المجموع : 5
بِمَدْحِ المصطفى تَحيا القلوبُ
بِمَدْحِ المصطفى تَحيا القلوبُ / وَتُغْتَفَرُ الخطايا وَالذُّنوبُ
وَأَرْجُو أن أعِيشَ به سعيداً / وَأَلقاهُ وَليس عَلَيَّ حُوبُ
نبيٌّ كامل الأوصافِ تَمَّتْ / محاسِنُه فقيل له الحبيبُ
يُفَرِّجُ ذِكْرُهُ الكُرُباتِ عنا / إذا نَزَلَتْ بساحَتِنا الكُروبُ
مدائحُه تَزيدُ القَلْبَ شَوْقاً / إليه كأنها حَلْيٌ وَطيبُ
وَأَذْكُرُهُ وَلَيْلُ الخَطْبِ داجٍ / عَلَيَّ فَتَنْجَلِي عني الخُطوبُ
وَصَفْتُ شمائلاً منه حِسَاناً / فما أدري أمدحٌ أمْ نَسيبُ
وَمَنْ لي أنْ أرى منه مُحَيّاً / يُسَرُّ بحسنِهِ القلْبُ الكئِيبُ
كأنَّ حديثَه زَهْرٌ نَضِيرٌ / وَحاملَ زَهْرِهِ غُصْنٌ رَطيبُ
ولِي طَرْفٌ لِمَرْآهُ مَشوقٌ / وَلِي قلبٌ لِذِكْراهُ طَرُوبُ
تَبَوَّأَ قابَ قوْسَيْنِ اخْتصاصاً / وَلا وَاشٍ هناكَ وَلا رقيبُ
مَناصِبُه السَّنِيَّةُ ليسَ فيها / لإِنسانٍ وَلا مَلَكٍ نَصِيبُ
رَحِيبُ الصَّدْرِ ضاقَ الكَوْنُ عما / تَضَمَّنَ ذلك الصدْرُ الرحيبُ
يُجَدِّدُ في قُعودٍ أوْ قِيامٍ / له شَوْقِي المُدَرِّسُ وَالخَطيبُ
عَلَى قَدَرٍ يُمِدُّ الناسَ عِلْماً / كما يُعطِيك أَدْوِيَةً طبيبُ
وَتَسْتَهْدِي القلوبُ النُّورَ منه / كما اسْتَهْدَى مِنَ البَحْرِ القَلِيبُ
بَدَتْ للناسِ منه شُموسُ عِلْمٍ / طَوالِعَ ما تَزُولُ وَلا تَغِيبُ
وَأَلْهَمَنا به التَّقْوَى فَشَقَّتْ / لنا عمَّا أَكَنَّتْهُ الغُيُوبُ
خلائِقُهُ مَوَاهِبُ دُونَ كِسْبٍ / وشَتَّانَ المَوَاهِبُ وَالكُسُوبُ
مُهَذَّبَةٌ بنورِ اللَّهِ ليستْ / كأخلاقٍ يُهَذِّبُهَا اللَّبِيبُ
وَآدابُ النُّبُوَّةِ مُعجزاتٌ / فكيف يَنالُها الرجُلُ الأديبُ
أبيْنَ مِنَ الطِّباعِ دَماً وَفَرْثاً / وَجاءت مثلَ ما جَاءَ الحليبُ
سَمِعْنَا الوَحْيَ مِنْ فِيه صريحاً / كغادِيَةٍ عَزَالِيهَا تَصُوبُ
فلا قَوْلٌ وَلا عَمَلٌ لَدَيْهَا / بفاحِشَةٍ وَلا بِهَوىً مَشُوبُ
وَبالأهواءِ تَخْتَلِفُ المساعي / وَتَفْتَرِقُ المذاهِب وَالشُّعوبُ
ولَما صار ذاك الغَيْثُ سَيْلاً / علاهُ مِنَ الثَّرَى الزَّبَدُ الغَرِيبُ
فلا تَنْسُبْ لِقَوْلِ اللَّهِ رَيْباً / فما فِي قولِ رَبِّكَ ما يُرِيبُ
فإنْ تَخْلُقْ لهُ الأعداءُ عَيباً / فَقَوْلُ العَائِبِينَ هو المَعيبُ
فَخالِفْ أُمَّتَيْ موسى وَعيسى / فما فيهمْ لخالِقِهِ مُنِيبُ
فَقَوْمٌ منهم فُتِنُوا بِعِجْلٍ / وَقَوْماً منهم فَتَنَ الصَّليبُ
وَأَحْبارٌ تَقُولُ لَهُ شَبِيهٌ / وَرُهْبَانٌ تَقُولُ لَهُ ضَرِيبُ
وَإِنَّ محمداً لرَسولُ حَقٍّ / حَسيبٌ في نُبُوَّتِهِ نَسِيبُ
أمينٌ صادِقٌ بَرٌّ تَقِيٌّ / عليمٌ ماجِدٌ هادٌ وَهُوبُ
يُرِيكَ عَلَى الرِّضَا وَالسُّخْطِ وَجْهاً / تَرُوقُ به البَشَاشَةُ وَالقُطوبُ
يُضِيءُ بِوَجْهِهِ المِحْرَابُ لَيْلاً / وَتُظْلِمُ في النهارِ به الحُروبُ
تَقَدَّمَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ نَبِيٍّ / نماهُ وهكذا البَطَلُ النَّجِيبُ
وصَدَّقَهُ وحَكَّمَهُ صَبيّاً / مِنَ الكُفَّارِ شُبَّانٌ وشِيبُ
فلما جاءهم بالحقِّ صَدُّوا / وصَدُّ أُولئك العَجَبُ العَجيبُ
شريعتُهُ صراطٌ مُستقيمٌ / فليسَ يَمَسُّنَا فيها لُغوبُ
عليكَ بها فإنَّ لها كِتاباً / عليه تَحْسُدُ الحَدقَ القلوبُ
يَنُوبُ لها عَنِ الكُتبِ المَوَاضي / ولَيْسَتْ عنه في حالٍ تَنُوبُ
ألَمْ تَرَهُ يُنَادِي بالتَّحَدِّي / ولا أحدٌ بِبَيِّنَةٍ يُجِيبُ
وَقد كَشَفَ الغِطَاءَ لنا وشُقَّتْ / عَنِ الحُسْنِ البَدِيعِ به جُيوبُ
وَدَانَ البَدْرُ مُنْشَقّاً إليه / وأَفْصَحَ ناطِقاً عَيْرٌ وَذيبُ
وَجِذْعُ النَّخْلِ حَنَّ حَنِينَ ثَكْلَى / لهُ فأَجابهُ نِعْمَ المُجِيبُ
وَقد سَجَدَتْ لهُ أَغصانُ سَرْحٍ / فلِمْ لا يؤْمِنُ الظَّبْيُ الرَّبِيبُ
وَكمْ مِنْ دَعْوَةٍ في المَحْلِ منها / رَبَتْ وَاهْتَزَّتِ الأرضُ الجَدِيبُ
وَروَّى عَسْكَراً بِحليبِ شاةٍ / فعاوَدَهُم بهِ العَيْشُ الخصيبُ
وَمَخْبولٌ أتاهُ فثابَ عَقْلٌ / إليه وَلمْ نَخلْهُ له يثُوبُ
وما ماءٌ تَلَقَّى وهْوَ مِلْحٌ / أُجاجٌ طَعْمُهُ إِلَّا يَطِيبُ
وعينٌ فارقَتْ نظراً فعادت / كما كانتْ ورُدَّ لها السَّليبُ
ومَيْتٌ مُؤْذِنٌ بِفِرَاقِ رُوحٍ / أَقامَ وسُرِّيَتْ عنه شعُوبُ
وثَغْرُ مُعَمِّرٍ عُمراً طويلاً / تُوُفّي وهوَ مَنْضُودٌ شَنيبُ
وَنَخْلٌ أَثْمَرَتُ في دُونِ عامٍ / فَغَارَ بها عَلَى القِنْوِ العَسيبُ
وَوفّى منهُ سَلْمانٌ دُيُوناً / عليه ما يُوفِّيها جَرِيبُ
وَجَرَّدَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ سَيْفاً / فقِيلَ بِذَاكَ لِلسَّيْفِ القَضِيبُ
وهَزَّ ثَبِير عِطْفَيْهِ سُروراً / به كالغُصْنِ هَبَّتْهُ الجَنُوبُ
ورَدَّ الفيلَ والأحزابَ طَيْرٌ / وريحٌ ما يُطاقُ لها هُبُوبُ
وَفارِس خانها ماءٌ ونارٌ / فغِيضَ الماءُ وانطَفأَ اللَّهيبُ
وَقد هَزَّ الحسامَ عليه عادٍ / بِيَوْمٍ نَوْمُه فيه هُبوبُ
فقامَ المصطفى بالسيفِ يَسْطو / عَلَى السَّاطي به وَلهُ وثُوبُ
وَرِيعَ لهُ أبو جهلٍ بِفَحْلٍ / يَنُوبُ عَنِ الهِزَبْرِ لهُ نُيُوبُ
وَشُهْبٌ أُرْسِلَتْ حَرَساً فخُطَّتْ / عَلَى طِرسِ الظَّلامِ بها شُطوبُ
وَلَمْ أَرَ مُعجزاتٍ مِثْلَ ذِكْرٍ / إليه كلُّ ذِي لُبٍّ يُنيبُ
وما آياتُه تُحْصَى بِعَدٍّ / فَيُدْرِكَ شَأْوَها مني طَلوبُ
طَفِقْتُ أعُدُّ منها مَوْجَ بَحْرٍ / وَقَطْراً غَيْثُهُ أَبَداً يَصُوبُ
يَجُودُ سَحابُهُنَّ وَلا انْقِشَاعٌ / وَيَزْخَرُ بَحْرُهُنَّ وَلا نُضُوبُ
فَراقَكَ مِنْ بَوَارِقِها وَمِيضٌ / وَشاقَكَ مِنْ جَوَاهِرِها رُسوبُ
هدانا للإِلهِ بها نَبيٌّ / فضائِله إذا تُحْكَى ضُروبُ
وأَخبَرَ تابِعِيهِ بِغائِباتٍ / وَلَيسَ بِكائِن عنهُ معيبُ
ولا كَتَبَ الكتابَ وَلا تَلاه / فيُلْحِدَ في رسالته المُريبُ
وَقد نالوا عَلَى الأُمم المَوَاضي / به شَرَفاً فكلُّهُمُ حَسيبُ
وما كأميرِنا فيهم أميرٌ / ولا كنقِيبِنا لهمُ نقيبُ
كأَنَّ عليمَنا لهمُ نبيٌّ / لدعوتِهِ الخلائقُ تستجيبُ
وَقد كتِبَتْ علينا واجباتٌ / أَشَدُّ عليهمُ منها النُّدوبُ
وما تَتَضاعفُ الأغلالُ إِلَّا / إذا قَسَتِ الرِّقابُ أوِ القلوبُ
ولما قيلَ للكفارِ خُشْبٌ / تَحَكَّمَ فيهمُ السيفُ الخشِيبُ
حَكَوْا في ضَرْبِ أَمثلةٍ حَمِيرا / فواحِدُنا لأَلفِهِمُ ضَرُوبُ
وما عُلَماؤُنا إلا سُيوفٌ / مَواضٍ لا تُفَلُّ لها غُروبُ
سَراةٌ لم يَقُلْ منهم سَرِيٌّ / لِيَوْمِ كَرِيهَةٍ يومٌ عَصيبُ
وَلَمْ يَفْتِنْهُمُ ماءٌ نَمِيرٌ / مِنَ الدنيا ولا مَرْعىً خصيبُ
ولم تُغْمَضْ لهمْ ليلاً جُفونٌ / ولا أَلِفَتْ مَضاجِعَها جُنُوبُ
يَشُوقُكَ منهمُ كلُّ ابنِ هَيْجَا / عَلَى اللَّأواء مَحْبُوبٌ مَهيبُ
له مِنْ نَقْعِهَا طَرْفٌ كَحِيل / ومِنْ دَمِ أُسْدِها كَفٌّ خَضِيبُ
وتنهالُ الكتائبُ حينَ يَهْوِي / إليها مثلَ ما انهال الكثيبُ
على طُرُقِ القَنا للموْتِ منه / إلى مُهجِ العِدا أبدا دَبيبُ
يُقَصِّدُ في العِدا سُمْرَ العَوالي / فيَرْجِعُ وهْوَ مسلوبٌ سَلوبُ
ذَوابِلُ كالعُقُودِ لها اطّرادٌ / فليسَ يَشُوقُها إلَّا التَّرِيبُ
يَخِرُّ لِرُمْحِهِ الرُّومِيُّ أنَّى / تَيَقَّنَ أنه العُودُ الصَّليبُ
ويَخْضِبُ سَيْفَهُ بِدَمِ النَّواصي / مَخَافَةَ أنْ يُقالَ به مَشِيبُ
له في الليلِ دَمْعٌ ليسَ يَرْقا / وقلبٌ ما يَغِبُّ له وجِيبُ
رسولَ اللَّهِ دعوةَ مُستقيلٍ / مِنَ التقصيرِ خاطِرُهُ هَيُوبُ
تَعَذَّرَ في المَشِيبِ وكانَ عَيَّاً / وَبُرْدُ شبابِهِ ضافٍ قشيبُ
ولا عَتْبٌ على مَن قامَ يَجْلو / محاسِنَ لا تُرَى معها عيوبُ
دَعاك لكلِّ مُعْضِلةٍ أَلَمَّتْ / به ولكلِّ نائبةٍ تَنُوبُ
وللذَّنبِ الذي ضاقَتْ عليه / به الدنيا وجانبُها رَحِيبُ
يُراقِبُ منه ما كَسَبَتْ يَداه / فيَبْكيه كما يَبْكي الرَّقوبُ
وأَنى يهتدي للرُّشدِ عاصٍ / لِغارِبِ كلِّ مَعصِيَةٍ ركوبُ
يَتوبُ لِسانُهُ عَنْ كلِّ ذَنْبٍ / وَلم يَرَ قلبهُ منه يَتُوبُ
تَقَاضَتْهُ مواهِبُكَ امْتِدَاحاً / وَأَوْلَى الناسِ بالمَدْحِ الوَهُوبُ
وَأغْراني به داعِي اقْتِراحٍ / عَلَيَّ لأَمْرِهِ أبَدَاً وُجُوبُ
فقلتُ لِمَنْ يَحُضُّ عَلَيَّ فيه / لعلَّك في هواه لِي نَسيبُ
دَلَلْتَ عَلَى الهَوَى قلبي فَسَهْمِي / وَسَهْمُكَ في الهَوَى كلٌّ مُصيبُ
لجودٍ المصطفى مُدَّتْ يَدانا / وَما مُدَّتْ لهُ أَيْدٍ تَخِيبُ
شفاعَتُهُ لنا ولكلِّ عاصٍ / بِقَدْرِ ذُنوبِهِ منها ذَنوبُ
هُوَ الغَيْثُ السَّكُوبَ نَدىً وعِلْماً / جَهِلْتُ وما هُوَ الغَيْثُ السَّكوبُ
صلاةُ اللّهِ ما سارت سحابٌ / عليه وما رَسا وَثَوَى عَسِيبُ
أَرَى المُسْتَخْدَمِينَ مَشَوْا جميعاً
أَرَى المُسْتَخْدَمِينَ مَشَوْا جميعاً / عَلَى غَيْرِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ
مَعَاشِرُ لوْ وَلُوا جَنَّاتِ عَدْنٍ / لَصَارَتْ منهمُ نَارَ الجَحِيمِ
فمَا مِنْ بَلْدَةِ إلاَّ ومنهمُ / عليها كلُّ شَيْطانٍ رَجِيمِ
فلوْ كانَ النُّجُومُ لها رُجُوماً / إنْ خَلَتِ السَّماءُ مِنْ النُجُومِ
ثَكِلْتُ طوائِفَ المُسْتَخْدَمِينا
ثَكِلْتُ طوائِفَ المُسْتَخْدَمِينا / فَلَمْ أَرَ فِيهمُ رَجُلاً أَمِينا
فَخُذْ أَخْبَارَهُمْ مَنِّي شِفاهاً / وَأنْظِرْني لأُخْبِرُكَ اليَقِينا
فَقَدْ عَاشَرْتُهُمْ وَلَبِثْتُ فِيهمْ / مَعَ التَّجْرِيبِ مِنْ عُمْرِي سِنينا
حَوَتْ بُلْبُيْسُ طائِفَةً لُصُوصاً / عَدَلْتُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مِئِينا
فُرَيْجِي والصَّفِيَّ وَصاحِبَيْهِ / أبَا يَقْطُونَ والنَّشْوَ السَّمِينا
فَكُتَّابُ الشَّمالِ هُمُ جَمِيعاً / فلا صَحِبَتْ شِمالُهُمُ اليَمِينا
وَقَدْ سَرقُوا الْغِلالَ وما عَلِمْنا / كما سَرَقَتْ بَنُو سَيْفِ الجُرُونا
وَكَيفَ يُلاَمُ فُسَّاقُ النَّصارَى / إذَا خانَتْ عُدُولُ المُسْلِمينا
وَجُلُّ النَّاسِ خُوَّانٌ وَلكِنْ / أُناسٌ مِنْهُمْ لا يَسْتُرُونا
وَلَوْلا ذَاكَ مَا لَبِسُوا حَرِيراً / ولا شَرِبُوا خُمُورَ الأنْدَرِينا
ولا رَبُّوا مِنَ الْمُرْدانِ قَوْماً / كَأَغْصانٍ يَقُمْنَ وَيَنْحَنِينا
وَقَدْ طَلَعَتْ لِبَعْضِهِمُ ذُقُونٌ / ولكِنْ بَعْدَ ما نَتَفُوا ذُقونا
بأيِّ أَمَانةٍ وبِأيِّ ضَبْطٍ / أَرُدُّ عَنِ الخِيانَةِ فاسقِينا
ولا كِيساً وَضُعْتُ عَلَيْهِ شَمْعاً / ولا بَيتاً وَضَعْتُ عَليْهِ طِينا
وَأَقْلاَمُ الجَماعَةِ جائِلاتٌ / كأسْيَافٍ بأَيْدِي لاعِبِينا
فإنْ ساوَقْتَهُمْ حَرْفاً بحَرْفٍ / فكُلُّ اسْم يَحُطُّوا مِنْهُ سِينا
وَلا تَحْسَبْ حٍِسابَهُمْ صَحِيحاً / فإن بخصْمِهِ الدَّاءَ الدَّفِينا
ألَمْ تَرَ بَعْضَهُمْ قَدْ خانَ بَعْضاً / وعَنْ فِعْلِ الصَّفا سَلَّ المَكِينا
ولَمْ يَتَقاسَمُوا الأسفالَ إلاَّ / لأَنَّ الشَّيْخَ مَا احْتَمَلَ الْغُبونا
أٌقامُوا في البِلادِ لهُمْ جُباةً / لِقَبضِ مُغَلِّها كالمُقْطعينا
وَإنْ كتَبُوا لِجُنْدِيٍّ وُصُولاً / عَلَى بَلَدٍ أَصابَ بِهِ كَمِينا
وَما نَقْدِيَّةُ السُّلْطَانِ إلاَّ / مَعَ المُسْتَخْدَمِينَ مُجَرَّدِينا
فَكَمْ رَكِبُوا لِخِدْمَتِمْ نهاراً / ولَيْلاً يَسْأَلُونَ وَيَضْرَعُونا
وَكَمْ وَقَفُوا بِأَبْوَاب النَّصارَى / عَلَى أسْيَافِهِمْ مُتَوَكِّلِينا
ولَمْ يَنْفَعْهُمُ البَرْطِيلُ شَيئاً / وما ازْدَادُوا بهِ إلاَّ دُيُونا
كأنَّهُمْ نِساءٌ مَاتَ بَعْلٌ / لَهُ وَلَدٌ فَوُرِّثْنَ الثُّمَينا
وقَدْ تَعِبَتْ خُيُولُ الْقَوْمِ مِمَّا / يَطُوفُونَ البِلادَ ويَرْجِعُونا
عذَرْتُهُمْ إذَا باعُوا حَوالا / تِهِمْ بالرُّبْعِ لِلْمُسْتَخْدِمِينا
وَأَعْطَوْهُمْ بِها عِوَضاً فكانُوا / لِنِصْفِ الرُّبْعِ فيهِ خاسِرِينا
أمَولاَنا الوزيرَ غَفَلْتَ عَمَّا / يَهُمُّ مِنَ الكِلابِ الخَائِنِينا
أَتُطْلِقُ بامِكِيَّاتٍ لِنَومٍ / وتُنْفِقُ فَيء قَوْمٍ آخِرِينا
فلا تُهْملْ أُمورَ المُلْكِ حَتَّى / يَذِّلَّ الجُنْدُ لِلْمُتَعَمِّمِينا
فَهَلْ مَلَكُوا بأقلامٍ قِلاعاً / وهَلْ فَتَحُوا بأوْراقٍ حُصُونا
وَمَنْ قَتَلَ الفَرَنْجَ أشَدَّ قَتْلِ / وَمَنْ أَسَرَ الفَرَنْسِيس اللَّعِينا
ومنْ خاضَ الهواجِرَ وَهُوَ ظامٍ / إلَى أَنْ أُوْرَثَ التَّتَرَ المَنُونا
ولاقُوا المَوْتَ دُونَ حريمِ مِصْرٍ / وَصانُوا المَالَ مِنهُمْ وَالبَنِينا
وَلَمْ تُؤْخَذْ كما أُخِذَتْ دِمَشْقٌ / ولا حُصِرَتْ كَميَّاً فارقِينا
وَمَا أَحَدٌ أَحَقَّ بأَخْذِ مَالٍ / مِنَ الأتْرَاكِ وَالمُتَجَنِّدِينا
وَمَنْ لَمْ يَدَّخِرْ فَرَساُ جَوَاداً / لِوَقِعَةٍ وَلا سَيْفاً ثَمِينا
فَبَعْدَ المَوْتِ قُلْ لِي أَيِّ شَيءٍ / لهُ في بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينا
إذَا أُمَناؤُنَا قَبِلُوا الهَدَايا / وَصَارُوا يَتْجَرُونَ وَيَزْرَعُونا
فلِمْ لا شاطَرُوا فيما اسْتَفادوا / كما كانَ الصَّحابَةُ يَفْعَلُونا
وَكَلُّهُمُ عَلَى مَالِ الرُّعايا / وَمالِ رُعاتِهِمْ يتَحيَّلُونا
تَحَيَّلَتِ القُضاةُ فَخانَ كُلٌّ / أَماَتَهُ وَسَمَّوْهُ الأمِينا
وَكَمْ جَعَلَ الْفَقِيهُ الْعَدْلَ ظُلْماً / وَصَيَّرَ بَاطِلاً حَقَّاً مُبِينا
وما أَخْشَى عَلَى أَمْوَالِ مِصْرٍ / سِوَى مِنْ مَعْشَرٍ يَتَأَوَّلُونا
يَقُولُ المُسْلمُونَ لَنا حُقوقُ / بها ولَنَحْنُ أَوْلَى الآخِذِينا
وَقَالَ الْقِبْطُ إنَّهمُ بِمِصْرَ / الْمُلُوكُ ومَنْ سوَاهُمْ غَاصِبُونا
وَحَلَّلتِ الْيَهُودُ بِحِفظِ سَبْتٍ / لَهُمْ مَالَ الطَوَائِفِ أَجْمَعِينا
فلا تَقْبَلْ مِنَ النُّوَّابِ عُذْراً / ولا النُّظَّارِ فِيما يُهْمِلُونا
فلا تَسْتَأْصِلِ الأمْوالَ حَتَّى / يَكُونُوا كلُّهُمْ مُتَوَاطِئينا
وَإلاَّ أَيُّ مَنْفَعَةٍ بِقَوْمٍ / إذَا اسْتَحْفَظْتَهُمْ لاَ يَحْفَظُونا
أَلَيْسَ الآخِذُونَ بِغيْرِ حَقِّ / لِمَا فَوْقَ الْكِفايَةِ خَائِنِينا
وَأنَّ الْكانِزِينَ المَالَ مِنْهُمْ / أُولئِكَ لَمْ يكُونُوا مُؤمِنِينا
تَوَرَّعَ مَعْشَرٌ مِنْهُمْ وَعُدُّوا / مِنَ الزُّهَّادِ وَالمُتَوَرِّعِينا
وَقِيلَ لَهُمْ دُعاءٌ مُسْتَجابٌ / وَقَدْ مَلَئُوا مِنَ السُّحْتِ البُطُونا
فلا تَقْبَلْ عَفاف المَرْ حَتَّى / تَرَى أتْباعَهُ مُتَعَفِّفِينا
ولا تُثْبَتْ لهُمْ عُسْراً إذَا مَا / غَدَتْ ألْزامَهُ مُتَمَوِّلِينا
فإنَّ الأصْلَ يَعْرَى عَنْ ثِمَارٍ / وَأوْراقٍ وَيَكْسُوها الغُصُونا
فإنَّ قَطائِعَ العُرْبانِ صَارَتْ / لِعُمَّالِ لها ومُشَارِفِينا
فَوَلَّى أمْرَها ابنُ أبِي مُلَيْحٍ / فَأَصْبَحَ لا هَزِيلَ وَلاَ سَمِينا
وناطَحَ وَهْوَ أَقْرَعُ كلَّ كَبْشٍ / فَكَيْفَ وَقَدْ أصابَ لهُ قُرُونا
وَقَدْ شَهِدَتْ بِذاهُلْبا سُوَيْدٍ / وَهُلْبا بَعْجَةٍ حَرْباً زَبُونا
وكَمْ رَاعَت لِبغْلَتِهِ شِمالاً / وكَمْ رَاعَتْ لِبَغْلَتِهِ يَمِينا
ولَوْلا ذَاكَ مَا وَلَّوا فِراراً / مِنَ الْبَحْرِ الكَبِيرِ لِطُورِ سينا
إذَا نَثَرُوا الدَّراهِمَ في مَقامٍ / ظَنَنْتُ بهِ الدَّراهِمَ ياسَمِينا
إذَا جَيَّشْتَ جَيْشاً في غَزاةٍ / تَرَى كُتَّابَهُمْ مُتباشِرينا
وإنْ رَجَعُوا لأرْضِهِمْ بخَيْرٍ / فَلَمْ تَرَ كاتِباً إلاَّ حَزِينا
وَقَدْ ثَبَتَتْ عَدَاوَتُهُمْ فَتَمَيِّزْ / يَمِينِكَ مَنْ يكُونُ لهُ مُعِينا
ولَمَّا أنْ دُعُوا لِلْبَابِ قُلْنا / بِأنَّ الْقَومَ لاَ يَتَخَلَّصُونا
وكانُوا قَدْ مَضَوْا وَهُمُ عُرَاةٌ / فَجَاءُوا بَعْدَ ذَلِكَ مُكْتَسِينا
وصارُوا يَشْكُرُون السِّجْنَ حَتَّى / تَمَنَّى النَّاسُ لَوْ سكَنُوا السُّجُونا
فقُلْتُ لَعَلُّكُمْ فيهِ وجَدْتُمْ / بِطُولِ مُقامكُمْ مَالاً دَفِينا
فقَالُوا لا وَلكِنَّا أسَأْنا / بأَنْفُسِنا وَخالَفْنا الظُّنُونا
وَقُلْنا المَوتُ مالا بُدَّ مِنْهُ / فماذا بَعْدَ ذلِكَ أنْ يَكُونا
فلمْ تَتْرُكْ مِنَ الأقْوالِ شَيْئاً / وخاطَرْنا وجِئْنا سَالِمِينا
يُحِيلُ عَلَى البلادِ بِغَيْرِ حَقٍّ / أناساً يَعْسِفُونَ وَيَظْلِمونا
وإنْ مَنَعُوا تَقَوَّلْنا عَلَيْهِمْ / بأنَّهُمْ عُصَاةٌ مُفْسِدُونا
وَجَهَّزْنا وُلاةَ الْحَرْبِ لَيْلاً / عَلَى أنْ يَكْبِسُوهُمْ مُصْبِحِينا
فَصَالُوا صَوْلَةً فيمَنْ بَلِيهِمْ / وَصُلْنَا صَوْلَةً فيمَنْ بَلِينا
فَجِئْنا بالنِّهابِ وَبِالسَّبايا / وجاءُوا بالرِّجالِ مُصَفَّدِينا
وَجِنُّ مَشارِفٍ بُعِثُوا شُهُوداً / فإنَّ مِنَ الوُثُوقِ بهِمْ جُنُونا
وَمنْ ألِفَ الخِيانَةَ كيْفَ يُرْجَى / لهُ أنْ يَحْفَظَ اللِّصَّ الْخَئُونا
وما ابنُ قُطَيَّةٍ إلاَّ شَرِيكٌ / لهُمْ في كُلِّ مَا يَتَخَطَّفُونا
أغارَ عَلَى قُرَى فَاقوسَ مِنْهُ / بِجَوْرٍ يَمْنَعُ النَّوْمَ الجُفُونا
وَجَاسَ خِلالها طُولاً وعَرْضاً / وغادَرَ عالِياً مِنْها حُزُونا
فَسَلْ أَذْنِينَ وَالبَيْرُوقَ عَنْهُ / وَمَنْزِلَ حَاتمٍِ وسَلِ الْعَرِينا
فَقَدْ نَسَفَ التِّلالَ الحُمْرَ نَسْفاً / وَلَمْ يَتْرُكْ بِعَرْصَتِها جُرُونا
وَصَبَّرَ عِيْنَها حِمْلاً وَلكِنْ / لِمَنْزِلِهِ وَغَلَّتَها خَزِينا
وَأَصْبَحَ شُغْلُهُ تَحْصِيلَ تِبْرٍ / وكانَتْ رَاؤُهُ مِنْ قبْلُ نُونا
وَقَدَّمَهُ الَّذِينَ لَهُمْ وُصُولٌ / فَتَمَّمَ نَقْصَهُ صِلَةُ اللذينا
وفي دَارِ الْوِلايَةِ أَيُّ نَهْبٍ / فَلَيْتَكَ لَوْ نَهَبْتَ النَّاهِبِينا
وما فِرْعَوْنُ فيها غَيْرَ مُوسَى / يَسُومُ المُسْلِمينَ أَذَىً وهُونا
إذَا ألْقَى بِها مُوسى عَصاهُ / تَلَقَّفَتِ الْقَوَافِلَ والسَّفِينا
وَفِيها عُصْبَةُ لا خَيرَ فِيهِمْ / عَلَى كُلِّ الوَرَى يَتَعَصَّبُونا
وَشاهِدُهُمْ إذَا اتُّهِمُوا يُؤَدِّي / عَنِ الْكُلِّ الشَّهَادَةَ وَاليَمِينا
وَمَنْ يَسْتَعْطِ بِالأقْلامِ رزْقاً / تجِدْهُ عَلَى أمانَتِهِ
وَلَسْتُ مُبَرِّئاً كُتَّابَ دَرْجٍ / إذَا اتُّهِمَتْ لَدَيَّ النَّاسِخُونا
فَهاكَ قَصِيدَةً في السِّرِّ مِنِّي / حَوَتْ مِنْ كُلِّ وَاقِعَةٍ فُنُونا
فِدَاؤُكَ مَنْ إذَا رُمْتَ امْتِنانَا
فِدَاؤُكَ مَنْ إذَا رُمْتَ امْتِنانَا / عَلَيَّ لَهُ أَبَى إلاَّ امْتِنَاعَا
فَلاَ عِنْدِي لَهُ نِعَمٌ تُجَازَى / وَلا لِي عِنْدَهُ ذِمَمٌ تُرَاعَى
أبَاسِطُهُ وَأَحْذَرُهُ كَأَنِّي / أُمَارِسُ مِنْ خَلاَئِقِهِ السِّباعا
فلا أنا آمِنٌ مِنْهُ ضِرَاراً / ولاَ هُوَ آمِلٌ مِنِّي انْتِفَاعَا
فَلَسْتُ أَوُدُّهُ إلاَّ رِياءً / وَلَيْسَ يَوَدُّنِي إلاَّ خِدَاعَا
أَضَعْت حُقُوقَهُ وأَضَاعَ حَقِّي / فيالَكِ صُحْبَةً ذَهَبَتْ ضَيَاعَا
نَهَى السُّلْطانُ عَنْ شُرْبِ الْحُمَيَّا
نَهَى السُّلْطانُ عَنْ شُرْبِ الْحُمَيَّا / وَصَبَّر حَدَّها حَدَّ الْيَمَانِيْ
فما جَسَرَتْ مُلُوكُ الجِنِّ مِنْهُ / لِجَوْفِ الْقَتْلِ تَدْخُلُ في القَنَانِيْ