المجموع : 78
نُفارِقُكُم وَنَضرِبُ في البِلادِ
نُفارِقُكُم وَنَضرِبُ في البِلادِ / وَلا تَتَرحَّلونَ عَنِ الفُؤادِ
نَغيبُ وَلا تَغيبُ الدَّارُ عَنَّا / فَتُوهِمُنا التَقَرُّبَ في البِعادِ
رَحَلنا بِالغَداةِ عَلى وَداعٍ / فَمَن هَذا المُسلِّمُ في الهَوادي
وَفارَقنا الدِّيارَ وَما يَليها / فَما هَذا المشخَّصُ في السَوادِ
خُذُوا عَنّا الَّذي حَمَّلتُمونا / مِنَ الأَشواقِ فَهوَ أَمَرُّ زادِ
وَكُفُّوا عَنْ خَواطِرنا وَعَنَّا / فَقَد حُلتُم بِها دُونَ الرُّقادِ
تَكلَّفْنا الرَّحيلَ فَما أَقَمنا / مَخافَةَ أَن نَذُوبَ عَلى الوِسادِ
وَكان نَصيبُنا مِنكُم كَلاماً / قَطَعناهُ لِتشتَفِيَ الأَعادي
تَرَحَّلنا الجِيادَ وَكُلُّ صَدرٍ / كَأَنَّ فُؤادَهُ تَحتَ الجِيادِ
وَلَو كُنّا نُملَّكُ كُلَّ أَرضٍ / نَطاها ما مَشينا عَن مُرادِ
أَجارَتَنا الَّتي كُنّا نَراها / وَما بَرِحَت وَلَو طالَ التَمادي
أراكِ صَحبِتنا وَظلِلتِ مَعْنا / وظَلَّتْ وحْشةٌ لكِ في ازديادِ
كوجهِ أميرِ قيسٍ حين يبدو / نراهُ وكلُّنا رَيَّانُ صادِ
نراهُ كما نراهُ ولا جديدٌ / بهِ ونَظَلُّ في مُلَحٍ جِدادِ
سَلِ الهَيجاءَ عنهُ وسَلْهُ عنها / إذا انقطعَ الكلامُ لدَى الطِرادِ
وسَلْ عنهُ الخزائِنَ لا تَسَلْها / عنِ المالِ الطريفِ ولا التِلاد
وسلْ عنهُ اليَراعَ وما لدَيهِ / من البيضِ الصحائفِ والمِدادِ
وسلْ عنهُ القريضَ وما يليهِ / وسل كُتُبَ الحواضِرِ والبوادِي
وسلْ ما شئتَ عما شئتَ حتى / ترى ما شئتَ من غُرَرٍ جيادِ
ترى بَرّاً فسيحاً تحتَ ثوبٍ / وبحراً يستقلُّ على جَوادِ
وبدراً لا يُلِمُّ بهِ سِرارٌ / وغيثاً ظلَّ يُفْعِمُ كلَّ وادِ
رُويدكَ أَيُّها المولى المُفدَّى / فأنتَ على ذُرَى السّبعِ الشِدَادِ
إذا فَدَتِ النفوسُ كرامَ قومٍ / فُديتَ بِكُلِ مَفدِيٍّ وفادِ
متى وَثِقَتْ بِعهدٍ منكَ نفسٌ / كفاها العهدُ عن صَوبِ العِهادِ
ومثلُكَ لا يضيعُ فتىً لديهِ / وها أنتَ الأَمينُ على العبادِ
شرِيكُ الناسِ في خَلقٍ جميلٍ / وفي الخُلُقِ الجليلِ على انفِرادِ
لئِن تكُ صُورةٌ جَمَعَتْ فأوعَت / فإنَّ التِبرَ أشبَهُ بالرَّمادِ
لأَهلِ الدهرِ آمالٌ طِوالُ
لأَهلِ الدهرِ آمالٌ طِوالُ / وأطماعٌ ولو طالَ المِطالُ
وأهلُ الدهرِ عُمَّالٌ أطاعُوا / هَواهُ كما أوهُ مالَ مالوا
كُرورُ الدهرِ حَوَّلَ كلَّ حالٍ / هُوَ الدهرُ الدوامُ لهُ مُحالُ
لَعَلَّ الصَدَّ معْهُ لهُ حُؤُولٌ / أُؤَمِّلُهُ كما حالَ الوِصالُ
صلاحُ الحالِ والأعمال مالٌ / ومهما ساءَ مالٌ ساءَ حالُ
دَعِ العُلَماءَ والحُكَماءَ طُرّاً / وسَلْ مالاً ألا ساءَ المآلُ
لأهلِ العِلمِ عَصْرٌ مرَّ مَعْهم / ومرَّ الحِلمُ معْهُ والكَمالُ
مَدَارِسُهُ كأطلالٍ أراها / دَوارِسَ لا سَلامَ ولا سؤَالُ
علا أهلَ المكارِمِ أهلُ لؤْمٍ / أداروا كأْسهم وسَطَوْا وصالوا
مَعاهِدُ كُلِّ هِرٍّ كلُّ صَرْحٍ / وأكرَمُ مَعْهَدِ الأُسدِ الدِحالُ
وكم مَلِكٍ لعاملِهِ ملالٌ / ومملوكٍ لمالِكِه دَلالُ
وما كلُّ امرءٍ دَمُهُ حَرامٌ / ولا كلُّ امرءٍ دمُهُ حَلالُ
عَداكَ اللَومُ ما للعارِ ماءٌ / لوِردِكَ لا ولا للوَهمِ آلُ
اصحَّ الحلمُ عهدَكَ لا حؤُولٌ / لهُ واصحَّ وعدَكَ لا مِطالُ
لكَ الوُدُّ المؤَكَّدُ لا مِراءٌ / عَراهُ ولا مَلامَ ولا مَلالُ
أمامَكَ والوراءَ صِراطُ عدلٍ / سواءٌ حولَهُ حُطَّ الرِحالُ
صُدُورُ مكارِمٍ وأُصولُ عِلمٍ / أُعدِّدُها كما عُدَّ الرِمالُ
وآراءٌ لمادِحها كَلامٌ / وآلاءٌ لحامِدِها كَلالُ
لَكُمْ حَملَ الرسولُ سطور طِرْسٍ / مَطالِعُها كما طَلَعَ الهِلالُ
سُطورٌ كالعَرُوسِ لها حِلاها / ولو أهداكَها كِلمٌ عِطال
هَوىً في القلبِ يعذُبُ وهوَ دَاءُ
هَوىً في القلبِ يعذُبُ وهوَ دَاءُ / كذا الدُنيا وما فيها رياءُ
يرَى ما لا أرَى قلبي فيصبو / وهل قلبُ المُحبِ كما يَشاءُ
مررتُ بدارِ من أهوى فحيَّت / وأشغَلَني عن الردِّ البُكاءُ
خَلَتْ مِن نازلٍ لم يخْلُ منهُ / فُؤَادي فالفُؤَادُ لهُ خِباءُ
على المتحَمِّلينَ لنا سَلامٌ / وإن طالَ التجنُّبُ والجَفاءُ
إذا حالت مودَّتُنا لبُعدٍ / فقد حالَ التَكرُّمُ والوفاءُ
تذكرتُ الصَّباءَ فهِمتُ شَوقاً / لَقد كانَ الهَوى مُنذُ الصَباءُ
وما طيبُ الصَباءِ فدَتْكَ نفسي / وإن يَكُ لا يفي هذا الفِداءُ
سَفكتُ دماً لعيني فيكَ دمعاً / فلا تغَفُلْ فبينَكما دِماءُ
ورُبَّ رِسالةٍ عذراءَ جاءت / لها بالمِسكِ ختمٌ وابتِداءُ
من اللفظِ الصحيحِ لها خِباءُ / على المعنى الصريحِ لهُ بِناء
لآلئُ لُجَّةٍ بِيضٌ عليها / رجالُ الحيِّ غارت والنِساءُ
إذا قلنا اليتيمةُ كَذَّبتْنا / لها شِيَعٌ تَجِلُّ وأنسبِاءُ
تُطارحُني المديحَ وكلُّ مدحٍ / ثوى في غيرِ موضِعِهِ هجاءُ
رأَيتُكَ ما أنِفْتَ لمَدحِ مِثلي / فذاكَ عليكَ من كَرَمٍ ثَناءُ
يَزينُ الحُبُّ ما لا حُسنَ فيهِ / فإنَّ الحُسنَ حُبٌّ وارتضاءُ
ولو حسُنت بعين الكُلِّ لَيْلَى / لَجُنَّ الكُلُّ واشْتَملَ البَلاءُ
أنا الوادي إذا ناديتَ لبَّى / صَداهُ فكانَ منكَ لكَ النِداءُ
خلعتَ عليَّ فضلاً أَدَّعيهِ / وحَسْبي أنَّ مِثلكَ لي جِلاءُ
تَقطَّعَتِ الزِّيارةُ منكَ عنَّا / إلى أن كادَ ينقَطِعُ الرَّجاءُ
ولم يكُ بينَنا نارٌ ولكن / تَعرَّضَ بيننا كالنارِ ماءُ
لقد طالَ البِعادُ ولستُ أدرِي / فأصبِرَ هل يطولُ لهُ البَقاءُ
نقولُ غداً ونَطمَعُ أنْ نَراهُ / فيضحكُ من عُلالتِنا القَضاءُ
تَمَتَّعْ من حَبيبِكَ قبلَ يَومٍ / بهِ من داءِ حُبِّكما شفاءُ
فبعضُ الليلِ ليس لهُ صَباحٌ / وبعضٌ اليومِ ليسَ لهُ مَساءُ
سقاني حُبُّهُ كأْساً دِهَاقا
سقاني حُبُّهُ كأْساً دِهَاقا / فأسكَرَني وأسكَرتُ الرِفاقا
وما عِلمُ الفُؤادُ قديمَ سُكرٍ / بهِ ولكانَ يَعَلمُ لو أفاقا
هَوَى قلبٍ تملَّكَهُ رقيقاً / فواعجبا ولا يرضَى العَتاقا
إذا رقَّ الحبيبُ ودقَّ معنىً / لهُ رقَّ الهَوَى ورَقِي وراقا
جميلٌ قد صَرَفتُ جميلَ صبري / على يدهِ فأحسنَتُ الطِباقا
يَتُوقُ إليهِ قلبي وَهْوَ فيهِ / ويخشى أن يذوبَ فلا يُلاقى
طبيبٌ لا ينالُ الموتُ منهُ / دِماءَ عليلِهِ إلا اسِتراقا
ولو تَرَكَ الدواءَ لنابَ عنهُ / بأطيبَ منهُ نشْراً أو مَذَاقا
فتىً يلهو العليلُ إذا أتاهُ / بهِ عمَّا أُصِيبَ فما أطاقا
ويُوشِكُ أن يخافَ فِراقَ سُقمٍ / مخافةَ أن يذوقَ لهُ فِراقا
أخافُ إذا أشارَ براحتَيه
أخافُ إذا أشارَ براحتَيه / لِعِلمي أنَّ رُوحي في يَدَيه
يَخفِقُ عِندَ نَظْرتهِ فُؤَادي / لأَنَّ سَوادَهُ من مُقلتَيهِ
رَشاً أَلِفَ النِّفارَ وليسَ بِدْعٌ / فقد خُلِقَ النِّفارُ لِمَعْطِفَيهِ
يُعاهِدُ كُلَّ يومٍ كلَّ عَهدٍ / ويَغدُرُ بالنبيِّ وصاحبيْهِ
أُريدُ سُلوَّهُ من كلِّ قلبي / وقلبي لا يُطاوِعُني عليهِ
وهيهاتِ السُلوُّ وقد ظَلِلْنا / وظَلَّ الغُنجُ يَعْقِدُ حاجبَيهِ
وما طُفنا البلادَ ولا رأَينا / مَقامَ المجدِ والدُّنيا لديهِ
لديهِ الفاضلُ البحريُّ بحرٌ / تَضيقُ بِحارُنا في جانبَيهِ
أَصَحُّ الكاتبينَ يداً وفكراً / وأَضبَطُ حاسِباً من كاتبَيهِ
وأَمضَى من ذُبابِ السيفِ رأُياً / وأَجملُ طَلعةً من صَفْحتَيهِ
بيَحيَى تَلهَجُ الفُضَلاءُ طُرّاً / كما لَهِجَ النُحاةُ بِسيبَويْهِ
وتُثنِي المكرُماتُ عليهِ ممَّا / يُعظّمُها وتَحمَدُ أَصغَرَيهِ
أقولُ لمُقلتي لمَّا رأَتهُ / أَهذا مَن رَجَونا أن تَرَيْهِ
لكِ البُشرَى بهِ فاهنَيْ وقِرّي / بمن يُنسِي المُسافرَ والدَيْهِ
دعوتُ من الطريقِِ أَبا سليمٍ / فلبَّاني وأَبرَزَ مِعْصَمَيهِ
فَرُحتُ وقد ضَرَبتُ الدَّهرَ صَفْحاً / وراحَ الدَّهرُ يَضرِبُ أَصدَرَيهِ
سيعلمُ أَهلُ لُبنانٍ بأنّي / فتىً وَطِئَ السِّماكَ بأَخمَصَيهِ
ويَحسُدُني الذينَ حَسَدتُ قبلاً / على وَطَرٍ نَزَلتُ بأَسوَدَيهِ
أَلِفتُ الصَّبرَ حتى صِرتُ صبراً / ولكن كُنتُ أطوَلَ شُقَّتيهِ
وشَيَّبَ عارضَيَّ وليسَ بِدعٌ / إذا شابَ الكريمُ بعارِضيهِ
وَصَلتُ بهِ إلى وَطَرٍ كريمٍ / على الأَوطارِ يَعقِدُ خِنصِرَيهِ
كريمٌ من كريمٍ حين يبدو / تَرى الأَبصارَ شاخصةً إليهِ
رَفَعتُ إليهِ دعوَى الحُبِّ شَرْعاً / وهذي العينُ أَعدَلُ شاهدَيهِ
عَفَتْ دارٌ كقلبكَ بعد سَلْمَى
عَفَتْ دارٌ كقلبكَ بعد سَلْمَى / فأَيُّ المنزلينِ أَضَلُّ رَسْما
وهل تُغنِي الدِيارُ بغيرِ أهلٍ / ولو سَلِمَتْ وكيفَ تَنالُ سِلْما
بَكيْتُ على المَنازِلِ فاسترابَتْ / فَتىً يسقي المنازلَ وَهْوَ يَظما
تَخُطُّ مدامعي و إذا كأَنّي / أُداعِبُها فأَمحو الخَطَّ لَثْما
فَدَيتُكِ من مُوَدِّعةٍ تَوَلَّت / وَخيَّمَ شخصُها في السِّرِ وَهْما
حُرِمنا مُنذُ عَهدِكِ غُمضَ جَفنٍ / فكيفَ نَظُنُّ وَصلَكِ كانَ حُلما
إلى الجَبَلَينِ منَّا اليومَ شوقٌ / وإِنْ لم نَعرِفِ الجَبَلينِ قِدْما
إذا أَبصَرتُ نارَهُما تَمَنَّى / فُؤَادي أَنَّهُ قد كان فَحْما
حَرَصتُ على الحيَاةِ وتلكَ رَهنٌ / لمن تُدمِي بأَلحاظٍ وتُدمَى
إذا أعطت لواحظُها أَماناً / فتأخيرٌ إلى أَجَلٍ مُسَمَّى
مُنَعَّمةٌ بنارِ الوجدِ تُحمِي / ممنَّعةٌ بماءِ البيضِ تُحمَى
رأَيتُ لعينِها قَوساً ورِيشاً / فما كذَّبتُ أَنَّ هناكَ سهما
يُسَاقُ إلى الدلائِلِ كلُّ حكمٍ / إذا قامَ الدليلُ أَقامَ حُكما
فما قُلنا طَرابُلُسٌ سَماءٌ / إلى أَنْ أَطلَعَت في الأُفقِ نَجْما
كريمٌ للثَّناءِ بهِ ثَناءٌ / فخيرُ القولِ ما لم يُخطِ مَرمَى
لَدَيهِ تَخجَلُ الأَشعارُ نَقْداً / وإِنْ تَكُ قد تباهَتْ فيهِ نَظما
أَصَحُّ القومِ في الغَمَراتِ رِأياً / وأَجلى رُؤْيةً وأَجَلُّ حَزْما
وأَطيَبُ من نسيمِ الرَوضِ نَشْراً / وأعذَبُ من سُلافِ الكأْس طَعْما
يُحِبُّ البَذْلَ إلاّ في امتِنانٍ / ويأْبَى الفضلَ إلاَّ أَن يَتِمَّا
و لا يَهوَى لمُهجتِهِ رَواءً / على عَطَشٍ بصاحبِهِ أَلَّما
نجيبٌ يَسبِقُ الداعي مجيباً / لهُ لو كانَ يُؤْتى قبلُ عِلمَا
وَيَعذِرُ من أتاهُ وليسَ عُذرٌ / لهُ في الناس إذْ لم يأْتِ جُرْما
تُقيِّدُ كُلَّ آبدةٍ لديهِ / سُطورٌ كالسَلاسلِ جئنَ دُهْما
تَخَيَّلَ من بياضِ العينِ طِرساً / فجاءَ بأَسودِ الإِنسان رَقما
وَحَسْبُكَ شاعرٌ عربيُّ لَفظٍ / تَدِقُّ لهُ معانٍ خِلْنَ عُجْما
تَصَرَّفَ بالغرائبِ عن فُؤَادٍ / لأَغلاقِ المَشاكلِ فضَّ خَتْما
رأَيتُكَ تَنظِمُ الدُّرَرَ اليتَامَى / فقد لُقِّبتَ بالنَحَّاسِ ظُلما
وما كُلٌّ يُلَقَّبُ عن حِسابٍ / ولا كُلُّ على قَدَرٍ يُسمَّى
أجاشَ الشِعرَ شِعرُك في فُؤَادي / فقُمتُ صَبَابةً وقَعَدتُ سقُما
وتقصيرُ الضعيفِ يُعَدُّ عيباً / ولكنْ لا يُعدُّ عليهِ إِثما
على الدُنيا ومَن فيها السَلامُ
على الدُنيا ومَن فيها السَلامُ / إذا ذَهَبَتْ أحبَّتُنا الكرامُ
وما الدُنيا سوَى أهلٍ عَلَيها / إذا رَحَلَ المُقِيمُ فما المُقامُ
رُوَيدَكَ أيُّها الناعي صَباحاً / كَلامُك في القُلوبِ لهُ كلامُ
أَراكَ نَعَيتَ لي قَمَرَ الدَياجي / تُرَى هل يُدرِكُ القَمَرَ الحِمامُ
لميخائيلَ تبكي كُلُّ عينٍ / وإن يكُ في الجِنانِ له اْبتِسامُ
نُسآءُ بما يَسُرُّ وكلُّ نفسٍ / لها وَطَرٌ سِواهُ لا يُرَامُ
أَقامَ على المنازلِ كلَّ خَودٍ / تنوحُ ولا كما ناح الحَمامُ
وما مِثلُ البكآءِ على حبيبٍ / لطائعهِ وعاصيهِ سَقامُ
سوافرُ لا تنالُ العينُ منها / عليها من غدائِرها لِثامُ
لئنْ كانت بُدوراً في ظَلامٍ / فقد صارت بذاك هيَ الظَلامُ
مخضَّبةُ الطُلَى بدِمآءِ دمعٍ / بِهِنَّ الشيخُ خُضِّبَ والغُلامُ
يَحُولُ الدَمعُ دُون الدَمعِ جرياً / فيُوشكُ أَن يُكفكِفَهُ الزِّحامُ
ألا يا لابسَ الدِيباجِ ماذا / لبِستَ وما اكتَستْ تلكَ العظامُ
عَهِدتُ الخَزَّ لا يُرضيكَ مَهْداً / فما افترشَتْ لِجَنْبيَكَ الرِّجامُ
رَحلتَ عَنِ الدِّيارِ بلا وَداعٍ / وهل بعدَ الرحيلِ لها سَلامُ
تُحاذرُ بعدَ بَينِكَ من نَزيلٍ / كأنَّ النازلينَ دَمٌ حرامُ
أيَدري النعشُ أيُّ فتىً عليهِ / ويدري اللّحدُ من فيهِ ينامُ
ولو عُرِفت لهُ في التُربِ ذاتٌ / ومَنزلةٌ لَهابَتْهُ الهَوامُ
بَكَتهُ الصُحْفُ والأَقلامُ حُزناً / كما بَكَتِ البَلاغةُ والكَلامُ
وتبكيهِ العُفاة وكُلُّ عافٍ / على الصَدقاتِ يبكي لا يُلاَمُ
رَمَتْ أيدي المنايا كُلَّ قلبٍ / بسهمِ أسىً بهِ تُصمى السهامُ
قَصَفْنَ قضيبَ بانٍ في صِباهُ / وكيفَ القصفُ إذ لانَ القَوامُ
كذا الدُنيا وإن طالت علينا / لكُلِّ بِداءةٍ فيها خِتامُ
ولم تَزَلِ الحَياةُ لكلِّ نفسٍ / بها نقصٌ وفي الموتِ التَّمامُ
بَنيناها وتَهدِمُنا وكُلٌّ / من الأمرينِ ليسَ لهُ دَوامُ
أسِحْراً كان شُغلي في هَواكا
أسِحْراً كان شُغلي في هَواكا / لَقد تُهِمَتْ بسحِرٍ مُقلتاكا
شَرِبتُ وما عَرَفتُ الكأسَ حتى / سَكرِتُ فما استطعتُ لهُ دِراكا
حَواكَ وقد حَلَلْتَ بكل قلبٍ / فُؤادٌ لم يَحِلَّ بهِ سِواكا
نَزَلتَ بهِ على طَلَلٍ تَفانَى / ولَستَ بمن على طَلَلٍ تَبَاكَى
أطَعتَ العاذِلينَ بقتلِ صَبٍّ / يُريدُ القتلَ لكن عن رِضاكا
تَعِزُّ كَرامةً ويَهُونُ ذُلاً / فتأنَفُ أن يَقولَ دمي فِداكا
صَبابةُ عاشقٍ مَلَكَتْ فؤَاداً / فما تَرَكتْ لمملكةٍ مِلاكا
يُحاوِلُ أن يَحِلَّ الصَّبرُ فيهِ / ولكنْ لا مكانَ لهُ هُناكا
ألا يا قاتلي باللّحظِ عَمْداً / أرَى عمْدي يُقصِّرُ عن خَطاكا
إذا أمضَى ذُبابُ السَّيفِ حُكماً / غَدَتْ حُجَجُ الوَرِيدِ لهُ رِكاكا
نَهاني الشَّيبُ عن خُلُقٍ قديمٍ / وما بَلَغَ المَشيبَ فقد عصاكا
لَقد شابَ الأميرُ على العَطايا / فحيثُ نَهَيتَهُ عنها نَهاكا
عوائدُ آل رَسْلانَ اللواتي / كوضعِ طباعِهِم تأبي انفِكاكا
رَبينَ بحجْرِ إسماعيلَ حتى / دعاهُنَّ الأمينُ فَقُلنَ هاكا
وَجَدتُكَ أصلَ دَوحةِ رَهطِ قَيْسٍ / وإنْ تَكُ فَرْعَها فيما نَراكا
وقد يَرِدُ الكريمُ على انفرادٍ / وإن أعطاكَ مَولِدهُ اشتراكا
وما ذَبَلَتْ غُصونٌ من تَنُوخٍ / سَقى ماءُ السَّماءِ بها ثَراكا
لَئن عَرَفَتْ لكَ الأعرابُ فضلاً / فقد عَرَفَ الأعاجمُ ما كفاكا
صَفَتْ لكَ هذهِ الأيّامُ وِرداً / ولكن بعدَ ما قَرَعَتْ صَفاكا
عَرَضتَ لها فما طالتْ يَداها / وقُمتَ بها فما قَصُرَتْ يَداكا
أهَمُّ الناسِ في أمرٍ ولكنْ / أقَلُّ الناسِ في الأمرِ ارتباكا
سَبقَتَ إلى الفَعالِ فما تُحاكِي / وجاوَزتَ النّظيرَ فما تُحاكى
وَقَفتَ على صِراطٍ مستقيمٍ / كأنَّ أمامَ عَينِكَ ما وَراكا
تُقَلِّبُ في صروفِ الدَّهرِ طَرْفاً / رَمَيتَ بهِ فما أخطا السِّماكا
فَقَدتَ أخاكَ في الأوصافِ حتى / فَقَدتَ اليومَ في نَسَبٍ أخاكا
وما فَقَدَ اليتيمُ أباً كريماً / إذا غطَّاهُ فَضلٌ من رِداكا
تَعوَّدتَ الجميلَ المَحْضَ حتَّى / منَ الصَبرِ المُجاورِ في حَشاكا
وإنَّكَ لا تُبالي بالمنايا / فتصغُرُ أن يهيج لها بكاكا
إذا نصَبَتْ لكَ الشَرك الليالي / فما قَطَعَت لنَعلَيْكَ الشِراكا
تَشُلُّ يمينَها يُسراكَ جَبْراً / وتَقطَعُ سيفَ نَجْدتِها عَصاكا
تَفنَّنَ في الثَّناءِ عليك قومٌ / سَهِرْتَ لهم ونامُوا في حِماكا
وما كانَ الثَّناءُ عليكَ زُوراً / وقد شَهِدتَ بسِحتّهِ عِداكا
على العهدِ القديم أتَى مُحِبٌّ / قديمُ العهدِ لا ينَسى وَلاكا
لَئِنْ ترَكَتْكَ هِمَّتُهُ لضُعفٍ / فإنّ أباهُ لم يَترُك أباكا
على ذُرِّيَّةِ الرَجُلينِ وَقفٌ / وليسَ بهِ التَّصَرُّفُ من قَضاكا
تُراثٌ نَدَّعيهِ ولو تَمادى / عليهِ الدَّهرُ لا يخَشى الهَلاكا
لَكُمْ حَقُّ الرُّعاةِ على رِجالٍ / لهم حَقُّ الرَعيَّةِ مثلَ ذاكا
مَدَدُتمْ نِعمةً كانت بِحاراً / ومَدُّوا خِدمةً كانت شِباكا
رأيتُكَ في الدُّجَى نَجماً مَطيراً / فما ميَّزتُ أرضَكَ من سماكا
إذا سَافَرتُ كانَ رَجاكَ زادي / وحيثُ نَزَلتُ ظَلّلَني لِواكا
أتَتْنا وهْيَ سافرةُ الجَبينِ
أتَتْنا وهْيَ سافرةُ الجَبينِ / فلاحَ الوَرْدُ تحتَ اليَاسَمينِ
وحَيَّتْ بالبَنانِ فسالَ دَمعي / فأرسَلها مُخضَّبةَ اليَمينِ
لَعُوبٌ بالقُلُوبِ تَحِلُّ فيها / فَتنزلُ مَنزلَ السِرِّ المَصُونِ
أُشَبِّهُ خالَ وَجْنتِها بنَقْطٍ / وقد شبَّهتُ حاجِبَها بنُونِ
مُمنَّعةٌ تَرُدُّ الكَفَّ عنها / وتَخدَعُ بالمَعاطفِ والعُيونِ
تَدُورُ على النُدامَى من يَديَها / أباريقٌ وكأسٌ من مَعينِ
فَدَيتُكِ غادةً نَخشَى سُيوفاً / لأُسْرَتها فنُقَتلُ بالجُفُونِ
حَسِبنا واوَ صُدغِكِ حرفَ عَطفٍ / على ألفٍ نَراها حرفَ لينِ
رَدَدتِ الشاهدَ المجروحَ قَلْبي / وما تَرضَينَ منّي باليمينِ
رُوَيدَكِ ما وَقَفتِ على إمامٍ / ولا شاهَدتِ دِيوانَ الأمينِ
أمينِ الدَولةِ الغرَّاءِ في ما / يُؤيّدُ رايةَ الحَقِّ المُبينِ
يُدَبّرُ كلَّ قُطرِ الشأمِ حَزْماً / بأوسَعَ منهُ قُطراً في الفُنونِ
لقد ألقى الرَصانةَ فيهِ حَتَّى / تهَابُ الريحُ إقلاقَ الغُصونِ
وهَذَّبَ كُلَّ نفسٍ فاستقامَتْ / على قَدَمِ الوَداعةِ والسُكونِ
رَسولٌ من بني الأتراكِ ظَلَّت / بهِ الأعرابُ تُوَعدُ مُنذُ حينِ
لهُ في مُعجِزاتِ الرأي فَيضٌ / كوَحْيٍ هابطٍ في طُورِ سِينِ
يُقيّدُ كُلَّ آبدةٍ ويَرمي / بِسهْمِ الظَنِّ في كَبِدِ اليَقينِ
إذا ما اعتَلَّتِ الدُّنيا شَفاهَا / طبيبٌ منهُ ذو عقلٍ ودِينِ
أيَا بحراً أتانا فَوقَ بَحْرٍ / مَتَى أبصَرتَ بحراً في سفينِ
صَفَوتَ فلم تُكدِّرْكَ اللّيالي / كأنَّكَ لَسْتَ من ماءٍ وطِينِ
أقولُ لِعطفِها عندَ النُهوضِ
أقولُ لِعطفِها عندَ النُهوضِ / أيا وَيلَ الصحيحِ منَ المَريضِ
حَصِيفةُ موقعِ الخَطَواتِ تَمْشي / كما قَطَّعْتَ أبياتَ العَرُوضِ
أطالَ بَلاءَنا شَعرٌ طويلٌ / تُقَلِّبُهُ على رِدفٍ عَريضِ
ثَوَتْ بالرُبْوَتينِ لهُ خيامٌ / فَوَارَتْ ما هُناكَ من الحَضيضِ
مُمنَّعةٌ رأتْ وَجْدي فَهامتْ / كما حُمِلَ النقيضُ على النقيضِ
دَعاها الشَّوقُ فانتبَهَت إليهِ / كما انتَبهَ الأسيرُ إلى القريضِ
أسيرُ الحَقِّ في حُكمٍ تَسَاوَى / فما يُدرَى الحبيبُ من البَغيضِ
يُقَلِّبُ في المَسائلِ كُلَّ طَرْفٍ / ويَلقَى النَّاسَ بالطَرْفِ الغضيضِ
كَفَتْهُ منَ الزَّمانِ سُطورُ صُحْفٍ / فتِلكَ الدَّهرُ من سُودٍ وبيضِ
يقومُ من الصَلاةِ إلى المَثاني / ومن سُنَنِ الكِتابِ إلى الفُروض
إمامُ الشِّعرِ يَبتدعُ القوافي / ويأمَنُ دُونَها حَوْلَ الجريضِ
وينتِجُ في المعاني كُلَّ بِكرٍ / منَ اللائي يَئِسْنَ من المَحيضِ
أصارَ ليُوسُفٍ بيروتَ مِصراً / تَدَفُّقُ نيلِ عِلمٍ مستفيضِ
رَوَى فرَوَى الصَدَى وجَلا فَجلَّى / لَنا ما في المشاكلِ من غُموضِ
أديبٌ كاملٌ شَهْمٌ لديهِ / تلينُ عَرِيكةُ الخَطْبِ القَضيضِ
يَقِلُّ لهُ الثَّناءُ ولو أخَذْنا / قوافيَهُ عَنِ الروضِ الأريضِ
ولَستُ بِمَنْ يَهِيضُ الحَقَّ لكِنْ / تأخَّرْنا إلى الزَمَنِ المَهيضِ
لَقيناهُ وقد أمسَى حُطاماً / وفازَ القومُ بالفَننِ الغرِيضِ
نَرُوحُ كما غَدَونا في ظَماءٍ / وتَخدَعُنا البَوارِقُ بالوَميضِ
وأطْيَبُ مَورِدٍ كأسُ المَنايا / إذا احتاجَ العُقابُ إلى البَعُوضِ
سلامُ اللهِ أيَّتُها القِبابُ
سلامُ اللهِ أيَّتُها القِبابُ / أمَضْرِبُكِ القُلوبُ أمِ التُرابُ
وما لِنَزيلِ قومِكِ من نَصيبٍ / تُرَى أيُصيبُ خيراً أم يُصابُ
وَقَفتُ بجانب الوادي فحَنَّت / لترديدي الحنينَ بهِ الرِّكابُ
وخاطَبتُ الدِّيارَ فلم تُجبْني / وما كُلُّ الخِطابِ لهُ جَوابُ
دِيارٌ لي بها قَمَرٌ مُنيرٌ / تَوارَى والسَّحابُ لهُ نِقابُ
لهُ شَفَةٌ لناظِرِها شَرابٌ / ولكن حظُّ وارِدِها السَّرابُ
وطَرْفٌ فيهِ من قلبي سَوادٌ / وكَفٌّ من دمي فيها خِضابُ
شَكَوتُ لهُ العّذابَ فصَدَّ تيهاً / وذاك الصّدُّ كانَ هُوَ العَذابُ
إذا ما لم يُهمَّكَ أمرُ شاكٍ / فلا الشَكوَى تُفيدُ ولا العِتابُ
أتَى ما لا حَسِبتُ ورُبَّ أمرٍ / حسِبتُ لهُ فما صَدَقَ الحِسابُ
ومارَسْتُ الأنامَ فكم عَدُوٍّ / عليهِ من صَداقتِهِ ثيابُ
وكم من صاحبٍ قد جَرَّ مالاً / يَجُرُّ من العِدَى ظُفرٌ ونابُ
وكم رَجلٍ دَعَوتُ فلم يُجِبْني / ويَدعُوني سِواهُ فلا يُجَابُ
نَرَى بعضاً يَعيبُ صِفاتِ بعضٍ / وما من عائبٍ إلاَّ يُعَابُ
يَعيبُونَ الأميرَ بفَرْطِ جُودٍ / كما لو عِيبَ بالمَطَرِ السَّحابُ
وكيفَ يَهابُ مِن بَذْلِ العَطايا / شُجاعٌ للمَنايا لا يَهابُ
سَجايا المجدِ سِلْسِلَةٌ تَوالتْ / كما انتَسَقَتْ مِنَ الرُّمحِ الكِعابُ
عِمادٌ في بني قَيْسٍ تَسامَى / فذَلَّت من بني يَمَنَ الصِعابُ
ثَوى مَتْنَ البِلادِ فكانَ رأساً / لهُ تَعنُو المَناكِبُ والرِّقابُ
تَرَى في وَجهِهِ سيماءَ مَجْدٍ / كعُنوانٍ يَبينُ بهِ الكِتابُ
تَعرَّضَ غيرَ مُحتجِبٍ ولكنْ / لهُ من فَرْطِ هَيبتِهِ حجابُ
عليهِ لكُلِّ سُوءٍ كُلُّ بابٍ / وليسَ عليهِ للحَسناتِ بابُ
تَقَلَّدَ بالوِلايةِ فَهْيَ سَيفٌ / بِراحةِ مَن يجودُ بهِ الضِرابُ
أتى باسم البَشير لنا بَشيراً / وفيهِ إلى مسمَّاهُ انتِسابُ
لَئِنْ عَبِثت بهِ غُصَصُ اللَيالي / فها قد جاءَها اليومَ الشَّرابُ
وإنَّ الشَّمسَ يَحجُبُها ضَبابٌ / ولكنْ ليسَ يكَسِفُها الضَّبابُ
قَدِ اعتَزَّتْ بدولتِه جبالٌ / عليها من مَكارِمهِ هِضابُ
تَبِيتُ بها الظِبا والأُسْدُ تَسعَى / وتَرعَى الشاءُ فيها والذِئابُ
لهُ من رَهطِ نَجْدَتِهِ لُيُوثٌ / لها من شُرَّعِ المُرَّانِ غابُ
يَرُدُّ العارُ أوجُهَها حيَاءً / وليسَ تَرُدُّ أوجُهَها الحِرابُ
قِيامٌ يَنظُرُونَ إلى عزيزٍ / لناظِرِهِ ابتهاجٌ واضطِرابُ
حَوَى شَطْرينِ من شَرَفٍ فهذا / لهُ إرْثٌ وذاكَ لهُ اكتِسابُ
رحيبُ الصَّدر في عُسرٍ ويُسرٍ / تَضِيقُ بوَفدِهِ تلكَ الرِّحابُ
لهم منهُ الثَّوابُ يُساقُ عَفْواً / نَعَمْ ولهُ منَ اللهِ الثَّوابُ
فتىً يُرجَى الرِّضَى والعفوُ منهُ / ويُخشَى السُّخطُ منهُ والعِقابُ
لهُ في حُكمِهِ قولٌ سديدٌ / وفي أعمالهِ رأيٌ صَوابُ
يَرَى حَقَّ الصِّحابِ عليهِ حتّى / يَرَى حَقَّ القَضاءِ فلا صِحابُ
وينظُرُ حاسِدِيهِ بعَينِ راضٍ / لحلِمٍ أرَّخوهُ وهُمْ غِضابُ
أصابَ السَبْقَ عن أمَدٍ بعيدٍ / تُقَصِّرُ دونَهُ الخيلُ العِرابُ
فقُلتُ لِمَنْ يُجاريهِ رُويداً / ستُدرِكهُ إذا شابَ الغُرابُ
قِفا بينَ الثَنّيةِ والمُصَلَّى
قِفا بينَ الثَنّيةِ والمُصَلَّى / على جَبَلٍ دَنا حتَّى تَدَلَّى
وإن أبصَرتُما ناراً فَقُولا / تُرَى أيُّ القُلوبِ عليكِ يُصلَى
منَ العَرَبِ الكِرامِ كُماةُ حَربٍ / تُناظِرُهُم كرَائِمُ لَسْنَ غُزْلا
إذا ما أرهَفوا نَصلاً لِقتلٍ / فهُنَّ أشَدُّ بالأجفانِ قَتْلا
رجالٌ يَنحَرونَ البُزْلَ جُوداً / وغِيدٌ تَنحَرُ العُشَّاقَ بُخْلا
تَرى نارَ القِرَى في الحيِّ تَعلُو / ونِيرانُ الهَوَى أعلَى وأغلَى
على ذاكَ الكَثيبِ لنا سَلامٌ / يُكاثِرُ في الكَثيِبِ الفَرْدِ رَمْلا
كَثِيبٌ قامَ فيهِ رَشِيقُ عِطْفٍ / نُشبِّهُهُ بِغُصنِ البانِ جَهْلا
رَشاً في الحيِّ تَغزلُ مُقلَتاهُ / تُرَى مَنْ علَّمَ الغِزلانَ غَزْلا
إذا أتْحَفتَ عَينيهِ بِكُحلٍ / يقولُ أراكَ تُهدي الكُحْلَ كُحْلا
رُويدَكَ أيُّها الجاني بطَرْفٍ / فكم جَنَتِ الليالي السُودُ قبلا
أدُورُ على رِضاكَ ولا أراهُ / كأنِّي طالبٌ لِسعِيدَ مِثْلا
عزيزٌ قد تَوَلَّى تختَ مصرٍ / فعَزَّ بمجدِ وَطْأتِهِ وجَلاّ
تُشِيدُ بحمدِهِ مِصرٌ ويدعو / لهُ مَنْ صامَ في مِصرٍ وصَلَّى
فَتىً لو كانَ ماءُ النيلِ مالاً / لَفرَّقَهُ على السُؤَّالِ بَذْلا
ولو كانَ المُقطَّمُ مِنْ عِداهُ / لشاهدتَ المُقطَّمَ صارَ سَهْلا
لقد جَمَعتْ بهِ النيلَينِ مِصرٌ / ولكنْ أشرَفُ النيلَينِ أحلَى
هُما النيلانِ من ذَهبٍ وماءٍ / قَدِ اجتَمعَا فَلْيسَ تَخافُ مَحْلا
يمينٌ تَملأُ الآفاقَ جُوداً / وقَلبٌ يَملأُ الأقطارَ عَدْلا
وحِلمٌ مَدَّ فوقَ الرِّيفِ رِيفاً / وحَزْمٌ قامَ فوقَ النَخلِ نَخلا
سليمٌ مُخلِصٌ سِرّاً وجَهراً / كريمٌ مُحسِنٌ قَوْلاً وفِعْلا
يَرَى من صالحِ الأعمالِ فَرْضاً / عليهِ ما تَراهُ النَّاسُ نَفْلا
إذا صَلَدت زنادُ الرأيِ أورى / وإن عقدتْ أيادي الدَّهر حلّا
يلاقي ما يفرُّ الليث منه / ويحمل ما يدكُّ الطَّود ثِقلا
نرى خيرَ الكِرامِ أباً وأُمّاً / تَولَّى عَهدَ خيرِ النَّاسِ نَجْلا
أتَتْ مِصرَ الخِلافةُ ذاتَ خِدرٍ / فكانتْ لا تُرِيدُ سِواهُ بَعْلا
أعزُّ بني العُلَى أصلاً وفَرْعاً / وأكرَمُ رَهْطِها وَضعْاً وحَمْلا
نُجِلُّ أباهُ أنْ نَدعُوهُ لَيثاً / وأنْ يُدعَى لِذاكَ اللَّيْثِ شِبْلا
لَعَمرُكُ إنَّ خيرَ الناسِ طُرَّاً / على خَيرِ المَمالكِ قد تَولَّى
دَعَوناها الكِنانةَ إذْ رَأينا / لهُ في أكْبُدِ الحُسَّادِ نَبْلا
كريمٌ ليسَ يَرضَى الفَضلَ حَتَّى / يكُون الفضلُ بينَ الفضلِ فضلا
إذا مَلأتْ يَداهُ سِجالَ رِفْدٍ / نَراها بالغِنَى كَتَبتْ سِجِّلا
قدِ اشتَمَلَتْ مَكَارِمُهُ فَمنْ لم / يصادفْ وابِلاً منها فطلاّ
فلا ثَلَّتْ لهُ الأقدارُ عَرْشاً / ولا نَسَخَتْ لهُ الأيَّامُ ظِلاّ
رأى أطلالَهم دَمعي فسالا
رأى أطلالَهم دَمعي فسالا / فأظمأني وقد رَوَّى الرِمالا
عَرَفتُ لبعضِها أثراً وبعضٌ / عَفتْهُ الرِّيحُ إذْ عَصَفَتْ شَمَالا
ديارٌ للظِبا صارَتْ كِناساً / فما بَرِحتْ لها الغِزلانُ آلا
وأينَ ظِباؤها من ظَبْي إنسٍ / يَشُقُّ عليهِ أنْ يُدْعَى غَزالا
من العَرَبِ الكِرامِ عزيزُ قومٍ / تَمضَّرَ بينَهُمْ عَمَّا وخالا
وَثِقْنا مِنهُ بالتَّوحيد لمَّا / رأينا فوقَ وَجنتِهِ بِلالا
أرِقتُ لعُصبَةٍ في الحيِّ زَمُّوا / فُؤَادي عِندَما زَمُّوا الجِمالا
وقد جَدَّ الرَّحيلَ جَميلُ صبري / غَداةَ البينِ إذْ شَدُّوا الرِحالا
وَقَفْنا في رُسومِ الدَّارِ ندعو / ولكنْ منْ يُجيبُ لَنا سُؤَالا
جَرَتْ عَبرَاتُنا دالاً وميماً / فأصبحَ جَزْرُها ميماً ودالا
نُرَدِّدُ بينَ هاتيكَ الأثافي / حنينَ النُوقِ أبصَرَتِ الفِصالا
ونَلقَى من عَواصِفِها غُباراً / حسِبناهُ لأوجُهِنا جَمالا
إذا ناحَ الحمامُ أصابَ قلبي / كأنَّ على حَناجِرهِ نِبالا
وأذكُرُ من مُطوَّقِهِ أيادٍ / بِطَوْقِ البِرِّ قَلَّدَت الرِجالا
أيادٍ ظلَّ يَبسُطُها كريمٌ / تتيهُ المَكرُماتُ بهِ دَلالا
إذا قلتُ السَّحابُ كراحَتَيهِ / فقد شَبَّهتُ بالشَّمس الهِلالا
فتىً يَستَغرِقُ الأموالَ جُوداً / ولو أنَّ الجِبالَ جُعِلنَ مالا
تَزيدُ جبينَهُ الأضيافُ بِشراً / كنصلِ السَيفِ تُوسِعُهُ صِقالا
كريمٌ شَنَّ في الأموال حرباً / فما كانتْ ولا كانتْ سِجالا
شَرَى بالمالِ بينَ الناسِ حمداً / ورَبُّ الحمدِ مَن بَذَلَ النَوالا
وإنَّ المالَ كالصَهباءِ يُبدي / لَنا من نَفسِ صاحِبهِ خِصالا
فيكَتِسبُ اللئيمُ به هَواناً / ويكتسِبُ الكريمُ بهِ جَلالا
عرَفْنا القاسمَ الدِّرْعيَّ شَخصاً / تَوَهّمنْا الكرَامَ لهُ خَيالا
ينالُ دَمَ الفوَارِسِ يومَ حَرْبٍ / وليسَ يَنالُ من سَلَبٍ عِقالا
أشَدُّ الناسِ في الغَمَراتِ بأساً / وأحسَنُهم على الحَالين حالا
وأفصحُ كلِّ ذي قولٍ مَقالاً / وأنجَحُ كلِّ ذي فعلٍ فَعَالا
تُفاجي الوَفدَ نِعمتُهُ اغتيالاًُ / فتىً لا يَعرِفُ الحربَ اغتيالا
فليسَ القومُ ينتظِرونَ وَعداً / ولا يِشْكُونَ من وعدٍ مِطالا
فتىً يُصلي الحُسامَ بنارِ حربٍ / فلو لم يَنطفِئْ بِدَمٍ لَسالا
ويَفتخِرُ الحدِيدُ براحَتيهِ / على الحَجَرِ الكريمِ وإنْ تَغالَى
إذا حَمَتِ النِصالُ دِيارَ قومٍ / فبعضُ القومِ يَحْمُون النِصالا
وما تُجدِي النِصالُ بلا أكُفٍّ / تكونُ حُدُودُهنَّ لها مِثالا
تَكلَّفَ حاسدُوهُ لهُ طريقاً / فزَادَهم الضَّلالُ بها ضَلالا
لَعَمْرُكَ لا يكونُ العَفْوُ مُهراً / ولو كانَ النُضارُ لهُ نِعالا
وَفَدْنا بالقريضِ على ثَناهُ / نُطاوِلُهُ فَقَصَّرنا وطالا
إذا مَرَّتْ قَوافينا بِهَضبٍ / أرانا من عَظائِمِهِ جِبالا
لِهذا الفَرْقِ دانَ الفَرْقدانِ
لِهذا الفَرْقِ دانَ الفَرْقدانِ / على خَجَلٍ فليسَ الفَرْقُ داني
وهذا القَدُّ تَحسُدُهُ العَوالي / على طَعنٍ يَشُقُّ بلا سِنانِ
بِرُوحي وجَنةٌ لاحَتْ وفاحَتْ / فكانَتْ وَردةً مِثلَ الدِّهانِ
عليها الخالُ قامَ كتاجِ مُلكٍ / فكانَ لها العِذارُ كَصَوْلجَانِ
عِذارٌ خَطَّ بالرَّيحانِ سَطراً / يَشُقُّ على لِسانِ التَرْجُمانِ
كساها سُندُساً خُضراً فألقَى / عَلَيَّ الدَمعُ ثَوبَ الأُرجُوانِ
أقولُ لعاذلي مَهلاً فإنِّي / أرَى الإحسانَ في حُبِّ الحِسانِ
فلَستُ نَظِيرَ صاحِبكُمْ أُوَيسٍ / ولَسْتُ لِصاحبي العُمَريِّ ثاني
شِهابُ الدِّينِ في الدُنيا غنيٌّ / بحُبِّ العِلم عن حُبِّ الغَواني
شِهابُ الدِّينِ في الزَوراءِ نُورٌ / يُضِئُ على أقاصي المَغْرِبانِ
ثوَى أَرضَ العراقِ فكانَ غَيثاً / بهِ تُروَى الأَباعِدُ والأَداني
فغَنَّتْ وُرْقُ لُبنانَ ابتِهاجاً / وقد بَسَمَتْ ثُغورُ الأُقُحوَانِ
أَتاني منهُ تَقريظٌ بديعٌ / تَفَنَّنَ في المعاني والبَيانِ
حَكَى عِقْدَ الجُمانِ وليس كلٌّ / يَلِيقُ بِجِيدِهِ عِقدُ الجُمانِ
على بَلَدِ السَّلامِ وساكِنيِها / سَلامُ اللهِ من غُرَفِ الجُنانِ
أَتوقُ على السَّماعِ إلى حِماها / كما اشتاقَ المُحبُّ على العِيانِ
تُرَى عيني تَرَى مَن لا أَراهُ / كما حَكَمَ القَضاءُ ولا يَراني
لَئِنْ سَمَحَ الزَّمانُ لنا بيومٍ / فذاكَ اليَومُ يَومُ المِهْرَجانِ
مَتَى نرجو الثَباتَ مِنَ الزَّمانِ
مَتَى نرجو الثَباتَ مِنَ الزَّمانِ / وشَطراهُ كأَفراسِ الرِهانِ
يُطارِدُنا بلا قَدَمٍ ويغزُو / بلا سَيف يُسَلُّ ولا سِنانِ
يقودُ الجَيشَ والساعاتُ فِيهِ / هِيَ الأَعوانُ للحربِ العَوانِ
إذا رُمتُ الفِرارَ بهِ فإِنِّي / فَرَرْتُ منَ الطِّعانِ إلى الطِّعانِ
عَرَفنا الدَّهرَ في الحالَينِ قِدْماً / فهانَ بهِ علينا كلَّ شانِ
يمرُّ عليَّ يومُ البُؤسِ فيهِ / كما قد مرَّ يومُ المِهرَجانِ
فِراقٌ واجتماعٌ كُلَّ أَينٍ / ونَوْحٌ وابتِسامٌ كلَّ آنِ
وما هذا ولا هذا بباقٍ / ولكنْ كلُّ ما في الأرضِ فانِ
بِعَيني مَن تَرَى في البُعدِ عيني / وأَحسَبُهُ على بُعدٍ يَراني
دنا منِّي فأَنْأَتْهُ اللَيالي / نأَى عَنّي فأَدنَتْهُ الأَماني
حبيبٌ لا يَلِيقُ اللَومُ فيهِ / نَعَمْ لكنْ تلِيقُ بهِ التَّهاني
وما كُلُّ الأَحِبَّةِ أَهلُ لَومٍ / ولا كُلُّ الهَوى شَرَكُ الهَوَانِ
هُوَ البَدرُ المُنيرُ بَغَى أُفُولاً / فمالَ الصُبحُ نحوَ المَغرِبانِ
رَجَوْنا عَوْدَهُ والشَّهرُ ثانٍ / فلم يَسمَحْ بهِ والعامُ ثانِ
تُذكِّرُنِيهِ لائِحةُ الدَراري / إذا سَطَعَت ورائِحةُ الجِنانِ
وأنِصبُ شَخصَهُ غَرَضاً لعيني / فتَرميهِ بَمدمَعِها الجُمانِ
على تلكَ الدِيارِ لَنا سَلامٌ / نُرَدِدُهُ مع البَرقِ اليماني
وهل يَشفِي السَلامُ غليلَ شَوقٍ / لِصَبٍّ ليس يُشفى بالعيانِ
بَكى حَتى بَكَيتُ على بُكَاهُ
بَكى حَتى بَكَيتُ على بُكَاهُ / جَرِيحٌ عينُهُ نَزَفَتْ دِماهُ
يُسائلُ أَينَ حَلَّ رِكابُ لَيلى / ويَنسَى أنَّ لَيلَى في حشاهُ
هَوَى قلبٍ تَعَلَّقَهُ اختياراً / فَصارَ عَنِ اضطِرارٍ مُنتَهاهُ
ونارُ الحُبِّ يُوقِدُها غُرُورٌ / ولكنْ ليسَ يُخمِدُها انتبِاهُ
تَنُودُ بنا العَواطِفُ راكباتٍ / طَريقاً لا تُقيمُ على هُداهُ
فنَهوَى مَن تراهٌ العينُ طَوراً / ونَهَوى تارةً مَن لا تَراهُ
هَوِيتُ النازلَينِ دِيارَ مِصرٍ / وقلبي قد أَحَلَّهما حِماهُ
هُما القَمَرانِ في أكنافِ أَرضٍ / يَغارُ النَجْمُ منها في سَماهُ
كِلا الرَجُلَينِ من أَفرادِ عَصرِ / يُقصِّرُ كُلُّ عصرٍ عن مَداهُ
وكُلُّهما حُسامٌ مَشرَفيٌّ / تَلُوحُ إذا استُطِيرَ بهِ المِياهُ
أَصابا كُلَّ مَحمِدَةٍ وفَضلٍ / لهُ بينَ الوَرَى شَرَفٌ وجاهُ
فذاكَ مُحمَّدٌ يُثنَى جميلاً / عليهِ وذاكَ مِن حَمدٍ ثَناهُ
يَصُولُ يَراعُ كلٍّ في يَدَيهِ / بأَنفَذِ ما تَصُولُ بهِ قَناهُ
وأَبلغِ ما تُقَلِّبُهُ قُلوبٌ / وأفَصَحِ ما تَفُوهُ بهِ الشِفاهُ
أَطاعَهُما القَرِيضُ فكانَ عَبداً / بأَسهارِ الليالي مُشتَراهُ
ولو عَرَفَتْهُما الأَعرابُ قِدْماً / لَخرَّتْ نحوَ شِعِرِهِما الجِباهُ
على الإسكَندَريّةِ كلَّ يومٍ / سَلامُ اللهِ مُعتنِقاً رِضاهُ
لَئِنْ يكُ فاتَها جَبَلٌ ففيها / جِبالٌ في معارِجِها يُتاهُ
بها الجَبَلانِ من عِلمٍ وحِلمٍ / وحَزمٍ قد أَقامَهُما الإِلهُ
علَينا قام ظِلُّهما مديداً / ونورُ الشمسِ يَسطَعُ من وَراهُ
نَهيمُ إلى ضِفافِ النِيلِ شَوقاً / وإِنْ بَعُدَتْ علينا ضِفَّتاهُ
ونَرصُدُ كلَّ غاديةٍ عَساها / ترَشَّفَتِ المَواطِرَ مِن صَفاهُ
هِيَ الدُنيا تَغُرُّ بِها الأماني / وأَينَ مِنَ الذي غَرَّتْ مُناهُ
أَماتَتْ في هَواها كلَّ نفسٍ / وكلَّ فُؤَادِ صَبٍّ في هَواهُ
تَدورُ بنا على عَجَلٍ رَحاها / وداعي الموتِ قد دارتْ رَحاهُ
إذا غَرَسَ الفَتَى فيها رَجاءً / فلا يرجو الحَياةَ إلى جَناهُ
لكلِ كَرامةٍ زَمَنٌ يَعُودُ
لكلِ كَرامةٍ زَمَنٌ يَعُودُ / كما يَخَضَرُّ بَعدَ اليُبسِ عُودُ
وإِنَّ الدَّهرَ يَبخُلُ بعدَ جُودٍ / وبعدَ البُخْلِ ننظُرُهُ يجودُ
لَئِنْ فاتَ البِلادَ قديمُ عَصرٍ / فها قد جاءَها عَصرٌ جديدُ
وإِن شَقيَتْ بلادُ الشُّوفِ قدْماً / فإِنَّ اليومَ صاحبَها سَعِيدُ
كريمٌ شادَ بينَ الناسِ ذِكراً / بهِ الآباءُ تَحْيا والجُدُودُ
أَعادَ لنا البشيرَ وما كفاهُ / فكانَ على مُجرَّدِهِ يَزيدُ
عَرَفناهُ على بُعدٍ ولكنْ / تَعاظَمَ إذ دَنا ذاكَ البَعيدُ
وما كَذَبَ السَّماعُ بهِ ولكنْ / تَزَكَّتْ عِندَ رُؤيتِهِ الشُّهودُ
رئيسٌ في عَشائِرِ آلِ قيسٍ / تَسِيرُ لَدَى مَواكِبِهِ البُنودُ
يَشُبُّ النَّارَ في سِلْمٍ وحَرْبٍ / وفي الحالَيْنِ ليسَ لها خُمُودُ
هُوَ الرُّكنُ الذي لولاهُ كادتْ / قواعدُ طُورِ لُبنانٍ تَميدُ
إذا كانتْ بِلادُ الشُّوفِ تُدعَى / جَوانِبَ خَيمةٍ فَهُوَ العَمودُ
أتَدري ما بقلبِكَ من جِراحِ
أتَدري ما بقلبِكَ من جِراحِ / فَتاةٌ طَرْفُها شاكي السِّلاحِ
تُدِيرُ على النُّدامَى مُقلتاها / كُؤُوسَ مَنيَّةٍ وكُؤُوسَ راحِ
مُهفهَفةُ القَوامِ رَنَتْ بعينٍ / ذكرتُ بها الأسِنَّةَ في الرِّماحِ
تَسُلُّ اللَحظَ من جَفْنٍ مَريضٍ / كما تَفتَرُّ عن دُرَرٍ صِحاحِ
وَقَفْتُ برَبعها فبَكيتُ حتّى / تَباكَتْ وُرْقُهُ بعدَ النَّواحِ
وسَمْتُ الأرضَ دَمعاً إثرَ دَمعٍ / فبعضٌ كاتبٌ والبعضُ ماحِ
لقد عَبِثَتْ بنا أيْدي اللَيالي / فراحَ القومُ أدراجَ الرِّياحِ
تَبطَّنَ كلَّ وادٍ كلُّ نادٍ / تَطيرُ به المَطِيُّ بلا جَناحِ
قَصَدنا مَنزِلَ الشَّهباءِ ليلاً / وقد سالت بنا خِلَلُ البِطاحِ
فأغنتَنا النَسائمُ عن دَليلٍ / ونيرانُ الخليلِ عن الصَّباحِ
إذا زرتَ الوزير على صلاحٍ / فقل للركبِ حيَّ على الفلاحِ
وقُلْ للدَّهرِ مالَكَ من سبيلٍ / علينا في الغُدُوِّ وفي الرَّواحِ
هو الظِلُّ الظَليلُ بأرضِ قومٍ / وقاهُمْ حَرَّ هاجرةِ الضَّواحي
جَرَتْ سُودُ اليَراع براحتَيهِ / فإنْ قَصُرَتْ جَرَت بيضُ الصِّفاحِ
أقامَ الرُعبَ في الأكبادِ حتَّى / أحاطَ بكلِّ نفسٍ كالوِشاحِ
فأيقَظَ كلَّ جَفنٍ فيهِ غُمضٌ / ونَبَّهَ كلَّ قَلبٍ غيرِ صاحِ
هُمامٌ قد تَصَّدرَ في مَقامٍ / يَبينُ الجِدُّ فيه من المُزاحِ
قَضَى حَقَّ الوزارةِ فاقتضاها / بحُكم العَدلِ والحَقّ الصُراحِ
سليمُ القلبِ ذو عرضٍ مَصُونٍ / كريمُ النَّفسِ ذو مالٍ مُباحِ
لهَيبَتِهِ شكائمُ في الرَّعايا / تَرُدُّ الجامِحينَ عن الجِماحِ
أتى كالغيثِ تَرْوَى كلُّ أرضٍ / بهِ بينَ اغتباقٍ واصطباحِ
فصفَّقَتِ الغُصونُ لهُ ابتِهاجاً / وأصبَحَ باسماً ثَغرُ الأقاحي
عَرَفنا حمدَهُ في القلبِ لكن / عجَزَنا في اللِسان عنِ امتِداحِ
فلَيسَ على عُلاهُ منِ انحطاطٍ / بذاكَ ولا علينا من جُناحِ
أيا مَنْ أفعَمَ الحُسَّادُ ذُلاً / وأفحَمَ كلَّ مُعترِضٍ ولاحِ
لقد وافاكَ نصرُ اللهِ فَوْراً / يُبشِّرُ بالمسَرَّةِ والنَجاحِ
فكُنْ باللهِ مُعتصِماً رشيداً / مهيبَ السُّخطِ مأمولَ السَّماحِ
لِمَنْ طَلَلٌ بِوادي الرَّمل بادِ
لِمَنْ طَلَلٌ بِوادي الرَّمل بادِ / تَخُطُّ بهِ الرِّياحُ بلا مِدادِ
وَقَفتُ بناقتي فيهِ فكُنَّا / ثَلاثةَ أرسُمٍ في ظِلِّ وادِ
على مَن لا سَلامَ لها علينا / سلامٌ لا يُرَدُّ على البِعادِ
تَعَشَّقْنا الحِجازَ وقد سَمِعْنا / بمَنزِلها على ذاتِ الإصادِ
نَؤومُ عينُها سَلَبَتْ مَنامي / فصارَ لها رُقادٌ في رُقادِ
رَضِيتُ بطَيفِها لو زَارَ حيناً / وكيفَ يَزورُ طيفٌ في السُّهادِ
كحيلةُ مُقلةٍ بَرَزَتْ كسيفٍ / فجاءَتها الغدائِرُ بالنَّجادِ
رأيتُ دَمي بَوجْنتِها فأرْخَتْ / ذُؤَابتَها تُشيرُ إلى الحِدادِ
لِعَينكِ يا أُميَّةُ ما برأسي / وما في مُقلتَيَّ وفي فُؤادي
تَطِيبُ لأجلِها بالشَيبِ نفسي / فقد صارت تَخافُ منَ السَّوادِ
أمِنتُ على فُؤَادي من حَريقٍ / بِحُبكِ حينَ صار إلى الرَّمادِ
وقد أمِنَتْ قُروحَ الدَمعِ عيني / لأنَّ الدَّمعَ صار إلى النَفادِ
دَعوتُ بني الصَّفاءِ لكَشفِ ضَرٍّ / أذُوبُ لهُ فكانوا كالجَمادِ
وما كلُّ أمرئٍ يا أُمَّ عَمْرٍو / بمحمودٍ إذا هَتَفَ المُنادي
هَوِيتُ من البِلادِ دِمَشْقَ لَمَّا / هَوِيتُ ابنَ النَّسيب منَ العِبادِ
وليسَ ابنُ النَّسِيبِ اليومَ فيها / سِوَى جَبَلٍ على كَبِدِ الوِهادِ
نسيبٌ من نَسيبٍ من نسيبٍ / كأكعابِ القناةِ على اُطِّرادِ
كِرامٌ لو تَقَصَّاهُمْ نَقِيبٌ / لَعَدَّ كِرَامَهُمْ من عَهدِ عادِ
إذا قَلَّبتَ في محمودَ طَرْفاً / تَرَى قَمَراً تَبوَّأ صَدْرَ نادِ
تراهُ في المعاني قيس عبسٍ / وفي الألفاظِ قسَّ بني إياد
كريم الخلقِ ممدوحُ السَّجايا / كريمُ النَفسِ محمودُ الأيادِي
أرَقُّ منَ الزُّلالِ العَذْبِ لُطفاً / وأثبتُ من ثَبيرٍ في الوِدادِ
فَتىً لا يَزْدَهيهِ التِّيهُ كِبْراً / ولو أمسَى على السَّبْعِ الشِّداد
تَحِلُّ المكرُماتُ حِماهُ شَوقاً / وقد سارَتْ إليه بغَيرِ حادِ
أصَحُّ الناسِ في الغَمَراتِ رأْياً / وأهداهُمْ إلى سُبُلِ الرَّشادِ
وأشجاهم بمَسئَلةٍ لخَصْمٍ / وأرواهم بفائدةٍ لِصادِ
يَهُبُّ الشَّوقُ في قَلبي إليهِ / هُبوبَ الرِّيحِ في رِجْلِ الجَرادِ
ويَعذُبُ مَا تَيسَّرَ منه عِندي / كمَسْغبَةٍ تُحبِّبُ كُلَّ زادِ
ألا يا مُنعِماً بقَديمِ وَصلٍ / بَدأتَ فهل لِبَدْئِكَ مِن مَعادِ
لَئنْ حَجَّت إليكَ العينُ يوماً / فإنَّ القلبَ دامَ على الجهادِ
رَأى قَصَبَ السِّباقِ بَنُو الزَّمانِ
رَأى قَصَبَ السِّباقِ بَنُو الزَّمانِ / فَجدُّوا مثلَ أفرَاسِ الرِّهانِ
ولكن قلَّ سابِقُهم إليها / كما قَلَّتْ صَناديدُ الطِّعانِ
تَناوَلَ رُتبةَ الفُضَلاءِ بعضٌ / بِراحتِهِ وبَعضٌ باللسانِ
ولو كانَ الكَلامُ يُقيِمُ شأناً / لَكانتْ كُلُّ نَفسِ ذاتَ شانِ
تَفَانى اليومَ أهلُ النَقْدِ حَتَّى / رأينا الزُجَّ قُدَّامَ السِنانِ
فهم لا يَنظرونَ إلى كَلامٍ / ولكن ينظُرونَ إلى فُلانِ
رِجالُ الدَّهرِ مثلَ الدَّهرِ تَمضي / ويُخلَفُ أوَّلٌ منها بِثانِ
فلا يَخلو زَمانٌ من رِجالٍ / ولا تَفنى الرِّجالُ من الزَّمانِ
أصابَ الشِّعرُ نَوْبةَ آلِ عيسى / فأعطاهُمْ نَصيباً في المعاني
لَئِنْ لم يَشرَبوا بِدِنانِ قومٍ / فقد يُرْوى الظَما رَشْحُ الدِّنانِ
وفي بيروتَ غُصنٌ ليسَ يُدعى / بغُصنِ البانِ بل غُصنِ البَيانِ
إذا أُعطي النُموَّ فعن قليلٍ / نَراهُ دَوحةً تُعطِي المَجاني
أتاني بالقريضِ فَتىً شُجاعٌ / يُرنِّحُ مَعْطِفَ الشيخِ الجَبان
تكلَّفَ لي مديحاً لَستُ منهُ / فكانَ كأنهُ خَصمٌ هجاني
فتىً في الصَّدرِ منهُ فُؤادُ كَهْلٍ / وفي بُرْدَيهِ غُصنُ الخَيْزُرانِ
رأينا عِندَهُ خَطَّ القَوافي / وخَطَّ عِذارِهِ يَتَسابقانِ
إذا الآدابُ لم تكُ بالسَّجايا / فلَيسَتْ بالزَّمانِ ولا المَكانِ
وإن أعطَى المُؤَدِّبُ فضلَ علمٍ / فلا يُعطي الحَذاقةَ في الجَنانِ
ولا يُعطِي الفَخارَ أبٌ كريمٌ / إذا طَرَحتْكَ نَفسُكَ في الهَوانِ
فكُنْ من رَهْطِ باهلةٍ أديباً / ولا تَكُ من بني عبدِ المَدانِ