القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 72
أَدأبُكَ أن تُريدَ المستحيلا
أَدأبُكَ أن تُريدَ المستحيلا / تأمّلْ أيها المولى قليلا
لبثتَ تُعالج الداءَ الدخيلا / وتُضمِرُ في جوانحك الغليلا
وما يُجديك لاعجهُ فتيلا /
أما تنفكُّ تذكر يومَ بدر / وما عانيت من قتلٍ وأسرِ
وَراءَك إنّها الأقدارُ تجري / بنصرٍ للنبيّ وراءَ نصرِ
وكان الله بالحسنى كفيلا /
أبا سُفيانَ دّعْ صفوانَ يبكي / وعكرمةً يُطيل من التشكّي
وقلْ للقومِ في بِرِّ ونُسكِ / نَهيتُ النفسَ عن كفرٍ وشركِ
وآثرتُ المحجّةَ والسبيلا /
أراك أطعتَهم وأبيتَ إلّا / سبيلَ السُّوءِ تسلكه مُدِلّا
تريدُ مُحمداً وأراه بَسْلا / رُويدك يا أبا سفيان هلّا
أردت لقومك الحَسَن الجميلا /
قُريشٌ لم تزل صَرْعَى هواها / وعِيرُ الشؤمِ لم تَحلل عُراها
أجِلْ عينيك وانظر ما عساها / تسوقُ من الجنودِ إلى وغاها
فقد حَملتْ لكم أسفاً طويلا /
دعا صفوانُ شاعِرَه فلبَّى / وكان يسومه شَططاً فيأبى
أحلَّ له الهجاءَ وكان خِبَّا / أحبَّ من الخيانةِ ما أحبّا
يُريدُ العَيشَ مُحتقَراً ذليلا /
يذمُّ محمداً ويقول نُكْرا / ولولا لؤمه لم يَألُ شكرا
تغمَّد حقَه وجزاه شَرّا / وأمسى عهدهُ كذباً وغدرا
وإنّ له لمنقلباً وبيلا /
ألم يَمنُنْ عليه إذ الأُسارى / تكاد نفوسُها تهوِي حذارا
تطوفُ به مُولَّهةً حيارى / تَودُّ لو اَنّها ملكت فرارا
وهل يُعطَى عدوُّ اللهِ سُولا /
جُبَيْرُ أكان عمُّك حين أودى / كعمّ محمدٍ شرفاً ومجدا
أحمزةُ أم طعيمةُ كان أهدى / رُويدك يا جبير أتيت إدّا
وإنّ قضاءَ ربّكِ لن يحولا /
أراد فما لِوَحْشِيٍّ مَحيدُ / ولا لك مصرفٌ عما يُريدُ
أليس لِحمزةَ البأسُ الشديدُ / فما يُغني فتاك وما يُفيدُ
تباركَ ربُّنا رباً جليلا /
تَولَّوْا بالكتائبِ والسَّرايا / وساروا بالحرائرِ والبغايا
منايا قومهم جَلبتْ منايا / فسيري في سبيلك يا مطايا
ولا تَدَعِي الرسيمَ ولا الذّميلا /
ويا خَيلُ اركضي بالقوم ركضا / وجوبي للوغى أرضاً فأرضا
لعلّ الناقمَ الموتورَ يرضى / نَشدتُكِ فانفضي البيداءَ نفضا
وَوالي في جوانبها الصّهيلا /
ويا هندُ اندبي القتلى ونوحي / وزيدي ما بقومِكِ من جُروحِ
وراءَكِ كلُّ مُنصلِتٍ طَموحِ / تُهيِّجُّ بأسَهُ رِيحُ الفتوحِ
وراءك فتيةٌ تأبى النّكولا /
وراءك نِسوةٌ للحرب تُزجَى / تَرُجُّ دفوفُها الأبطالَ رجّا
وتلك خمورُ عسكركِ المرجَّى / وكان الغيُّ بالجهلاءِ أحجى
كذلك يطمسُ الجهلُ العقولا /
رأيتِ الرأي شُؤماً أيَّ شؤمِ / وما تدري يمينُك أين ترمي
لعمركِ إنه لَرسيسُ همِّ / تغلغل منك بين دَمٍ ولحمِ
فيا ابنةَ عُتبة اجتنبي الفُضولا /
أعنْ جَسدِ الرضيّةِ بنتِ وهبِ / تُشَقُّ القبرُ يا امرأةَ ابن حرب
ويُقطَعُ بالمُدى في غير ذنب / ليُفدَى كلُّ مأسورٍ بإربِ
فيا عجباً لقولٍ منكِ قيلا /
هي الهيجاءُ ليس لها مردُّ / فمن يَكُ هازلاً فالأمرُ جِدُّ
لَبأسُ اللهِ يا هندٌ أشدُّ / له جندٌ وللكفّارِ جند
وإنّ لجندهِ البطشَ المهولا /
سيوفُ محمدٍ أمضى السيوفِ / وأجلبُ للمعاطبِ والحتوفِ
إذا هوتِ الصفوفُ على الصفوفِ / وأعرضَ كلُّ جبارٍ مخوفِ
مَضتْ مِلءَ الوغَى عَرضاً وطولا /
أرى السَّعدَيْنِ قد دلفا وهذا / عليٌّ بالحُسامِ العَضْبِ لاذا
وحمزةُ جَدَّ مُعتزِماً فماذا / وَمن للقومِ إن أمسوا جُذاذا
وطار حُماتُهم فمضوا فلولا /
وفي الأبطالِ فِتيانٌ رِقاقُ / بأنفسهم إلى الهيجا اشتياقُ
لهم في الناهضين لها انطلاقُ / دعا داعي الجهادِ فما أطاقوا
بدارِ السّلمِ مَثوىً أو مقيلا /
أعادهُم النبيُّ إلى العرينِ / شُبولاً سوف تَصْلُبُ بعد لينِ
يضنُّ بها إلى أجلٍ وحينِ / رَعاكَ اللهُ من سَمْحٍ ضنين
يَسوسُ الأمرَ يكرهُ أن يَعولا /
وَقيلَ لرافعٍ نعم الغلامُ / إذا انطلقتْ لغايتِها السّهامُ
تقدم أيّها الرامي الهمامُ / إذا الهيجاءُ شبّ لها ضرامُ
فأَمطِرْها سِهامَكَ والنُّصولا /
ونادى سمرةٌ أيرُدُّ مثلي / ويُقبلُ صاحبي وأنا المجلِّي
أُصارِعُه فإن أغلبْ فَسؤْلي / وكيف أُذادُ عن حقٍّ وعدلِ
وأُمْنَعُ أن أصولَ وأن أجولا /
وصَارعَهُ فكان أشدَّ أسرا / وأكثرَ في المجالِ الضّنكِ صبرا
وقيل له صدقتَ فأنت أحرى / بأن تردَ الوغى فتنالَ نصرا
ألا أقبل فقد نِلتَ القبولا /
أعبدَ اللهِ مالكَ من خَلاقِ / فَعُدْ بالنّاكِثينَ ذوي النّفاقِ
كفاكَ من المخافةِ ما تُلاقي / ومالّك من قضاءِ اللهِ واقِ
وإن أمسيتَ للشّعرى نزيلا /
أبيتَ على ابن عمرٍو ما أرادا / وشرُّ القومِ من يأبى الرشادا
نهاكَ فلم تَزِدْ إلا عنادا / ألم يَسمعْ فريقُكَ حين نادى
أطيعوا الله واتّبعوا الرسولا /
يقولُ نشدتُكم لا تخذلوهُ / ومَوْثِقَ قومِكم لا تَنقضوهُ
رسولُ الله إلّا تنصروهُ / فإنّ الحقَّ ينصرُهُ ذَووهُ
ألا بُعداً لمن يَبغِي الغُلولا /
تجلَّى نورُ ربّكَ ذي الجلالِ / وهزّ الشِّعبَ صوتٌ من بِلالِ
بلالُ الخيرِ أذَّنَ في الرجالِ / فهبُّوا للصلاةِ من الرِحالِ
وقاموا خلَف سيّدهم مُثولا /
عَلاَ صَوتُ الأذينِ فأيُّ مَعنى / لِمَنْ هو مُؤمنٌ أسمَى وأسنى
إلهُ النّاسِ فردٌ لا يُثنَّى / تأمّلْ خلقه إنساً وجنّا
فلن تجدَ الشريكَ ولا المثيلا /
أَجلْ اللّهُ أكبرُ لا مِراءَ / فهل سَمِعَ الألى كفروا النّداءَ
أظنُّ قلوبَهم طارت هَباءَ / فلا أرضاً تُطيقُ ولا سَماءَ
جَلالُ الحقِّ أورثهم ذهُولا /
سرى الصّوتُ المردَّدُ في الصباحِ / فضجَّ الكونُ حيَّ على الفلاحِ
تلقَّى صيحةَ الحقِّ الصّراحِ / فقام يَصيحُ من كلِّ النواحي
يُسبِّحُ ربَّهُ غِبَّ ارتياحِ / ويحمَدُه بألسنةٍ فِصاحِ
تَعطّفتِ الجبالُ على البطاحِ / وكبّرتِ المدائنُ والضواحي
وأوَّبتِ البحارُ مع الرياحِ / وصفَّقَ كلُّ طيرٍ بالجناحِ
كتابُ الحقِّ ما للحقِّ ماحِ / يُرتَّلُ في الغُدوِّ وفي الرواحِ
فَقُلْ للنّاسِ من ثَمِلٍ وصاحِ / شريعةُ ربّكم ما من براحِ
فَمنْ منكم يُريدُ بها بديلا /
ألا طابتْ صلاتُكَ إذ تُقامُ / وطابَ القومُ إذ أنتَ الإمامُ
أقمها يا محمدُ فَهْيَ لامُ / تَساقَطُ حولها الجُنَنُ العِظامُ
بها يُتخطَّفُ الجيشُ اللهّامُ / وليس كمثلِها جَيشٌ يُرامُ
قضاها اللّهُ فَهْيَ له ذِمامُ / وذاك نِظامُها نِعمَ النّظامُ
يوطِّد من بَنَى وهي الدّعامُ / ويصعدُ بالذّرى وهي السّنامُ
نَهضتَ لها وما هبَّ النيامُ / وبادرها الميامينُ الكرامُ
مَقامٌ ما يُطاوله مَقامُ / ودينٌ من شعائِره السّلامُ
يصونُ لواءَهُ جيلاً فجيلا /
هُدَى الأجيالِ يخطبُ في الهُداةِ / ويأمُر بالجهادِ وبالصّلاةِ
وبالأخلاقِ غُرّاً طيّباتِ / مُلَقَّى الوحيِ والإلهامِ هاتِ
وَصفْ للنّاسِ آدابَ الحياةِ / وكيف تكونُ دُنيا الصّالحاتِ
وَخُذهم بالنّصائحِ والعظاتِ / مُضيئاتِ المعالمِ مُشرِقاتِ
شُعوبُ الأرضِ من ماضٍ وآتِ / عيالُكَ فاهْدِهم سُبُلَ النَّجاةِ
إذا ضلَّت دَهاقينُ الثّقاتِ / وأمسى الناسُ أسرى التُّرَّهاتِ
وخفّ ذَوُو الحلومِ الراسياتِ / فأصبحتِ الممالكُ راجفاتِ
أقمتَ الأرضَ تكره أن تميلا /
ألا بَرَزَ الزُبَيْرُ فأيُّ وصفِ / حَواريُّ الرسول يفي ويكفي
برزتَ لخالدٍ حتفاً لحتفِ / تصدُّ قواه عن كرٍّ وزحفِ
وتَدفعهُ إذا ابتعثَ الرعيلا /
ألم تَرَهُ وعكرمَة استعدَّا / فأمَّا جدَّتِ الهيجاءُ جَدّا
بنى لهما رسولُ الله سَدَّا / ومثلك يُعجزُ الأبطالَ هدّا
ويتركُ كلَّ مُمتنعٍ مَهيلا /
لِمَنْ يَرِثُ الممالكَ لا سِواهُ / أعدَّ القائدُ الأعلى قُواهُ
وبَثَّ الجيشَ أحسنَ ما تراهُ / تعالى اللّهُ ليس لنا إلهُ
سِواهُ فوالِهِ ودَعِ الجهولا /
رُماةُ النَّبْلِ ما أمَرَ النبيُّ / فَذلِك لا يكنْ منكم عَصِيُّ
إذا ما زالتِ الشُّمُّ الجِثيُّ / وكان لها انطلاقٌ أو مُضِيُّ
فكونوا في أماكنكم حُلولا /
رُماةَ النَّبلِ رُدُّوا الخيلَ عنَّا / وإن نَهلتْ سيوفُ القومِ منَّا
فلا تتزحزحوا فإذا أذنَّا / فذلك إنّ للهيجاءِ فنَّا
تُلقّنه الجهابذةَ الفُحولا /
تَلقَّ أبا دُجانةَ باليمينِ / حُسامَكَ من يَدِ الهادِي الأمينِ
وَخُذْهُ بحقِّه في غيرِ لينِ / لِتنصُرَ في الكريهةِ خيرَ دينِ
يَرِفُّ على الدُّنَى ظِلاًّ ظليلا /
نَصيبك نِلتَهُ من فضلِ ربِّ / قضاهُ لصادقِ النَّجدَاتِ ضَرْبِ
تخطَّى القومَ من آلٍ وصحبِ / فكان عليك عضْباً فوق عَضْبِ
تبخترْ وامضِ مسنوناً صَقيلا /
أبا سُفيانَ لا يقتلْكَ همَّا / ولا يذهبْ بحلمكَ أن تُذَمّا
أحِينَ بَعثَتها شَرّاً وشُؤما / أردتَ هَوادةً وطلبتَ سلما
مَكانك لا تكن مَذِلاً ملولا /
مَنِ الدّاعي يَصيِحُ على البعيرِ / أمالي في الفوارسِ من نظيرِ
أروني همّةَ البطلِ المُغيرِ / إليَّ فما بِمثلي من نكيرِ
أنا الأسدُ الذي يحمي الشُّبولا /
تَحدّاهُ الزُّبَيْرُ وفي يَديْهِ / قَضاءٌ خفَّ عاجِلُه إليْهِ
رَمى ظهرَ البعيرِ بمنكبيهِ / وجرَّعهُ منيَّته عليْهِ
فأسلمَ نفسَهُ وهوَى قتيلا /
ألا بُعداً لِطلحةَ حين يهذي / فيأخذُه عليٌّ شَرَّ أخذِ
أُصِيبَ بِقسْوَرِيِّ البأسِ فذِّ / يُعَدُّ لكلِّ طاغِي النّفسِ مُؤذِ
يُعالِجُ دَاءَهُ حتى يزولا /
أمِنْ فَقدٍ إلى فقدٍ جَديدِ / لقد أضحى اللّواءُ بلا عميدِ
بِصارمِ حمزة البطلِ النّجيدِ / هَوى عثمانُ إثرَ أخٍ فقيدِ
وأُمُّ الكُفرِ ما برحت ثَكولا /
أبَى شرُّ الثلاثةِ أن يَريعا / فخرَّ على يَدَيْ سعدٍ صريعا
ثلاثةُ إخوةٍ هلكوا جميعا / وَراحَ مُسافِعٌ لهمُ تبيعا
رَمتْ يَدُ عاصمٍ سُمّاً نقيعا / تَورَّدَ جوْفَهُ فجَرى نجيعا
وجاء أخوهُ يلتمسُ القَريعا / فأورَدَ نفسَه وِرداً فظيعا
أعاصِمُ أنت أحسنتَ الصّنيعا / فَعِندَ اللّهِ أجرُكَ لن يَضيعا
وإنّ لربّكَ الفضلَ الجزيلا /
رَمَيْتَهُما فظلّا يزحفانِ / يَجُرَّانِ الجِراحَ ويَنْزِفانِ
وخَلفهما من الدّمِ آيتانِ / هما للكفرِ عنوانُ الهوانِ
تَرى الرأسيْنِ مما يحملانِ / على الحجرِ المذمَّمِ يُوضَعانِ
أمن ثَدْيَيْ سُلافة يرضعان / تَقولُ وقلبُها حرّانُ عانِ
عليَّ الجودُ بالمئةِ الهجانِ / لمن يأتي بهامةِ مَن رماني
فوا ظَمَئي إلى بنتِ الدّنانِ / تُدارُ بها عليَّ فودِّعاني
وَمُوتا إنّ للقتلى ذُحولا /
دُعَاةَ اللاتِ والعُزَّى أنيبوا / فليس لصائحٍ منكم مُجيبُ
وليس لكم من الحسنى نصيبُ / لِربِّ النّاسِ داعٍ لا يخيبُ
ودينُ الحقِّ يعرفهُ اللّبيبُ / وما يخفَى الصّوابُ ولا يَغيبُ
رُويداً إنّ موعدكم قريبٌ / وكيف بمن يُصابُ ولا يُصيبُ
سَليبُ النّفسِ يتبعه سليبُ / أما يفنى الطّعينُ ولا الضَّرِيبُ
لِواءٌ ليس يحملهُ عَسِيبُ / عليهِ مِن مناياكم رقيبُ
كفاكم يا له حِملاً ثقيلا /
رَمَى بالنّبلِ كلُّ فتىً عليمِ / فردَّ الخيلَ داميةَ الشَّكيمِ
بِنَضْحٍ مِثلِ شُؤْبوبِ الحميمِ / يَصبُّ على فراعنةِ الجحيمِ
وصاحتْ هندُ في الجمعِ الأثيمِ / تُحرِّضُ كلَّ شيطانٍ رجيمِ
ألا بطلٌ يَذُبُّ عنِ الحريم / ويَضرِبُ بالمهنَّدِ في الصّميم
فهاجت كلَّ ذاتِ حشىً كليمِ / تبثُّ الشجوَ في الهذَرِ الذميم
وتذكرُ طارقاً دَأْبَ المُلِيمِ / يُسيءُ ويُدَّعَى لأبٍ كريمِ
وأين مَكانهنَّ من النّعيمِ / ومن جُرثومةِ الحسبِ القديمِ
زعمنَ الشّركَ كالدّينِ القويمِ / لهنَّ الويلُ من خطبٍ عميمِ
رمى الأبناءَ وانتظمَ البُعولا /
مَنِ البطلُ المُعصَّبُ يختليها / رِقاباً ما يَملُّ الضرب فيها
بِأبيضَ تتقيهِ ويعتريها / وتكرهُ أن تراه وَيشتهيها
لها من حَدّهِ والٍ يليها / ويَنتزعُ الحكومةَ من ذويها
بَررتَ أبا دُجانة إذ تُريها / وحِيَّ الموتِ تطعمه كريها
صَددتَ عن السفيهةِ تزدريها / وتُكرِمُ سيفَكَ العفَّ النزيها
تُولوِلُ للمنيّةِ تتّقيها / فإيهاً يا ابنةَ الهيجاءِ إيها
نَجوتِ ولو رآكِ له شبيها / مَضى العَضْبُ المشطَّبُ ينتضيها
حياةَ مُناجزٍ ما يبتغيها / إذا شَهِدَ الكريهةَ يصطليها
فأرسلها دماً وهوى تليلا /
أكان يَزيدُ بأسُكَ إذ تُصابُ
أكان يَزيدُ بأسُكَ إذ تُصابُ / زِيادةُ ذلك العجبُ العُجابُ
تَكاثرتِ الجراحُ وأنت صُلْبٌ / يَهابُكَ في الوغَى مَن لا يهاب
قُوىً تَنصبُّ مُمعنةً حِثاثاً / وللدَّمِ في مَواقِعها انصبابُ
تَردُّ الهندوانياتِ ظَمأى / يُخادِعُها عن الرِّيِّ السَّرابُ
تُريد مُحمداً واللّهُ واقٍ / فَترجعُ وَهْيَ مُحنقةٌ غِضاب
زِيادةُ دونه سُورٌ عليه / مِن النّفرِ الألى احتضنوه باب
وما بِمُحمّدٍ خَوفُ المنايا / ولا في سيفِه خُلُقٌ يُعاب
ولكن جَلَّ منزلةً وقدراً / فبرَّ رجالُهُ ووفَى الصّحاب
هَوَى البطلُ المُغامِرُ واضمحلَّت / قُواه وخارتِ الهِممُ الصّلاب
فَتىً صَدقْت مشاهِده فظلت / تَعاورُهُ القواضبُ والحِراب
وَهَى منه الأديمُ فلا أديمٌ / وأعوزه الإهابُ فلا إهاب
تَمزّقتِ الصّحائفُ من كتابٍ / طواه في صحائفهِ الكتاب
تلقّاهُ برحمتهِ وروَّت / غَليلَ جِراحِه السُّورُ العِذَاب
أيادي اللّهِ يجعلها ثواباً / لكلِّ مُجاهدٍ نِعمَ الثّواب
أهابَ مُحمدٌ أدنوه منّي / فذلك صاحبي المحضُ اللُّباب
على قَدَمِي ضعوا لِلَّيثِ رأساً / أُحاذِرُ أن يُعفّره التراب
ففاضتْ نفسُه نوراً عليها / وماج الجوُّ وامتدَّ العُباب
عُبابٌ تنطوِي الآفاقُ فيهِ / ويَغرِقُ في جوانبهِ السّحاب
مَضى صُعُداً عليه من الدَّرارِي / ومن بَركاتِ خالقهِ حَباب
تلقّته الملائكُ بالتّحايا / مُنضّرةً تُحَبُّ وَتُستُطاب
وزُخرِفَتِ الجِنانُ وقيل هذا / مآبُكَ إنّه نِعَمَ المآب
إلى القومِ الأُلى جمعوا الجموعا
إلى القومِ الأُلى جمعوا الجموعا / إلى نَجدٍ كفَى نجداً هُجوعا
أبتْ شمسُ الهدى إلا طُلوعا / ففاضَ شُعاعُها يغشى الرُّبوعا
ويسطعُ في جوانِبها سُطوعا /
إلى غطفانَ إنّهُمُ استعدُّوا / وظنَّ غُواتُهم أن لن يُهدُّوا
بَني غَطفانَ جِدُّوا ثم جِدُّوا / جَرى القَدرُ المُتاحُ فلا مردُّ
بني غطفانَ صَبراً أو هلوعا /
مشى جُندُ النبيِّ فأيُّ جندِ / وأين مضى الألى كانوا بِنَجْدِ
تولَّى القومُ حَشْداً بعد حشدِ / حَذارَ البطشِ من جِنٍّ وأُسْدِ
ومن ذا يشتهِي الموتَ الفظيعا /
نساءَ الحيِّ ما صنعَ الرجالُ / أمكتوبٌ عليكنَّ القتالُ
لَكُنَّ الأمنُ إن فزعوا فزالوا / أما ومحمدٌ وهو الثَمالُ
لقد نلتنَّهُ حِرزاً منيعا /
إليهِ إليهِ إنّ بكنَّ ضعفا / وإنّ بهِ لمرحمةً وعطفا
وفيه من التُّقى ما ليس يَخفى / وما حاولتُ ترجمةً ووصفا
فلستُ لمثلِ ذلك مُستطيعا /
نزيلَ الشِّعبِ من يحَمِي سواكا / ولكن قل تَبارَكَ من هداكا
أترقدُ هاهنا وهمو هناكا / أما مِن كالئٍ يُرجَى لذاكا
إلى أن يبعثَ اللهُ الصّديعا /
ألا طُوبى لعبّادِ بن بشرِ / وعَمّارٍ كفايةِ كلِّ أمرِ
رسولَ اللهِ نحن لهم ويَجرِي / قضاءُ اللهِ إن طرقوا بِشرِّ
كعهدِكَ إذ جرى سمّاً نقيعا /
وأجرَى الأمرَ عَبّادٌ سويّا / فقامَ ونامَ صاحبهُ مَلِيَّا
وكان بأن يُناصِفَه حَرِيّا / مُحافظةً على المثلى وبُقيا
قَرِيعُ شدائدٍ وافى قريعا /
لِرَبِّكَ صلِّ يا عبّادُ فردا / وَزِدْ آلاءَهُ شُكراً وحمدا
ومُحكَمُ ذكرهِ فاجعلْهُ وِردا / فإنّ له على الأكبادِ بَردا
وإنْ أذكى الجوانحَ والضُّلوعا /
ولاح سوادهُ فرماهُ رامِ / أتى إثرَ الحليلةِ في الظلامِ
فَديتُكَ يا ابن بشرٍ من هُمامِ / أما تنفكُّ عن نزعِ السِّهامِ
تُحامِي عن صلاتِكَ ما تُحامِي / وجسمُك واهنُ الأعضاءِ دامِ
أمالكَ يا ابن بشرٍ في السَّلامِ / وقد جَرتِ الدِّماءُ على الرغامِ
ألا أيقِظْ أخاك من المنامِ / كفاكَ فقد بَلغتَ مدى التمامِ
وما تَدَعُ القُنوتَ ولا الخشوعا /
رأى عمّارُ خَطبكَ حين هبَّا / فلم يرَ مِثلَهُ من قبلُ خطبا
يقولُ وَنفسُه تنهدُّ كربا / أيدعوني الحِفاظُ وأنت تأبى
لقد كُلّفتُ أمراً منك صعبا / ولو أيقظتني لشَفيتَ قلبا
جرحتَ سوادَه جُرحاً وجيعا /
وأبصرَ شخصَه الرامي الملحُّ / فزلزلَ قلبَهُ للرُّعبِ نَضْحُ
وأمسك منه تَهتانٌ وسحُّ / وما إن راعه سَيفٌ ورُمْحِ
ولكنْ مسّه خَبَلٌ فَرِيعا /
تولَّى يخبط الظلماءَ ذُعرا / ويحسب دِرعَهُ كَفَناً وقبرا
ألا أدبِرْ جزاك اللهَ شرّا / ظَفِرتَ بصابرٍ وأبيت صبرا
فآثرتَ الهزيمة والرجوعا /
وجاء غُويرِثٌ يبغي الرسولا / ويطمَعُ أن يُغادِرَهُ قتيلا
كذلك قال يستهوِي القبيلا / غُوَيرِثُ رُمْتَ أمراً مستحيلا
فهل لك أن تثوبَ وأن تريعا /
أتيتَ مُحمداً تُبدي السَّلاما / وتُخفِي الغيظَ يضطرمُ اضطراما
تقول مُخاتِلاً أرِني الحُسَاما / وتأخذُه فلا تَرعَى الذماما
أغدراً يا له خُلُقاً وضيعا /
تهمُّ به ولستَ بمستطيعِ / فأين مَضارِبُ السَّيفِ الصنيعِ
وكيف وَهَتْ قُوى البطلِ الضليعِ / تعالى اللَّهُ من مَلِكٍ رفيعِ
يُريك جلاله الصُّنعَ البديعا /
سألتَ رسوله أفما تخافُ / وسيفُكَ في يَدِي موتٌ ذُعافُ
أراكَ من المواردِ ما يُعافُ / فلا فَرَقٌ عراكَ ولا ارتجافُ
فيا لكِ كَرّةً خسرتْ جميعا /
فقال محمدٌ ربّي يقيني / ويَمنعُ مُهجتي ويصونُ ديني
وصارِمَه تَلَّقى باليمينِ / ألا بُوركتَ من هادٍ أمينِ
تَردُّ أناتهُ الحُلْمَ النزيعا /
أخذتَ السّيفَ لو تبغِي القَصاصا / لما وَجَد المُسِيءُ إذاً مناصا
تقوله له بمن ترجو الخلاصا / إذا أنا لم أُرِدْ إلا اقتناصا
فلن تجد الوليَّ ولا الشفيعا /
يقول غويرثٌ كن خيرَ مولى / وأنتَ أحقُّ بالحسنى وأولى
فقال له أتؤمِنُ قال كلاّ / ولكنّي أُعاهِدُ ثم ولَّى
ودينُ اللَّهِ يَطلبُه سريعا /
وحدّثَ قَومَهُ يا قومِ إني / بخيرِ الناسِ قد أحسنتُ ظنّي
رأيتُ خِلالَه فرجعتُ أُثني / عليه وقد مضى الميثاقُ منّي
فلستُ لمن يُناوِئه تبيعا /
أعزَّ اللّهُ شيخَ الأنبياء / وأيّدهُ بآياتٍ وضاءِ
ألم تخبره تَرجمةُ الرغاءِ / بما يَجِدُ البعيرُ من البلاءِ
تَوجَّعَ يشتكي سُوءَ الجزاءِ / وفُقدانَ المروءةِ والوفاءِ
أيذبحُه ذووه على العياءِ / وبعد الجِدِّ منه والمضاءِ
رثى لِشكاتِهِ حقَّ الرثاءِ / وراضَ ذويه من بعدِ الإباءِ
فَمُتِّعَ بالسّلامةِ والبقاءِ / وراحَ فأيَّ حمدٍ أو ثناءِ
يُؤدّي الحقَّ أو يَجزِي الصّنيعا /
ترامى الجيشُ واندفعَ الرعيلُ
ترامى الجيشُ واندفعَ الرعيلُ / فقل لبني قريظةَ ما السَّبيلُ
سَلُوا كعباً وصاحَبُه حُيّياً / نَزيلَ الشُّؤمِ هل صَدَقَ النزيلُ
أطعتم أمرَهُ فتلقّفتكم / من الأحداثِ داهيةٌ أكولُ
وكان دَليلَكم فجنى عليكم / وقد يَجني على القومِ الدليلُ
دَليلُ السُّوءِ لا عَقلٌ حَصِيفٌ / يُسَدِّدُه ولا رأيٌ أصيلُ
تَفرَّقَتِ الجموعُ وأدركَتْكُم / جنودُ اللَّهِ يَقْدُمُها الرَّسولُ
جهلتم ما وراءَ الغدرِ حتّى / رأيتم كيف يَتّعظُ الجهولُ
ألم تروا اللِّواءَ مشى إليكم / به وبسيفهِ البطلُ المَهولُ
حذار بني قريظة من عليٍّ / ولا يغرركمُ الأُطُمُ الطويلُ
وما يجديكم الهذَيانُ شيئاً / وهل يُجدِي المُخبَّلَ ما يَقولُ
وما لبني القرودِ سِوَى المواضي / يكون لها بأرضِهِمُ صَلِيلُ
تَوارَوْا كالنِّساءِ مُحجَّباتٍ / حَمَتْها في المقاصيرِ البُعُولُ
خلا الميدانُ لا بَطلٌ يُنادِي / ألا بَطَلٌ ولا فَرَسٌ يَجولُ
أقاموا مُحْجَرِينَ على هَوانٍ / أقامَ فما يَرِيمُ ولا يَحولُ
يُرنِّقُ عَيْشَهم جُوعٌ وخَوْفٌ / كِلاَ الخطبَيْنِ أيْسرُهُ جَليلُ
يَبيتُ الهمُّ مُنتشِراً عليهم / إذا انتشرتْ من اللّيلِ السُّدولُ
يلفّهمُ السّهادُ فلا رُقادٌ / يَطيبُ لهم ولا صَبْرٌ جَميلُ
يخاف النومَ أكثرُهم سُهاداً / كأنّ النومَ في عينيه غُولُ
إذا مالت به سِنَةٌ تنزّى / يظنُّ جَوانِبَ الدنيا تميلُ
تَطوفُ بهم مناياهم ظُنوناً / تَوهَّجُ في مخالبِها النُّصولُ
بهم وبحصنهِم ممّا دَهاهُمْ / وحَاقَ بهم جُنونٌ أو ذُهولُ
يقول كبيرُهم يا قومِ ماذا / تَرَوْنَ أهكذا تَعْمَى العُقولُ
أليس مُحمدٌ من قد علمتم / فما الخَبَلُ المُلِحُّ وما الغُفُولُ
رسولُ اللَّهِ ما عنه صُدوفٌ / لمن يبغي النَّجاةَ ولا عُدُولُ
أبعدَ العِلم شَكٌّ بل ضللتم / على عِلْمٍ وذلكمُ الغُلولُ
هَلمُّوا نَتَّبِعْهُ فإنْ أبيتُم / فليس لنا سِوَى الأخرى بَديلُ
نُضَحِّي بالنّساءِ وبالذراري / ونَخرجُ والدّمُ الجاري يَسيلُ
بأيدينا السُّيوفُ مُسَلَّلاَتُ / نَصونُ بها الذِمارَ إذا نَصولُ
فإلا تفعلوا فالقومُ منّا / بمنزلةِ تُنالُ بها الذُّحولُ
لهم منّا غداً بالسَّبْتِ أمْنٌ / فإن تكُ غِرّةٌ شُفِيَ الغَليلُ
هلمّوا بالقواضبِ إن أردتم / فما يُغنِي التَّردّدُ والنُّكولُ
عَصَوْهُ وَراضَهُم عمروُ بن سُعْدَى / فما اجتُنِبَ الجماحُ ولا الجُفولُ
أَبَوْها جِزيةً ثَقُلَتْ عليهم / وقالوا بئسما يرضى الذّليلُ
ففَارقَهم على سُخْطٍ وضِغْنٍ / ورَاحَ يقولُ لا نِعْمَ القبيلُ
نهاهم قبل ذلك أن يخونوا / فكان الغدرُ والداءُ الوبيلُ
تَوالَى الضُّرُّ عِبْئاً بعد عِبْءٍ / فهدَّ قُواهُمُ العبءُ الثقيلُ
دَعَوْا يَسْتَصْرِخونَ ألا دَواءٌ / فقد أشفَى على الموتِ العليلُ
لعل أبا لُبابةَ إن ظفرنا / بمقدمه لِعَثْرتِنَا مُقيلُ
وأرسله النبيُّ فخالفوه / وقالوا لا يُصابُ لنا قتيلُ
لكم منّا السّلاحُ إذا أردتم / وتنطلق الركائبُ والحُمولُ
وَعَادَ فرَاجَعُوه على اضطرارٍ / وهانَ عليهمُ المالُ الجزيلُ
إليكَ أبا لُبابةَ ما منعنا / وشرُّ المالِ ما مَنَعَ البَخِيلُ
خُذوهُ مع السلاحِ وأطْلِقُونا / فَحَسْبُ مُحمّدٍ منّا الرحيلُ
فقال دِماؤُكم لا بُدَّ منها / وذلك حُكمُهُ فمتى القُبولُ
أجِبْ يا كعبُ إنّ الأمرَ حَتْمٌ / فماذا بَعْدُ إلا المستحيلُ
وما من معشرٍ يا كعبُ إلا / على حُكْمِ النبيِّ لهم نُزولُ
نَصحتُ لكم وما للقومِ عُذْرٌ / إذا نَصَحَ الحليفُ أو الخليلُ
هَوَوْا من حصنِهِم وكذاك تَهوي / وتهبطُ من مَعاقِلها الوُعولُ
وجاءوا ضَارِعينَ لهم خُوارٌ / يجاوِبُهُ بُكاءٌ أو عَويلُ
يبثُّ الوجدَ مُبتَئِسٌ حِزينٌ / وَتذرِي الدمعَ وَالِهَةٌ ثَكُولُ
قضاءُ اللَّهِ من قتلٍ وسَبْيٍ / مَضَى والبغيُ دَولَتُهُ تدولُ
يَقولُ الأوسُ إنّ القومَ منّا / على عهدٍ وقد طَمَتِ السُّيولُ
مَوالِينا إذا خَطبٌ عَنَاهُمْ / عَنَانَا ما يَشُقُّ وما يَعُولُ
وَهُمْ حُلَفاؤُنا نحنو عليهم / ونَحدبُ إن جَفَا الحَدِبُ الوَصولُ
أنقتلهم بأيدينا فعفواً / رسولَ اللَّهِ إن أَثِمَ الضَّلولُ
فقال جَعلتُ أمرَ القومِ طُرّاً / إلى سَعْدٍ فَنِعْمَ هو الوَكيلُ
وَجِيءَ بِهِ يقول له ذوُوهُ / تَرفَّقْ إنّك المولى النَّبيلُ
فقال دعوا اللَّجاجَ فإنّ سعداً / بِنُصرةِ ربِّهِ الأعلى كَفيلُ
فَصَاحَ يقولُ وَاقَومَاهُ منهم / رجالٌ عزمهم واهٍ كليلُ
أَتَى فاَقَرَّ حُكمَ اللَّهِ فيهم / وآلَ الأمْرُ أَحْسَنَ ما يؤولُ
عليٌّ والزُّبيرُ لِكُلِّ عَضْبٍ / صقيلٍ منهما عَضْبٌ صَقِيلُ
هما استَبَقَا نُفوسَ القومِ نَهباً / ورُوحُ اللَّهِ بينهما رَسِيلُ
تَقَدَّمْ يا حُيَيُّ فلا مَحِيصٌ / ورِدْ يا كعْبُ ما وَرَدَ الزَّميلُ
لِكُلٍّ من شَقَاءِ الجَدِّ وِرْدٍ / وسَجْلٌ من مَنيّتِهِ سَجِيلُ
أصابكما من الأقدَارِ رامٍ / هَوَى بكما فشأنكما ضَئِيلُ
لَبِئْسَ السيِّدانِ لِشَرِّ قومٍ / هُمُ البُرَحاءُ والدَّاءُ الدَّخيلُ
منابتُ فِتنةٍ خَبُثَتْ وساءَتْ / فلم تَطِبِ الفُروعُ ولا الأُصولُ
قُلوبٌ من سَوادِ القومِ عُمْيٌ / وألبابٌ من الزعماءِ حُولُ
أَضلَّهُمُ الغباءُ فهم كثيرٌ / وَعَمَّهُمُ البلاءُ فهم قَليلُ
تَخطَّفَهُمْ هَرِيتُ الشِّدْقِ ضارٍ / له من مُحكَمِ التنزيلِ غِيلُ
فما نَجتِ النِّساءُ ولا الذراري / ولا سَلِمَ الشَّبابُ ولا الكُهولُ
تهلَّلتِ المنازِلُ والمغاني / وأشرقَتِ المزارِعُ والحقولُ
وباتَ الحِصنُ مُبْتَهِجاً عليه / لآلِ مُحَمّدٍ ظِلٌّ ظليلُ
لعمرُ الهالكينَ لقد تأذَّى / تُرابٌ في حَفائِرِهم مَهيلُ
طَوَى رِجْساً تكادُ الأرضُ منه / تَمُورُ بمن عليها أو تَزولُ
يُساقُ السبْيُ شِرْذِمَةٌ بنَجدٍ / وأخرى بالشآمِ لها أليلُ
جَلائِبُ لا أبٌ في السُّوقِ يَحمِي / ولا وَلَدٌ يَذُّبُّ ولا حلِيلُ
تُجَرُّ على الهوانِ ولا مُغِيثٌ / بأرضٍ ما تُجَرُّ بها الذُّيولُ
أصابَ المسلمونَ بها سلاحاً / وخَيْلاً في قَوَائِمِها الحُجُولُ
مُكَرَّمَةً تُعَدُّ لِكُلِّ يومٍ / كَريمِ الذِّكْرِ لَيْسَ له مثيلُ
إذا ذُكِرَتْ مَنَاقِبُهُ الغوالي / تَعَالتْ أُمَّةٌ واعتزَّ جيلُ
مَنَاقِبُ ما يزالُ لها طُلوعٌ / إذا الأقمارُ أدركها الأُفُولُ
لها من نابِه الأدبِ انبعاثٌ / فما يُخفِي زَوَاهِرَها الخُمُولُ
ضَمِنتُ لها البقاءَ وإن عَنَتْنِي / مِنَ الدَّهرِ العوائِقُ والشُّغولُ
وما تُغْنِي الخزائمُ حين تُلوَى / إذا انطلقَتْ لحاجتها الفُحولُ
تُخَلِّدُها مصوناتٌ حِسانٌ / حرائِرُ مالَها أبداً مُذِيلُ
صفايا الشِّعرِ لا خُلُقٌ زَرِيٌّ / يُخالِطُها ولا أدبٌ هَزيلُ
لَعلَّ اللَّهَ يجعلها ربيعاً / لألبابٍ أضرَّ بها المحولُ
فَوا أسَفَا أتُطمعني القَوافِي / فَيُخْلِفُ مطمعٌ وَيَخِيْبُ سُولُ
وَوَاحَربا أما يُرجَى فِكاكٌ / لأِسْرَى ما تُفارِقُها الكُبولُ
رُفَيْدَةُ عَلِّمِي النَّاسَ الحَنانا
رُفَيْدَةُ عَلِّمِي النَّاسَ الحَنانا / وَزِيدي قومَكِ العالينَ شانا
خُذِي الجرحَى إليكِ فأكرمِيهم / وَطُوفِي حولهم آناً فآنا
وإن هَجَعَ النِّيامُ فلا تَنامِي / عَن الصّوتِ المردَّدِ حيثُ كانا
أعيني السّاهِرينَ على كُلومٍ / تُؤرِّقُهُم فمثلُكَ مَن أعانا
هُمُ الأهلون ما عرفوا أنيساً / سِوَاكِ لهم ولا وَجَدُوا مكانا
حَبَاكِ اللَّهُ من تقواهُ قلباً / وَسَوَّى من مراحمِهِ البَنَانا
رَفعتِ لأسلمٍ ذِكراً جليلاً / يُزاحِمُ في مواكبِهِ الزمانا
ضُيوفُ اللَّهِ عِندَكِ في مَحَلٍّ / تُذكِّرُنا مَحاسِنُه الجِنانا
فيا لكِ خَيْمَةً للِبرِّ فيها / جَلالٌ لا يُرامُ ولا يُدَانى
جلالُ اللَّهِ ألقاه عليها / فَجَمَّلَها بروعتِهِ وزانا
نَسيجٌ من شُعاعِ الحقِّ بِدْعٌ / نَزِيدُ على الزمانِ بهِ افتتانا
تَقِلُّ بَدائِعُ النُّسّاجِ عنه / وإن نسجوا اللُّجَيْنَ أوِ الجُمانا
وما يَجِدُ الأديبُ الفردُ وصفاً / يُحيطُ به ولو أفنى البيانا
له في الذّهنِ ترجمةٌ ومعنىً / جَليلُ الشأنِ يُعيِي التُّرجمانا
لساني مُوثَقٌ يا ربِّ هَبْ لي / جَنَاحَ الرِّيحِ أجعلُهُ لسانا
فأذهبُ حيثُ شِئْتُ من القوافي / وأُرسلُها مُحَبَّبَةً حِسانا
وأُلبِسُهَا رُفَيْدَةَ مُعجباتٍ / ضَوامِنَ أن تُجَلَّ وأن تُصانا
رُفَيْدَةُ جاهِدِي وَدَعِي الهُوَيْنَى / فما شَرَفُ الحياةِ لمن تَوَانى
وَرُبَّ مُجاهدٍ بَلَغَ الثُريَّا / وما عَرَفَ الضِّرابَ ولا الطِّعانا
وكم هَزَّ الممالكَ في عُلاها / فَتىً ما هزَّ سَيفاً أو سِنانا
ومن لم يَمْتَحِنْ دُنيا المعالي / فما امتحَنَ الشُّجَاعَ ولا الجبانا
رُفَيْدَةُ ذَلِكَ الإسلامُ حَقّاً / تَبَارَكَ مَن هَداكِ ومن هدانا
تَبَارَكَ ربُّنا ألقَى علينا / سَنا الوَحْيِ المنزَّلِ واصطفانا
هَدَيْنَا العالَمِينَ بِهِ وإنّا / لَنحنُ القومُ لا هادٍ سِوَانَا
بني لِحيانَ لُوذوا بالجبالِ
بني لِحيانَ لُوذوا بالجبالِ / وَقُوا مُهَجَاتِكم حَرَّ القِتالِ
أَمِنْ غَدرٍ إلى جُبنٍ لعمري / لقد ضِقْتُم بأخلاقِ الرِجالِ
لكم من خَصمِكم عُذرٌ مُبِينٌ / فليس لنارِه في الحربِ صالِ
أما انصدعتْ قُواكم إذ أخذتم / صحابتَه بمكرٍ وَاحْتيالِ
كَذبتُمْ ما لأهلِ الشِّركِ عَهدٌ / وما الكُفّارُ إلا في ضَلالِ
قَتلتُمْ عاصماً بطلاً مَجيداً / مَخُوفَ الكَرِّ مَرهوبَ النِزالِ
فُنونُ الحربِ تَعرفُه عليماً / بأسرارِ الأسنَّةِ والنِّصالِ
وَتشهدُ أنه البطلُ المُرَجَّى / إذا فَزَعَ الرُّماةُ إلى النِّبالِ
رَماكُمْ ثُمَّ جَالدَكم فأدَّى / أمانتَهُ وَأَوْدَى غيرَ آلِ
وقاتِلُ عُقْبَةٍ في يومِ بَدرٍ / أَيحفِلُ حِينَ يُقتلُ أو يُبالِي
أردتُمْ بَيعَهُ لِيُنالَ وِترٌ / رُوَيْداً إنّ صاحبَكم لَغَالِ
وليس لدى سُلافَة من كِفاءٍ / لِهَامَةِ ماجدٍ سَمْحِ الخِلالِ
حَماهُ اللَّهُ من دَنَسٍ وَرِجْسٍ / وَسُوءِ المنُكراتِ من الفِعالِ
شَهيدُ الحقِّ تَحرسُه جُنودٌ / مِنَ الدَّبْرِ المُسلَّحِ للنضالِ
وَعبدُ اللَّهِ فِيمَ قَتلتموهُ / وَسُقْتُمْ صاحِبَيْهِ بشرِّ حالِ
طِلاَبُ المالِ يُولِعُ بالدّنايا / ويَلوِي المرءَ عن طَلَبِ المعالي
رَضِيتُمْ بَيْعَ أَنْفُسِكم بَبَخْسٍ / قليلِ النَّفعِ من إبلٍ ومالِ
خُبَيْبٌ في يَدَيْ جافٍ شديدٍ / يُعذَّبُ في أداهمِهِ الثِّقالِ
وَزَيْدٌ عِنْدَ جَبّارٍ عنيدٍ / يَصُبُّ عليه مُختلفَ النَّكالِ
كِلاَ أَبَوَيْهِمَا قُتِلاَ بِبَدرٍ / فَتِلكَ حفائظُ الرِّمَمِ البَوالي
يَزيدُهما البلاءُ هُدىً وَعِلماً / بأَنّ الحادثاتِ إلى زَوالِ
وَأَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ مُنْتَهاها / وإنْ طَمِعَ المضلَّلُ في المُحالِ
لِكُلٍّ مَشهدٌ عَجَبٌ عليه / جَلالُ الحقِّ بُورِكَ مِن جَلالِ
يَروحُ الموتُ حولهما وَيَغْدو / يُكَشِّرُ عن نَواجِذِهِ الطِّوالِ
وَذِكْرُ اللَّهِ مُتَّصِلٌ يُوالِي / مِنَ العَبَقِ المُقدَّسِ ما يُوالي
هُوَ الإيمانُ مَن يشدُدْ قواهُ / يُزَلْزِل في الخطوبِ قُوى الجِبالِ
هنيئاً يا خُبَيْبُ بلغتَ شَأْواً / رَفيعَ الشَّأنِ مُمتنعَ المَنَالِ
مَلأتَ يَدَيْكَ مِن رِزقٍ كَريمٍ / أتاكَ بِغَيْرِ كَدٍّ أو سُؤالِ
تَنزَّلَ مِن لَدُنْ رَبٍّ رَحيمٍ / عَميمِ الجودِ فَيّاضِ النَّوالِ
كُلِ العِنَبَ الجَنِيَّ وَزِدْهُ حَمداً / على حَمْدٍ يَدومُ مَدى الليالي
تَقولُ الحارِثِيَّةُ مَا لِعَيْنِي / أَفي سِحرٍ تَقَلَّبُ أم خَيالِ
أرى عِنَباً وما مِن ذَاكَ شَيْءٌ / بِمكّةَ يا لها عِظَةً ويالي
ويا لكَ من أسيرٍ ما عَلِمنا / له بين الأسَارى من مِثالِ
أتى الأجلُ الذي انتظروا وَهَذِي / سُيوفُ القومِ مُحَدَثَةُ الصِّقالِ
فماذا في يَمينكَ يا خُبَيْبٌ / وما بالُ الصَّغيرِ من العيالِ
كأنَّ بأُمِّهِ حَذَراً عليهِ / نَوازِعَ من جنونٍ أو خَبالِ
تَرَى الموسَى بِكَفِّكَ وَهْوَ رَهْنٌ / بِذَبحٍ فوقَ فخذك واغتيالِ
ولكنْ للكريمِ السَّمْحِ ناهٍ / مِنَ الشِّيَمِ السَّنِيَّةِ والخِصَالِ
وماذا كنتَ تحذرُ من عقابٍ / وَوِرْدُ الموتِ مُحتضَرِ السِّجالِ
وَسِعْتَ عَدوَّكَ الموتورَ حِلماً / ومكرمةً على ضيقِ المجالِ
فأيُّكما الذي رَمَتِ السَّجايا / مُروءَتَهُ بِأَسرٍ واعْتِقَالِ
وأَيُّكما القتيلُ وَمَنْ سيبقى / حياةٌ للأواخِرِ والأوالي
ألا إنّ الصلاةَ لَخيرُ زادٍ / وإنّ الركبَ آذنَ بارتحالِ
تزودْ يا خُبَيْبُ وَثِقْ بِرَبٍّ / لِمثلِكَ عِندَهُ حُسْنُ المآلِ
فَسِرْ في نورِهِ الوضّاحِ وَالبس / جَمالَ الخُلدِ في وَطَنِ الجمالِ
هُنالِكَ مَعْرِضٌ للَّهِ فخمٌ / بَدِيْعُ الصُّنعِ لم يَخْطُرْ بِبالِ
أَتَرْضَى أن تَرى خَيْرَ البرايا / مَكَانَكَ ساءَ ذَلِكَ من مَقالِ
صَدَقْتَ خُبَيْبُ إنّكَ لِلعوادي / إذا هِيَ أخطأَتْهُ لَذُو احْتِمالِ
تَبيعُ بِشَوكةٍ تُؤذيهِ نَفْساً / تَشُكُّ صَمِيْمَها صُمُّ العوالي
كذلِكَ قال زَيْدُ الخيرِ لمّا / تَردَّى في السَّفاهةِ كلُّ قالِ
همُو قتلوكَ مَصلوباً وأَغْروا / بِهِ وبِكَ الضِّعافَ مِنَ الموالي
رَفِيقُكَ في التَجَلُّدِ والتأَسِّي / وَخِدْنُكَ في التَّقدُّمِ والصِّيالِ
أتعتزلانِ دِينَ اللَّهِ خَوْفاً / فَمنْ أولَى بخوفٍ وَابْتِهالِ
معاذَ اللَّهِ إنّ اللَّهَ حَقٌّ / وإنّ المجرِمينَ لَفِي وَبَالِ
لَدِينُ الشِّركِ أجدرُ بِاجْتنابٍ / وأخلقُ باطِّراحٍ واعْتِزالِ
هُوَ الدّاءُ العُضالُ لِمُبتغيهِ / وكلُّ الشَّرِّ في الدَّاءِ العُضالِ
كمالُ النَّفسِ إيمانٌ وَتَقْوَى / وماذا بعدَ مَرتبةِ الكمالِ
حَبِيسَ الأربعينَ ألا انطلاقٌ / كَفَاكَ ألم تَزَلْ مُلْقَى الرِّحالِ
أَسَرَّكَ أن تَظَلَّ مَدَى اللَّيالي / جَمِيْعَ الشَّملِ مَوصولَ الحِبالِ
عَلَى خَرْقَاءَ يَكرهُ مَن يراها / طِلابَ الوُدِّ مِنها والوصالِ
عَلِقْتَ بها فما أحدثتَ هَجراً / ولا حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بالزِّيالِ
يَمَلُّ المرءُ صاحِبَهُ فَيشقَى / بِصُحْبَتِهِ وما بِكَ مِن مَلالِ
وَيَسْلُو كلُّ ذِي شَجَنٍ وَوَجْدٍ / وأنتَ على مُصَابِكَ غير سالِ
بُليتَ بِكلِّ ذِي قَلْبٍ غَبِيٍّ / غُدافِيٍّ مِنَ الإيمانِ خَالِ
لأنتَ الحجَّةُ الكُبرى عليهم / فما نَفْعُ المِراءِ أوِ الجدالِ
تَأَهَّبْ يا خُبَيْبُ أتاكَ غَوْثٌ / يَؤُمُّكَ في رَكائبهِ العِجالِ
مَضَى بِكَ يَتبَعُ الغُرَماءُ مِنه / بَعيدَ مَدَى التَعَلُّلِ والمِطالِ
تَقَاضَوْهُ فما ظَفِرَ التَّقاضي / بِغَيْرِ عُلالَةِ النَّقْعِ المُذالِ
قَطيعٌ من طَغامِ القومِ يَعْدُو / على آثارِهِ عَدْوَ الرِّئَالِ
فلمّا أوشكوا أن يُدْرِكُوه / أهَابَ عليكَ يا ربِّ اتِّكالِي
وألقَى بالشَّهيدِ فَغيَّبتْهُ / طَباقُ الأرضِ كَنزاً من لآلِ
يَزينُ المسلمِينَ إذا تداعَتْ / شعوبُ الأرضِ من عَطِلٍ وَحَالِ
طَوَتْ جَسَداً من الريحانِ رَطباً / عليهِ جلالةُ الشَّيخِ البَجالِ
قَضَى وَكَأنَّهُ حَيٌّ يُرجَّى / لِحُسنِ الصُّنْعِ من صحبٍ وآلِ
يُدِيْرُ القومُ أعيُنَهم حَيارى / كأنّ اللَّهَ ليس بِذِي مِحَالِ
وَيَأسَفُ مَعشرٌ باتوا سهارَى / تَفيضُ جِراحُهم بعدَ انْدِمالِ
أجابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ فبادوا / وعادوا مِثلَ مُحْتَرَقِ الذُبالِ
بَني لِحْيانَ ما صَنَعَ ابنُ عمروٍ / وماذا بالأُسودِ من النّمالِ
قَتلتم صحبَهُ وصرعتموه / فيا لِلُّؤْمِ والخُلُقِ الرُّذالِ
ولولا الغَدْرُ لم يخشَوا أذاكم / وهل تخشى القُرومُ أذَى الأَفالِ
أأصحابُ اليمينِ بكم أُصِيبوا / لأنتم شَرُّ أصحابِ الشِّمالِ
بَني لِحْيَانَ وَاعَجبِي لِبأْسٍ / خَبَتْ جَمَراتُه بعدَ اشْتِعالِ
فررتم تَتَّقون الموتَ زَحْفاً / على القِمَمِ الشَّواهِقِ والقِلالِ
هو المَسْخُ المُبينُ فمن أُسودٍ / تَصيدُ القانِصينَ إلى وِعالِ
دَعُوا الشِّركَ المُذِلَّ إلى حياةٍ / مِنَ الإسلامِ وارفةِ الظِّلالِ
هو الدّيْنُ الذي يُحيي البرايا / ويُصلِحُ أمرَهم بعدَ اخْتِلالِ
يَظلُّ النُّورُ في الآفاقَ يَسْري / وَيَسطعُ ما تَلا القرآنَ تالِ
أرى أُمَماً على الغَبراءِ مَرْضَى / تَبَطَّنَ جَوفَها داءُ السِّلالِ
تُخالُ أشَدَّ خَلْقِ اللَّهِ بأساً / على الضعفِ المُبرِّحِ والهُزالِ
إذا مَلأتْ جَوانِبَها دَوِيّاً / فلا تَغْرُرْكَ جَلْجَلَةُ السُّعالِ
مُخضَّبةَ البَنانِ لكلِّ صَيْدٍ / يَعِنُّ وتلك أنيابُ السَّعالي
حَيَارَى لا تُرِيْدُ الحقَّ نَهْجاً / ولا تَدَعُ الحرامَ إلى الحلالِ
ألا هادٍ يُقَوِّمُ من خُطاها / وَيَحْسِمُ دَاءَها بعد اعْتِلالِ
تَرفّقْ يا عُيينةُ باللّقاحِ
تَرفّقْ يا عُيينةُ باللّقاحِ / وبالخيلِ المُغيرةِ والسّلاحِ
وخَفِّضْ من غُرورِكَ والطّماحِ / فما مالُ النبيِّ بِمُسْتَبَاحِ
ولا هو يَومُ حربٍ أو كِفَاحِ /
أتَحسَبُها صنادِيدَ الرجالِ / تداعَوا بالقواضبِ والعَوالي
وخفُّوا يا عُيينةَ للقتال / يلفُّونَ الرِّعالَ على الرعالِ
فليس على الفوارِسِ من جُناحِ /
رُويداً إنّها إبِلٌ تُساقُ / وراعٍ واحدٌ دَمُهُ يُراقُ
وما بالُ التي احتملَ الرفاقُ / أَخِفْتُم أن يكونَ لها انْطِلاقُ
فترميكم بِمُصْمَتَةٍ رَدَاحِ /
كفى ابنُ الأكوعِ البَطلُ الجَسُورُ / فَذُوقُوا النَّارَ حاميةً تَفُورُ
رَمَى بالنَّبلِ فاضطرم السَّعيرُ / كذلكَ يفعلُ الرَّامي القديرُ
وتلك سِهامُهُ ما من بَراحِ /
يُوالي الكَرَّ ساعِدُهُ شديدُ / وبين ضلُوعه قلبٌ حديدُ
عذابٌ إذ يكرُّ وإذ يحيدُ / يفوتُ الخيلَ منه ما تُريدُ
وإن طارت بأجنحةِ الرياحِ /
إذا طلبته لم تبلغ مَدَاهُ / وإن رجَعتْ فليس لها سِوَاهُ
يمزِّقها بما ترمي يَداهُ / فتذهبُ كلَّما جاشتْ قُواهُ
حَوامِلَ لِلجِرَاحِ على الجِرَاحِ /
تَخَطَّفَ لِقْحَةً من بعد أُخرى / وجَاهَدَ يُرْهِقُ الفرسانَ عُسْرا
يُريدُ لِقاحَ خَيرِ الخلقِ طُرّاً / ويَكرهُ أن يُساءَ وأن يُضَرَّا
وتلك مَشَاهِدُ البطلِ الصُّراحِ /
أذاقَهُمُ البلاءَ فما استطاعوا / وغَالَهُمُ ارتجافٌ وارتياعُ
قُوىً ضاقَتْ بها هِمَمٌ وِسَاعُ / فأسلمتِ الأكُفَّ قُوىً شَعاعُ
وألقت بالبُرودِ وبِالرِّماحِ /
ويَا لكِ صَيْحَةً ذَهَبَتْ تَرَامى / فَنَبَّهَتِ الأُلَى كانوا نِياما
تَلَقَّاها النبيُّ فما أقاما / وهبَّ الجيشُ يَحتَدِمُ احْتِدَامَا
وحانت وَقعةُ القَدَرِ المُتاحِ /
وطار الأخرمُ الأَسَديُّ فَرْدَا / يَسُبُّ المجرمينَ وما تَعَدَّى
ولم يَرَ مِن وُرُودِ الموتِ بُدّاً / فجادَ بنفسِهِ ورَعاهُ عَهْدا
دَعَا دَاعِيهِ حيَّ على الفلاحِ /
هِي الرُّؤْيَا التي قَصَّ القتيلُ / على الصِّدِّيقِ صَدَّقَهَا الدليلُ
مَضى لِسَبيلِهِ نِعمَ السَّبيلُ / فَتىً كالسَّيفِ مَشهدُهُ جَليلُ
هَوَى بِمَصَارِعِ البيضِ الصِّفاحِ /
أتَى جَيشُ النبيِّ فأيُّ خَطبِ / أصابَ القومَ من فَزَعٍ ورُعْبِ
إذا خفَقَ اللِّواءُ فكلُّ قلبِ / مِنَ الخَفَقَانِ في هَمٍّ وكَرْبِ
فرِفقاً يا ابنَ زيدٍ بالقِدَاحِ /
رَمَوْا وَرَمَيْتَ بالأَبْطالِ شُوسا / تَخُوضُ إلى الوَغَى يَوماً عَبُوسا
تُفَلِّقُ من أَعَادِيها الرُّؤوسا / وَتَبذُلُ دُونَ بَيْضَتِها النُّفُوسا
كذلِكِ فَلْيَكُنْ بَذلُ السَّماحِ /
إلى ابنِ عُيينةَ انطلَقَ القضاءُ / فما بأبيهِ إذ أودى غَناء
له من حولِ مَصرعِهِ عُواءُ / إذا شَفَتِ الصَّدَى البِيضُ الظِّماءُ
فأهوِنْ بالعُواءِ وبالنُّباحِ /
وأين دَمُ ابنِ نَضْلَةَ هل يَضِيعُ / ويَبقى بعده الحَدَثُ الفظيعُ
لَعمرُكَ ما لقاتِلِهِ شَفيعُ / صَريعٌ طاحَ في دَمِهِ صَرِيعُ
أُحِيْطَ بِهِ فَعُوجِلَ باجْتياحِ /
هو المِقْدَادُ إن دُعِيَتْ نَزالِ / تَقَدَّمَ لا يَهابُ ولا يبالي
وما بأبي قَتَادَةَ في الرجالِ / خَفَاءٌ حين تَشْتَجِرُ العَوالِي
وحين يُقالُ أينَ ذَوُو النّطاحِ /
أصابَ السَّهمُ وَجهاً منه نَضْرا / وأبصرَهُ النبيُّ فقالَ صَبْرا
وعَالَجَهُ فأخرجَ منه شَرّا / وألقى نَفْثَةً كَرَماً وبِرّا
فراحَ يَزِفُّ في القومِ الصِّحاحِ /
تزوَّدَ منه كَنْزاً ليس يَفْنَى / تَزَوَّدَ دَعوةً سعداً ويُمنا
تزوَّدَ رحمةً وَهُدىً وأمْنا / تَزَوَّدَ ما أحبَّ وما تَمَنَّى
وجاوزَ كلَّ سُؤْلٍ واقتراحِ /
شَفِيْتَ أبا قَتَادَةَ كلَّ صادِ / لَهِيفِ الصّدرِ حرّانِ الفُؤادِ
يَبيتُ على أَسىً مِمّن يُعادِي / رَسولَ اللهِ في دِينِ الجهادِ
وفي دُنيا المُروءةِ والصّلاحِ /
غَنِمْتَ سِلاَحَ مسعدَةَ الشقِيِّ / وَفُزْتَ بِطَرْفِهِ فَوْزَ التَّقِيِّ
عَطاءٌ من جَوادٍ أريحِيِّ / غَطاءُ اللَّهِ مِن يَدَي النَّبيِّ
رسولِ اللَّهِ أفضلِ مُستَماحِ /
لقد أحدثتَ للأبطالِ شُغْلاً / وَهَمَّاً ما أشدَّ وما أجَلَّا
سُقُوا مَكْرُوهَهُ نَهَلاً وَعَلَّا / ولولا فَضلُ رَبِّكَ ما تَجَلَّى
دَعَوْا إذ أبصروا البُرْدَ المخَلَّى / على الجَسَدِ الذي أوجعتَ قتلا
نَعاءِ أبا قَتَادَةَ إذ تَوَلَّى / نَعاءِ الفارسَ البطلَ المُدِلّا
وضَجُّوا بالتي في الخطبِ تُتْلَى / فَتنفعُ مَن تَجَلَّدَ أو تَسَلَّى
فَقَالَ مُحمدٌ يا قومُ كلّا / أخوكم لم يَزَلْ حَيَّاً فَمَهْلا
كَفَاكُمْ رَبُّكُمْ فَقْداً وثُكْلا / فأشرقَتِ الوجوهُ وكان فَضْلا
طَوَى قَرْحَى القُلوبِ على ارْتِيَاحِ /
تَدَاعَى القومُ صَفّاً بعد صَفِّ / وَوَلَّوْا بعدَ إقدامِ وَزَحْفِ
مَضَوْا بالنّصفِ لو ذهبوا بألفِ / من اللائي اصطَفَى النُّعْمَانُ صِرْفِ
لَمَا فَرحوا بفوزٍ أو نجاحِ /
وأقبلتِ الأخيذَةُ بعد يأسِ / على العَضْبَاءِ في شَعَثٍ وبُؤْسِ
عَنَاها الضُّرُّ من أسرٍ وحَبْسٍ / وسُوءِ الصُّنْعِ مِن ظُلمٍ وَوَكْسِ
على يدِ كلِّ عِرِّيضٍ وَقَاحِ /
أتت للمسلِمِينَ بها ابتهاجُ / وللكُفّارِ إذ نَجَتِ اهْتِيَاجُ
أبا ذَرٍّ وللضِّيقِ انفراجُ / وَرُبَّتَما حَلا الوِردُ الأُجاجُ
هنيئاً بات صدرُكَ في انشراحِ /
أَتذكُرُ إذ يقولُ لكَ الرَّسولُ / أقم فالأمرُ باطِنُهُ مَهُولُ
وما تَدْرِي إلامَ غَداً يَؤُولُ / ستعرفُهُ وتذكرُ ما أقولُ
إذا ما الغيبُ آذَنَ بِاتّضاحِ /
أتت فَرْحَى وقالت حلَّ نَذرِي / فإن أَذِنَ الرّسولُ قَضيتُ أَمْرِي
هِيَ العضباءُ تُعقَرُ ما لإِصْرِي / سِوَاها إن أردتَ شِفَاءَ صَدْرِي
عَليَّ اليومَ بعد فكاكِ أسرِي / وفاءُ النَّذرِ ما لي من مَفَرِّ
وقَانِي اللَّهُ من سُوءٍ وشَرِّ / له سُبحانَهُ حَمدِي وشُكري
على أن صِرْتُ مطلقة السَّراحِ /
فقالَ لها رسولُ اللَّهِ إيهِ / لبئسَ جَزَاءَها أن تفعليهِ
دَعِي النَّذرَ المحرَّمَ واتركيهِ / وخافي اللَّهَ ربَّكِ واتَّقِيهِ
لَشَرُّ النَّذرِ مالا يرتضيهِ / وما لا حَقَّ للإنسانِ فيهِ
دَعِي لي ناقتي وتعلَّميهِ / قضاءً ما اهتدى من لا يَعِيهِ
وكيف تُقاسُ مَنزلةُ الفقيهِ / بمنزلةِ الغَبيِّ أوِ السَّفِيهِ
هُنالِكَ حيُّ أهلِكِ فاطلبيهِ / على بَرَكاتِ رَبِّكَ واحمديه
إلَهاً ما لما يَقضِيهِ ماحِ /
قَضيتَ الحقَّ فاغتنمِ الجزاءَ / وَزِدْ يا سعدُ في الدنيا عَلاَءَ
وَسِعْتَ غُزاةَ ذِي قَرَدٍ سَخَاءَ / وكنتَ لهم أخاً يَرْعَى الإخاءَ
بَعثتَ التَّمْرَ يُعجِبُهُم نَماءَ / وَسُقْتَ البُدْنَ تُطربُهُم رُغَاءُ
قِراكَ إذا هُمُ التمسوا الغذاءَ / وَبِرُّكَ لا يزالُ لهم رَجاءَ
كذلكَ أنتَ ما تألو وفاءَ / وَحُبّاً للأُلَى صدقوا البلاءَ
بُنَاةُ الحقِّ مَا مَلُّوا البِنَاءَ / وإن عَلَتِ الدِّمَاءُ بهِ الدِّماءَ
أجَلْ يا سَعْدُ فارفعها سماءَ / تُجاوزُ كُلَّ مُطَّلَعٍ سَناءَ
جَرَى الكُرَماءُ فانتبهوا الثّناءَ / وما بلغوكَ جُوداً أو عَطَاءَ
رُزِقْتَ البأسَ أجمعَ والمضاءَ / فكنتَ أحقَّ من مَنَعَ اللّواءَ
بِشُكْرٍ في الهزاهزِ وامتداحِ /
رسولُ اللَّهِ يُؤذِنُ بالإيابِ / وَيَرجِعُ بالأحبّةِ والصّحابِ
يَسيرُ مِنَ الجلالةِ في رِكَابِ / تَدينُ لِعِزِّهِ غُلْبُ الرقابِ
تُسَايِرُهُ بآياتِ الكتابِ / مُرَتَّلَةً بأنغامٍ عِذَابِ
صُفوفٌ من ملائكةٍ طِرَابِ / تُظَلِّلُهُ بأجنحةٍ رِطابِ
تَرِفُّ على الرَّوابِي والبطاحِ /
حبا ابنَ الأكوعَ الشَّرَفَ المُنِيفَا / وحَسْبُكَ أن يكونَ له رَدِيفَا
كَذَلِكَ يَرفَعُ اللَّهُ الشَّريفا / وَيَجْزِي المؤمِنَ البَرَّ الحنيفا
أطيلي ناقةَ اللَّهِ الوَجِيفا / وَوَالِي الخطوَ مُرْتَجَلاً خَفيفا
حَملتِ أجلَّ مَن يحمي الضَّعيفا / وأعدل مَن يُحاذِرُ أن يَحيفا
حَماكِ وعَطَّلَ النذرَ السَّخيفا / وأمضى حُكْمَهُ سَمْحاً عَفيفا
حَملتِ اللّيثَ فالتمسِي الغريفا / جُزيتِ كرامةً وَرُزِقْتِ رِيفا
وبُورِكَ في غُدوِّكَ والرَّواحِ /
رسولُ الخيرِ جاءَ بكلِّ سَمْحِ / مِنَ الأخلاقِ في صدقٍ ونُصْحِ
تَدَارَكَ سَوْرةَ البطلِ المُلِحِّ / وأوصاهُ بإحسانٍ وصَفْحِ
وكان القومُ في جُهدٍ وبَرْحِ / وَرَاءَ الماءِ ما ظَفروا بِرَشْحِ
تَنَحَّوْا عنه إذ كُرِهَ التنحِّي / فما ابتلَّتْ جَوانِحُهُم بِنُضْحِ
ولو أُخِذُوا بتقتيلٍ وذَبْحِ / لما اعتصموا بِسَيْفٍ أو بِرُمْحِ
صنيعةُ مُحسنٍ يُمسي وَيُضْحِي / له تاجانِ من شُكْرٍ وَمَدْحِ
رَحِيمِ القلبِ يأسو كلَّ جُرْحِ / ويَعْتَدُّ الجميلَ أجلَّ فَتْحِ
وما ينفكُّ في كَدٍّ وكَدْحِ / يُقيمُ الحقَّ صَرْحَاً بعد صَرْحِ
ويَحْمِي الدِّينَ مِن كلِّ النواحي /
خَزَاعَةُ أَبشِري بالعهدِ سَمْحا
خَزَاعَةُ أَبشِري بالعهدِ سَمْحا / وَزِيدِي دَولَةَ الإسلامِ فَتْحا
كَفَى بذمامِ أوفى النّاسِ عهداً / لكلِّ مُعاهدٍ غُنْما ورِبْحا
ألحَّ على بني بكرٍ شَقَاءٌ / تَزِلُّ له العُقُولُ إذا ألَحَّا
هُمُ اتَّبعُوا الأُلى انقلبوا بِقَرْحٍ / فزادوهم بما اقترفوهُ قَرْحا
حُوَيْطِبُ ما يَغيظُكَ من رجالٍ / هموا ضربوا عن الغاوينَ صَفْحا
أُتِيحَ لِقَدْحِهم فَوزٌ مُبينٌ / وخُيِّبَ مَن أَحبَّ ذويكَ قِدْحَا
رُويدَكَ إنَّ أخوالَ ابنِ عمروٍ / لأَرفعُ قُبَّةً وأعزُّ صَرْحا
ولولا ما برأيِكَ من ضَلالٍ / لجانبتَ الملامَ وقُلتَ مَرْحَى
أَمَنْ عَرَفَ الرّشادَ فطابَ نَفساً / وأقبلَ يبتغِيهِ كَمَنْ تَنَحَّى
تُحاوِلُ أن تثيرَ الحَرْبَ حَتّى / تراها تَلفحُ الأبطالَ لَفْحا
لقد مَضَتِ المقالةُ من لبيبٍ / يقولُ الحقَّ لا يألوكَ نُصْحا
أَتَقدَحُ يا حُويطبُ زَنْدَ سُوءٍ / دَعِ الرأيَ الرشيدَ وَزِدْهُ قَدْحا
لعلَّكَ إن رأيتَ له لهيباً / تكونُ أشدَّ مَن يصلاَهُ بَرْحا
وَرَاءَكَ يا حُوَيْطِبُ كُلُّ عَضْبٍ / يَسُحُّ الموتُ من حَدَّيْهِ سَحّا
يُجَرِّدُهُ لِنَصرِ اللَّهِ قَرْمٌ / يَصولُ فَيَمْسَحُ الأعناقَ مَسْحا
سَخِيُّ النَّفسِ والهيجاءُ تَغلِي / فتملأ أَنْفُسَ الشُّجعانِ شُحّا
بني بكرٍ أما أُبْتُمْ حَزَانَى / كما آبَتْ خزَاعَةُ وَهْيَ فَرْحَى
هو الجدُّ الشَّقِيُّ عَلاهُ جَدٌّ / تَلَقَّى نِعمةً وأصابَ نُجْحا
أَجِيبي أُمَّ كُلثومٍ أَجِيبي
أَجِيبي أُمَّ كُلثومٍ أَجِيبي / تَرَامَتْ دعوةُ الدَّاعِي المُهيبِ
لمَكَّةُ إذ يُضامُ الدِّينُ فيها / أحقٌّ بكلِّ أفَّاكٍ مُريبِ
خُذِي قَصْدَ السَّبيلِ إلى ديارٍ / مُحَبَّبَةِ المسالِكِ والدُّروبِ
حِمَى الإسلامِ يَمنعُ كلَّ عادٍ / وغِيلُ الحقِّ يَدفعُ كلَّ ذِيبِ
رَعاكِ اللَّهُ فَانْطَلِقِي وسِيري / ولا تَهِنِي على طُولِ الدُّؤوبِ
أردتِ الدِّينَ مَعمورَ النَّواحِي / فَخُوضِي البِيدَ مُقْفِرَةً وَجُوبي
تُطِيلينَ التَّلَفُّتَ من حذارٍ / وَقَلبُكِ لا يَقَرُّ من الوَجِيبِ
رُويدكِ إنّ عين اللَّهِ تَرْعَى / خُطاكِ فلن يَسَوءكِ أن تَؤُوبي
أرى أَخَوَيْكِ في أمرٍ مَريجٍ / وَهَمٍّ من مُصابِهِمَا مُذِيبِ
يَلُفُّ حَشَاهُما حُزنٌ عَجيبٌ / لِرَوْعَةِ ذلكَ الحَدَثِ العَجيبِ
لِكُلٍّ مِنهما في الحيِّ عَيْنٌ / تَدورُ كأنّها عَينُ الحريبِ
وَقَلبٌ دائِمُ الخَفَقَانِ هَافٍ / طَويلُ الوَجدِ مُتَّصِلُ اللّهيبِ
هُنا كانتْ فأينَ مَضَتْ وأنَّى / تُعاوِدُ خِدْرَها بعدَ المغيبِ
أَما عِندَ ابْنِ عَفَّانٍ شِفَاءٌ / فَيكشِفُ كُرْبَةَ العانِي الكَئِيبِ
أَتذهبُ أُختُنا لا نحنُ نَدرِي / ولا هُوَ عِندَهُ عِلمُ اللّبيبِ
كَفَى يا بِنتَ عُقْبَةَ ما لَقِينا / مِنَ الأحداثِ بَعدَكِ والخطوبِ
قِفِي يا أمَّ كُلثومٍ فهذا / مَحَطُّ الرَّحْلِ للنَّائِي الغريبِ
حَلَلْتِ بفضْلِ ربِّكِ خيرَ دارٍ / بِطيبةَ فانعِمي نَفْساً وطِيبي
تلقَّاكِ النبيُّ فأيَّ بشرٍ / رَعَتْ عيناكِ في الكَرَمِ الخَصِيبِ
يُرَحِّبُ ما يرحِّبُ ثمّ يُضفي / عليكِ حَنانَ ذِي النَّسَبِ القريبِ
وما نَسَبٌ بأقربَ من سبيلٍ / يُؤلِّفُ بين أشتاتِ القُلوبِ
سَبيلُ اللَّهِ ليس له إذا ما / بلوتِ السُّبْلَ أجمعَ من ضريبِ
هُدَى السَّارِي يُسَدِّدُهُ فيمضي / بِمُخْتَرَقِ السَّباسِبِ والسُّهوبِ
يَمُرُّ بآخِرينَ لهم عُواءٌ / يُشيَّعُ بالتوجُّعِ والنَّحيبِ
يَرى سُبُلَ النَّجاةِ وكيف ضَلُّوا / فَيعجَبُ للمَصارِعِ والجنُوبِ
ويَحمدُ فالِقَ الإصباحِ حَمْداً / يَهُزُّ جَوَانِحَ الوادي الطَّرُوبِ
تَعَالَى اللَّهُ يُنْزِلُ كلَّ بَرٍّ / بِعالٍ مِن منازِلِهِ رحيبِ
عُمَارَةُ والوليدُ ولا خَفَاءٌ / على فَرْطِ التجهُّمِ والشُّحوبِ
هُما عَرَفا السَّبيلَ فلا مُقامٌ / وكيفَ مُقَامُ مُخْتَبَلٍ سَلِيبِ
أهابا بالرَّسولِ أعِدْ إلينا / وَدِيعَتَنَا فما بِكَ مِن نُكوبِ
هُوَ العهدُ الذي أخذَتْ قُرَيْشٌ / ومَالَكَ غَيْرُ نفسِكَ من حسيبِ
سَجِيَّتُكَ الوفاءُ وما عَلِمْنا / عليكَ الدَّهْرَ من خُلُقٍ مَعِيبِ
برأيِكَ فَاقْضِ وَارْدُدْها علينا / فإنّك أنتَ ذُو الرأيِ المُصِيبِ
عَنَاها أَنْ تُرَدَّ ولا ظَهِيرٌ / يَقِيهَا ما تخافُ مِنَ الكُروبِ
فَصَاحتْ إنّني امرأةٌ وما لي / عَلَى المكروهِ من عَزمٍ صليبِ
بِرَبِّكَ يا مُحَمَّدُ لا تَدَعْنِي / فَرِيْسَةَ كُلِّ جَبَّارٍ رَهيبِ
يُعَذِّبُنِي لأتركَ دِينَ رَبِّي / إلى دينِ المآثِمِ والذُّنوبِ
أأرجعُ يا حِمَى الضُّعفاءِ وَلْهَى / وما لي في ظِلالِكَ مِن نَصيبِ
أتى التنزيلُ يَصدعُ كلَّ شَكٍّ / ويجلو ما اسْتَكَنَّ من الغُيوبِ
وَيَحْكُمُ حُكْمَهُ عَدْلاً وَبِرّاً / فَيُلقِي بالدّواءِ إلى الطبيبِ
إذا جاءَ النساءُ مُهَاجِراتٍ / يُرِدْنَ اللَّهَ دَيَّانَ الشُّعوبِ
بَقِينَ مع النَّبيِّ وإن تَمَادَتْ / لَجَاجَةُ كلِّ عِرِّيضٍ شَغُوبِ
لِيَهْنِكِ أُمَّ كُلثومٍ مُقامٌ / كريمٌ عِندَ مَرْجُوٍّ مُثيبِ
وزوجٌ ذو مُحافَظةٍ نَجِيبٌ / يَفِيءُ إلى ذُرَى النَّسَبِ النَّجِيبِ
يَفيءُ إلى ذُرَى الإسلامِ منه / فتىً للسّلمِ يُرجَى والحُروبِ
وما زيدُ بنُ حارثةٍ بِنِكْسٍ / إذا التَقَتِ الكُماةُ ولا هَيُوبِ
أخو المختارِ من عُليا قريشٍ / ومَولاهُ الحبيبُ أبو الحبيبِ
أعدِّي النَّملَ خَيْبَرُ والذبابا
أعدِّي النَّملَ خَيْبَرُ والذبابا / أعدَّتْ يَثربُ الأُسْدَ الغضابا
وَمُدِّي من حُصونِكِ كلَّ عالٍ / لِيرفعَ في السماواتِ القِبابا
سَيَنزَعُ بأسُهُم حِصناً فَحِصناً / وَيَفْتَحُ عَزمُهُم باباً فبابا
أتاكِ الفاتحُ المِقدامُ يُزجِي / مع الجيشِ الدُّعاءَ المُستجابا
أتوكِ مُكبّرينَ فلا تلوذي / بغير الذُّعرِ واضطربي اضطرابا
أما والذاكرينَ اللَّهَ فرداً / لقد هَزُّوا المخارِمَ والشِّعابا
أجيبي أين جُندكِ وَاسْأليهِ / لِمَنْ جَمَعَ السِّلاحَ وكيف غابا
تَوارَوْا في الحُصُونِ وخادَعتهم / ظُنُونٌ كنَّ حُلْماً أو سَرَابا
ولو جَعلوا السَّحابَ لهم مَحَلّاً / لَطَارَ الجيشُ يَقتحِمُ السَّحابا
جُنودُ مُحمّدٍ كالموتِ يَمضِي / على قَدَرٍ صُعوداً وانصبابا
وليسوا في الحروبِ إذا تلظَّت / كمن جَهِلَ الأُمورَ أَوِ استرابا
وفي حِصْنِ النّطاةِ لسانُ صدقٍ / يُعَلِّمُ كلَّ مَن جَهِلَ الحُبَابا
رَأَى الرأيَ الذي ذاقت يَهودٌ / مَرارَتَهُ فكان لَهم عذابا
أصابتهم حُمَيَّا اليأسِ لمّا / تنحَّى الجيشُ يَلتمِسُ الصَّوابا
سَلِ البطلَ المُجَرَّبَ لو أجابا / أَيعلمُ أيَّ داهيةٍ أصابا
رَماهُ بعامرٍ قَدَرٌ إذا ما / رَمَى المهجاتِ غادرها خرابا
ولكنّ المنيّةَ أخَّرتْهُ / لِيبلغَ في غوايَتِهِ الكتابا
وخانَ السّيفُ صاحِبَهُ فأودى / شَهِيداً برَّ مَصْرَعُهُ وطابا
هنيئاً عامرٌ رضوان رَبٍّ / حَباكَ الأجرَ جَمّاً والثّوابا
بِسيفِكَ مِتَّ مَوْتَ فَتىً كريمٍ / يُحاذِرُ أن يُعيَّرَ أو يُعابا
بَرزتَ لِمرْحَبٍ بَطلاً مَهيباً / أبى أن يُتَّقَى أو أن يُهابا
ولولا نَبوْةٌ للسّيفِ طَاشَتْ / بمضربِهِ لأورده التَّبابا
تَوالَى الزّحفُ واستعَرَتْ نفوسٌ / مَضَتْ تَنسابُ في اللهِ انسيابا
لئن خاضت غِمارَ الموتِ ظَمْأَى / لقد عَرفتْ مَشاربَهُ العِذابا
سِهامُ بَواسِلٍ لاقتْ سِهاماً / يكادُ جَبانُها يخشى التُرابا
تُحدِّثُ عن مَخاوفِ باعِثيها / حَديثاً يَبعثُ العَجَبَ العُجابا
دعتهم للوغَى بِيضُ المواضِي / وصَيَّرتِ السِّهامَ لهم خطابا
ولو ملكَتْ مَسامِعَهُم فَلَبَّوا / لمَا مَلكوا الجماجمَ والرقابا
لَوَ اَنَّ الحصنَ أُوتِيَ ما تمنَّى / أبى إلا هُوِيّاً وانقلابا
رَماهُ مُحمّدٌ فألحَّ حتّى / لأوشكَ أن يقولَ كفى عِقابا
يَظلُّ الظّرْبُ يحملَ منه طوداً / طوَى الأطوادَ وانتظمَ الهضابا
وأمْسَكَ هذه الدنيا فأمستْ / وما تخشَى الزَّوالَ ولا الذَّهابا
لواءُ الفتحِ في يدهِ رَهِينٌ / بصاحِبه الذي فاقَ الصّحابا
يُشيرُ إليهِ مُحتجباً بوصفٍ / يكادُ سَناهُ يَخترقُ الحِجابا
ويذكره وبالفاروقِ حِرصٌ / على أن ليس يَعدوه انتخابا
عليٌّ للعُقابِ وما عليٌّ / سِوى البطلِ الذي يحمي العُقابا
شِهابُ الحربِ لا عَجَبٌ ولكن / عَجِبْتُ لِفَرْقَدٍ قادَ الشّهابا
رسولٌ جاءَ بالفَرَجِ المُرَجَّى / وبالنُّور الذي كشفَ الضَّبابا
تقدَّمْ يا علِيُّ رَعاكَ ربٌّ / كَفَى عَينيكَ دَاءَكَ والعِصابا
بِطبِّ مُحمَّدٍ أدركتَ ما لو / أراد الطِّبُّ أعجزه طِلابا
شَفَى الرَّمَدَ الذي آذاكَ حِيناً / وكان لِعزمِكَ الماضي قِرابا
خُذِ السَّيفَ الذي أعطاكَ واصْدَعْ / ببأسِكَ هذهِ الصُمَّ الصّلابا
حُصُونٌ كلما زِيدَتْ دُعاءً / إلى البيضاء زادتها اجتنابا
تُحِبُّ الكبرَ لا ترضَى سِواهُ / على آفاتِه خُلُقاً ودابا
تقدّمْ ما لصيدِكَ من قرارٍ / إذا لم تُؤْتهِ ظُفراً ونابا
خُذِ الذِّئبَ اللعينَ ولا تَدَعْهُ / صُدُودَ اللّيثِ يَحتقِرُ الذئابا
كفى بالحارثِ المغرورِ عِلماً / لِمن رُزِقَ الغَبَاءَ ومَنْ تَغابى
أرقتَ حَياتَهُ فأرقتَ منها / صَرِيحَ الكُفْرِ يأبى أن يُشابا
وَرُعْتَ به أَدِيمَ الأرضِ لمّا / جَعلتَ عليه من دَمِه خِضابا
تَخَيَّلَ مرْحَبٌ ما ليس حَقّاً / وَمنَّتْهُ الظُّنونُ مُنىً كِذابا
مشى يَختالُ مُرتجزاً فَلاقَى / قضاءَ اللَّهِ ينسربُ انسرابا
سَقاهُ الموتَ أبيضُ مَشْرَفيٌّ / يُذيبُ الموتَ يجعله شرابا
لَكَ الويلاتُ من مَلِكٍ غَوِيٍّ / أحيطَ بِمُلكهِ فهوى وذابا
أعدَّتْهُ اليهودُ لكلِّ خَطبٍ / فَضَلَّ رَجاؤُهم فيهِ وخابا
أما نَظروه مأخوذاً ببأسٍ / يَهُدُّ البأسَ أخْذاً واستلابا
وكلُّ مُغالبٍ فَلَهُ عليٌّ / غَداةَ الكَرِّ يأخُذه غِلابا
تَوثَّبَ ياسِرٌ فَتَلَقَّفَتْهُ / مَخالِبُ فاتكٍ ألِفَ الوِثابا
أما سمعَتْهُ خيبرُ حين يَهذِي / فَصَدَّتْ عنه تُوجِعه عتابا
ولو تَسْطِيعُ لاتَّخذَتْ حَياءً / من البيضِ الرقاقِ لها نِقابا
غُرَابُ الشُّؤْمِ يَفزِعُها نَعيباً / فيا لكِ بُومةً وَلَدتْ غُرابا
فتىً شاكي السِّلاحِ ولا سلاحٌ / لِمَنْ يَبغِي مِنَ الموتِ اقترابا
ألا إنّ الزُّبيرَ لذو بلاءٍ / وإن خَشِيَتْ صَفِيَّةُ أن يُصابا
حَوَارِيُّ الرسُولِ يَكونُ منه / بِحيثُ يُريدُ صَبراً واحتسابا
تجلَّتْ غُرّةُ الفتحِ المُرَجَّى / وأمْسَى النَّسْرُ قد طَرَد الذُّبابا
وأعولتِ النّطاةُ لِفَقْدِ حِصنٍ / يَعُمُّ يَهودَ شَجْواً وانتحابا
هو البأسُ المُدَمِّرُ يا عَلِيٌّ / فَدَعْ آطامَها العُليا يَبابا
وحِصْنُ الصَّعْبِ أذعنَ بعد كبرٍ / وأعلنَ بعد غِلظتِهِ المَتابا
وأَدَّى ما أعَدَّ القومُ فيهِ / فأمسَى بين أعْيُنِهمْ نِهابا
ورَاحَ المسلمونَ بخيرِ حالٍ / ولولا اللَّهُ ما برحوا سِغابا
أتاح لهم على الضَّرَّاءِ رِزقاً / فأمسى اليُسْرُ بعد العُسْرِ ثابا
مَغانِمُ من عَتَادِ القومِ شَتَّى / تُجاوِزُ حين تُحصِيها الحِسابا
كفى بالصّبرِ للأقوامِ عَوْناً / إذا حَدَثٌ من الأحْداثِ نابا
وما أمرُ اليهودِ إلى صلاحٍ / إذا الدّاعي إلى الهيجا أهابا
مَشَى لهمُ الحُبابُ يَجُرُّ جيشاً / شَدِيدَ البأسِ يلتهبُ التهابا
فَزلزَلَ حِصنَهم حتّى لَوَدُّوا / لوَ اَنّ لهُ إلى الطيرِ انتسابا
ولو مَلَكَ الجنَاحَ لطار يَطوي / طِباقَ الجوِّ ذُعْراً وَارْتِعَابا
تَنَادَوْا للقتالِ فبادَرْتهُم / سُيوفُ اللَّهِ شَيِّقَةً طِرابا
وليس لقومِ يُوشَعَ من بَقاءٍ / إذا طعموا الطعانَ أو الضّرابا
عُبابُ الموتِ يَملكُ جَانِبَيْهِمْ / فَنِعمَ القومُ إن مَلكوا العُبابا
تَتابعتِ الفتوحُ مُحَجَّلاتٍ / تَزيدُ يَهودَ حُزناً واكتئابا
أُصيبوا بالقوارِعِ راجفاتٍ / تَهُدُّ الشِّيبَ منهم والشَّبابا
فَتِلكَ حُصونُهم أمْسَتْ خَلاءً / كأنْ لم يَعمروا منها جَنابا
تَساقَوْا بالعَرَاءِ الذُّلَّ مُرّاً / يَوَدُّ طُغاتُهم لو كانَ صَابا
وألْقَوْا بالسِّلاحِ وما أصابوا / من الأموالِ جَمعاً واكتسابا
وضَاقُوا بالجلاءِ فأدركتْهُمْ / عَواطِفُ مُحْسِنٍ تَسَعُ الرُحابا
أصابوا من رسولِ اللهِ مَوْلىً / يَتوبُ على المُسيءِ إذا أنابا
قَضَى لهم القضاءَ فلا انتزاحاً / لَقُوا بعد المُقَامِ ولا اغترابا
ثَوَوْا في الأرضِ عُمَّالاً عليها / يُؤَدُّونَ الإتاوةَ والنِّصابا
وُلاةُ الزَّرْعِ للإسلامِ منهم / شَرِيكٌ ليس يُظلمُ أو يُحابى
هُداةُ النَّاسِ أرشدُهُمْ سَبيلاً / وأحْسَنُهمْ إذا انقلبوا مآبا
مَنايا القومِ في جلدِ البعيرِ
مَنايا القومِ في جلدِ البعيرِ / فأينَ يَضيع كنزُ بني النَّضيرِ
مَرَدُّ الأمرِ في رفعٍ وخَفْضٍ / لهذِي الأرضِ في الحَدَثِ الكبيرِ
كذلك قال أكذبُهم مَقالاً / وأجهلُهُم بأعقابِ الأُمورِ
هُمُ اتّخذوا الخِداعَ لهم سبيلاً / وكانوا أهلَ بُهتانٍ وَزُورِ
فما صَدقوا النبيَّ ولا استحبُّوا / سِوى الطمعِ المخيِّبِ والغُرورِ
وما الكنزُ الذي دفنوهُ إلا / نذيرُ الويلِ أجمعُ والثُّبورِ
يقول غُواتُهم لم يَبْقَ شيءٌ / مَقالَ ذَوِي السّفاهةِ والفُجورِ
فلمّا مَسَّ صاحبهم عذابٌ / بَدا الشَّرُّ المغيَّبُ في الصُّدورِ
وَجيءَ بكنزهم إرثاً عتيداً / لِوُرَّاثِ الممالكِ والدُّهورِ
ولو جَحَدُوهُ أقبلتِ المنايا / تُؤذِّنُ في الرقابِ وفي النُّحورِ
فَبادُوا في مصارعَهم وعادوا / كَطَسْمٍ أو كعادٍ في الدُّثورِ
وما بَرحتْ عَوادي الدهرِ تَجرِي / على أهلِ المآثمِ والشُّرورِ
لهم في ذِمَّةِ الفاروقِ يَومٌ / يُطالِعُهم بِشرٍّ مُستطيرِ
فصبراً إنّه لا بُدَّ آتٍ / فما لِيَهُودِ خَيْبرَ مِن مُجيرِ
أَمَا تَدَعُ العَمَايَةَ يا ابنَ حصنٍ
أَمَا تَدَعُ العَمَايَةَ يا ابنَ حصنٍ / وَتَسلُكُهَا مُعَبَّدَةً سَوِيَّهْ
أَضَلَّتكَ اليهودُ فَرُحْتَ تَبْغِي / ثَمارَ النّخلِ يا لَكَ من بَلِيَّهْ
لَبِئْسَ الأجرُ أجرُكَ مِن أُناسٍ / يَرَوْنَ الحقَّ مَنزلَةً دَنِيَّهْ
أتَرضَى أن تكونَ لهم حَليفاً / لَعَمْرُكَ إنّهم شَرُّ البَرِيَّهْ
رَمَوْكَ بِرُسْلِهِم يَرجونَ نصراً / فَمَا وَجَدوكَ من أهلِ الرَّوِيَّهْ
أَهَبْتَ بِقَوْمِكَ انطَلِقُوا وَرَائِي / فَتِلْكَ سَرِيَّةٌ تتلو سَرِيَّهْ
تُريدُ مُحَمّداً وَبَنِي أبيهِ / أُولِي النَّجَدَاتِ والهِمَمِ العَلِيَّهْ
حُماةُ الحقِّ ليس له سِواهم / إذا غَلَتِ الحفيظَةُ والحَمِيَّهْ
نهاك مُحَمَّدٌ فأَبيتَ رُشْداً / لِنَفْسِكَ إنّها نَفْسٌ غَوِيَّهْ
وقلتَ أنتركُ الحلفاءَ نَهْباً / ونحن أُولُو السُّيُوفِ المَشْرَفِيَّهْ
رُوَيْدَكَ يا عُيَيْنَةُ أيُّ خطبٍ / أصابَكَ ما الحديثُ وما القَضِيَّهْ
وما الصَّوتُ المردَّدُ يا ابنَ حِصنٍ / وَرَاءَكَ في منازِلِكَ القَصِيَّهْ
وَرَاءَكَ يا عُيَيْنَةُ لا تَدَعْها / فما هِيَ عن دِفَاعِكَ بالغَنِيَّهْ
رَجعتَ بِجُنْدِكَ المهزومِ رُعْباً / فَمَرْحَى ما الهزيمةُ كالمَنِيَّهْ
لَوَ انّكَ جِئْتَ خَيْبَرَ وَهْيَ ظَمْأَى / سَقَتْكَ من الرَّدَى كأساً رَوِيَّهْ
نَوَيْتَ غِيَاثَها فَشُغِلْتَ عنها / وأمرُ الله يَغلبُ كلَّ نِيَّهْ
بِرَبِّكَ يا فتى غَطفَانَ آمِنْ / فإنّ لهُ لآياتٍ جَلِيَّهْ
رَجعتَ إلى النَّبيِّ تَقولُ مَا لا / يَقولُ المرءُ ذُو النَّفْسِ الحَيِيَّهْ
ألستُ لمن ظَفَرْتَ بهم حَلِيفاً / فَهَبْ لي من مَغَانِمِهم عَطِيَّهْ
وَإنّي قد أَبَيْتُ فلم أُعِنْهُم / عَلَيكَ وما تَرَكْتُكَ عن تَقِيَّهْ
فقال كَذَبْتَ مَالَكَ مِن خَلاقٍ / وما تَخْفَى على الله الطَّوِيَّهْ
عَلَيكَ بِذِي الرُّقَيْبَةِ إنّ فيه / لَمَا أحببتَ من صلةٍ سَنِيَّهْ
تَأَمَّلْ هل مَلَكتَ عليَّ أمرِي / وهل صَدَقَتْكَ رُؤيَاكَ الغَبِيَّهْ
لكلٍّ من دُعاةِ الشِّركِ حربٌ / مُظَفَّرَةُ الوقائِعِ خَيْبَرِيَّهْ
سَجَايا المُرهفاتِ البيضِ أَوْلَى / بمن جَعلوا النِّفاقَ لهم سَجِيَّهْ
أكانوا كُلُّهُم دَاءً عَيَاءَ
أكانوا كُلُّهُم دَاءً عَيَاءَ / فما يَجِدُ الأُساةُ لهم دَواءَ
ألاَ إنّ النَّطَاسِيَّ المرجَّى / أتى يَلقى الأُلى انتظروا اللِّقاءَ
أتى بالحكمةِ الكُبرى رسولاً / فكانَ لِعلّةِ الدُّنيا شِفَاءَ
أَتَطمعُ زَينبٌ بذراعِ شاةٍ / يُسمَّمُ أن يُضَرَّ وأن يُساءَ
أبى المَلِكُ المُهيمِنُ ما أرادتْ / فَخَيَّبَها وكان لهُ وَقَاءَ
أتَتْ تمشِي بها وتقولُ هذا / طعامُكَ فَارْضَهُ وانعمْ مَساءَ
فقال لصحبِهِ رِزقٌ أتانا / فباسمِ الله لا نُحْصِي ثَنَاءَ
فَلَّما ذَاقَها قال اتركوها / فإنّ اللهَ قد كَشَفَ الغِطاءَ
طَعَامُ السُّوءِ مَسْمُومٌ وهذا / أخِي جبريلُ بالأنباءِ جَاءَ
فَكَفُّوا غَيْرَ بَادِرَةِ لِبِشْرٍ / مَضَتْ قَدَراً لِرَبِّكَ أو قَضاءَ
فَيَا لكِ طَعنَةً لم تُبْقِ منه / لِحاجَةِ نَفْسِهِ إلا ذماءَ
إذا رامَ التَّحَوُّلَ أمسكته / ولو قَدرتْ مَفاصِلُهُ لَناءَ
قَضَاها حِجَّةً من ذاقَ فيها / مَرَارَةَ عَيشِهِ كَرِهَ البقاءَ
وحُمَّ قَضَاؤُهُ فَمَضَى رَضِيَّاً / يُبَوَّأُ جَنَّةَ المأوى جَزاءَ
وقال مُحَمَّدٌ يا آلَ بِشرٍ / كَفَى بِدَمِ التي قُتِلَتْ عَزَاءَ
فلاقَت زَينبٌ قتلاً بقتلٍ / وما كانت لصاحبهم كِفَاءَ
أمَنْ حَمَلَ الخِمَارَ من الغواني / كمن حَمَلَ العِمامَةَ واللِّواءَ
كَذلِكَ حُكمُ ربِّكَ في كتاب / أقَامَ السُّبْلَ بَيِّنَةً وِضَاءَ
هُوَ القِسْطَاسُ أُنزلَ مُسْتَقيماً / لِمن يَزِنُ النُّفوسَ أو الدِّماءَ
أتى يحمي الحُقُوقَ ويقتضيها / فلا جَنَفاً يُريدُ ولا عَدَاءَ
بِناءُ العدلِ ليس به خَفاءٌ / فَسُبحانَ الذي رَفَعَ البِناءَ
ألا خَسِرَ اليهودُ ولا أصابوا / طِوالَ الدَّهرِ خَيراً أو نَماءَ
كَأنَّ الغدرَ عِندَ القومِ دِينٌ / فَما يَدَعُ الرجالَ ولا النساءَ
أَتَيْنَ بِهِنَّ من شَوقٍ غَليلُ
أَتَيْنَ بِهِنَّ من شَوقٍ غَليلُ / وَعُدْنَ لَهُنَّ مُنْقَلَبٌ جَليلُ
خَرَجْنَ من الخدورِ مُهاجِراتٍ / فلا دَعَةٌ ولا ظِلٌّ ظَليلُ
يَسِرْنَ مع النَّبيِّ على سواءٍ / ولا هادٍ سِواهُ ولا دَليلُ
يُرِدْنَ الله لا يَبغِينَ دُنيا / كثيرُ مَتاعِها نَزْرٌ قَلِيلُ
عَقَائِلُ في حِمَى الإسلامِ يَسْمُو / بِهِنَّ مِنَ العُلَى فَرْعٌ طَوِيْلُ
يَفِئْنَ إلى صَفِيَّةَ حيث كانت / وكان سَبيلُها نِعْمَ السَّبيلُ
عَلَيْها من رسولِ الله وَسْمٌ / مُبينُ العِتقِ وضّاحٌ جَميلُ
عَشِيرَةُ سُؤْدُدٍ وقَبيلُ مَجْدٍ / فَبُورِكَتِ العَشيرةُ والقَبيلُ
يُجَرِّدْنَ النُّفوسَ مُجاهِداتٍ / بِحَيْثُ يُجرَّدُ العَضْبُ الصَّقِيلُ
فَلا ضَعْفٌ يَعوقُ ولا لُغُوبٌ / ولا وَلَدٌ يَشوقُ ولا حَلِيلُ
نِساءُ الصِّدْقِ ما فِيهِنَّ عَيْبٌ / وليس لَهُنَّ في الدنيا مَثيلُ
أَخَذْنَ عَطَاءَهُنَّ على حَياءٍ / يَزيدُ جَمالَهُ الخُلُقُ النَّبيلُ
لَئِنْ قَلَّ الذي أُوتِينَ مِنْهُ / فأجرُ الله مَوفورٌ جَزيلُ
بَنِي بَكرٍ وما يُغني الملامُ
بَنِي بَكرٍ وما يُغني الملامُ / تَلَظَّى البأسُ وانتقضَ الحُسامُ
ذِمَامٌ صادِقٌ ودَمٌ حَرَامُ / وَعِزٌّ من خُزاعَةَ لا يُرامُ
يَقومُ عليه حامٍ لا يَنامُ /
أعانكم الأُلى نَبَذُوا الوفاءَ / وَراحَ القومُ يمشونَ الضَّراءَ
وما تَخفَى جَريرَةُ مَن أساءَ / سُيوفُ مُحمّدٍ جُعلتْ جَزاءَ
فما البَغْيُ الذَّميمُ وما العُرامُ /
قَتلتُم من خُزاعَةَ بالوتيرِ / رِجالاً ما أتاهم من نَذيرِ
لَبِئْسَ الغدرُ من خُلُقٍ نكيرِ / ويا للناسِ للحَدَثِ الكبيرِ
أكان محمدٌ مِمّن يُضَامُ /
أَتَوْهُ يَنشدونَ الحِلْفَ وَفْدا / تَهُدُّ شَكاتُهُ الأحرارَ هدّا
فقال لهم نُصِرتُم واسْتَعَدَّا / وَرَاحَ يَسوقُهُ للحربِ جُنْدَا
تُظلّلهُ الملائِكةُ الكِرامُ /
أبا سُفيانَ ذلك ما تراهُ / هو البأسُ المصمِّمُ لا سِواهُ
أليسَ الحِلفُ قد وَهنتْ عُراهُ / فكيف تُشَدُّ بعدئذٍ قُواهُ
أبا سُفيانَ ليس لكم ذِمامُ /
كتمتَ الحقَّ تطمعُ في المحالِ / فما بالُ الثِّقاتِ من الرجالِ
فتحتم بالأذى بابَ القتالِ / فما دُونَ اللقَاءِ سِوَى ليالِ
وَيَفتحُ مَكَةَ الجيشُ اللُّهامُ /
دَعِ الأرحامَ ليس لكم شفيعُ / لقد حَاولْتَ ما لا تستطيعُ
رُويدَكَ إنّه الرأيُ الجميعُ / وإنّ اللهَ ليس له قَرِيعُ
تَعالَى جَدُّهُ وَسَمَا المقامُ /
رَجعتَ وأزعجتكَ الحادثَاتُ / فَسِرْتَ تقولُ هل قَدمَ الغُزاةُ
نَعَمْ قَدَم الميامينُ الهُداةُ / وتلكَ جِيادُهم والمُرهفاتُ
فَدَعْ دينَ الغُواةِ وقُلْ سَلامُ /
أبا سُفيانَ هل أبصرتَ نارا / كنارِ القومِ إذ باتوا سُهارى
أَبَتْ وأَبَوْا فما تألو استعارا / ولا تُحْصَى وإن عُدَّت مِرارا
هو الفَزَعُ المؤجَّجُ لا الضَّرامُ /
لقد أنذرتَ قومَكَ فاستطاروا / وراحوا ما يقرُّ لهم قَرَارُ
نَبَتْ بهمُ المنازلُ والديارُ / وضاقَ سبيلهُم فيها فحاروا
وقال سَرَاتُهُم خطْبٌ جُسَامُ /
فدعهُم يا ابن حربٍ تَلْقَ رُشْدَا / وبالحقِّ اعتصِمْ فالحقُّ أجدى
سبيلَ مُحمّدٍ فَاسْلكه أهدى / وخذه يا ابن حربٍ منه عهدا
لِبيتِكَ فيه من شرفٍ دِعامُ /
مع العباس سِرْتَ إلى الرسولِ / لأعظَمِ مطلبٍ وأجلِّ سُولِ
لِدينِ اللهِ دينِ ذوي العُقُولِ / مِنَ النَّفرِ المساميحِ العُدولِ
صَدقْتُكَ ليس كالنّورِ الظّلامُ /
لَقيتَ مُحمداً حُرّاً رشيدا / فَعُدْتَ بِيُمنِهِ خَلقاً جديدا
هُدِيتَ وكنتَ جَبَّاراً عَنيداً / هَنيئاً فاصحبِ الجَدَّ السعيدا
بما أولاك صاحبُكَ الهُمامُ /
أصبتَ الخيرَ أجمعَ والرشادا / على يدِهِ وَنِلْتَ به المُرادا
أفادَكَ يا ابن حربٍ ما أفادا / فباركَ فيكَ ربُّكَ ثم زادا
وعند الله يُلْتَمَسُ التّمامُ /
نظرتَ فهل رأيتَ أشدَّ صبرا / وأحسنَ منظراً وأجلَّ قَدْرا
كتائبُ من جُنودِ اللّهِ تَتْرَى / تَمُرُّ عليكَ واحدةً فأخرى
لها مِن دِينِها العالي نِظامُ /
تُكبِّرُ رَبَّها وتَراهُ حقّا / وتَبذُلُ فيه أَنْفُسَها فَتَبْقَى
لَكَ البُشْرَى نعمتَ وكنتَ تشقى / فماذا من أيادِي اللهِ تَلْقَى
لقد جَلَّتْ فليس لها انصرامُ /
لَنِعْمَ الصّاحبانِ الناجيانِ / على طُولِ التَّرَدُّدِ والتَّوانِي
حكيمٌ وابن ورقاءَ اللذانِ / أرادا اللَّهَ فيما يَبغيانِ
فليس بغير سُنّتِهِ اعتصامُ /
كِلا الرجلينِ غِطريفٌ كريمُ / له في قومِهِ حَسَبٌ قَدِيمُ
زعيمٌ جاءَ يصحبه زعيمٌ / كذلك يظهر الدينُ العظيمُ
فتعرفُهُ الغطارفةُ العِظَامُ /
مَضَى لك يا حكيمُ ولابن حربِ / قَضَاءٌ زادَ حُبّاً كُلَّ قلبِ
ومَن أولَى من الهادِي بِحُبِّ / وأجدرُ من عشيرتِهِ بِقُربِ
قريشٌ قومه وهو الإمامُ /
إذا جَعَلتْ قلوبُ الناسِ تهفو / فمن بَيْتَيْكُما حِرْزٌ وكَهْفُ
وعندكما ظِلالُ الأمن تضفو / وَوِرْدُ العيشِ للوُرّادِ يصفو
هما البيتانِ كُلّهما حَرامُ /
وفي حَرَمِ اللّواءِ لكلِ نَفْسِ / تَلُوذُ بهِ كِفايَةُ كُلِّ بأسِ
يَراهُ سَراةُ مَكّةَ فوق رَأْسِ / لِميمونِ النَّقيبةِ غيرِ نِكْسِ
مِنَ النفرِ الأُلَى صَلُّوا وصَاموا /
لِواءُ أبي رُوَيْحَةَ ما أعزّا / لِواءٌ قامَ للإيمانِ رَمْزا
يَهُزُّ قُلوبُ أهلِ الشِّركِ هَزّا / وَيترُكُ بأسَهُمْ ضَعْفاً وعَجْزا
فَمَنْ للقومِ إن وَقَعَ الصّدامُ /
بُجَيْرٌ كيفَ يُخطِئُكَ السّدادُ
بُجَيْرٌ كيفَ يُخطِئُكَ السّدادُ / ويَجنحُ ضِلَّةً منك القِياد
ألا إنّ اللبيبَ لذو صلاحٍ / إذا ما الرأيُ خَالَطَهُ الفَسادُ
تركتَ أخاكَ تَنْشُدُهُ مُراداً / لنفسِكَ صالحاً نِعمَ المُرادُ
تقولُ له أَنَبْقَى في ظُنونٍ / تَذودُ البيّنَاتِ ولا تُذادُ
فَدَعْنِي وَانْتَظِرْ يا كعبُ إنّي / لأَخْشَى أن يَطيحَ بنا العِنادُ
أَجِيءُ مُحمّداً فأرى أَغَيٌّ / يُرادُ بِمَنْ يَليهِ أم رَشادُ
أتى فَرَأى اليقينَ له جَلاءً / فطابتْ نَفسُه وصَفَا الفُؤادُ
وَأَسْلَمَ لا يَرَى للّهِ نِدّاً / تَدينُ له الخلائِقُ والعِبادُ
وأنفذَهُ إلى كعبٍ كتاباً / كأنّ سُطُورَهُ البِيضُ الحِدادُ
دَعَاهُ إليهِ يَكرهُ أن يَراه / كَمَنْ صَدَفوا عَنِ المُثلَى وَحادوا
وقال لئن أَبيتَ فلا تلُمْنِي / إذا أخذتكَ داهيةٌ نَآدُ
رَمَيْتَ مُحمّداً فَلأنتَ صَيْدٌ / له يا كعبُ والرّامي يُصادُ
إذا لم تأتِنَا فاذْهَبْ بَعيداً / عَسَى مَنْجَىً يُغِيثُكَ أو مَصَادُ
أتاه نَذيرهُ فَعَناهُ هَمٌّ / وَطَالَ اللّيلُ وَامْتَنَعَ الرُّقادُ
إذا التمسَ القَرارَ أبى عليه / وغَالَ قُواهُ ذُعْرٌ وَارْتِعادُ
يَظُنُّ الأرضَ تَرجفُ أو تنَزَّى / فما تَرسو الجبال ولا الوِهادُ
وأرسلَ يا بَجَيْرُ صبأت لمّا / سَقَاكَ بكأسِهِ السمحُ الجَوادُ
أدينَ أبيكَ تَتركُ يا بُجَيْرٌ / ولا دِينٌ سواهُ ولا اعتقادُ
وَسَاوِسُ ذاهلٍ يَغْشَاهُ رُعبٌ / فُيورِثُهُ جُنوناً أو يَكادُ
فلمّا ضَاقَتْ الدُّنْيا عليه / وَهَدَّتْ رُكنَهُ الكُرَبُ الشِّدَادُ
أتَى يَبغِي الأمانَ لَدَى كريمٍ / يُرَجَّى الخيرُ منه ويُسْتَفادُ
تَدَارَكَ نَفسَهُ منه بعفوٍ / فعادتْ حين لا يُرْجَى مَعَادُ
ولاذَ بِمَعْقِلِ الإسلامِ كَعبٌ / فلا رُكنٌ يَميلُ ولا عِمادُ
هَلُمَّ فَلاقِهِ يا كعبُ رِزْقاً / مِنَ الرِضوانِ ليس له نَفادُ
لَنِعمَ الزرعُ زرعُكَ حِينَ تَبغِي / جَناهُ وحِينَ يُدركُهُ الحَصَادُ
لَقِيتَ كرامةً وسَعِدَتْ جَدّاً / فَغَنِّ إذاً وقُلْ بَانَتْ سُعادُ
وَخُذْهَا بُردَةً للشّعْرِ فيها / طَرِيفُ العِزِّ والمجدُ التِّلادُ
إلى العُزَّى فقد بَلَغتْ مَدَاها
إلى العُزَّى فقد بَلَغتْ مَدَاها / وإنّ على يَدَيْكَ لَمُنتهَاها
أزِلْها خَالدٌ وَاهْدِمْ بِناءً / أُقِيمَ على جَوَانِبِها سَفَاها
بَناهُ الجاهلونَ لها ودَانوا / بِها من دونِ خَالِقِهِم إلها
مُذَمَّمَةٌ تُساقُ لها الهَدَايا / تَظَلُّ دِمَاؤُها تَسْقِي ثَرَاها
رَماها ابنُ الوليدِ فأيَّ شرٍّ / أزالَ وأيَّ داهيةٍ رمَاها
وأين غُرورُ سَادِنها وماذا / أَفَادَ دُعاؤُهُ لمّا دَعاها
أجلْ يا ابنَ الوليدِ لقد دَهَاها / من الهُونِ المُبَرِّحِ ما دَهاها
ويا عَمْرو اتَّخِذْ لِسُوَاعَ بأساً / يُذِلُّ من الطَواغيتِ الجِباها
وَيَنتزِعُ الغوايَةَ مِن نُفُوسٍ / ألحَّ ضَلالُها وطَغَى هَواها
هَدَمْتَ ضَلالَةً شَابَتْ عليها / هُذَيْلٌ بعدَ ما قَضَّتْ صِباهَا
تَطَاولَتِ القُرونُ وما تَناهَتْ / فَقُلْ لِسُواعَ دَهْرُكَ قَد تَنَاهى
رآه وَلِيُّهُ كَذِباً فَوَلَّى / يُسائِلُ نفسَهُ ماذا عَرَاها
وقال شَهِدتُ أنّ اللَّهَ حَقٌّ / وأنَّ النَّفسَ يَنفعُها هُدَاها
جَعلتُ محمداً سَبَبِي فإنّي / أرَى أسبابَهُ شُدَّتْ عُراها
مَناةُ مَنَاةُ مالَكِ من بقاءٍ / وأيُّ شَقِيَّةٍ بَلغتْ مُناها
رماكِ اللَّهُ من زَيْدِ بْنِ سَعْدٍ / بِمَنْ تَرمِي الجِبالُ له ذُراها
أما نَفَضَتْكِ من خوفٍ وذُعْرٍ / عَرانينُ المُشَلَّلِ إذ لَواها
تَبَارَكَ هادمُ الأصنامِ إنّي / أرَى الأصنامَ تَهْدِمُ مَن بَنَاها
تُضِّلُّ العالمينَ وقَد أتاهم / كِتابُ اللَّهِ يُنْذِرُهُم أذَاها
وما للنَّفسِ تُؤثِرُ أَن تُحَلَّى / سِوَى الإيمَانِ يُلْبِسُها حِلاهَا
هَوَازِنُ أقبِلي ماذا التَّوانِي
هَوَازِنُ أقبِلي ماذا التَّوانِي / أدينُ العِزّ أم دينُ الهَوانِ
خُذي السَّبْيَ الموزَّعَ واشكريها / يَدَاً لِمُهَذَّبٍ جَمِّ الحنانِ
دَعَا أصحابَهُ بلسانِ صدقٍ / إلى الحُسْنَى فيا لَكَ من لِسَانِ
أجابوا مُنعمين ولم يَضنُّوا / بما ملكوا من البيضِ الحسانِ
وقال محمدٌ أين ابنُ عَوْفٍ / سَيَحْمَدُ مُنتَواهُ إذا أتاني
له إن آثَرَ الإسلامَ دِيناً / عَطَاءٌ لا تُجاوِزُهُ الأماني
يَعُودُ بأهلِهِ ويُزادُ مالاً / على مالٍ من الإبلِ الهِجانِ
فَأقبلَ مُسلماً وَمَضَى بخيرٍ / جميلَ الذكرِ محمودَ المكانِ
حَلِيمَةُ أنتِ والشَّيْمَاءُ أمٌّ / وأختٌ فانظرا ما تَصنعانِ
أما لكما الكرامةُ عند مَوْلَىً / كريمِ العهدِ مُوفٍ بالضَّمانِ
وهل بعدَ الرِّدَاءِ يُمَدُّ بِرٌّ / وتكرمةٌ لِذِي خَطَرٍ وَشَانِ
أَجَلَّكُما وأَجزلَ من عطاءٍ / يُعينُ على تَصاريفِ الزّمانِ
رَسُولُ اللهِ كيف وجدتماه / وماذا بعدَ ذلكَ تبغيانِ
عليهِ صلاةُ ربِّكما جميعاً / وَبُورِكَ في الرِّضَاعِ وفي اللِّبانِ
أبا صُرَدٍ لَنِعْمَ العَمُّ يرجو / غِياثَ النّاسِ من قاصٍ وَدَانِ
ظَفرتَ وفازَ بالنُّعْمَى زُهَيْرٌ / وهل لكما سِوَى ما ترجوانِ
ولم أرَ حين تُلتَمَسُ الأيادِي / كمثلِ القولِ يَحْسُنُ والبيانِ
وما مَلِكُ الشآمِ وَمَنْ يَلِيهِ / كَمَنْ وَافَيْتُما تَستَعطِفانِ
لقد نالت هَوَازِنُ ما تَمَنّتْ / وآبَتْ بالسّلامَةِ والأمانِ
أَبَوْا أن يقعدوا والجيشُ يُزجَى
أَبَوْا أن يقعدوا والجيشُ يُزجَى / فَيُوشِكُ أن يكونَ له انْطِلاقُ
وليس لهم سِوَى القُرآنِ يُتلَى / فلا خَيْلٌ ولا إبلٌ تُساقُ
فَلاذوا بالنبيِّ وناشدُوه / لِيَحْمِلَهُمْ فَضاقَ بهم وضاقوا
تَوَلَّوْا تَسْتَهِلُّ على لِحاهُمْ / دُموعٌ مِلءَ أعينهِم تُراقُ
أتُعْوِزُهُمْ لَدَى الزَّحفِ المطايا / ويَسْبِقُهم إلى اللهِ الرِّفاقُ
فَرَقَّ لهم من الغازِينَ قَومٌ / رُمُوا مِنهم بخطبٍ لا يُطاقُ
وَجَاءَوا بالرَّواحِلِ فاستراحوا / مِنَ الهمِّ المُبرِّحِ واسْتفاقوا
أمَنْ يَهديهِ إيمانُ وَتَقْوىً / كمن يُردِيه غِشٌّ أو نِفاقُ
أبا ذرٍّ رَحلتَ على بعيرٍ
أبا ذرٍّ رَحلتَ على بعيرٍ / لو اَنَّ الذَّرَّ يَلْمَسُهُ لَهدَّهْ
بَراهُ السَّيرُ حالاً بعد حالٍ / فأوْهَنَ عَظْمَهُ وأذابَ جِلْدَهْ
عَمدتَ إلى متاعِكَ لم تَدَعْهُ / عليهِ ولم يَدَعْكَ الضّعفُ عِنْدَهْ
شددتَ قُواكَ إذ وَهَنتْ قُواهُ / وَرُضْتَ الأمرَ إذ أبصرتَ جِدَّهْ
وسِرْتَ فكنتَ أصلبَ منه عَزماً / وأصدقَ هِمّةٌ وأشَدَّ نَجْدَهْ
مَشَيْتَ تُريدُ وَجْهَ اللَّهِ حتّى / بلغتَ رَسولَهُ ولَقيتَ جُنْدَهْ
رأوكَ تَؤُمُّهُمْ فرداً فقالوا / أخٌ في اللَّهِ يخشى اللَّهَ جُهْدَهْ
وقال أتى أبو ذَرٍّ فأهلاً / بِصاحبنا الذي ما خان عَهْدَهْ
ألا إنّ الذي يَسْعَى إلينا / ليمشي وَحْدَهُ ويَموتُ وَحْدَهْ
وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ مِن بعدِ هذا / وَسُبحانَ الذي يَختارُ عَبْدَهْ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025