بَعدِ شَهرٍ مَرَّ لي مَعَها / أَبصَرتُ وَضحَ الشَيبِ في شَعري
ما كُنتُ أَدري قَبلَ صُحبَتِها / أَنَّ المَشيبَ يَكونُ في شَهرِ
فَكَّرتُ في هِنري وَكَيفَ قَضى / فَوَجَدتُ هِنري واضِحَ العُذرِ
يا طالَما قَد كُنتُ أَحسُدُهُ / وَاليَومَ أَحسُدُهُ عَلى القَبرِ
شَربِناها عَلى سِرِّ القَوافي
شَربِناها عَلى سِرِّ القَوافي / وَسِرِّ الشاعِرِ السَمحِ الأَبَرِّ
سَقانا قَهوَتَينِ بِغَيرِ مَنِّ / عَصيرِ شُجَيرَة وَعَصيرِ فِكرِ
فَنَحنُ اِثنانِ سَكرانٌ لِحينٍ / عَلى أَمن وَسَكرانٌ لِدَهرِ
فَمَن أَمسى يَهيمُ بِبِنتِ قَصرٍ / فَإِنّا هائِمونَ بِبِنتِ قَفرِ
إِذا حَضَرَت فَذَلِكَ يَومُ سَعدٍ / وَإِن غابَت فَذَلِكَ يَومُ قَهرِ
لَها مِن ذاتِها سِترٌ رَقيقٌ / كَما صَبَغَ الحَياءُ جَبينَ بَكرِ
إِذا دارَت عَلى الجُلّاسِ هَشّوا / كَأَنَّ كُؤوسَها أَخبارُ نَصرِ
وَنَرشُفُها فَنَرشُفُ ريقَ خَودٍ / وَنَنشُقُها فَنَنشُقُ ريحَ عِطرِ
وَلا نَخشى مِنَ الحُكّامِ حَداً / وَعِندَ اللَهِ لَم نوصَم بِوِزرِ
فَما في شُربِها إِثم وَنُكرٌ / وَشِربُ الخَمرِ نُكرٌ أَيَّ نُكرِ
وَلَيسَت تَستَخِفُّ أَخا وَقارٍ / وَبِنتُ الدَنِّ بِالأَحلامِ تَزري
وَتَحفَظُ سِرَّ صاحِبَها مَصوناً / وَبِنتُ الكَرَمِ تَفضَحُ كُلَّ سِرِّ
وَلِلصَهباءِ أَوقات وَهَذي / شَرابُ الناسِ في حَر وَقَرِّ
وَتَصلُحُ أَن يُطافَ بِها مَساءً / وَتَحسُنُ أَن تَكونَ شَرابَ طُهرِ
فَلَو عَرَفَت مَزاياها الغَواني / لَعَلَّقَ حُبُّها في كُلِّ نَحرِ
كَأَنَّ حُبوبُها خُضرا وَصُفراً / فُصوصَ زُمُرُّد وَشُذورَ تِبرِ
كَأَنَّ الجِنَّ قَد نَفَثَت رُؤاها / عَلى أَوراقِها في ضَوءِ فَجرِ
أَلَستَ تَرى إِلَيها كَيفَ تَغى / وَكَيفَ تَثورُ إِن مُسَّت بِجَمرِ
كَأَنَّ نَخيلَ مِصرِ قَد حَساها / وَإِلّا ما اِهتِزازُ نَخيلُ مِصرِ
جَلَوتُ بِها مِنَ الأَكدارِ ذِهني / كَما أَنّي غَسَلتُ هُمومَ صَدري
وَما هِيَ قَهوَةٌ تُطهى وَتُحسى / وَلَكِن نَفحَةٌ مِن روحِ حُرِّ
حَوى في شِعرِهِ عَبَثُ اِبنِ هاني / وَزادَ عَلَيهِ فَلسَفَةَ المَعَرّي
فَيا لَكَ شاعِراً لَبِقاً لَعوباً / كَأَنَّ يَراعَهُ أُنبوبُ سِحرِ
يَفيضُ سَلاسَةً في كُلِّ لَفظٍ / وَيَجري رِقَّةً في كُلِّ سَطرِ
حَوَت دارُ السَميرِ هَدِيَّتَيهِ / وَتَحوي هَذِهِ الأَوراقُ شُكري
أَبصَرتُها وَالشَمسُ عِندَ شُروقِها
أَبصَرتُها وَالشَمسُ عِندَ شُروقِها / فَرَأَيتُها مَغمورَةً بِالنارِ
وَرَأَيتُها عِندَ الغُروبِ غَريقَةً / في لُجَّةٍ مِن سُندُس وَنُضّارِ
وَرَأَيتُها تَحتَ الدُجى فَرَأَيتُها / في بُردَتَينِ سَكينَة وَوَقارِ
فَتَنَبَّهَت في النَفسِ أَحلامُ الصِبى / وَغَرِقتُ في بَحرٍ مِنَ التَذكارِ
نَفسي لَها مِن جَنَّةٍ خَلّابَةٍ / نَسَجَت غَلائِلَها يَدُ الأَمطارِ
أَنّى مَشَيتَ نَشَقتَ مِسكاً أَزفَراً / في أَرضِها وَسَمِعتَ صَوتَ هَزارِ
ذاتَ الجِبالِ الشامِخاتِ إِلى العُلا / يا لَيتَ في أَعلى جِبالِكِ داري
لِأَرى الغَزالَةَ قَبلَ سُكّانِ الحِمى / وَأُعانِقُ النَسَماتِ في الأَسحارِ
لِأَرى رُعاتَكِ في المُروج وَفي الرُبى / وَالشِتاءَ سارِحَةً مَعَ الأَبقارِ
لِأَرى الطُيورَ الواقِعاتِ عَلى الثَرى / وَالنَخلَ حائِمَةً عَلى الأَزهارِ
لِأُساجِلَ الوَرقاءَ في تَغريدِها / وَتَهُزُّ روحي نَفحَةُ المِزمارِ
لِأُسامِرَ الأَقمارَ في أَفلاكِها / تَحتَ الظَلامِ إِذا غَفا سُمّاري
لِأُراقِبَ الدَلوارَ في جَرَيانِهِ / وَأَرى خَيالَ البَدرِ في الالدَلوارِ
بِئسَ المَدينَةُ إِنَّها سِجنُ النُهى / وَذَوي النُهى وَجَهَنَّمُ الأَحرارِ
لا يَملُكُ الإِنسانَ فيها نَفسَهُ / حَتّى يُرَوِّعُهُ ضَجيجُ قِطارِ
وَجَدَت بِها نَفسي المَفاسِد وَالأَذى / في كُلِّ زاوِيَة وَكُلِّ جِدارِ
لا يَخدَعَنَّ الناظِرينَ بِروجُها / تِلكَ البُروجُ مَخابِئٌ لِلعارِ
لَو أَنَّ حاسِدَ أَهلِها لاقى الَّذي / لاقَيتُ لَم يَحسُد سِوى بَشّارِ
غُفرانَكَ اللَهُمَّ ما أَنا كافِرٌ / فَلِمَ تُعَذِّبُ مُهجَتي بِالنارِ
لِلَّهِ ما أَشهى القُرى وَأَحَبَّها / لِفَتىً بَعيدِ مَطارِحِ الأَفكارِ
إِن شِئتَ تَعرى مِن قُيودِكَ كُلَّها / فَاِنظُر إِلى صَدرِ السَماءِ العاري
وَاِمشِ عَلى ضَوءِ الصَباحِ فَإِن خَبا / فَاِمشِ عَلى ضَوءِ الهِلالِ الساري
عِش في الخَلاءِ تَعِش خَلِيّاً هانِئً / كَاطَيرِ حُرّاً كَالغَديرِ الجاري
عِش في الخَلاءِ كَما تَعيشُ طُيورُهُ / الحُرُّ يَأبى العَيشَ تَحتَ سِتارِ
شَلّالُ مِلفِرد لا يَقَرُّ قَرارَهُ / وَأَنا لِشَوقي لا يَقِرُّ قَراري
فيهِ مِنَ السَيفِ الصَقيلِ بَريقُهُ / وَلَهُ ضَجيجُ صُخورَهُ الجَرّارِ
أَبَداً يَرُشُّ صُخورَهُ بِدُموعِهِ / أَتُراهُ يَغسِلُها مِنَ الأَوزارِ
فَإِذا تَطايَرَ مَأوهُ مُتَناثِراً / أَبصَرتَ حَولَ السَفحِ شِبهَ غُبارِ
كَالبَحرِ ذي التَيّارِ يَدفَعُ بَحضَهُ / وَيَصولُ كَالضِرغامِ ذي الأَظفارِ
مِن قِمَّةٍ كَالنَهدِ أَيُّ فَتىً رَأى / نَهداً يَفيضُ بِعارِضٍ مِدرارِ
فَكَأَنَّما هِيَ مِنبَر وَكَأَنَّهُ / ميرابُ بَينَ عَصائِبِ الثُوّارِ
مَن لَم يُشاهِد ساعَة وَثَباتِهِ / لَم يَدرِ كَيفَ تَغَطرُسُ الجَبّارِ
ما زِلتُ أَحسَبُ كُلَّ صَمتٍ حِكمَةً / حَتّى بَصُرتُ بِذَلِكَ الثَرثارِ
أَعدَدتُ قَبلَ أَراهُ وَقفَةَ عابِرٍ / لاهٍ فَكانَت وِقفَةَ اِستِعبارِ
يا أُختَ دارِ الخُلدِ يا أُمَّ القُرى / يا رَبَّةَ الغابات وَالأَنهارِ
لِلَّهِ يَومٌ فيكِ قَد قَضَّيتُهُ / مَعَ عُصبَةٍ مِن خيرَةِ الأَنصارِ
نَمشي عَلى تِلكَ الهِضاب وَدونَنا / بَحرٌ مِنَ الأَغراس وَالأَشجارِ
تَنسابُ فيهِ العَينُ بَينَ جَداوِلٌ / وَخَمائِل وَمَسالِك وَدِيارِ
آناً عَلى جَبَلٍ مَكينٍ راسِخٍ / راس وَآناً فَوقَ جُرفٍ هارِ
تَهوي الحِجارَةُ تَحتَنا مِن خالِقٍ / وَنَكادُ أَن نَهوي مَعَ الأَحجارِ
لَو كُنتَ شاهِدَنا نُهَروِلُ مِن عَلٍ / لَضَحَكتَ مِنّا ضِحكَةَ اِستِهتارِ
الريحُ ساكِنَة وَنَحنُ نَظُنُّنا / لِلخَوفِ مُندَفِعينَ مَع إِعصارِ
وَالأَرضُ ثابِتَة وَنَحنُ نَخالُها / تَهتَزُّ مَع دَفعِ النَسيمِ الساري
ما زالَ يَسنُدُ بَعضُنا بَعضاً كَما / يَتَماسَكُ الرُوّادُ في الأَسفارِ
وَيَشُدُّ هَذا ذاكَ مِن أَزرارِهِ / فَيَشُدُّني ذَيّاكَ مِن أَزراري
حَتّى رَجَعنا سالِمين وَلَم نَعُد / لَو لَم يَمُدَّ اللَهُ في الأَعمارِ
وَلَقَد وَقَفتُ حَيالَ نَهرِكِ بُكرَةً / وَالطَيرُ في الوَكَنات وَالأَوكارِ
مُتَهَيِّباً فَكَأَنَّني في هَيكَلٍ / وَكَأَنَّهُ سِفرٌ مِنَ الأَسفارِ
ما كُنتُ مَن يَهوى السُكوت وَإِنَّما / عَقَلَت لِساني رَهبَةُ الأَدهارِ
مَرَّ النَسيمُ بِهِ فَمَرَّت مُقلَتي / مِنهُ بِأَسطارٍ عَلى أَسطارِ
فَالقَلبُ مُنشَغِلٌ بِتَذكاراتِهِ / وَالطَرفُ مُندَفِعٌ مَعَ التَيّارِ
حَتّى تَجَلَّت فَوقَ هاتيكَ الرُبى / شَمسُ الصَباحِ تَلوحُ كَالدينارِ
فَعَلى جَوانِبِهِ وِشاحُ زَبَرجَدٍ / وَعَلى غَوارِبِهِ وِشاحِ بَهارِ
لَو أَبصَرَت عَيناكَ فيهِ خَيالَها / لَرَأَيتَ مِرآةً بِغَيرِ إِطارِ
يَمَّمتُهُ سَحرا وَأَسراري مَعي / وَرَجَعتُ في أَعماقِهِ أَسراري
إِنّي حَسَدتُ عَلى القُرى أَهلَ القُرى / وَغَبَطتُ حَتّى نافِخَ المِزمارِ
لَيل وَصُبحٌ بَينَ إِخوانِ الصَفا / ما كانَ أَجمَلَ لَيلَتي وَنَهار

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025