القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دَرّاج القَسْطَلّي الكل
المجموع : 11
مكارمكَ اغتباقِي واصطباحِي
مكارمكَ اغتباقِي واصطباحِي / ومن ذكراكَ ريحاني وَرَاحي
تحَيِيني بأَثمارِ الأَمانِي / وأَرفُلُ منكَ فِي روضِ السَّماحِ
فما هاجَتنيَ الأَطْرَابُ إِلّا / إليكَ نِزاعُ نفسي وارتياحي
ولا غَنَّتْ ليَ الآمالُ إِلّا / وحظُّ رضاكَ سُؤْلِي واقتراحي
فإِنْ أَصبحتُ مُنْتَشِياً بنُعْمى / تُواليها فشُكْرُ الحُرِّ صَاحِ
وقَلَّ لِمَنْ جَلا الإِظلامَ عَنِّي / ولَقَّى ناظِري وَجْهَ الصباحِ
ومَنْ بيمينه وَرِيَتْ زنادي / سَناً وبيُمنِهِ فازَت قدَاحي
ومَنْ نادَيْتُ حَيَّ عَلَى التَّلاقِي / فلَبَّانِي بحَيَّ عَلَى النَّجاحِ
وآوانِي إِلَى رُكْنٍ شديدٍ / وأَوْفى بي عَلَى أَمَلٍ مُتاحِ
وزيرٌ قُلِّدَ المَلِكَانِ منهُ / حُسامَ البأْس والنُّصْح المُباحِ
حمائلُهُ لصدر المُلْك حَلْيٌ / وحدَّاهُ عَتادٌ للكِفاحِ
حياةٌ عند مُزْدَحَمِ الأَمانِي / وموتٌ عند مُشتَجَرِ الرِّماحِ
ولَيثٌ تَحْتَ سابغَةٍ دلاصٍ / وغيثٌ بَيْنَ أَثناءِ الوشاحِ
إِذا الرَّاياتُ جَهَّزَها برأْيٍ / فقد لَقِيَ العِدى شاكي السِّلاحِ
وإِنْ لاقى الخطوبَ بفَضْلِ حُكْمٍ / فقَدْ أَبقاهُ ذُخراً للصَّلاحِ
بَعيدُ الشَّأْو مُقتَرِبُ الأَيادي / عَزيزُ القَدْر مخفوضُ الجَناحِ
حسامٌ للكواكِبِ فِي المعالي / مُبارٍ فِي المكارم للرِّياحِ
فمُلِّيناهُ فِي دِينٍ ودُنيا / مَريعَ الروض محلول النَّواحي
إِلَيْكَ سَبَقْتُ أَقْدارَ الحِمامِ
إِلَيْكَ سَبَقْتُ أَقْدارَ الحِمامِ / وعَنْكَ هَتَكْتُ أَسْتارَ الظَّلامِ
وفِيكَ حَمَيْتُ مَثْوى النَّوْمِ جَفْنِي / وأَحْمَيْتُ الهَواجِرَ فِي لِثامِي
ونَحْوَكَ جُبْتُ لَيْلَ البِيدِ حَتَّى / تركتُ دُجاه مفضوض الختامِ
وزاحمتُ الخطوبَ إِلَيْكَ حَتَّى / خَفيتُ عَلَى المنايا فِي الزِّحَامِ
وعَنْكَ قَرعْتُ مَتْنَ الأَرْضِ حَتَّى / تَفَجَّرَ بالرِّياضِ وبالمُدامِ
زَمَانَ جَبَرْتَ من كَبِدِي صُدُوعاً / يُصَدِّعُ ذِكْرُها صُمَّ السِّلامِ
وحِينَ أَسَوْتَ فِي قَلْبي جِراحاً / قلوبُ الكاشِحِينَ لَهَا دَوَامِ
ويومَ حَمَيْتَنِي من كُلِّ خَطبٍ / جديرٍ أَنْ يَحُمَّ بِهِ حِمامي
فَبَيْنَ يَدَيْكَ أَصْبَحَ فَضُّ شَمْلِي / أَلِيفَ الشِّعْبِ مُتَّسِقَ النظامِ
وعندَ حِماكَ أَمْسى نَشرُ سِرْبي / خَصِيبَ الرَّعْيِ مَرْعِيَّ السَّوَامِ
وفي مَأْوَاكَ عادَ شَرِيدُ رَحْلِي / عزيزَ الجارِ مَضْرُوبَ الخِيامِ
ومن جَدْوَاكَ رُدَّ دمي ولَحْمِي / وَمَا انْتَقَتِ الحوادِثُ من عِظَامِي
فَكَفْكَفْتَ الرَّدى عنِّي بِكَفٍّ / تُثيرُ الغيثَ فِي الغَيْمِ الجَهامِ
ولَقَّتْنِي الأَمانِي مِنْكَ وَجْهاً / يُنيرُ الأَرْضَ فِي داجي الظَّلامِ
كما أَوْثَقْتَ فِي حَضْرٍ وثَغْرٍ / عُرى الإِسلامِ من بَعْدِ انْفِصامِ
وآوَيْتَ الغريبَ وهل غريبٌ / توخَّى ركنَ عِزِّكَ باسْتِلامِ
بجودٍ لا يضيعُ بِهِ رجاءٌ / وجَدٍّ لا يَرِيعُ إِلَى مُسامِ
وإِقبالٍ تشيِّعُهُ بعزمٍ / لأَمرِ الله ماضِي الإِعْتزامِ
وإِقدامٍ تؤيِّدُهُ بحزمٍ / إِلَى الأَعداءِ مشدودِ الحزامِ
وبأْسٍ هل يُجيرُ الدهرُ منه / بعيدَ الشَّأْوِ أَوْ صعبَ المُرَامِ
ولو بلغ النُّسُورَ بِهِ نسورٌ / وطارَ بِهِ النَّعامُ إِلَى النَّعَامِ
بكلِّ مُظاهِرِ الماذِيِّ لِبْساً / عَلَى حَبَرَاتِ أَنْعُمِكَ الجِسامِ
يرى ثَمَرَ الحياةِ لديك مُرّاً / إذَا لَمْ يُجْنَ من شَجَرِ الحِمامِ
وكل مُهَنَّدٍ ضَرِمٍ شَذَاهُ / يُرِيكَ الهندَ فِي لَمْعِ الضِّرَامِ
ومُطَّرِدِ الكعوبِ أَصَمَّ لَدْنٍ / ينادِي فِي العِدى صَمِّي صَمامِ
سفكتَ بِهِنَّ كلَّ دمٍ حلالٍ / وصُنْتَ بهنَّ كل دمٍ حرامِ
وجلَّلْتَ الخيولَ بِهَا نجوماً / تَطَلَّعُ فِي سَمواتِ القِيامِ
كتائبَ يَنْتَهِبْنَ الأَرضَ زحفاً / إذَا أَوْجَسْنَ من جيشٍ لُهامِ
ويَبْعَثْنَ الرَّغامَ إِلَى أُنوفٍ / وَقَدْ عَفَرَتْ أُنوفاً بالرَّغامِ
سَمَوْتَ بِهِنَّ ساميَةَ الهوادِي / لِكَلِّ مُشَيَّدِ الشُّرُفاتِ سامِ
حقوقاً للعُلا خاصَمْتَ فِيهَا / بماضِيَةِ الظُّبى لُدِّ الخِصامِ
وفي عَرْشِ السماءِ قضاء مُعْطٍ / يديكَ بِهِنَّ مِلْكَ الإِحْتِكامِ
فصُلْتَ بِهَا مليكاً ذا انْتِصَارٍ / يؤيِّدُهُ عزيزٌ ذو انْتِقامِ
وأَنحى سيفُكَ الماضِي عليها / فَعذْنَ بسيفِ رحمتكَ الكهامِ
بطاعتِكَ الَّتِي أَثْبَتْنَ منها / دعائِمَ قَدْ هَوَيْنَ إِلَى انهِدامِ
وأُبْتَ تقودُ خيلَ الله أَوْباً / شفى الإِسلامَ من حَرِّ الأُوامِ
وقد سَمَّيْتَها فِي كُلِّ غَزوٍ / مفاتيحَ الفتوحات العِظامِ
وكم قَوَّدْتَها يحيى فَحَفَّتْ / نجومُ الليلِ بالبدرِ التَّمَامِ
وعُدتَ بِهَا عَلَى حَكَمٍ تُعالي / وميضَ البَرْقِ فِي جوِّ الغَمامِ
عروساً كلَّ بِكْرٍ أَوْ عَوَانٍ / من العَطِراتِ بالمَوْتِ الزُّؤامِ
ورُبَّ عروسِ فتحٍ أَبرزاها / إِلَيْنا من مغازِيكَ التُّؤَامِ
موشَّحَةً بأَرءَامٍ وأُسْدٍ / متوَّجةً براياتٍ وهامِ
مقلَّدَةَ السَّبايا والأُسارى / نظاماً يستضيفُ إِلَى نِظامِ
فمن ظبيٍ غريرٍ فِي عقالٍ / ومن ليثٍ هصورٍ فِي خِطامِ
ومأْسورٍ بِقدٍّ من سوارٍ / ومكبولٍ بقيدٍ من خدامِ
حواسِرَ عن كواكبَ من وجوهٍ / طوالِعَ فِي شعورٍ من ظَلامِ
رزَايا كلِّ مُعْتاضِ المنايا / سبايا كلِّ محمودِ المَقامِ
وَفِي الوجناتِ أَمثِلَةٌ تُرِينا / طِعانَكَ فِي صدُورِهِمُ الدَّوامي
كمُشْعَرَةِ الحجيجِ تُساقُ هَدْياً / إِلَى عَرَصاتِ مكَّةَ والمَقامِ
وَقَدْ ضُرِبَتْ قِداحُ الهندِ فِيهِمْ / لأَيسارِ الحياةِ أَوْ الحِمامِ
فقِسْمٌ للمصانِعِ والحشايا / وقسم للمصارِعِ والرِّجَامِ
نفوساً دونَها ماتت كِراماً / وَقَدْ ضَنَّتْ بِهَا ضَنَّ اللِئامِ
ففارَقْنَ الديارَ بلا وداعٍ / ولاقَيْنَ الوجوهَ بِلا سلامِ
تُذَكِّرُنا دواهِيَ بدَّلَتْنا / من الأَكنانِ ضاحِيَةَ المَوَامِي
نغاوِرُ قَفْرَها والليلُ داجٍ / ونعسِفُ بَحْرَها والموجُ طامِ
ونؤنسُ بالمهالِكِ كلَّ نفسٍ / تَوَحَّشُ للغصونِ بلا حَمامِ
ونَنْصِبُ للصَّواخِدِ كلَّ وَجْهٍ / بعيدٍ أَن يُحَيَّا بالسَّلامِ
تغرَّبَ فِي البلادِ فأَفْرَدَتْهُ / فقيدَ العزِّ مجحودَ الذِّمامِ
تجافى الأَرْضُ عنه وَهْوَ مُعْيٍ / وتجفوهُ المناهِلُ وَهْوَ ظامِي
وَقَدْ ضربَ الأَسى فِيهَا علينا / رِواقاً يستضيءُ من الظَّلامِ
فما نَجْمُ الهدى إِلّا سِناني / ولا فَلَقُ الضُّحى إِلّا حُسامِي
وخُيِّلَتِ الأَهِلَّةُ لي قِسِيّاً / رمينَ بِيَ الصَّبا رَمْيَ السِّهامِ
إِماماً للرياحِ مُشَرِّقَاتٍ / وَ مُنذِرُ مَشْرِقُ الدُّنيا إِمامي
وما شِيَمُ الزمانِ رَمَتْ إِلَيْهِ / ولكنْ رَمْيَةٌ من غَيرِ رامِ
وتهيامُ الثناءِ إِلَى مليكٍ / لَهُ بالحمدِ وَجْدُ المستهامِ
فما راع المشوقُ إِلَى غريبٍ / ولا أَصغى المحِبُّ إِلَى مَلامِ
فيا عَجَبَ الخطوبِ يُبِحْنَ ستري / وَقَدْ أَيْقَنَّ أَنَّ بِهِ اعتصامي
وحَتَّامَ النوى تهوي برحلي / وَقَدْ عَقَدَتْ بذمَّتِهِ ذِمامِي
فما فَكَّتْ حُدَاءً عن رِكابِي / ولا كفَّتْ يميناً من زِمامي
فليس لنا إِلَى وَطَنٍ مَرَدٌّ / ولا فِي دارِ قومٍ من مُقامِ
ولا حَلَّتْ بنا دارٌ فزادَتْ / عَلَى ذاتِ الحوافِرِ والسَّنَامِ
مخاضٌ مَا لمولِدِهِ رَضاعٌ / وتَرْحَالٌ أَمَرُّ من الفِطَامِ
وعامُ مُقامِنا عامٌ كيومٍ / ويومُ رَحيلِنا يومٌ كعامِ
كيومِ الهمِّ لَيْسَ بذي انتقاصٍ / ويومِ اللهوِ لَيْسَ بذي تَمَامِ
كَأَنَّا فِي المَنَازِلِ طَلْعُ نخلٍ / يُوَافِي أَهْلَهُ أَمَدُ الصِّرامِ
وَمَا يُغْني خراجٌ من خروجٍ / وَلَيْسَ يُجِيرُ غُرْمٌ من غَرَامِ
نُرَوَّعُ بالنَّوى والذُّعْرُ باقٍ / وَنُفْجَأُ بِالأَسى والجُرْحُ دامِ
وَمَا سَكَنَتْ جُنوبٌ فِي مِهادٍ / ولا مُلِئَتْ عيونٌ من مَنَامِ
كما حُدِّثْتَ عن لَسْعِ الأَفاعِي / يُعاوِدُ سُمُّها عاماً بِعامِ
فهل حَوْلٌ يحولُ بلا رحيلٍ / ولَوْ شيئاً نراه فِي المَنامِ
وأفْجِعْ بالنَّوى فِي دارِ سَفْرٍ / فكَيْفَ نوىً عَلَى دارِ المُقامِ
ومَنْ مَلَّ الجلاءَ فعاذَ منه / بسُورِ الأَمْنِ فِي البَلَدِ الحرامِ
وشدَّ يَدَيْهِ فِي قربٍ وبعدٍ / بحبلِ المُنْذِرِ المَلِكِ الهُمامِ
وَقَدْ نَبَذَ الأَنامَ بكلِّ أرضٍ / إِلَيْكَ إِلَيْكَ يَا خَيْرَ الأَنامِ
ومَنْ ذا يَا مليكاً مُسْتَجاراً / سِواءَكَ للغريبِ المُسْتَضَامِ
فإِنْ هاجَ الرحيلُ دفينَ سُقْمِي / فكَمْ دافَعْتَ من ذَاكَ السَّقامِ
وإِن أَذْمُمْ عوائِدَ لؤمِ دهري / فَحَيّ عَلَى عوائِدِكَ الكرامِ
بِحُكْمِ العَدْلِ من قاضِي السَّماءِ
بِحُكْمِ العَدْلِ من قاضِي السَّماءِ / حباكَ بِحَقِّ أَحكامِ القَضاءِ
وِراثَةَ مُورِثِ الأَبناءِ مِمَّا / تَحَلّى مِنْ تُرَاثِ الأَنْبِياءِ
أبٌ وَفَّاكَ مِيراثَ المساعي / كما وَفَّيْتَهُ عَهْدَ الوَفاءِ
تَهَدَّى فَارْتَدى حِلْماً وعِلْماً / فلَمْ تُسبَقْ إِلَى ذَاكَ الرِّداءِ
لِتَلْبَسَهُ بإِفضالٍ وفَضْلٍ / وتَنْشُرَهُ بِهَدْيٍ واهْتِدَاءِ
نَماكَ وَقَدْ بَنى دِيناً ودُنْيا / لِتَخْلُفَهُ عَلَى ذَاكَ البِناءِ
وشَيَّدَهُ بإِخلاصِ الأَمانِي / وأَسَّسَهُ بِمَقْبُولِ الدُّعاءِ
عَلِيماً أَنَّ أَرْفَعَ مَا بَناهُ / بناءٌ أُسُّهُ لَكَ فِي السَّماءِ
وأَزْكى مَنْ زَكا صِدْقاً وعَدْلاً / زَكِيٌّ حاز ميراث الزَّكاءِ
فمازَكَ ذو الجلالِ بِعِلْمِ غَيْبٍ / وفَرَّكَ ذُو الرِّياسَةِ عن ذّكاءِ
مَلِيكٌ كُلَّمَا بَلَغَ انْتِهاءً / مِنَ العَلْيا أَهَلَّ إِلَى ابْتِداءِ
فَسُؤْدَدُهُ كَجُودِ يَدَيْهِ جارٍ / منَ الدُّنيا إِلَى غَيرِ انْتِهاءِ
تَجَلَّى فِي بهاءِ نَدىً وعَدْلٍ / ومَدَّ عَلَيْكَ من ذَاكَ البَهاءِ
رجاءٌ فيكَ صُدِّقَ كي يُجازى / كما اسْتَدْعَاكَ تصديقُ الرَّجاءِ
وجَزلاً من عطاءِ اللهِ أَعْدَى / يَدَيْكَ بِهِ جزيلاتُ العَطَاءِ
لتصْرِفَ دعوةَ المظلومِ عَنْهُ / كما صَرَفَ السَّوَامَ إِلَى الرِّعاءِ
وتَرْعى موقِفَ المَلْهوفِ عَنْهُ / يُلَبِّي نَفْسَهُ قَبْلَ النِّداءِ
وتبسُطَ منك للغُرَباءِ وَجْهاً / يُجَلِّي عَنْهُمُ كُرَبَ الجَلاءِ
فَتُبْلِيَ فِيهِمُ سِيَرَ ابْنِ يَحْيى / كما أَبْلاكَ محمودَ البَلاءِ
فأَعْطى القَوْسَ بارِيَها وشُدَّتْ / عَرَاقِي الدَّلْوِ فِي كَرَبِ الرَّشَاءِ
ورُدَّ الرُّوحُ فِي جِسْمِ المَعَالي / ولاحَ النَّجْمُ فِي أُفْقِ السَّماءِ
وجُرِّدَ للهُدى والحقِّ سيفٌ / مُحَلَّىً بالمحامِدِ والثَّناءِ
فوَلّى النُّكْرُ مهزومَ النَّوَاحِي / وجاءَ العُرْفُ منشورَ اللِّواءِ
وغارَ الظُّلمُ فِي ظُلَمِ الدَّياجِي / ولاحَ العدلُ فِي حُلَلِ الضِّياءِ
بِيُمْنٍ أَلبَسَ الأَيَّامَ نُوراً / يُدِيلُ مِنَ الشَّدائِدِ بالرَّخاءِ
وأحكاماً بَثَثْنَ العدلَ حَتَّى / تقاسَمَها الأَباعِدُ بالسَّواءِ
وأخلاقاً خُلِقْنَ منَ التَّمَنِّي / فلاقَتْ كُلَّ هَمٍّ بالشِّفاءِ
فهُنَّ الماءُ فِي صَفْوٍ ولينٍ / وسَوْغٍ وَهْيَ نارٌ فِي الذَّكاءِ
فما بالنَّفْسِ عنها مِن تَناهٍ / ولا بالسِّرِّ عنها من خَفاءِ
فكم جَلَّيْتَ من نَظَرٍ جَليٍّ / قرأْتَ بِهِ أَساطِيرَ الدَّهاءِ
وكم أَوْرَيْتَ من زَنْدٍ ثَقُوبٍ / أَراكَ سِراجُهُ غَيْبَ الرِّياءِ
وكم أَحيَيْتَ من ناءٍ غريبٍ / فقيدِ الأَهْلِ مُنْبَتِّ الإِخاءِ
وكم نَفَّستَ كُرْبَةَ مستكينٍ / تَأَخَّرَ عنهُ نَصْرُ الأَولِياءِ
وكم جَلَّيْتَ من خطْبٍ جليلٍ / وكم دَاوَيْتَ من داءٍ عَياءِ
ولا كَبَني سبيلٍ شَرَّدَتْهُمْ / عن الأَوْطانِ قاضِيَةُ القضاءِ
عواصِف فِتْنَةٍ غَمَّتْ بِغَيْمٍ / بوارِقُهُ سُيُوفُ الإِعْتِداءِ
فأَصْعَقَهُمْ براعِدَةِ المنايا / وأَمْطَرَهُمْ شآبِيبَ الفَناءِ
وطافَ عَلَيْهِمُ طُوفانُ رَوْعٍ / أَفاضَ بِهِمْ إِلَى القفْرِ الفضاءِ
سهامُ نَوىً إِلَى بَرٍّ وبَحْرٍ / وأَغراضٌ لِنُشَّابِ البلاءِ
سَرَوْا فَشَرَوْا بأَفياءٍ صَوافٍ / فيافِيَ لا يَقِينَ من الضَّحاءِ
وحُمْرَ الموتِ من خُضْرِ المَغَانِي / وسُودَ البيدِ من بِيضِ المُلاءِ
ومن كِلَلِ السُّتورِ كلالِ خُوصٍ / وَعَدْتَهُمُ النجاةَ عَلَى النِّجاءِ
وَقَدْ جَدَعَتْ أُنوفَ العِزِّ منهُمْ / خطوبٌ سُمْتَهُمْ أَنفَ الإِباءِ
وأَلْبَسَهُمْ ثِيابَ الذُّلِّ خطبٌ / يَلِيهِمْ فِي ثِيابِ الكِبْرِياءِ
وَأَلْحَقَهُمْ بِلُجِّ البَحْرِ سَيْلٌ / يَمُدُّ مُدَودَهُ فَيْضُ الدِّماءِ
فَوَشْكاً مَا هَوى بِهِمُ هواءٌ / تأَلَّفَهُمْ بأَفئِدَةٍ هَوَاءِ
وحالَ الموجُ دونَ بَني سَبيلٍ / يَطيرُ بهمْ إِلَى الغَوْلِ ابْنُ ماءِ
أَغَرُّ لَهُ جَناحٌ من صباحٍ / يُرَفْرِفُ فَوْقَ جُنْحٍ من مساءِ
يُذَكِّرُهُمْ زَفِيفُ الرِّيحِ فِيهِ / تناوُحَها بِرَبْعِهِمُ الخَلاءِ
ومَحْوُ الماءِ مَا يَخْتَطُّ فِيهِ / دياراً خلَّفوها لِلْعَفاءِ
وصَكُّ الموجِ فِيهَا كُلَّ وَجْهٍ / وُجُوهاً ساوَرَتْهُمْ بالجَفاءِ
وعُدْمُهُمُ صفاءَ الماءِ مِنْهُ / بِعُدْمِهِمُ لإِخوانِ الصَّفاءِ
بِحيثُ تَبَدَّلُوا باللَّهْوِ هَوْلاً / ورَحْبَ الماءِ من رَحْبِ الفِنَاءِ
ومن قَصْفٍ وراحٍ قَصْفَ رِيحٍ / ومن لَعِبِ الهَوى لَعِبَ الهواءِ
كَأَنَّ البَرَّ والبحرَ اسْتَطَارَا / تِجاراً هَمُّهُمْ بُعْدُ الثِّناءِ
يبيعونَ الرَّغائِبَ بَيْعَ بَخْسٍ / ويَشْرُونَ المصائِبَ بالغَلاءِ
ولكنَّ البضائِعَ من هُمُومٍ / عَلَتْ بالرِّبحِ فيهمْ والنَّماءِ
فكَمْ طَلَبُوا الأَمَانِي بالأَمانِي / وكم باعُوا السَّعادَةَ بِالشَّقَاءِ
وكم فاضَتْ مدامِعُهُمْ فَمَدَّتْ / عُبابَ البَحْرِ بالماءِ الرُّواءِ
وَقَدْ وَفَدَتْ جوانِحُهُمْ بِشَجْوٍ / ينادي الشَّمْسَ حيَّ عَلَى الصَّلاءِ
وكم خاضُوا كَهِمَّتِهِمُ بُحوراً / وكم عَدِمُوا الثَّرى عَدَمَ الثَّرَاءِ
وجاءَ الموتُ مُقْتَضِياً نفوساً / لَوَتْ بِقَضائِهِنَّ يَدُ القضاءِ
وما رَدَّ الرَّدى عنها حَنَاناَ / ولكِنْ مَطْلَ داءٍ بالدَّواءِ
فَلأْياً مَا أَهَلَّ بِهِم بشِيرٌ / إِلَى أَرضٍ تَخَيَّلُ فِي سَماءِ
ولأْياً مَا تجافى اليَمُّ عَنْهُمْ / تجافِيَهُ عنِ الزَّبَدِ الجُفَاءِ
ويا عَجَبَ الليالي أَيُّ بَحْرٍ / تَغَلْغَلَ بَيْنَ أَثناءِ الغُثَاءِ
ومن يَسْمعْ بأَنَّ نُجومَ لَيْلٍ / هَوَتْ مَعْ بَدْرِها فَهُمُ أُولاءِ
وأَخْطَأَ سَيْرُهُمْ أُفْقَ ابْنِ يَحْيى / لِيُخْطِئَ عِلْمُهُمْ بِالكِيمياءِ
وكم سَرَتِ الرِّفاقُ بِلا دَليلٍ / إِلَيْهِ والمطيُّ بلا حُدَاءِ
وكم وُقِيَتْ رِكابٌ يَمَّمَتْهُ / سِهامَ النائِباتِ بلا وِقاءِ
فما شَرِبُوا مياهَ الأَرْضِ حَتَّى / تَرَكْنَ وجوهَهُمْ من غَيْرِ ماءِ
ولا نَشَقُوا حياةَ العَيْشِ إِلّا / وَقَدْ خَلَعُوا جَلابِيبَ الحَياءِ
ولا جابُوا إِلَيْهِ القَفْرَ حَتَّى / تَجَاوَبَتِ الحمائِمُ بالبُكاءِ
ولا دَلَّ الزَّمانُ عَلَيْهِ حَتَّى / حَسِبْتُ عِدَايَ قَدْ مَاتُوا بِدائِي
وَلا أَلْقَوا عَصا التَّسيارِ حَتَّى / عَفَتْ حَلَقُ البِطانِ من اللِّقاءِ
ولا بَلَغُوا مُنَاخَ العِيسِ إِلّا / وَفِي الحُلْقُومِ بالِغَةُ الذِّماءِ
وَفِي رَبِّ العبادِ عَزَاءُ عِزٍّ / لِذُلٍّ غالَهُ عِزُّ العَزَاءِ
وَفِي المَنْصُورِ مأْوىً وانتِصارٌ / لِمَنْبُوذِ الوسائِلِ بالعَرَاءِ
وَفِي قاضِي القُضاةِ قَضَاءُ حَقٍّ / لِمَنْ يرعاهُمُ راعِي الرِّعاءِ
أَبُو الحَكَمِ الَّذِي أَلقَتْ يداهُ / إِلَيْكَ الحُكْمَ فِي دانٍ ونَاءِ
وإِنَّكَ منه فِي عدلٍ وفضلٍ / عَلَى أَمَدِ البِعادِ أَوِ الثَّواءِ
مكانَ الفَجْرِ أَشرقَ من ذُكاءٍ / تأَلُّقُهُ وأَعْرَبَ عن ذكاءِ
وإِن يَكُ قُدْوَةَ الكُرمَاءِ جُوداً / فإِنَّكَ بالمكارِمِ ذُو اقْتِداءِ
وإِنَّ أَحَبَّ مَا تَقْضِي إِلَيْهِ / لِمَنْ آواهُمُ حُكْمُ الحِباءِ
وأَنْتَ بسَمْعِ رَأْفَتِهِ سَمِيعٌ / لَهُمْ وبِعَيْنِهِ فِي العَطْفِ راءِ
فإن لَحَظُوكَ من طَرْفٍ خَفِيٍّ / فقد نادَوْكَ من بَرْحِ الخَفاءِ
لِدَيْنٍ لا يَدِينُ بِهِ لِنَبْعٍ / وأَغصانٍ مُشَذَّبَةِ اللِّحاءِ
ودَيْنُهُمُ عَلَى الإِسلامِ أَوْلى / ومالُ اللهِ أَوْسَعُ لِلأَداءِ
هُوَ الحَقُّ الَّذِي جاءَتْكَ فِيهِ / شُهودُ العَدْلِ من رَبِّ السَّماءِ
وَمَا فِي لَحْظِ طَرْفِكَ من نُبُوٍّ / ولا فِي نُورِ رَأْيِكَ من هَباءِ
فهل ببراءةٍ و الحَشْرِ رَيْبٌ / يُبَيَّنُ بالنِّفارِ أَوِ الجَلاءِ
وإِنْ تَزْدَدْ فَثانِيَةُ المثانِي / وإِنْ تَزْدَدْ فرابِعَةُ النِّساءِ
وهلْ بَعْدَ الأُسارى والسَّبايا / مكانٌ للفكاكِ أَوِ الْفِدَاءِ
وَقَدْ قالُوا افْتِقارٌ أَوْ إِسَارٌ / كما قالُوا الجلاءُ مِنَ السِّباءِ
وهَلْ بالبَحْرِ من ظَمَأٍ فَيَرْوى / صَدَاهُ بِغَيْرِ أَكْبادٍ ظِماءِ
وَمَا فِي وَعْدِ رَبِّ العَرْشِ خُلْفٌ / بِما لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الجَزَاءِ
ومَنْ يَرْغَبْ بقاءَ العدل يَسأَلْ / لَكَ الرحمنَ طولاً فِي البَقاءِ
وأَيَّةُ حُرَّةٍ من حُرِّ نَظْمِي / تَجَلَّتْ للخلائِقِ فِي جِلاءِ
هَدِيَّةَ واصِلٍ وهَدِيَّ كُفْءٍ / إِلَى كُفْءِ الهَدَايا والهِدَاءِ
مُتَوَّجَةً بتاجٍ من وِدادِي / مُقَلَّدَةً بِدُرٍّ من ثَنائِي
أَخُو ظَمَأٍ يَمُصُّ حَشاهُ سَبْعٌ
أَخُو ظَمَأٍ يَمُصُّ حَشاهُ سَبْعٌ / وأَرْبَعَةٌ وكُلُّهُمُ ظِماءُ
كَأَنْجُمِ يوسُفٍ عَدَداً ولكِنْ / بِرؤْيَا هَذِهِ بَرِحَ الخَفاءُ
خطوبٌ خاطَبَتْهُمْ من دَوَاهٍ / يموتُ الحزمُ فِيهَا والدَّهاءُ
تراءَتْ بالكواكِبِ وَهْيَ ظُهْرٌ / وآذَنَ فِيهِ بالشَّمْسِ العِشاءُ
فَهَلْ نَظَرِي تَخَفَّى أَوْ بِصَدْرِي / وضاقَ البَحْرُ عَنْها والفَضَاءُ
وكُلُّهُمُ كَيُوسُفَ إِذْ فَدَاهُ / مِنَ القَتْلِ التَّغَرُّبُ والجَلاءُ
وإِنْ سجنٌ حواهُ فكَمْ حواهم / سجونُ الفُلْكِ والقفرُ القَواءُ
وأيَّةُ أُسوةٍ فِي الحسنِ منهُ / لإِحسانِي إِذَا ارْتُخِصَ الشِّراءُ
وَفِي باكيهِ من بُعدٍ وصدري / وأَجفانِي بِمَنْ أبكي مِلاءُ
وأَوْحَشُ من غروبِ الشمس يوماً / كسوفٌ فِي سَناها وامِّحاءُ
وأَفلاذُ الفؤادِ أَمَضُّ قَرْحاً / إِذَا رَمَتِ العيونَ بما تُساءُ
فما كسرورِهِمْ فِي الدهر حُزْنٌ / ولا كشِفائِهم فِي الصدْرِ داءُ
نَقَائِذُ فتنةٍ وخُلوفُ ذُلٍّ / أَلَذُّ من البقاءِ بِهِ الفَناءُ
فإِن أَقْوَتْ مغاني العِزِّ منهمْ / فكم عَمِرَتْ بِهِم بِيدٌ خلاءُ
وإِنْ ضاقَتْ بِهِم أَرضٌ فأَرضٌ / فما بَكَّتْ لمثلِهِمُ السَّماءُ
وإِنْ نَسِيَ الرَّدى منهم ذَماءً / فأَعْذَرَ زاهِقٌ عنه الذَّماءُ
فكَمْ تركوا معاهِدَ مُوحشاتٍ / عَفَتْ حَتَّى عفا فِيهَا العفاءُ
فأَظْلَمَ بعدَنا الإِصباحُ فِيهَا / وكم دهرٍ أَضاءَ بِهَا المساءُ
وجَدَّ بِهَا البِلى فحكتْ وجُوهاً / نأَتْ عنها فَجَدَّ بِهَا البَلاءُ
وَهَوْنُ هَوَانِها فِي كلِّ عَيْنٍ / جديرٌ أن يعِزَّ لَهُ العزاءُ
بَسَطْنَ لكلِّ مقبوضٍ يداهُ / فما فِيهِنَّ غيرُ الدَّمْعِ ماءُ
شُموسٌ غالها ذُعْرٌ وبَيْنٌ / فهُنَّ لكلِّ ضاحيةٍ هَباءُ
وكم لبسُوا من النُّعمى بُروداً / جلاها عن جسومِهِمُ الجلاءُ
مَلابِسُ بامة لَمْ يَبْقَ منها / لهم إِلّا ابْنُ يَحْيى والحياءُ
فإِنْ كشفوا لَهُم منه غطاءً / ففيهِ وفيكَ لي ولهم غِطاءُ
شفيعٌ صادِقٌ منه الوفاءُ / ومولىً صادقٌ فِيهِ الرَّجاءُ
وإِنْ دَجَتِ الخُطوبُ بِهِم عَلَيْهِ / فأَنْتَ لكُلِّ داجيةٍ ضِياءُ
وإِنْ طَوَتِ الرَّزايا من سَناهُمْ / فلحظُكَ منه يتَّضِحُ الخَفاءُ
وإِنْ أَخفى نِداءهُم التَّنائِي / فسمعُكَ منه يُستمعُ النِّداءُ
وإِنْ وَرَدُوا قليبَ الجود عُطْلاً / فأَنت الدَّلْوُ فِيهَا والرِّشاءُ
وَقَدْ شاءَ الإِلَهُ بأَنَّ أندى / بحارِ الأَرضِ يَسقي من تشاءُ
فَنَبِّهْ فادِيَ الأَسْرى عَلَيْهِمْ / نفوسُهُمُ لَهُ ولَكَ الفِداءُ
غصونٌ عندَ بحرِ نداهُ أَوْفَتْ / بِهَا كَحْلٌ وَقَدْ شَذَبَ اللِّحاءُ
وآواها الرَّبيعُ وكلَّ حين / يعيثُ القيظُ فِيهَا والشتاءُ
وجاوَرَتِ الصَّبا فَغَدَتْ وأَمْسَتْ / تُجَرْجِرُ فِي حَشاها الجِرْبِياءُ
رَمَتْ بِهِمُ الحوادثُ نحوَ مولىً / حواها الرِّقُّ منه والولاءُ
وقادَهُمُ الكتابُ إِلَى مليكٍ / تقاضاهُمْ ليمناه القضاءُ
فكم عسفوا إِلَيْهِ لُجَّ بحرٍ / تَلاقَى الماءُ فِيهِ والسَّماءُ
وجابوا نحوَهُ من لُجِّ قفرٍ / يجاوبُ جِنَّهُ فِيهِ الحُداءُ
وكم ناجَتْ نفوسَهُمُ المنايا / فَلأْياً مَا نجا بِهِم النَّجاءُ
وكم بارَوْا هُوِيَّ النجْم تهوي / بِهِم فِي البِيدِ أَفئدةٌ هواءُ
وكمْ صَحِبُوا نُجُومَ اللَّيْلِ حَتَّى / جَلاها فِي عُيُونِهِمُ الضَّحَاءُ
وَرَاعَوْها وَمَا ليَ غَيْرُ جَفْني / وأَجْفانِي لِسِرْبِهِمُ رِعاءُ
هُدىً لَهُمُ إِلَى الآفاقِ حَتَّى / سَرَتْ وَلَهَا بِسَيْرِهِمُ اهْتِداءُ
فما ظَفِرُوا بِمِثْلِكَ نَجْمَ سَعْدٍ / بِهِ لَهُمُ إِلَى الأَمَلِ انْتِهاءُ
ولكِنْ عَدَّلُوا مِنْها حِساباً / لَهُ فِيما دَعَوْكَ لَهُ قَضاءُ
كما زَجَرُوا مِن اسْمِ أَبِيكَ فَأْلاً / فَرُدَّتْ فِيهِ قَبْلَ الزَّايِ رَاءُ
وخَوَّلَ فَأْلُهُمْ بِكَ فَانْتَحاهمْ / بِهِ أُكُلٌ وظِلٌّ واجْتِنَاءُ
فَذَكِّرْ وَادَّكِرْ جِيرانَ بَيْتٍ / بِبَيْتٍ فِيهِ للكَرَمِ اقْتِداءُ
وفيهِ للنُّهى حَكَمٌ وحُكْمٌ / وللنُّعمى قضاءٌ واقْتِضاءُ
إِذَا نَزلَ الشتاءُ بِجارِ بَيْتٍ / تَجَنَّبَ جارَ بَيْتِهِمُ الشِّتاءُ
لَكَ البُشْرَى ودُمْتَ قريرَ عَيْنِ
لَكَ البُشْرَى ودُمْتَ قريرَ عَيْنِ / بشأْوَيْ كوكَبَيْكَ النَّاقِبَيْنِ
مليكَيْ حِمْيَرٍ نَشَآ وشَبَّا / بتيجانِ السَّناءِ مُتَوَّجَيْنِ
صَفِيَّي مَا نَمَتْ عُلْيَا مَعَدٍّ / وسِبطَيْ يَعْرُبٍ فِي الذِّرْوَتَيْنِ
وسَيْفَيْ عاتِقَيْكَ الصَّارِمَيْنِ / وطودَيْ مفخَرَيْكَ الشامِخَيْنِ
هُما للدينِ والدنيا مَحَلّاً / سُوَيْدَاوَاهُما فِي المُقْلَتَيْنِ
نَذَرْتَهُما لدينِ اللهِ نَصْراً / فَقَدْ قاما لنَذْرِكَ وَافِيَيْنِ
وَمَا زالا لَدَيْكَ ولَنْ يَزَالا / بأَعباءِ الخلافَةِ ناهِضَيْنِ
شَرَائِعُ كُنْتَ مُبْدِعَها وَكَانَا / عَلَى مسعاكَ فِيهَا دائِبَيْنِ
وقاما فِي سماءِ عُلاكَ نُوراً / وإِشْرَاقاً مقامَ النَّيِّرَيْنِ
فحاطَ الملكَ أَكْلأُ حائِطَيْنِ / وحَلَّ الدينُ أَمنَعَ مَعْقِلَيْنِ
بحاجِبِ شَمْسِ دَوْلَةِ عبدِ شَمْسٍ / وسيفِ اللهِ منها فِي اليَدَيْنِ
وناصِرِها الَّذِي ضَمِنَتْ ظُباهُ / حِمى الثَّغْرَيْنِ منها الأَعْلَيَيْنِ
غَذَوْتَهُما لِبانَ الحربِ حَتَّى / تَرَكْتَهُما إِلَيْها آنِسَيْنِ
وَمَا زالا رَضِيعَيْها عَوَاناً / وبِكْراً ناشئَيْنِ ويافِعَيْنِ
فما كَذَبَتْ ظنونُكَ يومَ جاءا / إِلَى أَمَدِ المكارِمِ سابقَيْنِ
ولا خابَتْ مُناكَ وَقَدْ أَنافا / عَلَى رُتَبِ المعالي سامِيَيْنِ
ولا نُسِيَتْ عهودُ الحارِثَيْنِ / ولا ضَاعَتْ وصايا المُنْذِرَيْنِ
ولا خَزِيَتْ مآثِرُ ذِي كَلاعٍ / ولا أَخْوَتْ كواعِبُ ذِي رُعَيْنِ
ولمَّا اسْتَصرَخَ الإِسلامُ طاعا / إِلَى العاداتِ منكَ مُلَبِّيَيْنِ
كما لَبَّيْتَهُ أَيَّامَ تلقَى / سيوفَ عُداتِهِ بالرَّاحَتَيْنِ
تراثٌ حزتَ مفخَرَهُ نِزاعاً / إِلَى أَبناءِ عَمِّكَ فِي حُنَيْنِ
وقدتَ زمامَهُ حِفْظاً ورَعْياً / إِلَى سِبْطَيْ عُلاكَ الأَوَّلَيْنِ
فيا عِزَّ الهُدى يومَ اسْتَقَلّا / لحزبِ اللهِ غَيْرَ مُوَاكِلَيْنِ
ويا خِزْيَ العدى لما استَتَمَّا / إِلَيْهِمْ بالكتائِبِ قائِدَيْنِ
وَقَدْ نَهَدَا بأَيمَنِ طائِرَيْنِ / وَقَدْ طَلَعَا بأَسْعَدِ طالِعَيْنِ
وَقَدْ جاءَتْ جُنودُ النصرِ زحفاً / تلوذُ بظلِّ أَكرمِ رايتَيْنِ
كتائِبُ مثل جُنحِ الليلِ تَبْأَى / عَلَى بدرِ الظلامِ بِغُرَّتَيْنِ
بكُلِّ مُقَضْقِضِ الأَقرانِ ماضٍ / كَأَنَّ بثوبِهِ ذا لِبْدَتَيْنِ
فتىً وَلَدَتْهُ أَطرافُ العَوَالِي / ومُقْعِصَةُ المنايا تَوْأَمَيْنِ
كَأَنَّ سِنَانَهُ شِيعيُّ بَغْيٍ / تَقَحَّمَ ثائِراً بِدَمِ الحُسَيْنِ
وكُلِّ أَصَمَّ عَرَّاصِ التَّثَنِّي / وذِي شُطَبٍ رقيقِ الشَّفْرَتَيْنِ
كَأَنَّهُما وليلُ الحربِ داجٍ / سَنا بَرْقَيْنِ فِيهَا خاطِفَيْنِ
أَمَا وسَناهُما يومَ اسْتَنارا / بنورِ الأَبلَجَيْنِ الأَزهرينِ
وراحَا بالمنايا فاسْتَباحا / ديارَ لَمِيقُ غيرَ مُعَرِّدَيْنِ
وَقَدْ جاشَتْ جُيوشُ الموتِ فِيهَا / بأَهْوَلَ من توافي الأَيْهَمَيْنِ
كَأَنَّ مَجَرَّةَ الأَفلاكِ حَفَّتْ / بِهَا محفوفَةً بالشِّعْرَيَيْنِ
وَقَدْ زُمَّتْ رِكابُ الشِّرْكِ منها / إِلَى سَفَرٍ وَكَانَا الحادِيَيْنِ
وناءا بالدماءِ عَلَى رُباها / حَياً للدِّينِ نَوْءَ المِرْزَمَيْنِ
لعزم موفَّقين مسدَّدَيْنِ / وبأس مؤيدين مظفَّرَيْنِ
وَقَدْ خَسَفا كُرُنَّةَ بالعَوَالِي / و بُوغَةَ بادِئَيْنِ وعائِدَيْنِ
لقد زَجَرَ الهُدى يومَ استطارا / إِلَى الأَعداءِ أَيْمَنَ سانِحَيْنِ
وشامَ الكفرُ يومَ تَيَمَّمَاهُ / بجندِ الحَقِّ أَشْأَمَ بارِقَيْنِ
فتلكَ مصانِعُ الأَمنِ اسْتَحالَتْ / مصارِعَ كُلِّ ذي خَتْرٍ ومَيْنِ
لغاوٍ سَلَّ سيفَ النَّكْثُ فِيهَا / كما نَعَبَ الغرابُ بيومِ بَيْنِ
فأَضْحَتْ منه ثانِيَةً لِحَزْوى / ووَلَّى ثالِثاً للقارِظَيْنِ
تنادِيهِ المعاهِدُ لَيْتَ بَيْنِي / وبينَكَ قَبْلُ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ
لئِنْ وَجَدَتْهُ أَشْأَمَ من قُدارٍ / لقد عَدِمَتْهُ أَخْيَبَ من حُنَيْنِ
سَليبَ المُلْكِ مُنْبَتَّ الأَمانِي / وفَقْدُ العِزِّ إِحْدى المِيتَتَيْنِ
طريدَ الرَّوْعِ لَوْ حَسِبَ الزُّبانى / تلاحِظُهُ لَغارَ مع البُطَيْنِ
وكلُّ مُخادِعٍ لَكَ لم يُخَادِعْ / حُسامَكَ منه حَسْمُ الأَخْدَعَيْنِ
هَوَتْ بِهِمُ مَوَاطِئُ كُلِّ غَدْرٍ / إِلَى أَخْزى موارِدِ كُلِّ حَيْنِ
لسيفٍ لا تَقِي حَدَّاهُ نَفْساً / تَرَاءى من وراءِ الصَّفْحَتَيْنِ
فباءَ عِداكَ من خُلفِ الأَمانِي / ومن فَقْدِ الحياةِ بِخَيْبَتَيْنِ
فللإِشراكِ كِلْتا الخِزْيَتَيْنِ / وللإِسلامِ إِحْدى الحُسْنَيَيْنِ
مغانِمُ لا يُحيطُ بِهِنَّ إِلّا / حسابُ الكاتِبَيْنِ الحافِظَيْنِ
كَأَنَّ الأَرضَ جاءَتْنَا تَهادى / بِوَجْرَةَ أَوْ بِشِعْبَيْ رَامَتَيْنِ
بكُلِّ أَغَرَّ سامِي الطَّرْفِ غُلَّتْ / يداهُ للإِسارِ بيارِقَيْنِ
وأَغْيَدَ أَذْهَلَتْ سَيفاكَ عَنهُ / هَرِيتَ الشِّدْقِ عَبْلَ السَّاعِدَيْنِ
فيا سُمْرَ القَنا زَهْواً وفخراً / بَيْنَ الجَحْفَلَيْنِ
ويا قُضُبَ الحديدِ خَلاَكِ ذَمٌّ / بما أَحْرَزْتِ من قَصَبِ اللُّجَيْنِ
بطَعْنِ الأَكرَمَيْنِ الأَجْوَدَيْنِ / وضربِ الأَمجَدَيْنِ الأَنْجَدَيْنِ
فلِلَّهِ المنابِرُ يومَ تَبأَى / بفتحٍ جاءَ يتلُو البُشْرَيَيْنِ
لئِنْ كَانَ اسمُهُ فِي الأَرضِ فَتْحاً / فَكُنْيَتُهُ تمامُ النِّعمتَيْنِ
فتوحٌ عَمَّتِ الدنيا وذَلَّتْ / لَهُنَّ رقابُ أَهلِ الخافِقَيْنِ
وخَرَّ لَهَا الصليبُ بكلِّ أَرضٍ / صريعاً للجبينِ ولِلْيَدَيْنِ
مآثِرُ عامِرِيَّينِ اسْتَبَدَّا / لساحاتِ المكارِمِ عامِرَيْنِ
وهِمَّاتٌ تَنازَعُ سابِقاتٍ / إِلَى ميراثِ مُلْكِ التُّبَّعَيْنِ
هما شمسا مفارِقِ كلِّ فخْرٍ / فَخَلِّ سَناهُما والمَغْرِبَيْنِ
وبحرَا الجودِ ليثا كلِّ غابٍ / فَكِلْ عَدْوَيْهِمَا بالعُدْوَتَيْنِ
ويا قُطْبَ العُلا مُلِّيتَ نُعْمى / تَمَلّاها بقُرْبِ الفَرْقَدَيْنِ
فَقُرَّةُ أَعيُنِ الإِسلامِ أَلّا / تزالَ بمَنْ وَلَدْتَ قَريرَ عَيْنِ
تُناضِلُ عنكَ أًقدارُ السماءِ
تُناضِلُ عنكَ أًقدارُ السماءِ / وتبطِشُ عن يَدَيْكَ يدُ القضاءِ
وسعيٌ لا يَعُوجُ عَلَى حُلُولٍ / وشأْوٌ لا يفوتُ إِلَى انْتِهاءِ
فما قَصُرَتْ رِماحُكَ عن عَدُوٍّ / ولَوْ أَعْيا بِهِ أَمَدُ التَّنائِي
إِذا أَشْرَعْتَها فِي إِثْرِ غاوٍ / فَقدْ ضاقَتْ بِهِ سُبُلُ النَّجاءِ
ولو طارَتْ بِهِ أَلفا عُقابٍ / يَرُمْنَ بنفسِهِ خَرْقَ الهواءِ
وأَيْنَ يَفِرُّ عَنْ دركِ المنايا / وأَيْنَ يَشِذُّ من تحتِ السماءِ
فَيَهْنِ الدينَ والدنيا بشيرٌ / بِغَرْسِيَةِ الأَعادِي والعَدَاءِ
بصُنْعٍ أَعْجَزَ الآمالَ قِدْماً / وقَصَّرَ دُونَهُ أَمَدُ الرَّجاءِ
أَلذَّ عَلَى المسامِعِ من حياةٍ / وأَنْجَعَ فِي النفوسِ من الشِّفاءِ
فيا فَتْحاً لمُفْتَتِحٍ وبُشرى / لمنتظِرٍ ويا مَرْأَىً لِراءِ
أَسِيرٌ مَا يُعادَلُ فِي فكاكٍ / وعانٍ مَا يُساوَى فِي فِداءِ
هُوَ الدَّاءُ العَياءُ شَفَيْتَ منهُ / فما لِلدِّينِ من داءٍ عياءِ
لقد كادَتْ سعودُكَ منهُ نَجْماً / منيعَ الجَوِّ وَعْرَ الإِرْتِقاءِ
وأَعْظَمَ فِي الضَّلالَةِ من صليبٍ / وأَعْلَى فِي الكتائِبِ من لِواءِ
حَمى شِيَعَ الضَّلالِ فأَهَّلَتْهُ / لِمِلْكِ الرِّقِّ منها والولاءِ
زعيمٌ بالكتائِبِ والمَذَاكِي / ثِمالٌ للرَّعايا والرِّعاءِ
مُباري سَيْفِهِ قَدَماً وبأْساً / ومشفوعُ التجارِبِ بالدَّهاءِ
وهَلْ للحزمِ والإِقدامِ يوماً / إِذَا عَنَّتْ سُعُودُكَ من غَناءِ
تعاطى فِي جنودِ اللهِ كَرَّاً / وَقَدْ نَبَذَتْ إِلَيْهِ عَلَى سَوَاءِ
وَمَا للنَّصْرِ عنها من خِلافٍ / وَمَا للفَتْحِ منها مِنْ خَفاءِ
فساوَرَ نحوَها غَوْلَ المنايا / وجُرِّعَ دُونَها مُرَّ اللقاءِ
وأَجْلَتْ عنه مُنْجَدِلاً صريعاً / مَصُونَ الشِّأْوِ مَحْمِيَّ الذَّماءِ
وأَسلَمَهُ إِلَى الإِسلامِ جيشٌ / أَغَصَّ بِجَمْعِهِ رَحْبَ الفَضاءِ
لئِنْ خَذَلَتْهُ أَطرافُ العوالي / لقد آساهُ إِعوالُ البُكاءِ
بكُلِّ مُرَجِّع للنَّوْحِ يُشْجِي / بَوَاكِيَهُ بتَثْوِيبِ النِّداءِ
نَعاءِ إِلَى ملوكِ الرُّومِ طُرَّاً / ذَوي التِّيجانِ غَرْسِيَةً نَعاءِ
وهَلْ للرومِ والإِفْرَنْجِ منهُ / وَقَدْ أودى سِوى سُوءِ العزاءِ
فملكُ الكُفْرِ لَيْسَ بِذِي وَلِيٍّ / وثأْرُ الشِّرْكِ لَيْسَ بذي بَوَاءِ
لقد أَرْضَتْ سيوفُكَ فِيهِ مولىً / كريم العَهْدِ مَحمود البَلاءِ
فما أَغْنَتْ بظهرِ الغَيْبِ إِلّا / وَقَدْ أَغنى بِهَا كرَمُ الوَفاءِ
ولا أَسَرَتْ لَكَ الأَملاكَ إِلّا / وَقَدْ أَلْبَسْتَها سِيما السَّناءِ
ولا خَطَفَتْ لَكَ الأَرواحَ إِلّا / وَقَدْ أَرْوَيْتَهُنَّ من الدِّماءِ
وَقَدْ أَبلَيْتَ فِيهِ اللهَ شُكْراً / تواصِلُهُ بإِخلاصِ الدُّعاءِ
وسِعْتَ عبادَهُ صَفْحاً وفَضْلاً / عليماً أَنَّهُ رَبُّ الجزاءِ
فوالى بالمزيدِ من الأَماني / وضاعَفَ بالجزيلِ من العطاءِ
وأَتْبَعَ فَلَّ غَرْسِيَةٍ عجالاً / يسوقُهُمُ الرَّدى سَوْقَ الحُدَاءِ
فأَسْأَلُ من بَرَاهُمْ للمنايا / بسيفِكَ أَن يَخُصَّكَ بالبقاءِ
قريرَ العَيْنِ مشفوعَ الأَمانِي / سعيدَ الجَدِّ محبورَ الثَّوَاءِ
لِمُلْكٍ لا يُراعُ بِرَيْبِ دَهْرٍ / وسَعْدٍ لا يحورُ إِلَى انقضاءِ
أهِلِّي قَدْ أنى لكِ أن تُهِلِّي
أهِلِّي قَدْ أنى لكِ أن تُهِلِّي / إلى صَوبِ الغمامِ المُسْتَهِلِّ
فَمُدِيّ طرفَ ناظرةٍ تَرَيْني / تَمَكَّنَ مَغَرِسي فِيهِ وأصْلي
سنا برقٍ تلألأَ عن ذِماِمِي / وصوبُ حياً تجلَّى عن مَحَلِّي
ودونَكِ مَبْركاً فِي فَيْءِ ظِلٍّ / يُريكِ بأنَّهُ فَيئي وظِلِّي
هُوَ الظِلُّ الَّذِي قارَعتِ عنهُ / حَصى الرَّمضاءِ دامِيةَ الأظلِّ
وهذا موعدُ الأَملِ المنادي / سُراكِ سُرورُهُ ألّا تَمَلِّي
ونورُ الفجرِ من إظلامِ لَيلٍ / أضاءَ نجومَهُ لَكِ أن تَضِلِّي
أوانَ يُفَتِّرُ الإِمساءُ جهدي / فأطلُبُ فِي سنا الإصباحِ ذَحْلي
ويَرْمَدُ فِي هجيرِ القيظِ جفني / فأجعلُ من سوادِ الليلِ كُحْلي
لكيما تعلَمي فِي أيِّ مأوىً / من الملكِ الرفيعِ وضعتُ رَحْلي
ويَصدُقَكِ العيانُ بأي حبلٍ / من ابن العامِرِيِّ وصلتُ حبلي
وحسبُكِ قولُهُ أهلاً وسهلاً / بما جاوزتِ من حَزْنٍ وسَهلِ
فسِيحي وارتَعِي كلَّاً إليه / عَلَى ظَلَعِ الكلالِ حَمَلْتِ كَلِّي
مدىً لكِ كانَ منكِ مَدى كريمٍ / فَكوني منه فِي حِلٍّ وبلِّ
وَقَدْ قَضَتِ المكارِمُ أن تَعزِّي / كَمَا قَضَتِ المكارِهُ أن تَذِلِّي
فَرَعياً فِي حمى مَلكٍ رَعاني / فَحَلَّ قيودَ تَرْحَالي وحِلِّي
مَدى عبد العزيز وأيُّ عِزٍّ / أنَختُ إليه ذُلّاً فَوْقَ ذُلِّ
فَعَوَّضَ منكِ فِي مثواه بِرِّي / وأذْهَلَ عنكِ فِي مثواهُ نُزْلي
وعن مَثَنى زِمامِكِ فِي يميني / شَبا قَلمٍ عَلَى الدُّنيا مُطِلِّ
يُملُّ عليه مؤتَمَنُ المعالي / مساعيَهُ فيَستَملي ويُملي
ويُسمِعُ فِي صريرِ الخطِّ منهُ / خطاباً لا يُمَلُّ من المُمِلِّ
لِجَدِّكَ كَانَ أوَّلُ سَعْدِ جَدِّي / وأغْدَقُ بارِقٍ فِي جَوِّ مَحلي
وأحنى موتِرٍ برضاه قوسي / وأخفى رائِشٍ بنَدَاهُ نَبْلي
وصَيَّرَ مَا حَمى حَرَمِي حَراَماً / عَلَى عَدْوِ الزمان المستحلِّ
ووطَّأ فِي مكارِمِهِ مِهادِي / وأعْلى فِي مراتِبِهِ مَحَلِّي
وكم حَلَّى يَدِي من ذي عِنانِ / ودَلَّ إلى يَدِي من ذاتِ دَلِّ
فَحَقَّاً مَا تَرَكتُ عَلَيْهِ بَعْدي / ثناءً أعْجَزَ المُثنِينَ قَبلي
فأمطَرْتُ الورى رُطَباً جَنيّاً / وَمَا سُقِيَتْ بغيرِ نداهُ نَخْلي
وسَقَّيتُ النُهى أرْياً مَشَوراً / وَمَا جَرَسَتْ سِوى نُعْمَاهُ نَحْلي
هُوَ المَلِكُ الَّذِي لَمْ يُبقِ مِثلاً / سِواكَ ولا لِنَظْمِ عُلاكَ مِثْلي
ويَبْخَسُني الزمانُ ولو وَفى لي / بِحَظّي لاشتكى جُهْدَ المُقِلِّ
ولو أنِّي سلَلْتُ عَلَيْهِ سَيفاً / تُقَلِّدُني لباءَ بِشِسْعِ نَعلي
وكَمْ من شاهِدٍ عَدْلٍ عَلَيْهِ / بظُلمِي لَوْ قَضى قاضٍ بِعَدْلِ
ولو سَمِ جَدُّكَ المنصورُ أدعُو / إِلَيْهِ لَمَ يَسُمْني سَوْمَ مَطْلِ
وأنتَ ورِثْتَهُ طِفلاً ولكن / رَجَحتَ عَلَى الرجالِ بِحلمِ كَهْلِ
بما رَدَّاكَ من هَدْيٍ وبِرٍّ / وَمَا حلّاكَ من قولٍ وفعلِ
فَغَضَّ من البدورِ سنا هِلالٍ / وهَدَّ من الليوثِ زئيرَ شِبلِ
وأنتَ أمِينُهُ فِي كل سَعْيٍ / سَقى نَهَلاً لِتُتْبِعَهُ بِعَلِّ
محافِظُ عَهدِهِ فِي قَوْدِ جَيْشٍ / بأعباءِ الوقائِعِ مُسْتقِلِّ
وتالي شَأوِهِ فِي كلِّ فَخْرٍ / وثاني سَعْيِهِ فِي كلِّ فَضْلِ
وفَيْضُ يمينِهِ والحمدُ يَغْلُو / ونورُ جبينهِ والحربُ تَغْلي
بكُلِّ أغَرَّ فوقَ أغَرَّ يَصْلى / جَحيم الحرب مُقْتَحِماً ويُصْلي
يلوثُ الدِرْعَ منهُ بِليْثِ بأسٍ / يصولُ عَلَى العِدى بأصمَّ صِلِّ
وكلِّ عُقابِ شاهِقَةٍ تَجَلَّى / أناسيُّ الحتوفِ لما تُجَلِّي
بَرِيُّ السيفِ من دَهَشٍ وجُبْنٍ / وحُرُّ الصدرِ من غَدرٍ وغلِّ
وَمَا يُثنى السِنانُ بغيرِ قَصفٍ / ولا حَدُّ الحُسامِ بغيرِ فَلِّ
جَلوتَ لهُمْ معالِمَ ذَكَّرَتْهُمْ / مَعالِمَ جَدِّكَ الملِكِ الأجلِّ
سلكتَ سبيلَهُ هَدْياً بهديٍ / وقمتَ مقامَهُ مِثْلاً بِمِثلِ
وأخلَصْتَ الصَّلاةَ إلى المَصَلَّى / فَبُورِكَ فِي المُصَلَّى والمُصَلِّي
وَقَدْ خَفَقَتْ عليكَ بنودُ عِزٍّ / عَلَتْ واللهُ أَعلاهَا ويُعلي
كما خَفَقَتْ عَلَيَّ قلوبُ غِيدٍ / أَمَرَّ لَهُنَّ دوني وَهوَ مُحلِ
بما أثبَتَّ فِيهِ من يَقيني / وَمَا حَقَّقْتَ فِيهِ من لَعَلِّي
وما راعيتَ فِيهِ من ذِمامي / وَمَا أدْنَيْتَ فِيهِ من مَحَلِّي
فلا زِلْتَ المُفَدَّى والمُرَجَّى / نَدَاهُ للغريبِ وللمُقِلِّ
ونُوراً فِي الظلامِ لِمُستَنِيرٍ / وظِلّاً في الهجيرِ لِمُسْتَظِلِّ
بِسَعدِكَ لا بسعدٍ أو سُعادِ
بِسَعدِكَ لا بسعدٍ أو سُعادِ / تَنقَّلَ كلُّ هَمٍّ عن فُؤادِي
قعَدتُ عنِ الصِّبا وظَلِلتُ أدعُو / بأن تُعطى الظهورَ عَلَى الأعادي
وذلكَ حين أبصرتُ العَوالي / تُميلُ إليكَ أفئِدَةَ العِبادِ
عَلِمتُ بأنَّكَ المَلكُ الَّذي لا / تَدِينُ لغيرِهِ كُلُّ البِلادِ
عجِبتُ لمارِقٍ يعصيكَ جهَلاً / وَقَدْ سَبَقَتْ إليهِ لكَ الأيادي
فَسلْهُ مُخْزِياً هل كَانَ يَدرِي / بأنَّ الخِزْيَ فِي طَلَبِ العِنادِ
ألَمْ يَكُ لَوْ أنابَ إليك طَوْعاً / ينالُ منَ العلا فوقَ المُرادِ
ومَنْ لَمْ يَدرِ أنَّ الهامَ زَرْعٌ / لِينَظُرْ فِعْلَ سيفكَ فِي الأعادِي
حُسامَكَ لاستحالَتْ بالفَسادِ /
فإنَّ الدهرَ عندَكَ فِي قِيادِ /
وَمنْ يَكُنِ الزمانُ لديه عَبْداً / يَنَلْ مَا شاءَ من غَيْرِ ارتِيادِ
فَنَفْسُكَ بالمكارِمِ قَدْ تَحَلَّتْ / ورأيُكَ قَدْ تَحلَّى بالسَّدادِ
وسيفُكَ حيثُما وَجَّهتَ ماضٍ / ونُورُكَ حيثُما يَمَّمْتَ هادِ
ونجمُكَ طالِعٌ بالسَّعْدِ يَجْرِي / فسعدُكَ كُلَّ يومٍ فِي ازْدِيادِ
ونُصْحُكَ فِي الديانَة ليْسَ يَخْفى / وَمَا تَسْعى إلى غيرِ المَعادِ
وما صُوِّرْتَ إلا من حديدٍ / ولا استعْمِلتَ إلا للجِلادِ
وما تَرْضى بغيرِ الدِّرْعِ لِبساً / ولا فَرْشاً تحب سِوى الجِيادِ
أرى الأقدارَ مَا أمضَيْتَ تُمْضي / أأنْتَ تَسُوقُها أمْ أنتَ حادِ
أرى جَدْواكَ للإملاقِ ضِدّاً / وَفِي يَدِكَ المنونُ لمَنْ تُعادِي
أظُنُّكَ أنت مِفتاحَ المنايا / وَقَدْ مُلِّكْتَ أرزاقَ العِبادِ
أتَتْ كُتُبُ الأوائِلِ عنكَ تُثْني / تُبَشِّرُنا وتُنْذِرُ قَوْمَ عادِ
لأنكَ سوفَ تُهْلِكُ كُلَّ عادٍ / وتُنْصَرُ بالملائِكَةِ الشِّدادِ
ولَيْسَتْ فَعْلَةٌ تشناكَ لكِنْ / تَمَلَّكَ أهلَها ضِدُّ المعادِ
ولو وَجَدُوا السبيلَ إليكَ يوماً / لما خَفِيَتْ لهُمْ طُرُقُ الرَّشادِ
أشِرْ نحوَ الشَآمِ وأرْضِ مِصْرٍ / تَجِئْكَ مُجيبَةً لكَ بالقيادِ
وهل مَلِكٌ يُقاسُ إلى ابنِ يَحْيى / لَدى الهيجاءِ أو فِي كُلِّ نادِ
مليكٌ إن حَلَلْتَ بِهِ مُقِلّاً / نَزَلتَ عَلَى أجَلَّ من التِّلادِ
هَلِ المنصورُ للأيام إلّا / يَدٌ قِبَلَ البَرِيَّةِ بل أيادِ
يَحلُّ قصورُ مِثلِكَ فِي مِثالي / حُلولَ الماء فِي ظَمْآنَ صادِ
لئِنْ غَلَبتْ مناقِبُكمْ لِساني / فإنَّ العُذْرَ من بعضِ السِّدادِ
ويومَ كَسَوْتَها رَهَجَ المُصلَّى
ويومَ كَسَوْتَها رَهَجَ المُصلَّى / تُنادِيها المُنى أهلاً وسهلا
مُجَلَّلَةً هوادِيها بِعِزٍّ / يجلّلُ أوْجُهَ الأعداءِ ذُلّا
إذا ضَلَّ العجاجُ بِهَا هَدَاها / جبينُكَ أنْ تُعَرِّجَ أو تَضِلّا
وقد نَشَقَتْ رِياحَ النَّصْرِ تُزْجِي / غمامَ الموتِ أبْرَقَ فاْستَهَلّا
شوازِبَ كالقِداحِ مُساهِماتٍ / ضَرْبتَ بِهَا العِدى حَزْناً وسَهْلا
وكنتَ نَصيحَها سِرّاً وجَهْراً / وكنتَ أمينَها قولاً وفِعْلا
وكنتَ وَليَّ حُكْمِ اللهِ فِيهَا / تُنِيرُ بنورِهِ صِدْقاً وعَدْلا
فحازَ الغدرُ أخْيَبَها سِهاماً / وطبْتَ ففُزْتَ بالقِدْحِ المُعَلَّى
فما جَلَتِ الدُّجى شمسٌ تَجَلَّتْ / كوجهِكَ فِي الوغى لما تَجلَّى
ولا راقَ الحُلِيُّ عَلَى سيوفٍ / كسيفكَ من دمائهِمُ مُحَلَّى
إذا التَقَتِ الفتوحُ عَلَيْكَ تَتْرى / فأولى للمصابِ بِهِنَّ أَولى
وجاءَتْكَ المُنى صُوَراً تَوَالى / فلا تَحْزُنْكَ صَفْحَةُ مَا تَوَلَّى
ولا يُؤْيِسْكَ أبراجٌ تَسامَتْ / بأهمَاجٍ فإنَّ لَدَيْكَ أعْلى
ورُبَّ عُقابِ شاهِقَةٍ تَعَلَّى / بِهَا أَمَلٌ إلى يَدِكُمْ تَدَلَّى
أَصِخْ نحوِي لدعوةِ مُستقلِّ
أَصِخْ نحوِي لدعوةِ مُستقلِّ / يُنادي من غَياباتِ الخُمُولِ
رهَينةِ كلِّ همٍّ مستكينٍ / ونُهزةِ كلِّ خطبٍ مستطيلِ
ومأمونٍ على ظُلْمِ الأعادِي / ونَوَّامٍ على نُوَبِ الذُّحُولِ
تراني منكَ في هِمَمٍ صحاحٍ / نَكَصْنَ على دُجى خَطْبٍ عَليلِ
ولكنْ رُبَّ دهرٍ ساوَرَتْني / غوائِلُهُ على نَهْجِ السَّبيلِ
مُظاهِرِ لامَتَيْ بَغْيٍ ومكرٍ / ومُصْلِتِ صارِمَيْ قالٍ وقيلِ
ورَامٍ عن قِسِيِّ الغِلِّ نَبْلاً / أصَبْنَ مقاتِلَ الأَدَبِ النَّبِيلِ
أباً وبَنِينَ عن عِرْضٍ منيعٍ / لقد أجْلَيْنَ عن أمَلٍ قَتيلِ
فكانَ كأَنَّهُ جَفْنٌ سَخينٌ / أسالَ دماً على خَدٍّ أسيلِ
ومضطَرِمِ الحَشا داءً دَوِيَّاً / تَنَفَّسَ منهُ عن سيفٍ صَقيلِ
فَتِلكَ مَعالِمي عَلَمُ الرَّزايا / وتلكَ وَسائلي دَرَجُ السُّيولِ
وتلكَ مراتِبُ الأخطارِ مِنّي / حمائِمُ يَنْتَحِبْنَ على هَدِيلِ
لَعَلَّ رِضاكَ يا منصورُ يوماً / يَحلُّ بساحَتي عَمَّا قليلِ
ويقرَعُ منكَ أسماعَ المعالي / لنا بِعِثارِ عَبْدٍ مُستَقيلِ
إليكَ جَلَوْتُ أبكارَ المعاني / معاذِيراً بَلألاءِ القَبُولِ
سوارٍ في الظَّلامِ بِلا نجومٍ / هَوَادٍ في الفلاةِ بلا دَليلِ
إذا شَذَّت عن العَرَبِ المَعاني
إذا شَذَّت عن العَرَبِ المَعاني / فَلَيْسَ إلى تَعرُّفِها سَبيلُ
وما يَحْويهِ هذا الدَّهْرُ أنأَى / وأَبْعَدُ من شَبا فِكْرٍ يَجُولُ
ورُبَّتَما بِطُولِ الفكرِ يُدرى / ولكنْ عاجَلَ الفِكرَ الرَّسُولُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025