المجموع : 21
مَن لِثاوٍ في الأَهلِ يَشكو اِغتِرابَه
مَن لِثاوٍ في الأَهلِ يَشكو اِغتِرابَه / سَئِم العَيشَ عَذبَهُ وَعَذَابَه
ودَّ لَو تُطفئ المنونُ وَميضاً / مِن حَياةٍ برُوقُها خَلابَه
راحَ في اللَيل يَعقِد الأَمَل الضَخ / مَ فَلَما بَدا الضِياءُ أَذابَه
كُلّ يَومٍ لَهُ أَمانيُّ تَفنَى / وَرَجاءٌ تُذوي اللَيالي شَبابَه
تَتَهادى الآمالُ مِنهُ فَتَهوي / فَلَذاتٌ مِن نَفسِهِ الوَثّابَه
جَحَدُوا عِندَهُ المَواهِبَ حَتّى / لَم يُبالوا أَن يَجحَدوا وَهّابَه
يُرسِلُ النُورَ في عُيونِ الخَفافي / شِ فَتَأبى العُيونُ إلّا احتجابَه
ويَسوقُ اللحنَ الشجيَّ إلى الصُم / مِ فَتَأبى الأسماعُ إلا نُعابَه
وَيفيضُ العَذبَ الشَهيَّ عَلى أَف / واهِ مَرضى لا تَستَسيغ شَرابَه
وَلَكم نَفحَةٍ مِن الرَوضِ صدُّوا / عَن شَذاها وَاِستَروحوا أَحطابَه
أَكثَرُ الإنسِ لا تُحسُّ لَدَيهِ / مِن صِفاتِ الإِنسانِ إِلّا إِهابَه
حامِلٌ في أَديمِهِ نَفس عَجما / ءَ وَفي الشَكل مُشبِهٌ أَضرابَه
يا لَجهد قَد كانَ يَذكُو التِهاباً / أَخمَد الغَبنُ وَالعُقوقُ التِهابَه
وَفُؤادٍ قَد كانَ مَهدَ الأَماني / صارَ لَحداً تَسقي الدُموعُ تُرابَه
وَذكاء يُجزى عَلَيه جُحوداً / حينَ يُجزى الغبيُّ مِنهُم ثَوابَه
وَنُبوغٍ يَضيعُ بَينَ جَهولٍ / وَحَسودٍ بِالضَغنِ ضَلَّ صَوابَه
تَملأ الشَمسُ عَينَهُ فَيَراها / وَعَلَيها مِن الحقودِ ضَبابَه
كَم دَعِيٍّ قَلَّدتُموه خَطيرَ ال / أَمرِ فيكُم وَذُدتُم أَربابَه
وَغَبيٍّ يَحيا سَعيداً وَيَعزُو / نَ إِلَيهِ مِن كُلِّ فن لُبابَه
حِينَ يَشقى أَخو الذَكاءِ وَيَطوي / فيكُم العُمرَ حامِلاً أَوصابَه
لَم يُنافِق فَيَستَحقَّ لَدَيكُم / رَغَد العَيش مُحكِماً أَسبابَه
عَلِّموه الرِياءَ مِمّا عَلِمتم / وَخداعَ النُهى فَيقرَعَ بابَه
بَل دَعُوه وَشَأنَهُ لَن تَرَوهُ / بائِعاً نَفسَه وَلا آدابَه
إِنّ سَفكَ الدِماءِ أَوهى حِساباً / مِن دَمِ الفَضلِ تَحملونَ حِسابَه
إِنَّما العَبقَريُّ رُوحٌ مِن الل / هِ أَمينٌ يُوحي إِلَيكُم كِتابَه
إِن قَتل النُبوغ قَتلٌ لِشَعبٍ / وَعِنادٌ لِلّهِ فيمَن أَتابَه
اليَوم تُبعَثُ مِن أَجداثِها العربُ
اليَوم تُبعَثُ مِن أَجداثِها العربُ / وَيَزدَهي مِثلَ ماضِي عَهدِهِ الأَدَبُ
وَتُشرِقُ الشَمسُ في البَيداءِ صافيَةً / مِن بَعدِ ما طَمَسَت أَنوارَها السُحُبُ
نَجدُ الجَزيرة وَالأَغوارُ في جَذَلٍ / قَد اِستَخَفَّتهما السَرّاءُ وَالطَرَبُ
سَرى إِلى قَفرِها بُوقٌ يُبَشِّرُها / كَأَنَّهُ بارِقٌ بِالغَيثِ يَنسَكِبُ
هَشَّت لَهُ في ثَرى البَيداءِ أَعظمهم / وَكادَ يُسمَع مِنها الشعرُ وَالخُطَبُ
تِلكَ القِفارُ تَراها اليَومَ مُجدِبَةً / وَكانَ لِلفنِّ فيها المَرتَعُ الخَصِبُ
رَوضُ البَيانِ بِها كَم كانَ مُزدَهِراً / شَدوُ البَلابِلِ في أَفنانِهِ عَجَبُ
كَم أَشرَقَت في نَواحي أُفقِها شُهُبٌ / سَرَت عَلى ضوئِها الأجيالُ وَالحِقَبُ
كَم أَهدَتِ البِيدُ لِلدُنيا حَضارَتَها / صَريحَةً لَم يَشُبها الغشُّ وَالكَذِبُ
حَضارَةٌ رفَعَ الفُرقانُ ذروتَها / أَساسُها وَحدةُ الإِنسانِ لا الغَلَبُ
لَو اِستَظَلَّ بِضافي ظِلِّها أُمَمٌ / في الأَرضِ ما اِختَصَموا يَوماً وَلا اِحتَرَبُوا
طَغى العقوقُ وَغَدرُ الأَقربينَ عَلى / هَذا التُراثِ فَأَضحى وَهوَ ينتَهِبُ
باعُوا اللآلئَ كَالأَصدافِ مِن سَفَهٍ / وَعُذرُهُم أَنَّهُم في الغَوصِ ما تَعِبُوا
لَولا يَدٌ مِن أَبي الفاروقِ سابِغَةٌ / في اللَهِ وَالحَقِّ ما تُسدي وَما تَهَبُ
أَسدى إِلى لُغَةِ الفُرقانِ مَكرُمَةً / لَيسَت تَفي شُكرَها الأَسفارُ وَالكُتُبُ
بِالأَمسِ حاطَ كِتابَ اللَهِ مِن عَبَثٍ / وَاليَومَ يُسدي إِلى الفُصحى وَيَحتَسِبُ
وَكَم أَيادٍ عَلى الآدابِ شاهِدَة / بِأَنَّ مصرَ إِلى آمالِها تَثِبُ
يُعينُهُ عَبقَريُّ الذهنِ مُحتَمِلٌ / عِبءَ المَعارِفِ نَهّاضٌ بِها دَرِبُ
عيسى سَمِيُّك أَحيا المَيتَ مُعجِزَةً / وَأَنتَ تَفعَلُ ما تَحيا بِهِ العَرَبُ
فَاليَومَ تَخلَعُ أَكفانَ البِلى لُغَةٌ / قَد أُلبِستها وَأَثوابُ الصِبا قُشُبُ
كَم حاوَلَت عصبةٌ إِطفاءَ جَذوَتِها / وَنارُها في رَمادِ الغَبنِ تَلتَهِبُ
لَم يَبرَحُوا ساحِلَ اللُّجِّي وَاِتَّهمُوا / وَفي القَرار يَتيمُ الدر لَو طَلَبوا
لا يَخجَلونَ حَياءً إِن همُو لَحَنوا / فيها وَفيما سواها اللَحن يُجتَنبُ
ما قصَّرَت لُغَةُ الفُرقانِ عَن غَرَضٍ / وَلَم يُؤدِّ سِواها كُلَّ ما يَجبُ
كَم في مَعاجِمها مِن طُرفَةٍ عَجَزَت / عَنها لُغاتُ الوَرى لَو تُكشَفُ الحُجُبُ
وَكَم ثَرى في تُرابِ الأَرضِ تَحقِرُه / وَفي ثَناياهُ لَو فَتَّشتَه الذَهَبُ
قُل لِلوَزير بَقاءُ الخَيرِ في عَمَلٍ / بِالعاملين فَقدِّر حينَ تَنتَخِبُ
لا يَخدَعنَّكُم جاهٌ وَلا لَقَبٌ / فَكَم أَضاعَ عَلَينا الجاهُ وَاللَقَبُ
لا يُعجِبَنَّكُم في الحَشد كَثرتُهُ / قَد يَفعَلُ الفَردُ ما لا تَفعَلُ العُصَبُ
وَلا تَكُن شُهرةُ الأَسماءِ رائِدَكُم / رُبَّ اِشتِهارٍ بِمَحضِ الحَظِّ مُكتَسَبُ
وَقَد بَلَونا أُناساً طارَ صِيتُهُمُ / فَلَم نَجد غَيرَ قَومٍ جِدُّهُم لَعِبُ
قَد حَيَّروا الناسَ ماذا يَصنَعونَ لَهُم / إِن يُطلَبوا هَرَبُوا أَو يُترَكوا غَضِبوا
كِلُوا الأُمورَ إِلى قَومٍ ذَوي دَأَبٍ / لا يَفتُرون وَلا يُوهِيهمُ نَصَبُ
مُستَرشِدين بِذَوقٍ في بحوثهمُو / مَن يَفقِد الذَوقَ لَم يَنهَض بِهِ الدَأَبُ
وَالاجتِهادُ بِغَيرِ الذَوقِ مَضيَعةٌ / ذُو الجهد إِن لَم يُعِنهُ الذَوقُ مُحتَطِبُ
وَهَيئوا لِعَظيم الأَمرِ عُدَّتَه / مِن الكُفاةِ وَلا تَغرُركمُ الرُتَبُ
حَمَّلتَ مصرَ لِواءَ الشَرقِ قاطِبَةً / فَالشَرقُ مِن حَولِها يَرجو وَيَرتَقِبُ
تَقَطَّعَت قَبلَكَ الأَرحامُ وَاِبتَعَدَت / وَاليَومَ في المجمعِ المصريِّ تَقتَرِبُ
يا مُنى النَفسِ يا مَثابَة حُبّي
يا مُنى النَفسِ يا مَثابَة حُبّي / أبسِمي يَبسِم الرَجاءُ بِقَلبي
أَسفِري عَن شُعاعِ ثَغرِك يُسفِر / لفُؤادي نُورٌ مِن الحُسنِ يُصبي
وَأَضِيئي ذاكَ السَنا مِن ثَنايا / كِ تُضِيء بِالرَجاءِ أَحلامُ صَبِّ
أَبسِمي لِلصَديقِ بَسمَةَ راضٍ / عَن هَواهُ يُنيلُ قُرباً بِقُربِ
أَبسمي لِلوشاةِ بَسمَةَ زارٍ / ساخِرٍ بِالوشاةِ غَيرِ مُلبّي
أبسمي للسَقيمِ بَسمة آسٍ / أَيُّ طبٍّ في سِحرِها أَيُّ طِبِّ
أبسمي لِلزَمانِ بسمَةَ لاهٍ / لَيسَ يُلوي عَلى الزَمانِ بِعَتبِ
أبسمي لِلحَياةِ بَسمَةَ راجٍ / يَنهَبُ العَيشَ بِالمُنى أَيّ نَهبِ
أبسمي كُلُّ ما تَرَين جَميلٌ / كُلُّ شَيءٍ يَحلو بِقَلبِ المُحبِّ
أَبسمي لِلظَلام يَبسِم بِصُبحٍ / وَأَبسِمي لِلصَباح بَسمَةَ عُجبِ
أبسمي لِلرِياضِ يَبسِم لَكِ الزَ / زَهرُ وَيُكسَ النَباتُ نضرَةَ خِصبِ
يا شِفاهاً كَأَنَّها وَرَقُ الوَرد / سَقَتها خمرُ الرُضابِ بِعَذبِ
يا لوَردٍ تَشِعُّ فيهِ الثَنايا / بسناً يَسحرُ القُلوبَ وَيَسبي
لَو ضَممتِ الشفاهَ ضَناً عَلَينا / نفَذَت بالسَنا إِلى كلِّ لُبِّ
يا ثَنايا كَأَنَّها في صَفاءٍ / بَرَدٌ ساقَطَتهُ أَنداءُ سُحبِ
فَلَّجَت بَينَها مُنافَسَةُ الحُسنِ / فَكُلٌّ بِحَظِّهِ مِنهُ يُتبي
وَيَروحُ الحَديثُ مِن فِيكَ تَيّا / هاً فيُزهى بِلُؤلؤٍ مِنهُ رَطبِ
فَإِذا مازجَ الحَديثَ اِبتِسامٌ / راحَ مِنهُ نَشوانَ مِن غَيرِ شُربِ
ابسِمي لِلمقِلِّ يَستَصغِر الكَو / نَ بِما فيهِ مِن ثَراءٍ وَكَسبِ
ابسِمي لي إِذا سَأَلتُ لِقاءً / بَسمَةٌ مِنكِ لَو تَشائِينَ حَسبي
أدِّكاراً بَعدَ ما وَلّى الشَبابُ
أدِّكاراً بَعدَ ما وَلّى الشَبابُ / وَمِنَ الذِكرى نَعيمٌ وَعَذابُ
لا تَقُل تَعزية عَن فائِتٍ / كَم عَزاءٍ في ثَناياهُ المُصاب
وَإِذا الدارُ جَفاها أُنسُها / فَمَغانيها مَعَ التُربِ تُراب
وَإِذا الرَوضُ ذَوَت أَوراقُه / فَغِناءُ الوُرقِ في الرَوضِ اِنتِحاب
وَإِذا ما الزَهرُ وَلّى حُسنُهُ / فَبَقاياهُ عُبوسٌ وَاِكتِئاب
وَاِحمِرارُ الشَمسِ في مَغرِبِها / دَمعُها القاني أَو القَلبُ المُذاب
إِنَّما الذِكرى شُجُونٌ وَجَوى / يَسكُنُ القَلبُ لَها وَهيَ حِراب
رُبَّ نَفسٍ عَشِقَت مَصرَعَها / كَفَراشِ النارِ يُغريهِ الشِهاب
وَلَكَم أُنسٍ وَفيهِ وَحشَةٌ / وَاِقتِرابٍ هُوَ نَأيٌ وَاِغتِراب
عَلِّلي القَلبَ بِذكراكِ وَإِن / كانَ لا يُغني عَن الماءِ السَراب
وَصِلينا في الكَرى أَو في المُنى / مَن أَباهُ الصِدقُ أَرضاهُ الكِذاب
أَو عِدينا عِدَةً مَمطُولَةً / قَد يُشامُ البَرقُ إِن ضَنَّ السَحاب
كَم تَمَنَّينا عَقيماتِ المُنى / وَدَعَونا وَصَدى الصَوبِ جَواب
وَرَضينا بِقَليل مِنكِ لَو / أَنَّ مُشتاقاً عَلى الشَوق يُثاب
لا أَرى بَعدَكِ شيئاً حَسَناً / آهِلُ الأَرضِ بِعَينيَّ يَباب
رَنَّةُ العُودِ بِسَمعي أَنَّةٌ / وَسُلافُ الخَمرِ في الأَقداحِ صاب
يا زَماناً صَفِرت مِنهُ يَدي / غَيرَ ما تُبقي الأَمانيُّ العِذاب
لَيتَ نَفسي ذَهَبَت في إِثرِهِ / فَذهابُ الصَفوِ لِلمَرءِ ذَهاب
مَن لِقَلبٍ حامِلٍ مِن وَجدِهِ / ما يَذُوبُ الصَخرُ مِنهُ وَالهِضاب
حَمَلَ الأَيّامَ ذِكرَى وَمُنىً / ضاقَتِ الدُنيا بِها وَهيَ رِحاب
وَالمُنى عُذرُ الليالي إِن جَنَت / وَهيَ لِلشاكي عَلى الدَهرِ عِتاب
وَنَعيمٌ يَعِدُ القَلبُ بِه / نَفسَهُ حينَ المقاديرُ حِجاب
لَيتَها دامَت عَلى خُدعَتِها / أَحسبُ الخَيرَ وَيَعدوني الحِساب
رُبَّما رَفَّهَ ظَنٌّ خاطِئٌ / وَلَقَد يَجني عَلى النَفسِ الصَواب
غَيرَ أَنَ اليَأسَ قَد أَبقى بِها / مِثلَما يُبقي مِن الشَمسِ الضَبّاب
لَم يَدَع لي اليَأسُ ما أَحيا بِهِ / غَيرَ قَد كُنّا وَقَد كانَ الشَباب
مِسَرَّةٌ تُسعِفُ المحبّا
مِسَرَّةٌ تُسعِفُ المحبّا / تَرُدُّ بُعد المزارِ قُربا
إِذا أَدَرتَ البنانَ خَمساً / بِها نَهَبتَ الفَضاءَ نَهبا
إِلى الَّذي كَم ظَلَلتَ تَرجُو / لِقاءهُ وَالزَمانُ يَأبى
تُذَلِّلُ البَرقَ تَمتَطيهِ / وَقَد سَلَكتَ الهَواءَ دَربا
لَم تَتَّخِذ لِلسِفارِ زاداً / وَلَم تَذُق في الرحيل خَطبا
وَلا جَهَدتَ المطيَّ حَتّى / شَكَت لِعَرضِ الفَلاةِ كَربا
كَأَن عرضَ الفَضاءِ فيها / نادٍ يَضُمُّ الرِفاقَ صَحبا
أَمينَةٌ لا تُذيعُ سِراً / لِمَن قَلى أَو لِمَن أَحَبّا
حَفيظةٌ لا تُضِيع حَرفاً / وَلا تَزيدُ الكَلامَ كِذبا
فَجدَّ في أُذنِها أَو اهزِل / وَقُل ثَناءً بِها وَثَلبا
فَلا تَراها تَسدُّ أُذنا / مَهما تُطِل لَو قَرَأتَ كُتبا
وَقاطعُ القَولِ عَن أَخيهِ / تردُّه بِالصَغير سَلبا
فَيا لَها آلَةً تُرَبّي / ذا الجَهلِ بِالذَوقِ لَو يُربّى
وَكَم تَحايا تَحمَّلتها / أَدنَت لِقَلبِ الصَديق قَلبا
وَكَم سَمعنا بِها حَديثاً / سَرى لِقَلب المَشُوق طبّا
وَكَم ثَقيل الحَديثِ لَولا / جُمودُها أَوسَعَته سَبّا
تَكادُ ممّا يُطيلُ فيها / تَفرُّ مِمن دَعا وَلَبّى
أَلقى عَلَينا بِها رُجُوما / مِثل الصَفا أَو أَشَدَّ ضَربا
وَكَم نَراها تُثير سُخطا / وَكَم نَراها تُجدُّ حُبّا
فَذَلِكَ العلمُ لا قُشورٌ / نَلهو بِها لا تُفيدُ لُبّا
هاتِ اِسقِني فَاللَيلُ شابَ ذَوائِبُه
هاتِ اِسقِني فَاللَيلُ شابَ ذَوائِبُه / وَتَكادُ تَجنَح لِلفرار كَتائِبُه
بِكراً تُضِيءُ إِذا بدَت في كَأسِها / حَتّى يَكادَ الأُفقُ يُشرِقُ جانِبُه
مَحبوسَةً في دَنِّها حَتّى غَدَت / كَالشَكِّ في أَمرٍ تَحَيَّر صاحِبُه
أَمسَت خَيالاً ما تَكادُ تبينُها / أَتَرى خَيالَ الراح يَأثَمُ شارِبُه
لَطُفَت كَثافتُها فَتِلكَ بَشاشَةٌ / مِنها لِعَيشِكَ إِن تَجهَّم قاطِبُه
صَهباءُ لَو أَسَدُ العَرينِ حَسا بِها / خَمساً لأَلفَيتَ الظِباءَ تُداعِبُه
يَسعى بِها عَذبُ اللَمى مُتَأَوِّداً / كَالغُصنِ تَثنيهِ الصَبا وَتُلاعِبُه
يَمشي وَيُوشكُ أَن يَذوبَ مِن الخُطا / فَكَأَنَّما كَسَلُ الدَلالِ يُجاذِبُه
بَدرٌ يُديرُ مِن الكُؤوسِ كَواكِباً / تَعنو لَها شُهُبُ الدُجى وَكَواكِبُه
في لحظه حَوَرٌ وَبَينَ شَتِيتِه / خَصرٌ مُقَبَّله فَيروى شارِبُه
لاحَظتُه فاحمرَّ زاهرُ خَدِّهِ / خَجَلاً وَأَطرَقَ وَالفُؤادُ يُعاتِبُه
نَفحُ العَبيرِ يَضُوعُ مِن أَعطافِهِ / يُزري بِرَوضٍ باكَرته سَحائِبُه
ما إِن شَربتُ وَلا شَهِدتُ وَإِنَّهُ / شِعرٌ تَأَنَّقَ في التَخيلِ كاتِبُه
عَجباً أَأَشربُها وَذاكَ محمَّدٌ / راحُ النُهى آراؤُهُ وَمَذاهِبُه
أَفريدُ أَوضحتَ الطَريقَ لأمّةٍ / تَعشُو بِلَيلٍ ما تَرِيمُ غَياهِبُه
عَمَرَت رُبوعَ العِلم قَبلُ وَأَطلَعَت / نَجماً تَأَلَّقَ في الغَياهِبِ ثاقِبُه
كانَت مَوارِدُها تفيض فَما لَها / غاضَ المَعينُ بِها وَخُلّيَ طالِبُه
عَبِثَت بِها أَيدي الزَمانِ وَطَوَّحَت / بِتُراثِها أَحداثُهُ وَنَوائِبُه
بَشّت بِكَ الدُنيا لِمصرٍ بَعدَ ما / أَروَته بِالدَمعِ الهَتُونِ نَوادِبُه
أَهلاً بِدائِرَةِ المَعارِفِ إِنَّها / ثَمَرُ النُهى تُجنى لِمصرَ أَطايِبُه
عِلمٌ كَما فاضَ النَميرُ وَمَنطِقٌ / فَصلٌ إِذا ما البُطلُ أَوهَمَ كاذِبُه
حُجَجٌ قَواطِعُ لَو رَميتَ بِبَعضِها / جَبَلاً مِن الشُبُهاتِ هُدِّمَ غارِبُه
وَمَباحِثٌ فاضَت بِما يَشفي الصَدى / فَكَأَنَّها بَحرٌ تَجِيشُ غَوارِبُه
لَم تَبغِ مَرتَبَةً وَلا جاهاً بِها / ما كانَ مِن حُسنٍ فَإِنَّكَ كاسِبُه
وَكَذا الفَتى إِن لَم يَشُب أَعمالَه / دَنَسُ الهَوى فَالباقِيات مَراتِبُه
أَفنى لَها شَرخَ الصِبا لَم يَثنِه / عَنها صُروفُ زَمانِهِ وَمصاعِبُه
وَمَضى يَجِدُّ إِلى الهُدى مُستَبطِناً / عَزماً تَنُوءُ بِمَن سِواهُ مَتاعِبُه
فَلو انَّ لِلعَضبِ الصَقيلِ مَضاءَهُ / لَم تَنبُ في كَفِّ الجَبانِ مَضارِبُه
ولَو انَّ لِلأَيامِ نُورَ ذَكائِهِ / كانَ الظَلامُ ضُحاً تُضيءُ جَوانِبُه
وَلَو انَّ أُمَّتَه جَزَته بِفَضلِهِ / مَلأت نَواحِيَ أَرضِ مصر مَواكِبُه
لا تَلحَهم إِن هُم أَساءوا إِنَّهُم / كانُوا ذَوي فَضل فَمُكِّنَ غاصِبُه
وَالشَعبُ إِن يُسلِم مَقالِدَ أَمرِه / لِسواهُ أَودَت في الإِسارِ مَواهِبُه
يَهنِيكَ ما أُوتيتَه مِن حِكمَةٍ / وَسَدادِ رَأَيٍ لَيسَ يُخطِئُ صائِبُه
أَدرَكتُما غايَةَ الإِعجابِ وَالعَجَبِ
أَدرَكتُما غايَةَ الإِعجابِ وَالعَجَبِ / بِذَلِكَ الفَتحِ في التَأليفِ وَالأَدَبِ
عَرَضتُما قِصّةَ الآدابِ رائِعَةً / تُزهى بِسحرِ بَيانٍ غَيرِ مُقتَضبِ
لَم تَتَركا أَدَباً مِن حِين نَشأَتِهِ / حَتّى نَما وَسَما في سالِف الحقبِ
جَلَوتُما حُسنَهُ في صُورَةٍ تَرَكَت / ما صوَّرُوا غَيرَها ضَرباً مِن اللَعبِ
وَكَيفَ غَيَّره ما مَرّ مِن زَمَنٍ / وَمَن تَعاقَبَ مِن عُجم وَمِن عَرَبِ
وَكَيفَ أَثَّرت البِيئاتُ فيهِ وَما / قَد زادَهُ عَقِبٌ يَرويهِ عَن عَقِبِ
تَبِعتُما خَطوَه في كُلِّ ناحِيَةٍ / أَوى إِلَيها اِتِّباعَ القائِفِ الدَرِبِ
جَمَعتُما الدَهرَ وَالأَقطارَ في صُحُفٍ / مَعدودَةٍ تَزدَهي في ثَوبِها القَشِبِ
مَرَرتُما مَرَّ منطادٍ بِعالَمِه / يُصَوِّر الناسَ وَالأَشباحَ عَن كَثَبِ
فَهاتِيا ما تَبَقَّى مِن كُؤُوسِكما / فَقَد سَكِرنا وَلَم نَشرَب سِوى الحَبَبِ
إِن يَفخر العُربُ الكِرامُ بِكاتِبِ
إِن يَفخر العُربُ الكِرامُ بِكاتِبِ / فَليَفخروا بِيَراعِ ذاكَ الكاتِب
قَلَمٌ بِتَصوير السَرائِرِ مُولَعٌ / غَيبُ النُفوسِ عَلَيهِ لَيسَ بِغائِب
يَسري إِلى طَيِّ الصُدورِ شُعاعُهُ / أَمضَى وَأَثقَبُ مِن شِهابٍ ثاقِب
يَصِفُ النُفوسَ كَما بَراها رَبُّها / وَيُميطُ عَنها كُلَّ ثَوبٍ كاذِب
فَكَأَنَّما يَدعو النُفوسَ فَتَلتَقي / في الطِّرسِ سافِرَةً سفُورَ الكاعِب
سحرُ البَيانِ يُبينُ كُلَّ خَفِيَّةٍ / أينَ المُصَوِّرُ مِن يَراعِ الكاتِب
إِيهٍ أَديبَ الشَرقِ هاتِ رَوائِعاً / قِصَصاً تُوَشِّيها بِظَرفٍ خالِب
وَأَفِض عَلى اللُغة الكَريمَةِ ثَروَةً / فَالعُربُ أَشكَرُ أُمّةٍ لِلوَاهِب
أَميرَ البَلاغَةِ فيما كَتَب
أَميرَ البَلاغَةِ فيما كَتَب / إِلَيكَ تَناهى بَيانُ العَرَب
فَصِف لي بأَيِّ يَراعٍ كَتَبتَ / فَأَحيا اِفتِنانُكَ زَهوَ الأَدَب
وَقُل لي بَأَيِّ بَنانٍ تُحِيلُ / مِدادَ اليَراعِ سُلافَ العِنَب
لَها الطِرسُ كَأسٌ وَساقي الطِلا / يَراعٌ وَأَلبابُنا المُنقلَب
يَطُوفُ اليَراعُ بِعَذرائِها / إِذا ما دَعَوا بِالمِزاجِ اِضطَرَب
وَفي أَي طِرسٍ خَطَطتَ فَرَصَّع / تَ ماساً عَلى صَفحاتِ الذَهَب
أَوِ الزَهرَ تَنظِمه ناثِراً / فَكانَ مِن الطِرس رَوضٌ عَجَب
وَأَيُّ القَرائِح تِلكَ الَّتي / لَها وَهَبَ الفَنُّ ما قَد وَهَب
تَوَقّد جذوَتُها فَاعجَبُوا / لِغَيثٍ جَرى عَذبُهُ مِن لَهَب
فَهاتِ مِن النَثرِ ما قَد حَلا / نَقُم في الثَناءِ بِما قَد وَجَب
فَخرٌ بِهِ التاريخُ قامَ خَطِيبا
فَخرٌ بِهِ التاريخُ قامَ خَطِيبا / يَتلو عَلى الأَسماعِ مِنهُ عَجِيبا
ما إِن يَمَلُّ عَلى المَدى تَرديدَهُ / وَيَظَلُّ فيهِ سائِلاً وَمُجيبا
وَيَصوغُ لِلأَجيالِ مِنهُ قَصيدَةً / يَشدُو بِها صَوتُ الزَمانِ طَرُوبا
نَبأٌ سَرى فَالشَرقُ مَزهُوٌّ بِهِ / وَغَدا بِهِ تاريخُ مصر خَصيبا
وَالجامِعاتُ عَلَيهِ تَحسُد أُختَها / في مِصرَ يافِعَةً تَبذُّ الشِيبا
أُمَمُ البَيانِ تَساجَلَت فَرَحاً بِهِ / وَتَناقَلَته في المَمالِكِ طِيبا
إِن لَم يُقيمُوا لِلتَهاني حَشدَهُم / فَالشَرقُ مُحتَشِدٌ لِذاكَ قُلوبا
كَذاكَ فَليَكُنِ التَجديدُ في الأَدَبِ
كَذاكَ فَليَكُنِ التَجديدُ في الأَدَبِ / وَالفَضل يُعرَفُ بِالآثارِ لا الصَخَبِ
هَذي صَحائِفُ كَالمرآةِ صادِقَةٌ / تَجلو لَنا صُوَرَ الماضينَ عَن كَثَبِ
لِلّهِ بَينَ بَنانَي كامِلٍ قَلَمٌ / يَفيضُ بِالسحرِ مِن إِنشائه العَجَبِ
تَمُدُّهُ فكرَةٌ فَيّاضةٌ عَرَفَت / مَواضِعَ الجَدبِ فَاِنهلَّت مَع السُحُبِ
إِذا التَوت سُبُل التَفكيرِ سَدَّدَه / رَأيٌ كَما اِنشَقَّ جُنحُ اللَيلِ بِالشُهُبِ
وَحاطَهُ الخُلُقُ العالي وَبَرّأَهُ / مِن أَن تُدَنِّسَه الأَهواءُ بِالكَذِبِ
وَذُو اليَراعَةِ إِن يَلعَب بِهِ غَرَضٌ / كانَت يَراعَتُه ضَرباً مِن اللَعِبِ
أَدَبٌ يَرُدُّ شيوخَ مصرَ شَباباً
أَدَبٌ يَرُدُّ شيوخَ مصرَ شَباباً / وَبَيانُ أَروَع يَخلبُ الأَلبابا
لَمَحَ الشيوخُ شُعاعَ فَضلِكَ مِثلَما / لمَحُوا بِمُعتَرَكِ الشُكوكِ صَوابا
قُم يا أَديبَ المَجلِسَينِ بِمُسكِرٍ / مِن خَمرِ لَفظِكَ حُثَّها أَكوابا
وَاِسجَع عَلى أَيكِ النِيابَةِ بُلبلاً / جَعَل الرُواةَ لِسحرِهِ الأَحقابا
وَاِنثُر عَلى الأَسماعِ مِن تِلكَ الحُلى / ما يُعجِزُ الأَسلافَ وَالأَعقابا
نَثرٌ تَرَكتَ بِهِ السَوابِقَ ظُلَّعاً / مِن خَلفِهِ لا يَملِكُون خِطابا
فَاِبعَث بِهِ في الشَيبِ ماضِيَ عَزمَةٍ / حَتّى تَرُدَّ شُيوخَها نُوّابا
وَالرَأيُ مَهما جَلَّ لَيسَ بِبالِغٍ / في النَفس إِن لَم يَصحَبِ الآدابا
أَبانَ عَن ظُلمِهِ لِلعلم وَالأَدَبِ
أَبانَ عَن ظُلمِهِ لِلعلم وَالأَدَبِ / مَن أَنكَرَ القَصَص العالي عَلى العَرَبِ
إِنَّ الخَيالَ وَليدُ الشَرقِ فيهِ حَبا / وَفيهِ شَبَّ وَحَتّى الآن لَم يَشِبِ
ما طارَ عَن أُفقِهِ الشَرقِيِّ مُنتَقِلا / لِلغَربِ إِلا شَكا أَشواقَ مُغتَرِبِ
هَذا فَريدٌ وَهَذي عَبقَرِيَّته / تُجلى رَوائِعُها في قِصَّةٍ عَجَبِ
سَمَت خَيالاً وَدَقَّت صُورَةً فَرَأَت / عُصورُنا المَلِكَ الضليل عَن كَثَبِ
حَتّى تَخَيَّلت وَالأَحداثُ غائِبَةٌ / أَنَّ الوقائِعَ رَأي العَينِ لَم تَغِبِ
وَفي اليَراعَةِ لَو أَحكَمتَ صَنعتها / ما يَحقِر الريشَ لَو حَلَّوه بِالذَّهبِ
نَقَلتَ عَصراً إِلى عَصرٍ فَأَيُّ رُقىً / وَأَيُّ سِحرٍ يُعيدُ الدَّهرَ في الكُتُبِ
أَجابَكَ العَصرُ مِن سحرِ دَعوتَ بِهِ / وَلَو دَعَوتَ بِغَيرِ السحرِ لَم يُجِبِ
فَلو رآكَ ابنُ حُجرٍ ما بَكى أَسَفاً / لفَقدِ مُلكٍ وَلَم يَحفِل بِقَتلِ أَبِ
عَزاءً فَمِثلُكَ إِن يُمتَحَن
عَزاءً فَمِثلُكَ إِن يُمتَحَن / تَكَشَّفَ عَن جَوهَرٍ مُنتَخَب
لَهُ في عَقِيدَتِهِ مفزَعٌ / وَمِن حُسنِ إِيمانِهِ مُحتَسَب
فَأَيُّ اللَيالي خَلَت مِن عَناءٍ / وَأَيُّ صَفاءٍ بِها لَم يُشَب
وَأَيُّ الظُبا لَم يَنَلهُ الكلالُ / وَأَيُّ بُناةِ العُلا لَم يُصَب
هُوَ الدَّهرُ ما إِن يُرى باكِياً / لِباكٍ وَلا مُعتِباً مِن عَتَب
وَإِن رُمتَ مِنهُ دَوامَ السُرورِ / فَإِنَّكَ مِنهُ تَرُومُ العَجَب
وَأَنتَ العَليمُ أَبا وائِلٍ / بِما سَوفَ يَأتي وَما قَد ذَهَب
وَإنا نُعَزِّيكَ لا ناصِحينَ / وَلَكن قَضاءً لِما قَد وَجَب
بَكاكَ الفَضلُ وَالأَدَبُ اللُبابُ
بَكاكَ الفَضلُ وَالأَدَبُ اللُبابُ / وَعَمَّ المَشرِقين بِكَ المُصابُ
وَأَخلصَ في بُكائِكَ كُلُّ جَفنٍ / يمدُّ شَؤونَه قَلبٌ مُذابُ
وَطارَ البَرقُ يَحمِلُ رُزءَ مِصرٍ / كَأَنَّ البَرقَ في البَلوى غُرابُ
يَكادُ السِلكُ حِينَ نَعاكَ فينا / يُحَسُّ لَهُ مِن الأَلَم اِنتِحابُ
بُروقٌ إِن جَرَت شَرّاً فَصِدقٌ / وَإِن خَيراً فَآمالٌ كذابُ
نَصيبُ الشَرقِ مِنها كُلُّ رُزءٍ / يَطُولُ بِهِ عَلى الزَمَنِ العَذابُ
فَلَم نَصبِر لِخَطبٍ جَلَّ إِلا / أَتى خَطبٌ تُدَكُّ لَهُ الهِضابُ
مُصابٌ لَم يَدَع لِلشَيبِ حَزماً / وَلا عَزماً يَلوُذُ بِهِ الشَبابُ
تَسيلُ النَفسُ فيهِ لا المَآقي / وَتَنشَقُّ المَرائِرُ لا الثِيابُ
تَساءَلتِ العَواصِمُ ما دَهاها / عَشِيَّةَ سارَ بِالنَبأ الركابُ
وَعَزّى بَعضُها في الرُزءِ بَعضا / فَمَأتَمه المَمالِكُ لا الرحابُ
وَأَقبَلتِ الرَسائلُ عَنه تَتَرى / فَأَعيانا بِمَصرَعِهِ الجَوابُ
وَحَفَّ بِنَعشِهِ مِنهُم قُلوبٌ / وَإِن بَعُدَ المَزارُ بِهم فَغابُوا
فَكَم آسى جِراحَهمُ بِسِحرٍ / مَعانيهِ هِيَ الطِبُّ العُجابُ
وَقَد يُغنى المَريضَ حَنانُ آسٍ / وَتَشفى داءهُ الكَلمُ العِذابُ
تَبَيَّنَ داءهُم فَسَرى إِلَيهِ / كَما يَسري إِلى الظَمإِ الشَّرابُ
وعاشَ بِفِكرِهِ في كُلِّ أَرضٍ / فَلَيسَ لِفكرِهِ عَنها اِغتِرابُ
فَكانَ الشَرقُ مَوطِنه جَميعاً / وَكانَ لِمصرَ ما ضمِنَ الإِهابُ
حُسامٌ لَم يُثَلِّمهُ قِراعٌ / وَلَكن ضَمَّ صَفحتَه القِرابُ
وَلَيثٌ لَم يُحَطِّمهُ جِهادٌ / وَلَم يَخذُله في الهَيجاء نابُ
وَلَكن عاقَهُ قَدَرٌ مُتاحٌ / وَقَصَّرَ خَطوَهُ داعٍ مُجابُ
فَقصّرَ وَالبَراثِنُ مُشرَعاتٌ / كَأَنَّ القَبرَ حينَ حَواهُ غابُ
جِهادٌ لَم يَدَعهُ ثلثَ قَرنٍ / وَلِلآلامِ في الجسمِ اِنتِيابُ
تُغالطُ في الضَنى جِسماً سَقيماً / وَلِلقرطاسِ في يَدكَ اِضطِرابُ
يُواثِبُكَ السَقامُ فَلا تُبالي / وَلا يُلوي بِهِمَّتِكَ الوثابُ
وَينشُدكَ الطَبيبُ وَأَنتَ ماضٍ / لما تَبغي وَيَنصَحُكَ الصِحابُ
ظَلِلتَ تُجالدُ الأَوصابَ حَتّى / شَكا مِن عَزمِكَ الجسمُ المُصابُ
تَعَقَّدتِ المَشاكِلُ وَاكفَهَرَّت / وُجُوهُ الرَأيِ وَاِربدَّ السَحابُ
وَعادَ الأَمرُ مُلتَويَ النَواحي / لِمُبصِرِهِ كَما التَوتِ الشِعابُ
فَبَينا مِصرُ لِلأَهرام تُصغي / وَلِلشَعبِ اِنتِظارٌ وَاِرتِقابُ
إِذ الأَهرامُ تَبدُو في حِدادٍ / يُجلِّلُها سَوادٌ وَاِكتِئابُ
جَرَت أَنهارُها دَمعاً وَكانَت / مَوارِدَ بِالبَيانِ لَها اِنسِكابُ
لَقَد كُنتَ اليَقينَ لِكُلِّ شَكٍّ / فَمن لِلباحِثينَ إِذا اِستَرابوا
وَكُنتَ لَهُم إِذا ضَلُّوا صَواباً / فَأَعوَزَهُم لِغَيبتكَ الصَوابُ
وَكُنتَ كِتابَ نَهضَتِهم فَلَمّا / طَوَتكَ يَدُ الرَدى طوي الكِتابُ
صَحائفُ لِلقَضيَّةِ حافِظاتٌ / لِكُلِّ دَقيقَةٍ فيهنَّ بابُ
فُصُولٌ بِالعِظاتِ مُفَصَّلاتٌ / ضَوافٍ لَم يَشُبهنَّ اِقتِضابُ
تُطالِعُنا بِها في كُلِّ شَمس / سِماءٌ ما لِكَوكَبِها اِحتِجابُ
يُساجِل طَيرَها في كُلِّ صُبحٍ / غِناءٌ مِن يَراعِكَ مُستَطابُ
وَما مِن كاتِبٍ في الشَرقِ إِلا / إِلى ذاكَ اليَراعِ لَهُ اِنتِسابُ
فَكَم في مَهدِهِ زُعَماءُ شَبُّوا / وَفي أَفيائِهِ زُعَماءُ شابُوا
وَكَم في ضَوئِهِ سارَت شُعوبٌ / فَما ذُمَّ المَسيرُ وَلا الإِيابُ
تَقُودهُم قِيادَةَ أَلمعِيٍّ / يَرى في الأُفقِ ما خَبَأَ الضَبابُ
تُؤاتيهم إِذا حَسُن التَأَتّي / وَتَحفِزُهم إِذا جَدَّ الطِّلابُ
سجلٌّ لَم يَفُتهُ عَن زَعيمٍ / ثَباتٌ في الكِفاحِ وَلا اِنقِلابُ
وَلا مَن كانَ يَقصِدُ وَجه مِصرٍ / وَلا مَن هَمُّهُ جاهٌ يُهابُ
بِهِ مِن عِبرَةِ الماضي كُنوزٌ / وَمِن تاريخِ ساسَتِنا عُبابُ
لَدَيهِ لِكُلِّ مُشكِلَةٍ قِياسٌ / وَفيهِ لِكُلِّ داجِيَةٍ شهابُ
تَجارِبُ تَجمَعُ الأَجيالَ فينا / فَلَيسَ بِها عَلى آتٍ حِجابُ
مَلأتَ مَسامِعَ الأَيامِ ذِكراً / فَأَلسِنةُ الزَمانِ بِهِ رِطابُ
وَغَيرُكَ تُقفِرُ الأَوقاتُ مِنهُ / خَرابٌ ضَمَّ جُثتَهُ الخَرابُ
نَسيرُ إِلى التُرابِ بِعَبقَريٍّ / فَيا لِلَّهِ ما ضَمَّ التُرابُ
وَقَلبٍ صِيغَ إِخلاصاً وَوُدّا / وَجلُّ الناسِ وُدُّهُم خِضابُ
وَنفسٍ في الحُطامِ تَفيضُ زُهداً / إِذا اِقتَتَلَت عَلى العَرضِ الذِئابُ
وَمَن يَبغِ الخُلودَ سَما بِنَفسٍ / عَلى الدُنيا وَغايتُها الذَهابُ
أَفي كُلِّ حِينٍ وَقفَةٌ إِثرَ ذاهِبِ
أَفي كُلِّ حِينٍ وَقفَةٌ إِثرَ ذاهِبِ / وَصَوغُ دَمٍ أَقضي بِهِ حَقَّ صاحِبِ
أوَدِّعُ صَحبي واحِداً بَعدَ واحِدٍ / فَأَفقِد قَلبي جانِباً بَعدَ جانِبِ
تَساقَطُ نَفسي كُلَّ يَومٍ فَبَعضُها / بِجَوفِ الثَرى وَالبَعضُ رَهنُ النَوائِبِ
فَيا دَهرُ دَع لي مِن فُؤادِي بَقيَّةً / لِوَصلِ وَدُودٍ أَو تَذكُّرِ غائِبِ
وَدَع لي مِن ماءِ الجُفونِ صبابَةً / أُجِيبُ بِها في البَينِ صَيحةَ ناعِبِ
وَهَل صِيغَ قَلبي أَو ذَخَرتُ مَدامِعي / لِغَيرِ وَفاءٍ أَو قَضاءٍ لِواجِبِ
فَقارِب أَخاكَ الدَّهرَ وَالعَيشُ مُسعِفٌ / فَسَوفَ تُرى بِالمَوتِ غَيرَ مُقارِبِ
حَياةُ الفَتى بَعدَ الأَخلاءِ زَفرَةٌ / تَرَدَّدُ ما بَينَ الحَشا وَالتَرائِبِ
رَعى اللَهُ فِتياناً وَفَوا حَقَّ شاعِرٍ / وَفيٍّ عَلى مَضِّ الخُطوبِ الحَوازِبِ
وَفِيٍّ لِمصرٍ لَم يُدَنِّس قَرِيضَهُ / بِحَمدِ خَئُونٍ أَو بِإِطراءِ كاذِبِ
وَفِيٍّ وَفاءَ الرُسلِ بَينَ مَعاشِرٍ / نَصِيبُ الحِمى مِنهُم وَفاءُ الثَعالِبِ
يَدُورُونَ بِالأَمداح يَبغُونَ مَأرَباً / فَيا ضَيعَةَ الأَوطانِ بَينَ المَآرِبِ
فَبَينا نَرى حَمداً نَرى الذَمَّ بَعدَهُ / يُريكَ فُصُولَ العامِ شِعرُ الأَكاذِبِ
فَدَع عَنكَ شِعرَ الحَمدِ وَالذَمِّ إِنَّني / نَصَحتُ بِما قَد أَقنَعَتني تَجارِبي
وَكُن أُمَّةً لَم تُعنَ إِلّا بِأُمَّةٍ / فَنَفسُكَ لَم تُخلَق لِسحرِ الأَلاعِبِ
مَتى تَخلِص الأَقلامُ للِنيلِ وَحدَه / فَمِن شاعِرٍ عالي الشُعورِ وَكاتِبِ
إِذا الشَّعبُ بِالنُوّاب عَزَّ مَكانُهُ / فَشِعرُكَ إِن تُنصِفهُ أَبلَغُ نائِبِ
وَهَل نائِبٌ زَكَّيتُمُوه كَنائِبٍ / يُزَكِّيهِ صَوتُ اللَهِ أَعدَلُ ناخِبِ
وَشتّانَ بَينَ اِثنَينِ نائِبِ أُمَّةٍ / وَنائِبِ إِنسانِيةٍ في المَصاعِبِ
فَهَذا إِلى وَقتٍ مِن الدَهرِ يَنقَضي / وَذاكَ عَن الأَجيالِ آتٍ وَذاهِبِ
لَقَد فَقَدَت مصرٌ بِفقدانِ حافِظٍ / لِساناً كَوَقعِ المُرهَفاتِ القَواضِبِ
فَسَل عَنهُ في المَوتى كرُومَرَ إِنَّه / سَقاهُ بِكَأسِ الشِعرِ سُمَّ العَقارِبِ
أَلَم يَرمِهِ في دِنشِوايَ بِضَربَةٍ / سَرى وَقعُها في شَرقِها وَالمَغارِبِ
أَطارَ فُؤادَ اللُوردِ صاعِقُ هَولِها / فَوَلّى عَلى أَعقابِهِ غَيرَ آئِبِ
وَشَدَّ عَلى قَصرِ الدُبارَةِ شَدَّةً / تَبَيَّنَ فيها اللُوردُ سُوءَ العَواقِبِ
تَداعَت بِها أَركانُهُ وَتَجاوَبَت / مَقاصِيرُهُ تَبكي بُكاءَ النَوادِبِ
وَكادَ يَقُولُ القَصرُ لِلُوردِ أَخلِني / فَلَو دامَ هَذا القَذفُ لا ندَكَّ جانِبي
ظُلِمتُ فَما ذَنبي تعرضُ ساحَتي / عِناداً لِلَيثٍ مُرهَفِ النابِ غاضِبِ
فَلَو كانَ لي في ساكِني مُتَخَيَّرٌ / لأَغلَقتُ بابي دُونَ إِيواءِ غاصِبِ
وَسَل بَعدَهُ غُورستَ ما فَعَلت بِهِ / بَواتِرُ أَمضى مِن نِصالِ المَضارِبِ
بَواتِرُ صاغَتها قَرِيحةُ شاعِرٍ / مِن اللَفظِ لَم تَحفِل بِحَشدِ الكَتائِبِ
تُمزِّقُ مِن أَعراضهم لا جُسومِهم / فَما القَتلُ أَن تُعنى بِحَشوِ الجَلابِبِ
وَما قَتَلَ الأَحرارَ كَالهَجوِ إِنَّهُم / يَرَونَ أَلِيمَ الطَعنِ طَعنَ المَناقِبِ
وَلَم أَرَ سَيفاً كَاللِسانِ قِرابُهُ / فَمٌ وَشَباهُ مِن قَوافٍ صَوائِبِ
يَرى شِعرَهُ بَينَ الصُفوفِ مُحارِباً / وَصاحِبُهُ في الناسِ غَيرُ مُحارِبِ
وَسَل مَجلِسَ الشُورى تَجبكَ من البِلى / مَواقِفُ صَرعى الجاهِ صَرعى المَناصِبِ
رَآهُم لأَغراضِ العَميد مَطِيَّةً / وَأَنَّ لِحَى الأَشياخِ لُعبَةُ لاعِبِ
فَأَوتَرَ قَوسَ النَقدِ غَيرَ مُصانِعٍ / وَسوَّدَ مُبيضَّ اللِّحى غَيرَ هائِبِ
فَذاكَ جَلالُ الشِّعرِ لا شِعر عُصبَةٍ / يُطالِعُنا تَجديدُهم بِالحَواصِبِ
هُمُ جُدَريُّ الشِعر أَذوَوا جَمالَه / بِما أَلصَقُوا في حُسنِهِ مِن مَعايِبِ
عَناوينُ كَالأَلغازِ حَيَّرَت النُهى / وَما تَحتَها مَعنىً يَلذّ لِطالِبِ
دَواوِينُ حُسنُ الطَبعِ قُوَّةُ قُبحِها / وَهَل يَخدَعُ النُقّادَ نَقشُ الخَرائِبِ
فَيا ضَيعَةُ الأَوراقِ في غَيرِ طائِلٍ / وَيا طُولَ ما تَشكو رَفُوفُ المَكاتِبِ
وَكَم دافَعوا عَن مَذهَبِ العَجزِ جُهدَهم / فَما غَسَلوا أَسواءَ تِلكَ المَذاهِبِ
وَكَم ملئُوا بِالزَهرِ وَالنَهرِ شِعرَهُم / بِلا طِيبِ مُستافٍ وَلا رِيِّ شارِبِ
وَكَم يَذكُرونَ الأَيكَ وَالطَيرَ صُدَّحاً / عَلَيها فَلَم نَسمَع سِوى صَوتِ ناعِبِ
وَكَم لَهِجُوا بِالشَمسِ حَتّى تَبَرَّمت / بِهم وَتَمَنَّت مَحوَها في الغَياهِبِ
وَكَم أَقلَقُوا بَدرَ الدُجى في سُكونِهِ / وَكَم أغرَقُوا سُمّاعَهم بِالسَحائِبِ
وَكَم هاتِفٍ بِالخُلدِ مِنهُم وَشِعرُهُ / تُوفيَ سِقطاً قَبلَ عَقد العَصائِبِ
وَشاكٍ كَواهُ الحُبُّ أَطفأَ جَمرَهُ / بِشعرٍ كَبَردِ الثَلجِ جَمِّ المَثالِبِ
فَأُقسِمُ لَو يَبغي وِصالاً بِشعرِهِ / لجانَبَهُ مَن لَم يَكُن بِمُجانِبِ
إِذا ما اِحتَفى بَعضٌ بِبَعضٍ فَإِنَّهُم / نَواضِبُ عِلمٍ تَحتَفي بِنَواضِبِ
أَكُلُّ مَتاعِ كاسِدٍ عِندَ غَيرِكُم / يَرُوجُ لَدَيكُم يا بِلادَ الأَعاجِبِ
وَكُلُّ أَخي زَيفٍ نَفاهُ سِواكُمُ / يُرى فيهِ مِن أَخيارِكُم أَلفُ راغِبِ
لَقَد راجَ دَجلُ الشِعر عِندَ رِجالِكُم / كَما راجَ دَجلُ السِحرِ عِندَ الكَواعِبِ
تَواصَت بِغَبنٍ شيبُكُم وَشَبابُكُم / وَفَوضى الهَوى ساوَت مُجدّاً بِلاعِبِ
فَأَحجم عَن مَيدانِها كُلُّ سابِقٍ / جَوادٍ وَجَلّى فيهِ تَهريجُ صاخِبِ
وَأَمسى زِمامُ الفِكرِ في يَدِ عُصبَةٍ / هُمُ المَثَل الأَعلى لِسُخفِ المَواهِبِ
عَلامَ يُجيدُ الفَنَّ في مصرَ مُتقِنٌ / إِذا كانَ بِالتَهريجِ نَيلُ المَراتِبِ
فَيا جَهلُ واصِلنا وَيا عِلمُ فَاِبتَعِد / وَيا حُمقُ لازِمنا وَيا عَقلُ جانِبِ
أَرى الجَهلَ نُوراً في بِلادٍ رِجالُها / خَفافيشُ يعشيها ضِياءُ الكَواكِبِ
إِذا الشَعبُ بِالإِهمالِ أَرسبَ عالياً / فَلا بِدعَ لَو يَعلُو بِهِ كُلُّ راِسِبِ
أَرى القَطا أَسرابا
أَرى القَطا أَسرابا / فَاطَّلِبِ الأَصحابا
إِن الصِحابَ عُدَّه / ذَخيرَةٌ في الشِدَّه
هُم زينَةُ الإِنسانِ / وَسَلوَةُ الأَحزانِ
هُم حِليَةُ المُعطَّلِ / وَهُم سِلاحُ الأَعزَلِ
إِن نابَكَ الزَمانُ / فَإِنَّهُم أَعوانُ
فَتىً بِلا إِخوانِ / عَينٌ بِلا إِنسانِ
هُم نِعمَةٌ لا تُكفَرُ / وَمِنَّةٌ لا تُنكَرُ
فَضنّ بِالإِخوانِ / وَاِحرِص عَلى الخُلانِ
وَكُن نَصوح الجَيبِ / وَكُن أَمين الغَيبِ
كُن لِلصَديقِ عِزّا / وَاِبذُل لَهُ ما عَزّا
وَأَغنِهِ إِن يفتَقر / وَعَفّ عَنهُ إِن قَدَر
وَجُد وَلا تَستَجدي / تَكُن أَثيلَ المَجدِ
وَلا تَكُن مَنّانا / تُكدِّرِ الإِحسانا
فَالمَنُّ بِالإِنعامِ / خَليقَةُ اللِئامِ
إِذا أَتاكَ يَشكُرُ / فَقُل لَهُ لا أَذكُرُ
تَسُود كُلَّ الناسِ / إِن قُلتَ إِنّي ناسي
أَكرم بِها مِن خلَّه / تُعزّ بَعدَ ذِلَّه
دَليلُ حُسنِ الخِيم / وَآيَةُ التَكريم
إِيّاكَ وَالمُنازَعَه / فَإِنَّها مُقاطَعَه
إِن تُحسن المُعامَلَه / فَأَقلِل المُجادَله
دَعِ الصَوابَ جانِبا / إِن كانَ يُؤذي الصَاحبا
فَإِنَّ هَذا أَدَبُ / إِن لَم يَضرّ الكذبُ
وَلا تَقُل ذا غَلَطُ / إِن كانَ فيهِ سَخَطُ
دَع رَأيَه لا تَنبِس / لا سيَّما في المَجلسِ
إِيّاكَ وَالجَفاءَ / إِن تُخلص الوَفاءَ
وَلا تُطِل حَبل النَوى / إِن كُنتَ صادِقَ الهَوى
وَاِعلَم بِأَنّ العُمرا / لَيسَ يُطيقُ الهَجرا
إِن الزَمانَ قُلَّبُ / وَالمَوتُ مِنكَ أَقرَبُ
ما أَقصَر الأَيّاما / وَأَسرَع الحِماما
فَاِغتَنمِ الزَمانا / وَواصِل الإِخوانا
إِذا أَرَدتَ أَن يَدومَ الحُبُّ
إِذا أَرَدتَ أَن يَدومَ الحُبُّ / فَلا تَكُن صِهراً لِمَن تُحِب
فَإِنَّ هَذا يُذهِبُ الوِفاقا / وَيَجلِبُ العِنادَ وَالشقاقا
وَلا تُبايِعهُ لأَجل الكَسبِ / فَإِنَّهُ مَذهَبةٌ لِلحُبِّ
إِني رَأَيتُ أَكثَرَ العِداءِ / يَكونُ في البَيعِ وَفي الشِراءِ
وَلَيسَ مِن مُروءةِ الإِنسانِ / أَن يَكسِبَ المالَ مِنَ الإِخوانِ
لا تَنقُل الشتمَ عَن السَفيهِ / إِلى الصَديقِ إِنَّهُ مُؤذيهِ
وَاِكتُمهُ عَنهُ إِنَّ ذاكَ شَرُّ / وَجَهلُهُ بِالشَر لا يَضرُّ
إِذا أَرَدتَ أَن تَكونَ كامِلا / فَلا تَكُن لما يُسيءُ ناقِلا
فَإِنَّهُ داعِيَةُ النفورِ / وَباعِثُ الأَحقادِ في الصُدور
إِنّي أَرى مَن دِينُهُ التَفريقُ / لَيسَ لَهُ بَينَ الوَرى صَديقُ
يَفرُّ مِنهُ الأَهلُ وَالأَصحابُ / فَإِنَّهُ نارٌ وَهُم أَحطابُ
مَن نَمَّ لي بِما يَقولُ القائِلُ / فَإِنَّهُ عَنّي كَذاكَ ناقِلُ
فَلا يَظنّ أَنَّني أُصفِيهِ / بِالود لَكِنِّيَ أتَّقيهِ
فَإِنَّ في صُحبَتِهِ المَلامَه / وَإِنَّ في اِتِّقائِهِ السَلامَه
إِنَّ زَخاريفَ الوُشاةِ تَخدَعُ / فَالعاقِلُ العاقِلُ مَن لا يَسمَعُ
وَإِنَّما السَيِّدُ وَالهُمامُ / مَن لا يَنالُ سَمعَهُ نَمّامُ
وَإِن يُبلِّغَكَ الوُشاةُ سَبّا / وَإِن تَكُن صِدقاً فَلا تَسُبّا
فَإِنَّهُ لَيسَ مِنَ الآدابِ / أَن تَجزيَ السِّبابَ بِالسِّبابِ
إِيّاكَ أَن تُشاتِمَ الطَغاما / وَإِن تُسَأ مِنهُم فَقُل سَلاما
وَاِجعَلهُ كَاللَغوِ مِن الكَلام / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الكِرامِ
مَن يَتغابى عَن سماعِ شَتمِه / فَإِنَّ هَذا سَيِّدٌ في قَومِه
مَن كانَ مَرفوعَ الذُرى في الناسِ / فَلا يَرى في شَتمِهِ مِن باسِ
فَإِنَّهُ لا يُسقِطُ الأَقدارا / وَلا أَراهُ يَهدِمُ الفَخارا
وَمِثلُهُ مَدحُكَ للأَرذالِ / وَوَصفُكَ الناقِصَ بِالكَمالِ
فَإِنَّ مَن يُمدَحُ مِن غَيرِ عُلا / كَالكَلبِ قَد طَوَّقتَه مِن الحِلى
كُن لِلصَديقِ حِصنَهُ الحَصينا / وَكُن عَلى أَسرارِهِ أَمينا
وَلا تَسَلهُ بَذلَ ما لا تَبذُلُ / وَلا تُحمِّلهُ سِوى ما تَحمِلُ
فَإِنَّهُ داعِيَةُ النَفارِ / وَإِنَّهُ آيَةُ الاستِئثارِ
لا تَطوِ عَنهُ ما يَضُرُّ جَهلُه / فَإِن هَذا لا يُذَمُّ نَقلُه
وَاِنصح لَهُ إِن كُنتَ ذا وَفاءِ / فَإِنَّ هَذا واجِبُ الإِخاءِ
إِيّاكَ أَن تَنصَحَه تَصريحا / لِكَي يَراكَ صادِقاً نَصيحا
عَليكَ بِالتَعريضِ فيما تَنصَحُ / فَإِنَّما الحازِمُ لا يُصرِّحُ
وَلا يَكُن نُصحُكَ إِلّا لَينا / إِني أَرى التَشديدَ خرقاً بَيِّنا
مِمّا حَفِظناهُ مِنَ الآثارِ / الماء قَد يُطفِئُ حَرَّ النارِ
إِنَّ الصَديقَ لَومُهُ تَأديبُ / وَلَومُ مَن عادَيتَهُ تَأنيبُ
إِيّاكَ أَن تَنصَحَه جِهارا / فَإِنَّهُ يَزيدُهُ ضِرارا
لا تَنصَح الناس بِما لا تَفعَلُ / فَإِنَّها نَصيحَةٌ لا تقبَلُ
إِني أَرى نَصيحَةَ الأَفعالِ / أَبلَغ مِن نَصيحَة الأَقوالِ
لا تَترُكِ العَتبَ لِمَن تُصاحِبُه
لا تَترُكِ العَتبَ لِمَن تُصاحِبُه / إِنَّكَ تَستَبقي الَّذي تُعاتِبُه
إِيّاكَ أَن تُعاتِبَ اللَئِيما / إِنّي أَرى العَتَب لَهُ تَكريما
وَمَن يَرى الإِخوانَ دُونَ رُتبَتِه / فَذاكَ لا يُحمَدُ غِبُّ صُحبَتِهِ
فَلا تُعاتِبهُ إِذا أَساء / فَإِنَّهُ يَزيدُهُ اِستِعلاء
حَذارِ مِن مَعتبةِ الأَسافِلِ / فَإِنَّها مَنقَصَةٌ لِلكامِلِ
وَإِنَّهُ قَد دَنَّسَ العِتابا / مَن جَعَلَ العَتبَ لَهُم جَوابا
فَإِنَّهُم أَشبَهُ بِالكِلابِ / لا يَعرِفُونَ قِيمَةَ العِتابِ
وَلَيسَ لِلسفلةِ مِن تَأدِيبِ / إِذا أَساءُوكَ سِوى التَعذِيبِ
وَإِن غَدَوتَ صاحِبَ السُلطانِ / فَلا تَكُن مِنهُ عَلى أَمانِ
وَلا تُعاتِبهُ عَلى ما يَصنَعُ / فَإِنَّهُ عَن العِتابِ أَرفَعُ
إِيّاكَ أَن تَدنُوَ مِمَّن يَبعُدُ / عَنكَ وَأَن تَرغَبَ فيمَن يَزهَدُ
فَإِنَّما الرَغبَةُ ذُلُّ نَفس / فَكَيفَ بِالرَغبَةِ في ذِي يَأسِ
مَن طَلَب الماءَ مِن السَرابِ / يَرضَى مِن المَغنَمِ بِالإِيابِ
إِيّاكَ أَن تَزهَد فيمَن يَرغَبُ / فيكَ وَأَن تَبعُدَ عَمَّن يَقرُبُ
فَإِنَّهُ ظُلمٌ وَأَيُّ ظُلمِ / تركُكَ صاحِباً بِغَيرِ جُرمِ
وَآيَةُ الآدابِ في الإِنسانِ / أَن يَجزيَ الإِحسانَ بِالإِحسانِ
لا تَأمَن الغَدرَ مِن الإِخوانِ / فَإِنَّما الإِخوانُ كَالزَمانِ
وَإِنَّ مَن عَهِدتُهُ مُصاحِباً / سَرعان ما أَلفَيتهُ مُناصِبا
يَخدَعُني بِالبِشرِ وَالوِدادِ / وَالحِقدُ قَد بَرَّحَ بِالفُؤادِ
كَم مِن فَتىً يُظهِرُ لي صَفاءً / في حَضرَتي وَيُضمِرُ الشَحناء
يُؤَجِّجُ الغَيظُ بِهِ ضِراما / لَم يَرعَ لي عَهداً وَلا ذِماما
فَكَم دَنَوتُ وَهوَ عَنّى يَنفِرُ / وَكَم أَفي وَهوَ بِعَهدي يَغدرُ
وَهَكذا مَن أَمِنَ الأَصحابا / مِثلُ الشِياهِ تَأمَنُ الذِئابا
ما حِيلَتي أَدنُو لَهُ وَيَصرِمُ / وَأَبتَني الودَّ لَهُ وَيَهدِمُ
فَمِثلُهُ لا خَيرَ في عِتابِهِ / كُلُّ امرئٍ يَجري على آدابِهِ
حاسِنهُ لا تَبغِ الذي يَبغيهِ / كُلُّ إِناءٍ ناضِحٌ ما فيهِ
وَالطَبعُ في اللَئيمِ لَيسَ يُغلَبُ / وَالسُمُّ في العَقرَبِ لَيسَ يَعذُبُ
مِمّا حَفِظناهُ مِن العِظاتِ / وَما رَوَيناهُ عَنِ الثِقاتِ
إِنَّ العَصا مِن هَذِهِ العُصيَّه / هَل تَلِدُ الحَيَّةُ إِلا حَيَّه
لا تُفشِ سِرّاً أَنتَ مِنهُ مُشفِقُ / لا يَأمَنُ الإِخوانَ إِلّا أَحمَقُ
فَإِن غَدا صَدرُكَ وَهوَ ضَيِّقُ / فَصَدرُ مَن تُفشي إِلَيهِ أَضيَقُ
وَما رَأَيتُ حافِظاً لِسِرِّهِ / في الناسِ إِلّا مالِكاً لأمرِهِ
وَمَن طَوى عَنكَ الَّذي يَعنيكا / مِن سرِّهِ فَإِنَّهُ شانِيكا
فَذاكَ شَرٌّ مِن مُذيعِ سِرِّك / لِأَنَّهُ مُبالِغٌ في ضُرِّك
وَإِن أَتيتَ مَجلِسَ الإِخوانِ / فَلا تُجالِسهُم بِلا اِستِئذانِ
خَشيَةَ أَن يَمَسَّكَ اِحتِقارُ / وَأَن يَكونَ بَينَهُم أَسرارُ
فَإِن دُعِيتَ لِلدُخولِ فادخُلِ / وَإِن أَبوا فاتركهُمُ لا تُثقِلِ
إِن عَزَّتِ الأَصحابُ
إِن عَزَّتِ الأَصحابُ / وَقلَّتِ الأَحبابُ
وَأَعوز النَصيرُ / وَأَبطَأَ المُجيرُ
وَكَثُر اللئامُ / وَقَلَّت الكِرامُ
وَغاضَ ماءُ الوُدِّ / وفاضَ نَكثُ العَهدِ
حَتّى ذَوى الإِخاءُ / وَأَمحَل الوَفاءُ
فَلا تَرى صَفِيّا / وَلا أَخاً وَفيّا
عَوناً عَلى الزَمانِ / وَمَعقِلَ الإِخوانِ
إِن تَدعُه لَم يَأتَلِ / لَيسَ بِنكسٍ ذُمَّلِ
فَاتَّركِ الأَصحابا / وَاِصطَحب الكِتابا
فَهوَ الجَليسُ الصالِحُ / وَهوَ الصَديقُ الناصِحُ
وداده لا يخلقُ / وَحُبّهُ لا يُمزَقُ
وَحَبلُهُ مَوصولُ / إِن قاطَعَ الوصُولُ
لَيسَ يُرائي صاحِبا / وَلا يَرُدُّ طالِبا
يَزيدُ في نَوالِهِ / ما زِدتَ في سُؤالِهِ
يُجزِلُ في الإِحسانِ / وَلَيسَ بِالمَنّان
لا يَستَعيدُ سائِلا / وَلا تَراهُ ماطِلا
مُؤدِّبٌ لا يُصغِرُك / وَمُحسِنٌ لا يَحقِرك
إِن تَدعه لِمُعضِلِ / لَباكَ غَير مُؤتَلِ
ذاكَ الصَديقُ الأَطوَعُ / وَهوَ الرَفيقُ الأَخضَعُ
لَم أَرَ كَالكِتابِ / أَحفَظَ للآدابِ
أَبعَدَ عَن مُشاغَبَه / أَزهَد في مُعاتَبَه
أَرغَبَ عَن جِدالِ / أَكَفَّ عَن قِتالِ
أَجمَعَ للأَخبارِ / وَطَيِّبِ الآثارِ
وَحَسن الصِفاتِ / وَأَبلَغِ العِظاتِ
تَرَى بِهِ سَخيفاً / وَجَيِّداً طَرِيفا
وَالغَثَّ وَالسَمينا / وَشِدّةً وَلينا
أَما تَراهُ ناسِكا / ثُم تَراهُ فاتِكا
أَمنَعُ لِلأَحرارِ / مِن صُحبَةِ الأَشرارِ
أَوعَظُ للإِنسانِ / مِن غِيَرِ الزَمانِ
خَيرُ جَليسٍ في الدُنا / وَشاغِلٌ عَنِ المُنى
إِن المُنى ضَلالُ / قُصُورُها أَطلالُ
وَماؤُها سَرابُ / وَبَرقُها خَلّابُ
يَقنَعُ بِالدَنِيَّه / مَن أَكثَرَ الأُمنيَّه
فَإِنَّها أَحلام / أَصحابُها نِيامُ
لَيسَ بِها عَلاءُ / فَإِنَّها هَباءُ
سَرعانَ ما تَزُولُ / وَحالُها يَحُولُ
أَحبالُها رِمامُ / وَسُحبُها جَهامُ
وَإِنَّما الأَماني / تَعِلَّةُ الجَبانِ
إِن فاتَهُ ما يَطلُبُ / أَو نالَهُ ما يَرهَبُ
أَكثَرَ في التَمني / وَقَولِهِ لَو أَنِّي