القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مصطفى صادق الرافعي الكل
المجموع : 27
لكلِّ فتى من الدنيا كمالُ
لكلِّ فتى من الدنيا كمالُ / فما نقصَ الورى إلا الفعالُ
ومن لم يرشدوهُ في صباهُ / تحكَمَ في شِيبتهِ الضَّلالُ
فما قلب الصغيرِ سوى كتابٍ / تسطرُ في صحائفهِ الخِلالُ
ونفسُ المرء في جنبيهِ نصلٌ / ولسنَ بغير حاملها النِصالُ
فكم رجلٍ ترى فيهِ صبياً / وكم من صبْيةٍ وهمُ رجالُ
وإن هيَ لم تكنْ صُقلتْ طواها / على صدإ فما يُجدي الصِّقالُ
ومن لم يغذُهُ أبواهُ طفلاً / هوى العلياءِ أسقمهُ الهزالُ
رويداً إنما الأيامُ سفرُ
رويداً إنما الأيامُ سفرُ / إذا وفدٌ تولى جاءَ وفدُ
كأنا في الجحيمِ من تفرى / له جلدٌ تبدل منه جلدُ
أرى قوماً أعدوا ما استطاعوا / لدهرهمُ وقوماً ما أعدوا
فلا يغررك من أحدٍ ودادٌ / فليس لواحدٍ في الناس ودُّ
رموا شبكاتهمْ في كل ماءٍ / فلو راموا السماءَ إذاً لجدوا
أرى الدنيا تؤول إلى زوالِ
أرى الدنيا تؤول إلى زوالِ / وينضمُ الأميرُ إلى الحقيرِ
فإن كان الغنى كالفقرِ يفنى / فما شرفُ الغني على الفقيرِ
فديتكَ زائراً في كلِّ عامٍ
فديتكَ زائراً في كلِّ عامٍ / تحيِّ بالسلامةِ والسلامِ
وتُقبِلُ كالغمامِ يفيضُ حيناً / ويبقَ بعدَهُ أثرُ الغَمامِ
وكم في الناسِ من دَنِفٍ مَشوقٍ / إليكَ وكمْ شجيِّ مُستهامِ
رمزتُ لهُ بألحاظِ الليالي / وقد عيَّ الزمانُ عنِ الكلامِ
فظلَّ يعدُّ يوماً بعدَ يومٍ / كما اعتادوا لأيَّامِ السِّقامِ
ومدَّ لهُ رواقُ الليلِ ظِلاً / ترفُّ عليهِ أجنحَةُ الظلامِ
فباتَ وملءَ عينيهِ منامٌ / لتنْفُضَ عنهُما كَسَلَ المَنامِ
ولم أرَ قبلَ حبَّكِ من حبيبٍ / كفى العُشاقَ لوعاتِ الغرامِ
فلو تدرِ العوالمُ ما درينا / لحنتْ للصلاةِ وللصيامِ
بني الإسلامَ هذا خيرُ ضيفٍ / إذا غَشَيَ الكرِيمُ ذرى الكِرامِ
يلُمكمْ على خيرِ السجايا / ويجمعكُم على الهِمَمِ العِظامِ
فشُدُّوا فيهِ أيديكُم بعزمٍ / كما شدَّ الكَمِيُّ على الحُسامِ
وقوموا في لياليهِ الغوالي / فما عاجتْ عليكُم للمُقامِ
وكم نفرٍ تغرهمُ الليالي / وما خُلقوا ولا هيَ للدَوامِ
وخلوا عادةَ السفهاءِ عنْكم / فتِلكَ عوائدُ القَومِ اللئامِ
يُحلُّونَ الحَرَامَ إذا ما أرَادوا / وقد بَانَ الحلالُ منَ الحرامِ
وما كلُّ الأنامِ ذوي عُقولٍ / إذا عدَّوا البَهائِمَ في الأَنامِ
ومن روتْهُ مرضَعةُ المعاصي / فقد جاءَتهُ أيَّامُ الفِطامِ
دُموعُ الفجرِ هذي أم دموعي
دُموعُ الفجرِ هذي أم دموعي / ترقرقُ بينَ أجفانِ الربيعِ
مصفقةً كصافيةٍ جلالها / باكؤسِهِ الخليلُ على الخليعِ
وهُنَّ من الأزاهرِ في شفاه / كما تحلو اللمى بعدَ الهجوعِ
وثديُ الروض درَّ على جناهُ / درورَ المرضعاتِ على الرضيعِ
ومدَّ الليلُ أنفاساً عِذاباً / كأنفاسِ المليحةِ للضجيعِ
ولاحَ الصبحُ يسفرُ عن جبينٍ / عليهِ الشمسُ حالية السطوعِ
وقد بكرتْ لتملأ جرتيها / فتاةُ الريفِ كالرشاء المروعِ
فورَّدتِ الطبيعة وجنتيها / ونضَّرَ وجهَها الحسن الطبيعي
تروحُ وتغتدي والزهرُ يرنو / إليها في الذهاب وفي الرجوعِ
وثغرُ النهرِ يبسِمُ عن لُماها / وإن لم تشفِ ريقتهُ ولوعي
وتخبرنا النسائمُ عن شذاها / كما تروي الهواجرُ عن ضلوعي
مكحلةٌ ولا كحلٌ ولكن / سلِ الظبيَّاتِِ عن ذاك الصنيعِ
وقد مدَّت حواجبها شراكاً / وطيرُ الروحِ دانيةُ الوقوعِ
أراها أن تكنفها حسانٌ / كنورِ الكهرباءةِ في الشموعِ
وتحجبُ حينَ تُخفى الشمس لكنْ / تسابق أختها عند الطلوعِ
فيا قلبُ اعصِ كلَّ هوىً سواها / ويا نفسي سواها لا تطيعي
فذاكَ الحسنُ لا ما تشتريهِ / ضرائرها من الحسنِ المبيعِ
وما تحوي المدائنُ غيرَ بدعٍ / وإن حسبوا التبدعَ كالبديعِ
فقد حسِنتْ هناكَ كلُّ أنثى / كأنَّ الحسنَ قُسِّمَ في الجميعِ
يُدَمِّمنَ الخدودَ وأيُّ عينٍ / تُحِبُ الخدَّ يصبغُ بالنجيعِ
وكم شفعن ذاكَ الحسنَ لكنْ / متى احتاجَ الغواني للشفيعِ
وهل تقفُ القلوبُ على قوامٍ / كأنَّ ذيولهُ قِطَعُ القلوعِ
فما لي والمدائنُ ما تراها / مدافنُ ما بهنَّ سوى صريعِ
وهل كان التمدنُ في بنيهِ / سوى ما يفعلونَ من الفظيعِ
وهل أبصرتَ بينَ القومِ طرّاً / سوى رجلٍ مضاعٍ أو مُضيعِ
فهذا باتَ في شبعٍ وريٍّ / وذلكَ مات من ظمإٍ وجوعِ
وأحلى من أولئكَ في عيوني / بأرياف القرى نظرُ القطيعِ
وإنَّ الأمرَ تمضيهِ فتاةٌ / لخيرٌ من فتىً غيرُ جزوعِ
وما شظفُ المعيشةِ في هناءٍ / تقرُّ بهِ سوى العيش المريعِ
فلو مزجوا ببعض الهمِّ ماءً / لصارَ الماءُ كالسمِّ النقيعِ
ولو أن الرواسيَ كنَّ تبراً / لما كان الغنى غيرُ القنوعِ
أرى ذا الليلَ قدْ خفقت حشاهُ / وبيَّضَ عينهُ نزفُ الدموعِ
أكبَ يرى لهُ كبداً تنزى / زجاجتها منوعةُ الصدوعِ
وأبصرَ بعدَ ذلكَ من قريبٍ / جيوشَ الصبحِ تمرحُ في الربوعِ
فخلَّى ما تملَّكَهُ وولَّى / كما فرقَ الجبانُ من الجموعِ
وكنتُ مخبأً في جانبيهِ / فيا شمسسُ اكتميني أو أذيعي
أرى عجباً إذا أبصرتُ قومي
أرى عجباً إذا أبصرتُ قومي / وما تخلو من العجبِ الدهورُ
صعاليكُ إذا ما ميزوهمْ / وكلٌّ في عشيرتهِ أميرُ
ومن يكُ أعوراً والقلبُ أعمى / فكلُّ الخلقِ في عينيهِ عورُ
فيا للهِ أي فتىً اراهُ / كما انعطفتْ بشاربها الخمورُ
كأنَّ قوامهُ غصنُ ولكنْ / تفتحَ فوقَ عروتهِ الزهورُ
كأنَّ ثيابهُ شدَّتْ عليهِ / كما لبستْ من الريشِ الطيورُ
فتحسبَ قدَّهُ فيهنَّ خضراً / وتحسنُ في المشدَّاتِ الخصورُ
كأن الحلي يبرقُ في يديهِ / لتكمدَ من تلألئهِ النحورُ
ألا أبقوا الحجابَ على الغواني / قد اشتبهَ الحمائمُ والصقورُ
عزمتَ على التجنبِّ أم تدلُّ
عزمتَ على التجنبِّ أم تدلُّ / وهل لسواكَ في قلبي محلُ
أما يرضيكَ مني أنَّ نفسي / تذلُّ ومثلُ نفسي لا تذلُّ
وقدْ أحرقتَ قلبي ما تبالي / وفيهِ إليكَ شوقٌ ما يُبَلُّ
فسل عينيكَ ما لهما استحالا / دمي ودمي حرامٌ لا يُحلُّ
لقدْ كذبَ العواذلُ يومَ قالوا / سلا أو سوفَ ينساهُ فيسلو
وما أنا والسلُوُّ ونحنُ قومٌ / إذا بلغوا الهدايةَ لم يضلوا
أرى أيامَ عمري فيكَ تطوى / كأنكَ الشمسُ والأيامُ ظلُّ
أطابَ لذلكَ لرشإ الجفاءُ
أطابَ لذلكَ لرشإ الجفاءُ / فلذَّ لأعيني فيهِ البكاءُ
رشاً ذلَتْ لهُ الأسْدُ الضواري / وعزَّتْ في ملاحتهِ الظباءُ
تعلمَ كيفَ تنبعثُ المنايا / وكيفَ تراقُ ي الحبِّ الدماءُ
وعلمَ ناضريهِ الفتكَ حتى / كأن عليهما وقفَ القضاءُ
تلقتهُ الصبا سحراً فمرتْ / وفيها للمحبينَ الشفاءُ
لهُ مني التدللُ والرضاءُ / ولي منهُ التذللُ والإياءُ
فما ألقاهُ إلا في الأماني / وهل يشفي الجوى هذا اللقاءُ
إذا ما شاءَ ردَّ عليَّ نومي / ولكني أراهُ لا يشاءُ
غفتْ تلكَ المرابعُ والمغاني / وما عفتِ المودةُ والإخاءُ
وأصبحتِ الليالي حاسراتٍ / كما لطمتْ عوارضَها النساءُ
وفي قلبي من الهجرانِ سقمٌ / وفي كبدي من الأشواقِ داءُ
وليلٍ بتُّ أقضيهِ بكاءً / وأنجمهُ كآمالي بطاءُ
لو أن على الكواكبِ ما بنفسي / لألقتها إلى الأرضِ السماءُ
همومٌ تشفقُ الأطوادُ منها / وأحزانٌ يضيقُ بها القضاءُ
كأني ما لبستُ الصبحَ تاجاً / تألقُ فوقَ مفرقهِ ذُكاءُ
ولم انضِ الكؤوسَ محجلاتٍ / تخفُّ بها إلى الهم الطلاءُ
بروضٍ تصدحُ الآمالُ فيهِ / ويرقصُ بينَ أيدينا الهناءُ
وقد هبَّ النسيمُ على فؤادي / كنضوِ اليأسِ هبَ لهُ الرجاءُ
كأنَّ في المجرةِ فيهِ نهراً / تحومُ غليهِ أفئدةٌ ظماءُ
وقد أنسَ الحبيبُ ومرَّ يلهو / كما يلهو بمسرحِها الظباءُ
وضرجتِ المدامةُ وجنتيهِ / فكادَ الوردُ يفضحهُ الحياءُ
ومالَ فراحَ يرقصُ كلُّ غصنٍ / وللأغصانِ بالقدِّ اقتداءُ
زمانٌ كانَ مثلَ الصبحِ راحتْ / بهِ الدنيا وأعقبهُ المساءُ
كذاكَ الدهر حالٌ بعدَ حالٍ / لأهليهِ التنعمُ والشقاءُ
إذا سرَّتْكَ أيامٌ أساءتْ / فليتكَ لا تُسَرُّ ولا تُساءُ
وإن لم يبقَ في الدنيا حبيبٌ / فأولها وآخرها سواءُ
اراكَ نسيتَ يا ظبي الصريم
اراكَ نسيتَ يا ظبي الصريم / ليالي ذلكَ الأنسِ القديمِ
ولجَّ بكَ الجفاءُ فما تبالي / بما ألقى من الوجدِ الأليمِ
وطالَ عليَّ همُّ الهجرِ حتى / لقدء سئمتْ ملازمتي همومي
وكنتُ أرى لهذا الدهرِ حلماً / ولكن ضاقَ بي صدرُ الحليمِ
وعهدي بالهوى ملكاً رحيماً / فأينَ تعطفُ الملكِ الرحيمِ
ليالي والصبا غصنٌ رطيبٌ / يكادُ يمجُّ من ماءِ النعيمِ
فكم من ليلةٍ بتنا نشاوى / كما شاءتْ لنا بنتُ الكرومِ
وقد أوحتْ إليَّ بكلِّ معنىً / أخفَّ عليكَ من مرِّ النسيمِ
فمن غزلٍ كأنَّ السحرَ فيهِ / ومن عتبٍ كعافيةِ السقيمِ
ولا غيٌّ سوى غيِّ التَّصابي / ولا عبثٌ سوى عبثِ النديمِ
وبتنا والكؤوسُ مصففاتٌ / تباهي الجيدَ بالعقدِ النظيمِ
إذا رُحنا لها تحنو علينا / حنوَّ المرضعاتِ على الفطيمِ
وتخدعنا مدامتُها فتُغضي / كما يُغضي الحميمُ عن الحميمِ
جلوناها وعينُ الفجرِ توحي / لواحظَها إلى الليلِ البهيمِ
وكانَ الروضُ مطلولَ الحواشي / وذاكَ النهرُ مصقولَ الأديمِ
تعرضَ للنجومِ على جفاها / فزارتهُ خيالاتُ النجومِ
ويومٍ قد قطعناهُ حديثاً / ألذُّ من الأماني للعديمِ
على إفكِ العواذلِ واللواحي / وظنة كلّ أفاكٍ أثيمِ
يلاحظني وألحظهُ كلانا / كما نَظَرَ اليتيمُ إلى اليتيمِ
وما أنسى مواعدهُ وقولي / عسى يومٌ أهنأُ بالعقيمِ
ولا أنسى بكائي يومَ غنى / إذا غضبتْ عليكَ بنو تميمِ
فيا ريحانَ كلِّ فتىً شجيِّ / حبيبٍ أو خليلٍ أو كليمِ
ويا ملكَ القلوبِ وقد أراهُ / علا منها على العرشِ العظيمِ
لقد عذبتني بالهجرِ ظلماً / فهل لي من يعينُ على الظلومِ
وما أبقيتَ يومَ صددتَ روحي / فما تبقى من الجسدِ الرميمِ
أحاطَ بكَ الوشاةُ وكنتَ تدري / غوايةَ كلِّ شيطانٍ رجيمِ
فما لكَ حلتَ عن عهدِ التصابي / وما عهدُ التصابي بالذميمِ
تباركَ من أعدَّ لكلِّ صبٍّ / عذولاً من لئيمٍ أو كريمِ
أبتْ عيناكَ إلا أن تصوبا
أبتْ عيناكَ إلا أن تصوبا / وهذا القلبُ إلا أن يذوبا
فما لكَ تحذرُ الرقباءَ حتى / هجرتَ النومَ تحسبهُ رقيبا
وقامَ عليكَ ليلُكَ فيس حدادٍ / يشقُّ على مصائبكَ الجيوبا
وربَّ حمامةٍ هبتْ فناحتْ / تنازعني الصبابةَ والنحيبا
أساعدها وتسعدني نواحاً / كلانا يا حمامةُ قد أصيبا
دعي همَّ الحياةِ لذي فؤادٍ / فما تركَ الغرامُ لنا قلوبا
ولا تنسي أخاكِ وما يعاني / إذا ماكانَ في الدنيا غريبا
فإنَّ المرءَ ينسى إن تناءى / وتذكرهُ صحابتهُ قريبا
رعاكِ اللهُ هل مثلي محبٌّ / وقد أمسى محمدُ لي حبيبا
شفيعي يومَ لا يجدي شفيعٌ / وطبي يومَ لا أجدُ الطبيبا
وغوثي حينَ يخذلني نصيري / وغيثي إن غدا ربعي جديبا
وآمنَ في حماهُ ريبَ دهري / وحادثهُ وإن أمسى غَضوبا
وأذكرهُ فيفرجُ كلُّ خطبٍ / ولو كانتْ رواسيها خُطُوبا
رسولَ اللهِ جئتكَ مستغيثاً / وجودكَ ضامنٌ أن لا أخيبا
متى تخضرُ أيامي وتزهو / ويصبحُ عودَ آمالي رطيبا
فقد ضاقتْ بي الدنيا وهبتْ / فجائعها على قلبي هبوبا
ومالي غيرُ حبكَ من نصيرٍ / فعلَّ من العنايةِ لي نصيبا
هلال الشكِ لا تعجبْ إذا ما
هلال الشكِ لا تعجبْ إذا ما / رأيتَ كما أرى هرجَ الأنامِ
فقد حسبوا نحولكَ من نحولي / فخيفَ عليكَ عاقبةُ الغرامِ
جل الناسِ أعداءُ
جل الناسِ أعداءُ / على السرَّاءِ والضَّرَّا
فلا يغرُرْكَ مبتسمٌ / وإن أبدى لكَ البشرا
ففي الصدر حزازاتٌ / تطادُ تمزقُ الصدرا
ولو كادوا النجومَ هوتْ / من الخضراءِ للغبرا
وما الدنيا إذا فكر / تَ غير جهنمَ الصُّغرى
ألستَ ترى بها أمماً / وكلٌّ تلعنُ الأخرى
لقد جرَّبْتُ جُلَّهُمُ / فلمْ أر فيهمُ خيرا
ومثلهم لنا الكفرا / وي والصبانُ والفرا
فعمروٌ ضاربٌ زيداً / وزيدٌ ضاربٌ عمرا
زمانٌ عيشُنا فيه اضطرارُ
زمانٌ عيشُنا فيه اضطرارُ / كما تحتَ الثرى دُفن النضارُ
نحاذرهُ ومن يخشَ الرزايا / فاصعبُ من رزاياهُ الحذارُ
ويلهو بعضُنا كالشاةِ ترعى / وقدْ حدت بجانبها الشفارُ
وإطراقُ الزمانِ يغرُّ قوماً / وما إطراقهُ إلا افتكارُ
يظنُ المرءُ أن قد فرَّ منهُ / ولكن كانَ منهُ لهُ الفرارُ
إذا وسعتْ في قفصٍ لطيرٍ / فكيفَ يفرُّ والقفصُ المطارُ
أرىما تمنحُ الدنيا هموماً / فأهنى العيشِ أمنٌ وافتقارُ
وكيفَ يُسرُّ ذو دينٍ تراهُ / يزيدُ ديونهُ هذا اليسارُ
لعمركَ إنما الأموالُ حزنٌ / فإن العمرَ ثوب مستعارُ
وما ماتَ الغنيُّ بغيرِ همٍّ / وأيةُ حسرةٍ هذا الخسارُ
كأن المالَ أقلامٌ فمنها / بسفرِ العمرِ حذف واختصارُ
كأنَّ خزانةَ الأموالِ قبرٌ / ففي نفسِ الغنيِّ بها انكسارُ
ويا عجباً من الأقدارِ تجري / وبعدَ وقوعِ ما تجري تدارُ
رأيتُ الفقرَ للفقراءِ حظاً / وفي أهلِ الغنى لهم اعتبارُ
وإن نالَ الفقيرَ الهمُّ يوماً / فأهونُ من لظى النارِ الشرارُ
يذلُ لهُ الزمانُ فلا يبالي / بما يأتي المساءُ ولا النهارُ
فيا كوخَ الفقيرِ غدوتَ دنيا / وكلُّ الأرضِ للفقراءِ دارُ
على تلكَ القصورِ أرى دخاناً / أخفَ عليكَ منهُ ذا الغبارُ
وفيكَ سلامةٌ من كلِّ همٍّ / وفيها من همومِ الدهرِ نارُ
عليكَ الشمسُ تاجٌ لم ينلهُ / سواكَ ومن حلى الظلِّ السوارُ
وإن يكن الزمانُ لهُ أميرٌ / فمن فيهِ لذا الدهرِ احتقارُ
كأن الدهرَ أليسَ جلدَ هرٍّ / وكلُّ مملكٍ في الناسِ فارُ
وما يغني كبارَ الإسمِ شيءٌ / وأنفسهم وإن كبروا صغارُ
فيا كوخَ الفقيرِ إذاً سلاماً / فأنتَ لبهجةِ الدنيا وقارُ
وما تلكَ القصور سوى ذنوبٌ / وأنتَ لها من الدهرِ اعتذارُ
أرى الإنسانَ يطغى حينَ يغنى
أرى الإنسانَ يطغى حينَ يغنى / وما أدنى الهبوطَ من الصعودِ
يظنُّ الناسَ من خلقٍ قديمِ / ويحبسهُ أتاهم من جديدِ
كما تعمى البهائمُ حينَ ترعى / عن الشوكِ الكثيرِ لأجلِ عودِ
متى كانتْ جيوبكَ من نضارٍ / فقد صارتْ جنوبكَ من حديدِ
ومن عجبٍ يكونُ المالُ تاجاً / وحبُّ المالِ أشبهُ بالقيودِ
فيا أسفاً على الفقراءِ أمسوا / كمثلَ العودِ جُفِّفَ للوقودِ
دموعهم دنانيرٌ ولكن / تعامى الناسُ عن هذي النقودِ
أليسَ من التغابُنِ وهو ظلمٌ / جزاءُ السَّعي يعطى للقعودِ
ومن يحصدْ فإنَّ الويلَ أن لا / يذودَ الطيرَ عنْ حبِّ الحصيدِ
ومن يحملْ على عنقٍ حساماً / فقد ظمأ الحسامُ إلى الوريدِ
وما زال الورى بعضُ لبعضٍ / حسوداً يتقي شرَّ الحسودِ
يقولُ الناسُ إن المالَ ماءٌ / بهِ يحيى المجدُّ معَ البليدِ
أكالماءِ المرشحِ ما تراهُ / حوى الكدرينِ من طينٍ ودودِ
وأينَ البحرُ يضطربُ اضطراباً / من المستنقعاتِ على ركودِ
كذا خُلقَ الأنامُ فمن شقيٍّ / يلازمهُ الشقاءُ ومن سعيدِ
ومن يسخطْ على زحلٍ فلمْ لا / يدير بكفهِ نجمَ السعودِ
وكم بينَ النحاسِ وإن جلوهُ / وبينَ توهجِ الذهبَ الشديدِ
نواميس جرتْ في الكونِ قدماً / ليتَّضحَ الفناءُ من الخلودِ
هي الأفلاكُ لا شمُّ القبابِ
هي الأفلاكُ لا شمُّ القبابِ / ولا كالفلكِ تجري في العُبَابِ
تدورُ بما تدورُ ونحنُ منها / مكانَ الظلِّ من فوقِ الترابِ
ولو انَّ الورى كانوا عليها / لباتتْ كالسفينةِ في الضبابِ
ولو أنَّ الملائكَ عاشرتهْ / لكنتَ ترى الحمامةَ كالغرابِ
ضعيفٌ وهو أقوى من عليها / قويٌّ وهو أضعفُ من ذبابِ
وليسَ الناسُ أجساماً تراأى / ولكن كلُّ نصلٍ في قرابِ
تفاوتتِ النفوسُ فربَّ نفسٍ / على فلكٍ ونفسٍ في ثيابِ
فلا عجباً إذا الإنسانُ أمسى / لدى الإنسانِ كالشيءِ العُجابِ
فَذُو المالِ اسْتَبَدَّ بكلِّ نفسٍ / وذو الهلمِ استخفَّ وذو الكتابِ
لدُنْ ركبوا سفينَ الدهرِ ظنواً / بني الدنيا متاعاً للركابِ
وليسَ المالُ غيرَ العينِ أما / غدتْ سودُ الحوادثِ كالنقابِ
فلا يفخرْ بصيرٌ عندَ أعمى / فما غيرُ المصابِ سوى المصابِ
سلوا من ظنَّ أمرَ المالِ سهلاً / أكانَ السهلُ إلا بالصعابِ
لعمركُ إنما الذهبُ المفدَّى / نفوسٌ لم تعدْ بعدَ الذهابِ
همُ اكتسبوا لغيرهمُ فأمسى / عليمُ الاكتسابُ بالاكتئابِ
وصيغَ شبابهم ذهباً أليستْ / على الدينارِ زخرفةُ الشبابِ
يمنونَ السعادةَ وهيَ منهمْ / منالَ الماءِ في بحرِ السرابِ
وإنَّ خزانةَ الآمالِ ملأى / لمن تلقاهُ مهزولَ الجرابِ
ومن يغترَّ بالأقوى يجدهُ / كنصلِ السيفِ يغمدُ في الرقابِ
متى صاحَ الدجاجُ بثُعلُبانٍ / فليسَ سواهُ من داعٍ مجابِ
يظنُّ الأغنياءُ الفقرَ ضعفاً / وكم من حيةٍ تحتَ الخرابِ
ولا يخشونَ ممن جاعَ بأساً / وليسَ أضرَّ من جوعِ الذئابِ
ألم تكنِ السفينةُ من حديدٍ / فما للماءِ يخرقها بنابِ
إذا شحتْ على الأمواجِ تعلو / فما بعدَ العلوِّ سوى انقلابِ
أما للعلمِ سلطانٌ على من / يرى أنَّ الفضائلَ في الخلابِ
وما ذو العلمِ بينَ الناسِ إلا / كَمَنْ كَبَحَ البهيمةَ لاحتلابِ
يظلُّ بها يمارسُها شقياً / وحالبُها يمتَّعُ بالوطابِ
وكم بينَ الطروبِ وذي شجونٍ / إذا أبصرتُ كلاً في اضطرابِ
أرى العلماءَ إذ يشقونَ فينا / نعيماً كامناً تحتَ العذابِ
كقطعةِ سكرٍ في كأسِ بنٍ / تذوبُ ليغتدي حلوَ الشرابِ
ومن أخذَ العلومَ بغيرِ خُلقٍ / فقدْ وجدَ الجمالَ بغيرِ سابي
وما معنى الخضابُ وأنتَ تدري / بأنَّ العيبَ من تحتِ الخضابِ
إذا الأخلاقُ بعدَ العلمِ ساءتْ / فكلُّ الجهلِ في فصلٍ وبابِ
ولولا العلمُ لم تسكنْ نفوسٌ / على غيِّ الحياةِ إلىالصوابِ
ولولا الدينُ كانتْ كلُّ نفسٍ / كمثلِ الوحشِ تسكنُ للوثابِ
رأيتُ الدينَ والأرواحَ فينا / كما صحبَ الغريبُ أخا اغترابِ
فلا روحٌ بلا دينٍ ومن ذا / رأى راحاً تُصَبُّ بلا حبابِ
ليجحدْ من يشاءُ فربَّ قشرٍ / يكونُ وراءهُ عجبُ اللبابِ
وللهِ المآبُ فكيف يعمى / أخو الأسفارِ عن طرقِ المآبِ
وما ظماءي وفي جنبيَّ نهرٌ / تدفقَ بينَ قلبي والحجابِ
أرى عقلي كساقيةٍ تُدارُ
أرى عقلي كساقيةٍ تُدارُ / وأنواعُ العلومِ لها بحارُ
ولي فكر كبستانٍ نضيرٍ / شهيُّ معارفي فيهِ ثمارُ
تناولتُ العلومَ وكانَ جهل / كمثلِ الليلِ فانشقَّ لنهارُ
ولاحَ ليَ الورى شيئاً عجيباً / وكلُّ فتى رأى عجباً يحارُ
فما الدنيا كما كنّا نراها / مُصَغَّرةً ونحنُ إذاً صغارُ
وإنَّ الجهلَ يسترُ كلَّ حسنٍ / كنورُ الشمسِ يحجبهُ الغبارُ
أرى لي موقفاً حرجاً كأني / ضللتُ وليسَ في بحري منارُ
سأفعلُ فعلَ أجدادي فإمَّا / كما نالوا وإمَّا حيثُ صاروا
وما أنا بالصغيرِ العقلِ حتى / تعزَّ على يدي الهمم الكبارُ
ولا أنا بالضعيفِ القلبِ حتى / تقيِّدُني المنازلُ والديارُ
سأضربُ في البلادِ فأيُّ فجٍّ / تلتاني فذلكَ لي قرارُ
ولا عارٌ على الساعي لمجدٍ / ولكنَّ التزامَ الدارِ عارُ
وما قدْرُ اللآلئ وْهيَ درٌّ / إذا لم ينفلقْ عنها المحارُ
مشى الجهَّلُ في طينٍ ولكنْ
مشى الجهَّلُ في طينٍ ولكنْ / أكفهمُ على حجرٍ صلودِ
كما يمشي الجبانُ وعن يديهِ / صفوفُ الحارسينَ من الجنودِ
وكم من العالمينَ أخا ذكاء / يجرُّ بهِ الذكاءُ إلى الجحودِ
أرى للعقلِ حداً في التسامي / كمرمى الباصراتِ إلى حدودِ
وإنَّ السيفَ إن لم يلف غمداً / كساهُ من الصدا شبهُ الغمودِ
وكلُّ تطرفِ العلماءِ جهلٌ / وبعضُ الجهلِ بالعلماءِ يودي
إذا انحرفَ القطارُ براكبيهِ / فقد وجدوا المحطةَ في اللحودِ
وسيانَ البصيرُ وكلُّ أعمى / إذا نظرَا إلى شيءٍ بعيدِ
كففتُ يدي عن الشرِّ
كففتُ يدي عن الشرِّ / وأصغيتُ لهُ أذني
لأعلمَ إنْ نبذتُ فتىً / سفيهاً كيفَ ينبذني
فلا بالمكرِ آخذهُ / ولا بالمكرِ يأخذني
نشأتُ ولستُ أعرفُ لي عدوّاً
نشأتُ ولستُ أعرفُ لي عدوّاً / وها أنا لستُ أعرفُ من معيني
كأنَّ الناسَ ليسَ لهم قلوبٌ / تحركهنَّ أنفاسُ الحزينِ
إذا ما أبصروا ذا الهمِّ فرُّوا / فرارَ الروحِ من وجهِ المنونِ
وأكثرُ من تصاحبهمْ ديونٌ / ويا ويلَ الفقيرِ من الديونِ
دعِ الدنيا ترفعُ كلَّ وغدٍ / فإن الخمرَ قد سُدَّتْ بطينِ
يعزِّي الناسُ بعضهمُ
يعزِّي الناسُ بعضهمُ / ولا يجديهمُ شيَّا
فذاكَ طويٌّ وهذا سو / فَ يطويهِ الردى طيَّا
يمينُ اللهِ لو عقلوا / لعزّى الميتُ الحيَّا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025