القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي الجارم الكل
المجموع : 7
لَبِسْتُ الآنَ قُبَّعَةً بَعيداً
لَبِسْتُ الآنَ قُبَّعَةً بَعيداً / عن الأوطانِ مُعتادَ الشُّجونِ
فإنْ هِيَ غَيَّرَتْ شكلي فإنِّي / متى أضع العِمامةَ تعرفوني
أقاموا بعضَ يومٍ فاستقلّوا
أقاموا بعضَ يومٍ فاستقلّوا / فطار القلبُ يخفِقُ حيثُ حلّوا
مضت بهمُ النجائبُ مُصْعِداتٍ / تَمَلُّ بها الطريقُ ولا تَمَلُّ
زواملُ لم يوِّقْهُنّ ليلٌ / ولم يُثْقِلْ كواهلَهُنّ حِمْل
رآها آدمٌ وَعَدَتْ بنُوحٍ / وولَّى بعدَها نَسْلٌ ونسل
يسايرهُنَّ أنَّى سِرْنَ بَيْنٌ / ويتبعهُنّ حيثُ ذهبنَ ثُكْل
هَوَتْ أُمُّ الركائب كيف سارت / وهل تدري الركائبُ من تُقِلّ
أسائلها وقد شطّتْ وقوفاً / وأيْنَ من الوقوفِ المُشْمَعِلُّ
طفِقْتُ أمدُّ نحوَ الركبِ طَرْفي / فَغَصَّ الطرفَ كُثْبانٌ ورمل
وقمتُ أُطِلُّ من شَرَفٍ عليهم / فخانتني الدمُوعُ فما أُطلّ
وناديتُ الحبيبَ فعاد صوتي / وفي نَبَراتِه هَلَعٌ وخَبْلُ
أصاخ له من الصحْراء نَجْدٌ / فردّده من الصحراءِ سهل
إذا بدت الغزالةُ ثم غارت / علِمنا أن هذا العيشَ ظِلّ
هي الدنيا فليس لها ذِمامٌ / وليس لها على الأيام خِلّ
إذا أعطت فقد أعطت قليلاً / ولا يبقَى القليلُ ولا الأقلّ
تدورُ فبيْنَ شيخٍ أسكتته / مَنيَّتهُ وطفلٍ يَسْتهِلُّ
لها نَهَلٌ من الأممِ المواضي / ومما تَنْسُلُ الأيامُ عَلّ
نعودُ إلى الترابِ كما بدأنا / فكُلُّ حياتِنا نَقْضٌ وغَزْل
رأيتُ لكلِّ مشكلةٍ حُلولاً / ومشكلةُ المنيَّةِ لا تُحلّ
إذا كان الفَناءُ إلى بقاءٍ / فأنجَعُ ما يُصِحُّك ما يُعِلّ
بنفسي في الثرى غصناً رطيباً / يرِفُّ من الشبابِ ويَخضَئل
تضاحكُه لدى الإصباحِ شمسٌ / ويلثِمه لدى الإمساءِ طَلّ
كأنّ حَفيفَه نَضْراً وريقاً / بسمعي حَلْيُ غانيةِ يصِلُ
يميلُ به النسيمُ كأنّ أُماً / يميلُ بصدرِها الخفّاقِ طفلُ
إذا اشتبهت غُصُونُ الروضِ شَكْلاً / فليس لقدِّه في الحسنِ شكلُ
ضَنْتُ به وجُدتُ له بنفسي / وإنّ الحبَّ تبذيرٌ وبُخل
وكنتُ أشَمُّ ريحَ الخُلْدِ منه / وأهنأ في ذَراه وأستظِل
وقلتُ لَعلّه يبقَى ورائي / بدَوْحَتِه فما نفعت لَعلّ
فَسَلْ عنه العواصفَ أيُّ نَوْءٍ / أطاح به وأيَّ ثَرَى يحُلّ
نأَى عنّي وخلّف لي فؤاداً / يذوبُ أسىً عليه ويضمحلُ
يُبلُّ على التداوي كلُّ جُرْحٍ / وجُرْحُ القلبِ دامٍ لا يُبِلّ
أشرتم بالرثاءِ فهجتموني / وتعذيبُ الذبيحةِ لا يحِلُّ
فضلّ الشعرُ في وادي الثُكالَى / وكان إذا تحفّز لا يضِلّ
خذوا مني الرثاءَ دموعَ عينٍ / تَكِلُّ المُعْصِراتُ ولا تكِلّ
وآلامَ الجريح أطلّ نَبْلٌ / يزاحم جانبيْه وغار نَبل
وشعراً يُلهبُ الأشجانَ جَزْلاً / كما أذكَى لهيبَ النارِ جَزْل
فليس به مع الأنّاتِ خَبْنٌ / وليس به مع الزفَرات خَبْلُ
له نَغَمٌ يعِزُّ عليه مِثْلٌ / على ماضٍ يَعِزُّ عليه مثلُ
لعلّ به لمن فُجعوا عزاءً / فإنّ جميعَنا في الحزنِ أهل
فقد يشفى بكاءٌ من بكاءٍ / كما يشفى أليمَ الْجُرْحِ نَصْلُ
بكى خيرُ البريةِ خيرَ طفلٍ / ودمعُ العينِ في الأحداثِ نُبل
مضى النجارُ والعلياء حِصءنٌ / عليه بعده بابٌ وقُفْل
به جمع الحجا للعلمِ شَمْلاً / فبُدِّد بعده للعلم شمل
له حججٌ يسميها كلاماً / وما هي غيرُ أسيافٍ تُسَلّ
إذا فاضت ينابعُه خطيباً / علمتَ بأن ماءَ البحرِ ضَحْل
يذِلُّ له شَموسُ القوْلِ طوْعاً / ويستخذِي له المعنى المُدِلّ
بيانٌ مشرقُ اللمحاتِ زاهٍ / وقولٌ صادقُ النّبَراتِ فَصْل
وآياتٌ تَرى فيها ابنَ بحرٍ / يصولُ كما يشاءُ ويستدلُّ
يفُلُّ شَبا الخصومة كيف كانت / برأيٍ كالمهنّدِ لا يُفَلّ
فذاك الفضلُ جلّ اللّهُ ربّي / فليس يُحَدُّ للرحمنِ فضل
رأيتكَ والردَى يدنو رويْداً / إليكَ كما دنا للفتك صِلُّ
فوجهُك ذابلٌ والصمتُ هَمْسٌ / ومشيُك واهنُ الْخطَواتِ دَأْل
تجرُّ وراءكَ السبعين عاماً / وللسبعينَ أَرْزاءٌ وثِقْل
مشيتَ كأَنّ رِجْلاً في بساطي / تسيرُ بها وفوق القبرِ رِجْل
أتيتَ تزورني فهُرِعْتُ أسعَى / إليكَ ودمعُ عيني يستَهل
وكان عِناقُنا لمّا افترقنا / وَثَاقاً للمودّةِ لا يُحَلُّ
ذممتَ لِيَ المشيبَ وفيه حَزْمٌ / وأطريتَ الشبابَ وفيه جهل
وأين الْحَزْمُ ويْحَكَ يا ابنَ أُمِّي / إِذا ما خانني جسمٌ وعقل
أتذكرُ إذ تَمازَحْنَا لتنسَى / وقد أدركتَ أنَّ المزحَ خَتْل
إذا أَمَلَ الفتَى فالهزلُ جِدُّ / وإن يئِسَ الفتَى فالْجِدُّ هزل
فديتك هل إلى الأخرَى بَريدٌ / وهل لتزاورِ الأرواحِ سُبْل
وهل يبقَى الفتَى بعد المنايا / له بالأهلِ والإخوانِ شُغْل
وهل تصِلُ الدُّموعُ إلى حبيبٍ / ويعلَمُ حُرْقَةَ الأشجانِ نَجْل
وهل لي بينَ من أهوَى مكانٌ / إِذا قَوضْتُ رحلي أو مَحَلُّ
وهل في ساحةِ الجنّاتِ نهرٌ / يزول بمائهِ حِقْد وغِلّ
وهل إن ساءل الأحياءُ قبراً / يُجابُ لصيحةِ الأحياءِ سُؤْل
لقد جلّ المصابُ وجلّ صبري / عليكَ وأَنت من صبري أجَلّ
فقم واخطب بحفِلك كم تَغَنّى / وهام بصوتكَ الرنّانِ حَفْلُ
وذكّرْنا اليقينَ فكم عقولٍ / تكادُ عليك من شَجَنِ تَزِلّ
وقل إنّ الفناءَ إلى خلودٍ / وإنَّ زخارفَ الأيامِ بُطْل
وإنّ الموتَ إطلاقٌ لروحٍ / معذَّبةٍ وإنَّ العيشَ غُلّ
شبابُ المسلمين بكلِّ أرضٍ / عليكَ ثناؤهم فرضٌ ونَفْلُ
أخذتَ عليهِمُ للحقِّ عهداً / فوَفَّوْا بالعهودِ وما أخلّوا
شبابٌ إن دعا القرآنُ شُمْسٌ / وإن تستصرِخ النّجَداتُ بُسْل
بنو العرب الذين عَلَوْا وسادوا / سما فرعٌ لهم واعتزَّ أصل
فنم ملءَ الجفونِ أبا صلاحٍ / ففي الجناتِ للأبرارِ نُزْل
يطوفُ بقبرِك الزاكي سلامٌ / وينضَحُه من الرَّحَماتِ وَبْل
وهاك رثاءَ محزونٍ مُقِلٍ / وما أوْفَى إذَا بذلَ المُقِلّ
نظمتُ لآلىءَ الفِرْدوسِ عِقدا
نظمتُ لآلىءَ الفِرْدوسِ عِقدا / ومن ذهب الأصيلِ وشيْتُ بُرْدا
وسار مع النسيم نسيمُ شعري / فكان أرقَّ أذيالاً وأندَى
غلائلُه ترِفُّ بكلِّ أرضٍ / فتنشرُ حوله مسكاً ونَدّا
تلقاه الخمائلُ ضاحكاتٍ / تهزّ معاطفاً وتمُدّ خَدّا
ويرقُمُ في الغديرِ سطورَ وَحْيٍ / وعاها الطيرُ حين شدا فأشْدى
وكم همست بِمسمعه غصونٌ / فردَّد همسَها وَلَهاً ووجدا
إذا ما الشعرُ كان شعاعَ نورٍ / أعار الشمسَ إشراقاً وخُلْدا
يشيبُ فيستردّ صباه غضا / وما أحلى الشبابَ المستَردَّا
طوَى الدنيا فليس الوعرُ وعراً / لوثبته وليس النجدُ نجدا
إذا كفُّ الزمانِ رمت رماها / وإن جدّت به الأحداثُ جدّا
وإن بسمت له الدنيا سمِعنا / نشيداً يملأ الأطيارَ حِقدا
تمنّت أن يكونَ لها صداه / فصعّر خدَّه ونأَى وصدَّا
وأين لمثلها وترٌ مُرِنٌّ / من الإلهامِ إحكاماً وشَدَّا
يغرِّدُ للخلودِ بكل أُفْقٍ / وما عرفتْ له الآفاقُ حدّا
لمستُ جَناحَه رفقاً فوافَى / وأغريتُ الوِدادَ به فودّا
له حَبُّ القلوبِ فليس يطوَى / وماءُ المقلتين فليس يصدى
أداعبُه فيصدَحُ عبقريا / فتمتدّ الرقابُ إليه مدا
ضننتُ به فلم يهتِف بعمرٍو / ولم تستهوهِ بَسَماتُ سُعدَى
وصنتُ لهاتَه عن كل لغوٍ / له خدّ الفتى العربي يندَى
تلثّم بالإباءِ فعاش حرّا / ولو عرف الرياءَ لمات عبدا
يهزّ حميَّةَ الفتيان نصلاً / ويحشُدُ رابضَ العزمات جُندا
ويُشعِلُ في القلوبِ وميضَ نارٍ / كنيرانِ الكليمِ هدىً ورشدا
ويشدو بالمروءة إن تراءت / وبالصنع الجميل إذا تبدّى
تلفّت حوله فرأى عليّا / ولم يبصر له في الطب نِدَّا
حوى هِمَمَ الرجال فكان جَمْعاً / وأُفرِد بالنبوغ فكان فَرْدا
عزيمته ترد الغِمدَ سيفاً / وحكمتهُ تردُّ السيفَ غمدا
يُحَبُّ دَماثةً ويُهاب خوفاً / كغَمْرِ السيلِ خيف وطاب وِرْدا
وفاء لو تَقَسَّم في الليالي / لما نقضت لراجيهِن عهدا
وعلمٌ يملأ الآفاقَ نوراً / وذِكْرٌ يملأ الأيامَ حمدا
وصولة حازم ما حاد يوْماً / عن القصد السويِّ ولا استبدا
وفكرٌ يلمَحُ الأقدارَ حتى / يكاد يردُّها للغيْبِ رَدّا
ووجهٌ مشرقُ القَسَماتِ سَمْحٌ / يَفيضُ بشاشةً ويلوحُ سعدا
رآه الصبحُ منه فزاد حسناً / وغار البدرُ منه فزاد سُهدا
دنا كالشمس حين دنت شعاعاً / وحلّق مثلَها في الأفق بُعدا
فلم نعرف له في الفضلِ قبْلاً / ولم نعرف له في النُبْل بَعْدا
فتى مصرٍ وهل تلقى بمصرٍ / فتى أمضى وأورى منه زَنْدا
تدارك مصرَ والميكروبُ يطغَى / وينفثُ سُمَّه ويؤُدُّ أدا
طوىَ آجالَ أهليها هَباءً / وبدّد نسلَها فتكاً ووَأْدا
فشدّ عليه مقداماً جريئاً / كما هيّجتَ يوم الرَوْع أسدا
تحدّاه وصال ولو سواه / أراد لما استطاع ولا تحدّى
فطهّر أرضها وحمى حِماها / وصان شبابَها وهدى وأهدَى
تطيرُ بها البعوضةُ وهي تدري / بأنّ وراءَها للموْتِ حَشْدا
ويمشي القَمْل والدي دي رَصيدٌ / يُصوِّبُ خلفه السهمَ الأسدّا
وما طَنُّ الذبابِ سوى نُواحٍ / وقد حصدته أيدي العلم حصدا
إذا الحشراتُ في مصرٍ تصدّت / مُناجِزةً فأنت لها تصدَّى
أننسى الجامبيا والموتُ فيها / يزمجرُ والقلوبُ تذوب كَمْدا
وكاد اليأسُ يُوهِنُ كلَّ عزمٍ / ومصرُ تصارعُ الخصمَ الألدّا
فخضتَ غِمارَها صَمداً هماماً / ورُعت بها جيوش الموت جَلْدا
وأنقذتَ الكِنانة من فناءٍ / وكنتَ لقومك الركنَ الأشدّا
نُحيِّي المرء إن نجىّ حياةً / فكيف إذا نجا الوطنُ المفدَّى
فعش للطبِّ والفُصحى إماماً / وكن لكليهما عَضُداً وزَندا
مدحتُك كي أُشيدَ بمجد مصرٍ / وأرسُمَ للشبابِ النهجَ قَصْدا
وليس ينالُ شَأْوَك وصفُ شعري / ولو أفنيتُ عمر الشعر كدّا
ومن أحصَى مآثرك الغوالي / فقد أحصى نجومَ الليل عدّا
ظَنَتْتَ الدمْعَ يُسْعِدُ بالْعَزَاءِ
ظَنَتْتَ الدمْعَ يُسْعِدُ بالْعَزَاءِ / فَهَلْ أَجْدَى بُكَاؤُكَ أَوْ بُكَائي
وَقُلْتَ بِأَنَّةِ الْمَحْزُونِ أُشْفَى / فَأَحْوَجَكَ الشِّفاءُ إِلَى شِفَاءِ
وَمَنْ يَغْسِلْ بِأَدْمُعِهِ جَوَاهُ / أَرَادَ الْبُرْءَ مِنْ دَاءِ بِدَاءِ
بِنَفْسي الراحِلِينَ مَضَوْا سِرَاعاً / لِوَرْدِ الْمَوْتِ كَالْهِيمِ الظمَاءِ
تَوَلّى عَهْدُهُمْ وَبَقِيتُ وَحْدِي / أُقَلِّبُ طَرْفَ عَيْني في السَماء
رَثَيْتُهُمُ فَأَدْمَى الْحُزْنُ قَلْبِي / فَهَلْ نَدْبٌ يَخِفُّ إِلَى رِثائي
وَكَم حيٍ يَعيشُ بنَفْسِ مَيْتٍ / طَوَتْ آمالَها طَيَّ الردَاءِ
مضَتْ بِهِمُ النَّجَائِبُ مُصْعِدَاتٍ / وَللْبَاكِين رَنَّاتُ الْحُداءِ
تَجلَّوْا في النِّجَادِ ضُحَى صَبَاحٍ / وَغَابُوا في الوِهَادِ دُجَى مَساءِ
وَقَفْتُ أُزَوِّدُ النظَرَاتِ منْهُمْ / وَأُصْغِي لِلنوَادِبِ مِنْ وَرَائي
فَلَمْ أَرَ إِذْ نَظَرْتُ سِوَى جَلالٍ / يَهُولُ وَمَا لَمَسْتُ سِوَى هَبَاءِ
وَنَادَيْتُ الصحَابَ فَبَحَّ صَوْتِي / وَعَادَ إِلَيَّ مَكْدُوداً نِدائِي
تُفَرِّقُنَا الْحَياةُ فَإِنْ أَرَدْنَا / لِقَاءً لَمْ نَجدْ غَيْرَ الْفَنَاءِ
طَرِيقٌ عُبدَتْ مِنْ قَبْلِ نُوحٍ / ولم تُلْقَ التمائِمُ عَنْ ذُكَاءِ
بِهَا الأَضْدَادُ تُجْمَعُ في صَعِيدٍ / وَفِيهَا يَلْتَقِي دَانٍ بِنَاءِ
إِذَأ لَبِسَ الربيعَ شَبَابُ قَوْمٍ / فَأسْرَعُ مَا يُفَاجَأُ بِالشتَاءِ
وَكُلُّ نَضِيرَةٍ فَإِلَى ذُبُولٍ / وَكُلُّ مُضِيئَةٍ فَإِلى انْطِفَاءِ
وَهَلْ تَهْوِي ثِمَارُ الروْضِ إلاَّ / إِذَا أَدْرَكْنَ غَاياتِ النماءِ
أَيَا دَاوُدُ وَالذكْرَى بَقَاءٌ / ظَفِرْتَ بكُلِّ أَسْبَابِ الْبَقَاءِ
نَعَاكَ لِيَ النُعَاةُ فَقُلْتُ مَيْنٌ / وَكَمْ يَأْسٍ تشَبَّثَ بالرجَاءِ
نُمَارِي كُلَّمَا فَدَحَتْ خُطُوبٌ / فَتَرْتَاحُ النفُوسُ إِلَى الْمِرَاءِ
مَلَكْتَ يَرَاعَةً وَمَلَكْتَ قَلْباً / فَكَانَا سُلَّمَيْنِ إِلَى الْعَلاءِ
شَبَاةٌ شَقَّها الْبَارِي فَشَقَّتْ / طَرِيقاً لِلْمَجادَةِ والسراءِ
إِذَا ما أُشرِعَتْ في الْخَطِّ مالَتْ / رِماحَ الْخَطِّ مِيلَةَ الازْدِهاءِ
وَإنْ هِيَ جُرِّدَتْ لِمَضاءِ عَزْمٍ / تَوَارَى السَيْفُ مِنَ هَوْلِ الْمَضَاءِ
وَإنْ هِيَ لاَمَسَتْ يَدَهُ أَضَاءَتْ / فَهَلْ أَبْصَرْتَ فِعْلَ الْكَهْرَباءِ
كَأَنَّ لُعَابَهَا قِطْعُ اللَّيالِي / تَنَفَّسُ عن تَبَاشِيرِ الضيَاء
كَأَنَّ النِّقْسَ فَوْقَ الطْرسَ غَيْثٌ / أَعَارَ الأَرْضَ ثَوْباً مِنْ رُوَاءِ
بَيَانُكَ وَاضِحُ الْقَسَمَاتِ صَافٍ / يَكادُ يُشِعُّ مِنْ فَرْطِ الصفَاءِ
يَكادُ يَسِيلُ فِي الْقِرْطَاسِ لُطْفاً / فَتَحْبِسُهُ عَلاَمَةُ الانْتِهاءِ
بَيَانٌ لَوْ صَدَعْتَ بِهِ اللَّيَالِي / رَأَيْتَ الصبْحَ مِنْهَا في الْعِشَاءِ
لَهُ نُورٌ يَكادُ يَسِيرُ فِيهِ / رَهِينُ المَحْبِسَيِنْ بِلاَ عَنَاءِ
لَهُ النَّبَراتُ نَدْعُوهَا غِنَاءً / فَتَأْبَى أَنْ تُعَدَّ مِنَ الْغِنَاءِ
سُلاَفٌ تَنْهَلُ الأَرْوَاحُ مِنْهُ / وَتَحْمِلُهُ السُقَاةُ بِلاَ إِنَاءِ
وَرَوْضَاتٌ حَلَتْ في كُلِّ عَيْنٍ / وَأَغْرَتْ بِالأَزَاهِرِ كُلَّ رَائي
طَلَبْنَ إِلَى الْغَمامِ كِسَاءَ حُسْنٍ / فَكَلَّفَ قَطْرَهُ وَشْيَ الْكِسَاءِ
تُرِيكَ عَجَائِبَ الألْوَانِ شَتَّى / كَمَا عَكَسَتْ أَشِعَّتَهَا الْمَرَائي
أَوِ الْعَذْرَاءَ حِينَ رَأَتْ غَرِيباً / فَلَثَّمَتِ الْمَلاَحَةَ بِالْحَيَاءِ
بَنَي لُبْنَانَ خَطْبُكُمْ جَلِيلٌ / دَعُونا نَقْتَسِمْهُ عَلَى السَواءِ
مَضَى شَيْخُ الصحَافَةِ أَرْيَحيّاً / مُبِيد الْوَفْرِ جَمَّاعَ الثنَاءِ
خِلالٌ كُلُّهَا أَنْفَاسُ رَوْضٍ / وَنَفْسٌ كُلُّها قَطَرَاتُ مَاءِ
نُعَزِّي فِيهِ لُبْنَاناً وَنَبْكِي / فَمَنْ أَوْلَى وَأَجْدَرُ بِالْعَزَاءِ
مُصَابُكُمُ وَقَدْ أَدْمَى مُصَابِي / وَرُزْءُ الْعَبْقَرِيَّةِ وَالذكاءِ
لَهُ اهْتَزَّتْ بَوَاسِقُ نَخْلِ مِصْرٍ / وَهَالَ الأَرْزَ إِرْجَافُ الْفَضَاءِ
بَنِي الْقُطْرِ الشَقِيقِ لَنَا صِلاَتٌ / كَرِيمَاتٌ عُقِدْنَ عَلَى الْوَفَاءِ
بَنُو أَعْمَامِنَا أَنْتُمْ وَفِيكُمْ / حِفَاظٌ لِلْمَوَدَّةِ وَالإِخَاءِ
وَفِي الْفُصْحَى لَنَا نَسَبٌ كَرِيمٌ / كَقُرْصِ الشمْسِ شَمَّاخُ السنَاءِ
أَعَدْناهَا نِزَارِيةً عَرُوباً / لَها حُسْنُ الْتِفاتٍ وانْثِناءِ
إِذَا خَطَرتَ بِنَادِي الْقَوْمِ حَلُّوا / مِنَ الإِكْبَارِ مَعْقُودَ الْحُبَاءِ
تَجَاوَزْنَا بِهَا أَطْلاَلَ سُعْدَى / وبَدَّلْنَا الْمَقَاصِرَ بِالْخِبَاءِ
وَجِئْنَا بِالْعُجَابِ يُخَالُ سِحْراً / وَكُلُّ السحْرِ مِنْ أَلِفٍ وَباءِ
وَكانَتْ قَبْلَ نَهْضَتِنَا نُحَاساً / وَكُنَّا سَادَةً فِي الْكِيمِيَاءِ
قَضَى دَاوُدُ فَالأقْلاَمُ حسْرَى / نَوَاكِسُ خَاشِعاتٌ لِلْقَضَاءِ
هِيَ الأيَّامُ تَهْدِمُ ما بَنَتْهُ / فَماذَا يَبْتَغِينَ مِنَ الْبِنَاءِ
حَيَاةُ الْمَرْءِ في الدنْيَا هَبَاءٌ / وَآمَالُ الْمُؤَمِّلِ مِنْ هَوَاءِ
وَمَا لِلْجَازِعِينَ سِوَى اصْطِبَارٍ / وَمَا للسَّاخِطِينَ سِوى الرضَاءِ
محوتِ الليلَ ناصعةَ الْجَبينِ
محوتِ الليلَ ناصعةَ الْجَبينِ / فكنتِ بشائِرَ الصبحِ المبينِ
وأرسلتِ الصحائفُ منك نوراً / ففرَ الشكُ من وَضَحِ اليقين
وكان الحقُّ مذءوماً سجيناً / فحطَمتِ القيودَ عن السجين
وكنتِ صحيفةَ الأبرارِ حقَاً / تلقَّتكِ الكنانةُ باليمين
سوادُ مِدادك اللمَّاحِ سحرٌ / تمنَت مثْلَه سودُ العيون
أثيري التربَ عن حقٍ مُضاعٍ / فقد طال المُقامُ على الدفين
ومُدَي الصوتَ صخَاباً جريئاً / فمعنى الموتِ من معنى السكُون
وذودي عن حمَى الوطن المفدَى / وردَي حرمةَ الحقِّ المصون
وصولي صولةَ الرئبالِ يعدو / على من حام من حوْل العرين
فنحن الآنَ نحيا في زمانٍ / تنكَّر للضعيفِ المستكين
بَدَتْ أعلامُها فهفا وهامَا
بَدَتْ أعلامُها فهفا وهامَا / سلاماً دُرَّةَ الوادي سلاَمَا
بعثْنَا بالتحيَةِ خَفْق قلبٍ / يطيرُ إليكِ شوْقاً واضطراما
تحياتٌ إذا رفَّتْ أثارتْ / أريجَ المسكِ أو ريحَ الْخُزامى
نظمْنَا لؤلؤَ الفِرْدَوسِ فيها / وسمَيناه تضليلاً كلاما
عروسَ الشرقِ دونكِ كُلُّ مَهْرٍ / وأين لمِثل مهرِك أنْ يُساما
فجوهرُ ثغرِكِ الفتَانِ فَرْدٌ / تأبَّى أَنْ يرىَ فيه انقساما
بَهرْتِ بني الزمانِ حُلىً وحُسناً / ودلَّهتِ الأواخرَ والقدامَىَ
فمكُسكِ مُشْرِقُ البسماتِ ضاحٍ / ورملُكِ جنَةٌ طابت مُقامَا
ترامَى المْوجُ فوق ثَراه صَبَاً / وكم صَبٍّ تمنى لو تَرامى
ونزهتكِ البديعةُ ما أحيلى / وما أبهَى اتَساقاً وانسجاما
إذا انتثرتْ أزاهرُها نِثارا / جمعن الحسنَ فانتظم انتظاما
جرى التاريخُ بين يَدَيْكِ طفلاً / وشمس الأفقِ لم تَعْدُ الفِطاما
وصال البحرُ حولكِ منذُ مينا / عظيماً يدفَعُ الكُرَبَ العِظاما
يحوطُ حماكِ أبيضَ أَحْوَذيَاً / كما جرَدتِ من غمدٍ حُساما
فكم غازٍ به أمسى رميماً / وكم فُلْكٍ به أمست حُطَامَا
يمدُّ يَدَيه نحوكِ في حنانٍ / ويغمرُكِ اعتناقاً واستلاما
ويشدو في مسامعكِ الأغاني / بلحنٍ علَّم السجعَ الحَماما
بعثتِ النورَ من زمنٍ تولَّى / وكنتِ لنهضةِ العِلْمِ الدِعاما
وفي فجرِ الزمانِ طلعتِ فجراً / على الدنيا فأيقظتِ النِياما
دهتك نوازلٌ لو زُرْنَ رَضْوَى / لما أبقَيْنَ رَضْوَى أو شمامَا
فكم بعثوا عَلَى ظَمأٍ غَماماً / لئيمَ البرقِ قد حَجب الغماما
أبابيلاً نشأنَ مُلَعَّناتٍ / تسوقُ أمامها الموتَ الزُؤاما
وأسراب الجحيمِ مُحلِّقاتٍ / إذا ما حوَمتْ قذفتْ ضِرامَا
فلا أمَاً تركن ولا رضيعاً / ولا شيخاً رحِمْن ولا غلاما
وخلفَكِ رابضاً جيشٌ لُهامٌ / يصولُ مُناجزاً جيشاً لُهَاما
إلى العلمين أبدَى ناجذَيْه / وزمجَرَ غاضباً وسطا وحاما
وهوَّل ما يهوِّلُ واستطارت / بُروقٌ تنشُرُ النبأَ الجُسَاما
فما أطلقتِ صيحةَ مُستجيرٍ / ولا شرَدْتِ عن عينٍ مناما
تحدَيتِ الخطوبَ تزيدُ هَوْلاً / فتزدادين صبراً واعتِزاما
إذا عصفتْ بجْوِّكِ عابساتٍ / ملأتِ الجوَّ هُزْءاً وابتساما
عمودُكِ في سمائِكِ مُشْمخرٌّ / عليه السحْبُ ترتطمُ ارتطَامَا
وحصنُكِ لا يلينُ له حديدُ / ولو شُهُبُ الدُجَى كانت سهاما
وصخرُكِ لا يزال اليومَ صخراً / يفُلُّ عزائماً ويشقُّ هَاما
أتَوْكِ مُناجزين أسودَ غابٍ / وشالوا بعد نكبتهم نَعاما
ومن يكن الإلهُ له نصيراً / فحاشا أن يُضَيَعَ أو يُضاما
أحقاً أنَ ليلكِ صار ليلاً / وَمغْنَى اللهوِ قد أمسى ظلاما
وأنَ حِدادَ ليلِكِ طرَزتْه / دُموعٌ للثواكِل واليتامى
وأنَ ملاعباً ضحِكَتْ زماناً / غدت بيد البِلَى طلَلاً رُكَاما
وأنَ الغيدَ فيكِ وكنَ زَهْراً / تحَيرن الْخُدورَ لها كِمَامَا
وأنَ البحرَ لم ينعَمْ بوجهٍ / صَباحيٍّ ولم يهصِرْ قَواما
ولم تَمشِ السواحرُ فيه صُبْحاً / ولم تملأ شواطئَه غراما
حَناناً إنها شِيَمُ الليَالي / إذا كشَفْن عن غَدْرٍ لِثاما
ولولا صَوْلةُ الأحداثِ فينا / لما عرَف الورَى حمداً وذاما
وقد يُخفي الهلالَ مِحاق ليْلٍ / ليظهرَ بعده بدراً تمامَا
أبنتَ البحرِ والذكرَى شُجونٌ / إذا لمستْ فؤاداً مُستهاما
ذكرتُ صِبايَ فيكِ وأين منَي / صباي إلامَ أنشُدُه إلاما
فعذراً إن وصلتُكِ بعد هجرٍ / وما هَجَر الذي حفِظ الذِمَامَا
فهل تَدْرِي النوَى أنَا التقيْنا / كما ضمَ الهوى قُبلاً تُؤَاما
وأنَا بين عَتْبٍ واشتياقٍ / نناغي الحبَ رشْفاً والتزاما
سعَى لكِ من حُماةِ الطبِ حَشْدٌ / فكنتِ كريمةً لاقتْ كِراما
إذا اختلفوا لوجهِ الحقِّ يوماً / مشَوْا للحقِ فالتأموا التئاما
ملائكةٌ إذا لَمَسوا عليلاً / أزاحا الداءَ واستلُّوا السَقَاما
وجندٌ في شجاعتِهم حياةٌ / إذا جلَب الجنودُ بها الحِماما
فكم أودَى بهم داءٌ عُقامٌ / إذا ما حاربوا داءً عُقاما
أمَاماً يا رجالَ الطبِّ سيروا / فإنَ لكلِّ مَرْحَلةٍ أمامَا
أقمتم مِهْرجانَ الطبِّ يحُيي / مَعالمَ دَرْسِه عاماً فعاما
وطفتم حوْلَ شيخٍ عبقريٍّ / فألقيتم بكفْيِّهِ الزِماما
دعوناه أبا حسنٍ عليَاً / فقلتم نحن ندعوه الإماما
وفودَ العُربِ غنَاكم قريضي / وحنَ إلى معاهدكم وهاما
رمَى الشرقُ الغمامةَ بعد لأيٍ / وألقى تحت رجْلَيْه الخِطاما
عقدنا للعرُوبةِ فيه عهداً / فلا وَهْناً نخافُ ولا انفصاما
تَلُمُّ شتاتَنا أَنَّى نزلنا / حِجازاً أو عِراقاً أو شَآما
ونمشي إن دعتْ صَفَاً فصفَاً / نصافحُ تحتَ رايتِها الوِئاما
لنا شيْخٌ تولّى أطْيَباه
لنا شيْخٌ تولّى أطْيَباه / يهيمُ بحُبِّ ربّات القدودِ
يغازِلُ إذْ يغازِلُ من قيامٍ / وإن صلَّى يُصَِّي من قُعودِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025