القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 34
يا جَنّةَ الوصْلِ التي
يا جَنّةَ الوصْلِ التي / حَفّتْ بها نارُ الصّدودِ
مَن لي بريَّاكِ التي / فُتِقَتْ بريحانِ الخلودِ
ومُجاجَةٍ شَهْدِيّةٍ / تُجْنى من البَرَدِ البَرُودِ
وارحمتا وأنا العُبَيْ / دُ من الهوى لِشَجٍ عميدِ
يَرْمي ولكن لا يَفي / برمايةِ الغَرَضِ البعيدِ
من للمقيمِ على الصّعي / د إلى الغزالَةِ بالصعودِ
هفا القلبُ عن وَصلِ هِيفِ القدودِ
هفا القلبُ عن وَصلِ هِيفِ القدودِ / وماءُ الصِّبا مُورِقٌ منه عُودي
فُطِمْتُ ولي وَلَعٌ بالعُلى / أُجاري الصِّبا في مداها المديدِ
وما زلْتُ وطئاً فُوَيْقَ السِّماك / إلى قُطْبِها ناظراً في صعودِ
وما يُورِدُ الشيخَ إلّا الَّذي / تلوحُ شمائِلُهُ في الوليدِ
حفظتُ الدُّمَى لهوى دُمْيَةٍ / ويُحْفَظُ للبيتِ كلّ القَصيدِ
ولكنْ رأيتُ العلى ضَرّةً / تُنَافِرُ كلّ فتاةٍ خرودِ
فثُرتُ وثارتْ معيْ هِمّةٌ / قيامي لَها فارعٌ مِنْ قعودِ
وما نَوّمَتْ عَزْمَتي بلدةٌ / تُنَبّهُ في الغمر عَجْزَ البليدِ
ولا طَفْلَةُ العيش وهنانَةٌ / أروجٌ بنفحَةِ مِسْكٍ وعودِ
تُوَدِّعُ للبينِ كفّاً بكَفٍّ / ونحراً بنَحرٍ وجيداً بجيدِ
ومَنْ يطلبِ المجدَ ينزلْ إلى / قَرَا النّهد عن نَهدِ عذراء رودِ
ويَرْمِ على الخوفِ عَزْماً بعَزْمٍ / وليلاً بليلٍ وبيداً ببيدِ
وللَّه أرْضي التي لم تَزَلْ / كناسَ الظّباءِ وغِيلَ الأسودِ
فمن شادنٍ بابليّ الجفونِ / نفورِ الوصالِ أنيسِ الصدودِ
يديرُ الهوى منه طرفٌ كليلٌ / يَفُلّ ذلاقةَ طَرْفي الحديدِ
ومن قَسْوَرٍ شائِكِ البُرْثُنَينِ / له لِبْدَةٌ سُرِدَتْ من حديدِ
يصولُ بمثلِ لسانِ الشُّوَاظِ / فيولِغُهُ في نجيعِ الوَريدِ
زبانيَةٌ خُلِقُوا للحروبِ / يَشُبّونَ نيرانَها بالوقودِ
مساعِرُهُمْ مُرْهَفَاتٌ بُنِينَ / لهدّ الجماجمِ من عَهدِ هودِ
همُ المخرجونَ خبايا الجسومِ / إذا ضَرَبُوا بِخَبايا الغُمودِ
همُ المائِلونَ على الحاقِدينَ / صدورَ رماحِهمُ بالحقودِ
نُجومٌ مَطالِعُها في القَنا / ولكنْ مغاربُها في الكُبودِ
تخطّ الحوافرُ من جُرْدِهِمْ / محاريبَ مبثوثَةً في الصَعيدِ
تَخِرّ رؤوسُ العدى في الوغَى / لها سُجّداً يا لَه مِن سُجودِ
وبَرْقٍ تألّقَ إيماضُهُ / كَخَفْقِ جناحِ فؤادٍ عميدِ
يريكَ التِواءَ قسيّ الرماةِ / إذا ما جُذِبْنَ بنَزْع شديدِ
سَقَى اللَّه مِنهُ الحمى عارضاً / يُقَهْقِهُ ضاحكُهُ بالرعودِ
مَكَرَّ الطرادِ وثَغْرَ الجهادِ / ومجْرَى الجيادِ ومَأوَى الطريدِ
بحيثُ تقابلُ شوساً بشوسٍ / وغرّاً بغرِّ وصِيداً بصيدِ
وأجسامُ أحيائهمْ في النّعيمِ / وأرواحُ أمواتِهِمْ في الخُلودِ
حَسّنْ غِذاءَكَ واعتمدْ
حَسّنْ غِذاءَكَ واعتمدْ / منه على وقتٍ وحَدْ
فالنّفسُ تهزل بالمَآ / كلِ كلّما سَمِنَ الجَسَدْ
نَثَرَ الجوُّ على الأرْضِ بَرَدْ
نَثَرَ الجوُّ على الأرْضِ بَرَدْ / أيّ دُرٍّ لنحورٍ لو جَمَدْ
لؤلؤٌ أصْدافُهُ السُّحْبُ التي / أنْجَزَ البارقُ منها ما وَعَد
منحتْهُ عارياً من نَكَدٍ / واكتساب الدُّرّ بالغَوصِ نَكد
ولقد كادَتْ تعاطَى لَقْطَهُ / رغبةً فيه كريماتُ الخُرُد
وتحلّي منهُ أجياداً إذا / عَطِلَتْ راقَتكَ في حَلي الغَيَد
ذَوّبَتْهُ من سماءٍ أدْمُعٌ / فَوْقَ أرْضٍ تتلقاهُ بِخَد
فَجَرَتْ منهُ سيولٌ حولَنا / كثعابين عجالٍ تَطّرِد
وترى كلّ غديرٍ مُتئقٍ / سَبَحَتْ فيه قواريرُ الزّبَد
من يعاليلَ كبيضٍ وُضِعَتْ / في اشتباكِ الماءِ من فوقِ زَرَد
أرّقَ الأجفانَ رعدٌ صوتُهُ / كهديرِ القَرْمِ في الشّوْلِ حَفَد
باتَ يَجتابُ بِأَبكارِ الحيا / بلداً يُرْويهِ مِنْ بَعْدِ بَلَد
فَهوَ كَالحادي رَوايا إن وَنَتْ / في السُّرَى صاحَ عَليها وجَلَد
وكأنّ البرقَ فيها حاذفٌ / بضرامٍ كلّما شَبّ خَمَد
تارةً يخفو ويَخفى تارَةً / كحسامٍ كلّما سُلّ غُمِد
يَذْعَرُ الأبْصارَ محمرّاً كما / قَلَبَ الحملاقَ في اللّيلِ الأسَد
وعليلِ النّبْتِ ظمآنِ الثرى / عرّج الرّائدُ عنه فزهد
خَلَعَ الخصبُ عليه حُلَلاً / لبديع الرقمِ فيهنّ جُدُد
وسَقاهُ الريَّ من وكّافَةٍ / فَتَحَ البرقُ بها اللّيلَ وسَد
ذاتِ قطرٍ داخلٍ جَوْفَ الثرى / كَحياةِ الروحِ في مَوتِ الجَسَد
فتثنَّى الغصنُ سكراً بالنّدى / وتغنّى ساجعُ الطيرِ غَرد
وكأنّ الصبحَ كَفٌّ حَلّلَتْ / من ظلامِ اللّيلِ بالنورِ عُقَد
وكأنّ الشمسَ تجري ذهباً / طَائراً في صَيدِهِ من كلِّ يَد
خَطْبٌ يهزّ شواهقَ الأطوادِ
خَطْبٌ يهزّ شواهقَ الأطوادِ / صَدَعَ الزّمانُ به حصاةَ فؤادي
ومصيبةٌ حَرُّ المصائب عندها / بَرْدٌ بِحُرْقَتِها على الأكبادِ
وكأنّما الأحشاءُ من حَسَراتِها / يُجْذَبْنَ بينَ براثِنِ الآسادِ
كُبَرُ الدّواهي رَحّلَتْ بحلولها / قَرْماً لقد قَرَعَتْ قريعَ أعادي
سكنتْ شقاشِقُهُ وكان هديرُهُ / يستكّ منه مسامعُ الحسّادِ
وكأنّما في الترب غَيّضَ غيضها / لَحْداهُ وَرْداً عن وُرودِ صَوَادِ
نُحِرَتْ شؤوني بالبكاءِ عليه أمْ / عُصِرَتْ مدامعها من الفِرْصادِ
لم أنْتَفِع بالنفسِ عندَ عزائها / فكَأَنّها عينٌ بِغيرِ سوادِ
هَذا الزَمانُ على خَلائِقِه الَّتي / طَوَتِ الخلائقَ من ثمودَ وعادِ
لم يبق منهم من يَشُبّ لِقَرّهِ / بيَدَيهِ سِقْطاً من قداحِ زنادِ
يَفْنى ويُفْني دهرُنا وصروفه / من طارقٍ أو رائحٍ أو غادِ
فكأنّ عينك منه واقعةٌ على / بطَلٍ مُبِيدٍ في الحروب مُبَادِ
والناسُ كَالأحلامِ عندَ نواظرٍ / تَرنو إِلَيهمْ وهي دارُ سهادِ
سَهَرٌ كرى مُقَلٍ تخافُ من الرّدى / للخوْفِ هَجْرُ الطيرِ ماءَ ثمادِ
والعُمرُ يُحْفَزُ بينَ يوْمٍ سابقٍ / لا يستقِرّ وبين يومٍ حادِ
دنيا إلى أُخرى تُنَقِّلُ أهْلَها / هل تُتْرَكُ الأرواحُ في الأَجسادِ
وكأنّهنّ صوارمٌ ما فعلها / إلّا مِنَ الأَجسامِ في أغمادِ
حتى إذا فُجِعَتْ بها أشْباحُها / بَقِيَتْ لِفَقدِ حَياتِها كَجمادِ
والموتُ يُدْرِكُ والفرار مُعقِّلٌ / من فرّ عنه على سَرَاة جوادِ
ويَنَالُ ما صَدَعَ الهواءَ بخافقٍ / موتٌ ومن قَطَع الفَلا بِسُهادِ
ويسومُ ضيماً كلَّ أعصمَ شاهقٍ / ريبُ المنون وكلَّ حيَّةِ وادِ
وهِزبرَ غابٍ يحتمي بمخالبٍ / يُرْهَفْنَ من غيرِ الحديدِ حِدادِ
يَسري إِلى وَجهِ الصباحِ وإنّما / مصباحُهُ من طَرْفِهِ الوقّادِ
أوَ لا ولم يُبَلِ الحِمامُ بشبلهِ / وعنادُهُ بالدلّ غيرُ عِنادِ
وأخو الهدايةِ راحلٌ جَعَلَ التّقى / زاداً له فَتُقَاهُ أفضلُ زادِ
أنا يا ابن أختي لا أزالُ أخا أسىً / حتى أُوَسَّدَ في الضّريح وِسادي
إنّي امرؤٌ ممّا طُرقت مُهَيّدٌ / بفراقِ أهْلي وانْتزاحِ بلادي
أَودى الغريبُ بعلِّةٍ تعتادُهُ / بالكَربَ وهيَ غَريبَة العوّادِ
أمَلٌ وعِدت بهِ وأَوعدَني الرّدى / فَبِهِ يُجَذّ الوعدُ بالإِيعادِ
حيٌّ ومَيْتٌ بالخطوب تباعَدا / شَتّانَ بينَ بِعادِهِ وبِعَادي
نعيٌ دُهيتُ به فمتّ وإنْ أعِشْ / خَلْفَ المَنون فلَم أَعِش بِمُرادي
ما ثُلّمَ السيفُ الذي جَسَدُ الثرى / أمْسَى له جفناً بِغَيرِ نِجادِ
عَضْبٌ يكون عتادَ فارسِهِ إذا / ما سلّهُ والعضبُ غيرُ عَتادِ
قد كان في يُمْنَى أبيه مصمّماً / يعتدّهُ يومَ الوغى لِجِلادِ
أَعزِزْ علَيَّ بِرَونقٍ يبكي دماً / بِتَواتُرِ الأَزمانِ والآبادِ
وأقول بَدْرٌ دبّ فيه مُحاقُهُ / إنّ الكمال إِلَيه غَيرُ مُعَادِ
إن غابَ في جَدَثٍ أنارَ بنورِهِ / فَبِفَقْدِ ذاك النورِ أظْلَمَ نادي
واستَعذَبته المُعضلاتُ لأنّها / مستهدفاتُ مقاتِلِ الأمجادِ
لو أخّرَتْهُ منيَّةٌ لتقدّمَتْ / في الجود همّتُهُ عَلى الأَجوادِ
ولَكانَ في دَرْسِ العلومِ وحِفظِها / بَينَ الأَفاضلِ مبدأَ الأعدادِ
إنّ المَفاخِرَ والمحامدَ سِرّها / لِذَوي البَصائر في المَخايِلِ بادِ
زَيْنُ الحُضورِ ذَوي الفضائِلِ غائِبٌ / يا طولَ غيبةِ مُعْرِضٍ مُتَمَادِ
هلَّا حَمَتْهُ عناصِرُ المَجدِ الَّتي / طابَتْ مِنَ الآباءِ والأَجدادِ
ومكارمٌ بُذِلَتْ لِصَونِ نُفوسهِم / معدودةٌ بالفضلِ في الأَعدادِ
ونجابةٌ وَقْفٌ عَلَيهم فضلُها / مَنقولةٌ منهم إلى الأولادِ
مِنْ مُعْرِقِ الطرَفَينِ مرْكزُ فَخرِهِ / بيتٌ سماءُ عُلاهُ ذاتُ عِمادِ
المُنفِقونَ بِأَرضِهمْ أعمارَهُمْ / ما بين غزوٍ في العِدى وجِهادِ
أذْمارُ حربٍ في سماءِ قتامِهِمْ / شُهُبٌ طوالع في القَنَا المَيّادِ
وبَوارِقٌ تَنسَلُّ مِنْ أجْفَانها / ورقٌ لزرعِ الهامِ ذاتُ حصادِ
فزعَ الصريخُ إليهمُ مُستَنجِداً / فبهم ومنهم شوكة الأنْجَاد
أُسْدٌ لَبُوسُهُمُ جلودُ أراقمٍ / بُهِتَتْ لرؤيتها عيونُ جَرَاد
يا عابِدَ الرَحمَنِ حسبُكَ رحمةً / وفّى لها بالعَهدِ صَوب عِهادِ
بِحَلاوَةِ اسمِك للمَنونِ مَرارةً / طُرِحَتْ بِعَذْبِ الوِرْدِ للورّادِ
إنّي أُنادي منكَ غيرَ مُجَاوِبٍ / ميتاً وعن شوقٍ إِلَيك أُنادي
في جَوفِ قَبرٍ مُفردٍ مِن زائرٍ / قبرُ الغريب يُخَصّ بالإِفرادِ
ما بينَ مَوْتى في صباحٍ عَرّسُوا / لإِعادةٍ بالبَعثِ يومَ مَعَادِ
بَينَ الألوفِ عَفِيّةً أَرسامُهم / ولِرَسمِهِ قبرٌ مِنَ الآحادِ
أوَ لم يَكُن بقراطُ دونَ أبيكَ في / داءٍ يُعادُ لَهُ المريضُ عِدادِ
وأدقّ منهُ فِكرَةً حسبيّةً / حكميَّةَ الإصدارِ والإيرادِ
هلَّا شَفَى سَقَماً فوقّفَ برؤهُ / موتاً تمشّى مِنكَ في الأبْرادِ
هيهاتِ كان مماتُ نفسكَ مثبتاً / بِيَدِ القَضاءِ عَلَيك في الميلادِ
قصَرَتكَ كالممدود قَصْرَ ضرورةٍ / وَعَدَتْكَ عن مَدّ الحياةِ عَوَادِ
وشَرِبتَ كأساً نَحنُ في إيراقها / إِذ أَنْتَ مِنها في طِويلِ رقادِ
وتَركتَ عِرْسَك وهيَ مِنكَ جنازةٌ / ولباسَ عرسك وهوَ ثَوبُ حِدادِ
أهْدَى إلَيك مكانَها حوريّةً / مُهْدٍ وذاك الفضل فَضْلُ الهادي
عِندي عَلَيك منَ البُكاءِ بِحَسْرَةٍ / ماءٌ لِنارِ الحزنِ ذو إِيقادِ
ونياحُ ذي كَمَدٍ يذوب بِهِ إِذا / رفع الرثاءُ عقيرةَ الإنشادِ
وتَخَيّلٌ يُحييكَ في فِكري فذا / مَسْعاكَ في بِرّي ومَحض وِدادي
قَد كَانَ عيدكَ والحَياة على شَفا / مِن قَطعِ عُمرِك آخرَ الأعيادِ
أَرثيكَ عَن طَبعٍ تَجَدْوَلَ بَحْرُهُ / بَعْدَ الغيَابِ وكَثرَةِ الأَولادِ
أَنا في الثَمانين الَّتي فَتَلَتْ بِها / قَيْدي الزمانةُ عِندَ ذلّ قِيادي
أَمشي دَبيباً كَالكَسيرِ وَأَتّقي / وثباً عليّ من الحِمام العادي
ذَبُلت منَ الآدابِ روضتيَ الَّتي / جُلِيَت نَضَارتها على الرُوَّادِ
لو كنتَ بعدي لافتدِيت بأنْفُسٍ / وبما حَوَت مِن طارِفٍ وتِلادِ
فَاصبِر أَبا الحَسَنِ احتِسابَ مُسَلِّمٍ / للَّه أمرَ خواتِمٍ ومَبَادي
فَلَقد عَهِدتُك والحوادثُ جَمّةٌ / وشدادُهُنّ عليك غيرُ شِدادِ
أوَ ليسَ إِبراهيمُ نجلُ مُحمَّدٍ / بالدَفنِ صار إِلى بِلى ونَفادِ
رَدّ النَبيُّ عَلَيهِ تُربةَ لَحدِهِ / بِيَدِ النُبوَّةِ وهيَ ذاتُ أَيادي
فَتَأسّ في ابنكَ بابنِهِ وَخِلالِهِ / تَسْلُكْ بأُسْوَتِهِ سبيلَ رَشادِ
نحنُ في جَنّةٍ نُباكِرُ منها
نحنُ في جَنّةٍ نُباكِرُ منها / ساحِلَيْ جَدْوَلٍ كسَيفٍ مُجَرّد
صَقَلَتْ مَتْنَهُ مداوسُ شمسٍ / مِن خِلالِ الغُصونِ صَقلاً مُجدَّد
ومُدامٍ تطيرُ في الصحنِ سُكراً / فتُحَلّ العقُودُ منها وتعقد
جِسمُها بالبَقاءِ في الدنِّ يَبلى / وقُواها مع اللّيالي تَجَدّد
وإذا الماءُ غاصَ في النّارِ منها / أخرجَ الدُّرَّ من حبابٍ مُنَضَّد
يا لها من عصيرِ أوّلِ كَرمٍ / سَكِر الدّنُّ منه قِدَماً وعَربَد
جنّةٌ مَجّتِ الحَيا إِذ سَقاها / مُصْلِحٌ من غَمَامِهِ غيرُ مُفسِد
قَد لَبِسنا غلائلَ الظِلّ فيها / مُعْلَماتٍ منَ الشعاعِ بِعَسجَد
ورَأَينا نارِنجَها في غُصونٍ / هَزّتِ الرّيحُ خُضْرَها فهيَ مُيّد
كَكُراتٍ مُحْمَرّةٍ من عَقيقٍ / تَدَّريها صوالِجٌ من زَبَرجَد
وَكَأنّ الأَنوارَ فيها ذُبَالٌ / بِسَليطٍ منَ النّدى تَتَوَقّد
وكأنّ النّسيمَ بالفرج يُفْشِي / بينَ رَوضَاتِها سرائرَ خُرّد
حَيثُ نُسْقَى مِنَ السُرورِ كُؤوساً / ونُغَنّى منَ الطُيورِ ونُنْشَد
ذو صفيرٍ مُرجَّع أو هديلٌ / أسَمِعْتُم عنِ الغَريضِ ومَعْبَد
شادِياتٍ تُمسي الغُصونُ وتُضحي / رُكّعاً للصَّبَا بِهِنَّ وسَجّد
كان ذا والزمانُ سَمْحُ السجَايا / بِبَوادٍ منَ الأَماني وعُوّد
والصِّبا في مَعاطِفي وكَأنِّي / غُصُنٌ في يدِ الصَّبا يَتَأَوَّد
ومُضمَّنٍ راحاً يشفّ زُجاجُهُ
ومُضمَّنٍ راحاً يشفّ زُجاجُهُ / عن ماءِ ياقوتٍ بدُرٍّ يُزْبِدُ
جامٌ يجمِّعُ شربُهُ لذّاتِنا / وعقولُنا بالسكر منه تُبَدّدُ
ويَخِفُّ مَلآناً ويثقُلُ فارغاً / كالجسم تُعدَمُ روحُهُ أو تُوجَدُ
لمّا رأَيتُ الصُّبحَ قد تَبدّى
لمّا رأَيتُ الصُّبحَ قد تَبدّى /
كَأَنَّه في الشّرْقِ سَيلٌ مَدّا /
وحاجبُ الجَوْنَةِ قد تَصَدّى /
شُهباً فَأَطبَقنَ عُيوناً رُمدا /
أَركَبتُ نَفسي شَوذَقاً مُعَدّا /
يَهدّ أركانَ الطيورِ هَدّا /
بِمِخلبٍ تُبصرُهُ مُسوَدّا /
كَأَنَّه من خِنْجَرٍ قَدْ قُدّا /
حِرصاً عَلى الصّيْدِ بنا في الرمدا /
في لَعِبٍ مِنكَ يُريكَ الجِدّا /
وفتيَةٍ يَكتَسِبونَ المَجدا /
ويَركَبونَ السّابحاتِ الجُرْدا /
ويَلبَسونَ مِنْ حديدٍ سَرْدَا /
ويُشرعون الذّابلاتِ المُلْدا /
ويَصرعونَ في الحُروبِ الأُسدا /
ويَقنِصونَ حُمُراً ورُبْدَا /
صَادوا وصَادوا ما يَجوزُ العَدّا /
فَمَن فتىً يَقْدَحُ مِنهُ زَنْدا /
وحاطبٍ طَلحاً لَهُ وَرَنْدا /
وَمشتَوٍ يوسعُ ناراً وَقْدا /
وفاتحٍ عن لذّةٍ ما سَدّا /
عَن ذَاتِ عَرْفٍ أعرَفَتهُ النّدّا /
ياقوتَةً تَلبَسُ دُرّاً عِقْدا /
مَطِيَّةً منَ السّرورِ تُحْدى /
بِمَسمَعٍ شَدواً يُثيرُ الوَجدا /
وقَد أُعيرَ مِن فَتاةٍ نَهدَا /
ومن قضيبٍ في كثيبٍ قَدّا /
فِعلُ الهَوى من ظَرفه مُعَدّى /
والوَردُ في وَجنَتِهِ مُندّى /
يَصونُ مِنهُ في لَماهُ شَهْدا /
عَيشٌ قَطَعتُ العَيشَ فيه رَغدا /
مُواصِلاً مِنهُ شَباباً صَدّا /
كانَ مُعاراً ثوبُهُ فَرُدّا /
هلْ أنتِ فاديَةٌ فؤادَ عميدِ
هلْ أنتِ فاديَةٌ فؤادَ عميدِ / من لوعةٍ في الصّدْرِ ذاتِ وَقُودِ
أم أنتِ في الفَتَكاتِ لا تخشَينَ في / قَتلِ العبادِ عُقوبةَ المَعبودِ
إِن كَانَ لا تَنبُو سُيوفُكِ عن حَشا / صَبٍّ فَلَيسَ حِدادُها بِحَديدِ
قُلْ كَيفَ تَعطِفُ بِالوِصالِ لِعاشِقٍ / من لا تجودُ له بِعَطْفَةِ جيدِ
لَو بِتّ مُغتَبِقاً مُدامةَ ريقِها / لَخَشيتُ صارمَ جَفنِها العِربِيدِ
إِن شِئتَ أن تَطْوي على ظَمَأٍ فَرِدْ / ماءَ المَحاسِنِ فَوْقَ وَجْنَةِ رُودِ
غيداءُ يُسقِمُ بالملاحةِ دَلُّهَا / جِسمَ العَميدِ كَذاكَ دلّ الغيدِ
كَتَبَتْ لها وَصلاً إِشارةُ ناظِري / فَمَحاهُ ناظِرُ طَرفِها بِصُدودِ
وَلَقَد يَهيجُ لِيَ البُكاءَ صَبابَةً / شادٍ مُطوَّقُ آلةِ التّغريدِ
باتَت سَواري الطَلِّ تَضرِبُ ريشَهُ / بجواهرٍ لم تَدْرِ سِلْكَ فريدِ
غَنّى عَلى عُودٍ يَميسُ بِهِ كَما / غَنّى التَقابُلَ مَعْبَدٌ في العُودِ
واللَّيل قَوّضَ رافِعاً من شَبهِهِ / بيضَ القبابِ على نَجائبَ سُودِ
والصبحُ يلقط من جُمَانِ نجومِهِ / ما كانَ في الآفاقِ ذا تَبديدِ
زُهْرٌ خَبَتْ أنوارُهَا فَكَأَنَّها / سُرُجُ المَشاكي عُولِجَت بِخُمودِ
كَأَزاهِرِ النُوّارِ تَقطِفُها مَهاً / مِن كُلّ مُخضرِّ البقاع مَجُودِ
كَأَسِنَّةٍ طَعَنَتْ بها فُرسانُها / ثُمَّ امتَسكنَ عَنِ القَنا بِكبودِ
كَعُيونِ عُشّاقٍ أبَاحَ لها الكَرى / مَنْ كان عَذّبَهُنّ بالتَّسهِيدِ
والصبحُ يبرقُ كرّةً في كرّةٍ / مِثلَ استلالِ الصارِمِ المَغمودِ
وَتَفرَّقَت تِلكَ الغَياهِبُ عَن سَنا / فلقٍ يُفَلّقُ هامَها بِعَمُودِ
إِنِّي خَبرتُ الدَّهر خُبْرَ مُجَرّبٍ / وكلمْتُ غاربَهُ بِحَمْلِ قتودِ
فالحَظّ فيهِ طَوْعُ كَفّيْ مُظْلِمٍ / بِالجَهلِ مِن نورِ العُلومِ بَلِيدِ
والحَمدُ في الأَقوامِ غَيرُ مُسَلّمٍ / إلّا لأحمدَ ذي العُلى والجُودِ
مَن لا يَجودُ على العُفاةِ بطارِفٍ / حَتّى يَجودَ عليهمُ بِتَليدِ
خَرَقَ العوائدَ منه خِرْقٌ سَيْبُهُ / ثَرُّ الغَمائِمِ مورقُ الجُلمودِ
يأوي إلى شَرَفٍ تَقَادَمَ بيتُهُ / أَزمانَ عادٍ في العلى وثَمودِ
مُتَردِّدٌ في سامِياتِ مَراتِبٍ / والبَدرُ في الأَبراجِ ذو تَغريدِ
كَالشَّمسِ يَبْعُدُ في السماءِ مَحَلُّها / وشُعاعُها في الأَرضِ غَيرُ بَعيدِ
يَلقى وُجوهَ المُعتَفينَ بِغُرّةٍ / بَسّامَةٍ ويدٍ تَسُحّ بِجُودِ
ما زال يشردُ عِرْضُهُ عن ذمّةٍ / وعَطاؤُهُ بالمَطلِ غَيرُ شَريدِ
في رَبعِهِ رَوضٌ مَرُودٌ خِصْبُهُ / أبداً مُصَاقِبُ مَنْهَلٍ مَورودِ
وكَأَنَّما لِلّيْلِ فيه مدارِجٌ / عِندَ التِقاءِ وفودِهِ بِوفودِ
سَبقَ الكِرامَ وأَقبَلوا في إِثرِهِ / كَسِنانِ مُطّرِدِ الكُعُوبِ مَديدِ
مُتَصرّفُ الكَفّيْنِ في شُغُلِ العُلى / لَم يَخلُ من بَذلٍ وَمِن تَشييدِ
والمجدُ لا تُعْلي يَداك بناءَهُ / إلّا بِمالٍ بِالنَدى مَهدودِ
يا ابن السيادةِ والرّياسةِ والعُلَى / وعظيمِ آباءٍ عظيمِ جُدودِ
خُذْهَا كَمُنتَظَمِ الجُمانِ غَرائِباً / تُرْوَى قَصيدَتُها بِكُلِّ قَصيدِ
نِيطَتْ عَلَيكَ عُقودُهَا وَلَطالَما / نُظِمَتْ لأَجيادِ المُلوكِ عُقودي
ولَمّا تَلاقَينا وأثْبَتَ عِندَها
ولَمّا تَلاقَينا وأثْبَتَ عِندَها / نُحولي وَتَبريحي مِنَ الحُبِّ ما عِندي
خَلَعنا عَلى الأَجيادِ أَطواقَ أَذرُعٍ / كَأَنّ لَنا رُوحَينِ في جَسَدٍ فَرْدِ
كَأنّ عناقَ الوَصلِ لاحَمَ بينَنَا / بِريحٍ ونَارٍ من زَفيري وَمِن وَجدي
وَلَمّا أَتاني الصبحُ ذُبْتُ ولم تَذُبْ / فَيا لَكَ مِن شَوقٍ خُصِصْتُ به وَحدي
وَرَاقِصَةٍ بِالسحرِ في حَرَكاتِها
وَرَاقِصَةٍ بِالسحرِ في حَرَكاتِها / تُقيمُ بِهِ وَزْنَ الغِناءِ عَلى حَدّ
مُنَغّمَةٌ أَلفاظَهَا بِتَرنُّمٍ / كَسا مَعبِداً مِن عِزِّهِ ذِلَّةَ العَبدِ
تَدوسُ قُلوبَ السامِعينَ برخْصَةٍ / بها لَقَطَتْ ما لِلُّحون مِنَ العَدِّ
بِقدٍّ يموتُ الغُصْنُ من حَرَكاتِهِ / سكوناً وأين الغُصْنُ من بَرَهِ القدّ
وَتَحسَبُها عمَّا تُشيرُ بِأَنمُلٍ / إِلى ما يُلاقي كُلَّ عُضوٍ مِنَ الوَجدُ
بِنا لا بِها ما تَشتَكي مِن جَوَى الهَوى / وأَدمُعِ أَشواقٍ مُخَدِّدَةِ الخَدّ
ومُودع في المَطايا لَسْعَةً حمَّةٍ
ومُودع في المَطايا لَسْعَةً حمَّةٍ / فَيُزعِجُ الروحَ تعذيباً مِنَ الجَسَدِ
يُغْشي السوامَ مَناقِيراً فَتَحسَبُها / مَباضِعاً مُدمِياتٍ كلَّ مُفتَصدِ
يَحُكّ من دَمِها القاني يداً بِيَدٍ / حَكّ الظَريفِ بِحنّاءٍ بَنانَ يَدِ
تَنَهّدَ لمّا عَنّ سِرْبُ النواهِدِ
تَنَهّدَ لمّا عَنّ سِرْبُ النواهِدِ / على بُعْدِ عَهْدٍ بِالصّبا والمَعاهِدِ
وَعَطْفُ قُلوبٍ من دُمَاها بِمَنطِقٍ / كَفيلٌ بِتأنيسِ الظباءِ الشوارِدِ
ذَكَرتُ الصبا والحانِياتِ عَلى الصبا / وهُنّ لأجسادِ الصّبَا كَالمَجاسِدِ
فبرّحَ بي شوقٌ إليها مُعَاوِدٌ / وناهيك من تبريحِ شَوقٍ مُعاوِدِ
عَلى حِينِ لَم أَركَبْ عِتاقَ صَبابتي / ولا ذُعِرَتْ في سِرْبِهنّ طَرائِدي
مَتى تَصدرُ الأَحلامُ من غَيرِ فِتنَةٍ / ومن غَرَضِ الأَحدَاقِ بيضِ الخرائِدِ
لَقَد رَادَني رَوضاً مِنَ الحُسنِ نَاظِري / فَلي مَحْلُ جِسمٍ جَرّهُ خِصْبُ رائِدي
وأَصبَحتُ مِن مِسكِ الذَوائِبِ ذَائِباً / أما يَقْتُلُ الآسادَ سَمُّ الأساوِدِ
وإنِّي لَذو قَلبٍ أَبِيٍّ حَملتُهُ / لِيَحمِل عَنّي مُثقلاتِ الشدائِدِ
فَلا غَروَ إِن لانَت لِظَبيٍ عَريكَتي / أَنا صائِدُ الضرغامِ وَالظبيُ صَائِدي
أَيا هَذهِ استَبقي عَلى الجِسمِ إِنَّني / كَثيرٌ سَقامي حَيثُ قَلَّت عَوائِدي
مُسَاءٌ بِبَينٍ فَرَّقَتنا صُروفُهُ / عَبادِيدُ إلّا في عُلُوِّ المَقاصِدِ
ظَلمنا المَطايا ظُلمَ أَيّامنا لنا / لِكُلٍّ عَلى الساري بِهِ صَدرُ حاقِدِ
تكَلِّفُنا الهمَّاتُ نَيلَ مُرادِها / وَمَن للمَطايا بِاتصالِ الفَراقِدِ
مَقاوِدُها تُفني قُواها كَأَنّها / مَكاحِلُ يَفنى كُحلُها بِالمَراوِدِ
ولَيلَةٍ أَعطَينا الحَشاشاتِ فَضلةً / مِنَ النوْمِ صَرْعَى بَينَ غُبْرِ الفدافِدِ
وقَد وَردت ماءَ الصباحِ بِأَعيُنٍ / نَوائِمَ في رَأيِ العيونِ سَواهِدِ
فَقُلتُ لأَصحابي ارفَعوا مِن صُدورِها / فَقَد رَفَعَ الإِصباحُ رايَةَ عاقِدِ
إِذا نَظمت شَملَ المُنى بِمُحَمَّدٍ / نَثَرنا عَلى عَليَاهُ دُرّ المَحامِدِ
وأَضحَت لَديهِ مُعتَقاتٍ وَمُتِّعَت / بِخُضرِ المَراعي بَينَ زُرقِ المَوارِدِ
هِمامٌ يَهُزّ الملكُ عِطفَيهِ كُلَّما / عَلا الناسَ مِنهُ كَعبُ أَروَعَ ماجِدِ
وأَكبَرُ يَأوي مِن ذُؤابَةِ يَعرُبٍ / إِلى ذَروَةِ البَيتِ الرّفيعِ القَواعِدِ
تَلاقَى المُلوكُ الغُرُّ حَولَ سَريرِهِ / فَمِن راكعٍ مُغضي الجُفونِ وساجِدِ
يَكُفُّونَ أبصاراً لهمْ عن سُميدِعِ / تديمُ إِلَيهِ الشمس نَظرَةَ حاسِدِ
إِذا اقتادَ جَيشاً ساطِعَ النَقعِ أَنذرتْ / طَلائِعُهُ جَيشَ العَدُوِّ المُكابِدِ
ومَن يَكُ بِالنصرِ العَزيزِ مُؤيَّداً / مِنَ اللَّه لا يَنصبْ حبالَ المَكايِدِ
ومُنغَمِسٍ في صِبغَةِ اللَّيل يَمْتَطي
ومُنغَمِسٍ في صِبغَةِ اللَّيل يَمْتَطي / إِلى آجَلِ الآسادِ قَيْدَ الأَوابِدِ
يُختِّمُ يُمناهُ قَبيعَةُ صَارِمٍ / لما قَد طَغى مِن سُنْبُلِ الهامِ حاصِدِ
يَكِرُّ فَكَم جِسمٍ عَلى الأَرضِ ساقِطٍ / صَريعٍ وَكَم روحٍ إلى الجوِّ صاعِدِ
وأُسْدٍ تصيرُ الأُسْدُ كالبَهْمِ عِندَها / إذا ما الظُّبى خَطّتْ رُبوعَ القلائِدِ
أطَلْتَ وقد حانَ الجلادُ سكونَها / بِقَولِكَ للأَبطالِ هَل مِن مُجالِدِ
وَرَدتَ فَكَم حَظٍّ مِنَ الفَضلِ باهِرٍ / لَدَيكَ وَكَم خَفضٍ مِنَ العَيشِ بارِدِ
ثَناؤُكَ في الآفاقِ أَركَبَني المُنَى / وَغَرّبَني عَنْ مَوْطِني المُتَباعِدِ
وقد قِسْتُ أعوامي الَّتي سَلفَت فما / وَفَيْنَ بِيَومٍ مِن لِقائِكَ واحِدِ
أنْكَرَتْ سُقْمَ مُذابِ الجَسَدِ
أنْكَرَتْ سُقْمَ مُذابِ الجَسَدِ / وهوَ مِن جِنسِ عُيونِ الخُرُدِ
وَبَكَتْ فَالدَّمْعُ في وَجنَتِها / كَجُمانِ الطلِّ في الوردِ النَدي
ما الَّذي يُبْكي بِحُزنٍ ظَبيةً / فَتَكَتْ مُقلَتُها بِالأُسدِ
والظباءُ الحُورُ إِمّا قَتَلَتْ / لَحَظاتُ العَينِ مِنها لا تَدِي
غادَةٌ إِن نيطَ مِنها مَوعِدٌ / بِغَدٍ فَرَّ إِلى بَعدِ غَدِ
هَكَذا عِنديَ يَجري مَطْلُهَا / بِخِلافٍ عندها مُطَّردِ
وهيَ مِن عُجْبٍ وَمِن تيهٍ لَها / كبدٌ تُرحمُ منها كبدي
ذَاتُ عَينٍ بِالهَوى نَابِعَةٌ / ضَلّ في الحُبِّ بِها مَن يَهتَدي
وهيَ نَجلاءُ حَكاها سِعَةً / جُرحُها في كُلِّ قَلبٍ مكمَدِ
لا يَذوقُ المِيلُ فيها إِثمداً / ما لأَحدَاقِ المَها والإِثمِدِ
قَذَفَتْ حَبّةَ قَلبي في الهَوى / هَل رَأَيتَ الجَمرَ في المُفتَأَدِ
سِحرُها وحيٌ بِنَجوى ناظِرٍ / ذُو نُفاثٍ للنُّهى في عقَدِ
ما لآسٍ في مُحِبٍّ عَمَلٌ / غيرُ داءِ الروح داءُ الجَسَدِ
خَفيَ البُرءُ على أَلطافِهِ / وهوُ في بَعضِ ثَنايا العُوّدِ
إِنَّ في ظَلْمِ ظَلُومٍ لَجَنى / شُهُدٍ واهاً لذاكَ الشُّهدِ
ذاب لي بالراحِ منها بَرَدٌ / هل يكونُ الراحُ ذَوْبَ البَرَدِ
هاتِها صَفراءَ ما اختَرتُ لَها / أُفُقَ الشمسِ على أُفْقِ يَدي
خارجٌ في راحتي مُقْتَنِصٌ / كُلّ هَمٍّ كامِنٍ في خَلَدي
جَرّدَ المَزجُ عَلَيها صارِماً / فَاتَّقَتْهُ بِدُموعِ الزّبَدِ
عُتّقَتْ ما عتقت في خَزَفٍ / بِرِداءِ القارِ فيهِ تَرتَدي
حَيثُ أَبلى جِسمَها لا روحَها / مُرُّ أَيّامِ الزّمانِ الجُدُدِ
ما أَطاقَ الدَّهرُ أَنْ يَسلِبَها / أرَجَ المِسكِ ولَونَ العَسجَدِ
فاقْضِ أوطارَ اللذاذاتِ على / نَقْرِ أوتارِ الغَزالِ الغرِدِ
فَلُحونُ العودِ والكاسُ لَنا / والندى وَالبَأسُ لِلمُعتَمَدِ
مَلِكٌ إِن بَدَأَ الحمدُ بِهِ / خَتَمَ الفخرُ به ما يَبتَدي
مُعرِقٌ في المُلكِ مَوصولاً بِهِ / شَرَفُ المَجدِ ومَحضُ السُؤدُدِ
مَن غَدا في كُلِّ فَضلٍ أَوحَداً / ذَلِكَ الأَوحَدُ كلّ العَدَدِ
مَن حَمى الإِسلامَ مِن طاغِيةٍ / كانَ مِنهُ في المُقيمِ المُقعَدِ
وكَستْ أسيافُهُ عاريةً / ذُلّ أهْلِ السبتِ أهلَ الأَحَدِ
ذو يدٍ حَمراءَ مِن قَتلهِمُ / وهيَ عِندَ اللَّه بَيضاءُ اليَدِ
تَقتَدي الأَملاكُ في العَدلِ بِهِ / وهوَ فيهِ بِأَبيهِ يَقتَدي
كَيفَ لا يُمْلي عَلى الناسِ العُلى / مُسْتَمِدٌّ من عُلا المُعتَضِدِ
عارِضٌ يَنهلُّ بالوَبلِ إِذا / كان للعارضِ كفَّ الجَلمَدِ
وهَصورٌ يَفرِسُ القِرْنُ إِذا / جَرّدَ المُرهفَ فَوقَ الأَجرَدِ
قَوّمَتْ عَزمَتُهُ عن نِيَّةٍ / مِن مَنارِ الدينِ مَيْلَ العَمَدِ
لا تَلُمْهُ في عَطاياهُ الَّتي / إن تَرُمْ مِنهُنَّ نَقصاً تَزدَدِ
فَنداهُ البَحرُ والبَحرُ مَتى / تعصفِ الرّيحُ عليه يُزْبدِ
ومحالٌ نَقْلُكَ الطبعَ الَّذي / كَانَ مِنهُ في كَريمِ المَولِدِ
كم لُهامٍ جَرّ في أوّلِهِ / رُمحَهُ فَهوَ لَهُ كَالمِقوَدِ
وَلُيوثٍ صالَ فيهِم فانثَنَوْا / وضَواريهم له كالنّقَدِ
بِحُسام مُطفئٍ أرواحهُمْ / بِشواظِ البارِقِ المُتَّقِدِ
لِغِرَارَيْهِ على هاماتِهِم / مِن شِرارِ القَدحِ ما في الزنَدِ
كَم تَغَنّى بِالمَنايا في الطلا / ظَبتاهُ عَن أَغاني مَعبَدِ
وَسِنان مشرعٌ في صَعْدَةٍ / كَلِسانٍ في فَمِ الأَيمِ الصَدي
في سَماءِ النقعِ مِنهُ كَوكَبٌ / طالعٌ في يَزَنِيٍّ أَملَدِ
أَبَداً يَدعو إلى مأدبةٍ / حُوّمُ الوَحشِ عَلَيها تَغتَدي
يا بَني البَأسِ مَنِ الذِّمْرُ الَّذي / جاءَ في كاهلِ عَزْم أيّدِ
شَيَّبَ الحَربَ اقتِحاماً بَعدَما / رَبِيَتْ في حِجرِهِ كَالوَلَدِ
يَرعَفُ اللَهذَمُ في راحَتِهِ / كُلَّما شَمَّ قُلوبَ الأُسُدِ
سَمهَريٌّ أَحرَقَتْ شُعْلَتُهُ / كُلَّ رُوحٍ في غَديرِ الزّرَدِ
أَنتَ ذاكَ الأَسَدُ الوَرْدُ فَهَلْ / كانَ في رمحك سَمّ الأسْوَدِ
أعِناقُ البُهَمِ استَحسَنتَهُ / وهو بَرْدٌ أم عِتاقُ الجُرُدِ
دُمتَ في المُلكِ لِمَعنَى مادِحٍ / يَنظِمُ الفَخرَ وَجَدوى مُجتَدِ
وَبَناتٌ مِن فَصيح مُفْلِقٍ / يَشْهَدُ الفضْلُ له في المَشهَدِ
فَهوَ بِالإِحسانِ في أَلفاظِها / مُحسِنٌ صَيْدَ المَعاني الشّرَّدِ
في بُيوتٍ أَذِنَت فيها العُلى / لَكَ بِالتَقريظِ في كُلِّ نَدِ
قَد تَناهى في عَرُوضٍ فهيَ لا / يَعرِضُ الهَدْمُ لَها في المُسْنَدِ
فَإِذا أَثْنَتْ عَلَيكُم فَتَقَت / لكمُ مِسْكَ الثّناءِ الأَبدي
وَإِذا استَحْيَتْ مِنَ المَجدِ أتَى / مُعْرِباً عَنها لِسانُ المُنشِدِ
صَدّتْ وبدرُ التِّمّ مَكسوفٌ بِهِ
صَدّتْ وبدرُ التِّمّ مَكسوفٌ بِهِ / فَحَسِبتُ أَنَّ كُسوفَهُ مَنْ صَدِّها
والبدرُ قد ذهبَ الخسوفُ بنورِهِ / في ليلةٍ حَسَرَتْ أواخِرَ مَدِّها
فَكَأنَّهُ مرآةُ قَيْنٍ أُحْمِيَتْ / فَمَشى احمِرارُ النّارِ في مُسْوَدّها
قَدَحَ المَشيبُ بِمَفرِقَيهِ زِنادَا
قَدَحَ المَشيبُ بِمَفرِقَيهِ زِنادَا / لا يَستَطيعُ لِنارِهِ إِخمادَا
وَثَنَت مَليحَاتُ التَلَفُّتِ سَلْوَةً / عَن شَخصِه الألحاظَ والأَجيادَا
ولَرُبَّما فَرَشَتْ لزائر لحظِهِ / وردَ الخدودِ مَحَبّةً وَوِدادا
إن صادقَتْهُ زمانَ صادَقَهُ الصّبا / فهيَ الَّتي عادَتْهُ لمّا عَادى
أَتَرى بَياضَ الشَيبِ ماءً غاسلاً / في العارِضَينِ وَلِلشبابِ سَوادا
خانَتْ سعادُ وقد وَفَى لك لونُها / لو خانَ ما وَفّى مَلَكتَ سُعادا
أَكثَرتَ مِن ذِكرِ الفَتاءِ وقَلَّما / تُعْطي لذي الذّكَرِ الفتاةُ قيادا
ومُنقَطِعٍ بالسّبْقِ من كلّ حلبةٍ
ومُنقَطِعٍ بالسّبْقِ من كلّ حلبةٍ / فَتَحسَبُهُ يَجري إِلى الرَّهنِ مُفْرَدا
كأنّ له في أُذْنِهِ مُقْلَةً يَرَى / بِها اليومَ أَشخاصاً تَمُرّ بِهِ غدا
تُقَيَّدُ بالسبقِ الأوابدُ فَوْقَهُ / ولَو مَرَّ في آثارِهِنَّ مُقَيَّدا
تُفْشي يَداكَ سَرائرَ الأَغْمادِ
تُفْشي يَداكَ سَرائرَ الأَغْمادِ / لِقِطافِ هامٍ واختِلاءِ هَوادِ
إلّا على غزوٍ يُبيدُ بِهِ العِدى / للِّه من غزوٍ لَهُ وجهادِ
وعَزائِمٍ تَرمِيهُمُ بِضَراغِمٍ / تستأصلُ الآلافَ بالآحادِ
مِن كلّ ذِمْرٍ في الكَريهَةِ مُقْدِمٍ / صَالٍ لِحَرّ سَعيرها الوقّادِ
كسنادِ مَسمُرَةٍ وقَسوَرِ غَيضَةٍ / وعُقابِ مَرْقَبَةٍ وَحَيّةِ وادِ
وكَأَنَّهُم في السّابِغاتِ صَوارِمٌ / والسّابِغاتِ لَهُم مِنَ الأَغمادِ
أُسْدٌ عَلَيهِم من جُلودِ أَراقمٍ / قُمُصٌ أزِرّتُها عيونُ جرادِ
ما صَوْنُ دينِ مُحَمَّدٍ من ضَيمِهِ / إلّا بسيفكَ يومَ كلّ جِلادِ
وطُلوعِ راياتٍ وقَودِ جَحافلٍ / وقِراعِ أَبطالٍ وكَرِّ جِيادِ
وَلَدَيكَ هذا كُلَّه عن رائِحٍ / من نَصْرِ ربّكَ في الحروبِ وغادِ
إِنَّ اهتمامَكَ بالهدى عن همّةٍ / علويَّةِ الإِصدارِ والإِيرادِ
وإقامَةُ الأسطولِ تؤذنُ بَغْتَةً / بِقِيامةِ الأعداءِ والحُسّادِ
والحَربُ في حَربِيّةٍ نيرانُها / تَطأُ المياهَ بشدَّةِ الإِيعادِ
تَرْمي بنفطٍ كيفَ يُبْقي لَفْحُهُ / والشَمّ منهُ مُحَرّقُ الأَكبادِ
وكَأَنَّما فيها دخانُ صواعِقٍ / مُلِئَتْ مِنَ الإِبراقِ والإِرعادِ
لا تَسكُنُ الحَرَكاتُ عِندَكَ إنَّها / لخواتِمُ الأَعمالِ خيرُ مَبَادي
وأشدّ مَنْ قَهَرَ الأعادي مِحْرَبٌ / في سِلمِهِ للحَربِ ذو استِعدادِ
سَيُثيرُ مِنكَ العَزمُ بأساً مُهلكاً / والنارُ تَنبعُ عن قِداحِ زنادِ
وغِرارُ سيفكَ ساهرٌ لم تَكتَحِلْ / عَينُ الردى في جَفْنِهِ بِرُقادِ
وزمانُكَ العاصي لغيركَ طائعٌ / لَكَ طاعَةَ المُنقادِ لِلمُقتادِ
ونَرى يَمينَكَ والمُنى في لَثمِها / في كلّ أُفْقٍ بالجنودِ تُنادي
مَن كانَ عَن سَنن الشجاعَةِ والنّدى / بِئسَ المُضلُّ فَأَنتَ نعمَ الهَادي
هَل تَذكُرُ الأَعياجُ سَبْيَ بَناتِها / بظُبىً جُعِلْنَ قلائدَ الأجيادِ
مِن كُلّ بيضاءِ الترائبِ غادةٍ / تمشي كَغُصْنِ البانَةِ الميّادِ
مجذوبةٍ بذوائبٍ كأساودٍ / عَبَثَتْ بهنّ براثنُ الآسادِ
مِن كُلِّ ذي زَبَدٍ عَلَتهُ سُفْنُهُ / يَخْرُجْنَ من جَسَدٍ بِغَيرِ فُؤادِ
ثُعبانُ بَحْرٍ عَضُّهُ بِنَواجذٍ / خُلِعَتْ عَلَيهِ مِنَ الحديدِ حِدادِ
يُبدي غرابٌ منه سقطَ حمامةٍ / بِبَياضِهِ في البحرِ جَرْيُ سوادِ
وكَأَنَّما الريحُ الَّتي تَجْري بِهِ / روحٌ يُحرّكُ منه جِسمَ جَمادِ
يا أَيُّها المُمضي قُواهُ وحَزمَهُ / ومُحالفَ التَأويبِ والإِسآدِ
هذا ابنُ يحيَى ذو السماح جنابُهُ / مُسْتَهْدَفٌ بِعَزائِمِ القُصّادِ
فَرِّغْ مِنَ السّيْرِ الرَذِيّةَ عِندَهُ / تملأ يديكَ بطارفٍ وَتلادِ
مَلِكٌ مَفَاخِرُهُ تُعَدّ مفاخراً / لمآثرِ الآباءِ والأجدادِ
ومراتعُ الروّادِ بينَ رُبُوعِهِ / محفوفةٌ بمناهِلِ الوُرّادِ
ثبتتْ قواعدُ مُلْكِهِ فكأنّما / أرساهُ ربّ العرشِ بالأطوادِ
وطريدُهُ من حيثُ راحَ أوِ اغتَدى / في قبضةٍ منهُ بِغَيرِ طرادِ
والأرضُ في يُمناهُ حَلْقَةً خاتمٍ / والبحرُ في جدواهُ رَشْحُ ثِمادِ
لا تسألَنْ عمّا يصيبُ برأيِهِ / وطعانِهِ بمقوَّمٍ مَيّادِ
يضعُ الهِناءَ مواضعَ النُّقَبِ الَّذي / يضعُ السِّنانَ مواضعَ الأحقادِ
كالبدرِ يومَ الطّعْنِ يُطفئُ رُمحهُ / روحَ الكميِّ بِكَوكبٍ وقّادِ
تبني سلاهبُهُ سماءَ عجاجةٍ / من ذُبّلِ الأرماح ذاتَ عمادِ
وَيَرُدُّ سُمرَ الطعنِ عن أَرضِ العِدى / وكَأَنّها في صِبْغَةِ الفرصادِ
وسُقوطِ هاماتٍ بِضَربِ مَناصِلٍ / وصعودُ أرواحٍ بِطَعنِ صِعادِ
أمّا شِدَادُ المجرمين فعزُّهُ / أبقاهُمُ بالذلّ غيرَ شدادِ
والنّارُ تأخذُ في تَضَرُّمِها الغَضَا / جَزْلاً وتتركُهُ مَهيلَ رمادِ
يا من إليه بانتجاعِ مؤمِّلٍ / مُستَمطِرٌ مِنهُ سَماءَ أَيادي
أُلْقِيتُ من نَيْلِ المنى عن عاتقٍ / فكأنّني سيفٌ بِغَيرِ نِجادِ
ما لي بأرضكَ يومَ جودكَ مُعْرِبٌ / بِلِسانِهِ عن خِدمتِي وَوِدادي
إلّا قصائدُ بالمحامدِ صُغْتُها / غُرّاً تهزّ مَحافلَ الإِنشادِ
خَلَعَتْ معانيها على أَلفاظِها / ألحانَ أشعارٍ ونَقْرَ شَوَادِ
رَجَحَتْ بِقِسطاسِ البَديعِ وإنّها / لَخفيفَةُ الأرْواحِ والأجسادِ
تَبقى كَنَقشِ الصخرِ وهيَ شَواردٌ / مَثَلُ المقيمِ بها وحَدْوُ الحادي
أمِسْكَ الصَّبا أهدتْ إِليَّ صبا نجدِ
أمِسْكَ الصَّبا أهدتْ إِليَّ صبا نجدِ / وقد مُلِئَتْ أنْفاسُهُ ليَ بالوجدِ
رَماني بِحَرِّ الشوق بردُ نَسيمها / أحُدّثْتَ عن حَرٍّ مذيبٍ مِنَ البَردِ
وما طابَ عَرْفٌ من سُرَاها وإنّما / تَطَيّبُ في جنح الدّجى بِسُرَى هِندِ
حدا بالأَسى شَوقي رواحِلَ أَدمُعي / فَكَم خَدّدَ الخَدَّ الَّذي فَوقَهُ تَخْدي
وَلي ذِمَّةٌ مَرعيَّةٌ عِندَ عَبْرَةٍ / تُواصِلُ وُدّي في فراقِ ذَوي الودِّ
أُحِبُّ حَبيباً نَجْلَ أوْسٍ لِقَوْلِهِ / فيا دَمعُ أَنجِدني على ساكِني نَجدِ
نَوىً أسْلَمَتْ مِنّا خليّاً إلى شجىً / ووصلاً إلى هجرٍ وَقُرباً إِلى بُعدِ
وأُسْدٍ على مثل السّعَالي عوابسٍ / لها لَبَدٌ من صَنعَةِ الحَلَق السّرْدِ
كُفَاةٌ وغيدٌ أهدَتِ الرّيحُ مِنهُما / لنا سَهَكَ الماذِيِّ في أرَجِ الندِّ
سرَوا بالمَها وهناً ومن ورقِ الظُّبَا / كناسٌ عَلَيها حُفَّ بالقَصَبِ المُلْدِ
تُديرُ عُيوناً شِيبَ بالحُسنِ حُسْنُها / فَللَّهِ منها ما تُسِرُّ وما تبدي
وَتَحسَبُ مِنها في البَراقِعِ نَرجِساً / تَخطُّ الأَسى بِالطَلِّ في صَفحَةِ الخَدِّ
وكم غادةٍ لا يعرفُ الرئمُ مثلها / رمتني بِسَهْمَيْ مُقلَتَيها على عَمدِ
فريدةُ حسنٍ تُخجِلُ البدرَ بالسّنَا / ودِعصَ النقا بالرّدفِ والغُصنَ بالقدِّ
إِذا عَقَدَت عَقْدَ الخُيولِ وِشاحَها / على خَصرِها المَجدولِ أَوهَت منَ العَقدِ
مَهاةٌ تَكادُ العَينُ من لينِ جِسمها / تَرى الورقَ المُخضرَّ في الحَجَرِ الصّلدِ
يَضِلّ سُرَى المُشْطِ المُسَرّحِ فَرْعَها / إذا ما سَرى في ليلِ فاحمهِ الجَعدِ
وتَندَى بِمَفتوتٍ مِنَ المِسْكِ صائِكٍ / قَديرٍ إِلى عَصرِ الشبابِ على رَدِّ
فلا تكُ منها ظالماً لِصِفاتِهَا / على الثّغرِ بالإغريضِ والرّيقِ بالشهدِ
إذا باتَ قلبي بالصبابةِ عندها / ففي أيّ قلبٍ باتَ وجدي بما عندي
ولَيلٍ هَوَتْ فيه نجومٌ كأنّها / يَعاليلُ بحرٍ مُضْمَرِ الجزرِ في المدِّ
كَأَنّ الثُريّا فيه باقَةُ نَرجِسٍ / مِنَ الشرقِ يُهديها إِلى مَغْربٍ مُهْدِ
أردتُ به صَيْدَ الخيالِ ففاتَني / كما فرّ عن وَصْلِ المُتيَّمِ ذو صَدِّ
فكَيفَ يَصيدُ الطيفَ في الحُلمِ ساهِرٌ / أقلّ كرىً من حَسْوَة الطائِرِ الفَردِ
أخو عَزَماتٍ باتَ يعتسِفُ الفلا / بِعَيْرَانةٍ تَرْدي وخيفانةٍ تَخْدي
قفارٌ نجت منها الصَّبا إذ تعلَّقت / حُشاشَتُهَا مِنِّي بِحاشِيَة البردِ
وقَد شُقّ خَيطُ الفَجرِ في جُنحِ لَيلِنا / كَما شُقّ حَدُّ السيفِ في جانِبِ الغِمدِ
وأَهدَت لَنا الأَنوارُ في أَرض حمةٍ / من ابنِ عليٍّ غُرّةَ القَمرِ السّعْدِ
هُنالِكَ أَلقى المُجتَدونَ عصيَّهُمْ / بِحَيثُ استَراحوا من مُطاوعَةِ الكَدِّ
لَدى مَلِكٍ يُرْبي على الغَيثِ جُودُهُ / ويَغْرَقُ منه البحرُ في طَرَفِ الثمدِ
مُندّى الأَماني في مَراتِعِ رَبعِهِ / وَمستمطَرُ الجَدوى ومنتجعِ الوَفدِ
يُنير سَريرُ المُلكِ مِنهُ بِأَروعٍ / سَنا نورِهِ يَجلو قَذى الأعيُنِ الرمدِ
غَنِيٌّ بِلا فَقرٍ لِذِكرى قديمَةٍ / بِمَفخَرِه عن مَفخَرِ الأَبِ والجَدِّ
إِذا السبعَةُ الشّهْبُ العَلِيَّةُ مُثّلَتْ / بمنظومِ عِقْدٍ كان واسطةَ العقدِ
جَوادٌ بما قَد شِئتَ من بَذلِ نائِلٍ / ومن كَرَمٍ محضٍ ومن حَسَبٍ عِدِّ
يجود ارتجالاً بالمنى لا رويَّةً / فلا حُكْمَ تَسويفٍ عَلَيه ولا وَعدِ
تعوّدَ ظهر الحُجْرِ في الحِجْرِ مَركَباً / وَمَهّدَتِ العليا له الملكَ في المَهدِ
وقالَت لَقَدُّ السيفِ نَبعَةُ قَدِّهِ / سَتَعلمُ ما يَلقَاهُ حَدُّكَ من حَدّي
تَرى المَلْكَ يَستخذي لِشِدَّةِ بَأسِهِ / خضوعَ ابنِ آوى لِلغَضَنفَرَةِ الوَردِ
تَقومُ على ساقٍ بِه الحَربُ في العِدى / ومَجلِسُهُ في صَهوَةِ الفَرَسِ النّهْدِ
ويمتحُ نَفْسَ القِرْنِ عاملُ رُمْحِهِ / كما يَمتَحُ الماءُ الرشاءُ من الجُدِّ
إِذا شَرَع الخَطِّيَّ أَغْرَى سِنانَهُ / مِنَ الذِّمرِ مُعتاداً بِجارِحَةِ الحِقدِ
سَليلُ المُلوكِ الغُرِّ يُؤنِسُهُ النّدى / إذا ما عُلاهُ أَوحَشَتهُ مِنَ النِّدِّ
وما حِمْيرٌ إلّا الغطارفة الأُلى / أياديهمُ تُسْدَى وأيديكُمُ تسدي
يصولون صولَ الذائِدين عَنِ الهُدى / ويَعفونَ عَفوَ القائِدينَ ذَوي الرشدِ
وتَسلِبُ تيجانَ المُلوكِ أكفُّهُمْ / إذا طَوَّقوا أَيْمانَهُمْ قُضُبَ الهِندِ
وحربٍ كأنَّ البأسَ يَنْقُدُ جَمْعَهَا / لِيَعلَمَ فيهِم من يُزَيَّفُ بالنَقدِ
ويَقدَحُ قَرعَ البيضِ في البيضِ نارَها / كما ينتضي القدحُ الشرارَ مِنَ الزَندِ
ضحوكٌ عبوسٌ في مراحٍ مُنَقَّلٌ / عَنِ الهزلِ في قَطفِ الرُؤوس إِلى الجَدِّ
حَشوها على الأَعداءِ بالبيضِ والقَنا / وبالزّرَدِ المَوضونِ والضُمّر الجُرْدِ
أَقولُ لَكَ القَولَ الكَريمَ الَّذي بِهِ / جَرى قَلَم العَلياءِ في صُحُفِ الحَمدِ
وَإِن كُنتُ عن عَلياكَ فيهِ مُقَصِّراً / فَعُذرُ مُقِلٍّ جاءَ بَينَ يَدي جَهدي
لَكَ الفَخرُ في جَهرِ المَقالِ كَأَنَّما / يُرَدّدُ في الأسماع صَلْصَلَة الرعدِ
تَوَلَّى عَليٌّ عَهْدَ يحيى وبَعدَهُ / تَولَّيتَ عَهْدَ المَلكِ قُدّسَ من عَهدِ
وتَوّجَ يحيى قبلَ ذاكَ بِتاجِهِ / تميمٌ ومسعاهُ على سَنَنِ القَصدِ
وقَالَ مُعِزُّ الدينِ ذو الفَخرِ لابنِهِ / تميمٍ سريرُ الملك أنتَ له بَعدي
ولَو عَدّ ذو عِلمٍ جُدودَكَ لانتهى / إلى أوّلِ الدنيا بِهِ آخرُ العَدِّ
وأَنْتَ عَلى أَعمارِهِم سَوفَ تَعتَلي / لِعُمرٍ مُقيمٍ في السعادَةِ مُمتَدِّ
بِكَفِّكَ سَلَّ الدِّينُ للضربِ سَيفَهُ / وأَضحى عَلى أَعدائِهِ بِكَ يَستَعدي
سَددت بأقيالِ الأسود ثُغورَهُ / وحقّ بها فَتحَ الثغور منَ السدِّ
وجَيشٍ عَريضٍ بالشِّياحِ طَريقُهُ / يَموجُ كَسيلٍ فاضَ مُنخَرِقَ السدِّ
كَأنَّ المَنايا في الكَريهَةِ أَلفَيَت / على خلقها من خَلقِه صُوَرُ الجُندِ
وحربِيّةٍ في طالِعِ السعدِ أُنْشِيَتْ / فَنيرانُها لِلحربِ دائِمَةُ الوَقْدِ
جبالٌ طَفَتْ فَوقَ المِياهِ وغُيّضَتْ / بِسُمر القَنا والمَرهفاتِ على الأُسدِ
وَدُهْمٌ بفرسانِ الكفاحِ سوابِحٌ / تَجافيفُها في الروعِ مُنسَدِلُ اللبدِ
فَمِن كُلِّ ذي قَوسَينِ يُرسَلُ عَنهُما / سَهامَ المَنايا فَهيَ مُصْمِيَةٌ تُرْدي
وتَرمي بِنَفطٍ نارُهُ في دُخانِهِ / بِهِ المَوتُ مُحمَرٌّ يَؤوبُ بمُسوَدِّ
وتحسبُ فيه زفرةً من جَهَنَّمٍ / تَصَعّدُ عن فَتْلِ اللوالِبِ بالشدِّ
عرائِسُ أَغوالٍ تَهادى وإِنها / لَتُهْدي إذا صَالت مِنَ المَوتِ ما تهدي
قلوبُ عداةِ اللَّه منها خوافِقٌ / كما قلبت فيها الصَّبا عَذَبَ البندِ
أَبوكَ أَصابَ الرُشدَ فيها بِرَأيِهِ / وهَدَّ بِها رُكْنَ العِدَى أَيَّما هَدِّ
وأَصبَحتَ منه في سَجايا مُعَظَّمٍ / وحدُّ مَعاليكَ التعالي عَنِ الحدِّ
ولو كان يُسْتَجْدى الغمامُ بِزَعمِهِمْ / مِنَ البَحرِ أَضحى مِنكَ في المَجدِ يَسْتَجدي
فَلا زالَتِ الأَعيادُ تلفيك سَيِّداً / يهنَّى النّدى في صَونهِ رَمَثَ المَجدِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025