المجموع : 31
بلاء الأنبياء هو البلاءُ
بلاء الأنبياء هو البلاءُ / وقد عانت عناها الأولياءُ
وذلك كان في الدنيا وفيما / به للناس ذم أو ثناء
ومن يكثر عليه الصبر يعظم / به عند الإله له الجزاء
وأما الدين فاحذر من بلاء / يصيبك فيه ذاك هو الشقاء
ومنه الأنبيا عصموا وعنه / شعار الصالحين الأتقياء
ومن يصبر عليه أصر عمداً / على العصيان وازداد العناء
نصحتك لا تخف في قطع رزق / أذى الدنيا فلله العطاء
وكن بالإنفراد سليم صدر / لأن مصاحبات الناس داء
فإنك إن نطقت بما تراه / عليهم حثهم فيك افتراء
وصرت عدوهم في كل حال / وليس لهم بما قلت ارعواء
وإن تسكت وتكرهه بقلب / فقلبك ما له فيهم خفاء
وأدنى ما يكون يقال هذا / ثقيل كل حالته رياء
وهم لا يقبلونك فاجتنبهم / وأنت بما علمت لك اهتداء
لأنك باللقاء تكون مغرى / يسبك إنه بئس اللقاء
وإن خالطتهم وسلكت معهم / يكون لهم بفعلك ذا رضاء
وتمسي بينهم مرفوع شان / وتصبح كل ما تلقى هناء
ولكن تبتلى في الدين منهم / بما هم فيه إذ بالسوء جاؤا
أكابرهم على الإعراض قاموا / ولو بالكفر ما لهم انثناء
وقد حملوا أصاغرهم عليه / مداهنة وليس لهم حياء
تنبه يا مريد الحق وافتح / عيونك ما بنو الدنيا سواء
وصابر عن لقاء الناس واصبر / على الإيذاء وليسع الأناء
فإن الصبر في الدنيا قليل / وعقباه انكشاف وانجلاء
فأما الصبر منك على عقاب ال / قيامة فهو ليس له انقضاء
ولا تترج غير الله مولى / فغير الله ما فيه الرجاء
ترنمت المثاني والمثالث
ترنمت المثاني والمثالث / فجاء بوصفه ثان وثالث
وحيد الذات والأسماء شتى / وهن إلى تحققه بواعث
تجلى بالحجاب على أناس / طبائعهم برؤيته دمائث
فقرَّت فيه أعينهم وقوم / تحجب عندهم فيمن يحادث
وأحفته مظاهره لديهم / فكل سائل عنه وباحث
فيدني من يشاء إليه فصلاً / ويبعد من يشاء ولا مناكث
هو انفراد الكثير بما تجلى / وما قد غاب منه عن الحوادث
دنا قلبي إليه وقد تدلى / بقلبي فالتقى فان وماكث
فلم يك هاهنا أحد سواه / وقد عبثت من الكون العوابث
ترى كل العقول به حيارى / ولا يدري الشجاع به الدلاهث
ولكن من هداه هداه كشفاً / إليه فلا علوم ولا مباحث
وجل عن العلوم ومقتضاها / وما هي غير آداب الموارث
ورثناها عن السلف اقتفاء / لشأن العارفين به الملاوث
ألا يا من تجلّى في فؤادي / فذبت به وطهرت الخبائث
وكان ولم أكن وحلفت إني / كغيري لا أكون ولست حانث
وجودك منشأي وبه فنائي / كحال الأخفياء بك الأشاعث
مجرد نسبة بالوهم قامت / ومحض إضافة بالجهل كارث
شهدنا وجهك المميمون فينا / شهود فتى لعلم الغيب وارث
ونحن السابقون إليك طلقاً / وإن نبحت أكاليب لواهث
وفينا الهاشمية من قريش / مناسبة نفت سحر النوافث
تطير بنا إلى أوج المعالي / وتسري بالنجيبات الحثائث
إشارات الجمال هي الملاحُ
إشارات الجمال هي الملاحُ / فحي على الجمال فلا جناحُ
وجوه كالبدور على قدود / إذا اهتزت فما السمر الرماح
وألحاظ بألفاظ تنادي / دم العشاق في الدينا مباح
ولا يك بالجلود لك افتتان / فما تلك الجلود هي الملاح
ولا يخفى عليها لطيف سر / لأستار القلوب به افتضاح
وما الفاني بمقصود ولكن / وشَى منه على الباقي وشاح
وسل منا العيون تجبك عنه / لعمرك فهي ألسنة فصاح
ولا تسل القلوب فتلك سكرى / لأن جمال وجه الحب راح
صدقتك ما المعاطف مائلات / لها في كل جارحة جراح
يظلُّ بها المهفهف في ازدهاء / على العشاق والخود الرداح
بأبعد من قنا الإخلاص يسطو / بها في حال صاحبه الصلاح
ولا حمر الخدود موردات / بحاجبة إذا لاح الفلاح
وقل للغافلين هنا طريق / إلى المحبوب ليس لكم يباح
عميتم عنه والأقوام فيه / حذار فدونه الأسد الكفاح
ودعهم ينكروه فليس يأتي / بعلم منهم الجهل الصراح
وإن نبحوك كن من أهل بدر / وكيف يضر بالبدر النباح
إليك عن العواذل في التصابي / إذا عصفت إليه بك الرياح
وقد عفت السوى والنفس عفت / هناك مضى الدجا وأتى الصباح
كتاب الله جامع كل شيء
كتاب الله جامع كل شيء / وسنة أحمد المختار شرحُ
وشرحهما الفتوحات التي من / جناب القدس جاء بهن فتح
لشيخ شيوخنا العربي من قد / أتانا منه فيض هدى ومنح
بمحيى الدين يدعى حيث أحيى / لدين الله ذلك نعم مدح
فتوحات بها العلماء زادت / علوماً نحو غيب الغيب تنحو
بها الحيران للتحقيق يهدي / وسكران الهوى والجهل يصحو
ولكن إن هداه الله حتى / من الإنكار لوح النفس يمحو
ولا تعجب فإن كتاب ربي / به خسرت رجال وهو ربح
وسنة أحمد المختار قوم / بها هم في ظلام وهي صبح
ولولا في أوانيهم ضلال / لما منهم ضلال كان نضح
ووالله العظيم يمين عبد / صدوق ما عليه بذاك جنح
أئمة ديننا ما صنفوا في / شريعتنا كتلك ولا يصح
وكيف وقد حوت لعلوم رسم / وكشف كله للناس نصح
وفي الإسلام ليس لها نظير / فيحوي ما حوت وهو الأصح
هو الركبان والحادي
هو الركبان والحادي / هو السبعون والحادي
هو المسعود والمطر / د مع حق وإلحاد
هو المعدود والأعدا / د وهو العادّ والعادي
هو الأرواح والأشبا / ح من أنواع أجساد
هو الأفلاك والأملا / ك في مثنى وآحاد
هو الدنيا وما فيها / كتكريت وبغداد
هو الأخرى وما تحوى / كعباد وزهاد
هو البستان والأغصا / ن والغدران للصادي
هو الأزهار والأثما / ر وهو السيل والوادي
هو الطير الذي غنى / بلحن فوق أعواد
هو الأعواد والإنشا / د والمصغى لإنشاد
هو المعروف والمجهو / ل والمخفي والبادي
هو الشمس التي لاحت / وبدر الأفق في النادي
هو المغوي والغاوي / هو المهدي والهادي
هو المدعو بأنساب / وأنسال وأجداد
وأعمام وأخوال / وآباء وأولاد
ثياب كلها يبدو / بها من خلف أضداد
إشارات له منه / بإعطاء وإمداد
على فرض وتقدير / تراءت برق إيجاد
وبالأمثال تكرار / لها في شكل ترداد
وعنها ذاته جلت / وعزت دون أنداد
وأسماء له حسنى / إليه ذات إرشاد
بها يبدو فتدريه / ذوو التقوى أولو الزاد
وجود مطلق عنه / بدت أشكال أفراد
وتسع تلك أعراض / لها ذكر بتعداد
تسمى الكم مع كيف / وأين عند نقاد
متى والوضع مع ملك / إضافاتٌ بإسناد
وفعل وانفعال وه / ي معلومات أشهاد
تجلى ربنا فيها / لتقريب وإبعاد
فقوم حققوا المجلى / بأذكار وأوراد
وقوم قد عموا عنه / بحرمان لآباد
بحمد الله خلاق الوجودِ
بحمد الله خلاق الوجودِ / توالى كل إنعامٍ وجودِ
وبالشكر الذي من كل شيءٍ / تمتع كل شيء بالشهود
ولكن للظهور تنوُّعاتٌ / بها خرج البطونُ عن القيود
فسبحان المهيمن جل ربي / وعز عن المعاني والحدود
وما زالت صلاة الله مني / تفوح مع السلام بعرف عود
على المختار من بين البرايا / سليل الأكرمين من الجدود
محمدٍ الذي بالحق ساعي / إلى الغارات خفاق البنود
كذا مع آله والصحب طرّاً / على أمد الزمان بلا نفود
وبعدُ فإن تقوى الله زادٌ / لأهل السير في طرق السعود
وتلك مراتب لم يخل عنها / أولو الإسلام من كل الجنود
فتقوى العامِّ من شركٍ وكفرٍ / وأعمال من الطغيان سود
وتقوى الخاصِّ من كل المعاصي / جميعاً مع محافظة الحدود
وتقوى خاصِّ هذا الخاصِّ عما / سوى الرب المهيمن في الوجود
فمن لم يتقي شركاً وكفراً / فعن تقوى المعاصي في صدود
وترك الذنب ليس بطاعةٍ من / ذوي الشرك المهيِّئِ للخلود
لأن الشرك لم يغفره ربي / له نار غداً ذاتُ الوقود
وكل عبادةٍ فالشرط فيها / هو الإسلام حفظاً للعهود
ومن لم يتقي هذا وهذا / جميعاً ما تنبه من رقود
فكيف عن السوى تقواه ترجو / ولم تخرج سيوفٌ من غمود
وأول رتبة تقوى عوامِّ ال / برية في القيام وفي القعود
وذاك أهم للإسلام فيما / نراه من النصيحة للوفود
لأن النفس كاذبة ويخفى / عليها الشرك في طي الجلود
وتجحده إذا عرفته حتى / تزيد الوصل في خلف الوعود
وقال الله في القرآن إلا / وهم أيْ مشركون من الجحود
وجاء الشرك أخفى من دبيبٍ / لنملٍ في الحديث عن النقود
وللشرك انقسام منه قسمٌ / جليٌّ في النصارى واليهود
وقسم في ذوي الإيمان خافٍ / عن الساهي من العبد الكنود
وذلك في العوامِّ لترك تقوى / ذكرناها لهم في ذي العقود
فمن يعمل بتقواهم ويمشي / عليها في الركوع وفي السجود
كفتهُ عن الطريق بلا التفاتٍ / إلى تقوى الخواصِّ ولا صعود
فإن الإشتغالَ بترك ذنبٍ / كفعل الذنب حجب عن ورود
ولا نعني الهجومَ على المعاصي / وتركَ الخوفِ مثل أولي الجحود
ولكن كل مرتبة يؤدَّى / لها حق على رغم الحسود
فحقك في عمومك ذا وذا في / خصوصك عند أرباب السعود
وكن يا أيها الإنسان فيما / علمت من البطون إلى اللحود
وهذا النصح مني للبرايا / به يستيقظون من الهجود
وغير الله في الدنيا غرور / وليس يدوم ظل مع عمود
وقد خص الإله رجال صدق / بما قد خَصَّ من كرم وجود
لهم قدم الرسوخ على المعالي / تراهم في المرابض كالأسود
وكل قد أجاز لمن سواه / على الترتيب في أخذ العهود
إلى هذا المجاز حباه ربي / بأنواع الفتوح بلا سدود
وقوَّاه على فهم المعاني / وأرشده إلى طرق الشهود
ومن عبد الغني نظام عقد / بسلك الدرِّ من أبهى العقود
على جيد الإجازة قد أضاءت / به نار الهدى بعد الخمود
يروم به من المولى قبولاً / لديه في الصدور وفي الورود
وجود الشيء شاء يشيءُ شيئاً
وجود الشيء شاء يشيءُ شيئاً / فكان الشيء عن ذاك الوجودِ
فسموا الشيء موجوداً وقالوا / وجود ذاك ثان في الشهود
وقد قسموا الوجود إلى قديم / يجلُّ وحادث هو للنفود
وكيف يصير من عدم وجود / ويدركه الفنا مثل القيود
ألا يا قوم كم هذا العمى من / ولادتكم إلى يوم اللحود
تنبهت العوامُّ الغرُّ لما / رأوا قولي وأنتم في رقود
هو الله الذي لا شيء معه / وهل ظل يكون مع العمود
أنا الخلق الجديدُ
أنا الخلق الجديدُ / أنا العبد المريدُ
وليس عليَّ لبسٌ / به وهو الشهيد
وغيب الغيب عنا / هو المبدي المعيد
لنا في كل وقت / وجود منه جيد
فنحن به قيام / ونحن به قعود
ونحن به ركوع / ونحن به سجود
ونحن لنا انتباه / به ولنا رقود
ونحن لنا احتراك / به ولنا ركود
وذاك الرب حقاً / ونحن له العبيد
ونحن له الرعايا / ونحن له الجنود
هو الملك الذي لا / سواه لنا يقود
ونحن عليه منه / على الأبد الوفود
فيطعمنا ويسقي / ويفعل ما يريد
ونشكره على ما / لنا أبداً يفيد
ومنه لنا علوم / وإكرام وجود
وقال لنا اشكروني / وبالشكر المزيد
حرارةُ عشقه تعطي برودَهْ
حرارةُ عشقه تعطي برودَهْ / إذا لبس الورى فغدوا برودَهْ
وجود قدَّر الأكوان حتى / لهم أعطى وما أعطى وجوده
عطاءُ توجُّهٍ منهم عليهم / بهم يعطيك مطلقُه قيوده
كما يعطي تفكرك المعاني / بتصوير لها يبدي حدوده
وأحضرهم لهم وله بوجه / إليه منه يولي الكل جوده
وليس الوجه غير توجهات / لما في علمه تنفي صدوده
وهذا كان منه لما اقتضته / محبته لهم فرأوا ودوده
فقوم شاهدوا الأكوان لاحت / وقوم حققوا فيها شهوده
وقوم قد رأوه به تجلّى / لهم ونفوا سواه فبت عوده
لقد نسجت لها الأرواح منا / شرانقَ جسمنا فالروحُ دوده
فإن فسدت هياكلها فطير / يبيض نوره الشعشاع سوده
وذا حكم الشهيد به الموافي / إلى وكر الغيوب غدت وفوده
صدقتك يا ابن حضرتنا تواضع / له وأطل إليه به سجوده
وكن عبداً ولاتك فيه ربّاً / على شيء له تصلى وقوده
أقول لجمعكم يا أهل عصري
أقول لجمعكم يا أهل عصري / أيا فقراء للرب الخبير
أنا عبد الغني فكيف أرجو / سواه وما أنا عبد الفقير
هو المشكور والشاكرْ
هو المشكور والشاكرْ / هو المذكور والذاكرْ
هو الممكور فيه قد / بدا والمكر والماكر
هو الأمر الذي قد أن / كروا والنكر والناكر
معان كلها فيه / فقم لرياضها باكر
وأطلق ذاته فيها / وحاذر عقلك الحاكر
جميع الكون مظهرُهُ
جميع الكون مظهرُهُ / فيخفيه ويظهرُهُ
فلا التشبيه يدركه / ولا التنزيه يحضره
لأن الكل أحكام / بنا فينا يقدره
إلهٌ مطلق عن كل / لِ ما فينا يصوره
وعن إطلاقه أيضاً / إذ الإطلاق يحصره
بتنزيهي وتشبيهي / معاً في القلب أذكره
وعقدي دائماً فيه / هما يختار جوهره
وهذا العقد مشروع / به التنصيص موفره
ومن يجزم بهذا لم / يزل ربي ينوره
لحرب نفوسنا قد جاء فارسْ
لحرب نفوسنا قد جاء فارسْ / وقد فتنت به روم وفارسْ
تبرقع بالقلوب فلو أميطت / براقعه لكان الكون دارس
وأوصاف الجمال له استقرت / ووصف الغير قام عليه حارس
عظيم مهابة فنيَ المناجي / له شوقاً وقد ذاب الممارس
وفي روض القلوب له ثمار / بأشجار المحبة وهو غارس
تحجب فالعقول عليه ضلت / ولا يدريه إلا من يمارس
عزيز والمحب له ذليل / وإني وهو مفترس وفارس
ألا يا أيها المحبوب رفقا / بأقوام لعشقك هم مغارس
وإن قُرئت بهم فيهم عليهم / معاني الكشف عنك فهم مدارس
ظهرت لهم فغابوا فيك حتى / من الأغيار حولت المتارس
وقد ركضوا بميدان التجلي / وكل رامح فيه وتارس
هم العلماء إن ذكرت علوم / وفي يوم الحروب هم الفوارس
وكيف توجهوا شهدوك جهراً / ووجهك للذي شادوه هارس
رويداً أيها النفس المراشَهْ
رويداً أيها النفس المراشَهْ / بأجنحة ضعاف كالفراشَهْ
إذا رأت الوجود رمت عليه / لتحرق نفسها تبغي رشاشه
كمن في ظلمة خلتوا فنالوا / ورش عليهم النور انتقاشه
به الخبر الصحيح أتى إلينا / عن المختار فاغتنموا معاشه
أنا البرق اللموع وأنت أيضا
أنا البرق اللموع وأنت أيضا / ولكن أنت لم تشهد وميضا
إلى كم أنت في كمه فإني / أرى العليا وأنت ترى الحضيضا
وهذا الفرق بينك قل وبيني / لحالك لم يزل حالي نقيضا
فتنكرني لجهلك بي قياساً / عليك فلا تزال لي البغيضا
رويدك أيها المحجوب عما / يفيض لديك من مولاك فيضا
ينابيع المعارف فيك غارت / ولم تهتم وماء الرشد غيضا
تأمل باطنا لك في انقلاب / مع الأنفاس تدرك ما أفيضا
وكن بالأمر لا بالخلق تعرف / لك الأمر الطويل لك العريضا
وحقق ظاهراً لك في جمود / تجده سائلاً بك فيك أيضا
تطبب جسمك الفاني ليبقى / وتترك قلبك الباقي مريضا
لك الأكوان بالأغيار سود / ولو حققتهن لَكُنَّ بيضا
فلو أعرضت عن دنياك صدقاً / ومنك القلب بالإخلاص رِيضا
وجدت الأمر أمر الله أدنى / إليك وكنت سَمْناً لا مَخِيضا
رويدك أيها البرق اللموعُ
رويدك أيها البرق اللموعُ / فإن غروب ضوئك لي طلوعُ
ترفرف لمحة وتغيب أخرى / فتعشقك الأماكن والربوع
ألا هل أنت بهجة وجه سلمى / بدت فتحير القلب الولوع
أم ابتسمت عشية ودعتنا / فجاد بكوننا الثغر المنوع
هي الأسماء من أسمى أصول / ونحن جميعنا عنها فروع
تميل فتثبت الأكوان عنها / وليس لهم إذا اعتدلت وقوع
وذا حكم الإرادة وهو شيء / تكون به المهابة والخشوع
وما أكواننا إلا ليال / وفيها أشرقت منك الشموع
وكل تجنب عنك التفات / إليك وكل إقبالٍ رجوع
وجود واحد عنه تبدت / جموع واختفت فيه جموع
وتلك مراتب لا زال فيها / يكون له على الأبد الشروع
ملابس بهجة محض اعتبار / وفي حرب العداة هي الدروع
غدت منه له تبدو عليه / ويمحوها ويثبتها الخضوع
إذا ماشاء أشهدها أناساً / فكل بالسوى راض قنوع
وإن يشأ الشهود فلا سواء / وكان لنور طلعته سطوع
علت بي كعبة الذات البديعَهْ
علت بي كعبة الذات البديعَهْ / لأسماء نزيهات رفيعهْ
وقد ملئ الإناء من العطايا / وفُرِّغ في النفوس المستطيعه
لنا عجز ومقدرة وعلم / وجهل فالحصون لنا المنيعه
ومن علم الحقيقة قد شربنا / وكان الأكل من علم الشريعه
ومن يشري من الرحمن نفساً / له الأولى ببخس أن يبيعه
صفا ماء الحقيقة فهو صافي
صفا ماء الحقيقة فهو صافي / من الكدر الذي هو فيه خافي
وما الكدر الذي هو فيه إلا / تقادير له منه توافي
تسمت بالحوادث وهي فيه / قديمات وما هي بالمنافي
سراب ظنه الظمئان ماءً / فلما جاءه للإرتشاف
هنالك لم يجد شيئاً ولكن / به وجد الإله الحق كافي
نظرت به شهدت وإن بنفس / نظرت عميت يا ذا الإنحراف
شخوص شاءها فيقال أشيا / بلا شك هناك ولا اختلاف
ومشيوآته ليست بوصف / له وبه فما هي ذو اتصاف
ولا ذا وصف ذا كلا ولا ذا / لذا وصف لفقدان التكافي
هو الحق الوجود وكل شيء / به عدم ترتَّب بانعطاف
فقم وانهض إلى التحقيق فيه / تلافي الحال من قبل التلاف
ومع أهل الوفاق أدم وفاقاً / إلى كم أنت مع أهل الخلاف
وكن بالله أنت تكن قوياً / وجانب غفلة القوم الضعاف
وإلا سوف تندم يا نديمي / لفوت الحظ في زمن الثقاف
هي الذات التي فوق البراقِ
هي الذات التي فوق البراقِ / تحن إلى ذرى السبع الطباقِ
لها بالجسم منها ثوب درٍّ / يشف على معانيها الدقاق
فمن ينأى إليها فهو دان / ومن يفنى عليها فهو باقي
وما بسوى المحبة كون شيءٍ / وليس الميل إلا بالتلاقي
وأنوار الجمال بكل قلب / تسمّى بالهوى والإشتياق
ولم يكن النعيم سوى التداني / ولم يكن العذاب سوى الفراق
وكل الكون في الدنيا حجاب / وفي الأخرى عن الوجه الملاقي
وأنت الكأس والأسرار خمر / ومجلسك التقى والله ساقي
فما لك لا تطير هوى وسكراً / وقد حييت بالكأس الدهاق
أزل نومي بشدوك يا نديمي / وأبدل لي خلافك بالوفاق
وحيِّ على المنى يا ابن المعاني / ولا تفتن بألفاظٍ رقاق
وخذ مني وناولني إلى أن / تراني قد وصلت إلى التراقي
ومن بالحق يقذف لاح جهراً / وما التفت له ساق بساق
هنالك تضمحل به رسومي / وأذهب بانسحاقٍ وانمحاق
ويبطل كل شيء كان حتى / مقالي ذا وفهمي مع مذاقي
ويبقى مثل ما قد كان ربي / على ما كان وهو أجل واقي
ويخفى الكون من غير اختفاء / ويبدو النور من غير انفهاق
ودنسناه بالأفهام حيناً / وبالأقوال والبحث المساق
إلى أن جاد غيث الفيض منه / بماء القدس وانفتحت سواقي
إذا قلنا عرفناه جهلنا / وهل فرع لأوج الأصل راقي
وريح المسك في الصندوق يفشو / ويعرف منه قدر الإنتشاق
وهل نور النجوم يلوح إلا / على مقدار إدراك المآقي
هو الحق المبين وكل شيء / سواه باطل بالإتفاق
قديم لا بمعنى فهم كون / وباق لا كقول الخلق باقي
حباك الله بالنعما لتشكرْ
حباك الله بالنعما لتشكرْ /
فطع في كل ما ينهى ويأمرْ /
ورشدك إن أتاك وصرت تحضر /
تأمل في خلال الأرض وانظر / إلى آثار ما صنع المليكُ
فإن الروض فيه فائحاتٌ /
نوافج نرجس مستعطراتٌ /
إذا شبَّهتها قل نابتاتٌ /
عيون من لجين شاخصاتٌ / بأحداق هي الذهب السبيكُ
وكم لله في الدنيا نباتٌ /
بآيته لوحدته ثباتٌ /
وأزهار تلوح ملوناتٌ /
على قضب الزبرجد شاهداتٌ / بأن الله ليس له شريكُ
بنور المصطفى ظهرت خبايا /
بها كان المحقق في زوايا /
وإن النور كشاف الخبايا /
وإن محمداً خير البرايا / إلى الثقلين أرسله المليكُ