المجموع : 3
تُسائلني وهل أحببتَ مثلي
تُسائلني وهل أحببتَ مثلي / وكم معشوقةٍ لكَ أو خليلهْ
فقلتُ لها وقد هَمَّت بكأسي / إلى شَفَتيَّ راحتها النحيلهْ
نسيتُ وما أرَى أحببتُ يوماً / كحبِّك لا ولم أعرفْ مثيلهْ
فقالت لي جوابُكَ لم يَدَعْ لي / إلى إظهار ما تُخفيه حِيلَهْ
وفي عينيكَ أسرارٌ حيارى / تُكذِّبُ ما تحاول أن تقولَهْ
فقلتُ أجلْ عرفتُ هوى الغواني / لكلٍّ غايةٌ ولها وسيلهْ
خبرتُ غرامهنَّ قِلىً ووصلاً / كثيرَ الوعد لم يُدركْ قليلَهْ
قلوبٌ قاسياتٌ قنّعتها / وجوهٌ شاعرياتٌ نبيلَهْ
إذا طالعنني أُنسيتُ جُرحي / وأنَّ الحبَّ لم يرحم قتيلَهْ
وجاذَبَني إلى اللذات قلبٌ / شقيٌّ ضلَّ في الدنيا سبيلَهْ
وعُدتُ كما ترينَ صريعَ كأسٍ / أنا الظمآنُ لم يُطفىءْ غليلَهْ
فقالت كيف تضعُفُ قلتُ ويحي / وكيف أطاع شمشونٌ دليلهْ
فقالت ما حياتُكَ قلتُ حُلْمٌ / من الأشواق أوثرُ أن أُطيلَهْ
حياتي قِصَّةٌ بدأتْ بكأسٍ / لها غنَّيتُ وامرأةٍ جميلهْ
هَوىً لكِ فيهِ كلُّ ردىً يُحَبُّ
هَوىً لكِ فيهِ كلُّ ردىً يُحَبُّ / فديتُكِ هل وراءَ الموت حُبُّ
فديتُك مصرُ كلُّ فتىً مشوقٌ / إليكِ وكلُّ شيخٍ فيكِ صَبُّ
ويحلُمُ بالفِدَى طفلٌ فطيمٌ / وكلُّ رضيعةٍ في المهدِ تحْبو
أراك وأينما ولَّيتُ وجهي / أرى مُهَجاً لوجهك تشرئبُّ
وأرواحاً عليكِ محوِّماتٍ / لها فوق الضِّفافِ خُطىً ووثبُ
عليها من دمِ الفادين غارٌ / له بيديكِ تضفيرٌ وعَصْبُ
حَمتكِ صدورُها يومَ التَّنادي / ووقَّتكِ الليالي وهي حَرْبُ
إذا رامتكِ عاديةٌ وشقّتْ / فضاءَكِ غيلةً ورماكِ خَطبُ
دَعَتْ بالنَّهر فهْوَ لظىً ووقدٌ / وبالنَّسماتِ فهي حصىً وحصْبُ
وبالشجر المنوِّر فهو غيلٌ / وكلُّ غُصونِهِ ظُفرٌ وخُلْبُ
حقائقُ عن يدِ الإِيمانِ ترمي / صواعقَ ومضُها رُجْمٌ وشُهْبُ
لها في مهجة الجبّار فتكٌ / وفي عينيهِ إِيماضٌ وسكْبُ
صنائعُ كالغنائيَّات يَشدُو / بها شرقٌ ويُلقي السمعَ غربُ
ويُبْعثُ في الحياةِ على صداها / فراعنُ أو حواريُّون عُرْبُ
أهلُّوا بالصباحِ فثمَّ ركبٌ / تموجُ به الضِّفافُ وثمَّ ركبُ
بأرواحٍ مجنحةٍ نشاوى / إِليكِ بكلِّ جارحةٍ تدبُّ
لقد بُعثتْ من الأحقابِ مِصرٌ / أَجل بُعِثت وهبَّ اليوم شعْبُ
توحَّدَ في الزعامة فهو فردٌ / وأُفرِدَ بالأمانةِ فهو صُلْبُ
فيا لكِ مِصرُ ما لجلالِ أمسٍ / عَلَتْهُ غَبَرةٌ وطوتهُ حُجْبُ
وأُبهِمَ فهو رجْعُ صدىً وطيفٌ / بعيدٌ ليس يستجلِيهِ قُرْبُ
دَوت ريّاً ملامحهِ وحالتْ / مناقبهُ فهنّ أذىً وثلبُ
أكان دمُ الفدائيِّينَ صِدْقاً / وأصبَحَ وهو بعدَ الأمسِ كذْبُ
فيُهدمُ ما بنى ويقالُ شادوا / وتُصدعُ وَحْدَةٌ ويُقال رأبُ
علامَ إِذنْ أُريقَ بكلِّ وادٍ / فأوْرقَ مُجدِبٌ وأنارَ خِصْبُ
وجاد به شبابٌ عبقريٌّ / وولدانٌ كفرخِ الطَّيرِ زُغْبُ
أحقّاً ما يُقال شيوخُ جيلٍ / على أحقادهم فيه أكبُّوا
وكانوا الأمسِ أرسخَ من جبالٍ / إذا ما زُلزلَتْ قِممٌ وهُضْبُ
فمالهمو وَهَتْ منهم حُلومٌ / لها بيدِ الهوى دَفْعٌ وجَذْبُ
أأرحامٌ مقطَّعَةٌ وأرضٌ / تَعادى فوقَها أهلٌ وصَحْبُ
وأسواقٌ تُباع بها وتُشْرى / ضمائرُ هُنَّ للأهواءِ نَهْبُ
يطوف بها النِّفاقُ وفي يديه / صحائفُ أُفْعمتْ زوراً وكُتْبُ
يكاد الليلُ أن يَنْسى دُجاهُ / إذا نُشِرَتْ ويأخذَ منه رُعْبُ
تعالوا يا بني قومي تعالوا / إلى حقٍّ وحَسْبُ الشعبِ حَسْبُ
هو الدستور منه جَنىً قطفْنا / ونهرُ حياتنا ملآنُ عَذْبُ
فما للشَّرْبِ والجانينَ ثاروا / عليه بعد ما طَعموا وعَبُّوا
فأُهْدِرَ مَرَّةً وأُبيحَ أخرى / وعِيبَ وما له عيبٌ وذنبُ
إذا ما الأكثريةُ فيه فازتْ / تحرَّكتِ الدسائسُ وهي إِلْبُ
وإن هيَ حورِبَتْ عنه وذيدَتْ / تحدَّثَ باسمِهِ فَرْدٌ وحِزْبُ
عجائب لم تقَعْ إلَّا بمصر / وأحداثٌ لهن يَطيش لُبُّ
تَعالوا يا بَني قوْمي إليْهِ / فما في حُكمِهِ قَسْرٌ وغَصْبُ
وما هو أسْطُرٌ كُتِبَتْ ولكنْ / معان في القلوب لهنَّ عَلْبُ
تحررتِ الشعوبُ فكلُّ شعبٍ / طليقٌ والمجال اليوم رَحْبُ
وَهَبّتْ في نواحي الأرضِ دُنيا / لحقٍّ يُجتَبَى ومُنىً تُلَبُّ
أنلعبُ والزمانُ يقول جدُّوا / ونرقدُ والحياةُ تصيحُ هُبُّوا
فلا تقفوا بحريَّاتِ شَعْبٍ / وآمالٍ له للمجدِ تصْبو
فما تثني خُطى شعبٍ طموح / زعازعُ في ظلامِ الليل نُكْبُ
إذا عصفتْ تلقَّاها بصدرٍ / وراءَ ضلوعِهِ نارٌ تُشَبُّ
سألتكمو اليمينَ وحُبّ مصرٍ / ألم يخفِقْ لكم بالحب قلبُ
إذا عَبَسَ الزمانُ لمصرَ أوْمَتْ / إلى الفاروقِ وهيَ رضىً وحبُّ
فقبَّلها وظلَّلها هواهُ / وندَّى قلبَها والعيشُ جَدْبُ
وباسمكَ أيها الملكُ المفدّى / تَقَشَّعُ غُمَّةٌ ويزولُ كَرْبُ
وباسمكَ لا يُضامُ لمصرَ حَقٌّ / وباسمكَ لا يُضارُ بمصرَ شَعْبُ
وباسمكَ من عُضالِ الداءِ تُشْفَى / وباسمكَ كلُّ داءٍ يُسْتطبُّ
بحقِّ عُلاكَ وهو هُدىً ونورٌ / وحقِّ هَواكَ وهو عُلاً وكسْبُ
إليكَ توجّهَتْ بالروحِ مصرٌ / وأنتَ لمصرَ بعد اللّه ربُّ
أتدري الريحُ من ملكتْ زمامهْ
أتدري الريحُ من ملكتْ زمامهْ / تشقُّ الغربَ أو تطوي ظلامهْ
هَفَتْ للشرق فاختلجتْ جناحاً / بهِ واستقبلت لثماً غمامهْ
وقيلَ دنا وحوَّم فاشرأبّتْ / ضفافُ النيل تستهدي حِيامَهْ
وعانقه الصباحُ على رُباها / غضيضَ الطَّرفِ لم ينفضْ منامهْ
يضيء بورده الأزليِّ أُفقاً / تُظلِّلهُ الرعايةُ والسلامهْ
وواكبَهُ على سيناءَ برقٌ / بعينِ الملهمين رنا فشامهْ
تمثَّلَ إذْ تألّقَ ذكرياتٍ / وأمجاداً مشهّرةً مُسامهْ
لمحتربٍ مِنَ الأبطال فادٍ / يخاف الدهرُ أن يَلقى عُرامهْ
حواريٌّ على كفّيهِ قلبٌ / أَبى غيرَ الشهامة والكرامهْ
نحيفٌ مِن شُراةِ الخلد يحمِي / تراثَ الشرق أو يرْعى ذمامهْ
كسَتهُ خُشنةً غِيرُ الليالي / وسلَّتْ عزمه وجلتْ حُسامهْ
أَشدّ على قواضبها مراساً / وأَنفذ مِن مضاربها هُمامهْ
أَقام على الفلاة طريدَ ظلمٍ / وذِيدَ فما أطاق بها مقامهْ
وبايعَ في شبيبته المنايا / فعادت منه وادَّرأتْ حمامهْ
أحلُّوا قتله وتطلّبوهُ / دماً حراً وروحاً مستهامهْ
تُنَسِّي الحربُ كلَّ فتىً هواه / ولا يَنسَى الكميُّ بها غرامهْ
زئيرُ الليثِ يطربُ مسمَعيهِ / وتُشجيهِ بِرَنَّتِها الحمامهْ
ووثبُ الخيل أفراسُ الأماني / إِلى خَطَرٍ تعشَّقه ورامهْ
يَصُفُّ البيض والسُّمر العوالي / ويرقبُ مِن فم الصُّبح ابتسامهْ
ويفرُك راحتيهِ دماً وناراً / يُغَنِّي حُبَّهُ ويُديرُ جامهْ
كذاك رأى الحياة فما احتواها / ولا عرفَ الملالة والسآمهْ
مفازعُ للرَّدى إن لاح فَرّتْ / وراءَ خطاهُ وارتدّتْ أمامهْ
أخا الهيجاءِ كيفَ شهِدْتَ حَرْباً / يُذكّرُ هولُها يومَ القيامهْ
وكيف رأيتَ بعد الحرب سِلْماً / تملأُ بالضغينةِ واللآمهْ
وقالوا عالَمٌ قد جَمّلوهْ / فلم يَعْدُ الشناعةَ والدمامهْ
تناثرتِ الممالكُ فيهِ حتى / لتعجزَ أن تُبينَ لها حطامهْ
متاهاتٌ تضلُّ بها الليالي / ولا يدري بها فَلَكٌ نظامهْ
فلسطينُ الشهيدةُ في دجاه / مَفزّعةُ الخواطِرِ مستضامهْ
أَقام المستبدُّ على حماها / فعاث بها وأفردها طغامهْ
وجاء بآبقٍ لَفظَتْهُ دارٌ / وأفَّاقٍ يُحمِّلُها أثامهْ
أباح له على كيْدٍ جناها / وشاطره على خُبثٍ مدامهْ
وعلّمهُ الرمايةَ واجتباه / فسدّد في مقاتله سهامهْ
نديمُ الأمس سَقَّاهُ بكأسٍ / أحسَّ لهيبها ورأى ضرامهْ
رمى الشيطانُ عن فخَّارتيها / وعضَّ على نواجذه ندامهْ
ألا لا يمرح الباغون فيها / فلن ينسَى لها الحقُّ انتقامهْ
مُحالٌ أن تَطيبَ لهم حياةٌ / عليها أو تدوم لهم إِقامهْ
عروبتُها على الأدهار أبقى / وأثبتُ من رواسخها دِعامهْ
أتهدأ وهي في الغمرات تأسو / جريحاً أو تشدُّ له ضِمامهْ
ومفتيها الأمينُ ومفتديها / وراءَ تخومها يشكو هيامهْ
فتى أحرارها ما عابَ عنها / ولا منع الخيالَ بها لِمامهْ
كأمسِ كعهدها لم يغْفُ عيناً / بليلٍ أَقسمتْ ألَّاَ تنامهْ
يؤلّفُها على الأحداث صفاً / جسورَ النفس جبّار العُرامهْ
جهادٌ في العروبة واحتشادٌ / له التاريخ قد أَلقى زمامهْ
أَخا الصَّبَواتِ هل شَفَتِ الليالي / جراحَ القلب أو روَّتْ أُوامهْ
حَللتَ بسوريا بعد اغتراب / وقد كاد الجلاءُ يُتِمُّ عامهْ
فقلتُ تحيّةُ الزمن المعادِي / لمقتتلٍ أطال بهِ صدامهْ
وأشرقتِ الكتائبُ عن لواءٍ / يَدُ الشهداءِ لم تتركْ عِصامهْ
لأصهبَ من أُسودِ الحرب يمشي / بأصهَبَ تُمسِكُ الدنيا لجامهْ
حواكَ جلالة فحنيت رأساً / ولم تخفِضْ لجبّارين هامهْ
طريقُ المجد كم أَثرٍ عليه / لأهوالٍ لقِيتَ وكم علامهْ
وكم جبل هبطتَ برأس وادٍ / يعزُّ الجنَّ أن ترقَى سنامهْ
حميتَ الغاصبين خُطىً إليه / فصان عراقه وحمى شآمهْ
بجيش من بَني عدنان فادٍ / ترَى نسراً بهِ وترى أُسامهْ
يروعكَ خالدٌ فيهِ وتلقى / عُبَيْدَةَ وهو في سيفٍ ولامهْ
كأن الفاتحين مِن الأوالي / على أسيافهم رفعوا خيامهْ
حُماة الشرق كم في الغرب باغٍ / عليهِ أذاقه بطشاً وسامهْ
وكم أيْدٍ عليه مُجرّداتٍ / مخالبَ كاسرٍ يبغي التهامهْ
ذئاب حول جنَّتِهِ تعاوَى / كأن بها إِلى دمه نهامهْ
فهزُّوه صوارمَ مشرعاتٍ / تشقُّ بكلِّ مُعْتركٍ زحامهْ
هو السيفُ الأصمُّ إذا تغنَّى / صغا متجبّرٌ ووعَى كلامهْ
أَعِدوا حده لصراع دهر / صريعُ الوهم من يرجو سلامهْ