المجموع : 30
أعندك أن وجدي واكتئابي
أعندك أن وجدي واكتئابي / تراجع مذ رجعت إلى اجتنابي
وأن الهجر أحدث لي سلواً / يسكن برده حر التهابي
وأن الأربعين إذ توالت / بريعان الصبا قبح التصابي
ولو لم ينهني شيب نهاني / صباح الشيب في ليل الشباب
وأيام لها في كل وقت / جنايات تجل عن العتاب
أقضيها وتحسب من حياتي / وقد أنفقتهن بلا حساب
تفيض همومها والسيل يطمر / إذا رفدته أفواه الثغاب
إذا أصلحتها فسدت كأني / أهيب بها إلى نغل الإهاب
أوابد لاتزال العون منها / تواصلني بأيدة كعاب
كأن الدهر يفرح أن يراني / على طول المدى قلق الركاب
كأن الدهر يفرح ألا يرضيه إلا / إراقة ماء وجهي في الطلاب
وكيف يهون ذلك عند نفس / تخاف العار من منن السحاب
وكم حر يعد الصاب شهدا / فيعذب عنده طعم العذاب
وقد حالت بنو رزيك بيني / وبين الدهر بالمنن الرغاب
تركت الاغتراب وكنت قدماً / أحن إلى ركوب الاغتراب
وزرت أغر من غسان يسلي / غريب الدار عن ذكر الإياب
ولولا الصالح انتاش القوافي / لكان الفضل مجتنب الجناب
وكنت وقد تخيره رجائي / كمن هجر السراب إلى الشراب
ولم يخفق بحمد الله سعيي / إلى مصر ولا خاب انتخابي
ولكن زرت أبلج يقتضيه / نداه عمارة الأمل الخراب
أزال حجابه عني وعيني / تراه من الجلالة في حجاب
وقربني تفضله ولكن / بعدت مهابة عند اقترابي
وعلمني اقتضاب المدح فيه / مكارم دائمات الاقتضاب
تزيد مثوبة وأزيد شكراً / وذلك دابها أبداً ودابي
قسمت مشاع مجدك وهو جم / على ضربين من ضرب وصاب
فنصف في جفون مهندات / ونصف في جفان كالجواب
وحين سموت قدراً أن تسامى / وعز الناس قدرك في الخطاب
أقمت الناصر المحيي فأحيى / رسوماً كن بالرسم اليباب
وبث العدل في الدنيا فأضحى / قطيع الشاء يأنس بالذئاب
وأنت شهاب حق وهو منه / بمنزلة الضياء من الشهاب
سعى مسعاك في كرم وبأس / وشب على خلائقك العذاب
فأصبح معلم الطرفين لما / حوى شرف انتساب واكتساب
وصنت الملك من عزمات بدر / بميمون النقيبة والركاب
بأروع لم يزل في كل ثغر / زعيم القب مضروب القباب
مخوف البأس في حرب وسلم / وحد السيف يخشى في القراب
إذا دعي المظفر نحو خطب / فما للخطب من ظفر وناب
وإن قدحت يداه نار حرب / فزند النصر زند غير كاب
حسام الناصر الماضي إذا ما / نبت بيض السيوف عن الضراب
وهضبة عزه والطود ينأى / عليك صعوده بين الهضاب
ألم تر آل رزيك أعادوا / وجوه المجد سافرة النقاب
ملوك أصبحوا سلماً وحرباً / غيوث مخيلة وليوث غاب
علوا باالصالح الهادي على من / مشى في عصرهم فوق التراب
سموا بأغر تفرده المعالي / وإن شركوه في النسب القراب
أسف جناح نعمته عليهم / وحلق مجده فوق الثقاب
كفيل أئمة أثنى عليهم / كلام الله في آي الكتاب
أجاب نداءهم لما دعوه / وقد خرس الكفاة عن الجواب
وحاط ذرى الشريعة فاستقرت / قواعد أمرها بعد اضطراب
وذب لسانه وظباه عنها / فأصبح روضها غرد الذباب
جلاد كل يوم أو جدال / يعدهما لخطب أو خطاب
وشاور في الجهاد شريف عرض / أشار بحسن صبر واحتساب
فأنفذ حكمه والدهر آب / وأمضى عزمه والسيف ناب
وأدمن قرع باب العز حتى / غدا والفتح يفتح كل باب
وأرسلها مسومة عراباً / تفيض من الوهاد على الروابي
تريك البر بحراً من حديد / عظيم الموج مصطخب العباب
كتائب إن سرت في ليل نقع / سرت ونجومها زرق الحراب
إن وقد الهجير فليس إلا / ظلال من عقاب أو عقاب
أذل بها ملوك الشرك ملك / يذلل شامس النوب الصعاب
مهيب البأس فياض العطايا / مليء بالثواب وبالعقاب
ترى الأملاك بني يديه صوراً / من الإشفاق خاضعة الرقاب
إذا ما افتر يغر الدست عنه / بدت لك عزة الملك اللباب
جنحت إلى الإقامة في ذراه / ولم أجنح إلى غير الصواب
فلا ماء الفرات بمورد لي / ولا أكناف دجلة من رحابي
ولما لم أجد عندي جزاء / لكم غير الثناء المستطاب
شفعت جواهر الألفاظ فيكم / بمرفوع الدعاء المستجاب
إذا قدرت على العلياء بالغلب
إذا قدرت على العلياء بالغلب / فلا تعرج على سعي ولا طلب
واخطب بألسنة الأغماد ا عجزت / عن نيله ألسن الأشعار والخطب
فما استوى الخط والخطي في رهج / ولا الكتائب يوم الروع كالكتب
دع الهوينى وإن أفضت إلى تعب / بك المساعي فإن العز في التعب
ولا ترقن لي إن كربة عرضت / فإن قلبي مخلوق من الكرب
واستخبر الهول كم آنست وحشته / وكم وهبت له روحي ولم أهب
ما أسهل الموت عند الناس لو وثقوا / بصدق معتقد أو حسن منقلب
ومدمن قرع باب اللهو قلت له / والترك للنصح أمر ليس يجمل بي
هزل الرجال هزال في مروءتها / والجد يخجل أحياناً من اللعب
فأقبل من الخلق ما ألوك من خلق / على النقيضين من صدق ومن كذب
ولا تكلف جباناً فوق طاقته / فأكثر الناس مجبول على الرهب
يقني طوال القنا العسال أشجعهم / علماً بأن اقتراب الموت في القرب
والطعن في الكر بعد الفر منقصة / والضرب يقتضب الأعمال بالقضب
ألقى الكفيل أبو الغارات كلكله / على الزمان فضاعت حيلة النوب
وداخلت أنفس الأيام هيبته / حتى استرابت نفوس الشك والريب
بث الندى والردى زجراً وتكرمة / فكل قلب رهين الرعب والرغب
فما لحامل سيف أو مثقفة / سوى التجمل بين الناس من أرب
لما تمرد بهرام وأسرته / جهلاً وراموا قراع النبع بالغرب
صدعت بالناصر المحيي زجاجتهم / وللزجاجة صدع غير منشعب
أسرى إليهم ولو أسرى إلى الفل / ك الأعلى لخافت قلوب الأنجم الشهب
في ليلة قدحت زرق النصال بها / ناراً تشب بأطراف القنا الأشب
ظنوا الشجاعة تنجيهم فقارعهم / أبو شجاع قريع المجد والحسب
سقوا بأسكر سُكرٍ لا انقضاء له / من قهوة الموت لا من قهوة العنب
وخانهم فأل حلوان فواقعهم / ضرب مواقعه أحلى من الضرب
حل الردى بينهم بالحي فانقرضوا / وما حلول الردى بالحي من عجب
لم يجهلوا قبح مسعاهم وخيبتهم / وأي عبد عصى المولى فلم يخب
وإنما سولت للقوم أنفسهم / أن يقطعوا سبب النعمى بلا سبب
فك النفاق عن النعماء أيديهم / من بعد ما نشبت في عروة النشب
ألم تر القوم لما أن طغوا وبغوا / واستحقبوا الذم ما عاشوا على الحقب
لم يقبل الجانب القبلي أوجههم / فرد أولهم بدءاً على العقب
وأنكروا من ظهور الخيل ما عرفوا / واستوثبوها فخانتهم ولم تثب
لولا الأسار ومن لا يمن به / ما عفَّ عنهم ذباب السيف ذو الشطب
تسنموا إبلاً تتلو قلائصهم / يا عزة السرج ذوقي ذلة القتب
كأنهم فوقها خُشب مسندة / إن النفاق لمنسوب إلى الخشب
لله عزمة محي الدين كم تركت / بتربة الحي من خد امرئ ترب
سما إليهم سمو البدر تصحبه / كواكب من سحاب النقع في حجب
في فتية من بني رزيك تحسبهم / عن جانبيه رحى دارت على قطب
قوم إذا الحرب قامت سوقها جلبوا / من النفوس إليها أنفس الجلب
المسرعون من المران أرشية / نابت قلوب أعاديها عن القلب
الطاعنون الأعادي كل مزبدة / كأنها كأس خمر جاش بالحبب
تروى الرماح الظوامي من مجاجتها / فتنثني وعليها نشوة الطرب
كأن أيمانهم سلت عزائمهم / من الجفون على الهامات واليلب
كأن لمع المواضي في أكفهم / صواعق في الوغى تنقض من سحب
فما تروح بها الأرواح في صعد / إلا وتغدو بها الأجسام في صبب
رقاهم رتبة العليا أخو همم / لم يأخذ الملك بالتدريج في الرتب
تلقب الصالح الهادي وليس به / مع صدق أفعاله فقر إلى اللقب
متوج من بني زريك تنسبه / بيض المساعي إلى جرثومة العرب
زاكي الأرومة إلا أن منصبه / في المجد أعظم أن يعزى إلى نسب
ما أليق التاج معصوباً بمفرقه / ورب معتصب بالتاج مغتصب
جذلان يخلف من بادي خواطره / ما شاء من فائض الإعطاء والعطب
يقري ذنوب الرعايا عفو مغتفر / لا يبلغ الكرب منه عقدة الكرب
أرضته عن هفوات الناس قدرته / فما يكدر صفو الحلم بالغضب
وصامت أعربت عنه زماجره / بناطق من صهيل الخيل مصطخب
كالسيل والليل لا ينجو طريدهما / من المنية في الإمعان بالهرب
يرميه أروع من غسان منذ رمى / بعزمه نوب الأيام لم تنب
أعز يضرب جوني القتام له / رواق عز أكيد غير مضطرب
بيت من المجد لم يمدد له عمد / سوى الوشيج ولم يشدد إلى طنب
أغر أبلح وضاح تخر له / صيد الملوك على الأذقان والركب
يظنه الطرف فوق الطرف طود علا / تسمو إليه عيون الجحفل اللجب
تجر بين يديه من سوابقه / قب ترقرق منها الحسن في أهب
من كل أجرد مسكي الأديم له / صبغ إذا شاب رأس الليل لم يشب
وأحمر شفقي اللون متقد / بحدة الشوط لا بالسوط ملتهب
قد أدبتها سجاياه وكثرة ما / رأت وماسمعت عنه من الأدب
مسومات عراب لم تزل أبداً / تكسى وتحلى بما بزت من السلب
ترى لكل هلال من مراكبها / خيط المجرة مجروراً على اللقب
تحمل الوشي منها كل ذي شة / يغني بها عن عقود الدر والذهب
هي العتاد لمن يرمي محاربه / في كل معترك بالويل والحرب
جرد إذا جردتها كف عزمته / للغزو هزت عذاب السوط في العذب
تثير نقع دخان تحته لهب / إن الدخان لنمام على اللهب
يحكي مجر عواليها إذا رحلت / عن منزل مسحب الحيات في الكثب
خيل ترى العمر مسلوباً إذا نهشت / صدر الأعادي بحيات القنا السلب
لا يثقل الروع إلا أن يخف بها / داعي النزال عن التقريب والخبب
لانت صفاة عدو أنت قارعها / فاصلب على ملة الأوثان والصلب
فعندك الضمر الجرد التي عرفوا / وفوقهن أسود الغاب لم تغب
تزورهم شزب منها إذا ظمئت / لم ترو إلا برقراق الدم السرب
وما تخط على دين الهدى أبداً / وأنت أشفق ن أم بهم وأب
فاسعد بأيامك الحسنى التي قسمت / بين الحميدين من ماض ومرتقب
إذا تهنت بك الأيام قاطبة / فما الهناء بمقصور على رجب
تبسم في ليل الشباب مشيب
تبسم في ليل الشباب مشيب / فأصبح برد الهم وهو قشيب
وأنكرت ما قد كنتما تعرفانه / وقد يحضر الرشد الفتي ويغيب
ومن شارف الخمسين عاماً فإنه / وإن عاش بني الأهل فهو غريب
وما أبقت الدنيا علينا وإنما / سهام المنايا مخطئ ومصيب
على أن أنفاس الحياة شهية / وأرواحنا تغنى بها وتذوب
تجرعنا الأيام كأساً مريرة / وظاهرها يحلو لنا ويطيب
ونزري عليها جاهدين بألسن / تخالفها بالاعتقاد قلوب
كأن عقول الخلق سرب حمام / تحوم على أحواضها وتلوب
وكم ضاع تدبير الفتى وهو حازم / ومالت به الآمال وهو لبيب
وكم غره منها سراب بقيعة / تصدقه العينان وهو كذوب
ومن عاش في ظل القناعة لم يبل / جفاه عدو أو جفاه حبيب
خليلي قولا لليالي نيابة / ومازال خل المرء عنه ينوب
تغير بعد الصالح العيش فاغتدت / محاسن أيامي وهن عيوب
رضيت رضى المغلوب عن أخذ ثأره / ولي غضب في النائبات أديب
دعوتكم أن تصفوا من نفوسكم / فهل منكم عند الدعاء مجيب
وإلا فما عندي سوى الصبر قدرة / ألا إن صبر الصابرين قريب
وغيضت من زهر الدموع طوالعاً / لها في غروب المقلتين غروب
أيجدب خدي من ربيع مدامعي / وربعي من نعمى يديه خصيب
وتذهب عني لوعة الحزن والأسى / ولي جيئة في رزقه وذهوب
وأقصرت من ندبي له كل ساعة / وفي كبدي الحرى عليه ندوب
أينسى وفي العينين صورة وجه / ه الكريم وعهد الانتقال قريب
أراني إن حاولت نظم قصيدة / فلي غزل من ذكره ونسيب
يميل بي التشبيب نحو رثاته / كما مال طوعاً في القياد جنيب
وتجذبني أغراض وجدي ولوعتي / إليه وأغراض النفوس ضروب
فهل عنده أن الدخيل من الجوى / مقيم بقلبي ما أقام عسيب
وإن برقت سني لذكر حكاية / فإن فؤادي ماحييت كئيب
ولو أنصفت نعماك ما طعم الكرى / ولا باشرت لين المهاد جنوب
ولولا الحيا من دولة ناصرية / لما غفرت للنائبات ذنوب
طلعت طلوع الشمس والبدر غائب / فعفى طلوع ما جناه مغيب
وأقبلت الدنيا إليك تنصلاً / تقبل أذيال الثرى وتتوب
ولا منكر إن ثاب عازب رأيها / فقد تعزب الآراء ثم تثوب
وما زلت غفاراً لكل جريمة / تضيق باع الحلم وهو رحيب
لك الدهر عبد والملوك رعية / تعاقب قوماً تارة وتثيب
وهذا قميص لو سواك أراده / غدا وهو من ثوب الحياة سليب
وقطت بأطراف الرماح مطارف / عليه وغطت بالسيوف جيوب
أبت ذاك من أبناء زريك عصبة / صباح عدو صحبته عصيب
ملوك ترينا السلم والحرب كلما / تجلى جلوس عندهم وركوب
وأنت سنان في القناة التي هم / جميعاً أنابيب لها وكعوب
بك التأمت بعد انصداع شعوبهم / قبائل من آمالهم وشعوب
تحمل أثقال الوزارة عندهم / أغر بحد الحادثات لعوب
يرى غائب الأشياء حتى كأنما / تناجيه من فرط الذكاء غيوب
يروع قلوباً أو يروق نواظراً / بوجه كثير البشر وهو مهيب
يلين لنا طوراً ويصلب تارة / كذاك القنا يهتز وهو صليب
نهضت بهذا الأمر نهضة حازم / يسكن قلب الحزم وهو نهيب
وقام بتدبير الزمان وأهله / خبير بداء المعضلات طبيب
وسومتها ملمومة ناصرية / تكف جماح الدهر وهو شبوب
إذا شجرات الخط فيها تشاجرت / فليس لريح بينهن هبوب
يليق بك الملك العظيم لأنه / أخ لك من دون الورى ونسيب
تفرعتها من دولة صالحية / نما في العلى أصل لها وقضيب
وقد جمعت فيك السيادة كلها / وغصنك من ماء الشباب رطيب
فما شيمة للمجد إلا وقد غدا / لها منك حظ وافر ونصيب
سماحة كف لايزال نوالها / يعلم كف الغيث كيف تصوب
وهيبة بأس لو أذمت بنانها / لشرخ شباب لم يرعه مشيب
مددت بساط العدل حتى تصاحبت / بعدلك شاة في الفلاة وذيب
وباشرت أحكام المظالم حسبة / لك الله فيها بالثواب حسيب
تناهيت في الإنصاف والعدل فانتهت / عقارب من جور لهن دبيب
وساويت في ميزان عدلك بيننا / فخاف بريء واستقام مريب
وأوجبت فرض الحج بعد سقوطه / فأضحى له بعد السقوط وجوب
ويسرت قصد البيت من بعد عسرة / فضاقت بحار بالورى وسهوب
فللفلك في طامي البحار تحدر / وللعيس في بحر السراب رسوب
وكان لبيت الله في كل موسم / عويل على زواره ونحيب
ينادي ملوك الأرض شرقاً ومغرباً / ألا سامع يدعى به فيجيب
فلما أتت أيامك البيض لانقضت / وخطبتها للزمان خطوب
بذلت عن الوفد الحجيج تبرعاً / مواهب لم يسمح بهن وهوب
سبقت بها أهل العراق وغيرهم / وأنت إلى كسب الثواب وثوب
تركت بها في الأخشبين نضارة / وكان بوجه الأخشبين شحوب
وحطت به عن ذمة بن فليتة / وذمة أهل الأبطحين ذنوب
وأبقيتها وقفاً على البر خالصاً / وفي بر قوم خالص ومشوب
إذا جف عود الزرع فهي مريعة / وإن جف در الضرع فهي حلوب
وهنئت عاماً لو أعبر عبارة / غدا وهو مثلي في علاك خطيب
مقامك من فضل وفصل خطاب
مقامك من فضل وفصل خطاب / مقام هدى من سنة وكتاب
مقام له بيت النبوة منصب / ومن مستقر الوحي خير نصاب
إذا استدعنا باب رزق ورحمة / حططنا المنى منه بأوسع باب
وكل دعاء لم يشيع بذكره / فليس بمرفوع ولا بمجاب
ومن شرف الإخلاص أن وليه / يؤوب إلى طوبى وحسن مآب
محاسن مجد أعجزت كل حاسب / وفائض إحسان بغير حساب
ولما تراءت للهلال بصائر / يغطي الهوا أبصارها بضباب
وقفنا فهنأنا الصيام بعاضد / سناه مدى الأيام ليس بخاب
وأين سرار الدهر من ذي أسرة / نقيبته ليست بذات نقاب
إذا رفعوا يوم السلام حجابه / بدا لي من الإجلال خلف حجاب
يشف وراء الستر باهر نوره / كما شف بدر من وراء سحاب
ويكبر عن لفظ السلام وإنما / يحيا بتعفير ولثم تراب
وتتهم الأقوال فرط مهابة / وإن نحن لم ننطق بغير صواب
نبوة جد أحرزتها بنوة / لكم دون أعمام ودون صحاب
فما لقصي وهي منها قصية / تمالئ في ميراثكم وتحابي
فقل لرجال زاحموكم غباوة / على حقكم أو زاحموا بتغاب
سلوا آخر الأنفال من يستحقها / ففي آخر الأنفال خير جواب
أليس أولو الأرحام أولى ببعضهم / فلم تحجب القربى بغير قراب
ومذ طلعت من جانب الغرب شمسكم / أضاء بها في الأرض كل جناب
وآبت إليكم دولة علوية / أقرت علاكم عينها بإياب
وما هي إلا الرمح عاد سنانه / إليه وإلا السيف نحو قراب
وشيدت من مجد الخلافة ما وهي / بليلة محراب وليل حراب
وسجلين يأوي الأمر والنهي منهما / إلى مشرب عذب وسوط عذاب
وأطلعت فيه من بنيك كواكباً / جلوا من صدا الأيام كل خضاب
وفي كل قطر منهم لك كوكب / لكل رجيم منه رجم شهاب
وأيدك الرحمن بالكامل الذي / عمرت به الأيام بعد خراب
أمير الجيوش الحاسم الداء بعدما / مشى من أديم الملك تحت إهاب
أبي الفتح هادي كل داع إلى الهدى / بفيصل خطب أو بفضل خطاب
تضاحكه من كل ثغر فتوحه / كما أضحك الأحباب كأس حباب
وزير تمنته النوزارة أولاً / وثانية عفواً بغير طلاب
فخانته في الأولى بطانة وده / ورب حبيب في قميص حباب
وجاءته تبغي الصلح ثاني مرة / فلم يرض إلا بعد رب رقاب
وأنقذت مصراً من عدو بمثله / فلله من ظفر فللت وناب
صدمت جموع الشام والشام صدمة / أقمت بها للقوم سوق ضراب
وجندت في أجناد مصر عزائماً / مضاربها في الصخر غير نواب
تولوا عن الإفرنج فادح ثقلها / ودارت رحاهم منهم بهضاب
أقامت دروع الجند تسعين ليلة / ثياباً لهم ما بدلت بثياب
وهم بين مطروح هناك وطارح / وبين مصيب خصمه ومصاب
ومنك استفاد الجيش كل فضيلة / لأنك بحر مدهم بثغاب
ومنك لهم في كل هم ومطلب / تحمل أعباء وفيض عباب
ولما طرا كسر العمود جبرتهم / فيا طيب شهد بعد مطعم صاب
وف ينصرهم سارت بنوك مواكباً / إلى عرب الريفين فوق عراب
فوارس من آل المجير ترى لهم / سريرة غيب في ضراغم غاب
وسارت إليهم عزمة كاملية / ترد صعاب الدهر غير صعاب
فطاروا حذاراً من شجاع بن شاور / مطار عقاب لا مطار عُقاب
وغادرهم إما طريد تنوفة / سحوق وإما مغنماً لنهاب
فتى أصبحت أعمال مصر مضافة / إلى معقلي قب له وقباب
رديفك في متن الوزارة والعلى / وتاليك في صفر لها ولباب
وما لحتما في الدست إلا بدا لنا / وقار مشيب واعتزام شباب
وأحسنتما عون الإمام ونبتما / له في أمور الملك خير مناب
بقيتم فإني لا أريد زيادة / على حالتي من رفعة وثواب
في مثل ذا الموقف المشهود تحتلب
في مثل ذا الموقف المشهود تحتلب / غر القوافي وتستنقى وتنتخب
هذا المقام الذي لولا كرامته / ما أشرفت في السماء السبعة الشهب
هذا المقام الذي لولا أوامره / لم يشرف البيت والأستار والحجب
نور البنوة في ذا الدست مؤتلق / بالناظرين ونار العزم تلتهب
تمسي وتصبح في إيوانه أبداً / بيض المنى والمنايا السود تصطخب
في صدره فائز بالنصر محتجب / بنوره وبتاج العز معتصب
مبارك الوجه ميمون نقيبته / تجلى بطلعة الأحداث والنوب
انظر إلى وجهه تنظر إمام هدى / خير الورى رضي الأملاك أم غضبوا
لا يستوي وملوك الأرض في شرف / إلا كما يتساوى الصفر والذهب
من معشر شابت الدنيا ومجدهم / غض وأثوابه فضفاضة قشب
لولا الصلاة عليكم ما استجيب لمن / يدعو ولا رفعت عن دعوة حجب
وأنتم العروة الوثقى فلا انفصمت / وحبكم في دخول الجنة السبب
وفي مدائحكم فخر لمادحكم / وفي ولائكم ذخر ومنقلب
مما كسا المدح فخراً وطيب ذكركم / والصدق يشرق مهما أظلم الكذب
مناقب كالنجوم الزهر قد ملئت / بحسن أوافها الأسماع والكتب
جاءت لها سور القرآن مادحة / فما عسى يتعاطى الشعر والخطب
لله في أهل هذا القصر سابقة / من الإرادة من أسرارها عجب
لما أراد ابن باديس إزالتهم / والناصرون لأنوار الهدى غيب
أبت عليهم يد آلية ويد / تعزى إلى آل رزيك وتنتسب
لولا الوزير أبو الغارات ما خفقت / للنصر في القصر رايات ولا عذب
ولا اعتزى لعلي عند نازلة / من القبيلين لا عجم ولا عرب
لما جلبت إليه الخيل مقربة / لم يحمه منك إلا الشحط والهرب
إضافة الملك لما جئت زائره / كرامة ما لها إلا الظبا سبب
ولى ويا بئس ما أولى مواليه / ولو تعاينتما لم ينجه الهرب
وأيد الله دين الحق منك بذي / يد لها في الوغى التأييد والغلب
أغنته أفعاله عن فخره بعلى / أست قواعدها آباؤه النجب
والمرء من هم فاستغنى بهمته / عما بناه له جد مضى وأب
حمى حريم المعالي عزمه فغدت / أكنافه كعرين الليث يجتنب
يصاحب الذئب فيها الشاة مؤتمناً / على المغيب وإن أودى به السغب
فما يرى الروح فيها وهو مختطف / ولا يرى المال منها وهو منتهب
وهل يراع لها سرب وقد ضمنت / بأمن من حل فيها البيض واليلب
وسطوة لو خلت من عفو مقتدر / على العصاة لكاد الجو يلتهب
ورحمة شكر الرحمن رأفتها / يطفي بها الحلم ناراً شبها الغضب
وراحة تهب الدنيا وما احتسب / بها صنيعاً وما اعتدت بما تهب
وسيرة سار عنه من حكايتها / ذكر جميل تمنت مثله السحب
أضاف من منة التشريف لي منناً / لا ينهض الشكر منها بالذي يجب
أجلها موقفي هذا بحيث أرى / نور الهدى رفعت عن وجهه الحجب
حسبي بخدمتكم بين الورى حسباً / إن ضل بي نسب أو قل بي حسب
فأنتم يا بني الزهراء لا انصرمت / أيامكم كالحيا ماض ومرتقب
يعلو على الناس أدناها بخدمتكم / وتستفاد بها العلياء والرتب
يا بن البني نداء ما لصاحبه / قلب إلى غير حسن الظن ينقلب
قد قابلتك القوافي وهي واثقة / أن لا يقول رجاها أعوز الطلب
كم موقف لك قد نادى نداك به / يا مادحين لكف المادح السلب
وأنت أكرم أن تدعى لمكرمة / تقضي عليك بها العلياء والحسب
يهني الأهلة إن قابلت وافدها / ومعقل الملك من سمر القنا أشب
ووجه دولتك الغراء مبتسم / وثغرها واضح عذب اللمى شنب
مضى جمادى وفي أحشائه حرق / من الفراق الذي ما ذاقه رجب
وربما حفزت شعبان داعية / من المحبة يحدو عيسها الطرب
فاسعد بأيام ماضيها ومقبلها / ما استحقبتها على أعجازها الحقب
ممتعاً ببقاء الصالح الملك ال / حاني إذا ما جفا ابنا أب حدب
فرض على الشعر أن يبدا بما يجب
فرض على الشعر أن يبدا بما يجب / من الهناء الذي وافى له رجب
وأن تنافسه الأيام منزلة / كل المواسم ترجوها وترتقب
فاسعد به ألف عام واقتبل عمراً / تملا حقائبهما من ذكره الحقب
فإنما الدين والدنيا وأهلهما / رحى وأنت إذا دارت لها القطب
بالعاضد اشتد عضد الحق وامتسكت / عرى الهدى وهو في إمساكها السبب
خليفة لو تراخى عقد بيعته / لسابقتنا إليها السبعة الشهب
تدارك الله شمل المؤمنين به / في حيث كادت عصا الإيمان تتشعب
وألف الله شتات القلوب على ولائه / فهي عنه ليس تنقلب
عمت رعايته أقصى رعيته / حتى استوى نازح فيها ومقترب
وأصبح الناس إخواناً بنعمته / كأن نعمته أم لهم وأب
قرت عيون الليالي من خلافته / بمن أقر حشاها وهي تضطرب
أغر تشهد لي أنوار غرته / بصدق ما أودعت من ذكره الكتب
إذا رأته عيون الأمة استبقت / إلى السجود له الأذقان والركب
لا تنظرن مجازاً حين ترمقه / فللحقيقة سر عنك محتجب
وكعبة الله لولا قدرها حجر / ومندل الهند لولا عرفه حطب
من دوحة المصطفى الهادي التي كرمت / فيها المنابت والأغصان والشعب
أحييتم ذكره فيها وسنته / ولم يمت سلف أنتم له عقب
يهدى بكم كل جيل تطلعون به / كأنكم في سماوات العلى الشهب
مازال منصبكم هذا يقوم به / من نسلكم قائم في الله محتسب
يا طالب الشرف الأقصى ولو عدمت / بنو أبي طالب ما أنجح الطلب
لا تخدعن فإن القوم اشرف من / يسمو به المجد أو تعلو به الرتب
ما الأجر والفخر إلا في محبتهم / فلا يتم عليك الزور والكذب
لولا اتباع قريش دين جدهم / طوعاً وكرهاً لما دانت لها العرب
وليت أن نفوس الناس إذ قعدت / عن القيام بنعماهم بما يجب
تجنبتهم بسجليها متاركة / فلا نصيب أنالتهم ولانصب
ولو تولت بنو رزيك نصرتهم / في سالف الدهر ما نابتهم النوب
المضمرون من الإخلاص ما عجزت / عن حل عقدته الأوهام والريب
خضارم تنزل الأرزاق إن نزلوا / أرضاً وتركبها الآجال إن ركبوا
صيد يقوم مقام الألف واحدهم / غلب إذا وقفوا في حيز غلبوا
أندى الملوك وجوهاً غير أنهم / ترضى المواضي بأيدهم إذا غضبوا
لا تنكر الدولة الغراء إذ كسرت / كسر الزجاج ما من كسرها شعبوا
هم قواعدها السفلى وذروتها ال / عليا وأوتادها المرساة والطنب
إن فاتهم حرب صفين فقد بلغوا / في مصر من نصركم أضعاف ما طلبوا
ثاروا لثأر أبي المنصور فانكشفت / بكاشف الغمة الأهوال والكرب
الصالح المبتغى من صهركم نسباً / بعصمة وهو في دين الهدى سبب
وكل حبل ولاء لا يناط إلى / ولائكم فهو عند الله منقضب
إنا إلى الله في الدنيا على مهج / لها مصير إلى الأخرى ومنقلب
شكت فراق أبي الغارات أربعة / الملك والنسك والمعروف والأدب
في مثل ذا اليوم إجلالاً وتهنئة / كانت تزف له الأشعار والخطب
فنافستا المنايا منه في ملك / لنفسه في سبيل الله يحتسب
مضى وأعقب من ذخر الأئمة من / يزهو به الأشرفان المجد والحسب
متوج ناب فينا بعد والده / نيابة البحر لما غابت السحب
فكل معتصب بالتاج غير أبي ال / شجاع فهو لهذا الحق مغتصب
وهل أحق بصدر الدست من ملك / له من الملك موروث ومكتسب
عالي المحلين من مجد ومن همم / أذياله فوق وجه السحب تنسحب
لا يستوي وملوك الأرض في شرف / إلا كما يتساوى الجد واللعب
يبدو تحجبه عنا مهابته / فوجهه الطلق باد وهو محتجب
ما أن تبسم عنه وجه مجلسه / فقام إلا وفي ثغر الندى شنب
ولا غزونا أياديه بمسألة / إلا سلبناه ما يقنى القنا السلب
تهل نعمته طوراً ونقمته / من راحة شأنها الإعطاء والعطب
في كل حبة قلب من محبته / عقيدة باعثاها الرعب والرغب
قد استرقت قلوب العالمين له / مهابة يتلافاها بما يهب
وراحة لم تزل تهمي ندى وردى / مثل الغمامة فيها الماء واللهب
لا يعدمنك أمير المؤمنين فما / في نفسه غير أن تبقى له أرب
لأنه مقلة الدنيا وناظرها / وأنت حاجبها والجفن والهدب
أوجبت في ذمة الأشعار والخطب
أوجبت في ذمة الأشعار والخطب / ديناً أبا حسن يبقى على الحقب
لم يبق مجدك في التشبيب لي أرباً / حسب المدائح ما شيدت من حسب
شغلتها باقتضاب المكرمات فما / يلقى علاك بمدح غير مقتضب
مناقب سجلت لي وهي صادقة / أمان صدق من التخريف و الكذب
أيامك البيض لا تحصى وأفضلها / يوم خصصت به في قاعة الذهب
وفيت للصالح الهادي وقد بعدت / عنه الصنائع من ناء ومقترب
فعلت فعل علي يا علي وقد / فدى نبي الهدى بل سيد العرب
لما أتتك بنات الموت سائلة / وهبت روحك مختاراً ولم تهب
أقدمت وحدك إقدام الليوث على / هول يمهد عذر الليث في الهرب
آثار سيفك أجلى من روايتنا / و السيف أصدق أنباء من الكتب
أرهفته بيمين غير طائشة / عند الضراب وعزم غير مضطرب
فهل بنانك أقوى أم جنانك إذ / شطبت بالسيف متن السيف ذي الشطب
أنت المقدم في بأس وفي كرم / إن كنت ترضى بهذا النعت واللقب
وإن كرهت فأنت المستغاث به / بعد المهيمن في الأحداث والنوب
لولا حفاظك يوم القصر لاضطربت / قواعد الملك واحتاجت إلى التعب
لولا ثباتك والألباب خافقة / لم ينج روح الهدى من راحة العطب
لولا بلائك في البلوى أبا حسن / مازال عنا غمام الغم والكرب
جادت ضريح أبي الغارات غادية / من رحمة الله لا من هاطل السحب
أقسمت والقسم المبرور مفترض / بالله والبيت ذي الأستار والحجب
لو عاش أثنى بما أوليت من حسن / ثناء معترف بالحق محتسب
وقد رأيت قبيحاً أن أكون له عبد / اصطناع وإني عنه لم أنب
وأين موقع أقوال وقيمتها / من قوله وهو سامي القول والرتب
مابين قدر كلامينا إذا عرضا / إلا كما بين قدر الصفر والذهب
لكن مدك دين ليس يمكنني / إلا القيام به عن ذمة الأدب
وما يقوم بنعماك التي سبغت / نظم ونثر ولو صيغا من الشهب
أعرب إذا ما الخطب لم يعرب
أعرب إذا ما الخطب لم يعرب / عن شرف الهمة أو فاغرب
وقل لمن يطلب نيل العلى / إن أنت لم تغلب فلا تجلب
من قرع الباب ومفتاحه / ماض طرير الحد لم يحجب
إن كان لا يدنيك من موطن / تكرهه إلا الرضى فاغضب
أو كنت لا تركب متن العلى / إلا على شوك القنا فاركب
حتى متى والحق لي واجب / أدفع بالصدر وبالمنكب
وارحمنا مني لذي جلدة / صحيحة يحتك بالأجرب
من سفه الدنيا ومن لؤمها / جرأة مغلوب على أغلب
كأنما جنباي لم يحنيا / مني على قلب فتى قلب
ولاكففت الغرب من مقول / أمضى إذا شئت من المعضب
طال قعودي تحت ظل المنى / أجذب من عرضي ولم يصحب
وأعجز الناس فتى همه / وقف على المأكل والمشرب
قد تقنع النفس بدون غنى / قناعة تسند عن أشعب
لأنفضن الهون عن خاطري / نفض سقيط الطل عن منكبي
مستحقباً رحلي على عزمة / تنقض مثل الأجدل الأحقب
أسري من الليل على أدهم / ومن قرا الصبح على أشهب
افري شباب الليل عن مفرق / صباحه كالشعر والأشيب
مقتحماً لجة بحر الردى / إلى الندى إن أنا لم أعطب
ملبياً دعوة حظ دعا / إن صدق الحظ ولم يكذب
إلى الذي لولا سني وجهه / أظلم في عيني سنى الكوكب
أروع لولا أن أخلاقه / مخلوقة في الماء لم يعذب
مظفر تظفر طلابه / بالشرف الأقصى من المطلب
مفضل يدني إلى الأفضل الس / امي العلى بالنسب الأقرب
مضى أبو الفتح سليم ولم / تمض سجاياه ولم تذهب
أبقى مصاناً عرضه كاسمه / والابن من أحيا ثناء الأب
لا كملوك خلفت خالفاً / معقبة مات ولم يعقب
من يعرب العرباء حيث التقت / شعائب السؤدد من يعرب
قومي الأولى يرجع ميزانهم / إن فاضلوا أو ناضلوا الناس بي
أي مقام قمت فيه لهم / بحجة المجد فلم أغلب
أو ذكر الإسلام لم يفتخر / غيرهم حي بنصر النبي
أو ذُكر الجود فمن طيء / أبو عدي نجعه المجدب
وهذه أفعال أبنائهم / حاضرة تشهد بالغيب
رايات نجم الدين منصوبة / لقومه في كرم المنصب
يرفعها أبلح من طيء / نيرانه تجلو دجى الغيهب
ملك إذا ما زرت أبوابه / عرفت معنى الأهل والمرحب
تلوك سيما الملك في وجهه / إن كنت لم تقرأ ولم تكتب
تلقى المنايا يده والمنى / فارغب إذا قابلته وارهب
يعرف من لم يره أنه / باقي طراز الحسب المذهب
إن جحفل أو محفل ضمه / جمل صدر الدست والموكب
جهلت حظي قبل علمي به / والماء قد يستر بالطحلب
هل القلب إلا مضغة تتقلب
هل القلب إلا مضغة تتقلب / له خاطر يرضى مراراً ويغضب
أم النفس إلا وهدة مطمئنة / تفيض ثغاب الهم منها وتنضب
فلا تلزمن الناس غير طباعهم / فتتعب من طول العتاب ويتعبوا
فإنك إن كشفتهم ربما انجلى / رمادهم عن جمرة لم تتلهب
فتاركهم ما تاركوك فإنهم / إلى الشر مذ كانوا من الخير أقرب
ولا تغترر منهم بحسن بشاشة / فأكثر إيماض البوارق خلب
واصغ إلى ماقلته تنتفع به / ولا تطرح نصحي فإني مجرب
فما تنكر الأيام معرفتي بها / ولا أنني أدرى بهن وأدرب
وإني لأقوام جذيل محكك / وإني لأقوام عذيق مرجب
عليم بما يرضي المروءة والتقى / خبير بما آتي وما أتجنب
حلبت أفاويق الزمان براحة / تدر بها أخلافه حين تحلب
وصاحبت هذا الدهر حتى لقد غدت / عجائبه من خبرتي تتعجب
ودوخت أقطار البلاد كأنني / إلى الريح أعزى أو إلى الخضر أنسب
وعاشرت أقواماً يزيدون كثرة / على الألف أو عد الحصى حين يحسب
فما راقني في روضهم قط مربع / ولا شافني من ودهم قط مشرب
تراني وإياهم فريقين كلنا / بما عنده من عزة النفس معجب
فعندهم دنيا وعندي فضيلة / ولاشك أن الفضل أعلى وأغلب
أناس مضى صدر من العمر عندهم / أصعد ظني فيهم وأصوب
رجوت بهم نيل الغنى فوجدته / كما قيل في الأمثال عنقاء مغرب
وكسل عزم المدح بعد نشاطه / ندى ذمه عندي من المدح أقرب
كأن القوافي حين تسعى لشكرهم / على الجمر تمشي أو على الشوك تسحب
أفوه بحق كلما رمت ذمهم / وما غير قول الحق لي قط مذهب
وأصدق إلا أن أريد مديحهم / فإني على حكم الضرورة أكذب
ولو علموا صدق المدائح فيهم / لكانت مساعيهم تهش وتطرب
ولكن دروا أن الذي جاء مادحاً / بغير الذي فيهم يسب ويثلب
ومازال هذا الأمر دأبي ودأبهم / أغالب لومي فيهم وهو أغلب
إلى أن أدالتني الليالي وأعتبت / وما خلتها بعد الإساءة تعتب
فهاجرت نحو الصالح الملك هجرة / غدت سبباً للأمن وهو المسبب
فمن مبلغ سعد العشيرة معشري / وشعباً بهم صدع النوائب يشعب
بأني قد أصبحت جاراً لأبلج / مدائحه من ريق المزن أعذب
يشجع آمال العفاة ابتسامه / وتجبه آساد الشرى حين يغضب
غفرت به ذنب الليالي التي مضت / وربتما يستوجب العفو مذنب
لئن شغفت غر القوافي بحبه / فكل امرئ يولي الجميل محبب
وإن عز مثواها وطال بقربه / فكل مكان ينبت العز طيب
وكم نبت الأوطان يوماً بأهلها / فأورثها عز الحياة التغرب
وهذا رسول الله فارق مكة / على جفوة لم ترضها فيه يثرب
ولولا فراق السيف للغمد لم يفز / له بجميل الذكر حد ومضرب
ولو لزم الطير الفلاة ووحشها / أماكنها ما صاد ناب ومخلب
وحسبي أن أصبحت جاراً لساحة / مكارمها بالوافدين ترحب
رأينا بيومي بأسه ونواله / على ضاع فيه حاتم و المهلب
إذا ما ذكرنا وقعة من حروبه / فيما يذكر الحيان بكر وتغلب
له معجزات في الشجاعة والندى / وسر عن الأبصار فيها مغيب
ترى كل رعديد الفؤاد وباخل / يصدقها ف ينفسه ويكذب
عُلى بهرت آياتها بطلائع / فهل في العُلى أيضاً نبي مقرب
تيقنت الأفرنج أنك إن ترد / دمارهم لم ينجهم منك مهرب
وخافتك إن لم تعطها الأمن منعماً / فجاءتك بالأسد الثرى تتغلب
وأهدوا رجال السلم آلة حربهم / ومن بعض ما أهدوا مجن ومقضب
وذلك فأل صادق إن عزهم / بسيفك يا سيف الهدى سوف يسلب
لك الرأي لم تلل ظباه ولم يُفل / إذا ظلت الآراء تطفو وترسب
وما شئت فاصنع راشداً في سؤالهم / فرأيك من رأي البرية أصوب
وعندك حزم لا يضيق نطاقه / وصدر من الدهناء أرخى وأرحب
أقول لمغتر بظاهر بشره / تيقظ فإن الماء يخفيه طحلب
ولا تركنن للبحر عند سكونه / وبادر فإن البحر إن هاج يعطب
وقد يبسم الضرغام وهو معبس / وقد يتلظى البرق والغيث يسكب
تباعد إذا أولاك قرباً ولم يزل / أخو الحزم من يخشى الملوك ويرهب
فلا تتصوره بصورة صاحب / فليس أبو شبلين غرثان يصحب
ولا تتسحب واثقاً بحيائه / فما ذلك إلا واثق يتسحب
مهدت لنا أكناف عز منيعة / على أنها من مرتقى النجم أعزب
وأسبلت أستار الحجاب مهابة / وذلك في بعض المواطن أهيب
ولكنك الشمس التي لا محلها / بدان ولا أنوارها قط تحجب
نراك وستر من جلالك حائل / فنحن حضور والبصائر غيب
وأكثر ما نلقاك حلماً ورحمة / إذا كان ذنب للعقوبة يوجب
قصدت ولكن فيك فضل بقية / يغالبها رأي العفاف فيغلب
تميل إذا ما كان في الأمر شبهة / إلى كل ما فيه من الله تقرب
فلا زلت للدنيا وللدين عصمة / وثغرهما من مأثراتك أشنب
أيحسب صرف الدهر أني عائبه
أيحسب صرف الدهر أني عائبه / على ما أتى من زلة وأعاتبه
وماذا عسى يجدي علي عتابه / وقد أنشبت في خلب قلبي مخالبه
مساعيك يهدي للنجاح طلابها
مساعيك يهدي للنجاح طلابها / وتحدى لإصلاح الفساد ركابها
لقد أسفرت عن غرة المجد سفرة / دنا بك من بعد الرحيل إيابها
قدمت فأقدمت الحياة لأنفس / يمنيك إن ضن السحاب سحابها
وأطلعت نور العدل في كل بلدة / جبينك إن غاب الشهاب شهابها
ترحل عنها مذ رحلت أنيسها / فبان عليها وحشها واكتئابها
وكانت رحاب الملك تشكو فراغها / فمذ أبت ضاقت بالوفود رحابها
وأضحت تحيي بالسجود كرامة / ويشفي شفه اللاثمين ترابها
ولله عزم كاملي وهيبة / نرى الدهر يرجو فضلها ويهابها
يفرق في أهل الوداد ثوابها / ويجمع في أهل العناد عقابها
وكم أمنت ثغر المخافة قبها / ولاحت به للوافدين قبابها
أفي كل يوم أنت مزج كتيبة / يسيل بها وهد الربى وشعابها
فيوماً إلى أرض الصعيد صعودها / ويوماً كما انصب الأتي انصبابها
ولما رمت بالأمس حي لواتة / أطاعك عاصيها وذلت صعابها
ولو أنها ما أعتبتك مطيعة / لكان بأطراف الوشيج عتابها
وأوطأتهم أيدي جياد متى ترد / لمعمورة كيداً أتاها خرابها
على صحف البيداء منها كتائب / سطور قناها في المصف كتابها
جياد عليها كاسمها من كماتها / فقد كرمت أعرابها وعرابها
عليها أسود تحمل الغاب من قنا / ومن عجب أن يصحب الأسد غابها
متى ما تخاصمها الخطوب فإنما / بألسنة الأغماد يتلى كتابها
لها حجب يوم الوغى من مثارها / وأبوابها في السلم سهل حجابها
إذا غضب الإسلام أرضاه بأسها / وما رضي الإسلام لولا غضابها
شفى غلة الدنيا شجاع بن شاور / إلى أن تجلى شكها وارتيابها
ولاذت بعطفيها المنيعين دولة / به عاد من بعد المشيب شبابها
تتيه بيوميه سماحاً ونجدة / ويزهو به محرابها وحرابها
وبالجانب الغربي جردت عزمة / يفل بها ظفر الأعادي ونابها
إذا ما بغتها همة كاملية / فقد ولغت بالأسد فيها ذئابها
هم فتحوها ثلمة في عصا العلى / ولولاك في شعبان ظل انشعابها
دعيت لها لما دعت آل شاور / فما شعرت إلا وأنت جوابها
فتحت على الهادي أبي الفتح بالظبى / وبالرأي قطريها وقد سد بابها
وسكنتها والسيف في الجفن نائم / ولولا حذار الضرب دام اضطرابها
تكفلتها عن حضرة شاورية / منابك عنها في الأمور منابها
ولو لم تناصب عن وزارة شاور / أعاديه لم يستقر نصابها
فلا غرو أن أفضى إليك نعيمها / وأفضى إلى شاني علاك عذابها
وأصبح مقسوماً بأمرك في الورى / ندى وردى شهد الليالي وصابها
وما نحن إلا روضة كاملية / أياديك يا رب السماح ربابها
وقد ظمئت آمالنا نحو مزنة / ذهاب القوافي أن يظن ذهابها
نعد لها الأوقات إذ كل مزنة / سواها سراب لا يرجى شرابها
وهذي قوافي الشعر يثنى عنانها / إليك وتلوى عن رحال رقابها
وما ذاك إلا أنها فيك لم تزل / تفوه بصدق لم يشبه كذابها
وهنيت عن شهر الصيام وظائفاً / من العمل المبرور يرجى ثوابها
صيام يزكيه قيام وخشية / رقيب عليها خوفها وارتقابها
وألطاف أفعال من الخير لم يثب / إلى أحد إلا إليك انتسابها
بقيت فإن الجود واليأس والعلى / قشور إذا عدت وأنت لبابها
افخر فحسبك ما أوتيت من حسب
افخر فحسبك ما أوتيت من حسب / كفاك مجدك من إرث ومكتسب
لولا الحفاظ على الأنساب مكرمة / أغناك فضلك أن تعزى إلى نسب
وقد رأينا رسول الله أشرف من / نعده وهو منسوب إلى العرب
فليهن دولة مصر أنها نصرت / من آل سعد بخير ابن وخير أب
بشاور وشجاع عز نصرهما / عزت على طارق الأيام والنوب
غيثان إن وهبا ليثان إن وثبا / فاضا على الخلق بالإعطاء والعطب
هو الكفيل ولكن قد كفلت له / أبا الفوارس نجح السعي والطلب
لو لم تناصب عداه دون مطلبه / ما قر من دسته في أشرف الرتب
وما أتته من الأيام نازلة / إلا وسيفك فيها كاشف الكرب
مواطن لم يغب لما حضرت بها / والشبل إن يحم غاب الليث لم يغب
دارت عليك أمور الملك قاطبة / وهل تدور رحى إلا على قطب
أصبحت منه كنوز الشمس مشرقة / أو لا كمثل فرند السيف ذي الشطب
كم عقدة من خطوب الدهر مبرمة / قد حل سعدك منها عقدة الذنب
في كل يوم إلى الأعداء مرتحل / يشكو به الظهر جور السرج والقتب
وعسكر كأتي السيل مندفعاً / إما إلى صعد في الأرض أو صبب
كانت لواتة حياً لا يروعه / حي وشعباً صحيحاً غير منشعب
وطالما أمعنوا في البغي واحتقروا / جر الكتاب والتهديد بالكتب
وكم دعتها ملوك العصر قبلكم / إلى المجير فلم تسمع ولم تجب
حتى رماهم أبو الفتح الذي ضمنت / أسيافه فتح باب المعقل الأشب
بث الجيوش على التدريج فانبعثت / في غزوهم سرباً كالوابل السرب
وكنت آخر سهم في كنانته / وفارس الروع من يحمي حمى العقب
ولم يزل عندهم منع ومقدرة / وأمرهم مستمر غير مضطرب
حتى نهضت فلم تنهض قوائمهم / والرعب يخفق في الأحشاء والركب
وسار من ذكرك العالي مقدمة / كانت طليعة ذاك الذعر والرعب
وما على القوم من عار إذا اعصتموا / أبا الفوارس خوفاً منك بالهرب
ولو قدحت شهاب العزم معتزماً / حرب الكواكب خافت أنفس الشهب
وما لواتة بالمحقور جانبها / لكنك البحر مداً وهي كالقلب
ولو وصفتهم بالضعف ما نسبت / إليك مكرمة في القهر والغلب
كسر العمود هو الفتح الذي جبرت / بن ظباكم عماد الملك والطنب
يد لكم في رقاب الجند تشكركم / لأجلها ألسن الأيام والحقب
رد الإله بكم إقطاعهم ولقد / كانت على ما مضى نهبى المنتهى
وسوف تشكركم آثار نعمتكم / في جند مصر كشكر الروض للسحب
عممتم الناس بالحسنى فشكركم / دين على ذمة الأشعار والخطب
وزاد في خطر الآداب أنكم / أغليتم بعد رخص قيمة الأدب
وإن شاعركم المثني عليك بما / شادت مماليك يستغني عن الكذب
لما أرحت ضمير الملك من تعب / باتت لخدمتك الأشعار في تعب
ما كل سجع بمعدود من الخطب
ما كل سجع بمعدود من الخطب / فلا تغرنك دعوى الناس في الأدب
فاقبض على كلماتي كف منتقد / زيف الكلام فليس الصفر كالذهب
قصائدي لم تزل في كل جارحة / من حسنها نشوات الخمر والطرب
كانت مكرمة المثوى منزهة / في أرض مصر عن التصريح بالطلب
فأصبحت في جوار النيل ظامئة / تحوم حول لآل الماء والعشب
حتى كأن بني أيوب ما علموا / بأنني في زماني أفصح العرب
ضاقت علي لياليهم وقد رحبت / للوافدين إلى الساحات والرحب
حتى كأن أذى قلبي يطيب لهم / كالعود لولا حريق النار لم يطب
خافوا علي ولا رأيي بمنحرف / عن الوداد ولا قلبي بمنقلب
فإن أتى فرج من راحتي فرج / فليس ذاك بمعدود من العجب
الأبلج الطلق وجهاً والكريم يداً / إذا تجهم وجه الدهر والسحب
الأورع البر لا تخشى بوادره / إذا استخفت رجالاً سورة الغضب
لا بالحريص على الدنيا إذا انحرفت / ولا البخيل بما يحوي من النشب
لما عرفت سجاياه التي كرمت / عرفت منه شريف النفس والحسب
وقلت للمتعاطي شأو شيمته / ما أوضح الفرق بين الرأس والذنب
يحدث الصدق عن أفعال سؤدده / بسيرة أمنت من وصمة الكذب
لو كان في السلف الماضي لكان به / إما ولياً لعهد أو وصي نبي
أغيب عنه وألقاه ومنزلتي / محروسة فكأني عنه لم أغب
محبة سهلت وعر الكلام له / حتى كأني أستملي من الكتب
إن للقوافي إذا قلت كرامتها / زيادة بعد قتل النفس في السلب
كم مات قوم فأحيتهم مدائحهم / والشعر أشرف إحياء من النسب
أعطى نصيب بني مروان خالدة / تبقي عليهم بقاء السبعة الشهب
أولوه نزراً فأولاهم مجازفة / ما في الحقائب ما يبقى على الخطب
فلينظر المجد في إنجاز موعده / فشهر طوبة فيه الكسر للقضب
أيا مالكاً تسمو به رتب العلى
أيا مالكاً تسمو به رتب العلى / وتعلو على زهر النجوم مراتبه
تمل بدست أنت بدر سمائه / وأبناؤك الغر الكرام كواكبه
وفي عودة الأصدى دليل سعادة / تبشر في الدنيا بما أنت طالبه
جواد أبى الله المهيمن أن يُرى / وشخص سوى بدر بن زريك راكبه
لو أمكنتني في مدحي لك الشهب
لو أمكنتني في مدحي لك الشهب / لم يرضني في علاك الشعر والخطب
ولو نظمت النجوم الزهر ممتدحاً / لم أقض من حقك المفروض مايجب
أحسنت يا بدر إحساناً ملكت به / ودي فصرت إلى نعماك أنتسب
وعرفتك أياديك التي كرمت / كيف السبيل إلى أن يملك العرب
وسعت ما ضاق من رزقي وزدت على / ما كنت أرجوه في نفسي وأحتسب
لعل حلمك وهو الحق ينصف من / قضية يشتكي من جورها الأدب
هذا ابن سبريه جاءته زيادته / عفواً وما عنده هم ولانصب
فكيف تأبى الليالي أن تنجز لي / زيادة أنت في إثباتها السبب
لولا شفاعتك الحسنى لقصر بي / عن البلوغ إليها السعي والطلب
أرويتني وأسود الغاب ظامئة / فكيف يعطش من تعنى به السحب
قل لمن يرتجي طنين الرباب
قل لمن يرتجي طنين الرباب / عند تغريد طائرات الذباب
أخلفت خلب البروق أراجي / ك كما أخلفت بحور السراب
ظامياً ظل يرقب العذب منها / فغدا شارباً كؤوس العذاب
فاجتنب ما غررت فيه وعرج / نحو رأي مستخلص كاللباب
والتمس غرب باترات من الغر / ب فما خاب حازم الاغتراب
واصدع الهم باهتمام أبي / لم يهب عزمه ركوب الصعاب
أنف العيش تحت خطة ضيم / فرمى طرفه فويق السحاب
ولتجدني متى عزمت رفيقاً / سائراً مسرعاً أمام الركاب
وهو قول عدلت فيه عن الغي / ر ولم أرتكب معمى الخطاب
وأنا واصل وراء كتابي / قادم خلفه على الأعقاب
وما كنت أرضى عن علاك بذا الجفا
وما كنت أرضى عن علاك بذا الجفا / ولكنه من غاب غاب نصيبه
يا غائباً عنا قد اش
يا غائباً عنا قد اش / تاقت لطلعتك القلوب
إن كنت أصبحت البعي / د فأنت في قلبي قريب
البدر في نصف الشهو / ر وقد تكامل لا يغيب
ومغيب شخصك عن زيا / رة من تحب هو العجيب
أترى يكون لي الخلاص قريب
أترى يكون لي الخلاص قريب / فالموت بعدك يا بني يطيب
عللت فيك الحزن كل تعلة / لم تنفعني شربة وطبيب
ما كنت آلف منزلي إلا به
ما كنت آلف منزلي إلا به / ولقد كرهت الدار بعد مصابه
وكرهت عيشي بعدما فارقته / ورغبت في الترحال نحو جنابه
أنف الإقامة عندنا وصبا إلى / ما يرتجيه من بلوغ ثوابه
ماذا أقل بقاءه ما بيننا / مترحلاً للترب عن أترابه
حار الطبيب بما يداوي داءه / لما غدا والموت أكبر دابه
ما كان في خلدي ولا بتصوري / أن الحمام يحثه بحرابه
قد كنت آمل أن أكون فداءه / أخطأت في أملي وظن حسابه
فارقته والعيش فارق خاطري / وتفكري لم يخل من أسبابه
أتراك إسماعيل تعلم ما الذي / في القلب من لوعاته وعذابه
وظننت أن النوم باشر مقلة / لم تكتحل غمضاً ولا تحظى به
أتبيت إسماعيل ثاو في الثرى / من بعد قلب كنت من حجابه
ورحلت عن صدري وحجري للبلى / رغماً علي وصرت رهن ترابه
ولقد أمنت عليك نائبة الردى / لم أدر حتى صرت في أنيابه
مازال يخدعني عليك وإنما / أرداك مخلبه بطول خلابه
ضر الحوادث ليس يؤمن خطبه / لكنني من بعض من أغرى به
وحسبت خيراً بالزمان وريبه / فغدوت أخسر واثق بحسابه
الموت فرق شملنا وأضامنا / والدهر ساعده على أوصابه
لم تسو فرحة مهجتي بولادة / عادت بموتك ترحة بمنابه
وكذاك ماسويت عمارة منزل / وكماله بفنائه وخرابه
فلأبكين عليه ما لاح الضيا / أو ما اقتضاني القول حسن جوابه