القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 33
أجدكِ يا كواكب لا تُرينا
أجدكِ يا كواكب لا تُرينا / بياناً منك يخبرنا اليقينا
كأنّ العالم العلويّ سفر / نطالعه ولسنا مفصحينا
نحاول منه إعراب المعاني / بتأويل فنرجع معجِمينا
كواكب في المجرّة عائمات / حكت في بحر فسحتها السفينا
سرت زهر النجوم وما دراها / فلاسفة مضت ومنجّمونا
شموس في السماء علت وجلَتَ / فظنّوا في حقيقتها الظنونَا
سوابح في الفضاء لها شؤون / ولمَا يعلموا تلك الشؤونا
وما راتجفت بجنح الليل إلاّ / لتضحك فيه مما يزعمونا
لعلّ لها بهذا الجوّ شأنا / سوى ما نحن فيه فرجّمونا
تلوح على الدجى متلألئات / فتنهِج في تلأُلئها العيونا
وأني يدرك الرائي مداها / وإن ألقى لها نظراً شّفونا
توَدّ الغانيات إذا رأتها / لو انتظمت لها عقداً ثمينا
تقلّده على اللّبات منها / وتطرح الدمالج والبرينا
ألكنني يا ضياء إلى الدَّراري / رسالة مسهر فيها الجفونا
لعلك راجع منها جواباً / يزيل عَماية ة المتحيّرينا
فقل إني تحير فيك فكري / كذاك تحير المتفكر ونا
فيا أم النجوم وأنتِ أمٌّ / أيولد فيكِ كالأرض البنونا
وهل فيكِ الحياة لها وجود / فيمكن للردى بكِ أن يكونا
وهل بكِ مثل هذي الأرض أرض / وفيها مثلنا متخالفونا
وهل هم مثلنا خلُقاً وخَلْقاً / هناك فيأكلون ويشربونا
وهل هم في الديانة من خلاف / نصارى أو يهودُ ومسلمونا
وهل طابت حياة بنيك عيشاً / ففوق الأرض نحن معذّبونا
وهل حُسبت بك الأيام حتى / تألف من تعاقُبِها السنونا
وهل بالموت نحن إذا خرجنا / عن الأجساد نحوك مرتقونا
فتبقى عندك الأرواح مِنّا / تصان فلا ترى جنفاً وهونا
فأجب بالمنون إذاً واحبب / بها إن كان سلَمك المنونا
أبِيني ما وراءك يا دراري / فنحن نخاله بعداً شطونا
قد اتّسع الفضاء لكِ اتساعاً / فهل أبعاده بكِ ينتهينا
وصّغَّرَكِ ابتعادك فيه حتى / إليك استشرف المتشوّفونا
فهل كان ابتعادك من دلال / علينا أم بعدت لتخدعينا
خوالد في فضائك أنتِ أم قد / يحل بك الفناء فتذهبينا
وقالوا ما لعدّتكِ انتهاءٌ / فهل صدقوا أو ارتكبوا المجونا
وقالوا الأرض بنتك غيرَ مين / فهل أبناء بنتك يصدقونا
وقالوا إن والدك المُفَدى / أثيرٌ في الفضاء أبي السكونا
ترصّدك الأنام وما أتانا / بعلمِ كيانك المترصّدونا
فهرشل ما شفى منا غليلاً / ولا غاليل أنبأنا اليقينا
وكبلر قد هدى أو كاد لما / أبانك يا نجوم تجاذبينا
إلى كم نحن نلبس فيك لَبْساً / ومن جرّاكِ ندرّع الظنونا
لعلَ النجمَ في إحدى الليالي / سيبَعث للورى نوراً مبينا
تقوم له الهواتف قائلاتٍ / خذوا عَنى النهى ودعوا الجنونا
أحبّ صراحتى قولاً وفعلاً
أحبّ صراحتى قولاً وفعلاً / وأكره أن أميل إلى الرياء
فما خادعت من أحدٍ بأمرٍ / ولا أضمرت حَسواً في ارتغاء
ولست من الذين يرون خيراً / بابقاء الحقيقة في الخفاء
ولا ممّن يرى الأديان قامت / بوحيٍ مُنزلٍ للأنبياء
ولكن هنّ وضع واتبداع / من العقلاء أرباب الدهاء
ولست من الألى وهموا وقالوا / بأن الروح تعرج للسماء
لأن الأرض تسبح في فضاء / وما تلك السماء سوى الفضاء
ولست من الذين يرون فخراً / لمفتخرٍ باهراق الدماء
ولا ممّن قد ارتبطوا بماضٍ / فعاشوا ينظرون إلى الوراء
ولا ممّن يرى للناس حكماً / سوى الحكام أرباب القضاء
ولا ممّن تودّد في حضور / وعند الغيب جاهر بالعداء
ولا ممّن يرى الأنساب ممّا / يمتّ به الأنام إلى العلاء
ولا ممّن إذا وُبئوا استعاذوا / بتمتمة الدعاء من الوباء
ولا من معشر صَلَّوْا وصامُوا / لما وُعِدوه من حسن الجزاء
ولا ممّن يرون الله يجزي / على الصلوات بالحور الوضاء
ولا ممّن يرى الأشياء تفَنَى / بحيث تكون من عَدَم هواء
ولكن هنّ في جمعٍ وفرقٍ / تبدّلُ منهما صورَ البقاء
ولست من الذين يرون فضلاً / كبيراً للرجال على النساء
ولكن دالت الأيام حتى / تهلون هؤلاء بهؤلاء
أرى للروح بالبدن اتصالاً
أرى للروح بالبدن اتصالاً / خَفيّاً لا تبين له رسوم
تطيف به الهواجس شاعرات / وتعجز عن حقيقته الفهوم
فإن الروح للجثمان تلو / به منها ومنه بها وسوم
يتم كلاهما هذا بهذا / كذلك تمّ أمرهما القويم
فلا جسد يقوم بغير روح / ولا روح بلا جسد تقوم
هما متلازمان فما لكلٍ / بغير قرينه أبداً لزوم
لذلك كانت الأرواح منا / بحيث تهي إذا وهتِ الجسوم
ولست أظنّ أن الروح تبقى / إذا مُحيِت من الجسد الرسوم
وربَّتَما يكون لها دوام / ولكنْ غير شاعرة تدوم
وما هبطت من الخضراء لكن / من الغبراء أنبتها الحكيم
وأما هذه الأجسام منا / فتبنيها الماكل والطعوم
وتُرويها المشارب والمحاسي / وتذويها اللوافح والسموم
ويُوهِنها التقشَف والتضنّي / ويحسنها التترّف والنعيم
ويعض من مطاعمنا غذاء / تُحاك على العظام به اللحوم
وبعض من مطاعمنا وَقود / تُديم به حرارتها الجسوم
له في جوف آكله احتراق / تكون رَمادَه فيها الشحُوم
وللأرواح كالأجساد زادٌ / به تنمو المشاعر والحُلوم
هو النَغَم الرقيق من المثاني / هو الأدب الرفيع هو العلوم
فإن الروح تغذوها الأغاني / ويجلو هَمها الصَوت الرخيم
ويصقلها الجمال إذا رأته / وتصدئها القبائح والهموم
فلا تنفر بسمعك من غناءٍ / به غنّتك شادية بغوم
ولا تترفَعنّ عن الملاهي / ولو شهدتْ برفعتك النجوم
وكن في المُطربات فتىً طروباً / فإن الناس أطربُها الكريم
وقف عند الحدود بلا تعدّ / إلى ما ليس يحمده الحليم
ولا تشتطَّ في طرب ولهو / فكلّ مُقارفٍ شَططاً ذميم
فإن وافقتني وجربت جَريي / وإلا فاتَك الطبع السليم
بدا وجه العروبة في حلوك
بدا وجه العروبة في حلوك / غداة قضى الحسين أبو الملوك
قضى متنازلاً بعد اعتلاء / كذاك الشمس تجنح للدّلوك
قضى في المجد ليس بذي نظير / وفي العزمات ليس بذي شريك
مليك واصل الأقدام حتى / أتاه بهلكه يوم الهلوك
لقد سلك الطريق إلى المعالي / إلى أن مات محمود السلوك
وجدّد للعروبة غرس مجد / قديم كان كالعذق التريك
وأحدث نهضةً في العرب هزّت / جنوب الأرض كالريح السهوك
وأثبت بالسيوف لهم حقوقاً / مؤيّدةً بكل دم سيفك
ولكن غشّه الحلفاء حتّى / أتوه من الثعالب في مسوك
وخانوا لم يفوا بعد انتصار / بما كتبوه في بطن الصكوك
خطبنا ودّهم فتقبّلونا / بعاطفة كعاطفة الفروك
وكم وعدوا بني قحطان وعداً / به انقلب اليقين إلى شكوك
لقد ستروا شينع الغدر منهم / بثوب من سياستهم محوك
فساستهم إذا وقعوا بضنك / أرَونا الودّ في وجه ضحوك
وأبدوا في الرخاء لنا عبوساً / وهذا عدّ من شيم الهَلوك
ونحن العربَ نأبى غير عزٍ / وتطمح في الحياة إلى السموك
ويوم الرَوع ننتظم المنايا / ولم تكن السيوف سوى سلوك
ونمضع في اليهاج الموت دون ال / علا مضغ الأوانس للعلوك
وما عاب الفتى جسمٌ هزيل / إذا ما كان ذا شرفٍ وديك
وما الشرف الحميد سوى فَعال / حميدٍ من معادننا سبيك
قرينّ القبلتين عليك نبكي / وما بالدمع من طرف مسيك
فقدنا منك خير زعيم قوم / وخير نضيج تجربة حنيك
لقد ناح العراق عليك حزناً / وضجّ من الخليج إلى دهوك
وناح المسجد الأقصى جميعاً / إلى أرض الشآم إلى تبوك
لقد نُزَهت من غمز ولمز / كما نزّهت من شعر ركيك
أبو غازي قضى فاقيم غازي
أبو غازي قضى فاقيم غازي / فأنطَقنا التهاني والتعازي
وأطلقنا المدائح والمرائي / بإنشاد لهنّ وبارتجاز
وجئنا حاشدين بصدر يوم / حكى يومي عكاظ وذي المجاز
غداة قلوبنا امتلأت سروراً / وحزناً يجريان على التوازي
فهنّ بعاملَي فرح وحزن / خوافق في جوانحنا نواز
فكنّ من ابتهاج في هدوءٍ / وكنّ من اهتياج في اهتزاز
قضى بدر المكارم والمعالي / وحيدرة المعارك والمغازي
فياَ لله يوم نعاه ناعٍ / لمرزئة محت كل المرازي
رزئنا ابن الحسين فنحن منه / برزءٍ للحسين أولو اجتياز
فما ميز المحرم من جمادى / بفرق في البكاء ولا امتياز
له كفّ تفيض ندىً ونبلاً / لها بهما غنىً عن حَزو حازي
بني مجداً عراقياً جديداً / فأسسه على المجد الحجازي
وسار من السياسة في طريق / بحسن الرأي معلمة الطراز
فما ترك الجهود بلا نجاح / ولا فرصاً تمرّ بلا انتهاز
إذا اعتزم الأمور مضى وأمضى / وإن سلّ المهنّد قال ماز
أبا غازي فقدنا منك قرماً / يناجز دوننا يوم النجاز
حللت من العراق وأنت ركز / بحيث الأرض جيّدة الركاز
فحل اليمن منذ حللت فيه / وقبلاً كان عنه ذا انحياز
لقد وفقت بالقلم المعلّى / كما وقفت بالسيف الجراز
ومّهدت الأمور لنا ففزنا / من الآمال بالغرر العزاز
ودرت ذات أيدينا وكانت / كحلب النوق أيام الغراز
ولولا سعيك المشكور كنّا / كذي سفر يسير بلا جواز
إذا المكّاء أوتي منك حظاً / يطير إلى العلا بجناح باز
لأهل الرافدين عليك حزن / له بقلوبهم فضل ارتكاز
فأنت هديتهم سبل المعالي / كما جنّبتهم طرق المخازي
لئن لبسوا الحداد عليك حزناً / فقد ألبستهم ثوب اعتزاز
وما هم بالبكاء جزوَك شيئاً / ولكن الإله هو المجازي
لقد قوّيتنا من بعد عجز / به كنّا نحيد عن البراز
وكنّا كالبغات فقمت فينا / بما صرنا به مثل البوازي
فنحن اليوم إذ دهمت خطوب / نظرنا للخطوب بطرف هازي
نقوم إلى الهياج بلا توان / ونبتدر النزال بلا احتراز
فلسنا من صروف الدهر نخشى / عوادي ذات سلب وابتزاز
ونحن من الألى في كل عصر / عزاهم للمكارم كل عاز
نراعي الحق في سلم وحرب / ونترك في مغارمنا التجازي
ولو شكت الحقيقة لانتزعنا / شكايتها بتضحية المجاز
وقد علمت بنو آثور أنا / أولو عزم يعرقب كل ناز
فنحن بسيفك الماضي جززنا / نواصي جمعهم أيّ اجتزاز
أ فيصل ثم بقبرك مستريحاً / فإن الملك بعدك ملك غازي
قضَوا شهداء ليس لهم بواء
قضَوا شهداء ليس لهم بواء / فتمّ لهم على الدهر البقاء
قضوا لعزيز موطنهم ضحايا / فهم لعزيز موطنهم فداء
لهم في موتهم هذا حياة / مخلّدة يجلّلها الثناء
تباشرت الجنان بهم فأمست / بها من حسن مقدمهم بهاء
وحيّا جعفر الطيار منهم / نسوراً في الجنان لها اعتلاء
وطائرة مرفعة الذُنابى / بأجنحة الرياح لها ارتقاء
يجول بها من البنزين روح / كما جالت بأوردة دماء
بعصر الكهرباء أتت فأمسى / لعصر الكهرباء بها ازدهاء
تمرّ كأنها في الجو نَسر / إلى زهر النجوم له انتماء
وتختبط الهواء بساعدَيها / فتعصف منهما الريح الرخاء
فتمضي في الفضاء مضيّ سهم / عن القوس الضروح له ارتماء
فيبصر كالنجوم لها علوّ / ويسمع كالرعود لها رغاء
وقد ترمي الصواعق محرقاتٍ / بها في الأرض يندكّ البناء
قد امتطوُا الرياح بها فطاروا / إلى حيث احتفت بهم السماء
سموا فتضاءلوا فحكوا نجوماً / يصغّرها بأعيننا السناء
وفيهم كان للأوطان حبّ / وفي أوطانهم منهم رجاء
ألا يا طائرين قد استقلّت / بهم في الجوّ ريح جربياء
لقد نزل القضاء بكم أليماً / ولا منجاة إن نزل القضاء
فمتّم ميتةً بيضاء منها / بأعيننا قد أسودّ الفضاء
لقد عظمت مناحتكم فقامت / تنوح بها الحرائر والأماء
وشّققت الجُيوب لكم رجال / ولطمّت الخدود لكم نساء
غبطنا ميتة قد أعقبتكم / حياةً ليس يدركها الفناء
لكم بسقوطكم شرف ففيه / لموطنكم نهوض واعتلاء
ولا تأسَوا على الوطن المفدّى / ففي شبانه لكم الكفاء
فهم خلف لكم فيما أردتم / ولولا ذلكم عزّ العزاء
قضى والليل معتكر بهيم
قضى والليل معتكر بهيم / ولا أهل لديه ولا حميم
قضى في غير موطنه قتيلاً / تمجّ دمَ الحياة به الكلوم
قضى من غير باكية وباك / ومن يبكي إذا قتل اليتيم
قضى غضَّ الشبيبة وهو عفّ / مُطهّرة مآزره كريم
سقاه من الردى كأساً دهاقاً / عفاف النفس والعرض السليم
تجرّعها على طرب ولكن / بكف اليتم ليس له نديم
على حين الربابة في نواح / يساجلها به العود الرخيم
بحيث رقائق الألحان كانت / بها الأشجان طافية تعوم
كأنّ ترنم الأوتار نعيٌ / وصمت السامعين لها وجوم
فجاء الموت ملتفعاً بخزي / ومِلْء إهابه سفهٌ ولوم
فأطلق من مسدسه رصاصاً / به في الرمي تنخرق الجسوم
فخرّ إلى الجبين به نعيم / كما انقضّت من الشهب الرجوم
فإن مودّعاً بعد ارتثات / حياة لا تناط بها الوصوم
لئن لم تبك من أسف عليه / سفاهتنا فقد بكت الحلوم
ولودرت النجوم له مصاباً / بكته على ترفعّها النجوم
عسى الشهباء تثأره فتبدي / إلى الزوراء ما يبدي الخصيم
ولم يقتله إبراهيم فيما / أرى بل إن قاتله سليم
أليس سليم الملعون أغوى / نعيماً فهو شيطان رجيم
وأخرجه من الشهباء غراً / بتيماً ماله أبداً زعيم
وجاء به إلى بغداد حتى / تخرّمه بها قتل أليم
سأبكيه ولم أعبأ بسلاح / وأندبه وإن سخط العموم
ولّما أن ثوى ناديت أرّخ / ثوى قتلاً بلا مهل نعيم
عهِدتُك شاعر العرب المُجيدا
عهِدتُك شاعر العرب المُجيدا / فما لك لا تطارحنا النشيد
فنحن إليك بالاسماع نُصغي / فهل لك أن تُفيد فنستفيدا
بشعر لا تزال تنوط منه / بجيد بدائع الدنيا عقودا
إذا أنشدته الحسناءَ تاهت / كأن قَرَّطتها دراً فريدا
وأنت إذا قرعت به عبيداً / رددت إلى الحَرار بهالعبيدا
ولو تستنهض الجبناء يوماً / به لتقّحموا الهيجا اسودا
ولو كرّرته للقوم ألفاً / لأقسم سامعوه بأن تعُيدا
وكم تهتزّ أعطاف المعالي / إذا ما قلت قافيةً شرودا
فلو أنشدتنا في الفخر شعراً / تُذكِّرُنا به العهد البعيدا
تذكرنا الأوائل كيف سادوا / وكيف تبوّعوا الشرف المديدا
فقلت له وقد أبدى ارتياحاً / إليّ إذ ارتجلتُ له القصيدا
أجل أن القبائل من مَعَدٍّ / علّوْا فتسنّموا المجد المجيدا
وأن لهاشم في الدهر مجداً / بناه لها الذي هشم الثريدا
ومذ قام ابن عبد اللّه فيهم / أقام لكلّ مَكْرُمة عمودا
وأنهضهم إلى الشرف المُعَلّى / وكانوا عنه قبلئذٍ قعودا
فأصبح وارياً زَنْدُ المعالي / وقبلاً كان مَقْدَحُه صلودا
فهم فتحوا البلاد ودّوخوها / وقادوا في معاركها الجنودا
وهم كانوا أشد الناس بأساً / وأمنع جانباً وأعمّ جُودا
وأرجحهم لدى الجُلّى حلوماً / وأصلبهم لدى الغَمَرات عودا
ولكن أيها العربيّ أنّي / أراك لغير ما يُجدى مريدا
وما يجدي افتخارُك بالأوالي / إذا لم تفتخر فخراً جديدا
أرى مستقبل الأيام أولى
أرى مستقبل الأيام أولى / بمَطْمَح من يحاول أن يسودا
فما بلغ المقاصد غيرُ ساع / يردّد في غدٍ نظراً سديدا
فَوَجِّه وجه عزمك نحو آت / ولا تَلفِت إلى الماضين جيدا
وهل أن كان حاضرنا شقيّاً / نسود بكون ماضينا سعيدا
تقدّم أيها العربيّ شوطاً / فإن أمامك العيش الرغيدا
وأسّس في بنائك كل مجدٍ / طريف واترك المجد التليدا
فشرّ العالمين ذوو خُمول / إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا
وخير الناس ذو حسب قديمٍ / أقام لنفسه حسباً جديدا
تراه إذا ادعى في الناس فخراً / تقيم له مكارمُه الشهودا
فدعني والفخارَ بمجد قوم / مضى الزمن القديم بهم حميدا
قد ابتسمت وجوه الدهر بيضاً / لهم ورأيننا فعبسن سودا
وقد عهدوا لنا بتراث ملك / أضعنا في رعايته العهودا
وعاشوا سادة في كل أرض / وعشنا في مواطننا عبيدا
إذا ما الجهل خيّم في بلاد / رأيت اسودها مُسِخَت قرودا
بدت كالشمسَ يحضُنها الغروب
بدت كالشمسَ يحضُنها الغروب / فتاةٌ راع نَضْرتها الشُحوب
منزّهة عن الفحشاء خَوْد / من الخَفِرات آنسة عَروب
نَوار تستجِدّ بها المعالي / وتَبلى دون عفتها العيوب
صفا ماء الشباب بوجنتيها / فحامت حول رَوْنقه القلوب
ولكنّ الشوائب أدركتْه / فعاد وصفْوُه كَدِر مَشوب
ذوي منها الجمال الغَضّ وجداً / وكاد يَجِف ناعمه الرطيب
أصابت من شبيبتها الليالي / ولم يُدرك ذؤابتها المشيب
وقد خلَب العقول لها جبين / تلوح على أسرّته النُكوب
ألا أن الجمال إذا علاه / نقاب الحزن منظره عجيب
حليلة طيّب الأعراق زالت / به عنها وعنه بها الكروب
رعى ورعت فلم تر قطّ منه / ولم ير قط منها ما يَريب
تَوَثَّق حبل وُدّهما حضوراً / ولم يَنْكث توثّقه المغيب
فغاضب زوجَها الخلطاءُ يوماً / بأمر للخلاف به نُشوب
فأقسم بالطلاق لهم يميناً / وتلك ألِيَّةٌ خطأ وحوب
وطلّقها على جهل ثلاثاً / كذلك يجهل الرجل الغَضوب
وأفتى بالطلاق طلاق بَتٍّ / ذوو فتياً تعصّبهم عصيب
فبانت عنه لم تأت الدنايا / ولم يَعْلَقْ بها الذام المَعيب
فظلّت وهي باكية تنادي / بصوت منه ترتجف القلوب
لماذا يا نجيب صَرَمت حبلي / وهل أذنبت عندك يا نجيب
وما لك قد جفَوت جفاء قالٍ / وصرت إذا دعوتُّك لا تجيب
أبِن ذنبي إليَّ فدتك نفسي / فإني عنه بعدئذ أتوب
أما عاهدتني باللّه أن لا / يفرّق بيننا إلاّ شَعوب
لئن فارقتني وصددت عني / فقلبي لا يفارقه الوَجيب
وما أدماء ترتع حول رَوض / ويرتع خلفها رشأٌ ربيب
فما لفتت إليه الجِيد حتى / تَخَطّفه بآزمتَيْه ذيب
فراحت من تحرُّقها عليه / بداء ما لها فيه طبيب
تشُمّ الأرض تطلُب منه ريحاً / وتَنْحَب والبُغام هو النحيب
وتَمْزَع في الفلاة لغير وجهٍ / وآونةً لمَصْرَعه تؤوب
بأجزع من فؤادي يوم قالوا / برغم منك فارقك الحبيب
فأطرق رأسَه خجلاً وأغضى / وقال ودمع عينيه سَكوب
نجيبة أقصري عنّي فإني / كفاني من لظى الندم اللهيب
وما واللّه هجرك بإختياري / ولكن هكذا جرت الخطوب
فليس يزول حبّك من فؤادي / وليس العيشُ دونك لي يَطيب
ولا أسلو هواك وكيف أسلو / هوىً كالروح فيّ له دبيب
سلي عنيّ الكواكب وهي تسري / بجنح الليل تطلُع أو تغيب
فكم غالبتها بهواك سُهداً / ونجم القطب مُطّلع رقيب
خذي من نور رنْتَجْنٍ شعاعا / به للعين تنكشف الغيوب
وألْقِيه بصدريَ وأنظريني / ترىْ قلبي الجريح به ندوب
وما المكبول ألقيَ في خِضَمّ / به الأمواج تصعد أو تَصوب
فراح يغُطّه التيار غطّاً / إلى أن تمّ فيه له الرسوب
بأهلَكَ يا ابنة الأمجاد منّي / إذا أنا لم يعُد بكِ لي نصيب
ألا قل في الطلاق لمُوقِعِيه / بما في الشرع ليس له وجوب
غَلَوتم في ديانتكم غُلُوّاً / يَضيق ببعضه الشرع الرحيب
أراد اللّه تَيْسيراً وأنتم / من التعسير عندكم ضُروب
وقد حلّت بامتكم كُروب / لكم فيهنّ لا لَهم الذنوب
وهَي حبل الزواج ورقّ حتى / يكاد إذا نفختَ به يذوب
كخيط من لعاب الشمس أدلت / به في الجوّ هاجرةٌ حَلوب
يمزّقه من الأفواه نفثٌ / ويقطعه من النَسَم الهُبوب
فدى ابنَ القَيم الفقهاءُ كم قد / دعاهم للصواب فلم يُجيبوا
ففي أعلامه للناس رُشد / ومُزْدَجَر لمن هو مستريب
نحا فيما أتاه طريق علم / نحاها شيخه الحبر الأريب
وبيّن حكم دين اللّه لكن / من الغالين لم تعه القلوب
لعلّ اللّه يُحدث بعدُ أمراً / لنا فيَخيبَ منهم منَ يخيب
أرى الأيام ظامئة وليست
أرى الأيام ظامئة وليست / بغير دم الأنام تريد ريّا
ولو لم تَنْوِ حرباً ما تبدّى / بها شكل الأهِلّة خنجرِيّا
ودلّ على تقلّبها انقلاب / لجِرم الأرض حين غدا كُرِيّا
وأصْلَدَت الحقيقة في الليالي / فلمّا تَقتَدح زنداً وَرِيّا
نَفَضت يديّ من أبناء دهر / أهانوا الشَهم واحترموا الزرَيِا
وقَلّ حياؤهم حتى رأينا / ظَنين القوم يتّهم البَريّا
وساد الجاهلون فلست أدري / اعزّي العلم أم ابكي الدُريّا
لهم عَين تراعي الشرّ يقظي / وقلب ظلّ في عَمَهٍ كَرِيّا
تَقَلَّدت السيوف رُعاةُ مَعزٍ / وكانت قبلُ تحتمل الهِرِيّا
فجرَّد منهم الرعديد عَضباً / وهَزَّ أخو الجبَانة سمهريّا
وكم تَرِب تجسّس للأعادي / فاصبِح من تجسّسه ثريّا
وساعٍ كان يسرح بالمَواشي / فأمْطِي من سِعايته شَريّا
وأن لساسة الدنيا لقلباً / قَسياً في السياسة مرمريّا
قد اتخذوا الحُسام لهم لسناً / فقالوا البُطل واختلقوا الفريا
وكيف تُساس مملكة بعدل / إذا ما الحكم أصبح عسكريّا
ألا ما بال دمعي ليس يرقا / كأنّ بمُقلتي عِرقاً ضَرِيّا
إذا ذُكر العراق بكَيْت شجواً / بدمع طمّ سائله القَرِيّا
ولما سرت في جبل وسهل / وكابدت السمائم والعرِيا
نزلت بايلياء على كرام / وخيم العيش عاد بهم مَرِيّا
فكدت بقربهم أنسى بلادي / وأسلو الطفّ ثمة والغَريّا
ولم أر كالنشاشيبيّ ندباً / إلى العَلياءُ مبتدراً جَريّا
فتىً سعت المفاخر وهي عطشى / إلى آدابه فأصبنِ ريّا
تجَدَّد في العلاء فكان بِدْعاً / فعاش بمصره رجلاً طريّا
وأحرز في الورى شرِفاً رفيعاً / وصِيتاً في العُلى اسكندريا
ولم أر سيّداً كأبي سَرِيّ / ولا مثل ابنه ولداً سريّا
هما متشابهان فعبقريّ / من الآباء أنجب عبقريّا
أبٌ في المجد أرْوَع أحْوَريّ / نَمى للمجد أروع أحوريّا
إلى الشهم السكاكينيّ أهدي / ثناءً لا يزال به حَرِيّا
فتىً غرس المكارم ثم منها / جنى ثمر العلا غَضّاً طَرِيّا
يَعاف معاشه إلاّ شريفاً / ويأبى المجد إلاّ جَوهريّا
كفى بالعلم في الظلمات نورا
كفى بالعلم في الظلمات نورا / يُبيّن في الحياة لنا الأمورا
فكم وجد الذليل به اعتزازاً / وكم لبِس الحزين به سرورا
تزيد به العقول هدىً ورشداً / وتَستعلي النفوس به شعورا
إذا ما عَقّ موطنَهم أناسٌ / ولم يَبنوا به للعلم دورا
فإن ثيابهم أكفان موتى / وليس بُيوتهم إلاّ قبورا
وحُقَّ لمثلهم في العيش ضنك / وأن يدعوا بدنياهم ثُبورا
أرى لبّ العلا أدباً وعلماً / بغيرهما العلا أمست قشورا
أأبناء المدارس أنّ نفسي / تؤمّل فيكم الأمل الكبيرا
فسَقياً للمدارس من رياض / لنا قد أنبتت منكم زهورا
ستكتسب البلاد بكم عُلُوّاً / إذا وجدت لها منكم نصيرا
فإن دجت الخطوب بجانبيها / طلعتم في دُجُنَّتها بدورا
وأصبحتم بها للعزّ حِصناً / وكنتم حولها للمجد سورا
إذا أرتوت البلاد بفيض علم / فعاجز أهلها يُمسى قديرا
ويَقوَى من يكون بها ضعيفاً / ويَغنَى من يعيش بها فقيرا
ولكن ليس مُنتَفِعاً بعلم / فتىً لم يُحرز الخُلُق النضيرا
فإن عماد بيت المجد خُلْق / حكى في أنف ناشفه العبيرا
فلا تَستنفِعوا التعليِم إلاّ / إذا هذّبتم الطبع الشَرِيرا
إذا ما العلم لابس حُسنَ خُلْق / فَرَجِّ لأهله خيراً كثيرا
وما أن فاز أغزرنا علوماً / ولكن فاز أسلمنا ضميرا
أأبناء المدارس هل مصيخٌ / إلى من تسألون به خبيرا
ألا هل تسمعون فإن عندي / حديثاً عن مواطنكم خطيرا
ورأياً في تعاوُنكم صواباً / وقلباً من تخاذُلكم كسيرا
قد انقلب الزمان بنا فأمست / بُغاث القوم تحتقر النُسورا
وساء تقلُّب الأيام حتى / حمِدنا من زعازعها الدَبورا
وكم من فأرة عمياء أمست / تسمّى عندنا أسداً هَضورا
فكيف نروم في الأوطان عزّاً / وقد ساءت بساكنها مصيرا
ولم يك بعضنا فيها لبعض / على ما ناب من خطب ظهيرا
ألسنا الناظمين عقود مجد / نزين من العصور بها النحورا
إذا لُجَجُ الخطوب طمت بنينا / عليها من عزائمنا جسورا
لِنَبْتَدر العبور إلى المعالي / بحيث نطاول الشِعر العَبورا
ألا يا ابن العراق إليك أشكو / وفيك أُمارس الدهر المَكورا
تنفَّض من غُبار الجهل وأهرع / إلى تلك المدارس مستجيرا
فهنّ أمان من خشيَ الليالي / وهنّ ضمان مَن طلب الظهورا
لدار شِنِلَّر في القدس فضل
لدار شِنِلَّر في القدس فضل / به تَنْسَى تَيَتُّمها اليتامى
وبحمده من الفقراء طفل / يذُمّ لفقد والده الحِماما
بها يجد اليتيم لهُ مقاماً / إذا ما الدهر أفقده المقاما
يرى عن أمه أماً عَطوفا / عليه وعن أبيه أباً هُماما
تُمِيت نهارها فيه ليَحْيا / وتُحْيي الليل فيه لكي يناما
فتُشْرِب نفسَه حبّ المعالي / وتطعم جسمه منها الطعاما
وتَرْأم كل من فُجعوا بيُتم / صغاراً قبل ما بلغوا الفِطاما
ويدخلها يتيم القوم طفلاً / فتُخرجه لهم يَفَعاً غلاما
عليماً بالحياة يسير فيها / على علم فيَخْترِق الزحاما
وقد لبِس الفضيلة وارتداها / وشَدّ عليه من حَزمِ حزاما
وقفت بها أعاطيها التَحايا / وأستسقي لساكنها الغَماما
وأشكر فضلها والشكر عَجْز / إذا هو لم يكن إلا كلاما
أدار شنلّر لا زلت مأوىً / لأبناء الأرامل والأيامى
أثابَكِ مالك الملكوت عنهم / مَثُوبة كل من صلّى وصاما
ضَمِنتِ لهم رغيد العيش حتى / أخذت على الزمان لهمِ ذماما
وجار الدّهر مُعتدِياً عليهم / فكنت لهم من الدهر انتقاما
إذا ما أبكت الدنيَا يتيماً / أعدتِ بكاءه منه ابتساما
لقد هَوَّنت رُزء اليتم حتى / غفرنا للزمان بك الأثاما
وكاد إذا رأى مغناك راء / يَوَدّ بأن يكون من اليتامى
ليَمْكُث فيك مُغتبطَاً سعيداً / ويكسب عندك الشرف الجُساما
ويعلم كيف يدّرع المعالي / ويعرِف كيف يَبْتِدر المَراما
وما فَقَد المسيحَ الناسُ لمّا / أعدتِ لهم خلائقه الكراما
فنُبْت عن المسيح وقمت حتى / لقد شكر المسيح لك القياما
ولا عجبٌ فقد جَدَّدت منه / عواطف كان عمّ بها الأناما
شَمَخْت على رُبا القدس اعتلاءً / فكنت لهنّ من شرف وساما
ولُحْت بأفْقها بدراً منيراً / جلا من ليل أبْؤسها الظلاما
ألا أن النجوم بشِعرَيَيَهْا / لتَحَسُد من مَرابعك الرغاما
هزَزْت الطُور فهو يكاد يمشي / إليك على تَقَدُّسه احتراما
وجاذَبْتِ الكرامة خير قبر / به دُفِن المسيحِ ومنه قاما
تباهي القدس مكة فيك حتى / تفاخر فيك مشَعرَهَا الحراما
فلا برِحتُ رُبوعك عامرات / نسُلّ على الشقاء بها حساما
إلى كم أنت تهتِف بالنشيد
إلى كم أنت تهتِف بالنشيد / وقد أعياك إيقاظ الرقود
فلست وإن شددتُ عرا القصيد / بمُجد في نسيدك أو مُفيد
لأنّ القوم في غَيّ بعيد /
إذا أيقَظْتَهم زادوا رُقادا / وإن أنهضتهم قعدوا وئادا
فسُبحان الذي خلق العِبادا / كأنّ القوم قد خُلقوا جَمادا
وهل يَخلو الجماد عن الجُمود /
أطلتُ وكاد يُعييني الكلام / مَلاماً دون وقعته الحُسام
فما انْتَبَهوا ولا نفَع الملام / كأن القوم أطفال نيام
تُهزّ من الجهالة في مُهود /
إليكِ إليك يا بغداد عنّي / فإني لست منكِ ولست منّي
ولكنّي وأن كبُر التَجَنّي / يَعِزّ عليّ يا بغداد أني
أراك على شَفا هَوْل شديد /
تتابعت الخطوب عليك تترىَ / وبُدّل منك حُلو العيش مرّا
فهلاً تُنجِبين فتىً أغرّا / أراك عقمت لا تلدين حرّا
وكنتِ لمثله ازكىَ ولود /
أقام الجهل فيك له شُهودا / وسامَك بالهَوان له السُجودا
متى تُبْدين منك له جُحُودا / فهلاّ عُدت ذاكرةً عهودا
بهنّ رَشدت أيامَ الرشيد /
زمانَ نُفُوذُ حكمِك مُستَمرّ / زمانَ سحابُ فَيْضك مُستدِرّ
زمانَ العلمُ أنتِ له مقرّ / زمان بناءُ عزّك مُشمَخِرّ
وبدر علاك في سَعد السُعود /
برحت الأوج مَيلا للحَضيض / وضِقت وكنت ذات علا عريض
وقد أصبحت في جسم مريض / وكنت بأوجُهٍ للعزّ بيض
فصرت بأوجه للذُل سود /
ترقّى العالمون وقد هبطنا / وفي دَرْك الهَوان قد انحططنا
وعن سَنَن الحضارة قد شَحَطنا / فقطْنا يا بني بغداد قطنا
إلى كم نحن في عيش القرود /
ألم تكُ قبلنا الأجداد تبني / بناءً للعلوم بكلّ فنّ
لماذا نحن يا أسرى التَأنّي / أخذنا بالتقَهقُر والتدنّي
وصِرنا عاجزين عن الصعود /
كأنْ زحل يشاهد ما لدينا / لذاك احمرّ من حَنَق علينا
فقال مُوَجِهاً لوماً إلينا / لو أنّي مثلكم أمسيت هينا
أذن لَنَضَوت جلبات الوجود /
ركَدتم في الجهالة وهي تُعشي / وعِشتم كالوحش أخسّ عيش
أما فيكم فتىً للعزّ يمشي / تبارك من أدار بنات نعش
وصفّدكم بأصفاد الركود /
حكيتم في تَوَقُفكم جُدَيّا / فصِرتم كالسُها شعباً خَفيّا
ألا تجرون في مَجرى الثُريّا / تَؤُمّ بدَوْرها فَلَكاً قصيّا
فتبرز منه في وضع جديد /
حكومة شعبنا جارت وصارت / علينا تستبدّ بما أشارت
فلا أحداً دعنه ولا استشارت / وكل حكومة ظلمت وجارت
فبشّرها بتمزيق الحدود /
حكومتنا تميل لباخسيها / مجانية طريق مؤسسيها
فلا يَغرُرْك لِينُ ملابِسيها / فهم كالنار تحرق لامسيها
وتَحْسُن للنواظر من بعيد /
لقد غَصّ القَصيم بكل نذل / وأمسى من تخاصمهم بشغل
فريقاً خُطَّتَيْ غَيٍّ وجهل / كلا الخصمين ليس له بأهل
ولكن من لتنكيل المَريد /
إليهم أرسلت بغداد جندا / ليهلك فيه عن عبث ويُفدى
لقصد ابن الرشيد أضاع قصدا / فلا ابن الرشيد بلغت رشدا
ولا بلغ السعودَ ابنُ السعود /
مشَوْا يتحرّكون بعزم ساكن / ورثّة حالهم تُبْكي الأماكن
وقد تركوا الحلائل في المساكن / جنود ارسلت للموت لكن
بفَتْك الجوع لافتك الحديد /
قدِ التْفَعَوا بأسمال بَوَال / مُشاةً في السهول وفي الجبال
يَجِدُّون المسير بلا نعال / بحال للنواظر غير حال
وزِيٍّ غير ما زي الجنود /
مشوا فيَ منهج جهِلوه نهجاً / يَجُوبون الفلا فَجّاً ففجا
إلى حيثُ السلامة لا تُرجى / فيا لهفي على الشبان تُزجى
على عَبَث إلى الموت المُبيد /
وكلّ مذ غَدَوْا للبيت أمّا / فَوَدّع أهله زوجاً وأمّا
وضمّ وليده بيدٍ وشَمّا / بكى الولد الوحيد عليه لمّا
غدا يبكي على الولد الوحيد /
تقول له الحَليلة وهو ماشٍ / رويدك لا برِحت أخا انتعاش
فبعدكَ من يحصّل لي معاشي / فقال ودمعه بادي الرَشاش
وَكَلْتكم إلى الرَبّ الوَدود /
عساكر قد قضوْا عُرياً وجوعا / بحيث الأرض تبتلع الجُموعا
إلى أن صار أغناهم رُبوعا / لفَرط الجوع مُرتضياً قَنوعا
بقِدٍّ لو أصاب من الجلود /
هناك قضَوْا وما فتحوا بلادا / هناك بأسرهم نفدوا نفادا
هناك بحَيْرةٍ عَدِموا الرشادا / هناك لرَوْعهم فقَدوا الرُقادا
هناك عَرْوا هناك من البُرُود /
أناديهم ولي شَجَن مَهِيج / وأذكرهم فينبعث النشيج
ودمع محاجري بدمٍ مزيج / ألا يا هالكين لكم أجيج
ذَكَا بحشايَ محتَدِمَ الوُقود /
سكنّا من جهالتنا بقاعا / يَجور بها المُؤَمَّر ما استطاعا
فكِدنا أن نموت بها ارتياعا / وهَبْنا أمةً هلكت ضَياعا
تَوَلّى أمرها عبد الحميد /
أيا حريّة الصحف ارحمينا / فإنا لم نزل لكِ عاشقينا
متى تَصِلين كيما تُطلِقينا / عِدِينا في وصالك وَامْطلِينا
فإنّا منكِ نقنع بالوُعود /
فأنتِ الرُوح تَشِفين الجُروحا / يُخَرِّج فَقْدُك البلد الفَسيحا
وليس لبلدة لم تَحْوِ روحا / وأن حَوَت القصور أو الصروحا
حياةٌ تُستَفاد لمُستَفِيد /
أقول وليس بعض القول جدّاً / لسلان تَجَبَّر واستبدّا
تَعَدّىَ في الأمور وما استعدا / ألا يا أيها الملك المُفَدّى
ومَن لولاه لم ثَك في الوجود /
أنِمْ عن أن تَسُوسن الملك طَرفا / أقِمْ ما تشتهي زمراً وعَزفا
أطلِ نُكْر الرَعية خَلِّ عُرفا / سُمِ البُلدان مهما شئت خَسفا
وأرسلَ من تشاء إلى اللُحُود /
فدتْك الناس من ملك مُطاع / أبِن ما شئت من طُرُقِ ابتداع
ولا تَخشَ الإله ولا تُراع / فهل هذي البلاد سوى ضِياع
ملكت أو العبادُ سوى عبيد /
تَنَعّم في قُصورك غير دارِ / أعاش الناس أن هم في بَوار
فإنّك لم تُطالبَ باعتذار / وهَبْ أن الممالك في دَمار
اليس بناء يِلدِزَ بالمَشيِد /
جميع ملوك هذي الأرض فُلْك / وأنت البحر فيك نَدىّ وهُلْك
فأنّى يبلغوك وذاك إفْك / لئن وَهَبُوا النقود فأنت مَلْك
وَهوب للبلاد وللنقود /
لهذا اليوم في التأريخ ذكر
لهذا اليوم في التأريخ ذكر / به الآناف يفغمهنّ طيب
ويحسن في المسامع منه صوت / له تهتز بالطرب القلوب
ففي ذا اليوم نحن قدِ أحْتفَيْنا / بريحانيّنا وهو الأديب
فتىً كثُرت مناقبه فأضحى / له في كل مَكرُمة نصيب
نُجالس منه ذا خُلُق كريم / له بجليسه أثر عجيب
وأقسم لو يجالسه سفيهٌ / فواقاً لأغتدى وهو الأريب
كذاك يكون زهر الروض لمّا / تمرّ عليه ناسمةٌ تطيب
ولم يُنسب إلى الريحان إلاّ / وريحان الرياض له نسيب
له قلم به تحيا المعاني / كما يحيا من المطر الجديب
وتُشرق في سماء الشعر منه / كواكب ليس يدركها مغيب
لقد طارت بشهرته شَمال / كما طارت بشهرته جَنوب
وطبّق ِصيته الآفاق حتى / تعرفه القبائل والشعوب
فَدَيتك هل تُصيخُ فإن عندي / شَكاةً لا تصيخ لها الخطوب
إلى كم أستغيث ولا مغيث / وأدعو من أراه فلا يجيب
أقمت ببلدة مُلئت حُقوداً / عليّ فكل ما فيها مُريب
أمُرّ فتنظر الأبصار شَزراً / إليّ كأنما قد مرّ ذيب
وكم من أوجُه تُبدي ابتساماً / وفي طَيّ ابتسامتها قُطوب
سكنت الخان في بلدن كأني / أخو سفر تَقاذَفُه الدروب
وعشت معيشة الغرباء فيه / لأني اليوم في وطني غريب
وما هذا وأن آذى بدائي / ولا هو أمره أمرٌ عَصيب
ولكني أرى أبناء قومي / يدبّر أمرهم مَنِ لا يُصيب
يقدَّم فيهم الشِرّير دفعاً / لشِرَّته ويُحتقَر الأديب
فهذا الداء مُنتشِب بقلبيِ / وفي قلب العُلا منه وجيب
فكيف شفاؤه ومتى يُرجّى / وأين دواؤه ومَن الطبيب
وأن أكُ قد شكوت فما شَكاتي / إلى ذي خلّة شيء مَعيب
سأنصِب للهواجر حُرّ وجه / يعود إلى الشروق به الغروب
وأضرِب في البلاد بغير مكث / أجوب من المهامِهِ ما أجوب
إلى أن أستظلّ بظلّ قوم / حياة الحرّ عندهم تطيب
وإلاّ فالحياة أمَرّ شيء / وخير من مرارتها شَعوب
أ تونس أن في بغداد قوماً
أ تونس أن في بغداد قوماً / تَرِفّ قلوبهم لكِ بالوِداد
ويجمعهم وأياك انتساب / إلى مَنُ خصّ منطقهم بضاد
ودينٍ أوضحت للناس قبلاً / نواصع آيِهِ سبل الرشاد
فنحن على الحقيقة أهل قُربى / وأن قضت السياسة بالبِعاد
وما ضَرَّ البغاد إذا تدانت / أواصر من لسان وأعتقاد
وأن المسلمين على التَآخي / وأن أَغرىَ الأجانب بالتعادي
أ تونس أن مجدك ذو انتماء / إلى عُليا نِزار أو إياد
لنا بثعالبِيّك خير مُلقٍ / على أشتاتنا حبل اتّحاد
وأكبر حامل بيد اعتزام / لحُب بلاده عَلَم التَفادي
وأسمَى من سما أدباً وعلماً / وأفصح من تكلّم عن سَداد
دع القول المريب وقائليه / وسل عنه المنابر والنوادي
تَجِدْهُ خطيبها في كلّ خطبٍ / ومِدْرَهَها لدى كل احتشاد
فتى صَرُحت عزائمه وجَلَّت / عن الرَوَغان في طلب المُراد
تَغَرَّب ضارباً في الأرضَ يبغي / مَدىً من دونه خرط القتاد
فأوغل في المفاوُز والمَوامي / وطَوّف في الحواضر والبوادي
وكان طوافه شرقاً وغرباً / لغير تكسُّب وسوى ارتِفاد
ولكن ساح لأستِنهاض قوم / حكَوْا بجمودهم صفة الجماد
يغار على العُروبة أن يراها / مهدّدة المصالح بالفساد
فأنّى سار كان له هدير / يهُزّ دوِيّه أقصى البلاد
وكم قد قام في نادٍ خطيباً / بمُحكمة المقاصد والمبادي
تُنير بكهربائيّ المعاني / أموراً كنّ كالظُلَم الدَآدي
تحُلّ من القلوب إذا وَعَتْها / محلّ الحب من شَغَف الفؤاد
إلى أن جاء حاضِرة نماها / أبو الأمناء ذو الشرف التِلاد
فكان نُزوله في ساكنيها / نزول الماء في المُهَج الصوادي
فيا عبد العزيز أقِم عزيزاً / بحيث الأرض طيّبة المراد
يحيّيك العراق برافدَيه / تحية مخلص لك في الوِداد
يعيش الناس في حال أجتماع
يعيش الناس في حال أجتماع / فتحدُث بينهم طرق انتفاع
وتكثُر للتعاوُن والتفادي / على الأيام بينهم الدواعي
ولو ساروا على طرق انفراد / لما كانوا سوى هَمَجَ رعاع
رأيت الناس كالبنيان يسمو / بأحجار تُسَيَّع بالسِياع
فيُمسك بعضه بعضاً فيَقْوى / ويمنع جانبَيه من التداعي
كذاك الناس من عجم وعُرْب / جميعاً بين مَرعِيّ وراع
قد اشتبكت مصالحهم فكلٌ / لكلٍ في مجال العيش ساع
ولولا سعيُ بعضهم لبعض / لعاشوا عيش عادية السباع
إذا ربّ الحسام ثَناه عَجزٌ / تدارك عجزه رب اليراع
وأن قلم الأديب عراه زَيْغ / تلافي زيغه سيف الشجاع
وأن صَفِرت يدٌ من رَيْع زرع / أعيد ثراؤها بيدٍ صَناع
بذاك قضى اجتماع الناس لمّا / أن اعتصموا بحبل الاجتماع
يساند بعضهم في العيش بعضاً / مساندة ارتفاق وانتفاع
فتعلو في ديارهم المباني / وتُخصِب في بلادهم المراعي
وتستعلي الحياة بهم فتُمسي / من العيش الرغيد على يَفاع
وما مدينّة الأقوام إلاّ / تعاوُنهم على غُرّ المساعي
ولم يَصْلُح فساد الناس إلا / بمال من مكاسبهم مُشاع
تشاد به الملاجىء لليتامى / وتُمتار المطاعم للجياع
وتبنى للعلوم به مبان / تُفيض العلم مؤتلقَ الشعاع
وإلاّ فالشقاء لهم حليف / وما حمل الشقاء بمستطاع
ومما سرَّني أني أناجي / رجالاً في الفَخار ذوي ابتداع
سعَوْا لحماية الأطفال منّا / بما أُوتُوه من كرم الطباع
فقاموا بالذي يُعلي ويُسلي / يصونون الضعاف من الضَياع
وما هذي الحياة سوى صراعٍ / يتم بفوز مفتول الذراع
وما سادت شعوب الخلق إلاّ / بتهيئة البنين لذا الصراع
إذا لم يُعْن بالأطفال قوم / فهَضْبة مجدهم رهن انصداع
ولا تزكو المَناشىء في أناس / يرون الطفل من سَقَط المتاع
وما هاج العواطف في فؤادٍ / كحال الطفل في زمن الرَضاع
فشكراً للكرام وكلَّ شكر / لمن عضدوا الكرام بمَدِّ باع
أكبّ على الخِوان وكان خِفّا
أكبّ على الخِوان وكان خِفّا / فلمّا قام أثقله القيام
ووالَىِ بينها لُقماً ضِخاماً / فما مَرِئت له اللُقم الضخام
وعاجَل بلعَهنّ بغير مضغ / فهنّ بفيه وضع فالْتهام
فضاقّت بطنه ِشبعا وشالت / إلى أن كاد ينقطع الحزام
فأرسلت اللحاظ إليه شَزْراً / وقلت له روَيدك يا غلام
أرى اللقمات تأخذها حلالاً / فتدخل فاك وهي به حرام
قد انتضدت بجوفك مُفردات / تخلَّل بينها الداء العُقام
أتزدرد الطعام بغير مضغ / على أيام صحتك السلام
فلا تأكل طعامك بأزدراد / معاجلةً فيأكلَك الطعام
ألا أن الطعام دواء داء / به ابتُليَت من القِدم الأنام
فداوِ سَقام جُوعك عن كَفاف / فأكثار الدواء هو السَقام
وما أكل المطاعم لألتِذاذ / ولكن للحياة بها دوام
طعام الناس أعجب ما أحبّوا / فمنه حياتهم وبه الحِمام
يقودهم الزمان إلى المنايا / وما غير الطعام لهم ِزمام
وأعجب منه أن الناس راموا / تنَوُّعه ألا بئس المرام
إذا أستَعصى القَفار عليك أكلاً / كفاك من القَراح له أدام
حَذارِ حذار من جَشَع فإني / رأيت الناس أجْشعها اللئام
وأغبى العالمين فتىً أكول / لفِطنَتِه ببِطنَتِه انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري / لصمت فكان دَيدَنيَ الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم / تكاثر في فُطورهم الطعام
إذا رمضان جاءهم أعَدُّوا / مَطاعم ليس يُدركها انهضام
فإن وضح النهار طَوَوا ِجياعاً / وقد نهِموا إذا اختلط الظلام
وقالوا يا نهار لئن تُجِعنا / فإن الليل منك لنا انتقام
وناموا مُتْخَمين على امتلاء / وقد يتجَشّؤُون وهم نيام
فقل للصائمين أداء فرض / ألا ما هكذا فُرض الصيام
أرى بغداد من بعد أغبرار
أرى بغداد من بعد أغبرار / زهت بقدوم شاعرها الزهاوي
زهت بكبيرها أدباً وعلماً / زهت بطبيب علّتها المداوي
وكادت مصر تسبقها فَخاراً / به لو ظلّ وهو هناك ثاو
ولكن عاد مُحتَقباً إليها / فَخار الأرض والشرف السماوي
فأهلاً بالحكيم وألف أهل / بمَن لازال مُرشِد كل غاو
وما الآداب في بغداد لولا / يراع جميلها إلاّ دعاو
إذا ما قال في بغداد شعراً / رواه له بأقصى الأرض راو
تفرَّد في بديع الشعر معنىً / فجَلّ عن المُعادل والمُساوي
أُعيذك يا جميل الشعر مِن أن / يسوءك نقد أرباب المَساوي
يداوون السقيم من المعاني / بفَهم كان أجدرَ بالتداوي
ألا لا تعجبَنّ وهم ذئاب / إذا هم أفزعوك بصوت عاو
لقد نقدوا قريضك نقد أعمى / يدُلّ على الضغائن في المطاوي
فأحم لهم حديد الشعر حتى / تُذيق نفوسهم حرّ المكاوي
فهم قوم يرون الحِلم عَجْزاً / إذا ما ناوءوك ولم تناو
ولا تضربهم أن شئت إلاّ / بضِغْث من نبات الشعر ذاو
فهل مثل الذباب يطير ذُعْراً / بهزّ مِذَبّة وهُوِىّ هاو
وليسوا مُحوِجيك إلى مُعين / وهم ما بين مهزول وضاو
فنَفْخ منك يجعلهم هباءً / ويُسقِطهم إلى سُفلى المهاوي
وما أحتاج القويّ إلى مُعين / إذا كان الضعيف هو المُقاوي
هي الأخلاق تنبت كالنبات
هي الأخلاق تنبت كالنبات / إذا ُسقِيَت بماء المكرُمات
تقوم إذا تعهّدها المُرَبّي / على ساق الفضيلة مثمرات
وتسمو للمكارم باتِّساق / كما اتّسقت أنابيب القناة
وتُنعش من صميم المجد روحاً / بأزهار لها ُمتَضوِّعات
ولم أر للخلائق من مَحَلّ / يهذّ بها كحِضن الأمهات
فحضن الأم مدرسة تسامت / بتربية البنين أو البنات
وأخلاق الوليد تُقاس حسناً / بأخلاق النساء الوالدات
وليس ربيب عالية المَزايا / كمثل ربيب سافلة الصفات
وليس النبت ينبُت في ِجنان / كمثل النبت ينبت في الفلاة
فيا صدر الفتاة رحُبت صدراً / فأنت مقرّ أسنى العاطفات
نراك إذا ضممت الطفل لوحاً / يفوق جميع ألواح الحياة
إذا أستند الوليد عليك لاحت / تصاوير الحَنان مصوَّرات
لأخلاق الوليد بك أنعكاس / كما انعكس الخيال على المرآة
وما ضَرَ بان قلبكَ غير درس / لتلقين الخصال الفاضلات
فأول درس تهذيب السجايا / يكون عليك يا صدر الفتاة
فكيف نظُنّ بالأبناء خيراً / إذا نشؤوا بحِضن الجاهلات
وهل ُيرجى لأطفال كمالٌ / إذا أرتضعوا ثُدِيّ الناقصات
فما للأمهات جهِلْن حتى / أتَيْن بكلّ طَيّاش الحصاة
حَنَوْن على الرضيع بغير علم / فضاع حُنُوّ تلك المرضعات
أؤم المؤمنين إليك نشكو / مصيبتنا بجهل المؤمنات
فتلك مصيبة يا أم منها / نكاد نغص بالماء الفرات
تخذنا بعدك العادات ديناً / فأشقى المسلمون المسلمات
فقد سلكوا بهنّ سبيل خُسْر / وصدّوهنّ عن سُبُل الحياة
بحيث لزِمن قعر البيت حتى / نزلْنَ به بمنزلة الأداة
وعَدُّوهنّ أضعف من ذباب / بلا جنح وأهون من َشذاة
وقالوا شرعة الإسلام تقضي / بنفضيل الذين على اللواتي
وقالوا أن معنى العلم شيءٌ / تضيق به صدور الغانيات
وقالوا الجاهلات أعفّ نفساً / عن الفحشا من المتعلّمات
لقد كذَبوا على الأسلام كذباً / تزول الشُمّ منه مُزَلزَلات
أليس العلم في الأسلام فرضاً / على أبنائه وعلى البنات
وكانت اُمّنا في العلم بحراً / تَحُلّ لسائليها المُشكلات
وعلّمها النبيّ أجلّ علم / فكانت من أجلّ العالمات
لذا قال أرجعوا أبداً إليها / بثُلثَيْ دينكم ذي البيّنات
وكان العلم تلقيناً فأمسى / يُحَصَّل بانتياب المدرسات
وبالتقرير من كتب ضخام / وبالقلم المُمَدّ من الدواة
ألم نرَ في الحسان الغيد قبلاً / أوانس كاتبات شاعرات
وقد كانت نساء القومِ قدماً / يَرُحن إلى الحروب مع الغُزاة
يكنّ لهم على الأعداء عَوْناً / ويَضمِدن الجروح الداميات
وكم منهنّ من اُسرت وذاقت / عذاب الهُون في أسر العداة
فماذا اليومَ ضَرَّ لو التفتنا / إلى أسلافنا بعضَ الْتِفات
فهم ساروا بنهج هدىً وسِرنا / بمنهاج التفرُّق والشَتات
نرى جهل الفتاة لها َعفافاً / كأن الجهل ِحصنٌ للفتاة
ونحتقر الحلائل لا لجُرمٍ / فنُؤذيهنّ أنواع الأذاة
ونُلزِمهنّ قعر البيت قهراً / ونحسبهنّ فيه من الهَنات
لئن وَأدوا البنات فقد قَبَرنا / جميع نسائنا قبل الممات
حجبناهنّ عن طلب المعالي / فعِشن بجهلهنّ مهتّكات
ولو عَدِمت طباع القوم ُلؤماً / لما غدت النساء محجّبات
وتهذيب الرجال أجَلّ شرط / لجعل نسائهم متهذّبات
وما ضرّ العفيفةَ كشفُ وجهٍ / بدا بين الأعفّاء الاُباة
فدىً لخلائق الأعراب نفسي / وأن وُصِفوا لدينا بالجُفاة
فَكم برزت بحَيّهم الغواني / حواسر غير ما متريّبات
وكم خشف بمربعهم وظبيٍ / يمرّ مع الجدَاية والمهاة
ولولا الجهل ثَمّ لقلت مَرْحى / لمن ألِفوا البداوة في الفلاة

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025