القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ نُباتَةَ السَّعْدِيّ الكل
المجموع : 37
لَحا اللهُ الجزيرَةَ من بلادٍ
لَحا اللهُ الجزيرَةَ من بلادٍ / ولا حَيّا مُحيّاها بمُزْنِ
فإنّ بها يقيني عاد شَكّاً / وأصدقُ من يقينِ الناسِ ظَنّي
دعا حَوذانُها إبلي فقالتْ / ألا لا أشْتري عُشْباً بمَنِّ
وتهتِفُ بي ألا تمْتاحُ أهْلي / أأَهْلِكُ ليتَ أمي لم تلِدْني
فضُمّي يا نَصِيْبِيْنُ الحَواني / على ما فيكِ من طيبٍ وحُسْنِ
فلو في القَيظِ جِئتُكِ رَهنَ عَشْرٍ / لما ألقيتُ في الهِرْماسِ شَنّي
ولا استقيتُ فيكِ سوى العَوالي / وبِيضِ الهندِ من ضَربِ وطَعْنِ
بلادٌ ما رأيتُ بها صديقاً / ولا النصلَ الذي يَحويهِ جَفْني
أَبيضَ المشرفيةِ إنّ سيفي / رعى للهامِ ما لم يَرْعَ منّي
ولو ذاقَ المَذلّةَ من نَميرٍ / أصابَ بني عُقيلٍ بالتّجَنّي
فتطمعُ أن تَمَلّكَ بالتَواني / وقد عرّضتَ حالكَ للتظنّي
ولم ترْعَ اللّبيبَ بمُلْجَماتٍ / تَبُذُّ تجاربَ الرجلِ المُسِنِّ
فإما أنْ تَزورَ بني عديٍّ / وفي رِجْليكَ أحْجالٌ تُعني
وإمّا أن تزُورَهُمُ بجيشٍ / يُصَدَّقُ كلّما زَعَمَ التّمنّي
ألا يا أيُّها الملكُ الرّؤوفُ
ألا يا أيُّها الملكُ الرّؤوفُ / إلى كم ذا التأمّلُ والوقوفُ
وقد حنّتْ جيادُك أنْ تَراها / يلِفُّ صدورَها الأسلُ المُنيفُ
مكمّلة الجوانِبِ والنّواحي / وآثارُ الطِّعانِ بِها قُروفُ
أنَفتُ لها تُباشِرُ غيرَ حربٍ / يكونُ نصيبَها من الجيشِ الكَثيفُ
سِنانُ السّمْهَريِّ بها وضيعٌ / وصدرُ المَشرَفيّ بها شَريفُ
تَناصرتِ السّيوفِ على قَناها / فإفلاتُ القَنا منْها طَريفُ
وما الفلواتُ عندَ سِواكَ دارٌ / ولا طولُ السُّرى دَعَةٌ وريفُ
فإنْ كنت الضِرابَ الهَبْرَ تَبْغي / وطعناً تَستجيبُ له الحُتوفُ
فطوقْها الأسنّةَ أو تَراها / ومن ماءِ النحورِ لها وكيفُ
وفي أحْشائِنا منها نُجومٌ / وفي آذانِنا منها شُنوفُ
فما هي غيرُ معركةٍ تَجلّى / وقد رَويتْ منَ الرومِ السّيوفُ
تُحلُّ على صَوارمكَ الهَوادي / وتنظمُ في ذوابلكَ الصُفوفُ
لوَ انّ الدّهرَ لانَ للِنْتَ فيهِ / كِلانا عندَهُ الخُلقُ العَنيفُ
يَحيفُ عليَّ أيْنَ حللت منهُ / ولكن في جِوارِكَ لا يَحيفُ
ينالُ نوالَكم من شَطَّ عنكُمْ / فكيفَ تضيعُ عندكم الضّيوفُ
رِضاكَ ألَذُّ من طعمِ الوِصالِ
رِضاكَ ألَذُّ من طعمِ الوِصالِ / لِصَبٍّ في الهَوى بعدَ المِطالِ
فأمّا عندَ من طَلَبَ المَعالي / فأحلى من مباغضةِ الرِّجالِ
أرِدْني ما تُريدُ بكَ المَنايا / إذا طغَتِ الدّروعُ على النِّصالِ
لإنّكَ تملأُ الهِمَمَ اعتِزاماً / وتحسِمُ عِلّةَ الدّاءِ العُضالِ
وكيفَ تَنالُ هَضْبَتَكَ اللّيالي / وتَعْشِرُكَ المَكارمُ والمَعالي
وقولُكَ ليسَ يُدركُ بالفعالِ / وفعلكَ ليس يُدرَكُ بالمَقالِ
وبشرُكَ للعُفاةِ بِلا نَوالٍ / أحبُّ إلى العُفاةِ من النّوالِ
وخوفُكَ في الجَماجِمِ والهَوادي / أحدّ من المهنّدةِ الصَّقالِ
تُلاحظُكَ الفوارسُ من بعيدٍ / فتختارُ الحِمامَ على القِتالِ
وتأنفُ من نِزالِهُمُ وكانوا / يَعُدونَ الشّجاعةَ في النِّزالِ
تُخالطُهُمْ ولم تُشْهرْ حُساما / كأنّكَ منهمُ في كلِّ حالِ
رجاء أن تَردّى بالمَواضي / على ثوْبٍ منَ اطْرافِ العَوالي
فلو علم المُسلمُ ما تَمنّى / إذاً حيّاكَ بالأسَلِ الطّوالِ
رَجاؤُكَ فوقَ هِمةِ كلِّ وعدٍ / ووعدُكَ فوقَ نفْحَةِ كلِّ مالِ
لماذا أنتَ في الدُنيا تخافُ
لماذا أنتَ في الدُنيا تخافُ / وعندكَ من حوادثِها انتِصافُ
لسانُكَ والسّنانُ وما تَردّى / إلى الأعداءِ أسبابٌ لِطافُ
فإنْ خانتْكَ أبكارُ القَوافي / فبردكَ لا يخونُكَ والعِطافُ
إلى كم ذا الغرامُ بكلِّ فجٍّ / وكم هذا الترددُ والطَّوافُ
وتجهيزُ المديحِ إلى رجالٍ / لهم هِمَمٌ وأجسامٌ نِحافُ
يقوتُهُمُ من الزادِ المهيّا / روائِح شمهِ فهمُ عِجافُ
وصارَ الدّهرُ بعدَ فراغِ عزْمي / بمجهلة يضِلُّ بِها الثِقافُ
إذا ما شكّ في شيْءٍ أتاني / لأُفهِمَه فقد زالَ الخِلافُ
ولستُ بآمنٍ منه نُبوّاً / يَطولُ به التّشاجرُ والقِذافُ
وخَوفُكَ من أمنتَ نهىً وحزمٌ / لأنّكَ خائِفٌ ممّنْ تَخافُ
لِدهركَ منك أيامٌ طِوالُ
لِدهركَ منك أيامٌ طِوالُ / وحالٌ تَقتضيها منكَ حالُ
وطعنٌ في حوادثِهِ وضَربٌ / يُقصِّرُ عن حكايتِه المَقالُ
فقمْ لا قُمتَ واغضَبْ للمَعالي / فكمْ هذا التّلومُ والمِطالِ
لقد أغمدتَه حتى لَقالتْ / أصَدٌّ بالقوائِمِ أمْ دَلالُ
إلى كمْ تهجُرُ البيضَ المَواضي / وليس لغيرِها خُلِقَ الوِصالُ
ومَنْ كانَ الأغَرُّ أبا أبيهِ / وعَزمتُهُ المقاديرُ العِجالُ
أطاعتْ صدر ذابلهِ المَنايا / وصلّتْ نحوَ قِبلتِهِ الرِّجالُ
تقول لأفْعَلَنّ بِها عظيماً / وليس يصَدِّقُ القوْلَ الفَعالُ
لكَ الويلاتُ أوْرِدْهُنّ شُعثاً / يُضيقُ بهنّ في السعد المَحالُ
فما الإنسانُ إلاّ مَنْ تدانَتْ / وخفّتْ عندَه السّبْعُ الثِّقالُ
إذا سالمتَه سالمتَ قَرماً / لفكرتِهِ وهمّتِهِ قِتالُ
تظلّمُ منهُ أكناف المَذاكي / وتشكوهُ المُهنّدةُ الصِّقالُ
برِمتُ من الحياة وأيُّ عيشٍ / يلذُّ لمن مطاعمه الخَيالُ
فلو أنّي أعُدُّ ذنوبَ دهري / لضاعَ القطرُ فيها والرِّمالُ
ولكنّي أقللُها بصبري / وعن يُمناي يكتمُها الشِّمالُ
ومغرورٍ يُحاولُ نيلَ عِرْضي / فقلتُ له الكواكبُ لا تُنالُ
يُعاينُ في المكارمِ فيضَ كفّي / ويزعمُ أنّهُ ذَهَبَ النّوالُ
ويَعجب إن حويتُ الفضلَ طفلاً / ألا لله ثم لي الكَمالُ
أُحمِّلُ ضَعفَ جسمي ثِقلَ نفسي / ونفسي ليس تحملُها الجِبالُ
وأسمعُ كلَّ قولٍ غير قولي / فأعلمُ أنّهُ الخَطَلُ المُحالُ
تُعَرى كلُّ أرضٍ من فتاها
تُعَرى كلُّ أرضٍ من فتاها / ولا تَعرى المعرّةُ من نَجيبِ
تردَّينا إليها كلَّ جَفنٍ / يَغُضُّ على لواحِظِ مُستريبِ
له من سيفِهِ شطرٌ يَقيهِ / وشطرٌ ينتضيهِ كاللّهيبِ
يُجَلّي ما وراءَ اللثمِ منّا / فسِرْنا والدُّجى عينُ الرّقيبِ
تُودْعنا رماحُ بني عَديّ / وداعَ أخي المحبةِ والحبيبِ
على أكتافِنا وعلى طُلانا / أسَنّتَهنّ تلبُدُ للوثوبِ
ويذعَرُها تلفُّتُنا إليها / فتسقُطُ أوْ تَزِلُّ عن الكُعوبِ
وتَنشبُ في الخُدودِ إذا غَفَلنا / فيحسَبُ أنّها وَخَطُ المَشيبِ
نُحيي شخصَهُ ويقولُ أهلاً / تبدلُنا الطَلاقة بالشُحوبِ
بياضُكَ في الشعورِ نُهىً وحلمٌ / وجهلٌ في المهندةِ الغُروبِ
علِمنا ما جهلتَ من اللّيالي / فليسَ يُفيدُ عِلماً بالخُطوبِ
وحيّانا غلامٌ من كلابٍ / شَمائِلُهُ سِهامٌ في القُلوبِ
ردَدْتُ سَلامَهُ ورأيتُ فيه / مخائلَ لا تَخيلُ على أريبِ
فقلت ألا تذمُ من الأعادي / فقال بلى ومن طولِ السّهوبِ
أُريكَ الشّمسَ في حمصٍ فَتاةً / وقد عَنَسَتْ بقَوعَةَ للمغيبِ
سحابةُ ليلةٍ لا غزرَ فيها / لرَجْلِكَ غيرَ سيركَ واللغوبِ
فَيا غلاّقُ لا غلاقُ خَيرٍ / ولكنْ أنتَ فرّاجُ الكُروبِ
أقِمْ في القولِ من نفسي دَليلا
أقِمْ في القولِ من نفسي دَليلا / فإن الصدقَ ما زرعَ القَبولا
وأكدارُ المشاربِ ليسَ تَشْفي / غليلَ فتىً يَعافُ السّلسَبيلا
إذا استخبرتَ أوْ خيرتَ فاقصدْ / حُزونَ الصّدقِ واجْتنبِ السُهولا
وخبِّرْ حيَّنا سعداً بأنّا / تركنا العذلَ يَزْدَرِدُ العَذولا
وخوَّفَنا السَماوةَ هادِياها / فَصيّرنا الهميمَ بها كَفيلا
وجارَيْنا النّوى حتى تَرَكنا / مُكِلاً من قوائِهما كَليلا
فهلْ أبقتْ لهم جَفْناً مريضاً / وهل تركت لهم خداً أسِيلا
ومَنْ هامَ الغَرامُ بهِ فإنّا / بحيث نُعَلِّمُ الصبَّ الذهولا
بأرضِ الرومِ نَعتَنِقُ المَواضي / ونَمْتَهِدُ المُسوّمَةَ الفُحولا
ونُنشئُ من دمائِهم سَحاباً / تُكشِّفُ من قَساطِلها نُحولا
نطيعُ اللهَ في خوضِ المَنايا / وسيفَ الدولةِ الملكَ الجَليلا
إذا طلبتْ ملوكُهُم لدينا / ذُحولَ الحَربِ زدْناهُم ذُحولا
إذا ما أرسَلوا جيْشاً إليْنا / رَدَدْنا من دمائِهم رَسولا
يسيلُ إليهم فإذا أتاهُم / رأوا فيه الجَماجمَ والخَصيلا
وقال لنا الزمانُ ظَلمتُموهُمْ / فقلنا للزّمانِ دع الفُضولا
سَرى بالخيلِ يَمنعها المَخالي / وتمنعُهُ التمهلَ والنُزُولا
نَسينا النُطقَ هيبةَ شَفرتيهِ / كما نسِيَتْ من الدّأبِ الصّهيلا
وطوفَ في بلادِ الرومِ حتى / توهّمناهُ قد ضَلّ السَبيلا
وكيف يضِلُّ في سبلِ المَعالي / فتىً جعلَ الحُسامَ له دَليلا
كأنّ حصونَهم نادتْ نِداه / أو اختارتْ لساكنِها بَديلا
فأعطَتهُ الذي تَحوي عَطاءً / جَزيلاً مثلَ ما يُعطى جَزيلا
كأنّ بلادَهمْ ضَمّتْ عليهِ / جوانِحَها مخافةَ أنْ يَزولا
تُطيَّبُ من روائِحِه المَغاني / وتَروى من سحائبِه الطُلولا
كأنّ الخيلَ من مرحٍ ولهوٍ / تُنزعهُ إذا تركَ الرّحيلا
دِقاقاً كالأهلّةِ في الأعادي / تُعلِّمُ من ذوابِلهِ النّحُولا
بدربِ القُلّتينِ رَنونَ حُوراً / وأرسَلها على هِنْزِيْطَ حُولا
يُخوضها الفُراتَ فتىً يُلاقي / بوجهِ الموتِ في الغمراتِ سُولا
ولو أنّ الفراتَ عَصى عليهِ / لردّ السّيلَ عنه أنْ يَسيلا
فما ضحِكَتْ بحِصنِ الرّانِ حتى / بكتْ حلبٌ ورجعتِ العَويلا
فكرّتْ نحوَ عولتها رُجوعاً / كتكرارِ الليوثِ حمَتْ شُبولا
إلى بَحرٍ بمَرْعَشَ من حَديدٍ / فأوردَها شرائعَهُ سُيولا
فقالوا هاكَ قُسطِنْطِينَ خُذهُ / ونَهنه من أعنّتِها قَليلا
فرفّعَ من جُسومِهم عَجاجاً / وجشّمَها إلى الفلكِ القَفولا
وفي ظهرِ الأُحَيْدِبِ حمّلَتْهُمْ / خِفاف سيوفِه عبئاً ثَقيلا
تألفتِ الجَماجمُ والهوادي / كما تتألفُ الغُررُ الحُجولا
تركتَ الثائرَ العجلانَ منهم / وقد نصّلَ الطليعةَ والرّعيلا
يُلاقي الرمحَ بينَ حَشاهُ سيفاً / تحدّرَ من مفارقهِ عَجولا
وقد جعلوا بَراكاءَ المَنايا / لأسؤقِهم وأرجلهم كُبولا
تَخالُهم وقد نزلوا قُعودا / وتحسِبهم وقد ركبوا نُزولا
فمضروبٌ يردُّ السيفَ صَلتاً / على يافوخِ ضاربهِ جَهولا
ومَطعونٍ مشى في الرُمْحِ يَسْعى / لطاعنهِ فجدّلَهُ قَتيلا
يدُقُّ الصّدرَ مُعتنقاً فيرضى / ولا يرضى إذا دقَّ التّليلا
كأنّهُمُ وقد ثَمِلوا ضِراباً / تَساقوا في سُيوفِهم شَمولا
فلمّا لم يدعْ رُمحاً طويلاً / يُقصِّدُهُ ولا سيفاً نَحيلا
ولا طِرفاً يُقَحِّمُهُ مَهولاً / ولا ملِكاً يُغادِرُهُ ذَليلا
وملّ الموتُ أنْفُسَ من يُعادي / فجاءَ إليهِ منها مُستَقيلا
فدَى من كانَ أسلمَهُ سِواهُ / بما كانَ السِّنانُ لهُ مُنيلا
وقالوا عن مَلَطْيَةَ لا مَحيصٌ / يُسَلّمُ من مُحيّاكَ النُصولا
ودونَ مَلَطْيَةَ الشُّم اللواتي / ثَباتُ الطّرفِ يَصحبُها ذَليلا
تكادُ تَميلُ من شَوقٍ إليهِ / فتَمْنَعُها المهابةُ أنْ تَميلا
ولمّا حلّ كَركَرَ مُستَهلاً / يُضيفُ إلى الفراتِ نَداهُ نِيلا
تقولُ إذا رأيتَ السَّفْنَ فيه / أظنُّ الحيَّ قد رفَعَ الحُمولا
حَشاهُ كلُّ مَركوبٍ رَكوبٍ / تذرّعَ هادياً فيه ضَليلا
فسالَمَهُمْ ولم يتركْ فَتاةً / وحارَبَهُمْ ولم يتركْ حَليلا
ومن أوالِهم فكّ الأسارَى / وعن أزواجِهم أعطى البُعولا
يَراهُ كلُّ مأسورٍ فَيدعو / ألا حَسبي به وكفى وكيلا
فِداؤُكَ مَنْ فَديتَ من البَرايا / وإنْ كانوا لأنْ تُفْدى قَليلا
فأنتَ خلقتهم خلقاً جَديداً / وصيّرتَ السّماحَ بِهم كَفِيلا
تَزيدُ بحسنِهِ الدُنيا ضِياءً / وأبصارُ الملوكِ بهِ كُلولا
ولم أرَ مثلَ هذا اليومِ يوماً / يَرُدُّ فوارسَ الأيّامِ مِيلا
تَناساهُ فتشأَى الشمسُ بعداً / وتذكرهُ فتَبتدِرُ الذبولا
إذا ما جئْتَ والأملاكُ جمعاً / غدوتَ نَباهَةً وغَدَوْا خُمولا
أحقّهم ببذلِ المالِ فينا / فتىً يُمسي لمهجتهِ بَذولا
وأولاهم بأنْ يُسمى جَواداً / فتىً يهَبُ الرّغائِبَ والعُقولا
رَعى روضَ الأسِنّةِ مُستميتاً / يظُنُّ حياتَهُ كَلاً وَبيلا
تُريكَ بَنانُهُ في كلِّ يومٍ / طِعاناً مُحْيِياً ونَدى قَتولا
وفضلاً يَستفيدُ الدهرُ منهُ / كريمَ الطّبعِ والخُلق الجَميلا
يرى النّيلَ المُحصّلَ منه وعداً / وتُعجِلُهُ العَطايا أنْ يَقولا
يُصيِّرُ كلَّ مِقدامٍ جَباناً / ويجعلُ كلَّ مِعطاءٍ بَخيلا
سألتُ الدهرَ عما قلتُ فيهِ / فما قالتْ صروفُ الدهرِ لي لا
وما زالتْ غُواةُ بَني عَديٍّ
وما زالتْ غُواةُ بَني عَديٍّ / تُضيْعُ حقوقَنا فيما تُضيعُ
أذِيَّتُهُمْ مُحرَّمَةٌ علينا / وفي أعراضِنا لهُمُ رُتوعُ
ويعجِبهم هُجوعُ الدّهرِ عنهمْ / ويقظَتُهُ إلينا والوُلوعُ
فيَخنُقُهم من الضّحِكِ التّشَفي / وتَخنُقُنا من الكَمدِ الدُموعُ
إلى أن قامتِ الأيّامُ عنهمْ / وفي أظفارِها منهم نَجيعُ
فلو أسطيعُ كُربَتَهُمْ تجلّتْ / ولكنْ حِيلتي لا تستَطيعُ
هُمُ فلّوا عنِ الأعداءِ حَدّي / وغلّوا ساعديَّ فما أبُوعُ
أقَلَّ اللهُ خَيركَ من زَمانِ
أقَلَّ اللهُ خَيركَ من زَمانِ / يُعَدُّ العِيُّ فيهِ من البَيانِ
همومُكَ ليسَ تعرِفُ غيرَ قَلبي / وقلبُكَ ليسَ يعرِفُهُ سِناني
هَنيئاً للغُواةِ الخُرسِ أنّي / بأرضٍ لا يُخافُ بها لِساني
فما أرجو بها إلاّ بَخيلاً / له كفٌّ تُشيرُ بِلا بَنانِ
إذا لم يَبقَ عذرٌ يدّعيهِ / وأفنى عذرُ موعدهِ زَماني
تلقّاني بوجهٍ من حَديدِ / كأني لا أراهُ ولا يَراني
كأنّ المُستَجيرَ بهِ طَريدٌ / يفِر إلى الضِرابِ من الطِعانِ
يئستُ من العِراقِ وساكنيها / فلولا اللهُ وابنُ المرزبانِ
لرعتُ بكلِّ منزلة عجاجاً / تُجاريني كأنّا في رهانِ
ولم يكُ موضعي منها مَحَلاً / يفوزُ به مكانٌ عن مَكانِ
ضياؤكَ يا عليُّ هَدى رِكابي / وجودُكَ يا عليُّ ثَنى عِناني
ولمّا أنْ هَزَزْتُكَ للمَعالي / هَزَزتُ مَضارِبَ السّيفِ اليَماني
فَدتكَ بَدائعُ الألفاظِ طُرّاً / وأبكارُ القَوافي والمَعاني
وإنْ كانت تَحارُ إذا أرَدنا / مديحَكَ في خَلائِقِكَ الحِسانِ
نزلْتَ من المكارِمِ والمَعالي / بمنزلةِ الشّبابِ من الغَواني
فلا زالتْ لياليكَ البَواقي / تواصلنا بأيامِ التهاني
بِبابِكَ حاجةٌ وقفتْ وتاهَتْ / تَباعدَ نفْعُها والضُرُّ دانِ
جَعلتُكَ جُنّتي قبْلَ ادّراعي / غِمارَ الموتِ في الحربِ العَوانِ
نَوالُكَ صارمي وبهِ ضِرابي / وجاهُكَ ذابلي وبهِ طِعاني
فلا تَجمعْ ودادَكَ بالتجنّي / ولا تُشْمِتْ بِعادَكَ بالتّداني
فإني لا يُوافِقُني خَليلٌ / إذا قضّى مآربَهُ قَلاني
أُعيذُ نَداكَ من مَطلٍ شُجاعٍ / لراجيهِ ومن فِعلٍ جَبانِ
فَما تُعطي على الأيامِ باقٍ / وما نُعطي على الأيامِ فانِ
بكركرَ من جِبالِ الرومِ شُمٌّ
بكركرَ من جِبالِ الرومِ شُمٌّ / تَراها للنّجومِ مُصافِحاتِ
وهَبنا لا نخافُ الرّومَ فيها / فكيفَ بسدِّها كُلَّ الجِهاتِ
شَواهقُ تلتَوي بعضاً ببعضِ / فقد عَقَدَتْ لَنا عَرضَ الفُراتِ
إذا خَلَصَتْ إلينا الريحُ منها / تدلّتْ في رشاءٍ من بَناتِ
فَيا سيفَ الإلهِ سقيتَ كأساً / يُسَمُّ بفضلِها سُمَّ الجِهاتِ
ومعضلةٍ لو استصحبتَ فيها / فؤادَك لم يكنْ لكَ بالمَواتِ
ولكنْ يا عليُّ رِضاكَ شيءٌ / أعَزُّ عليَّ فقداً من حَياتي
فَلا تستبطِ مدحَكَ من بليغٍ / تَحيَّر من فِعالِكَ والصّفاتِ
لمدحكَ ما أُهذبُ من لِساني / ونصركَ ما أُثقّفُ من قَناتي
متى أرجو مُسالَمَةَ الهُمومِ
متى أرجو مُسالَمَةَ الهُمومِ / وآملُ صِحّةَ الجِسمِ السّقيمِ
وكرُّ الحادثاتِ عليَّ تَجني / جناياتِ القروفِ على الكُلومِ
قفا يا صاحبي فخبّراني / عن الأهواءِ والزمنِ القديمِ
بعهدِ اللهِ هل أزَلُّ وعِرْضٌ / على مَتْنِ الطّريقِ المُستقيمِ
وهلْ لُبنانُ للسّاري مَقيلٌ / إذا ما راحَ من عينِ الحَميمِ
وهلْ تبدو البديةُ أو أراها / سَهولَ الصحصحانِ إلى الخُزومِ
وكنتُ إذا مشيتُ سَحَبتُ بُردي / على مَشّاء جاليةِ الأديمِ
وقُولا كيفَ غيرتِ اللّيالي / سُهولَ الصحصحانِ إلى الحُزومِ
وكيفَ سبى نسيمُ الريحِ بَعدي / ثَرى تلكَ المعالمِ والرسومِ
فإنّ غرائبَ الأحزانِ تُهدَى / لمُصطبرٍ على البلوى كَتومِ
أُحِبُّ ثَنيةَ الصّنَمين تحدو / بها الأرواحُ مُطَّلَعَ الغُيومِ
ونشرَ الغانياتِ من الخُزامى / ومُعْتَصَرَ السّرورِ من الكُرومِ
ولا أهْوى الكَحيلَ إلى دُجَيْلٍ / إلى الزّوراءِ مَنزِلةِ الذّميمِ
بلادٌ أنفُسُ الأحرارِ فيها / ضِبابُ القاعِ تُروى بالنّسيمِ
يَجوزُ بها وينفقُ كلُّ شيءٍ / سِوى الآدابِ طُرّاً والعُلومِ
ما خِلتُ المقادرَ تبتليني / بصبرٍ في مساكنِها أليمِ
ولا أني أفرُّ إلى ثَراها / ولو أنّي فَرَرْتُ إلى الجَحيمِ
أكنتُ عدوَّ أهلِكَ يومَ أحموا / عيونَهُم وحَيّوا بالوُجومِ
فَبتُّ أُعقِّرُ الآمالَ فيهمُ / وأقربها لأضيافِ الهُمومِ
إذا ما العيسُ بالفتيانِ راحَتْ / وما أقتابُها غيرَ الشُّحومِ
فَحبَّ اللهُ أسنِمةً رَمَتْ بي / على أحقادِ بكرٍ في تَميمِ
أبيتُ الليلَ ملتمساً دواءً / لداءٍ في صدورِهم قَديمِ
كأنّي زُرتُهم بالخيلِ تَعدو / على أكتافِها جِنُّ الصّريمِ
لعلَّ تعرضي بالرزقِ يوماً / سيهجمُ بي على رجُلٍ كريمِ
كمثل أبي العَلاءِ وأيُّ مِثلٍ / لهُ غيرُ السّحائبِ والنّجومِ
حَلَفتُ بذُبَّلِ الأعناقِ تَخفى / مناسمَها فتَنْعَلُ بالرّسيمِ
لقد حاولنَ من بلدٍ بعيدٍ / نِصابَ العزِّ والحَسَبِ الصّميمِ
شكونَ نحولَهنّ إلى رحيمٍ / وحاكمنَ الرجالَ إلى حكيمِ
أجاركِ صاعدٌ منها فحُلي / على الغُدرانِ والكلأِ العَميمِ
ولمّا أنْ رأيتُ الغدرَ يَحلو / كما تَحلو المُدامةُ للمُديمِ
جمعتُ مآربي ووصلتُ حبلي / بحبلٍ ليسَ بالخَلقِ الجَذيمِ
ليقظانِ العَداوةِ مُستريبٍ / ووسنانِ المودةِ مُستنيمِ
فتىً لا يستطيلُ على جليسٍ / ولا يهَبُ النّدامةَ للنّديمِ
بَراهُ اللهُ من حِلْمٍ وجُودٍ / وكلُّ الناسِ من سَفَهٍ ولُومِ
له دونَ المحامدِ والمَعالي / مُحاماة الغيورِ عن الحَريمِ
إذا ما جئتَ تَخْبُرُ خالتيهِ / ملأتَ يديكَ من كرمٍ وخيمِ
وربَّ مدائحٍ وَرَدَتْ عُلاه / ورَوْدَ خوافقِ الأكبادِ هِيمِ
سلمنَ له ولم تكنِ القَوافي / لتسلَم في سوى عِرضٍ سَليمِ
ذكرتُ وقد رأيتُ الغيثَ يَهمي / وأعرضَ شاهقٌ من هَضبِ رِيمِ
عطاءكَ حينَ تُسرفُ في العَطايا / وحِلمكَ حينَ تَغضبُ في الحُلومِ
وأنتَ وسمتَ بالمعروفِ رِقّي / ورقّ الخيل تحفظ بالوُسومِ
رأى الأعداءَ يوم جنَحت دوني / نجومَ المشرفيةِ كالرجومِ
غداةَ جَلا سَوادَ الظلمِ عنّي / سِراجا جبهةِ الأسدِ الشَّتيمِ
حَرَمتُ الناسَ غيرَكم ثَنائي / وبينتُ الخصوصَ من العُمومِ
وبي عن هذه الأنعامِ نَفْرٌ / وكان الثّغْرُ من خُلُقِ الظَّليمِ
أظنُ الدهرَ يسلبني أموراً / سينفعُ عندَها عِلمُ العَليمِ
إذا حلَّ الشّقاءُ نَعِمْتُ فيهِ / وبعضُ القومِ يَشْقى بالنّعيمِ
فإنْ تكنِ الخطوبُ بَخَسْنَ حَظّي / فليس العُدْمُ من فعلِ العَديمِ
طلبتُ براحَتَيَّ وماء وجهي / فجئتُ وما طلبتُ إلى لئِيمِ
ولم أعلمْ بأنّ الرزقَ خصمي / وأنّي صاحبُ الجَدِّ العَقيمِ
تَدارَكْ فوتها واشدُدْ قُواها / فأنتَ لها وللحَدثِ العَظيمِ
وكنتَ عهدتَ كفَّكَ تقتضيني / قَبولَ عطائِها مثلَ الغَريمِ
بَقيتَ لحيةٍ أعيتْ رُقاها / وخصم فلَّ أقوالَ الخُصومِ
ولا استسرَرْتَ يا قمرَ المَعالي / فإنّكَ غرةُ الزمنِ البَهيمِ
وقَفْنا في ديارِ بني عَديٍّ
وقَفْنا في ديارِ بني عَديٍّ / وتلكَ ديارُ مُخلِفَةِ الظُّنونِ
فلو تسطيعُ مقدرةً لصارتْ / دموعاً في المآقي والجفونِ
أذكِّرُ ناقَتي نشرَ الخُزامى / فتُسعِدُني على رَجع الحَنينِ
لَحا اللهُ الزمانَ وحالتيهِ / سِجالِ العيشِ فيه والمَنونِ
ولو كلَّفْتُ همّي غيرَ عَزْمي / تركتُ السيفَ يأخذُ لي دُيوني
سَتَخْفِرُني مَضاربُ هندُواني
سَتَخْفِرُني مَضاربُ هندُواني / له في القِرنِ ما تَهوى اليَدانِ
حدوتُ فما حدوتُ بعرضِ جاري / حُداءَ حُطيئةٍ بالزبرقانِ
ولا نبهت ذا وسن تلَظّى / إليّ جِماحُه بعدَ الحِرانِ
يُحيلُ إذا العَراضةُ أمكنتْهُ / وذاقَ طِمرّتينِ على حِصانِ
وما جارى عشيةَ بلَّ رِيقي / برطبٍ في الخُطوبِ ولا بفانِ
ولكنْ في القيادِ إلى الأعادي / بريقِ طَلاوةِ الخيلِ الحِسانِ
بأبوابِ البيوتِ مُرَبّطاتٌ / أعِنَّتُها إلى الأسلِ الدّوانِ
يَبيتُ مُجاورَ الجوزاءِ رَحلي / على ملساءَ مُنْعَلة الرِّعانِ
حِمى قاضي القضاةِ حِماي حتى / حَمى من كلّ رائعةٍ جَناني
أبى أنْ يملِكَ الأقوامَ رِقّي / وكانت غضبةً من تيحانِ
وكيف أخافُ خَلفَكَ من زَماني / ودونكَ من حِفاظي جُنّتانِ
مِجَنٌّ تفطس الأعيارُ فيه / وسابغةٌ تفيضُ على البَنانِ
إذا عجمت مقالمَها المواضي / نَبا الهنديّ عنها واليَماني
حذارِ من القصيمةِ لا تَمروا / على قَصَباتِها والليلُ دانِ
وخَلّوا العيسَ تعدِلُ عن أذاهَا / عُدولَ المنكبينِ عن الجِرانِ
فإنّ على اشريعةِ أخْدَرِيّاً / كأنّ أخيره في القَدِّ عانِ
أبا شبلينِ يَخلعُ وهو عارٍ / على الأقوامِ حُلّةَ أرجُوانِ
وكيف أمنتُم جهمَ المُحَيّا / شِهابا وجهِه يتوقّدانِ
فإنْ يكُ وثبةٌ فيكم شُجاعاً / فإنّ حياءَهُ عينُ الجبانِ
دعوا حججَ المقالِ للوذعيٍّ / يعلمكم بلاغاتِ البيانِ
وفروا من بديهةِ ألمعي / قريحةُ ظنِّهِ ملءُ العِيانِ
يُلينُ جَناحَهُ للحَقِّ فيكُمْ / وتحتَ اللّينِ سَورَةُ أفعُوانِ
ويومٍ تَزلَقُ الأقدامُ عنه / علوت إليه عاليةَ السِّنانِ
حللت خلافةً وعقدتَ أخرى / وسوّمتَ الكتائِبَ للطّعانِ
إذا جرتِ السّوابقُ يومَ خَصْلٍ / حويتَ أمامَها قَصَبَ الرِّهانِ
وقاكَ المجدُ ما لا تتّقيه / فإنّكَ أولٌ والمجدُ ثانِ
ولا زالتْ همومُك سامياتٍ / عن الأيامِ راضيةَ الأماني
أعَنْ عَمدٍ تباعدَ ما أُرجّي / لديكَ فلا أعقُّكَ بالتّداني
لقد أرجى لبابتَنا كريمٌ / أراهُ في الظّنونِ ولا يَراني
متى يمضي قضيتَه علينا / فتىً يقضي علىصرفِ الزّمانِ
وهل لظلامتي طمعٌ يرجّى / فإنّ المطْلَ عنها قد لَواني
تذكرْ ما جعلتَ له قَديماً / عليكَ من المواثقِ والأمانِ
لها حبلُ الذّمامِ وحبلُ ظَنٍّ / وصلتَ إليهما حبلَ الضمانِ
توالى قبلكَ الحكامُ عنها / وكانَ العجزُ ينكحهُ التّواني
فأنْضِجْها بكَيِّكَ لا تَذرها / مُعرضةً لكيدِ الكَيْذُبانِ
يرشحُ صبية الأضغانِ فيها / ويرقبُ فيكَ يوما أرونانِ
أترضى أنْ أُضامَ وأنتَ عِزّي / وأُهدمُ بالخصامِ وأنتَ بانِ
وفيكَ تعَقَّبَ الأعداءُ سِلمي / وشَبّوا جَمرةَ الحربِ العَوانِ
فإنْ لم تَسقِني الأنْصافَ صرفاً / فما يَجني عليَّ سِواكَ جانِ
وغيرك ما خَدَرْتُ على رُقاهُ / ولا لبيتُه لمّا دَعاني
وكم لي فيكَ من مثلٍ طليقٍ / وألفاظٍ تُقَيَّدُ بالمعاني
تعدتْ ربَّ بابلَ واستعانَتْ / بسيفِ الدولةِ الملكِ الهِجانِ
تَصيرُ إلى العقولِ بِلا دليلٍ / وتغني السمعَ عن سمعِ القِيانِ
هُما خَطبا ثَناي فكانَ عرضي / أعزُّ من العطاءِ الهَيلُماني
أنزّه عن كثيرِهما قَليلي / وأرفَعُ عن مديحهمُ لِساني
أكنتَ تظُنُّني أردُ الهُوينا / ويشرعُ في الهُوينا كلُّ وانِ
أعدها نظرةً تُعطيكَ ناري / وتَسلِبُ عنكَ أرديةَ الدُّخانِ
طويتُ محاسني عن كلّ عينٍ / وما يخفى على عينٍ مكاني
وكدّرَ نطفةَ الأنعامِ عندي / عُلوُّ يدِ المُعينِ على المُعانِ
لبستُ من الحوادثِ كلَّ ثوبٍ / سِوى ثوبِ المذلّةِ والهَوانِ
أكدُّ العيشَ أطلُبُ فوقَ زادي / ولو أني قَنَعْتُ بهِ كَفاني
أنا لَكَ مَنْ أدالَكَ بالتّمامِ
أنا لَكَ مَنْ أدالَكَ بالتّمامِ / ومزّقَ عنكَ أثوابَ السَّقامِ
فإنّ الدّينَ تَمضي شَفرتَاهُ / ويسلَمُ إنْ سلِمتَ من الحِمامِ
وما في العيشِ بعدَكَ من فلاحٍ / ولا في الدارِ بعدكَ من مُقامِ
وهل للداءِ عندكَ من ثَواءٍ / وقد يَشفى من الداءِ العَقامِ
سلامٌ والسّلامُ أقلُّ شيءٍ / أجهزه إلى أهلِ السّلامِ
لقد نامتْ جفونُك غير سهوٍ / وشكري ما ينامُ مع النّيامِ
ملأتَ مآربي كرماً وفعلاً / وكنتُ أُجازُ قبلكَ بالكَلامِ
وهِمتُ بنعمةٍ أسرفتَ فيها / ومَن لكَ في العطاءِ بمُسْتَهامِ
وباتَ وميضُ برقكَ مستطيراً / يبشّرني بأنعمِكَ الجِسامِ
مطامعُ لا يبعدُها قُعودي / ولا يُدْني تعرُّضُها قِيامي
هي الأنواءُ تدأبُ بالعَطايا / ولم يدأبْ لها سَعي الأنامِ
بلا عوضٍ تُثابُ بهِ وإني / وما تَبغي الثوابَ من الإمامِ
وأنتَ جلوتَ دولتَه هَدِيّاً / وقد لبِسْتَ سرابيلَ القَتامِ
ذُوالَةُ شَقَّ غَيهَبَها فلاقى / يمينَ الصبحِ في كَفَلِ الظّلامِ
وكانت وهي عروتُها القِبصَّى / خيوطَ الرحلِ طائشةَ الخِطامِ
غلبتَ على البلاغةِ كلَّ نطقٍ / وعلّمتَ الإصابةَ كلَّ رامِ
وكم لليلٍ عندكَ من نجومٍ / جمعتَ النثرَ منها في نِظامِ
عِتاباً أو نَسيباً أو مَديحاً / لخِلٍّ أو حبيبٍ أو هُمامِ
تُفيدُ بها العقولُ نُهىً وصحواً / وقد فعلتْ بها فِعلَ المُدامِ
لها في حَلْبَةِ الآذانِ ركضٌ / إلى حَبّ القلوبِ بلا احتِشامِ
ولم أخْصُصْكَ بالتقريض حتى / بلوتُ الناسَ من حامٍ وسامِ
وصارمتُ الهَوى ووصلتُ حتى / هجرتُ لوصلهِ طيفَ المَنامِ
فلم أعشق فتىً في الناسِ إلاّ / أخذتُ سُلوَّهُ بيدِ الغَرامِ
سِواك فإنّ جودَكَ رَبَّ لحمي / وردّ المخَّ يسري في عِظامي
أتأمنُ تغلِبٌ نعراتَ قولي / وما بعدَ الكلامِ سوى الحُسامِ
ألا يا ليتَني لم أحمِ عِرضي / ولم أقذِرْ مُعاشرةَ اللّئامِ
لعلّ الدهرَ يسعدُني بجدٍّ / أرد به الجموحَ بلا لجامِ
دعِ الشبهاتِ تَسْقُطُ دونَ حقّي / ولا تترك مقالاً للخِصامِ
وفَرّجْها فقد أصبَحْتَ كهفاً / لها يا كاشِفَ الكُربِ العظامِ
وقاكِ اللهُ فاغرةَ الرجالِ
وقاكِ اللهُ فاغرةَ الرجالِ / وسلّمَ رضفتيكِ من الكَلالِ
ضَعي رِدفَ الفوارسِ عن يمينٍ / وصادرةَ النعائمِ عن شِمالِ
ولا تغرركِ في الآفاقِ بيضٌ / تُعرضُ مثل ساطعةِ الذُّبالِ
أمنتِ إذا لزمتِ بنات نَعشٍ / وضَوءَ الفرقدينِ من الضّلالِ
أطالتْ هذه الدّنيا صَداها / ليُشْرَبَ ماءُ وجهي في السّؤالِ
وما أبليتُها في السّعي عَجزاً / فتُجبرُني على أخذِ النّوالِ
وكلُّهُمُ يذمّ العيشَ فيها / وما فيها لحُبِّ العيشِ قالِ
ألا لا تسقِني بِحِمامِ ماءٍ / تلاطمُ فيهِ أكبادُ السِّجالِ
فلو أني أدلُّ على شفيقِ / من السّعدين يعجبُهُ دَلالي
لألصَقَ نحرَهُ بلَبانِ نَحْري / وطوّقَ باليمينِ على الشِّمالِ
إذا حُجِبَ الأقاربُ عن وسادي / رأى من حالةِ العُوّادِ حالي
ولكني شكوتُ إلى خَلِيٍّ / إذا باليتُ أعرضَ لا يُبالي
بتاجِ الملةِ المنصورِ طالتْ / يدُ الأيامِ في هامِ اللّيالي
رأيتُ وقد سمعتُ بكل جيلٍ / وكايلتُ الأسافلَ بالأعالي
وذي القَرنين إذْ صَعِدَتْ وشَقّتْ / كتائِبُه المخارمَ في الجِبالِ
وأيّام الملوكِ وما أعيرتْ / سوالفُها العواطلُ والحَوالي
فلم أعلم كهمّكَ حين تبلى / على البلوى عُصاراتُ الرِّجالِ
وقد عَرَفَ السوابقَ من رآها / يجاهدُ ناصِلٌ منها وقالِ
وراجَمَها غَداةَ الوردِ عَودٌ / يقطعُ غُلّةَ الهِيمِ النّهالِ
يعلّلُ همَّه بوشيكِ عزمٍ / إذا ما الهمّ عُلِّلَ بالمطالِ
فَما عَبِثَ الرقادُ بمقلتيه / وذلكَ من علاماتِ المَلالِ
ومن طلَبَ النجومَ أطالَ صبراً / على بعد المسافةِ والمنالِ
وتثمِرُ حاجةُ المحتاجِ نجْحاً / إذا ما كانَ فيه ذا احتِيالِ
فأرسلَها تَخَشْخَشُ في قَطاها / حقيبةَ كلِّ فَفاضٍ مُزالِ
دُفِعنَ كأنّهنّ قِداحُ نبعٍ / يُنزقها إلى الغاياتِ غالِ
خَفيُّ الزّجرِ بينَ هَبٍ وهَال / يقومُ دَرْأهُنّ من الخَبالِ
هَجمنَ على عميدِ بني عَديٍّ / وبين جفونِه طيفُ الخَيالِ
فأنكرَهُنّ غُفلٌ لم تَسمه / بميسمها الصّوارمُ والعَوالي
تَسربلَ بُردةً فاختالَ فيها / ولولا البُردُ لم يكُ ذا اختِيالِ
وقد لقيتْ بَنو شيبانَ منها / على راذانَ مُشْعَلَةَ الرِّعالِ
نسائلُ مصعدَ الرّكبانِ عنها / فَفاجأتِ الظّنونَ على اغتِيالِ
غريبةُ شِكّةٍ رَعَفَتْ عليهِم / معارضةَ الأسنّةِ بالألآلِ
تأولَ فلَهُم في الحربِ غَدْراً / إليكَ وأيُّ عذرٍ في القِتالِ
وأبعدُ تائبٍ ممّا جَناهُ / فتىً خلطَ المَغارِزَ بالجِدالِ
حَوى غُررَ المَناقبِ أريحي / كريمُ العفوِ محذور النكالِ
عَزائمهُ الجوامحُ مسرجاتٌ / وحبلُ الرّأي يُفْتَلُ بالفعالِ
أعدَّ لِطارِقِ الحَدَثانِ جُرداً / تَقَلقَلُ في الأعنّةِ كالسّعالي
محزقةَ النّحورِ وكل نصلٍ / شَواهُ اقينُ في الحجج الخَوالي
كأنكَ حينَ تُوردُهُ نَجيعاً / مزجتَ الخمرَ بالماءِ الزُّلالِ
إذا عجَمَ الجَماجمَ كل يومٍ / فَما تُغني محادثةُ الصِّقالِ
وحادرةَ الكُعوبِ مثقّفاتٍ / تُزعْزَعُ مثلَ حبّاتِ الرّمالِ
وكل كنانةٍ حَضَنت بَنيها / ليومِ الرّوعِ أو يوم النّضالِ
تعولُ حنيةً ألجَمتَ فَاها / كما ألجَمتَ بغلَكَ بالقِيالِ
سلاحُ مباشرٍ لا يَزْدَهيهِ / سُمُوّ الخُنْزُوانةِ والجَلالِ
لهُ أرجٌ بنفحتِ تُحَيّا / عرانينُ المكارمِ والمَعالي
تَنَفُّسَ روضةٍ خَطَرتْ عليها / صَبَاً بينَ النُعامى والشَّمالي
ستعلمُ أيَّ الغايتينِ أُريدُ
ستعلمُ أيَّ الغايتينِ أُريدُ / فإنّ الهُويْنا للرجالِ قيودُ
أُحب من الفتينِ كلّ غَشَمْشَمٍ / له شيع من عزمِه وعديدُ
يُنَهْنِهُهُ الأعداءُ وهو مُصمِّمٌ / هجومٌ على ما يكرهونَ ورودُ
يُخاطرُ في حبِّ الثّناءِ بنفسهِ / وهل لغلامٍ في الزّمانِ خلودُ
ومولى أُداري طيشَه وهو نافرٌ / أذَبّ كأنبوبِ اليَراعِ شَرودُ
أُكابدُ منه غصّةً ما يسيغها / من القومِ إلاّ حازمٌ وجَليدُ
يُعينُ عليّ الخصمَ لا يستعينُه / وأدفعُ عن حوبائه وأذودُ
إذا ما رأيتُ الرمحَ يعسِلُ نَحوَه / تعرَّضَ نحرٌ دونَه ووَريدُ
وقلتُ تعلّم أنّ كلَّ فضيلةٍ / لها كاشحٌ من أهلها وحَسودُ
وأنّ نواميسَ الرجالِ قديمةٌ / تَوارثَ عاد مكرَهاً وثمودُ
ولكنّ تاجَ الملةِ اليومَ حلَّها / على الدّهْرِ حتى ليس فيه عُقودُ
فتىً هجر اللّذاتِ والعيشُ مونِقٌ / رقيقُ حواشي الطُّرّتينِ بَرودُ
وقاسَ بديعاتِ الأمورِ بنفسِهِ / إلى أنْ علاهُ الشّيبُ وهو وليدُ
له كلَّ يومٍ فكرةٌ عضديةٌ / يُصَرَّفُ وعدٌ بينَها ووعيدُ
تَرحلُ فيها للفَعالِ عزائمٌ / وتَنزلُ فيها للهُمومِ وفودُ
وفضّلَهُ حزمٌ وعزمٌ ونائلٌ / وهمٌ له في المَكرُماتِ بعيدُ
وصبرٌ إذا بانت خطوبُ ملمةٍ / يقومُ لها والفاعلونَ قُعودُ
تلوحُ وراءَ النّقعِ غُرّةُ وجهِهِ / كما لاحَ في ضوءِ الصباحِ عمودُ
فَما وَلَدَتْ بيضُ الحواضنِ مثلَه / ولا نُوَبُ الأيامِ وهي وَلودُ
أطبُّ بداءٍ ما يصابُ دواؤُهُ / وأعلم بالأنواءِ أينَ تَجودُ
وأطعنُ منه في نِياطِ كتيبةٍ / بِها السيفُ أعمى واللّسانُ بَليدُ
تسيرُ أمامَ الجيشِ قبلَ مسيرِه / كتائبُ من آرائهِ وجنودُ
ثلاثينَ شهراً من مشارقِ فارسٍ / إلى الرومِ نقعٌ ساطعٌ ووئيدُ
ومُردٌ على حدِّ المتونِ رماحُهُم / وجُردٌ على أكتافِهنّ لبودُ
ثَناهنَّ عن أهلِ الحِمى مُتنكّبٌ / يُريدُ بهنّ اللهُ حيثُ يُريدُ
عقابٌ يُعالي طرفَه فوقَ مَرقبٍ / لينظرَ أيَّ الصّائداتِ يَصيدُ
فإنْ لم تذقْ فيها الرقادَ فَطالَما / سَهِرْتَ وأيقاظُ الخطوبِ رُقودُ
شَفيتَ من الغِلِّ الكَمينِ عصابةً / تَكيدُ مع الشيطانِ حيث يَكيدُ
إذا تركت يوماً تقول فإنّها / تصولُ وكلّ الضّارياتِ أسودُ
فَيا غنماً نامتْ بمصرَ رِعاؤُها / بكِ الذئبُ من بين البَهامِ عميدُ
دَعى مرتعَ الآرامِ من بطنِ جاسمٍ / إلى الرملِ يَنمى حَمْضُهُ ويَزيدُ
ولا تردي بالغوطتَينِ وقيعةً / يغازِلُها لمع الغزالةِ سِيدُ
فإني أظنُّ الريحَ سوف تَدُلّه / عليكِ وبينَ الموردَينِ بريدُ
وخادَعَها عن جَدِّها ومِراحِها / ذُؤالةُ مثلُ السّمْهريّ يَميدُ
تَطامَنْ لها وانصبْ حيالكَ حَجْرةً / فإنّ نُوارَ الوحشِ سوفَ تَرودُ
وإنْ شَرَدَتْ والعِقْدُ حُلَّ نِظامُهُ / فأكبرُ ظنّي أنّها سَتعودُ
وسراكَ بالفِسْطاطِ جمعٌ أظُنّهُ / يَغُرّكَ لو عضّ الحديدَ حَديدُ
أإنْ عُطِيَتْ كأسُ النّديمِ ورُشِّحَتْ / لغايتِها قُبُّ الأياطلِ قُودُ
وأسرعَ غِبّ المحضِ في غُلوائها / فلم يبقَ فيها للصّنيعِ مَزيدُ
تمنيتَ في لهوِ الحَديثِ لقاءَها / وإنكَ ما لم تلقَها لسَعِيدُ
وإنّ عليها جِنّةً فارسيةً / مُطاعِنُها يومَ الطِّرادِ طَريدُ
وكلُّ رقيقِ الشفرتينِ كأنّهُ / وقد أخلقته الحادثاتُ جَديدُ
عقائقُ أما لمعُها فبَوارقٌ / عليكَ وأما وقعُها فرعودُ
يُعَوِّدُها ضربَ الجماجمِ قاهرٌ / على النّاسِ معبودُ الجَلالِ مَجيدُ
قَليلٌ بينَنا رَجْعُ العِتابِ
قَليلٌ بينَنا رَجْعُ العِتابِ / كذلِكَ دأبُ أيّامي ودَابي
عسى صَبْري على نُوَبِ اللّيالي / يُليّنُ من خَلائِقِها الصِّعابِ
فزعتُ إلى جميلِ الصّفحِ عنها / ولم أفزعْ إلى ظُفُري ونابي
وقد ذهبَ الوَفاءُ فلسْتُ أرجو / وفاءَ مصاحبٍ بعد الشَّبابِ
أأزْمَعَ سَلْوَةَ أمْ بانَ غَدْراً / فإنّ الغَدْرَ من شيمِ الذّئابِ
وكنتُ إذا نَبَتْ بهَواي أرضٌ / يَسُلُّ السّيرُ عَضْباً من ثيابي
لَبيباً حين تَخْدَعُني فَلاةُ / رَقوصُ الآلِ ساحرةُ السَّرابِ
وقَطّاعَ القرائنِ كلَّ يومٍ / على البيداءِ مُنْدَلِقَ الرّكابِ
أعِفُّ إذا المَطالِبُ أعجَبَتْني / ولا يَبْقى الحَياءُ مع الطِّلابِ
ولو كان الشّرابُ يجر منّاً / إذاً لصددْتُ عن بَرْدِ الشّرابِ
صَميمُ سَجيّةٍ يُعْطيكَ هَوناً / كما يُعطى على شَدِّ العِصابِ
يُحكِّمني الصّديقُ أرادَ ظُلماً / فأحكمُ للعدوِّ ولا أُحابي
وأعشَقُ كلّ ممتعضٍ أبيٍّ / يَفِرُّ إلى الحِمامِ من السِّبابِ
إذا شَبّهْتُهُ بالغَيثِ جُوداً / ونصلِ السّيفِ عزكَ في الخِطابِ
وما كلُّ الصّرامةِ في المَواضي / ولا كلُّ السّماحَةِ في السّحابِ
أقولُ لدَهْرِنا وله مقالٌ / لشيءٍ ما سكَتَّ عن الجَوابِ
تَعرانا النوائبُ عن خُطوبٍ / قَطَعْتَ بها القُلوبَ وأنتَ نابِ
فقد ركبتكَ خيلُ أبي شُجاعٍ / بضَيمٍ لم يكنْ لكَ في الحِسابِ
فتىً كشفَ المَشارِبَ عن قَذاها / وفتّحَ في المكارمِ كلَّ بابِ
وأمهلَ عثرةَ الجاني أناةً / يُقَدّمُ زَجرَهُ قبلَ العِقابِ
به عرفَتْ بصائرُ كلِّ أمرٍ / وقوعَ الحزْمِ منها والصّوابِ
ومُظلمةٍ من الغَمَراتِ يُغني / عن الآراءِ فيها والصِّحابِ
مُهَجَّرةَ الصّباحِ يكونُ منها / مقيلُ الموتِ في ظلِّ العُقابِ
أُعينَ بكلِّ مُشْعَلَةٍ تلَظّى / إلى الأعداءِ طائِشة الحِرابِ
وفتيانٍ يَهُزُّ الركضُ منهمْ / أنابيباً تَدافَعُ في الكِعابِ
نَسوا أحلامَهم تحتَ العَوالي / ولا أحلامَ للقَوْمِ الغِضابِ
إذا كانتْ نُحورُهُمُ دُموعاً / فما مَعْنى السّوابغِ في العِيابِ
تُتَيّمُهُ البلادُ وكُلُّ أرضٍ / له بلقائها فَرَحُ الإيابِ
أُؤَمِّلُ حُسْنَ رأيكَ في اصطِناعي / وحُسْنُ الرّأيِ من جُلِّ الثّوابِ
وأرجو من نَداكَ الغَمر بَحْراً / سَفيهَ الموْجِ مَجْنونَ العُبابِ
وما استبطأتُ كفَّكَ في نَوالٍ / على عدواءِ نأيٍ واقْتِرابِ
ولو كان الحِجابُ لغيرِ نَفْعٍ / لما احتاجَ الفؤادُ إلى حِجابِ
وكنتُ وبيننا كُرْمانُ أقضي / على طمعِ العِدى لكَ بالغِلابِ
وأرقبُ في العَواقبِ منكَ يوماً / عليلَ الشّمسِ مُحْمَرَّ الإهابِ
بأملاكِ الطّوائفِ منهُ ذُعْرٌ / يُقلّمُ بينَهم حَسَكَ الضّبابِ
ووصلُ ضَرورةٍ لا وَصْلُ ودٍ / مَعانقَة المعبَّدةِ الحِرابِ
رأيتُ الناسَ حينَ تَغيبُ عنهُمْ / كسارٍ في الظّلامِ بلا شِهابِ
هُمُ زَرْعٌ يَحُلُّ نَداكَ منهُ / مَحَلَّ الماءِ منه والتّرابِ
فليتَ صَبابةَ النقْعَيْنِ تُبْنى / فتخبِر عنكَ بالعَجَبِ العُجابِ
وأنتَ تعلّمَتْ منكَ المَواضي / هُبوبَ الأريحيّةِ في الضِّرابِ
فإنّ اللهَ لم يَسْلُلْ حُساماً / سِواكَ على الجَماجمِ والرِّقابِ
ألا يا حبّذا طيبُ الغَبوقِ
ألا يا حبّذا طيبُ الغَبوقِ / وملبوسٌ من العيشِ الرّقيقِ
بأبطحَ طافحِ الغُدْرانِ تُمسي / بهِ العِيدانُ ساريةَ العُروقِ
وكلّ حديقةٍ كالحلي تُجلى / على صِبغِ الأصائلِ والشّروقِ
ومطردٍ لعينَ الشّمْسِ فيهِ / صِقالٌ شَعشَعائيُّ البَريقِ
أُظاهِرُ أو أباشرُ دون بُردي / ثَرىً كالمِسْكِ في لونِ الخَلوقِ
إذا ما الصبحُ أسْفَرَ نَبّهَتْني / جَنوبٌ مسُّها مسُّ الشّقيقِ
وفتيانٍ تَهمُّهُمُ هُمومي / حديثُهم ألذُّ من الرّحيقِ
وإذ أنا في بيوتِ بني تميمٍ / غثيٌّ عن مُشاهَدةِ الصّديقِ
كذاكَ وحبّذا مرُّ القَوافي / قواصدَ لا تَحيدُ عن الطّريقِ
أُرشِّحُها لمدحِ أبي شُجاعٍ / فتَقْصُرُ أو تُعارِكُ بالمَضيقِ
أؤَمِّلُ أن ينالَ عُلاكَ وصفي / وهلْ تُصْطادُ لامعةُ البُروقِ
وكيفَ تَنالُ ناصيةَ الثُّريّا / بَنانٌ عزَّها بَيْضُ الأنوقِ
لقد حمّلْتَني عِبْئاً ثَقيلاً / حَنانَكَ لو حَمَلْتَ على مُطيقِ
بقيتَ ولا استعارتكَ اللّيالي / رِداءَ بَشاشَةِ العيشِ الأنيقِ
وراحَ على اقتراحكَ كلُّ عامٍ / سعيدِ الجَدِّ طَلاّبٍ لَحوقِ
بغُرةِ ليلةٍ بيضاءَ تثني / سَوالفها إلى يوم طَليقِ
فكمْ لكَ من يدٍ فعلتْ بِغادٍ / فِعالَ الماءِ بالغُصْنِ الوَريقِ
ومكروبٍ دعاكَ فكنتَ منهُ / مكانَ الرّوحِ من نفسِ الغَريقِ
أردتَ الشكرَ منه فعادَ كفْراً / وآخرَ كدَّ بِرَّكَ بالعقوقِ
وما تنفكُّ ترقَعُ كلَّ خَرْقٍ / برفقكَ في مُراعاةِ الحُقوقِ
يعُزُّ الناسَ حلمكَ وهو بَطْشٌ / وغضُّكَ وهو من طَرْفٍ رَموقِ
ودونَ تغمّدِ الهَفَواتِ حَدٌّ / يَفُلُّ مَضارِبَ السّيفِ الذّلوقِ
وهمٌّ تَقْصُرُ الأوهامُ عنهُ / ويسْلُكُ منه في فجٍّ عَميقِ
تَكَدَّرتِ المودّةُ والإخاءُ
تَكَدَّرتِ المودّةُ والإخاءُ / وماتَ الوَصْلُ واعتَلَّ الصَّفاءُ
وبُدِّلَتِ الخَلائقُ واستَحالتْ / فكلُّ مَحبّةٍ فيها رِياءُ
مضى من كانَ يصدُقُ فيه ظَنّي / إذا ما أخلفَ الظنَّ الرّجاءُ
بجانبِ ماكِسيْن ودارَتَيْها / فتىً غبطتْ بهِ الأرضَ السّماءُ
ومَنْعي شَفاني فيه شَكّي / وكانَ يُقالُ إنّ الشّكَّ داءُ
تظاهرتِ السيوفُ عليهِ بَغياً / وحامتْ حولَه الأسَلُ الظِّماءُ
تَجافَي عنه يا قِصَدَ العَوالي / أمالَكَ دونَ مُهْجتِهِ شِفاءُ
وعهدِ اللهِ ما تبغينَ إلاّ / حُشاشَتَهُ وإنْ جَرَتِ الدِّماءُ
دعوتكَ والجَزيرةُ دونَ صوتي / ولولا التُّربُ ما قَصُرَ الدُّعاءُ
وكنتُ أرى فِراقَكَ نأيَ شَهْرٍ / فقد طالَ التنظّرُ والثّواءُ
إذا الخَبرُ الجليُّ شَفى مَشوقاً / ولم يكُ عنكَ في خبرٍ جَلاءُ
أقولُ عسى بهِ شُغُلٌ وإنّي / لأعلم أنّهُ الداءُ العَياءُ
وذاكَ ولو حشَرْتَ له المطايا / فراقٌ لا يكون له لِقاءُ
يَعزُّ على الذوائبِ من تميمٍ / وعيشُكَ أنْ يكونَ له العَزاءُ
سأدّرِعُ الهمومَ عليكَ ثَوباً / صباحي والمساءُ به سَواءُ
شَرِهْتُ إلى البقاءِ وكان لوماً / وهل لي بعدَ فَقدِكُمُ بَقاءُ
لكلٍّ من إخاءِ أخيهِ حظُّ / وحظّي من تذكّركَ البكاءُ
بأيةِ عُدّةٍ ألقى غليلي / إذا لم يَبْقَ في العينينِ ماءُ
لقد ضيعتَنا وغَفَلْتَ عنّا / كما غَفَلَتْ عن الشاءِ الرِّعاءُ
وقد كانَ الإباءُ يَمُدُّ باعي / ويَنفَعُني فقد ضَرَّ الإباءُ
فإن تكن المنيةُ أدركتْهُ / فإنّ الصبحَ يُدركُهُ المَساءُ
تمَلُّ مآربُ الأيام منّا / ونَعشَقُها لقد عظُمَ البَلاءُ
تُراخينا وتَجذِبُنا رويْداً / كما يتداركُ الدّلوَ الرشاءُ
إذا ما واصلتْ غَدَرَتْ وخانتْ / وأعوزَ في خلائِقِها الوَفاءُ
تكِرُّ على الذي تُعطيهِ عَفْواً / فلِمْ كان التبرُّعُ والعَطاءُ
وما شُوْوِرْتُ في خَلقي فأرضى / بما تَقضي عليَّ وما تَشاءُ
ولو خيّرتنا ما اخترتُ عَيْشاً / يكونُ له فَناءٌ وانقِضاءُ
نُعَلَّلُ بالدّواءِ إذا مَرضْنا / وهل يَشفى من الموتِ الدّواءُ
ونختارُ الطبيبَ وهل طبيبٌ / يؤخِّرُ ما يُقَدِّمُهُ القَضاءُ
وما أنْفاسُنا إلاّ حِسابٌ / وما حركاتُنا إلاّ فَناءُ
أَخوكَ من استَقَلَّ لكَ الوِداد
أَخوكَ من استَقَلَّ لكَ الوِداد / وحاربَ من تُجاربُهُ وعَادا
أَما مَنْ ذَادَ عنكَ وأَدركتْهُ / حفيظتُه كَمَنْ دارى وَصَادا
يلَذُّ العَجْزَ من رَكِبَ التَّواني / ولا يَسْتَفْرِهُ البَطَلُ الجَوَادا
أَلا من مُبْلغٌ تاجَ المَعَالي / نظرتَ لنا ولم تَألُ الرَشَادا
خلوتَ على اهتمامكَ بالمَساعِي / تُرفِّهُ مقلةً جَفَتِ الرُّقَادا
وقلباً طالما أَلِفَ الرَّزَايا / وَجَنْباً طَالَمَا هَجَرَ الوِسَادا
فيا ملكَ الملوك رأيتَ حَزْماً / وكانَ الحزمُ عندكَ مستقَادا
شددتَ عُرى الأمورِ بشمريٍّ / يُعِدُّ لكلِّ نازلةٍ عَتَادا
شبيهكَ من رآكَ إذا رآهُ / تَوَهَّمَ شَخْصَهُ قولاً مُعَادا
حَملتَ الصارِمَ الصَّمْصَامَ منهُ / فلا عَدِمَتْ مناكبُكَ النِّجَادا
أواخي قُبةٍ ضُربتْ لِمَجدٍ / فكانَ المَرْزُبَانُ لها عِمَادا
تكاملَ مِنَّةً وغلا شَباباً / وأَشبهَ طارفٌ منهُ تِلاَدا
عَرَفْنَا فيه حزمَكَ وهو طفلٌ / وعزمكَ وهو ما رَكِبَ الجِيَادا
شَمائلَكَ الكريمةَ والسجايا / مُسلمةً وقربَك والبِعَادا
وجرَّ المقرباتِ على وَجَاهَا / تَمَلُّ وما يَمَلُّ لها قِيَادا
إذا رجعت لواغبُ من بلادٍ / على عِلاتَّها طَلَبَتْ بِلاَدا
أَبى أَن يقبلَ الدنيا نوالاً / فما يُرضيهِ إلاَّ ما استفَادا
إذا وَرَدَ الكريهة قلتَ عِزٌّ / من الاقدامِ ما عرَفَ الطِرَادا
كحدِّ السيل أَقبلَ مستمراً / فنكَّب عنه حابِسُهُ وَحَادا
غَلَبْتَ على العُلا حَسَباً وَمَجْداً / ومَكْرُمةً وَمَحْميَةً وَآدا
فلا تَرقُد على سَهَرِ الأَعادي / ومقتبس يعدُّ لكَ الزنَادا
شجا في الحَلقِ معترضاً أَذلهُ / فلا مضغاً يَسُوْغُ ولا ازدِرَادا
يُريكَ النصحَ وهو يُسرِ غِشاً / وقد باداكَ مَنْ بالغَيْبِ كَادا
أَقِمْ سُوقَ الجِلادِ لها وجَهِّزْ / إلى هاماتِها بيضاً حِدَادا
وكن كأَبيكَ حينَ رآكَ أَهلاً / لما أَبدى إليكَ وما أَعَادا
فما وَلَدَتْ كوالدِكَ الليالي / ولا الأَيامُ سَهْواً واعتمَادا
أمرُّ مَرَارَةً وأَعزُّ صَبْراً / وسبراً للحَقَائقِ وانتقَادا
يُنافسُ في الكلامِ أَصابَ وقفاً / وفي الألحاظِ لم تَعْدُ السَّدَادا
تصرفتِ الخطوبُ على هَوَاهُ / وأَعطتهُ المقادرُ ما أَرَادا
إلى أَنْ هابَهْ الفَلَكُ المُعَلى / وزوالَ خَوفُهُ السَّبعَ الشدَادا
فيا صَمْصَامَ دولتهِ تَجردْ / لها وأَذِقْ حَلاَوَتَها العِبَادا
وكلٌّ في اِدامتها حريصٌ / إلى الرحمنِ تجتَهدُ اجتهَادا
رأَيتُ لها وقد سكنتْ وقرتْ / صلاحاً ما أَخافُ له فَسَادا
تَحَمَّلْ عبأَها وَدَعِ الهوينَا / لِمَنْ كَرِهَ الحفيظةَ والجلادا
فتلك العينُ كنتَ لها سَوَادا / وذاكَ الصدرُ كنتَ له فؤادا
أَطالَ اللهُ عمركما ملياً / وبارك في حياتِكُمَا وَزَادا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025