القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 69
قَدَحت في مزجها بالماء ناراً
قَدَحت في مزجها بالماء ناراً / فأعادت ظلمةَ اللَّيل نهارا
شمس راحٍ في الدجى يحملها / طلعة البدر إذا البدر استنارا
عُتِّقَتْ في الدَّنِّ حتَّى إنها / لتعي ما كانَ في الماضي وصارا
فسلوها كيف كانت قبلنا / عادٌ الأولى صغاراً وكبارا
أيّ نادٍ للهوى يومئذٍ / يوم نادينا إلى اللهو البدارا
وجلوناها عروساً طالما / حبيب من حَبَب المزج نثارا
وكسونا بالسَّنا جسم الدجى / وخلعنا في اللذاذات العذارا
وسعى ساقٍ بها تحسبُه / غصناً يهدي إلينا الجلَّنارا
علَّمَ الغصن التثني والصّبا / طرب الأنفس والظبي النفارا
وبما فُضِّل من بهجته / تفضل المرو على البيض العذارى
سمحٌ ممتنعٌ قيل له / أدِرِ الكأسَ علينا فأدارا
فترى الناس سكارى في هوى / ذلك الساقي وما هم بسكارى
يا شبيه الورد والآس وما / أحسن التشبيه خدًّا وعزارا
بأبي أنتَ وإن جلَّ أبي / عاطنيها مثل خدَّيك احمرارا
واسقني من فيك عذباً سائغاً / إنَّ بي منك ومالسكر خمارا
بين ندمانٍ أراقوا دَمَها / بنت كرم تسلبُ الشيخ الوقارا
حنفاءٍ حلَّلوا ما حرّمت / ورأوا في أخذها رأي النصارى
ركبوا لِلَّهو في مضماره / أشقراً يصدم أجراهم عثارا
وكميتاً ما جرتْ في حلبةٍ / للوغى يوماً ولا شقَّت غبارا
فكأَنَّ الكأسَ فيما فَعَلَتْ / أدركتْ عند عقول القوم ثارا
كلُّ مختال بها في عزَّةٍ / قد مضى يسحبُ في الفخرِ الإِزارا
وإذا ما عاودته نشوةٌ / ألبسته تاج كسرى والسوارا
خَفَّ بالراح فلو طارَ امرؤٌ / قبل هذا اليوم بالراح لطارا
وسمرنا بالذي يطربنا / من حديث وشربناها عقارا
وتناشدنا على أقداحها / مِدَحاً تزهو نظاماً ونثارا
بأغرٍّ أبلج من هاشم / أبلَجَ المحتد فرعاً ونجارا
تشرق الأقمار في غُرَّته / فهو الشمسُ التي لا تتوارى
سرّ رمز المجد مبنى بيته / علم السؤدد سرًّا وجهارا
كالحيا المنصبِّ بل أندى يداً / والحسام العضب أو أمضى شفارا
تلك أيديه التي إحداهما / تورثُ اليُمْنَ وبالأخرى اليسارا
مستفاض الجود منهلُّ الندى / يوم لا تلقى به إلاَّ الأوارا
والقوافي الغرّ في أيَّامه / يجتنيها بأياديه ثمارا
في زمانٍ مذنبٍ لم يعتذر / بكريم لبني الفضل اعتذارا
ترك الدهر ذليلاً طائعاً / لمنيع من أعزّ الناس جارا
ولي الفخر بأنِّي شاعر / لأناس لبسوا التقوى شعارا
هم أقاموا عَمَدَ الدِّين وهم / أوضحوا في الحقِّ للخلق المنارا
كلّ حِلي من فخارٍ وعُلًى / كانَ حِلياً من حُلاهم مستعارا
في سبيلِ الله ما قد أنفقوا / من أيادٍ فاسألوها نضارا
أمَّةٌ يستَنزَلُ الغيثُ بهم / وبهم تَستكشِفُ الناس الضرارا
فإذا استنجدتهم كانوا ظبا / وإذا استمطرتهم كانوا قطارا
جبروا كلّ مهيض للعُلى / وأنابوا الكفر ذلاًّ وانكسارا
أجَّجوا نيرانها يوم الوغى / بمواضيهم وإن كانوا بحارا
في مقامٍ قَصُرَتْ فيه الخُطا / بالطَّويلات وما كنَّ قصارا
فعليهم صلوات أبَداً / تَتولاّهم غُدُوًّا وابتكارا
أو لستَ الآن من بعدهم / قبساً من ذلك النور أنارا
طالما سيّرتها قافيةً / غرَّة لم تتَّخذ في الأرض دارا
حاملات مثل أرواح الصبا / من شذى مدحك شيحاً وعرارا
هذه أيَّام أنواء الحيا / إنَّ أنواءَكَ ما زالت غزارا
فاسقني فيهنَّ سحًّا غدقاً / أجلب العزّ وأستقصي الفخارا
واتَّخذني لك ممَّن لم يجِد / عنك في معترض المدح اصطبارا
وابق للعيد وحزْ في مثله / مفخراً يسمو وصيتاً مستطارا
لِمَن السوابقُ والجيادُ الضُمَّرُ
لِمَن السوابقُ والجيادُ الضُمَّرُ / تخدي ويزجرها الغرام فتعثَرُ
حفَّت بها أُمَمُ الرِّجال كأَنّها / زمرٌ تساق إلى الجنان وتحشر
يَتَشرَّفون بحمل ثَوبِ نبيِّهم / فوق الرؤوس هو الطراز الأخضر
وحلاوة الإِيمان حشو قلوبهم / ولسانهم عن ذكره لا يفتر
يبكون من فرحٍ به بمدامعٍ / كالدّرّ فوقَ خدودهم تتحدر
كلٌّ له ممَّا اعتراه صبابة / كبدٌ تذوب ومهجة تتسعر
مترجّلين كأنّما مالت بهم / راحٌ يسكِّر ذكرها أو تسكر
وترى السَّكينة والوقار عليهم / والخيل من تيه بها تتبختر
حَمَلَت ثياب نبيِّنا وسعت به / سعياً على أيدي الليالي يشكر
وتفاخروا في لَثْمها وتبركوا / حقًّا لمثلهم بها أن يفخروا
أمُّوا بها النّعمان حتَّى شاهدوا / إشراقَ نور ضريحه فاستبشروا
حيث الهدى حيث المكارم والتقى / حيث الفضائل منه عنه تنشرُ
أرضٌ مقدَّسةٌ وترب طاهر / ومشاهد فيها الذنوب تكفر
وبكوا سروراً في معاهد أُنسِهِ / غشَّى عيونهم السنا فاستعبروا
لاحتْ لهم هذي القباب فهلَّلوا / وبدا لهم هذا المقام فكبَّروا
هذا إمامُ المسلمين ومذهب ال / حقَّ المبين وسرّه والمظهر
هذا مداد العلم هذا بابُه / إنَّ العلوم بصدره تتفجَّر
هذا صباح الحقّ هذا شمسه / قد راقَ منظره ورق المخبر
هذا الذي في كلِّ حالٍ لم يزل / عَلَماً على الأَعلام لا يتنكر
هذا الذي أوفى الفضائل كلَّها / فازَ المُقِرُّ بها وخابَ المنكِرُ
هذا المنى هذا الغنى هذا التقى / هذا الهُدى هذا العُلى والمفخر
هذا الإِمامُ الأعظم الفرد الذي / آثاره تبقى وتفنى الأَعصر
إنْ تنكر الأَرفاض فضل إمامِنا / عَرَفوا الحقيقة والصواب فأنكروا
لُعِن الرَّوافض إنَّما أخبارهم / كذِبٌ على آل النبي تُزَوّر
السَّادة الغرّ الميامين الأُلى / قد نزّهوا ممَّا سمته وطُهروا
كذبت عليهم شيعة مخذولة / قالوا كما قالَ اليهود وكفَّروا
وكذا الهشامان اللَّذان تزندقا / فقضى بكفرهما الإِمام وجعفر
ساؤوا رسول الله في أصحابه / وبقولهم بالإِفك وهو يكفر
لعنوا بما قالوا وغُلَّت منهم ال / أيدي وذلّوا بعدها واستحقروا
هتكوا الحسين بكلِّ عامٍ مرَّةً / وتمثَّلوا بعداوةٍ وتصوَّروا
وَيلاهُ من تلك الفضيحة إنَّها / تُطوى وفي أيدي الروافض تُنْشَرُ
كتموا نِفاقاً دينَهم ومخافةً / فلو اسْتُطِيعَ ظهوره لاستظهروا
أو كانَ ينفذ أمره لتأثَّروا / أو كانَ يَسمع قولهم لتحيَّروا
لا خير في دين ينافون الورى / عنه من الإِسلام أو يتستَّروا
ليس التقى هذي التقيّة إنَّما / هذا النّفاق وما هواه المنكر
هم حرَّفوا كَلِمَ النَّبيّ وخالفوا / هم بدَّلوا الأَحكام فيه وغيَّروا
لو لم يكن سَبُّ الصَّحابة دينَهم / لتهوَّدوا في دينهم وتنصَّروا
سبُّوا أئمَّتنا وأنجمَ ديننا / من نرتجي يوم المعاد ونذخر
قد جاهدوا في الله حقّ جهاده / وتطاولوا لكنَّهم ما قصَّروا
فتحوا البلاد ودوَّخوها عنوة / جمع الضلال بفتحها يتكسر
إنَّ الجهاد على الروافض لازمٌ / ويثاب فاعله عليه ويؤجر
من لم يعادِهمُ فذاك مذبذبُ / أو لم يكفرهم فذاك مكفَّر
يا قدوة الإِسلام يا عَلَم الهُدى / إنَّ الهُدى من نور علمك يظهر
ولقد ورثت عن النَّبيِّ علومه / فجرت لديك فإنَّما هي أبحر
جئناكَ في ثوب النَّبي محمَّدٍ / فيه الفخار وفيه ما نتخيَّر
ومنوّرٍ بضريح أفضل مرسلٍ / يا حبَّذا ذاك الضريح الأَنور
ومعفّرٍ بترابِ أشرفِ حضرةٍ / فالمسك بعض أريجه والعنبر
هو رحمةٌ للعالمين ورأفةٌ / وهو البشير لخلقه والمنذر
متوسِّلين بسترِ قبرِ محمَّدٍ / ستر به قبر الرَّسول مسَتَّر
يا ربَّنا بمحمَّدٍ وبآلِهِ / مَن منهم أثر الهداية يؤثر
وبصحبة النَّاصرين لدينه / من أوضحوا سبل الهُدى إذ أظهروا
يا ربّ بالعلماء أعلام الهُدى / العاملين بما تقول وتأمر
نحنُ العبيد كما علمت بحالنا / والعَبْدُ يا ربّ العباد مقصّر
كل يرجّي فضل رحمة ربِّه / ويخاف إيعاد الذنوب ويحذر
متذلِّلين مقصّرين لذنبهم / يا من يذلّ لعزِّهِ المستكبر
فاسبل علينا ثوب حلمك مالنا / إلاَّ بحلمك يا كريمُ تَسَتُّرُ
واغفر بعفوك يا غفور ذنوبنا / إنَّ الذنوب بجنب عفوك تغفر
وانصر إمام المسلمين وجيشه / نعم الإِمام لما به نستنصر
يا ربّ سامحْنا على هفواتنا / فذنوبنا ممَّا علمنا أكبر
هذا عليٍّ قد أتى متوسِّلاً / يرجو الثواب إذا الخلايق تحشر
فأجبه بالغفران واخذل ضدَّه / يا من يفوز بعفوه المستنصر
واعلِ على رغم الأعادي قَدْرَهُ / وانصره إنَّك سيِّدي مَن تنصرُ
دمِّر به أهل الضلال جميعها / ليفرّقوا في سيفه ويُدمَّروا
أيِّد به الدِّين القويم فإنَّه / ذو غيرة بالدِّين لا يتغيَّرُ
لا يتَّقي في الله لومة لائمٍ / خصم الأَعادي والعدوُّ الأكبرُ
لِيَهْنِكُمُ زواجٌ في هناءِ
لِيَهْنِكُمُ زواجٌ في هناءِ / به انشرحت لأقوامٍ صدورُ
ترون الخير مجلوباً إليه / وفي أطرافه الخير الكثير
ويطرب في مغانيكم محبٌّ / يبوح لكم بما كتم الضمير
تَقَرّ العين فيكم إن تراكم / وفي أخلاقكم كرمٌ وخيرُ
إذا سُدتُم وكنتم حيث أهوى / وما فيكم بمكرمة قصور
ولا عجباً إذا ما ساد شبلٌ / أبوه ذلك الأسد الهصور
ألا يا عمَّ أبناءٍ كرام / تَعمُّ به السعادة والحبور
ومهدي العالمين إلى رشاد / يلوح به لعلم منك نور
بذكر تطمئن به قلوب / ووعظ قد تلين له الصخور
تهنّ بذلك التزويج ممن / بها الأيام تشرق والشهور
وسُرَّ به كما تبغي وأرّخ / ففي تزويج نعمان سرور
يا ليلةً في آخر الشَّهر
يا ليلةً في آخر الشَّهر / قد جئتِ بعد الصَّوم بالفطرِ
كشف الصباح لنا حوادثها / وتكشَّفت عن مضمر الغدر
أصبحتُ منها غير مفتقر / أبداً إلى حرس على وكر
هجمت عليَّ بحادث جلل / وهجومها من حيث لا أدري
خطبٌ ألمَّ ويا لنازلةٍ / طلعت عليَّ به مع الفجر
في ليلة ليلاء تحسبها / يوم الفراق وليلة القبر
ما جنَّ حتَّى جنَّ طارقه / طرق المبيت بطارق الشر
وأظن أن الشمس ما كسفت / إلاَّ لتكشف بعدها ضري
ولقد أقمت مقام ذي سفه / صَعُبَ المقامُ به على الحر
في منزل أخذوا مساحته / يوماً فما أوفى على شبر
يا مؤجري داراً سُرِقتُ بها / لا فُزتَ بعد اليوم بالأجر
لولا الضرورة كنت مرتحلاً / عنها وكنت نزلت في قفر
دامي العيون على أُصَيبِيَةٍ / سوء الحظوظ وأوجه غر
ما عندهم صبر على أمَل / يرجونه في العسر لليسر
فرحوا بزينتهم ولو عقلوا / لم يفرحوا بغلائل حمر
من كل مبتهج بكسوته / طرب الشمائل باسم الثغر
ناموا وما انتبهوا لشقوتهم / إلاَّ انتباه الخوف والذعر
يتلفَّتون إلى غلائلهم / فدموعهم من فقدها تجري
ضاقت بهم بغداد أجمعُها / واليوم ضاق لضيقهم صدري
ونظيرة الخنساءِ مكثرة / بالنوح باكية على صخر
ولقد عجبت لها ويعجبني / أمران ما اتفقا على أمر
أبكي على حظٍّ منيت به / وهي التي تبكي على القِدر
هذا وتضحكني مقالتها / كيف البقاء بنا مع الفقر
فكأنما كانت وأين لها / في نعمة موصوفة الخير
هل كنت قبل اليوم في سعة / وملابس من سندس خضر
أوَ ما ذكرت العمر كيف مضى / لا كانَ ذاك العمر من عمر
إذ تذكرين جلاجلاً سرقت / ولقد نسيت الجوع في شهر
وبنوك يومئذ بمسغبة / خمص البطون حواني الظهر
صفرٌ يسوؤك ما عرفت بهم / من شؤم وقع حوادث غبر
وعددت ألف قضيّة سلفت / تطوى الضلوع بها على الجمر
ما أنكرت منهنَّ واحدة / فلطمتها بأنامل عشر
وعذرتها وعذلت عاذلها / والعذل بيَّنَ بَيِّنَ العذر
وقع البلاء فلم يُفِدْ جزع / فتعلّلاً بعواقب الصبر
بعد الرجاء بموطن خشن / يلقي الكرام بجانب وعر
بَلَدٌ كبارُ ملوكِه بَقَرٌ / صاروا ولاة النهي والأمر
لا يفقهون حديث مكرمة / فيهزّهم نظمي ولا نثري
أصبحتُ أشقى بين أظهرهم / فكأنني أصبحت في أسر
يرقى الدنيُّ إلى مراتبهم / حتَّى يريك النعل في الصدر
وإذا سألتهمُ بمسألةٍ / بخلوا ولو بقلامة الظفر
ذهب الذين أنال نائلهم / وأعدّهم من أنفس الذخر
إنْ ساءَني زمنٌ سرِرت بهم / وكفيت فيهم صولة الدهر
ومدحتهم وشكرت نعمتهم / بغرائب الأبيات من شعري
ولئن شكرت بمثلها أحداً / فأبو الجميل أحقّ بالشكر
لم يبق من أهل الجميل سوى / عبد الغني ونيله الوفر
إلاَّ تداركني برحمته / إنِّي إذاً وأبي لفي خسر
وترحَّلت بي عن مَباركِها / ولاّجة في المهمه القفر
ومبدّد الأموال مهلكها / بالمكرمات لخالد الذكر
قسماً به وجميل مصطنع / من فضله قسماً لذي حجر
لولاه ما علق الرجاء ولا / عرف الجميل بأهله ذا العصر
ما زال أندى من مجلّلة / بالقطر تملي سائر القطر
فانشر ثناءك ما استطعت على / عبق العناصر طيب النشر
مزجت محبته بأنفسنا / مثل امتزاج الماء والخمر
لفضائل شهد العدو بها / ومناقب كالأنجم الزهر
درع يقي من كل نائبةٍ / لا ما يقي في البرد والحر
أمعلّلي بحديثه كرماً / حَدِّثْ ولا حرج عن البحر
وإذا أثابك من مكارمه / فمثوبة في الأجر والفخر
أدعو له ولمن يلوذ به / في العالمين دعاء مضطر
أنْ لا يزال كما أشاهده / كالبدر أو في رفعة البدر
بارق الشام إلى الكرخ سرى
بارق الشام إلى الكرخ سرى / فروى عن أهل نجد خبرا
وبنا هبَّت له بارقة / أضرمت بالريّ منها شررا
وإلى الله فؤاد كلَّما اس / تعرت نار الطلول استعرا
غنّ لي يا حادي العيس ولا / تهمل السَّير فقد طال السرى
وأعِدْ أخبار نجد إنَّها / تجبر القلب إذا ما انكسرا
آه كم ليلة طالتْ وقد / ذكروا نجداً وهمٍّ قصرا
كيف لا أعشق أرضاً أهلها / شملت ألطافُهم كلَّ الورى
قلْ بهم ما شئت واذكر فضلهم / إنَّ كلّ الصيد في جوف الفرا
كَرُموا أصلاً وطابوا مغرساً / وعَلَوْا قدراً وجادوا عنصرا
إنْ تَرَ منهم فتًى ظنَّيت في / ذاته كلّ الكمال انحصرا
قسماً بالزُّهر من أجدادهم / من به طابَ ثرى أمّ القرى
مدحهم ذخري وديني حبُّهم / يا ترى هل يقبلون يا ترى
يشهد الله بأنِّي عبدهم / تحت بيع إن أرادوا وشرا
وإذا انجرت أحاديثُهُم / لا تسل عن مقلتي عمَّا جرى
وهبوا عيني الكرى واحسرتا / ودلالاً أحرموا جفني الكرى
وتراني حينما قد نفروا / ألفت عيني البكا والسهرا
شرفوا الأرض ومن هذا نرى / منهمُ في كلِّ حيٍّ أثرا
كأبي القدر المعلى والهدى / والندى والعلم مرفوع الذُّرا
بضعة السادات من أهل العبا / كوكب الإشراق تاج الأُمَرا
وارث القطب الرفاعيّ الَّذي / صيته أملى الملا واشتهرا
عَلَمُ الأشياخ سلطان الحمى / غوث أهل الشرق شيخ الفقرا
يا لها والله من سلسلة / كلما طالت نداها انحدرا
عصبة من آل خير الأنبيا / عَزَّ من يغدو بهم مفتخرا
سيّدي يابا الهدى يا ابن الَّذي / خضعت ذلاً له أُسْدُ الشرى
يا كريم الطبع يا كنز التقى / يا شريف القدر أنّى حضرا
لك وجه لمعت من وجه / شمس رشد نورها لن ينكرا
مظهر أيّده الله وكم / أرجو منه فوق هذا مظهرا
لك من مجد الرفاعي رفعةٌ / ترجع الطرف كليلاً حسرا
ويد روحي فداها من يدٍ / تخجل الغيث إذا الغيث جرى
ولسان راح يروي قلبه / ما به بحر الفتوح انفجرا
لك طرف أحمديٌّ إنْ رمى / نبله العزم يشق الحجرا
لك صدر طاهر من دنس / عن مياه الحقد طبعاً صدرا
بأبيك ابن الرفاعي وبالأ / وصيا نعمَ الجدودُ الكُبَرا
لا ترى من حاسد إنكاره / مثل هذا عن أبيكم ذكرا
وأسلم الدهر رفيعاً سيّداً / مرشداً لم تلق يوماً كدرا
وأقبل العبد محبًّا خالص ال / قلب لا زال بكم مفتخرا
فهو عن مدح سواكم أخرسٌ / وبكم أفصحُ حزبِ الشُّعرا
ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجير
ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجير / كئيبٍ ذي فؤاد مستطيرِ
يقلِّبُه الأَسى ظهراً لبطنٍ / ويُسْلِمُهُ إلى حرِّ الزفير
وكيفَ يَقَرُّ بالزفرات صبٌّ / وفي أحشائه نار السَّعير
يعالج بالهوى دمعاً طليقاً / يصوبُ للوعة القلب الأَسير
وكم في الحيِّ من ليثٍ هصورٍ / صريع لواحظ الرشأ الغرير
وكنت على قديم الدهر أصبو / بأشواقي لربَّات الخدور
وكنت إذا زأرت بأسد غيل / رأيت الأُسْدَ تفزع من زئيري
فغادرني الزَّمان كما تراني / عقيراً في يد الخطوب العقور
فأَغدو لا إلى خلٍّ أنيسٍ / وما لي غير همِّي من سمير
فآهاً يا أُميمة ثمَّ آهاً / لما لاقيت من دهرٍ مبير
محا من أُسرتي الأَشراف منهم / كما مُحيت حروفٌ من سطور
لقد بعد الكرام النجب عنِّي / فليلي بعدهم ليل الضرير
على أنِّي دفعت إلى زمان / يخاطر فيه ذو المجد الخطير
تشبّهت الأَسالف بالأَعالي / وقد تاه الصغير على الكبير
وأمستْ هذه الدُّنيا تريني / حوادثها أعاجيب الأُمور
ولا زالتْ تتوقُ لذاك نفسي / إلى يومٍ عبوسٍ قمطرير
لعلِّي أنْ أبُلَّ به غليلاً / ويهدأ بعض ما بي من زفير
أراني إنْ حلَلْتُ بدار قومٍ / أساءَ ببعض أقوامٍ حضوري
وذي عجب أضرَّ الجهل فيه / وأنفٍ مشمخرٍ بالغرور
يرى من نفسه ربّ المعالي / ولا ربّ الخورنق والسدير
ضريت بوجهه وصددت عنه / كما صدَّ العظيم عن الحقير
وألقى المعجبين بكلِّ عُجْبٍ / وأسحبُ ذيل مختالٍ فخور
وكم رفع الزَّمان وضيع نفس / فنال الحظَّ بالباعِ القصير
وكم حطَّ القضاء إلى حضيض / وكان محلُّه فوقَ الأَثير
أصونُ عن الأَرذال عزَّ نفسي / وَصَوْنُ النفس من شِيَم الغيور
ولا أهديتُ منذ قرضت شعراً / إلى من لا يزال بلا شعور
وكم في الناس من حيٍّ ولكنْ / يُرى في الناس من أهل القبور
أتيتُ البصرة الفيحاء أسعى / وحبَّكِ سَعْيَ مقدام جسور
أزورُ بها من العلماء شيخاً / حباه الله بالعِلم الغزير
إلى عَلَمٍ من الأَعلام فردٍ / تفيض علومه فيض البحور
لأحمد نخبة الأَنصار يغدو / مسيري إنْ عزمت على المسير
إذا ما عدّدت أعيان قومٍ / وقابلنا نظيراً بالنَّظير
فعين أُولئك الأَعيان منهم / وقلب في صدور بني الصُّدور
وإنِّي مذ ركنتُ إلى عُلاه / كأنِّي قد ركنت إلى ثبير
رَغِمْتُ بودّه آناف قوم / رَمَوْني بالعتوّ وبالنفور
إذا أخَذَت بغاربهم يميني / أخذتُ بغارب الجدّ العثور
رعيت لديه روض العزّ غضًّا / وأنهلني من العذب النمير
إلى منهاج شرعته ورودي / وعن مورود نائله صدوري
ركنت إلى المناجيب الأَعالي / ولم أركنْ إلى وغدٍ شرير
أبار بنور تقوى الله وجهاً / وقد يزهو على القمر المنير
غنيٌّ عن جميعِ الناس عفٌّ / رؤوفٌ بالضَّعيفِ وبالفقير
ترى من وجهه ما قد تراه / على وجه الصَّباح المستنير
يُعَدُّ من الأَوائل في تقاه / وإنْ وافاك بالزَّمن الأَخير
وهل يخفى على أبصار بادٍ / شموس علاه بادية الظهور
فخُذْ عنه العلوم فقد حباه / إله العرش بالفضلِ الشهير
ولم نظفر بمثل علاه يوماً / بمطّلع بصير بالأُمور
فسل منه الغوامض مشكلاتٍ / فإنَّك قد سقطت على الخبير
تحومُ عليه أهل الفضل طرًّا / كما حامَ الظماءُ على غدير
ولم يبرح لأهل العلم ظلاًّ / يقي بظلاله حرَّ الهجير
ويغنيني عن الأَنصار مولًى / نصيري حين يخذلني نصيري
له محض المودَّة من خلوصي / ومحض الودّ إخلاص الضَّمير
سأجزيه على النعماء شكراً / بما يرضيه من عبدٍ شكور
لمطبوع على كرم السجايا / ومجبول على كرم وخِير
زهتْ في حسن مدحتك القوافي / كما تزهو القلائد في النحور
وطابَ بك الثناء وإنَّ شعري / تضمَّخَ من ثنائك بالعبير
فدمْ واسلمْ على أبد اللَّيالي / وعشْ ما دمت حيًّا في سرور
تَنَقَّلْتَ مثلَ البَدْر يا طلعةَ البَدْر
تَنَقَّلْتَ مثلَ البَدْر يا طلعةَ البَدْر / فمن منزل عزٍّ إلى منزل فخرِ
بأمر وليِّ الأَمر سرت ولم تزل / كما أنت تهوى صاحب النهي والأَمر
دعاكَ إليه فاستجبت كأنَّما / دعاك وزير العصر دعوة مضطرِّ
ومثلك من يُدعى لكلِّ مُلِمَّةٍ / من الدهر مقدام على نوب الدهر
تعدّك للخطب الملوك ذخيرة / وإن الرجال الشوس من أنفس الذخر
فإمَّا إلى حربٍ وقد شبَّ جمرها / لها شرر ترمي به الجمع كالقصر
وإمَّا إلى بأسٍ شديدٍ وقدرة / وإمَّا إلى عالٍ رفيع من القدر
طلعت على بغداد يوماً فشاهدت / بوجهك يا مولى الورى طلعة البدر
تباشرتِ الأَشراف حين تحقَّقَت / قدومك بالإِكرام والنائل الوفر
إذا قيلَ وافى بندر قال قائلٌ / من البشر وافاكم إذَنْ وابلُ القطر
فأغمرتهم بالفضل حتَّى ملكتهم / ببرِّك إنَّ الحُرَّ يُمْلَكُ بالبرِّ
قضت بك أعياد المسرَّة والهنا / وهاتيك أعيادٌ تُعَدُّ من العمر
وشدّ وزيرٌ أزره بك فاغتدى / لعمري قويَّ الأزر منشرح الصدر
ولمَّا نشدت العدل من بعد طيِّه / وأحسنتَ طيَّ الجور في ذلك النشر
ذُكرت لسلطان السلاطين كلّها / وقد قيلَ إنَّ الأُذّنَ تَعْشَقُ بالذكر
فأهدى إلى علياك ما أنت أهله / فقارن بدر التّمِّ بالكوكب الدرّي
وأرغمت آنافاً وأكبتَّ حُسَّداً / وحاقَ بأهل المكر عاقبة المكر
وقد جئت مسرور الفؤاد مؤيّداً / من الله بالتوفيق والفتح والنصر
تجرُّ ذيول الفخر تيهاً على العدى / ألا إنَّ خفض العيش من ذلك الجرِّ
تحفُّ بك الفرسان من كلِّ جانبٍ / وتدعو لك الأَملاك بالسِّرِّ والجهر
ولمَّا رأيت الماء طمَّ على القُرى / وأصبحَ في إفساده أبداً يجري
طغى والَّذي يطغى وقد مدَّ باعه / ليُفْسِدَ أمسى مَدُّه منك في جزر
وما سالَ مثل السَّيل إلاَّ رَدَدْتَهُ / وخَلَّيت منه سائل البحر في مهمهٍ قفرِ
حشرت لسدّ الماء كلَّ قبيلةٍ / لها وقفة ترضيك في وقفة الحشر
تسدُّ ثغوراً لا تُسَدُّ ولم يكنْ / سواك سداد في الحقيقة للثغر
فكيف إذنْ بحرٌ أضرَّ وإنَّما / فَعَلْتَ بهذا البحر فعلك في البرِّ
وما زلت مدعوَّ الجناب لمثلها / فتكشف ما قد حلَّ بالناس من ضُرِّ
تدافع عن مُلك العراق وأهله / مدافعة المغتار عن ربَّة الخدر
يضرب ظباً بيض تأجَّجُ بالرَّدى / وطعنِ قناً سمرٍ أحرّ من الجمر
وأنتم أُباة الضَّيم ما ذلَّ جاركم / ولا نظرتكم أعين الضَّيم عن شزر
لكم واللَّيالي حيثُ تمضي وتنقضي / على كلِّ حالٍ كانَ في العسر واليسر
بيوتٌ على شطِّ الفرات رفيعة / يرى نارها تبدو لمن حلَّ في مصر
ولولا طروق الضَّيف من كلِّ وجهةٍ / لما بنيت إلاَّ على الأَنجم الزهر
وما ضلَّ ساري اللَّيل إلاَّ اهتدى بها / كنور سنا الإِسلام في ظلمة الكفر
إلى الغاية القصوى إلى الجود والنَّدى / إلى منزلٍ رحب إلى نائل وفر
فللضيف فيها مشهد الحجّ في منًى / وللنوق فيها للقِرى مشهد النحر
مكارم قد أورثْتُمُوها قديمةً / وتلك مواريث لآبائك الغرِّ
سلكت بتلك الخيم ما سلكت به / وما سلكت إلاَّ بمسلكها الوعر
تسلُّ السيوف البيض كفك للورى / فكفُّك للجدوى وسيفك للقهر
وعلّمتها ضربَ الرقاب فأصبَحَتْ / تقدُّ رقاب الفاجرين ولا تدري
ملأت فؤاد الضدّ رعباً ورهبةً / وأوَّل ما ترمي أعاديك بالذعر
فهابك من خلَّ العراقَ وراءه / فكيف بمن لا يستنزل عن الوكر
ولم تنج من صمصام صولتك العدى / ولو أنَّها طارتْ بأجنحة النَّسر
لك الله ما شيّدت بيتاً من العُلى / على غير سمر الخطّ والقضب البتر
لك المدح منَّا والثناء بأسره / على أنَّ في الأُخرى لك الفوز بالأجر
على النعم الَّلاتي بلغنا بها المنى / وبيض أيادٍ منك في الأَزمن الغبر
تجلّ عن التعداد إنْ هي أُحصيت / فيا ليت شعري ما أقول من الشعر
عجزت بأن أقضي لها حقَّ شكرها / فليسَ يعني نظمي بذاك ولا نثري
هُنِّيتَ هُنِّيتَ بالإقدام والظَفَر
هُنِّيتَ هُنِّيتَ بالإقدام والظَفَر / فاسلم ودُم سالماً بالعزِّ وافتَخِر
زلزلتَ بالسيف أركاناً مشيدة / تكاد تلحق بعد العين بالأثر
أنت المنيب إلى الله العزيز به / والمتّقي منه في أمنٍ وفي خطر
بطشتَ بطش شديد البأس منتقم / من بعد ما كنت قد بالغت في النذر
إنَّ الخوارج عن أمر أمرت به / جاءت إليك لعمري غير مفتقر
هم عاهدوك على أن لا تُمَدَّ لهم / يدٌ إلى شجر عَدْواً ولا عشر
ولا ينالون منها غير ما ملكت / أيمانهم بعدما يودى من العُشُرِ
لو أنهم صدقوك القول يومئذٍ / قبلت بالعفو عنهم عذر معتذر
كفى بما كانَ منك اليوم تبصره / لو يعقلون لذي سمع وذي بصر
لبَّتك أبناء نجد إذ دعوتهم / فأقبلت زمراً تأوي إلى زمر
جاءت إليك كأسْدِ الغاب عادية / على أعاديك تحمي البيض بالسمر
تهون دونك منهم أنفسُ كَرُمَتْ / في عزّةِ الموت أو في لُجَّة الخطر
كأنما تنتضيها من عزائمهم / صوارماً طبعوها آفة العمر
والحرب قائمة منهم على قدم / والنقع يكحل عين الشمس بالحور
وللمدافع إرعاد وزمجرة / ترمي جهنَّمُها الطاغين بالشرر
إذا قضى الحتف من أبطالها وطراً / ففي سليمان منها لذة الوطر
بغلمة كسيوف الهند مصقلة / ما شيب منها صفاء الود بالكدر
لا ينزلون على كرهٍ بمنزلة / ولا يضامون في بدو وفي حضر
وكم جمعت وشجّعت الرجال وكم / علّمتها الحرب بعد الجبن والخور
نفخت فيهم فقاموا يهرعون إلى / حرب تشبّ بنار من لظى سقر
علّمتهم كيف يمضي السيف شفرته / وليس يغني حذار الموت عن قدر
سرت بهم نفحات منك تبعثهم / إلى الشجاعة بعث النادر الحذر
وأنت وحدك فيهم عسكر لجب / سود الوقائع من راياتك الحمر
وأنت بالله لا بالجيش منتصر / فيا لمستنصر بالله منتصر
قد أفلح الناس باديها وحاضرها / من آمرٍ بالذي تهوى ومؤتمر
وأنت هادٍ لها في كل مشتَوَرٍ / وأنتَ مقدامُها في كل مشتجر
ورُبَّ أمرٍ مهول من عظائمه / أنْ ليس تفعله بالصارم الذكر
وإنّك العضب راع العين منتظراً / من صنعة الله لا من صنعة البشر
ترقّ للناس ما تصفو ضمائرها / برقّةٍ كنسيم الروض في السحر
والغلّ يكمن من تلك الخوارج في / قلوبها ككمون النار في الحجر
عادوا فَعُدت إلى ما كنت تفعله / في حالك من ظلام النقع معتكر
والخيل تفعل بالقتلى سنابكها / لعب الصوالج يوم الروع بالأكر
وقمت تخطب في حد الحسام على / منابر الهام بالآيات والسور
والسيف أصدق ما تنبيك لهجته / بموجز من لسان الحال مختصر
دانوا لأمرك بعد الذل وامتثلوا / وكان عفوك عنهم عفو مقتدر
كم من يدٍ لهم طولى تطول على / سمر العوالي رماها الله بالقصر
ومنذ عادوا فقد عادوا لمهلكة / لِما نُهوا عنه من بغيٍ ومن وطر
في كل عام لهم حرب ومعترك / وموعد للمنايا غير منتظر
وهم متى شئت كانوا منك يومئذ / لدى المنيّة بين الناب والظفر
لا يبلغ الشر منهم مثل مبلغه / في عامهم ذلك الماضي ولم يثر
قابلتهم بجنود أمطَرَتْ بدمٍ / كما يصوب مصاب المزن بالمطر
وربَّ أحمقَ معروفٍ لشهرته / وافاك من قومه الأعجام في نفر
لا يعرفون وجوه الموت ترهقهم / ذلاً وتوسعهم طرداً إلى الغرر
أخزاهم الله في الأدبار إذ ذبحوا / قبل الخلائف ذبح الشاة والبقر
وفرّ قائدهم من خوفه هرباً / حتَّى تحجَّب بالحيطان والجدر
ليت المنيّة غالته بمهلكة / وقد أصيبَ لحاهُ الله من دير
إن الأباعد لم يوثَقْ بخدمتهم / هم العدوُّ فكن منهم على حذر
أبْعِدْ عن العسكر المنصور منزلهم / فشرّهم غير مأمون من الضرر
لا يصلح الجاهل المغرور في نظر / إلاَّ إذا كانَ مصروفاً عن النظر
المفسدون بأرض ينزلون بها / والبارزون بقبح الفعل والصور
لله درك لم تسبق بما فعلت / منك العزائم في ماض من العصر
بعثت للبصرة الفيحاء تحفظها / بصارم البأس من أحداثها الغير
طهّرتها من فساد كانَ يكنفها / ولم تدع باغياً فيها ولم تذر
وصنتها عن شرار الناس قاطبة / صون الجنين لدى الإنفاق بالبدر
فعَلْتَ فَعْلاتك اللاّتي فَعَلْتَ بها / تبقى مع الدهر في الأخبار والسير
أكْرِمْ بطيف خيالكم من زائرِ
أكْرِمْ بطيف خيالكم من زائرِ / ما زار إلاَّ مُؤْذِناً ببشائر
وافى على بُعد المزار وربما / بلَّ الغليل بغائب من حاضر
والنجم يصرف للغروب عنانه / حتَّى بصرت به كليل الناظر
وكأنَّ ضوءَ في أثر الدجى / إظهارُ حُجّةِ مسلمٍ للكافر
لا تحسبوا أنّي سلوت غرامكم / هجراً فبعداً للمحب الهاجر
جمرات ذاك الوجد حشو جوانحي / وجمال ذاك الوجه ملء نواظري
أعِدِ ادّكارك يوم مجتمع الهوى / إنِّي لأصبو عند ذكر الذاكر
أيام نرفل بالنعيم ونصطلي / نار المدامة من عصير العاصر
ولقد ذكرت العيش وهو كأنَّما / برزت محاسنه بروض ناضر
ومليكة الأفراح في أقداحها / قد رصعت تيجانها بجواهر
صبغت بإكسير الحياة لجينها / فكأنها ملكت صناعة جابر
خلع العذار لها النزيف وبان في / جنح الظلام منادمي ومسامري
متجاهر يهفو إلى لذاته / أحبب إلى اللذات من متجاهر
ذهبت لذاذات الصبا وتصرّمت / أوقات أُنْسِكَ في الزمان الغابر
وإذا امرؤ فقد الشباب فما له / في اللهو بعد مشيبة من عاذر
ولقد أقول لطامع برجوعها / كيف اقتناصُك للغزال النافر
لله ما أروى بنا متلفت / يوم الفحيم بجيد أحوى الناظر
والركب مرتحل بكل غريرة / تبني الكناس بغاب ليث خادر
أرأيت ما فعل الوداع بمقلة / ما قرّحت بالدمع غير محاجري
وجَرَتْ على نَسَقٍ مدامعُ عبرة / شبّهتها باللؤلؤ المتناثر
شيّعت هاتيك الظعون عشية / ورجعت بعدهم بصفقة خاسر
لا كانَ يوم وداعهم من موقف / وقف المتيم فيه وقفة حائر
والدمع يلحق آخراً في أوَّلٍ / والبين يرفق أوَّلاً في آخر
مَن ناصري منكم على مضض الهوى / هيهات ليس على الهوى من ناصر
لا تعذلنّ فللغرام قضية / سَدَّت عليَّ مسامعي ومناظري
يا سعد حين ذكرت شرقيّ الحمى / هل كانَ قلبي في جناحي طائر
كشفت لديك سريرة أخفيتها / فعرفت ثمة باطني من ظاهري
وجفا الخيال ولم يزرني بعدها / أين الخيال من الكئيب الساهر
يا أهل هذا الحي كيف تصبري / عنكم ومن لي بالفؤاد الصابر
ولقد طربت لذكركم فكأنني / بغداد يوم قدوم عبد القادر
وافى من الشام العراق بطلعة / شِمْنا بها برق الحيا المتقاطر
فَزَها بطلعته العراق وأهله / والروض يزهو بالسحاب الماطر
وتقدمته قبل ذاك بشارة / ما جاءت البشرى لها بنظائر
وافى فأشرق كل فجٍّ مظلم / فيه وأحيا كل فضل داثر
وضفا السرور على أفاضل بلدة / سرُّوا بمحياه البهي الباهر
نعموا بوجه للنعيم نضارة / فيه وقرّت فيه عين الناظر
بأغرَّ أبيضَ تنجلي بجبينه / ظلمات سجف ستائر لدياجر
يبتاع بالمال الثناء وإنَّما / في سوقه ربحت تجارة تاجر
صعب على صعب الخطوب وجائر / أبداً على جور الزمان الجائر
إنْ كانَ ذا البأس الشديد فرأفة / فيه أرقّ من النسيم الحاجري
حُيّيتَ ما بين الورى من قادم / ونعمت بين أكارم وأكابر
قد زعزعت بك عن دمشق أبوَّةً / نتجت به أمُّ الزمان العاقر
وشحذت عزمك للمجيء غراره / ولرب عزم كالحسام الباتر
وطلعت كالقمر المنير إذا بدا / زاه بأنوار المحاسن زاهر
واخترتَ من بغداد أشرفَ منزلٍ / ما بين خير عصابة وأخاير
فانزل على سَعَة الوقار ورحبه / في منزل رحب وبيت عامر
بُنيت قواعده على ما ينبغي / من سؤدد سامي العلى ومفاخر
فلئن تعبت فبعد هذا راحة / أو قيل ما قالوا فليس بضائر
ولسوف تبلغ بعد ذاك مآرباً / ما ليس يخطر بعضها بالخاطر
وكفاك ربك شر كل معاند / ركب الغرور فلا لعاً للعاثر
أبني جميلٍ إنَّني بجميلكم / ميزت بين الناس دون معاصري
إنِّي لأفخر فيكم فيقال لي / لله شاعر مجدهم من شاعر
فلو أنَّني آتي بكل قصيدة / عذراء من غرر القصائد باكر
وجلوتها فكأنما هي غادة / حلّيتها من مدحكم بأساور
وإذا تناشدها الرواة حسبتها / أرواح أنفاس النسيم العاطر
لم أقضِ حق الشكر من إحسانكم / لكن أُطاوِلُه بباع قاصر
عذبت لديكم في الأنام مواردي / حتَّى رأيت من الغريب مصادري
هاتيكم الأيدي الَّتي لا ينقضي / مدح الجميل لها وشكر الشاكر
مُذْ سَلَّ في العشَّاق سيفَ الناظرِ
مُذْ سَلَّ في العشَّاق سيفَ الناظرِ / وسطا كما يسطو بماضٍ باتر
جرح الفؤاد بصارمٍ من لحظه / رشأ يصول بلحظ خشف فاتر
ما كنتُ أعلم أنْ أرى صرف الردى / من أعيُنٍ تحكي عيون جآذر
ويلاه من لك العيون فإنَّها / فتكت بنا فتك الهزبر الثائر
تبدو العيون النجل في حركاتها / في زيّ مسحور وسيما ساهر
قَمَر إذا نظر العذول جماله / أضحى عذولي بالصبابة عاذري
يجفو ويوصل في الهوى لمشوقه / والصدّ من شيم الغزال النافر
أمسى يعاطيني مدامة ريقه / والنجم يلحظنا بطرق ساهر
ما زلتُ ألثِمه وأرشفُ ثغره / حتَّى بلغت به مناء الخاطر
لله أيَّام الوصال فإنَّها / مرَّت ولكن في جناحي طائر
وإذا ذكرت لبانة قضَّيتها / ولعت مدامع أعيني بمحاجري
وليالياً بالأَبرقين تصرَّمت / كانَ الحبيب منادمي ومسامري
إنْ غاب من أهوى وعزّ لقاؤه / فالقلب لم يبرح بوجد حاضر
لي حسرة ممَّن أوَدُّ ولوعة / وقدت لواعج نارها بضمائري
لم يبقَ لي أملٌ أرجِّي نيله / إلاَّ نوال يمين عبد القادر
لو لم يكنْ بحر النوال لما غدا / يهب المؤمّل من ندًى وجواهر
وترى الركائب حاملات في الورى / أخبار حسن حديثه المتواتر
ذو همَّة وعزائم بين الملا / أغْنَتْهُ عن حمل الحسم الشاطر
أحيا حديث الفضل بعد مماته / وجمال ذياك الزَّمان الغابر
والتارك العافي بجنَّة فضله / ترك المعادي في لحود مقابر
ودليل شيمته صفاء جنانه / والشيء باطنه يرى من ظاهر
شِيَمٌ له نتلو بحسنِ ثنائها / كتبت محاسنها بكلِّ دفاتر
يعفو عن الجاني ويغفر ذنبه / والعفو أحسنُ ما أتى من قادر
لم ألقَ بين الناس أكرمَ ماجد / لوفوده ولضدّه من قاهر
بالرأي آصفُ ما يحاول رأيه / يقف الذكيّ لديه وقفة حائر
هيهات أن يأتي الزَّمان بمثله / نتجت به أُمُّ الزَّمان العاقر
يأتي من الدُّنيا بكلِّ بديعةٍ / ومن الفضائل في عجيب باكر
في وجهه آيات كلّ فضيلة / يلقى العفاة ترحباً ببشائر
إنَّ الحياة لوفده بيمينه / وبسيفه قتل العدوّ الفاجر
ذو همَّة وشجاعة يوم الوغى / في الحرب يسطو كالعقاب الكاسر
من عصبة جمعوا الشجاعة والندى / نالوا المعالي كابراً عن كابر
وإذا أتيت لبابه في حاجةٍ / أغناك في بذلك العطاء الوافر
بسط اليدين على الأنام تكرُّماً / ونوالها مثل السحاب الماطر
صَدَرَ المؤمّل عن موارد بحره / يروي أحاديثَ العطا عن جابر
متقمِّصٌ بالمكرمات مؤزَّرٌ / من ريّه في عزَّةٍ ومفاخر
قَسَماً ببارق مرهف في كفِّه / حين النزال وبحره المتكاثر
لم ألقَ بين الناس قطّ مماثلاً / لجنابه العالي ولا بمناظر
غوث الصريح إذا دُعي لملمَّةٍ / في كشفه الأَخطار أيّ مبادر
كم وارد نهر النضار ببابه / من فضله السَّامي ومن من صادر
يا أيُّها المولى الَّذي أفضاله / في عاتقي وثناؤه في ضامري
خذها إليك قصيدة من أخرسٍ / بثناك ينطق في لسان شاكر
هُنِّيتَ بالعيد الجديد ولم تزل / سعد الكرام ورغم أنفِ الفاجر
لا زلت مسعود الجناب مؤيَّداً / وعِداك في ذلٍّ وحالٍ بائر
متى لاحَ رسمُ الدَّار من طلل قَفْرِ
متى لاحَ رسمُ الدَّار من طلل قَفْرِ / فلي زفرةٌ تذكو ولي عَبْرةٌ تَجري
ذكرت الهوى يوماً بمنعرج اللّوى / ولا بدَّ للمشتاق فيه إلى الذكر
سقى اللهُ عهداً في النعيم وحاجر / وجاد على أرجائها وابلُ القطر
وحيَّى بصَوْب المزن في الحيِّ منزلاً / لي العذر فيه من رسيس الهوى العذري
وأيامنا الّلاتي قَضَتْ باجتماعها / على أنَّها قضي ولم تمض من فكري
خليليَّ ما بي كلَّما هبَّت الصَّبا / تصبَّبَ من عينيَّ ما ليس بالنزر
وإنِّي لمطويّ الضلوع من الجوى / على لاعج بَرحٍ أحَرَّ من الجمر
كأَنَّ التهاب البرق يُبرِزُ لوعتي / ويُبْرِزُ للأَبصار ما كانَ في صدري
ولم أدرِ ما هاجَ الحمامَ بنَوْحه / فهيَّجَ أشجان الفؤاد ولا يدري
كأنِّي به يشكو الفراق على النوى / ولا غابَ عن أنفٍ ولا طار عن وكر
أحبَّتَنا هل تذكرون ليالياً / لنا في الحمى كانت تُعَدُّ من العمر
تطوفُ علينا الكأسُ من كفِّ أغيدٍ / كما ذكر قرن الشمس في راحة البدر
تحدِّثُنا عن نار كسرى لعهده / قديمةُ عهدٍ بالمعاصير بالعصر
فحيَّى بها أحوى من الغيد أبلجٌ / مُذاباً من الياقوت تبسَّم عن درِّ
وقلت لساقيها وريدك بالحشا / فقد زدْتَني بالرَّاح سكراً على سكر
بربِّك هل أَبْصَرْتَ منذ شربتها / ألَذَّ لطيب العيش من قدح الخمر
وندمان صدقٍ تشهد الرَّاح أنَّهم / إذا سكروا أحلى من السكر المصري
هنالك أعطينا الخلاعَةَ حقَّها / وقمنا إلى اللّذَّات نعثر بالسكر
إلى أن بدا للصبح خفقُ بنوده / وطار غراب اللَّيل عن بيضة الفجر
وغارتْ نجوم اللَّيل من حسن معشرٍ / خلائقهم أبهى من الأَنجم الزهر
بَلَوْتُ الليالي عُسْرَةً بعد يسرة / وكم ذقت من حلو المذاق ومن مرِّ
فما أبلتِ الأيام جِدَّةَ عزمتي / ولا أخَذَتْ تلك الحوادث من صبري
إذا لم تكنْ لي في النوائب صاحباً / فما أنتَ من خيري ولا أنْتَ من شرِّي
وليسَ تفي مثل الصوارم والقنا / إذا عبثت أيدي المودَّات بالغدر
إذا أنا أنفَيْتُ الهَوانَ بمنزلٍ / تركت احتمال الضَّيم فيه إلى غيري
وما العزُّ في الدُّنيا سوى ظهر سابح / يقرّب ما ينأى من المهمة القفر
سواءٌ لديه الوعرُ والسهلُ إنْ جرى / وَلَفَّ الرُّبا بالسَّهلِ والسَّهلُ بالوعر
تعوَّد جَوْبَ البيد فاعتاد قطعها / فأنْجَدَ في نجد وأغْوَرَ في غور
عتيقٌ من الخيل الجياد كأنَّه / لشدَّته صخرٌ وما قُدَّ من صخرِ
وناصيته ميمونة منه أعْلَنَتْ / بأنَّ لها فيه مقدمة النصر
وإنَّ جياد الخيل عندي هو الغنى / وليس الغنى بالمال والبيض والصفر
وأشْهَبَ يكسوه الصباح رداءه / كما أَشْرَقَ الإِسلام في ملَّة الكفر
أبى أن يَشُقَّ الّلاحقون غبارَه / فكالبرق إذ يهفو وكالريح إذ تسري
إذا ما امتطاه رفعتٌ وجرى به / رأت أعْيُني بحراً ينوف على بحر
أعَدَّ له عند الشَّدائد عُدَّةً / وأرْصَدَه فيها إلى الكرِّ والفرّ
فتى المجد من أهل الصدارة في العُلى / وليس محلّ القلب إلاَّ من الصدر
تُناظِرُ جدواه السحائب بالندى / وأنَّى له جدوى أنامله العشر
إذا جئته مسترفداً منه رِفْدَهُ / فَنَلْ منه ما تهوى من النائل الغمر
وحسبُك من أيدٍ تدفَّق جَورُها / وناهيكَ من وجهٍ تهلَّلَ بالبشر
كما سَقَتِ المُزنُ الرياض عشيَّةً / فأصبح زهر الروض مبتسم الثغر
بياض يدٍ تندى ومخضرّ مربع / تروق برغد العيش في الخطط الغبر
وما زال موصول الصلات ودأبه / من البرّ أنْ يُسديه برًّا إلى برّ
مكارمه لا تترك المال وافراً / وهل تركت تلك المكارم من وفر
وما ادَّخرت للدهر مالاً يد امرئٍ / يُعدُّ الثناءَ المحض من أنفس الذخر
كما لم يَزَلْ يُرجى لكلِّ ملمَّة / ويعرف فيه الأمن في موطن الذعر
ولا خير في عيش الفتى وحياته / إذا لم يكنْ للنفع يرجى وللضرّ
له المنطق العذب الَّذي راقَ لفظه / رمى كلّ منطيق من الناس بالحصر
فلا ينطق العوراءَ سُخطاً ولا رضًى / قريبٌ من الحسنى بعيدٌ من الهُجْر
سواء إذا أثرى وأملَقَ جودُه / جواد على الحالين في العسر واليسر
صبورٌ على الأيام كيف تقَلَّبَتْ / جليدٌ شديدُ البأس فيها على الدهر
وقد أخْلَصَتْه الحادثات بسبكها / فكان بذاك السبك من خالص التبر
إذا ما حمِدْنا في الرجال ابن أحمد / فعن خالص في الودِّ بالسر والجهر
بعطّر أرجاء القوافي ثناؤه / وربَّ ثناءٍ كانَ أذكى من العطر
نشرنا له الصُّحْفَ الني كانَ طيُّها / على طيب ذات فيه طيّبة النشر
ولي في أبيه قبلَه وهو أهْلُها / محاسنُ أوصاف تضيق عن الحصر
فيا أيُّها المولى الَّذي عمَّ فضلُه / لك الفضل فاسمع إن تكنْ سامعاً شعري
خدمتُك في حُرِّ الكلام مدائحاً / فقال لسان الحال يا لم من حرِّ
وقد راقَ شعري في ثنائك كلُّه / ألا إنَّ بعض الشعر ضربٌ من السحر
فخذها من الدَّاعي قصيدة أخرس / عليك مدى الأيام تنطق بالشكر
تريني لدى علياك ما قد يسرُّني / وترفع قدري فيك يا رفعت القدر
لقدْ خَفَقَتْ في النَّحر ألويةُ النَّصْرِ
لقدْ خَفَقَتْ في النَّحر ألويةُ النَّصْرِ / وكانَ انمحاقُ الشَّرِّ في ذلك النَّحر
وفتحٌ عظيمٌ يعلمُ اللهُ أنَّه / ليستصغر الأَخطار من نوب الدهر
عَلَتْ كلماتُ الله وهيَ عليَّةٌ / بحدِّ العوالي والمهنَّدة البُتْر
تبلَّج دينُ الله بعدَ تَقَطُّبِ / ولاحت أسارير العناية والبشر
محا البغيَ صمصام الوزير كما محا / دُجى الليل في أضوائه مطلع الفجر
وكرّ البلا في كربلاء فأَصْبَحَتْ / مواقف للبلوى ووقفاً على الضّرّ
غداة أبادَتْ مفسدي أهلِ كربلا / وكرَّت مواضيه بهما أيَّما كَرِّ
فدانت وما دانت لمن كانَ قبله / من الوُزَراء السَّابقين إلى الفخر
وما أدركوا منها مراماً ولا مُنًى / ولا ظفِروا منها بلبٍّ ولا قشر
وحذَّرهم من قبل ذلك بطشه / وأَمْهَلَهُمْ شهراً وزادَ على الشهر
وعامَلَهم هذا الوزيرُ بعدله / وحاشاه من ظلمٍ وحاشاه من جور
وأنذرهم بطشاً شديداً وسطوةً / وبالغ بالرُّسْلِ الكرام وبالنّذر
ولو يصبر القرم الوزير عليهم / لقيل به عجز وما قيل عن صبر
وصالَ عليهم عند ذلك صولةً / ولا صولةَ الضرغام بالبيض والسمر
وسار بجيش والخميس عرمرم / فكالليل إذ يسري وكالسيل إذ يجري
وقد أفسدوا شرَّ الفساد بأرضهم / إلى أن أتاهم منه بالفتكة البكر
رمتهم بشهب الموت منه مدافعٌ / لها شررٌ في ظلمة الليل كالقصر
رأوا هول يوم الحشر في موقف الردى / وهل تنكر الأَهوال في موقف الحشر
فدمَّرهم تدمير عادٍ لبَغْيهم / بصاعقةٍ لم تُبْقِ للقوم من ذكر
ألم ترهم صرعى كأَنَّ دماءهم / تسيل كما سالت معتقة الخمر
وكم فئةٍ قد خامر البغيُ قلبَها / على أنَّها بأحبولة الحصر
فراحت بها الأَجساد وهي طريحةٌ / تداس على ذنبٍ جنَتْه لدى الوزر
فإنَّ مرادَ جارٍ على الورى / ولا بدَّ أنْ يجرى ولا بدَّ أن يجري
تجول المنايا بينهم بجنودها / بحيث مجال الحرب أضيق من شبر
تَلاطَمَ فيها الموجُ والموجُ من دمٍ / تَلاطُمَ مَوجِ البحر في لُجَّة البَحر
فلاذوا بقبر ابن النبيّ محمد / فهل سُرَّ في تدميرهم صاحب القبر
فإن تُركوا لا يترك السيف قتلَهم / وإن ظَهَروا باؤوا بقاصمة الظهر
ولا برحت أيَّامه الغرُّ غُرَّةً / تضيءُ ضياءَ الشمس في طلعة الظهر
ولا زال في عيدٍ جديد مؤرِّخاً / فقد جاءَ يوم العيد بالفتح والنصر
إلى شعبانَ مَولايَ المفدى
إلى شعبانَ مَولايَ المفدى / ربيعِ الفضلِ والروضِ النضير
إلى من لم تزل أيديه فينا / كأمثالِ القلائدِ في النحور
يعرّج بي الغرام وينثني بي / لأسباب تمرُّ من الخطور
وقد سأل الأميرُ الأمسِ عنّي / وعن سبب القعود عن المسير
ومن كرم السجايا والمزايا / إذا سأل الكبيرُ عن الصغير
وقالوا كيف لا تمضي إليه / فترجع بالسرور وبالحبور
فلم أكْشِفْ لهم عن كُنْهِ أمري / وأطْلِعْهم على ما في ضميري
وما تركي زيارته بقَصدي / ولا كانَ انقطاعي عن قصوري
وما استغنيتُ لا وأبيك عنه / غِنى الظامي عن الماء النمير
ولا من دون شرعته ورودي / ولا من غير مورده صدوري
نهاري عنده لمعانٌ بَرقٍ / وليلي بعْدَه ليلُ الضرير
فظاظة حاجبٍ ورديّ حظٍ / يعوقُ العبدَ عن باب الأمير
وجَدْتُ ببابه البوَّابَ يعدو / أشَدَ عليَّ من كلبٍ عقور
وصار الكلبُ ينبَحُني بسبٍّ / ويُكثِرُ بالنبيح وبالهرير
وأكره أن أكونَ له مجيباً / وما أنا من مجاوبة الشرير
فهل أبصرتم كلباً يحامي / محافظةً على الليث الهصور
لمن أشكو الحجاب ومن نصيري / وأبدي الاعتذار ومن عذيري
حُيِّيتَ من قادم حَلَّ السُّرورُ به
حُيِّيتَ من قادم حَلَّ السُّرورُ به / وما له عن مَقام العزِّ تأخيرُ
إنَّ الشدائدَ والأهوال قد ذَهَبَت / وللخطوب استحالات وتغيير
أرَتْك صِدْقَ مَوَدَّات الرجال بها / وبانَ عِندَك صِدْقُ القولِ والزُّورُ
ولم تجدْ كسليمان لديك أخاً / عليك منه جميل الصنع مقصور
شكراً لأفعاله الحُسنى فإنَّ له / يداً عليك وذاك الفعل مشكور
لقد وفى لك واسترضى المشير فما / أبقى قصوراً ولا في الباع تقصير
إنَّ المشيرَ أعزَّ الله دولته / برّ رحيمٌ لديه الذنب مغفور
كأنّني بك مغمورٌ بنِعْمَتِه / وأنْت ملحوظ عين السعد منظور
أهدى إليك سلاماً من سعادته / لطُّف فيه إشارات وتفسير
فسوف يغنيك من سلطانه نظرٌ / وإنَّما نَظَرُ السلطان إكسير
قد كانَ ما كانَ والأقدار جاريةٌ / ولا يفيد مع الأقدار تدبير
حسب الفتى من قضاء الله معذرة / والمرء فيما قضاه الله معذور
وابشِرْ بما سوف تحظى من عنايته / وأنتَ منه بما يُرضيك مسرور
والنصر فيك له والخير أجمعه / وإنَّما أنتَ يا منصور منصور
بكتْ بدمٍ من بعد عيسى وبندر
بكتْ بدمٍ من بعد عيسى وبندر / عيونُ ذوي الحاجات من كلِّ معشر
وأهرقت الدمع الغزير عليهما / لواعج حزن في الجوانح مضمر
فلم تبق منه زفرة ما تأجَّجت / ولا عبرة من مقلة لم تحدّر
أقول لركب راح يرتاد منزلاً / لربع على نهر المجرّة مقفر
سرى ضارباً في الأرض ما بين منجد / يخدّ أخاديد الفلاة ومغور
أقيموا على قبر ثوى فيه بندر / صدور المطايا ما ثوى قبر بندر
ولا تسأموا من واكف الدمع وافرجوا / من الحزن مبيض الدموع بأحمر
ولا تندبوا غير المكارم والعلى / لعالٍ كما صدر القناة مشهر
بكيت فأكثرت البكاء وحقّ لي / بكائي على وفد من العز مكثر
وإنِّي لمعذور إذا ما بكيته / بأكثر من قطر الغمام وأغزر
ولي عَبرة لم ترقا عند ادّكاره / كما لي فيه عبرة المتفكر
وهيهات أنْ أسلو يوماُ وإنّني / خلا منه يوماً خاطري وتذكري
حسامٌ صقيل المتن أُغمِدَ في الثرى / ووارى ترابُ الأرض طلعة نيّر
وقد كانَ لم يحجب سناه بحاجب / ولم تستتر أضواؤه بمستّر
فوا أسفي إنْ كانَ يغني تأسُّفي / وما حَذَري إنْ كانَ يجدي تحذري
وكنت أراني في النوائب صابراً / فأعدَمني صبري فأنى تصبّري
وإنِّي لمقبول المعاذير في الأسى / ومن يعتذر مثلي إلى الصبر يُعذر
لقد ضقت ذرعاً بعد فقدان باسل / من الصيد مفتول الذراع غضنفر
وما سرّ نفسي بعده ما يسرّها / ولا راق ما قد راق شيء لمنظري
فيا عبراتي كلّ آن تحدّري / ويا نار أحشائي عليه تسعّري
فقد غاض بحر كلَّما مدّ راحة / إلى الوفد فاضت منه خمسة أبحر
فتسخر من وبل السحاب أكُفُّه / بأبرعَ من وبل السحاب المسخّر
إلى الله خطب كل يوم يعاد لي / برزءٍ من الأرزاء يقطع إبهري
مصابٌ أُصيبَتْ فيه آل محمد / برغم العوالي من وشيج وسمهري
أصيبَتْ بقوم ما أُصيبَتْ ولم تصب / به مُضَرُ الحمرا ولا آل حميرَ
أرتنا المنايا كيف تُصمي سهامها / وكيف تصول النائبات وتجتري
ولو أنَّه يُفدى فَدَتْهُ أماجدٌ / ترى الموت إلاَّ فيه أربحَ متجر
ولو أنَّه يدعو الكمأة لنصره / عليها أجابته بنصرٍ مؤزر
ولكنه اغتالته إذ ذاك غيلةً / ولم تمتنع عنه بجند وعسكر
خذي من تشائي بعد أخذك بندراً / من الناس من قد شئته وتخيّري
فما كانَ مفقود تشق جيوبها / عليه المعالي يوم مجد ومفخر
سقاك الحيا المنهلُّ يا قبر بندر / وحيّاك مُهراقُ الغمام الممّطر
سألتك والأجفان يرفضّ ماؤها / عن الضيغم العادي فهل أنت مخبري
تدلّى عقيراً فيك والحتف صارم / لعمري متى يُعقَرْ به الليث يُعقر
محاسنُ ذاك الوجه كيف تغيّرت / وكان على الأيام لم تَتَغيَّر
وكان يلاقي ضيفه متهلّلاً / بوجه صباحٍ بالمحاسن مسفر
وقد نُكّرت من بعد علمي بأنها / معارف للمعروف لم تتنكر
مضى لا مضى إلاَّ على عفور ربه / ومسرح جنات ومورد كوثر
فهل وَدَّعَتْه المشرفيّة والقنا / وناحت عليه البيض في كل محضر
لِمَن ترك الخيل الجياد كأنها / عرائس ما زُفَّت لغير مظفر
صواهل يعشقن الطراد بموقف / تبيع الردى فيه الكماة وتشتري
دعوناه للجدوى مراراً فلم يجب / دعاءً لنا عن عزّة وتكبّر
وكان من الداعي بمرآى ومسمعٍ / وفي منظر مما يروق ومخبر
قريب من الحسنى مجيب لمن دعا / زعيم بأخذ الفارس المتجبر
تراه سلانا بعد هذا بغيرنا / بأرغد عيشٍ أم بأكرم معشر
ألم يَدْر أنَّ المُلك أُهمل بعده / ليس سوى فهد له من مدبر
وأنَّ بني العلياء ضاقت صدورها / لفقدان ذاك السيّد المتصدر
ومن نَظَرَ الأيام معتبراً بها / رآها بعين الذاهل المتحير
تحذّرنا صرف المنون نزولها / وتنذرنا في كلّ يوم بمنذر
ونغتر بالآمال لا في سرابها / شراب ولا منها ورود لمصدر
ونبكي على الدنيا على غير طائل / وما أحدٌ من أهلها بمعمَّر
نؤمّل فيها أنْ يدومَ لنا بها / حياة وما دامت لكسرى وقيصر
ونطمع منها بالمحال ولم تكن / أمانيُّنا إلاَّ أحاديث مفتري
وهذي هي الآجال قد قُدّرت لنا / ولم يَنَل الإنسان ما لم يُقدَّر
ولا بد أن يُمشى بنا فوق أرْبَعٍ / إلى حفرة لا مشيةَ المتبختر
ولو أننا كنّا بقصرٍ مشيّدٍ / وحصنٍ حصينٍ بالحديد مسوّر
وإنَّ المنايا كائناتٌ لوقتها / إذا قُدّمت للمرء لم تتأخر
ولا وَزَرٌ مما قضى الله عاصم / ولا يتّقى منه بدرع ومغفر
على أنها الدنيا إذا ما صفا لنا / بها العيش شابت صفوَه بمكدّر
ومن ترك الدنيا رآها بعينه / قصاصة ثوب أو قلامة أظفُر
شرب القوم من لماك عقاراً
شرب القوم من لماك عقاراً / فهمُ اليوم في هواك سكارى
وتجلّى لهم جبينك كالصبح / فراحت به العقول حيارى
قَلَّدَتْك الجفون سيفاً صقيلاً / ومن القدّ ذابلاً خطارا
يا لها من لواحظ في فؤادي / هي أمضى من الحسام غرارا
يا غني الجمال عن كل حسن / لست أشكو إلاَّ إليك افتقارا
سائلينا يا ميّ ما صنع الحبّ / فقد جاور الحدود وجارا
في سبيل الهوى حشاشة صبٍّ / صيرتها حرارة الوجد نارا
ملكت رقة الحسان وأضحت / بهواها تستعبد الأحرارا
لا أقرّ الندى عيون ظباءٍ / أعْدَمتْنا يوم الفراق القرارا
من مجيري من لوعة وغرام / تركتني أُعالجُ الأفكارا
ودموعاً يذيلها ألَم البين / وقلباً من بعدهم مستطارا
ساعداني على الغرام فهذا ال / وجد لم أستطع عليه اصطبارا
وأنشدا لي قلباً مضى أثر الرك / ب وقولاً عن ركبهم أين سارا
آل ميّ وللمحبّ حقوق / هل عَرَفْتُم من بعدهن الذمارا
ما رعيتم حق الجوار لصبٍ / ظَلَّ يرعى ذِمامَكم والجوارا
واصطفى قلبه هواكم ولإنْ كا / ن كما قيل صفوُهُ أكدارا
كم دموع قد أطلق الوجد منّا / وقلوب بالرقمتين أسارى
باكرتها الصّبا صباحاً فجاءت / تحمل الزند عنهم والعرارا
بَلِّغينا يا ريحُ أنفاس أرضٍ / طالما قد خَلَعْتُ فيها العذارا
ووهبنا منه العقول عقاراً / أدركتْ من حوادث الدهر ثارا
أطلعت أكؤس السقاة شموساً / يستحيل الظلام منا نهارا
تحسب الكأس والحباب عليه / فلكاً في نجومه دوّارا
كم تبدّت لنا بوجه مليح / جنّةً تدخل المحبَّ النارا
وكأنَّ النجوم طرف حسود / قد رأى طلعة الصباح فغارا
إذ تجلّى كأنّه ظُلمة الشّعر / تبدّى على نحور العذارى
وعلى هذه اللذائذ مرّت / واستمرَّت أوقاتها استمرارا
أفيقضى لها بردٍ فأقضي / من ليالي أيّامها أوطارا
قوضّي للمسير أيّتها النوق / وجوبي مهامهاً وقفارا
أهبوب النسيم ذكّرك الحيّ / وأذكى منك الجوى تذكارا
وادكرتِ الأطلال حياً فأرسل / ت عليه من الدموع الغزارا
والهوى للنفوس لا زال كالريح / يذيع الأشجان والأسرارا
وكأنّي أرى هواك وإن لم / تظهريه إلى الحمى إقرارا
لا سقاك الحيا إذا أنت حاولت / سوى ربع محمود دارا
آية الله يفحم الله فيه / كلّ من كانَ فاجراً كفارا
يذهل الفكر بالمعاني وبالخطّ / يروق العيون والأبصارا
راكب من سوابق العزم خيلاً / أمِنَتْ في سباقهن العثارا
أظهر المعجزات في العلم حتَّى / كانَ منها الحسودُ أنْ يتوارى
حجج تلزم الجحود فما يقدر / يوماً لشمسها إنكارا
قلّد الله ديننا بشهاب ال / دين سيفاً مهنداً بتارا
فحقيق لمثل بغداد أن تفخر / فيه وتفضل الأمصارا
يا أبا عبد الله قد نلت عزاً / كانَ ذلاً على عداك وعارا
كل من نال غير ذاتك فضلاً / كانَ حلياً من غيره مستعارا
كلما زدت بالعلوم اطّلاعاً / زادك الله رفعة ووقارا
وإذا طاولتك أبواعُ قوم / أصبحتْ عن مدى علاك قصارا
أنتَ في العلم واحدٌ لا يسا / ووك مقاماً ورتبة وفخارا
هل تنوب العصيّ عن مضرب / السيف وتغني عن العقاب الحبارى
فإذا قيست الأكابر في عليا / ك كانوا كما عَلِمْتَ صغارا
أعجز الخلق ما صنعتَ إلى أنْ / علموا أنك الَّذي لا يجارى
وبتفسيرك الكتاب الَّذي أوضح / ت فيه من العلوم منارا
قد حلا لفظه وراق فهل / كنت من الشهد لفظه مشتارا
ومبانيه تملك اللبّ في الحسن / بلاغاً وحكمة واختصارا
كم رموزٍ كشفتها بذكاءٍ / كاشف عن دقيقها الأستارا
بتصانيفك الَّتي الهدي فيها / قد ملأت الفجاجَ والأقطارا
فإذا كنت أكبر الناس قدراً / ما لنا لا نرى بك استكبارا
أنت معنىً كُوِّنْتَ في خاطر ال / دهر إلى أن برزَت منه ابتكارا
وكأنَّ الزمان أذنبَ حتَّى / بك قد جاءنا الزمان اعتذارا
فتنقلت في مناصب مجد / وكذا البدر لم يزل سيارا
صرت تاجاً على رؤوس المعالي / وأرى المجدَ حيثما صرت صارا
مالكي في جمال برّ سجايا / أعْوزَتْنا الأشباه والأنظارا
حيث لم أستطع مكافاتك الفض / ل بشيء أنْشَدْتُك الأشعارا
وقليل لك المديح وإنْ كنتُ / بمديحك شاعراً مكثارا
لا عدمنا على دوام الليالي / طلعةً منك تخجل الأقمارا
لِيَهْنِك يا نحير أهلِ زمانِهِ
لِيَهْنِك يا نحير أهلِ زمانِهِ / ويا كاملاً عنه غدا الطرف قاصرا
يا منبعاً للجود والفضل والندى / ومن لم يزل بحراً من العلم زاخرا
ويا من يحلّ المشكلات بذهنه / وأفكاره رأياً تحير البصائرا
بطفل زكيّ قد أتاك وإنّما / يضاهيك بالأخلاق سرًّا وظاهرا
وبشرتني فيه فقلت مؤرخاً / بمولد عبد الله نلت البشايرا
رمى ولم يَرْم عن قوسٍ ولا وتر
رمى ولم يَرْم عن قوسٍ ولا وتر / بما بعينيه من غَنْج ومن حَوَر
مؤنَّث الطَّرف ما زالت لواحظه / تسطو وتفتك فتك الصَّارم الذكر
مهفهفُ القدِّ معسول اللّمى غنج / أقضي ولم أقضِ منه في الهوى وطري
ما لي بمقلة أحوى الطرف من قبلٍ / مؤيّد بجنود الحسن منتصر
يعطو إليَّ بجيد الظبي ملتفتاً / تلفُّتَ الظبي من خوفٍ ومن حذر
وكلَّما ماسَ قلت الغصن حرَّكه / ريح الصبا وهو في أوراقه الخضر
عجبت ممَّن قسا والعهد كانَ به / أرَقّ من نسمات الروض في السحر
أشكو إليه صباباتٍ أُكابدها / كأَنَّما رحتُ أشكوها إلى حجر
نيران خدَّيك ها قد أحرقت كبدي / يا جنَّةً أنا منها اليوم في سفر
إنْ لم تكن بوصالٍ منك تسعفني / فلا أقلّ من الإِسعاف بالنظر
جد لي بطيفك واسمح إن بخلت به / إنِّي لأقنع بعد العين بالأَثر
واذكر ليالينا الأولى ظفرت بها / والدهر يعجب والأيام من ظفري
تلذُّ لي أنت في سمعي وفي بصري / وما ألذّك في سمعي وفي بصري
حيث المسرَّة أفلاكٌ تدورُ بنا / والشَّمس تشرقُ ليلاً في يد القمر
في روضةٍ فَوَّفَتْ أيدي الرَّبيع لها / ما أبدعَ القطر من وشيٍ ومن حبر
والطّلّ في وجنات الزهر يومئذٍ / ما بين منتظم منه ومنتثر
ومن أحبُّ كما أهواه معتنقي / ومرشفي السّكَّر المصريّ في السكر
إذا تبسَّم أبصرنا بمبسمه / ما أودع الله في الياقوت من درر
أخاف العيون صباح الغرق تنظره / حتَّى تعوَّذ بالأَصداغ والطرر
أَطِلْ حديثك في قدٍّ فتنت به / وإنْ ذكرت حديث الخصْر فاختصر
يقولُ لي في تثنِّيه مفاخرةً / البانُ من شجري والورد من ثمري
يا قاتل الله غزلان الصَّريم فما / أبقَتْ وقد نفرت صبراً لمصطبر
وما لأعينهنَّ النّجل حين رَنَتْ / أصَبْنَ قلبي وما الجاني سوى نظري
وقفت منهن والأَشجان تلعب بي / في موقف الربع بين الخوف والخطر
وبي من النافر النائي بجانبه / صبابة تعلق الأَجفان بالسهر
عهدي بها ورداء الوصل يجمعنا / والوصل يذهب طول اللَّيل بالقصر
لو يرقب الواشي يخشى من تطلّعه / ما أوْلَعَ الدهر بالتبديل والغير
تركتني ولكم مثلي تركت لقًى / فريسةً بين الخطب والظفر
هيَّجت أشجان قلبي فانتدبت لها / بكل منتدب للشجوِ مبتدر
إنَّ السَّلامة في سلمان من كدرٍ / يجني عليَّ ومن همِّي ومن فكري
يَسُرُّ نفسي ويقضي لي مآربها / بنائلٍ من ندى كفَّيه منهمر
تالله ما أبصرت عيناي طلعته / إلاَّ وأَيْقَنْتُ أنِّي بالنّوال حري
توقُع الرَّوض ما تسديه غادية / أناخ كلكلها ليلاً بذي بقر
إذا استقلت تراءى من مخايلها / مبشّر الوارد الظَّمآن بالغدر
أصبحتُ من يده البيضاء في دَعَةٍ / وحسن أنظاره في منظرٍ نضر
كأَنَّما أنا من لألاء غرَّته / في روضةٍ باكرتها المزن بالمطر
تهُبُّ منه رياح اللّطف عاطرة / من طيِّبٍ عطرٍ عن طيّب عطر
أمْعِنْ بدقَّة معنى ذاته نظراً / وانظر بعينيك واستغن عن الخبر
أغَظْتُ في مدحه قوماً بقافيةٍ / عن المقيمِ تجوب الأرض في سفر
وحاسداً قصرت أيدي المنال به / كمفلس الحيِّ رامَ اللّعب بالبَدرِ
تسُرُّ قوماً وأقواماً تغيظهم / والشُّهب ترمي ظلام اللَّيل بالشرر
كالرَّاح تسري إلى الأَرواح نشوتها / فالرُّوح في خفَّةٍ والجسم في خدر
هم الذين أراشوني بنائلهم / لولاهمُ الآن لم أنهض ولم أطر
المطلقون لساني بالثناء على / تلك الشمائل بعد العيِّ والحصر
بيض تضيء بنو الله أوجهُهُم / في حندسٍ من ظلام الخطب معتكر
النافعون إذا عاد الزَّمان على / بنيه في السَّاعة الخشناء بالضَّرر
تقوى على أزمات الكون أنفسهم / وليس تقوى عليها أنفسُ البشر
فيا لك الله سادات إذا افتخرت / كانت هي المفخر الأَسنى لمفتخر
لا تذكر الناسَ في شيءٍ إذا ذكروا / كاليمِّ يقذف بالأَلواح والدسر
يا أيُّها الدهر يأتينا بهم نسقاً / هل جئت منهم بمعنى غير مبتكر
ويا معاني المعالي من شمائلهم / لقد برزت لنا في أحسن الصُّور
دع ما تقول البرايا في مناقبهم / فكيف قولك بالآيات والسُّور
سرٌّ من الله إلاَّ أنَّ نورهم / في الخافقين وما صبحٌ بمستتر
عَلَوا على الناس إعلاناً فقلتُ لهم / بالله أُقسم لا بالركن والحجر
لأنتم النفر العافون من مضر / بوركتم نِفر السَّادات من نفر
أنتم لنا وَزَرٌ من كلِّ نائبةٍ / ونِعْمَ مدَّخرٌ أنتم لمدّخر
مولاي أصبحتُ والأيام مقبلة / وأنت في عنفوان العزّ والعمر
إنِّي لأرقبُ وعداً منك منتظراً / ووعد غيرك عندي غير منظر
فاسلمْ ودمْ في سرورٍ لا فناء له / باقٍ على أبَدِ الأَزمان والعصر
سرَيْنا لنمحو الإِثم أو نغنم الأَجرا
سرَيْنا لنمحو الإِثم أو نغنم الأَجرا / لزورة من تمحو زيارته الوِزْرا
وسارت وقد أرخى علينا الدُّجى سترا / بنا من بنات الماء للكوفة الغرَّا
سبوحٌ سرت ليلاً فسبحان من أسرى /
تخيَّرتها دون السَّفائن مركبا / وأعْددْتُها للسَّير شرقاً ومغربا
فكانت كمثل الطَّير إنْ رمت مطلبا / تمدّ جناحاً من قوادمه الصّبا
تروم بأكناف الغريّ لها وكرا /
وكانت تُحلَّى قبل هذا تجمُّلا / وقد غذيت فيما أمرَّ وما حلا
أظنّ على فقد الشَّهيد بكربلا / كساها الأسى ثوب الحداد ومن حُلى
تجمّلها بالصبر لاعجها أعرى /
إلى موقفٍ سرنا بغير توقّف / يزيد بكائي عنده وتلهُّفي
ولما تجارينا بفلك ومدنف / جرت وجرى كلٌّ إلى خير موقف
يقول لعينيه قفا نبك من ذكرى /
ترامت بنا فلك فيا نعم مرتمى / إلى دُرَّةِ الفخر الَّتي لن تقوّما
فخضنا إليه والبحر قد طمى / وكم غمرة خضنا إليه وإنَّما
يخوض عباب البحر من يطلب الدُّرَّا /
إلى مرقد يعلو السّماكين منزلا / وقد نالَ ما نال الصراح من العُلى
نسير ولا نلوي عن السَّير معدلا / نؤمُّ ضريحاً ما الضراح وإنْ علا
بأَرفعَ منه لا وساكنه قدرا /
فزوج ابنة المختار كانَ غضنفرا / علا وارتضته الطهر من سائر الورى
أتعرف من هذا الَّذي طال مفخرا / هو المرتضى سيف القضا أسدُ الشرى
عليّ الذرى بل زوج فاطمة الزهرا /
عيون الورى إنْ لاحظت منه كنهه / ترد عن التشبيه حسرى فينتهوا
وإن مقاماً لا ترى العين شبهه / مقام عليٍّ كرَّم الله وجهه
مقام عليٍّ ردَّ عين العُلى حسرى /
لقد صيَّر الغبراءَ خضراءَ قبرُه / وأشرقَ فيها في الحقيقة بدره
وقد وافق الإِعجاز لله درّه / أثيرٌ مع الأَفلاك خالف دوره
فمن فوقه الغبرا ومن تحته الخضرا /
أحاطَ بنا علماً فليت سليقة / تفيد علوماً عن عُلاه دقيقة
مجازاً وقد جزنا إليه طريقة / أحطنا به وهو المحيط حقيقة
بنا فتعالى أن نحيط به خُبرا /
فطفْ في مقام حلَّ فيه ولبّه / ترى العالم الأَعلى حفيفاً بتربه
فكالمسجد الأَقصى وأيّ تشبّه / تطوفُ من الأَملاك طائفة به
فتسجد في محراب جامعه شكرا /
فأثنى عليه من علا مثل من دنا / وكلٌّ بما أثنى أجادَ وأحسنا
فخرب من الدانين إذ ذاك أعلنا / وحزب من العالين يهتف بالثنا
عليه بوحيٍ كدْتُ أسمعه جهرا /
حججنا إلى بيت علا بجانبه / عشيَّة آوينا إلى باب غابه
ومن قد سمت أركان كعبتنا به / جديرٌ بأن يأوي الحجيج لبابه
ويلمس من أركان كعبته الجدرا /
فيوض علوم الله من قدم حوى / فقسّم منها ما أفاد وما احتوى
ومن قبل ما يثوي ومن بعد ما ثوى / حريٌّ بتقسيم الفيوض وما سوى
أبي الحسنين الأَحسنين به أحرى /
ظللنا وكم جان لديه ومذنب / وذي حاجة منَّا وصاحب مطلب
يقبّل والأَجفان تهمي بصيّب / ثرًى منه في الدُّنيا الثراء لمترب
وللمذنب الجاني الشَّفاعة في الأخرى /
خدمنا أمير المؤمنين بموطنٍ / نعفّر فيه الوجه قَصْدَ تيمُّنِ
ويخدم قبر المرتضى كلٌّ مؤمنٍ / بأهداب أجفانٍ وأحداق أعينِ
وحرّ وجوه عفَّرتها يد الغبرا /
أزلنا غباراً كانَ في قبر حيدر / فلاح كغمد المشرفيِّ المشهر
ولا غروَ في ذاك المكان المطهر / أمطنا القذى عن جفن سيف مذكر
أجلّ سيوف الله أشهرها ذكرا /
تبدَّى سنا أنواره وتبيَّنا / غداة جلونا قبره فتزيَّنا
فحيَّر أفهاماً وأبهرَ أعيُنا / فوالله ما ندري وقد سطع السَّنا
جلينا قراباً أمْ جلونا قبرا /
من أبي الهدى لاح فينا مظهرْ
من أبي الهدى لاح فينا مظهرْ / فَتَجلّى لنا بنورٍ أزهرْ
هو كالبحر إنْ تَرِدْه تراه / معدن الدرّ بل مقرّ الجوهر
عُدم الفضل من تباعد عنه / ذاك في الغيّ قد أبى واستكبر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025