المجموع : 25
وبيتٍ مثْلِ بَيْتِ اللهِ فَرْدٍ
وبيتٍ مثْلِ بَيْتِ اللهِ فَرْدٍ / إليه سُجودُ كلِّ ذوي البُيوتِ
أتاني فافتخَرْتُ به جوارباً / فيا نَفْسي حَظيتِ بما حَظيت
وبِتُّ كمُحصَرٍ في الأرضِ يُمْسي / ويُصبحُ وهْو ذو شَمْلٍ شَتيت
فجاء إليه بَيْتُ اللهِ يَسْعَى / وقال له السَّعادة قد كفِيت
فيا مَنْ ظَلَّ منعوتَ المعالي / بأشرفَ ما يكونُ من النعوت
ومَن هو قِبلةٌ تُلْوِي إليه / وُجوهُ الخَلْقِ من كلِّ السُّموت
إمامٌ رَبُّه آتاهُ حُكْماً / وذلك مَن يَشاءُ اللهُ يُوتي
حليمٌ في تَواضُعِه مَهيبٌ / لديه الخَصْمٌ يُلْجَمُ بالسُّكوت
على أحوالِ أحداثِ الليالي / له إقدامُ ذِمْرٍ مُستَميت
أخو كرمٍ يَسيرُ بكُلّ أرضٍ / حديثٌ عنه كالمِسْكِ الفَتيت
فتىً يُحيِي عُلاً ويُميتُ مالا / ألا حُيّيِتَ من مُحْيٍ مُميت
له أُهدِي قَوافِيَ سائراتٍ / أَبِيتُ لنَظْمِها قَلِقَ المَبيت
حِساناً للمُدِلِّ بها لعَمْري / على الكُرَماء حَقٌ ذو ثُبوت
ولكنْ رُبَّما عُهِدَ اتِّفاقاً / حِسانٌ في الزّمانِ بلا بُخوت
أيا مَن قُوَّتي منه اقترابي / ونَشْرُ ثنائه في النّاسِ قُوتي
لقد أعجَزْتَني فخَفَضْتُ صَوتي / وقد شَرّفْتَني فرفَعْتَ صِيتي
فدُمْ ما أصبحَتْ دِيَمٌ وأمسَتْ / تَجودُ على رياضٍ أو مُروت
وما لم يُغْنِ طَعْنٌ عن قنَاةٍ / وما لم يَعْرَ وِتْرٌ من قُنوت
لقدَ شيَّعتُ ظُعْناً بالفؤادِ
لقدَ شيَّعتُ ظُعْناً بالفؤادِ / وَعيْني يومَ نُودِيَ بالبِعادِ
فآب العينُ عنهم من قَريبٍ / وقد بَعُدوا ولم يَرجعْ فُؤادي
لَيالي أَجمَلَت فيهِنَّ جُملٌ
لَيالي أَجمَلَت فيهِنَّ جُملٌ / إِلَيَّ وَأَسعَدَت فيها سُعادُ
فَبِتُّ أَقولُ مِن طَرَبٍ إِلَيها / أَلا يا عَهدُ جادَتكَ العِهادُ
لَقَد أَطرَبَتنا وَمَضَيتَ عَنّا / فَلَيتَكَ كُنتَ صَوتاً يُستَعادُ
شكوتُ إلى الحبيبةِ سُوءَ حَظِّي
شكوتُ إلى الحبيبةِ سُوءَ حَظِّي / وما قاسَيْتُ من أَلَم البِعادِ
فقالتْ أنت حَظُّكَ مثْلُ عَيْني / فقلتُ نَعَمْ ولكنْ في السَواد
أمَولايَ الأجلُّ نِداءَ عَبْدٍ
أمَولايَ الأجلُّ نِداءَ عَبْدٍ / بصَفْحِكَ من عتابِك مُستَجيرِ
أجِرْني من زمانٍ قد سَخا لي / بُقربِك ثمّ نافسَ في الحُضور
إلى يُمناكَ أشكو فَيْضَ سُحْبٍ / كما تَشكو الجنودُ إلى الأمير
عَدانِي القَطْرُ عن غَيْثٍ بغَيْثٍ / وعَوّقَني مَطيرٌ عنَ مَطير
وأظمأني إليك وهل سَمعْتُمْ / بغَيْثٍ مُلِهبٍ غُلَلَ الصُّدور
على أنّي لواحدةٍ أتاها / غَفْرتُ جرائمَ المُزْنَ الدَّرور
فمُذ طَرق البشيرُ بما أعَدُّوا / منَ التّشَريفِ للمولَى الوزير
يُديمُ نِثارَه ويقولُ هذا / أقَلُّ قضاءِ حَقٍ للبَشير
وبالورِقِ النثيرِ يُغَصُّ جَوّاً / غداً سيُغَصُّ بالذَّهَب النّثير
فيَحكِي ما سيَحكيهِ ازْدِحاماً / إذا أخذَ المواكبُ في المَسير
فيا عَضُدَ المكارمِ والمعالي / ويا سنَدَ السّرايا والسّرير
يذوبُ الحاسدون جوًى إذا ما / طلعتَ بغُرّةِ البدر المُنير
فتَشتعلُ القلوبُ لهم بنارٍ / وتكتحلُ العيون لهم بِنُور
ولو يَدرون من عُلْياك ماذا / يُسِرُّ لهم زمانُك في الضَّمير
إذَنْ يا صاحِ لاعْتَمدَ الأعادي / على حَدِّ الأسنّةِ بالنُّحور
وما نظَرتْ لِنُوشروانَ يوماً / من الزَّمَنِ العيونُ إلى نَظير
فقُلْ لِحَسودِه في المُلْكِ صَبْراً / وبعضُ الصَبرْ أقْتَلُ للصَبور
تُباريهِ وهل في عَيْنِ شمس / بَقاءٌ للشَّرارِ المُستَطير
له خُلِقَ المُسانِدُ غيرَ شَكٍّ / فقد رجَع المُعارُ إلى المُعير
قضَى الأحزانُ عُقْبتَها وهذا / أوانُ السُّكْرِ من نُخَبِ السُّرور
كذلك ما انقضَى ليلٌ طويلٌ / فأعقَبنا سوى يومٍ قَصير
أبا شَرفاً لدينِ اللّهِ أضحَى / له رِدْأً على صَرْفِ الدُّهور
عِراصُك جَنّةٌ وبها نُزولي / ففيمَ أنا مُقاسي الزَّمْهَرير
وأضيافُ الشتاء بحيثُ رَفْعٌ / لنيران ونَصْبٌ للقُدور
وغيرُ قِرايَ كأسٌ من عُقارٍ / ولكنْ أين كوسٌ من عَقير
فدُمْ يا أكملَ الوزراء طُرّاً / سِدادا في الأوامرِ والأمور
لِيبقَى مُلكُهم فَلَكاً مُداراً / ورأْيُك فيه كالقُطْب المُدير
أيا أَهْدى من الشُّهُبِ السَواري
أيا أَهْدى من الشُّهُبِ السَواري / ويا أَندَى من السُّحُبِ الغِزارِ
إذا اعتكَرتْ على الأُمَمِ اللّيالي / أوِ افتخَرتْ ذَوو الهِمَمِ الكِبار
أتاك مُبَشّراً بالعِزِّ شَهْرٌ / كصِيتِكَ في المكارمِ ذو اشْتِهار
وأكبرَ أن يَزورَكَ بعدَ عامٍ / ولم يَصْحَبْهُ من تُحَفِ المَزار
فَصَّير منه يُمْناً في يَمينِ / وصَيّرَ منه يُسراً في يَسار
وجاء بمِلءِ كَفَّيْهِ لتُمْسي / وتُصبِحَ من يدَيْهِ في نِشار
فصُمْهُ وبَعدَهُ أَلْفاً عليه / بإسعادٍ من الفَلَكِ المُدار
وقُمْهُ لجانِبَيْ أَجْرٍ وشُكْرٍ / قِياماً في سِرارِكَ والجِهار
بحَقِّ اللهِ آناءَ اللّيالي / وحَقِّ النّاسِ أطْرافَ النّهار
ودَعْ حَقِّي أنا وَحْدي فإنّي / وَليُّكَ كيف كانَ الأَمْرُ جار
وإن أَحبَبْتَ أن تَقْضِيه فاعْجَلْ / فما بعدَ العَشيّةِ من عَرار
ولا تَقصِدْ مُدافَعتي فإنّي / جُعلْتُ فِداكَ قد طالَ انتظاري
ودُمْ للمجدِ في عَيشٍ هَنئٍ / يُطَرَّزُ باعْتلاءٍ واقْتِدار
وفي عزٍّ يَعِزُّ على المُعادِي / وفي طُولٍ يَطولُ على المُباري
ومُلْكٍ مَدَّ من عُمُرٍ طويلٍ / وزينَ بنظْمِ أيّامٍ قِصار
وِصالُ الشَّمسِ يُهْدي الاِحْتراقا
وِصالُ الشَّمسِ يُهْدي الاِحْتراقا / فما حُرِقَ المُديمُ لها فِراقا
وقَبليَ لم يَر الرّائي هَباءً / بعيداً من سَنا شَمْسٍ تُلاقى
ولا جَسداً تناءَتْ منه روحٌ / ويَبقى بعدَها حيّاً فُواقا
ولكنْ مَدّ من أجلي وجُودي / لروحي بعدُ بالقلبِ اعْتلاقا
وممّا شاقَني إيناسُ نارٍ / كلمْعةِ بارقٍ علَتِ البُراقا
تَلوحُ بعيدةً وأَبِيتُ لَيْلي / كأنّي واطِئٌ فيها اشْتِياقا
وما نارٌ بأخْمَصِ مُستهامٍ / كنارٍ منه في الكَبِد احتراقا
أُشاقُ إلى العُذَيْبِ وساكنيهِ / وقَلّ إلى الأحبّةِ أن أُشاقا
على أنّي إذا ازدَدتُ اشتياقاً / إلى الأحبابِ أزدادُ اعْتياقا
يُقَيِّدُ صُدْغُ ذاتِ الخالِ منّي / فؤاداً ما تَخافُ له إباقا
وفَرّقَ لي فراقُهمُ جفوناً / بهِنّ لنا تَلاقٍ لو تَلاقى
أبِيتُ وأنجمٌ في الجوِّ تَسْري / نَدامَى طُولَ ليلتِها تَساقى
إذا فَرّغْنَ كأسَ كرىً لعَيْني / ردَدْتُ الكأسَ من دَمْعي دِهاقا
ولم أنسَ الرّكائبَ وهْي تُحْدَى / وقد عزَموا معَ الصُّبْحِ انطِلاقا
ببيضٍ في الهَوادج مُغْمَداتٍ / يُرَجِّى النّاظرون لها انْدِلاقا
ومذْ فتَن الفتى تَسليمُ سلْمَى / بعَيْنٍ أو بحاجبٍ استِراقا
تُسمّي الشّمسُ من حَسدٍ سناها / بعَيْنٍ أو بحاجبٍ اخْتِلاقا
تَخَيّرْ من تُصاحبُه فكم مِن / وُثوقٍ عاد آخِرُه وَثاقا
إذا خطَب الصّداقةَ منك كُفْؤٌ / فلا تَطلُبْ سوى صِدْقٍ صَداقا
فقد صَدِئتْ قلوبُ النّاسِ غِشّاً / وقد صُقِلَتْ وجوهُهمُ نِفاقا
أقولُ لناقتي والعيسُ عَجْلَى / يَفُتْنَ الطَّرْفَ كالنّبْلِ اسْتراقا
وقد طَلّقْنَ من فِرْكٍ دُجَيْلاً / وقد راجَعْنَ دِجلةَ والعِراقا
غداً ترعَيْنَ بالزَّوراءِ غَيثاً / بِجَيٍّ بَرْقُه أَبدَى ائْتِلاقا
فما زالتْ بيَ الخَرقاءُ تَسري / وتَطعنُ لَبّةَ الخَرْقِ اخْتراقا
إلى أن شارفتْ بغدادَ حَسْرَى / وجفنُ اليوم يَبْغي الإنطباقا
وقد ضَربَ الأصيلُ بها لصَحْبي / على الآفاقِ من ذهَبٍ رِواقا
وخِلْنا الشّمسَ وهْي تَغيبُ مَلْكاً / عظيماً وُلِّيَ السّبْعَ الطِّباقا
رأى السّلطانَ من بُعدٍ فأبْدى / لحُرِّ الوَجْه بالأرضِ التصاقا
رأى مَلْكاً يُبادِرُ كُلُّ مَلْكٍ / لطَوْقٍ من عُبودتِه اعتناقا
ذُراه لم يَضِقْ عن قاصديهِ / وقد صَغُرَ الفلا عنه وضاقا
كأنّ اللهَ قالَ له مقالاً / غدا لِشُمولِ نائلهِ طِباقا
خلَقْتُ أنا العبادَ أجلْ ولكنْ / أحلْتُ لهمْ عليكَ الاِرتزاقا
مَليكٌ ملهِمُ الأرماحِ عِلْماً / بمن يُخْفي خِلافاً أو وِفاقا
تَشُقُّ له الأسنّةُ مُبْصراتٍ / مَواضعَ يُضمِرُ القومُ الشِّقاقا
إذا ما شَبَّ نارُ الحربِ أَضحَتْ / رؤوسُ عُداتِه شَرَراً تَراقى
يُودِّعُ بعضُها في الجوِّ بعضاً / وَداعاً غيرَ مُصحبةٍ عِناقا
وتَبكي لا بأعينها دماءً / حُسامُك لا الغرامُ لها أَراقا
إذا ما الماءَ أَمطرتِ الغَوادي / مَطْرتَ المالَ والخيلَ العِتاقا
ولا وأَبي الغوادي ما أَراها / تُرقرِقُ أَيضاً الماءَ المُراقا
ولكنَّ السّحابَ متى تَصدَّى / لِيحكي صَوْبَ نائلِكَ اندِفاقا
تَصبَّب كلُّه عَرَقاً لأنْ قد / تَحمّلَ حَمْلَ عِبءٍ ما أَطاقا
عَدوُّك في قَصيّ الأرض يُمْسي / وطَيْفُ قَناكَ يَطعَنُ منه ماقا
خَيالُك لا يُطاقُ له لِقاءٌ / فعَزَّ إذن خُيولُك أَن تُطاقا
سَوابِقُ خِلْتَ أَبطأهنَّ بَرْقاً / إذا طلَب الأعاديَ أَو بُراقا
فلو وجَد الهلالُ له طريقاً / إلى عُلْياكَ كان لها طِراقا
ولمّا عَنّ للفلَكِ التّسامي / رأى بِعدادِ غِلْمتِكَ التحاقا
فسَوَّد في قَباءِ دُجىً وأَبدى / بمَنطَقةِ البُروجِ له انتِطاقا
يَحُثُّ لك الخُطا شَرقاً وغَرْباً / وفيما شِئْتَ يَنْساقُ انْسِياقا
لأبيضَ رقَّ قلباً للرَّعايا / وجَرَّد للعدا بِيضاً رِقاقا
سَوادُ قلوبِ كُلِّ مُلوكِ أَرضٍ / غدا لسوادِ رايتِه لِفاقا
لَهُنَّ الدّهرَ ما ركُزتْ سُكونٌ / فإن نُشِرَتْ تَشابهَتِ اختفاقا
أَمَولَى الخلْقِ دمْ للخلْقِ مولىً / على تَفضيلِه اتّفقوا اتِّفاقا
ومَن في مُلكِه للهِ سِر / لوَ أنَّ صريعَ سُكْرِ هوىً أَفاقا
وفي تَوقيعِه الأعلى دليلٌ / كأنّك بالحديثِ إليه ساقا
إليك المُشتكَى من حادثاتٍ / أَبيَن لأعظُمي إلاّ اعْتِراقا
وماهَنةً شكَتْ أَيّامُ دَهري / ولم تَمْلِكْ لعَبْرتها اسْتِباقا
تَجُرُّ ذيولَ أَخلاقٍ وتَرْجو / لها من زِبْرِجِ الدُّنيا خَلاقا
فقلتُ ثِقي فمِن أَثمانِ نُطْقي / غداً أَكسوكِ مِن دُرٍّ نطاقا
فَسُوقُ الشِّعْرِ مُذْ أَصغَى إليه / مُغيثُ الدّينِ عاودَتِ النَّفاقا
وأَدنَىنظرةٍ منهْ ستُبْدي / لأحوالي كأقوالي اتِّساقا
فَيحْكي قلبُ حاسدِيَ المُعنَّى / شَبا قَلَمي منَ الغَيْظِ انْشِقاقا
ووُدّي لو لَزِمْتُ ذُراهُ عُمري / وعَبْدُ العِزِّ لا يَهوَى العِتاقا
وحيث أَقمْتُ عَجْزاً عنه سارَتْ / مَدائحُ رَقّ مُبدَعُها وَراقا
فلِمْ لا يَعْتلي فيفوقُ مَدْحٌ / بمَمْدوح لأهْلِ الأرضِ فاقا
فلا تَر شمسُ دَولتِه كُسوفاً / ولا يَر بَدْرُ غُرَّتِه مُحاقا
فلَم أَر تاجَ مكرمةٍ سِواهُ / به تَرصيعُ دُرِّ المَدْح لاقا
له الأوصافُ كالرّاحِ ارتشافاً / لواصِفها وكالمِسْكِ انتِشاقا
فنَأْخُذُ من جلائلها نَصيباً / ولا نُحصي مَعانَيها الدَّقاقا
فإن حُمدَتْ طَرائقُه فنَلْقَى / من الحمدِ اسْمَه الأعلَى اشْتِقاقا
أسلطانَ الورى محمودُ خُذْها / صُراحاً من دُعائي لا مِذاقا
مَنِ اسمُك وصْفُه في كلِّ حالٍ / لشَمْلِك لا أَرى الدُّنْيا افْتِراقا
عَداكَ الحادثاتُ إلى عِداكا
عَداكَ الحادثاتُ إلى عِداكا / فما للنّاسِ مَعنىً ما عَداكا
ولا بَرَحَ المُصادِقُ والمُعادي / إذا ما نابَ نائبةٌ فِداكا
فأنتَ سنَنْتَ للنّاسِ المَعالي / وإن لم يَبلُغوا فيهما مَداكا
إذا نظَر الملوكُ إليكَ يَوماً / رأَوْك لأمْرِ مُلكِهمُ مِلاكا
فإن يَكُ مُلكُهمْ أمسَى سَماءً / فَرَأْيُكَ لم يَزْل فيها سِماكا
خُلقْتَ منَ العُلا والمجدِ حتّى / تَضمّنتِ الفضائلَ بُرْدَتاكا
فلو كان العُلا والمجدُ شَخصاً / يَراهُ النّاظرونَ لكنتَ ذاكا
نَصُدُّ عنِ الغمائمِ هاطلاتٍ / إذا مطَر الوفودَ غَمامتاكا
ونَسمَعُ عن كرامِ النّاسِ ذكْراً / ونَنظرُ ما نَرَى أحداً سِواكا
فلا نَعْبا بأنْ سَخِطَ اللّيالي / وأهلُوها إذا حُزنا رِضاكا
لقد مَرِضتْ لنا الآمالُ حتّى / شَفاها اللهُ لمّا أن شَفاكا
فلا حُرِمَ السَّناءَ بكَ المعالي / ولا خلَتِ المَمالكُ من سَناك
فما اكتحلَتْ بوَجهِ السَّعْدِ يَوماً / من الدُّنيا سوى عَينٍ تَراكا
تَقسَّمتِ الوُفودُ غداةَ سارَتْ / وخَيلُ الدَّهرِ تَعترِكُ اعْتراكا
فسار الطّارقاتُ إلى الأعادي / وسار الطّارِقونَ إلى ذُراكا
بنو الدّهرِ العُفاةُ لديكَ لكنْ / بَناتُ الدّهرِ تَقصِدُ مَن قَلاكا
مَنِ استَكْفاكَ أمرَهمُ كفيلٌ / إذا راب الزّمانُ بما كَفاكا
لك المَعروفُ دونَ النّاسِ مُلْكٌ / يَداكَ بصِدقِ ذلكَ شاهِداكا
ولمّا صارَ حَمدُ النّاسِ وحْشاً / نَصبتَ من الجميلِ له شِباكا
أرى الإمساكَ من عاداتِ قَومٍ / وما اعتادَتْ سوى بَسْطٍ يَداكا
فأعجَبُ كيف مَعْ تلك السَّجايا / أطاقَ بكفِّك القلَمُ امتِساكا
لدِيوانَيْ حسابِكُمُ وشِعْري / أرَى في الرَّعْيِ للذِّمَمِ اشْتِراكا
مَعاشيَ هاهُنا ما زالَ يُجْرَى / ومَدحُكَ هكذا يُتْلَى هُناكا
فما في أمرِ إدراري مَعابٌ / ولا دُرَري إذا جُعِلَتْ حُلاكا
أُنَظَمُهنَّ أشعاراً رِقاقاً / إذا ما غَيرُها أضحَى رِكاكا
وما شُكري لمِا أَولَيْتَ إلاَّ / رَهينٌ ما أُطيقُ له فَكاكا
إذا طلَب الحسودُ لدَيكَ شَأْوي / نهَتْه عن مُطاولتي نُهاكا
وكيف أخافُ للواشي مَقالاً / وقد عُقدَتْ على طَوْدٍ حُباكا
إلى المَولَى الصِّفيّ سَرتْ رِكابي / وحَسْبُك بالصَّفيِّ إذا اصْطَفاكا
وَليُّ الدَّولةِ الحاكي نَداهُ / وَليَّ المُزْنِ والقَطْرَ الدَّراكا
لتَهنِكَ كَعبةٌ زارتْكَ شَوقاً / إليك ورَّفهَتْ كَرماً خُطاكا
ودَوحةُ سُؤْدَدٍ تَدعوكَ فَرْعاً / فَزادَ اللهُ مَفْخَرَ مَن نَماكا
أتَتْ بك أوّلاً وأتتْ أخيراً / تَزورُكَ بعدَ ما شَطَّتْ نَواكا
بمَقْدَمكَ اعْتراها من سُرورٍ / مُشابِهُ ما بمَقْدَمها اعْترَاكا
لكَ البُشرَى بها ولَها قديماً / لقد عَظُمَتْ وجَلّتْ بُشرَياكا
طَرِبتُ لجَمْع شَملك بَعْدَ لأْيٍ / لَعلّك جامعٌ شَمْلي كَذاكا
أرى لي طِيّةً عَرُضَتْ وطالَتْ / وليسَ مَطيّتي إلاّ نَداكا
ولي وَطَنٌ ولي وَطَرٌ جَميعاً / سَيُدْني لي بَعيدَهُما جَداكا
وسَوقُ الرّاحتَيْنِ إليّ سَهْلٌ / عليكَ إذا استَهلتْ راحتاكا
أَحِنُّ إلى السُّرَى وَعلَيَّ قَيْدٌ / منَ التَّعويقِ يَمنَعُني الحَراكا
فحُلَّ عِقالَ نِضْوٍ من رَجائي / يَسِرْ بي من ديارِكمُ ابْتِراكا
وأيّاً ما حلَلْتُ فلي لسانٌ / مَلئٌ بالثّناء على عُلاكا
فحيثُ نزلْتُهُ يَأْتيكَ شُكْري / على بُعْدٍ وتَأْتيني لُهاكا
وما مَدْحي وإنْ خطبَتْه قَومٌ / سوى عَبَقٍ بثَوبِ عُلاكَ صاكا
فلا يَزلِ الزّمانُ بكُلِّ حال / يُطيعُك صَرْفُهُ في مَن عَصاكا
رأيتُك في يَدِ الإقبالِ سَيْفاً / فلا شامَتْكَ كَفُّ من انْتَضاكا
ولا لَقّاكَ مَن تَرجوهُ يأساً / فإنّكَ لستَ تُؤْيسُ مَن رَجاكا
أَقْلاّ عندَ طِيّتيَ المقالا
أَقْلاّ عندَ طِيّتيَ المقالا / وحُلاّ عن مَطيَّتيَ العِقالا
فما خُلِقَ الفتَى إلاّ حُساماً / وما خُلِقَ السُّرَى إلاّ صِقالا
وما راع الدُّمَى إلاّ فِراقٌ / خطَبْتُ به إلى العلْيا وِصالا
سمَوْتُ لها بزُهْرٍ من فُتُوٍّ / هتَفْتُ بهمْ وجُنْحُ اللّيلِ مالا
أَقَلُّ من الكواكبِ حينَ تَسْري / ضلالاً في الغياهبِ أَو كَلالا
يَقولُ مُودِّعي والدَّمْعُ جارٍ / يُريك مصونَ لُؤْلُئه مُذالا
أَعِرني نَشوةً من كَأْسِ ثَغْرٍ / وثَوِّرْ قبلَ أَن أَصْحو الجِمالا
كراهةَ أَن أُديرَ العَينَ صُبْحاً / فأُبصِرَ للخليطِ بها زِيالا
عُهودٌ لم يَزَلْ ذِكرْي جديداً / لَهُنَّ وإنْ قَدُمْنَ ولن يَزالا
وبالعلَمَيْنِ لو واصلْنَ بِيضٌ / وسُمْرٌ يدَّرعْنَ لها ظِلالا
حكَيْنَ البيضَ لَحظاً وابتساماً / وفُقْنَ السُّمْرَ ليناً واعتدالا
وحَرَّمْنَ الخيالَ علَيَّ حتّى / لقد أَبقَيْنَ من جِسمي خَيالا
ولو شغَل الكرَى باللّيلِ عَيْني / جَعلْتُ لها بها عنها اشْتِغالا
وأغيدَ رَقَّ ماءُ الوجهِ منه / فلو أَرخَى لثاماً عنه سالا
تُبينُ سَوادَها الأبصارُ فيه / فحيثُ لَحظْتَ منه حَسِبْتَ خالا
تَترَّسَ يومَ لاقاني بغَيْلٍ / وراميَ حين رامَ ليَ اغْتيالا
بطَرْفٍ ليس يَشعُرُ ما التّشكِّي / ويُنشدُ سُقْمَ عاشقِه انْتِحالا
يَعُدُّ عليلَنا المُضْنَى صَحيحاً / ونحن نَعُدُّ صِحّتَه اعْتِدالا
تأوَّبني خيالٌ من هُمومٍ / وإن كاثَرْنَ في العَدَدِ الرِّمالا
فإنْ تَرُعِ الهمومُ على مَشيبٍ / فقد خُلِقَتْ مطايانا عِجالا
وكيف نَلَذُّ أَعماراً قِصاراً / وقد أُودِعْنَ أَفكاراً طِوالا
تَذُمُّ إليَّ من زَمني خُطوباً / شكَوْتَ إلى الغريقِ بها ابْتِلالا
فلا وأَبيكَ أَخشَى الدَّهرَ قِرْناً / ولكنّي أُنازِلُه نِزالا
أَظاهِرُ بينَ صَبْرٍ واعتصامٍ / بمَنْ خلَق النّوائبَ والرِّجالا
إذا عصَفتْ فأطفأتِ الأعادي / صُروفُ الدِّهْرِ زادَتْنا اشْتِعالا
ونيرانُ الغَضا تَزْدادُ وَقْداً / وتَحْيا بالّتي تُخْبي الذُّبالا
أُقلِّبُ ناظِرَيْ لَحْمٍ صَيودٍ / غدَتْ أَعطافُه تَنْفي الظِّلالا
وأشْتَمِلُ الظّلامَ وفي شِمالي / زِمامُ شِمِلّةٍ تَحْكي الشَّمالا
منَ الّلائي إذا طَرِبتْ لحَدْوٍ / خَشِيتَ منَ النُّسوعِ لها انْسِلالا
ولو سلَختْ لنا في الشّرْقِ شَهْراً / سَبقْنَ بنا إلى الغَرْبِ الهلالا
فلمّا أَنْ نظَمتُ بها وِشاحاً / على الآفاقِ قاطبةً فَجالا
حَججْتُ بها شِهابَ الدّينِ حَجّاً / فكان لدينِ هِمَّتيَ الكَمالا
وأَسعَدَ قُربُ أَسعدَ آمِليه / فكبَّرْنا وأَلقيْنَا الرِّحالا
بنُورِ شهابِ دينِ اللهِ قَرَّتْ / عُيونٌ قد ملَكْنَ به اكتِحالا
أَجلُّ الشُّهْبِ في الآفاقِ سَيْراً / وآثاراً وأَشْرفُها فِعالا
وأعْلاها مَحلاًّ في المَعالي / إذا افتخَروا وأعظَمُها نَوالا
ونَأْمُلُ أنْ سيُفْنيها ويَبْقَى / وتَأْمَنُ شَمسُ دَوْلته زَوالا
يَدُلُّ الوافِدينَ إليه ذِكْرٌ / فلا يَخْشَ الفتى عنه الضَّلالا
تَعوَّد أنْ يَجودَهمُ ابْتداءً / فلو سأَلوهُ ما عَرَفَ السُّؤالا
يَزيدُ على تَواضُعِه ارْتفاعاً / ويَظْهَرُ مَن عَلا مِمَّنْ تَعالى
أخو قَلَمٍ له الأقلامُ طُرّاً / عَبيدٌ وهْوَ مَوْلاها جَلالا
بكفّ مُتَوِّجٍ للكُتْبِ عِزّاً / فتَأْتي وهْي تَخْتالُ اخْتِيالا
إذا ما مثَّلَتْ قَوساً وسَهماً / وناضَل في العُلا بِهما نِضالا
حكَى في قَلْبِ حاسدِه فِعالاً / حَقيقةَ ما يَخُطُّ له مِثالا
له رَأْيٌ أبَى السُّلطانُ إلاّ / عليه أنْ يُعِدَّ له اتّكالا
إذا عقَد الذِّمامَ لِمَنْ رَجاهُ / فلا يَخْشَ لعُقْدتِه انْحِلالا
إذا ما ثارَ دونَ الدّينِ خَصْمٌ / بَلَوا منه أَشَدّ فتىً مِحالا
وأَوسعَهمْ كِلاماً أو كَلاماً / إذا شَهِدوا جِلاداً أو جِدالا
وَثيقٌ عَقْدُ حُبْوتهِ وَقاراً / إذا الغَمَراتُ زَعَزعْنَ الجبالا
صَقيلٌ حَدُّ صارِمِه ولكنْ / يُدِبُّ فِرِنْدُهُ فيه النِّمالا
إذا ما خَصْلةٌ كَمُلَتْ وعُدَّتْ / لذي كَرَمٍ كَمُلْتَ لنا خِصالا
وكم رَضَعَ الرَّجاءُ نَداكَ قِدْماً / رَضاعاً لم يُعقِّبْهُ فِصالا
وكم سحَب السّحابُ الخَدَّ حتّى / تَعلّمَ من أناملَك انْهِمالا
وما سمَتِ السّماءُ بحيثُ تَرضَى / لخَيْلِك من أَهِلَّتِها نِعالا
إذا فَرَسُ المُعانِدِ رامَ رَكْضاً / تَراجعَت الحُجولُ له شِكالا
إذا ساجَلْتَ لُجَّ البَحْرِ جُوداً / فما يَحْوِي لأنْمُلَةٍ بَلالا
كفَى القِرطاسَ والأقلامَ فَخْراً / أنِ اقْتَسَما يَمينَك والشِّمالا
قِداحُ عُلاً خُلِقْتَ لها مُجِيلاً / وخَيلُ نُهىً فَسَحْتَ لها مَجالا
إذا ما مَدَّةٌ لك من دَواةٍ / أتَتْ طَرْفاً كفَتْ حَرْباً سِجالا
لقد ذَمَّ الزَّمانَ إلى هَواهُ / أخو ذِمَمٍ عقَدْتَ له حِبالا
وكم طلَبَ الحَسودُ فلم يُقابِلْ / لنَعْلِك تاجُ مَفْرِقهِ قِبالا
وذي ضِغْنٍ عَمدْتَ له احتِقاراً / فَعالَك وانتضَيْتَ له مَقالا
وطَبَّق مَفْصِلاً منه فأضحَى / يَرى قَتْلاً وليسَ يَرى قِتالا
وآخِرَ ما عدَتْ يُمناكَ جُوداً / أنِ استَلَّتْ سَخائمَه اسْتِلالا
ولم يَك داؤه أَمَماً ولكنْ / نطاسِيٌّ النّدى يَشْفِي العُضالا
سألتُ الدَّهرَ هل ليَ فيكَ حظُّ / فلا نَعَمٌ أجابَ بهِ ولا لا
لِيَعْلمَ فيَّ رأْيَكَ قَبْلُ عِلْماً / فيَتبَع إنْ أدالَ وإنْ أذالا
وما اسْمِي غيرُ عبدِكَ َكيف أضحَى / مَكانيَ منكَ صَوْناً وابْتِذالا
كما تُسْمي عِطاشاً أو رِواءً / تُصادِفُها أعاريباً نِهالا
ولكنْ لي تَقادمُ عَهْدِ رِقٍ / فذاكَ عليكَ علَّمني الدَّلالا
ولن يَصْطادَ وَحْشَ المَدْحِ مَنْ لا / يُجيدُ بِكِفّةِ الكَرَمِ احْتِبالا
وحاشَى أن أرَى لك في اصْطِناعي / عنِ العهدِ الّذي سَبق انْفِتالا
وكيف تُجاوزُ الأتباعُ قَوْلاً / تُخالِفُه إذا المَتْبوعُ قالا
فلا تُرخِصْ عُقودَ الفِكْرِ منّي / ففي دُرّي حَقيقٌ أن يُغالَى
فسَمْحٌ كُلُّ مَن أَولَى جَميلاً / وفوقَ السّمْحِ مَن أَولَى ووالَى
إذا ما غَبَّ رِفْدُكَ صار عِبْئاً / وخيرُ الأْمرِ أحمَدُهُ مَآلا
ولي مَولىً إذا أُسمِيه يَوماً / يكونُ ليَ اسْمُه بالسّعْدِ فالا
إذا أسمَيْتُهُ أَخبَرْتُ عنّي / بما سأكونُ حينَ أَراه حالا
فلا زالتْ له في كُلِّ عامٍ / تَعُدُّ يَداهُ أعيادٌ تَوالى
على عَدَدِ الثّلاثةِ من شهابٍ / وأسْعَد فامْتثِلْهنّ امْتِثالا
فحَرْفا أوَّلِ التّلقيبِ كافٍ / بثاني الاِسْمِ أنَ يَجِدَ اتّصالا
وأن يَعتَدَّ أيَّامَ التّهاني / بعِدَّتها إذا ما الحَوْلُ حالا
كذلكَ دائماً ما زال تُحْصي / له الأُمَمُ اتِّصالاً وانْفِصالا
أمّا تَحيّةِ الطَّرْفِ الكَحيلِ
أمّا تَحيّةِ الطَّرْفِ الكَحيلِ / عَشِيّةَ همَّ صَحْبي بالرَّحيلِ
لقد قطَع النَّوى إلاّ ادِّكاري / وبلَّتْ عَبْرتي إلا غليلي
يُرَوّي ضاحِيَ الوجَناتِ دَمْعي / ويَعدِلُ عن لَهيبِ جَوىً دَخيل
وما نَفْعي وإن هطَلتْ غُيوثٌ / إذا أخطأْنَ أمكِنةَ المُحول
هُمُ نَقَضُوا عهودي يومَ بانوا / فأبدَوْا صفحةَ الطَّرْفِ المَلول
وفَوْا بالهَجْرِ لمّا أوعَدوني / وكم وَعَدوا الوِصالَ ولم يَفُوا لي
وفي الرَّكْبِ الهِلاليِّينَ خِشْفٌ / تَعرّضَ يومَ تَوديعِ الحُمول
أصابَ بِطَرْفهِ الفَتّانِ قَلْبي / وكيف يُصابُ ماضٍ من كَليل
بَخِلْتَ وقد حَظِيتَ بصَفْوِ وُدّي / وإنّ منَ العناءِ هَوَى البخيل
وبِتُّ لو استزَرْتَ النَّومَ طَيْفي / لجَرَّ إليك شَخْصي من نُحولي
ولكنْ لا سبيلَ إلى شفاءٍ / إذا مالَ الطّبيبُ على العَليل
ومِمّا هاجَ لي طَرباً خَيالٌ / تأوَّب والدُّجَى مُرخي السُّدول
وصَحْبي قد أناخوا كُلَّ حَرْفٍ / مُقلَّدةٍ بأثناءِ الجَديل
يَبيتُ ذِراعُ ناجيةٍ وِسادي / ويُضْحي ظِلُّ سابقةٍ مَقيلي
وأفخَرُ إن فَخَرْتُ بمَجْد نَفْسي / إذا لم يَكْفِني شَرفُ القَبيل
ويَملِكُ سِرَّ قلبي كُلُّ ظَبْيٍ / عليلِ اللّحظِ كالرَّشأ الخَذول
حكَى بَدْءُ العِذارِ بعارِضَيْهِ / مَدبَّ النّملِ في السّيْفِ الصَّقيل
يَخِرُّ النّاظِرونَ له سُجوداً / إذا أبدَى عنِ الخَدِّ الأميل
كما نظرَ المُلوكُ إلى كتابٍ / على عُنْوانهِ عَبدُ الجَليل
مَليكٌ عَمَّ إحساناً وعَدْلاً / فجَلَّ عنِ المُضاهي والعَديل
أظَلَّ على بَني الدُّنيا اشْتِهاراً / كما استَغْنَى النّهارُ عنِ الدَّليل
له كَفٌّ يَزِلُّ المالُ عنها / وكيف يَقِرُّ ماءٌ في مَسيل
وأقلامٌ تَفوتُ شَبا العوالي / بطَوْلٍ في المَواقف لا بِطُول
وزيرَ الدَّولتَيْنِ دُعاءَ راجٍ / لصِدْقِ مَقالِه حُسْنَ القَبول
أعدْتَ نِظامَ هذا الدّينِ لمّا / تَطَرَّفَ نَجْمُه أُفُقَ الأُفول
ومِلْتَ على بَني الإلْحاد حتّى / تَركْتَ جُموعَهمْ جَزرَ النُّصول
بيومٍ عَزَّ دينُ اللهِ فيه / وحَلَّ الكُفْرُ مَنزِلةَ الذَّليل
غسَلْتَ أديمَ تلكَ الأرضِ منهمْ / بغَيْثٍ من دِمائِهم هَطول
ويومَ أتَتْ جُيوشُ الشّرْقِ طُرّاً / رَعيلاً يَجْنِبونَ إلى رَعيل
ثنَيْتَهمُ على الأعقابِ صُغْراً / وقد زَحفوا كإفْراطِ السُّيول
فولَّوا غيرَ ملُتفتِينَ رُعْباً / يَلُفّون الحُزونةَ بالسُّهول
فحينَ رأيتَ خَوفَ سُطاكَ فيِهمْ / وقد قطعَ الخليلَ عنِ الخَليل
عطَفْتَ على الجُناةِ وإنْ أساءوا / سَجِيّةَ حازمٍ بَرٍّ وَصول
مَطولٍ بالوَعيدِ إذا انْتضَاه / وما هو في المَواعدِ بالمَطول
سَديدِ الرّأْيِ لا فَوْتُ التّأنّي / يُلِمُّ به ولا زلَلُ العَجول
تَعيبُ مَضاءه وقَفَاتُ حِلْمٍ / كَعيْبِ المَشْرفيَّةِ بالفُلول
ولم نَسمَعْ بأكرمَ منه طَبْعاً / وأبعدَ عن فعالِ المُستَطيل
وأسْرفَ في عَطِيَّةِ مُستَميحٍ / وأصْفَحَ عَن جِنايةِ مُستَقيل
فلمّا أحْدَثَ الأقْوامُ نَكْثاً / إباءً من رِضاهمْ بالقليل
وصَدُّوا عن صَلاحِهمُ لَجاجاً / صُدودَ الصَّبِّ عن نُصْح العَذول
جلبتَ عليهمُ للبأْسِ يَوماً / ضُحاهُ من العَجاجةِ كالأصيل
نشَرتَ ذَوائبَ الرّاياتِ فيه / وبُرْدُ النّقْعِ مَجْرورُ الذُّيول
وثُرْتَ إليهمُ بالخَيْلِ شُعْثاً / تُصرِّفُها فَوارِسُ غَيْرُ مِيل
ففَرَّقَ جَمْعَهمْ طَعْنٌ دراكٌ / وضَرْبٌ مثلُ أشْداقِ الفُحول
وأجلَى الحَربُ منهمْ عن شَقِيٍّ / أَسيرٍ أو جَريحٍ أو قَتيل
كأنّهمْ وقد صُرِعوا نَشاوَى / تَساقَوا عن مُعتّقةٍ شَمول
خُلِقْتَ مُؤيَّداً بعُلُوِّ جَدٍّ / بغايةِ كُلِّ ما تَهْوَى كَفيل
إذا حَثَّ الجَوادَ إليكَ باغٍ / لِيُرْكِضَه تَشكّلَ بالحُجول
إذا ألقَى حُساماً في يَمينٍ / عَصاهُ وصارَ منه في التّليل
إليكَ مِنَ الحِصارِ سلَلْتُ شَخْصي / خُروجَ القِدْحِ من كَفِّ المُجِيل
فَجِئتُك عاريَ العِطفَيْنِ أَسعَى / لأَلبسَ بُرْدَ نائِلِكَ الجْزيل
ولم تك كَعبةَ الإحسانِ إلاّ / لِتُصبِحَ مَوْسمَ الوَفْدِ النُّزول
فتَعْرَى حينَ نَلْقاها حَجيجاً / ونُكْسَى حين يُؤْذِنُ بالقُفول
فحَقِّقْ مُنتهَى ظَنّي وأظْفِرْ / يَدَيَّ فأنت مَسْؤولي وسُولي
وعِشْ في ظِلِّ أيّامٍ قِصارٍ / تَمُرُّ عليكَ في عُمُرٍ طَويل
أإسماعيلُ لو أصبحْتَ يوماً
أإسماعيلُ لو أصبحْتَ يوماً / وأنت مُعاصِرٌ أبناءَ مُقْلَهْ
وخَطَّتْ عندهُمْ يُمناكَ سَطْراً / لغَضُّوا من حيائكَ كُلَّ مُقْلَه
جَوانحُ واجدٍ وجُفونُ سالِ
جَوانحُ واجدٍ وجُفونُ سالِ / ودَمْعُ الحُرِّ عند الخَطْبِ غالِ
نُبالي بالمصائبِ نازِلاتٍ / وتُبصِرُنا كأنّ لا نُبالي
تَدرَّعْنا التّجلُّدَ وانْتصَبْنا / لدَهْرٍ غيرِ مُنْقطِعِ النِّصال
أمامَ الحادثاتِ ولا نُولّي / وأَغراضَ النِّبالِ ولا نُبالي
وما كُنّا بأوّلِ مَن رمَتْه / على هذا مضَى الأُمَمُ الخَوالي
فلا تَجْعَلْ إذا نابَتْ خُطوبٌ / شِعارَكَ ما لِنائبةٍ ومالي
وخَلّ الدَّهْرَ يَحكُم في بَنيهِ / كما يَهوَى بإمْرتِه السِّجال
فلا تَحتَلْ لنازلةِ الرّزايا / فقد أَعيَتْ على كُلِّ احْتِيال
على أيِّ الجيادِ إذا عرَتْنا / نَفوتُ خُطا المَقاديرِ العِجال
ستَأْتينا المَنونُ بلا قِتالٍ / فلِمْ نَسْعَى إليها بالقِتال
يُبارِزُنا الزّمانُ بكُلِّ ضَرْبٍ / وتَدهَمُنا الخُطوبُ بكُلِّ حال
لأمرِ اللهِ خَلْفَ الخَلْقِ رَكْضٌ / كأنَّ المَرْءَ منه في عِقال
أَنُنكِرُ منه تَغْييرَ المَعاني / وهانَ عليه تَزْييلُ الجِبال
يُصبِّحُنا الزّمانُ بكُلِّ خَطْبٍ / ويَشْغَلُ بالحوادثِ كُلَّ بال
فيَوماً باللّقاء لِمَنْ نُعادي / ويَوماً بالفِراقِ لمَنْ نُوالي
وأيّةُ دُرّةٍ لنظامِ عَلْيا / ئها قد كان جِيدُ المَجْدِ حال
أهابَ بِرُوحِها داعي المنايا / فغاب بفَقْدها باقي الّلآلي
فكانَتْ في النّساء إذا اعتَبرْنا / كمَولانا أبيها في الرِّجال
يَمينُ مكارمٍ وَعُلاً ولكنْ / يَمينٌ لا تُقابَلُ بالشِّمال
نَعُدُّ لها أَماثِلَ من ذَويها / وإن كانتْ تُعَدُّ بلا مِثال
ونَشْهَدُ بالجميلِ لها صَنيعاً / وعِلْمُ اللهِ يَشْهَدُ بالجَمال
كَمالُ العَقْلِ في عُظْمِ الأيادي / وصِدْقُ القَوْلِ في َكرِم الفِعال
ففيمَ فجَعْتِ قومَك بالتَّنائي / وفيمَ جفَوْتِ كُفْؤَك بالزِّيال
فرَهْنٌ بالتّفرُّقِ كُلُّ شمْل / ونَصْبٌ للتّحوُّلِ كُلُّ حالِ
وكُلُّ أَخٍ مُفارِقُه أَخوهُ / كما قيلَ القَديمُ منَ المقال
وشَمْلُ الفَرقدَيْنِ كذاك أيْضاً / يَؤولُ إلى افْتراقٍ في المآل
وكُنّا قَبلَ رُؤْيتِها عِياناً / نَعُدُّ مَقالَ ذاكَ منَ المُحال
ففارقَ فَرقَدُ العَلْيا أَخاهُ / وأُفرِدَتِ اليَمينُ عنِ الشِّمال
وكان مُزاوَجاً من دُرِّ مَجْدٍ / به جِيدُ العُلا والمَجْدِ حال
فأصبحَ ذلك الحالي بكُرْهٍ / ومنه الشّطْرُ للأبصار خال
وعاد تُؤامُ ذاكَ الدُّرِّ فَذّاً / وحُسْنُ النّظْمِ في مَثْنَى الّلآلي
برَغْمي أنْ مضَى مَوروثُ عُمْرٍ / من الأترابِ لا مَوروثُ مال
وفارقَ صِنْوُه أَوْحَى فِراقٍ / وزالَ بهِ الرَّدى أشْجَى زِيال
أتاحَ له اللَّيالي وهْو طِفْلٌ / فِصالَ منيّةٍ قبلَ الفِصال
ولو غيْرُ المَنونِ غزا حِماها / لَقَوهُ بالفوارسِ والرِّجال
وسُدِّدَ دُونَها عِشرونَ ألْفاً / تَزعزعُ فَوقَهمْ عَذَبُ العَوالي
إذا وَردوا بها الهَيْجاءَ ظَمْأَى / صدَرْنَ من الكُلَى صَدَرَ النِّهال
وُلاةُ البِيضِ أحلاسُ المَذَاكي / هِضابُ الطَّعْنِ أَقْرانُ النِّضال
ولو ركضوا على الأفلاك صارَتْ / أَهِلّتُها طِراقاً للنِّعال
أإخْوتَها الملوكُ بلا ادّعاءٍ / وأربابَ الكمالِ بلا انتِحال
سُراةٌ في ظلامِ الخطْبِ قِدْماً / وأطْرافُ الذَّوابِلِ كالذُّبال
فلو ضَلَّ الكَرى في جُنحِ لَيلٍ / هدَوْهُ إلى النّواظرِ بالنِّبال
ولو هابَ المَشيبُ جلالَ قَوْمٍ / جَنَوهُ على المَفارقِ بالنِّصال
ولكنْ قلّما أغْنَى احْتيالٌ / إذا ما حُمَّ مَقْدورُ اغْتِيال
وما أَعمارُنا إلاّ شُموسٌ / وهل للشّمْسِ بُدٌّ من زَوال
أقَلُّ النّاسِ عُمْراً أَكرَمُوهمْ / وأقصَرُ أكْعُبِ الرُّمحِ الأَعالي
كسَوْتَ جديدَ حُزنِك غيرَ بالٍ / وحُزْنُ أبيكَ منه غيرُ بال
فزِدْتَ بكاءَ جَفنٍ غيرِ راقٍ / وهجْتَ غرامَ قَلْبٍ غيرِ سال
فيا لَهْفي على إنسانِ عَيْنٍ / عَظيمِ العزِّ مَعْ صِغَرِ المِثال
فَدَى كَرماً أخاه منَ المنايا / ومن مُتحوِّفِ الدّاء العُضال
فإن يَكُ في سِنيهِ غدا صغيراً / فلَمْ يَصغَرْ له كَرَمُ الفَعال
ومهما أنْسَ من أشياءَ يوماً / فلا أنْسَ بغُرّتِه اكْتِحالي
وخَدّاً منه يَبرُقُ مِلءَ عَيْني / كما برَق المُهنّدُ ذو الصِّقال
وقد وعَد الجميلَ الكَفُّ منه / كما شَهِدَ المُحيّا بالجَمال
فعَيْني لا تَزالُ الدَّهرَ منه / مُوكّلَةً بطَيْفٍ من خيال
طلَعْتَ لأعيُنٍ وغَرَبْتَ عنها / ألا يا قُرْبَ هَجْرٍ من وِصال
وكنتَ سرورَ أيامٍ قصارٍ / غَرسْنَ هُمومَ أعوامٍ طِوال
سَماءٌ في سمَاءِ المَجْدِ تَسْمو / فعاجَلَها المنايا بالزَّوال
فلا تَنأَى فإنّك من أُناسٍ / مَصائبُهمْ مصائب للمَعال
وكان الموتُ يَعرِفُهمْ كراماً / فَمدَّ إليهمُ كَفَّ السُّؤال
فلا تَشْكُرْ نَداهُمْ بعدَ هذا / كَفاهُ ما أَصابَ من النَّوال
فَشُدَّ يَديْكَ مجْدَ المُلْك مِنهمْ / بأنصارٍ على الخَطْبِ العُضال
هُمُ خُلِقُوا عُلاً وخُلِقْتَ مَجْداً / فبَينكُما مُناسَبةُ الجَلال
ستَجْتَمعانِ في الزَّمَنِ اتّحاداً / كَجمْعِكُما اعتياداً في المَقال
فلا تَسمَعْ منَ الحدَثانِ أن قد / سعَى في قَطْعِ ذاك الاِتّصال
فما سَبَبٌ يَشُدُّ بمِثْلِ هذا / فَيُمكِنَ أن يَصيرَ إلى انْحِلال
ألا يَكْفي ولو إحْدَى اللّيالي / كحَلْتَ العَيْنَ منها بالخَيال
فقد وجَبَ الذِّمامُ به قَديماً / وشَبَّ له الوغَى يَومَ النِّزال
وذلك كان بعدَ طويلِ عَهْدٍ / وكُلٌّ للمرائرِ والخِلال
فكم نَطْوي المَنازلَ في هَوانا / وآخِرُ مَنزِلٍ تحتَ الرِّمال
وفي الدُّنيا الدَّنيّةِ كُلُّ عالٍ / فَعُقْباهُ إلى ذاك السَّفال
صلاةُ اللهِ كُلَّ صباح يومٍ / مُعطّرةً بأنفاسِ الظِّلال
على الشّخْصِ الّذي شخَص المنايا / به عنّا وودَّع غيرَ قال
مضَى يَعتاضُ من قَصْرٍ بقَبْرٍ / ويَنزِلُ سافلاً منَ بَعْدِ عال
وعَزَّ على المُعزِّي أن يُعزّي / بأكرمِ ذاهبٍ لأَجلّ آل
ألا يا ناصراً للدّينِ نَصْراً / عزيزاً بالجِلادِ وبالجدال
أُجِلُّكَ أن أقولَ اصْبِرْ لدَهْرٍ / أَجلّك فيه رَبُّك ذو الجَلال
وأنتُ ثِمالُ كلِّ أخي مَعالٍ / إلى الجَوزاء يَنْظُر من مُعال
وتَكْمُلُ خَلّةٌ في كُلِّ نَدْبٍ / وأنت كَمُلْتَ في كُلِّ الخِلال
خُلِقتُمْ في الأنامِ نجومَ لَيْل / لها في كُلّ ِداجيةٍ تَلالي
فآخِرُكْم لآخِرِهِمْ هُداةٌ / كذا كان الأَوالي للأوالي
فإن يك غابَ عن غابٍ بِشبْلٍ / زَمانٌ في التّغشُّمِ غَيرُ آل
فنأمُلُ أن ستَخْلُفُه وشيكاً / شُبولٌ يُقْبِلونَ على تَوال
وفي بَدْرٍ بأُفْقِك مُستَنيرٍ / إذا أفْكَرتَ مُسْلٍ عن هِلال
فثِقْ باللهِ واستَنْجِدْ بصَبْرٍ / تَنلْ من عندِه أسنَى المَنال
ومثْلُكَ للورى مَن سَنَّ صَبْراً / لأنّك سابِقٌ والخَلْقُ تَال
وأربابُ الحِجا خُلِقوا ليَأْتوا / خِلافَ صَنيعِ رَبّاتِ الحِجال
تَقِرُّ إذا الغَرائبُ بادهَتْنا / وثَمّ يكونُ مُمتَحَنُ الرّجال
وتَحقِرُ كُلَّ حُزْنٍ أو سُرورٍ / كذلك كلُّ مَن عرَف اللّيالي
ودونَك نَفْثةَ المَصْدور منّي / بخَيْلِ الفِكْرِ ضَيّقةِ المَجال
فإن قضَتِ الضّرورةُ بارْتحالٍ / فيا بَيْنَ ارتجائي وارْتحالي
ولم أختَرْ مُفارَقةً ولكنْ / غدا بك عنك قلبي في اشْتِغال
ومَنْ أختارُ بعدَك من هُمامٍ / وما بعدَ الهُدى غيرُ الضَّلال
أتاني عن رسولٍ منكَ قَولٌ / عرَفْتُ به مُقدَّمةَ المَلال
فلا تُعدَمْ قَطوعاً أو وَصولاً / ولا تُذمَمْ بمَيْلٍ واعْتِدال
بَقِيتَ لنا ونَجْلَك في نعيمٍ / وفي نِعَمٍ تَدومُ على اتِّصال
وعِشْتَ من النّوائبِ في أمانٍ / ودُمتَ منَ السّعادةِ في ظِلال
أيا عَينَ الكمالِ ولا أُحابي / وقاك اللهُ من عَيْنِ الكَمال
حَلفْتُ بمَعْشَرٍ راحُوا حَجيجاً
حَلفْتُ بمَعْشَرٍ راحُوا حَجيجاً / ورامُوا من أقاصي الأرضِ نُقْلَهْ
وشَدّوا كُلَّ رَحْلٍ للمَطايا / على عَجَلٍ وحَلُّوا كُلَّ عُقْلَه
وساروا نحوَ بَيْتِ اللهِ حتّى / أناخوا كُلَّ حَرْفٍ مثْلَ هِقْلَه
لوَ انّكَ يا وليُّ خطَطْتَ سَطْراً / وكنتَ مُعاصِراً أبناءَ مُقْلَه
لَعَضّوا في فِنائَك كُلَّ كَفٍّ / وغَضُّوا مِن حَيائكَ كُلَّ مُقْلَه
خيالٌ زائرٌ منّي خيالاً
خيالٌ زائرٌ منّي خيالاً / وقد مَدَّ الظّلامُ له الظِّلالا
تَخلّلَ وهْو بدْرٌ من جُفوني / غماماً بعد ما قَلَّ انهْمالا
ولولا ذاك لاغتدتِ الأعادي / إلى قُرْبي وحَرَّمتِ الوِصالا
ولكن لاح بدراً في غمامٍ / فلم تَره العيونُ ولا تَلالا
كأنَّ جبينَه سيفٌ صقيلٌ / أجادَ يدُ الجمالِ له الصِّقالا
وباتَ الجفنُ منّي وهْو جفنٌ / له حتّى إذا ما اللّيلُ مالا
أطالَ الصُّبحُ مُبتدِراً لحَزبي / يداً فاستلّهُ منّي اسْتِلالا
وعُدْتُ مُضرَّجاً بِدَمي بُكاءً / على إثْرِ الخليطِ غداةَ زالا
فأجْلَى الصُّبحُ منّي عن صَريعٍ / قَتيلِ هوىً ولم يَشْهَدْ قِتالا
عُهودٌ لم يَزلْ ذِكْري جديداً / لَهُنَّ ولم تَدُمْنَ ولن يُزالا
فيا للهِ زائدتي غراماً / بزَوْرتها وقاتلَتي دَلالا
تِبيتُ الدَّهرَ أجفاني قِصاراً / إذا ليلي منَ الأحزانِ طالا
ولو شغَل الكَرى باللّيلِ عَيْني / رأيتُ لها بها عنها اشْتِغالا
تَأوّبَني خيالٌ من هُمومٍ / وإن كاثَرْنَ بالعددِ الرِّمالا
فَثُرْ يا حاديَ الأنضاءِ واعجَلْ / وقُمْ فاحلُلْ عنِ النَّضْوِ العِقالا
تَغنَّ فهُنَّ أنضاءٌ خِفافٌ / وقد حُمِّلْنَ أعباءً ثِقالا
وَرْكبٍ كالكواكبِ ليس يَخْشَى / ضَلالاً في الظّلامِ ولا كَلالا
أسِيرُ أمامَهمْ كسِنانِ رُمْحٍ / تَزيدُ به الأنابيبُ اعْتِدالا
أَجوبُ البِيدَ بالشّمسِ ارْتِداءً / إذا ارتفَعَتْ وبالظِّلِّ انْتِعالا
وأَشتملُ الظّلامَ وفي شِمالي / زِمامُ شِمِلَّةٍ تَحْكي الشَّمالا
منَ اللاّتي إذا طَرِبتْ لحَدْوٍ / حَسِبْتَ من النُّسوعِ لها انْسِلالا
فلو سلَختْ بنا في الشَّرْقِ شَهْراً / سبَقْتُ بها إلى الغَرْبِ الهلالا
فلمّا أن نظَمْتُ بها وِشاحاً / على خَصْرِ الفلا سَيْراً فجالا
قَصدْتُ بها الكمالَ وليس يَلْقَى / سوى النُّقْصانِ مَن حازَ الكَمالا
وهل لكمالِ دينِ اللهِ مِثْلٌ / به عَيْنُ امرئٍ تَرجو اكْتِحالا
به أَكملتُ دينَ المجدِ لمّا / حثَثْتُ لِحَجِّ حَضْرتِه الجِمالا
تَرحّلَ طارقُ الحدَثانِ عنّي / غداةَ إليه ألقيتُ الرِّحالا
وبشَّر زائِريه منه بِشْرٌ / له احتقَر النّوالَ مَنِ اسْتَنالا
يَدُلُّ إليه طِيبُ الذِّكرِ عنه / فليسَ يَخافُ قاصِدهُ ضَلالا
إذا عقَد الذِّمامَ لِما رَجاهُ / فلا يَخْشَى لعُقْدتِه انْحِلالا
إذا ما قامَ دونَ الدِّينِ خَصمٌ / بلَوا منه أَشدَّ فَتىً مِحالا
أخو رَأْيٍ أَبَى إلاّ عليه / حُسامُ الدّينِ أن يَرضَى اتِّكالا
لخُوزِسْتانَ بُشْرَى أن رأَيْنا / به لرِكابِه العالي احْتِلالا
أفاضَ لعَدْلِه سَجْلاً عليها / كفَى بمكانِه الحَرْبَ السِّجالا
فإن نلتُمْ إنالةَ ساكنيها / فقد قَلّتْ لِمثْلكمُ مَنالا
لكُمْ أهدَى الغداةَ بها التّهاني / مَعاشر شَبّهوا بالماء آلا
وخُوزسْتانُ أَوْلَى أن تُهنّا / بمَدِّكمُ عليها لكمْ ظِلالا
قضَى دينَ الرّجاءِ به زَمانٌ / لنا مَلَّ المِطالَ به المُطالا
وألقَتْ رايةُ السُّلطانِ ظِلاًّ / عليه من العِدا طُرّاً أدالا
وآل إلى المَسَرّةِ كُلُّ حُزْنٍ / وخَيرُ الأمرِ أحمَدُه مآلا
وأَصبَحَ فيه طَعْمُ العَيشِ حُلْواً / ومَشْرَبُ أهلِهِ عَذْباً زُلالا
فكان لَقىً لأيدي الخَيْلِ دَهراً / عليه الجيشُ يَقتتِلُ اقْتِتالا
وبينَ مُطيعِ سلطانٍ وعاصٍ / تُقلَّبُ أرضُه حالاّ فَحالا
فوافاها نِطاسِيٌّ عليمٌ / لِيشفي ذلك الدَّاءَ العُضالا
فدُونَك من ثنائي كُلَّ طاوٍ / سُهولَ الأرض طَيّاً والجِبالا
يَروقُك حين أُوسِعُه افْتِكاراً / ويَرضَى حينَ أُسمِعُه ارْتجالا
فقُلْ لحُسامِ دينِ اللهِ أَجمِلْ / فقد كُسِيَتْ بكَ الدُّنيا جَمالا
أُتيحَ لنا حُسامٌ منه يَحْمي / مَصونَ الفضلِ عَدْلاً أن يُذالا
فدام لدولةِ السّلطانِ عَضْباً / لمَضْربِه الفتوحُ لنا تَوالى
ألا يا كعبةً للجُودِ أَضحى / إليه الوفدُ يَرتحِلُ ارْتحالا
بعَثْتُ إليك بابْني مُهدياً لي / دُعاءً مُستطاباً مُستَطالا
فلا تَقطَعْ قديمَ الرّزقِ عنّي / إذا لم أَستزدْ منكمْ نَوالا
فقَطْعُ الرِّزقِ عن شَيْخٍ قبيحٌ / إذا ما سِنُّه كِبَراً تَعالى
غداً لك يَشكُرُ السّلطانُ مهما / إليَّ اليومَ أحسنْتَ الفَعالا
وهأنذا إلى السّلطانِ غادٍ / أَحُثُّ سُريَ ركائبيَ العِجالا
لِيُرضِيَني بما يُولي فَعالاً / وأُرضِيَهُ بما أُملي مَقالا
أُوالي شارداتي للموالي / إذا مَولايَ للإكرامِ والى
فأكمِلْ يا كمالَ الدّينِ طَولاً / ففيكَ زَرَعْتُ آمالاً طِوالا
سيُهدي خاطري لكَ سائراتٍ / إلى ناديكَ تَتّصِلُ اتِّصالا
وأُرخِصُ في امتِداحِكَ دُرَّ فكري / وفي دُرّي حَقيقٌ أَن يُغالى
ومَنْ أَحمدْتَ أَنت له خِلالاً / فلا تَدعنَّه يشكو اخْتِلالا
بَقِيتُمْ طالِعينَ لنا شُموساً / عَوالِيَ لا نَخافُ لها زَوالا
لأيِّ ومَيضِ بارقةٍ أَشيمُ
لأيِّ ومَيضِ بارقةٍ أَشيمُ / وَمرْعَى الفَضْلِ في زَمني هَشيمُ
أَبِيتُ وخَدُّ ليلِ الشِّعْرِ منّي / بكَفِّ الصُّبْحِ من شَيْبي لَطيم
وضَمَّ إليَّ أَفكاري جَناحي / فلي في عُشِّ مُطّرَحي جُثوم
فعُذْراً إنْ تَغيَّر عَهْدُ شِعْري / وقد يُغْضي عَنِ الزَّلَلِ الحَليم
وما قصَّرْتُ عن شَأْوٍ ولكنْ / سَقيمٌ كُلُّ ما نَظَمَ السّقيم
وتَعتلُّ القلوبُ فليس يُرضَى / لها أَثَرٌ إذا اعتَلَّ الجُسوم
وكيف يُجيدُ لي طَبْعٌ عَقيرٌ / يَكوسُ إذا تَخاطَرَتِ القُروم
ولا أَرْضَى بي عُذْراً ولكِنْ / غدْوتُ إلى قَبولِكَ أَسْتَنيم
كما اعْوجَّ الكتابُ على فُصوصٍ / وتَقْلُبُه الخُتومُ فيَسْتَقيم
وكنتُ وكُلُّ ما أُسقَى جِمامٌ / أُعدُّ وكُلُّ ما أَرعَى جَميم
أَيُفْطَمُ عن لِبانِ العِزِّ مثْلي / وأَعجَبُ حادثٍ شَيْخٌ فَطيم
وأَسكُبُ بالتَّبذُّلِ ماءَ وَجْهي / على حينَ استَشنَّ لي الأَديم
فإنْ يك قد تَناساني لدَهْري / كريمٌ من بَنيهِ أَو لئيم
فهَبْ نَجْداً لساكِنِهِ وأَعْرِضْ / فحَسْبُكَ من عَرارتِهِ شَميم
ومَوْقِفُ ساعةٍ في رَسْمِ دارٍ / وأَيدي العيسِ في لُجَجٍ تَعوم
وَقفْتُ ومُقْلتي بَخِلَتْ بدَمْعي / وأَنكْرَ صاحبي فغَدا يلوم
فيا عَوْني ويا عَيْني جميعاً / قَبيحٌ منكُما لَوْمٌ ولُوم
أُحِبُّ المرءَ ظاهْرُهُ جَميلٌ / لصاحبِه وباطِنُهُ سَليم
بأُولَىدَعْوَتيَّ يُجِيبُ طَوْعاً / إذا ما عَنَّ لي شَرَفٌ مَروم
وفي الفِتيانِ كُلُّ رَبيطِ جَأْشٍ / يَرى حَرْبَ الزَّمانِ ولا يَخيم
مَوَدَّتُهُ تَدومُ لكلِّ هَوْلٍ / وهل كُلٌّ مَودَّتُه تَدوم
حَلفْتُ بربِّ مكّةَ والمُصلَّى / وحيثُ يُزارُ زَمْزَمُ والحَطيم
أَرومُ النُّجَح إلاّ عنْدَ مَلْكٍ / سَما فَرْعٌ له وزكا أَروم
وأَنظِمُ مِدْحَتي إلاّ لنَدْبٍ / له مِن مَجْدِه مَدْحٌ نَظيم
وأَحسَنُ حِلْيةٍ بَيْتٌ حديثٌ / يُصاغُ لمَنْ له بَيْتٌ قَديم
فإنْ يكُ طالَ بي سَفَرُ انْقباضٍ / فها أنا حانَ لي منه قُدوم
فأُقسِمُ لا عكَفْتُ على خيالٍ / كما عكفَتْ على البَوِّ الرَّؤوم
ولي من نَجْمِ دينِ اللهِ هادٍ / ففي وادي الضّلالةِ لا أَهيم
ولم تكُنِ الشُّموسُ لها كِفاءً / كنَجْمِ الدّينِ لو كانَ النُّجوم
جَوادٌ منه لي ضَوْءٌ ونَوْءٌ / فَيوْميَ مُشْمِسٌ منْه مُغِيم
تَهلّلَ منْه في عَيْني غَمامٌ / تَمزَّقَ منْه عن قَلْبي غُموم
كَريمٌ قد جَلاهُ لي زَمانٌ / كَثيرٌ أَنْ يُرَى فيه كَريم
وتَكْفي غُرَّةٌ للطِّرْفِ تَبْدو / فتَأْبَى أَنْ يُقالَ لَهُ بَهيم
كفاني أَنْ جلا عَيْني هُمامٌ / بدا ليَ فانْجَلَى عَنّي هُموم
كريمٌ وَجْهُهُ مَلآْنُ ماءً / عليهِ طَيْرُ آمالي تَحوم
أَيا مَنْ عُظْمُ مَنْصِبِهِ خُصوصٌ / ويا مَنْ جَزْلُ نائِلهُ عُموم
إليكَ شكَوتُ عاديةَ اللَّيالي / وجاهُكَ بالكِفايةِ لي زَعيم
ولي في الحَضْرةِ العَلْياءِ رَسْمٌ / إليه بأيْنقُي طالَ الرَّسيم
وقد تَعْفو الرُّسومُ إذا تَبدَّى / تَناقُضُها كما تَعْفو الرُّسوم
فَوفِّرْها بسَعْيِكَ لي فلولا / يَدُ الأَرواحِ ما اجْتُلِبَ الغُيوم
فكم خَطّتْ بنانُكَ من خِطابٍ / تَضاءلَ عندَهُ خَطْبٌ جَسيم
بأَرقَمَ تَحْتسي شَفتاهُ لَيْلاً / فَتُقلَسُ بالنّهارِ بهِ رُقوم
به أُبديتَ إعجازاً عظيماً / كما أَبدَى بآيتهِ الكَليم
كذلك حطَّ منْك الرَّحْلَ فَضْلى / إلى كَنَفٍ وأَقْسَمَ لا يَريم
وآلُ الفَضْلِ إذْ يُعْزَوْنَ أَنْتُمْ / دَوامُ المكْرماتِ بأن تَدوموا
فأهْلُ الفَضْلِ إنْ رفَدوا لَقُوكُمْ / كما يَلْقَى الحَميمَ له الحميم
وكم ليَ فيهمُ من خالداتٍ / لأَجْبِنَةِ الزَّمانِ بها وُسوم
تَسيرُ كما تَسير الرّيحُ عَصْفْاً / وتَعْطَرُ مثْلَما عَطِرَ النَّسيم
ولم نَمدَحْهمُ عَبَثاً بقَوْلٍ / عَلَكْناه كما عُلِكَ الشَّكيم
ولكنّا أَجدْنا حينَ جادوا / وكم من مَعْشَرٍ لَؤموا فلِيموا
لقد بثَّتْ طلائِعَها اللّيالي / وأَصبحَ حَرْبيَ الزَّمنُ الغَشوم
فهُزَّ لها قِوامَ الدّينِ هَزّاً / يُنالُ بِمثْلِهِ الثّأْرُ المُنيم
فأَنْتَ منَ الوزيرِ بحَيْثُ يُثْرِي / بأَدْنَى نَظْرةٍ منكَ العَديم
لأَنّكَ منْه ذو قُرْبٍ وقُرْبَى / كِلا سَبَبَيكَ مُفْتَخَرٌ عَظيم
ستَرجِعُ عنْ ذُرا المولَى رِكابي / وغَيْريَ الّذي يُولى كَتوم
وراويةُ المدائحِ لي عِيابٌ / تُجابُ بها السُّهولُ أَوِ الحُزوم
لِسانُ حقائبي أَعْلَى ثَناءً / فظاهرُها بباطِنها نَموم
ويُسمَعُ بالعيونِ لها كَلامٌ / جَوانحُ حاسِديَّ به كليم
سأَلْزَمُ ذَيْلَ مَجْلسكَ المُعلَّى / غَراماً مثْلَما لَزِمَ الغَريم
حَرامٌ بعْدَها إنْ عُدْتُ يوماً / وغَيْرُ فِناءِ دارِكَ لي حَريم
وكم قالوا مَجازاً ما أَحاطَتْ / له بحقيقةٍ منّا العُلوم
فلمّا زُرْتُ نجْمَ الدِّينِ قَصْداً / ودارَ بمَدْحِهِ كَأْسٌ رَذوم
طَرقْتُ ذُراً أُصدَّقُ في ادِّعائي / بأنَّ النَّجْمَ لي فيه نَديم
فَصُمْ أُلْفاً وَعيِّدْ في ظلالِ الْس / سعادةِ إذْ تُعيِّدُ أَو تَصوم
إذا افتْخَرَتْ بأَملاكٍ رِجالٌ / فمُفْتَخِرٌ بكَ المُلْكُ العَقيم
إذا اسْتَفَلوا فأَنتَ إليه تَعلُو / وإن قَعَدوا فأَنتَ بهِ تَقوم
وتَخْطِرُ دائماً في ثَوْبِ عُمْرٍ / له النُّعْمَى طِرازٌ والنَّعيم
إذا ضَربوا بكاظمةَ الخِياما
إذا ضَربوا بكاظمةَ الخِياما / فهل لكَ مَن يُبلِّغُها السَّلاما
ودونَ الحيِّ عَطْفُ السُّمْرِ هِيما / إلى ثَغْرٍ وخَطْفُ البِيضِ هاما
عُداةٌ دونَ أحبابٍ نُزولٌ / أَزورهمُ استِراقاً واقْتِحاما
أُصبِّحُهمْ مُغِيراً مُستبيحاً / وأطْرُقُهمْ مُعنىًّ مُستهاما
إذا هَزَّتْ فَوارسُنا قَناةً / هَززْنَ لنا أَوانسُهمْ قَواما
وإنْ رَوِيَتْ نُحورُهمُ دِماءً / روَيْنَ نُحورَنا دَمْعاً سِجاما
ولي جَفْنٌ قليلُ الصَّحْوِ مهما / تَنفّسَ لائمٌ بالعَذْلِ غاما
وعَهْدٌ لو أَطَعْنا فيه وَجْداً / بكَيْنا كُلَّ يومٍ منه عاما
تَلاقَى سُرعةً طَرَفَاهُ عنّا / فيا للهِ عَهْدُكِ يا أَماما
رَجوتُ دَوامَ وَصلِكُمُ وجَهْلٌ / مُنايَ لَوَ انَّ ضوءَ الشّمسِ داما
ألائميَ الغَداةَ لغَيْرِ جُرْمٍ / أعدْلٌ أنْ تُسيءَ وأنْ أُلاما
تَلومُ على تَذكُّرِ آلِ لَيْلَى / ولَومُكَ زائدي بِهمُ غراما
ولم تَعْدَمْ مع الإحسانِ ذَمّاً / كما لا تَعْدَمُ الحَسناءُ ذاما
ولا واللهِ ما حِفْظي لعَهْدٍ / مَرامٌ أستَحِقُّ به مَلاما
وما أدْماءُ أُمُّ طَلاً أطافَتَ / بأبطَحَ تَرتْعي زَهْرَ الخُزامى
تُرَى بين الطَّلا والشَّخصُ يبدو / لعينَيْها من الحَذَرِ انْقساما
بأحسنَ رَميةً منها بطَرْفٍ / عشيّةَ قَوَّضَ الحيُّ الخياما
وأمّلْنا برِيقتها شِفاءً / فأعْدتْنا بمُقْلتها سَقاما
فقد أصبحْتُ لا سكَني مُقيمٌ / ولا الأحزانُ زائرتي لماما
إذا قصَدَ المُنى يوماً فؤادي / أقرَّ من الأسى فيه زِحاما
فَهُبّا صاحبيَّ إلى المطايا / ألَمّا تَسأما هذا المُقاما
وحُلاّ العُقْلَ عن نُجُبٍ كرامٍ / طِرابٍ في أزِمَّتها تَسامى
تُجاذِبُنا أخِشَّتُها إلى أنْ / تُحلّي خُطْمَها الدَّمَ واللُّغاما
وتَسْبِقُ الجيادَ مُعارضاتٍ / تُباهي بالحُجولِ لها خِداما
كأنّا والمطيُّ لنا حَنايا / خُلِقْنا في غَواربِها سِهاما
وما عَهِدَ الوَرى من قبْلِ صَحْبي / سهاماً معْ حناياها تُرامَى
تَؤُمُّ من العُلا غرضَاً بعيداً / لتُدنيَهُ مَضاءً واعْتزاما
فلا حُيّيتِ من أيّامِ هَزْلٍ / يَرومُ بها بنو جِدٍّ مَراما
ولو يَسْمَحْنَ لي بصديقِ صدْقٍ / جعلْتُ لَهُنَّ من ذَمّي ذِماما
وكم ليَ من قوافٍ سائراتٍ / مُطوِّفةٍ عراقاً أو شَآما
ومن غرّاءَ أُمليها كلاماً / على أُذُنٍ فأملَؤُها كِلاما
ذمَمْتُ بها اللّئامَ فقال صَحْبي / أأيّاماً تُخاطِبُ أم أناما
فنَقِّطْ كيف شئْتَ وذُمَّ عنّي / فأيّاً ما رَميتَ تُصِبْ لئاما
ولكنْ آلُ رضوانٍ فزُرْهمْ / إذا ما شئْتَ أن تَلْقَى كراما
فما خُلِقَ الورَى إلاّ مُحولاً / ولا خُلِقوا همُ إلاّ غَماما
أكارمُ وُشِّحتْ صُحُفُ المعالي / بذكْرِهمُ افْتِتاحاً واخْتِتاما
كأنّهمُ إذا لاقَوا حُشوداً / نظامُ الدّولة القَرْمَ الهُماما
نجومٌ زادَها باللّيلِ حُسْناً / جِوارُ ضيائها البدْرَ التَّماما
فلا ظَمِئتْ بلادُكَ من كريمٍ / نداهُ الدَّهْرَ يَنْسَجِمُ انْسِجاما
تَشيمُ نواظرُ الآمالِ فيه / أناملَ تَفْضَحُ الغيمَ الرُّكاما
ويَهْدي الطّارقينَ إليه صِيتٌ / تَخالُ به على شَرَفٍ ضِراما
صَدوقُ البِشْر لا وجْهاً جَهاماً / تَرَى منه ولا رأياً كَهاما
تَنبَّهَ عند رؤيتهِ زمانٌ / وقِدْماً خاط جفنَيْهِ فَناما
وعيَّدَ بالمديح له لساني / وكان عنِ اقْتضابِ الشِّعْرِ صاما
ولم يَحلُلْ بأَعْلَى المجدِ إلاّ / عظيمٌ يُفرِجُ الكُرَبَ العِظاما
له قلمٌ تُزَمُّ به اللّيالي / فتَتْبعُه امْتِثالاً وارْتِساما
فلم نَرَ مثْلَه قلماً بكفٍّ / غدا لزمانِ صاحبِه زِماما
تَرفَّعَ عَنْ مُتابعةِ اللّيالي / وخالفَها إباءً واحْتكاما
ومَجَّ الدَّهرُ صُبْحاً في ظلامٍ / فَمرَّ يَمُجُّ في صُبْحٍ ظَلاما
ويُسفِرُ منه عن غُرَرِ المعالي / إذا جَعَل المِدادَ له لِثاما
بكَفّ أغرٍّ ما يَنْفَكُّ دُرٌّ / يَجودُ به انْتثاراً وانْتظاما
تَزِلُّ إلى شَبا الأقلام بِيضاً / لآلي النُّطْقِ فَذّاً أو تُؤاما
وتَخْرجُ في سَوادِ النِّقْس تُبْدي / شِعارَ الحقِّ كي تُرضي الإماما
أيا مَنْ زُرْتُ مَغْناهُ فأضحَى / إليَّ عُبوسُ أيّامي ابْتِساما
لقاؤكَ شاغلي عن ذكْرِ نَأْيٍ / سُروراً لي بقُربكَ واحْتِشاما
فلا يشكو الَّذي لاقَى حَجيجٌ / إذا ما عايَنَ البيتَ الحَراما
رأيتُكَ مَنْ تُعِنْهُ يَرِدْ جَميماً / بمُنْتَجَعِ العُلا ويَرِدْ جِماما
وكَفُّكَ في ابْتغاءِ الرِّفْدِ قَطْرٌ / ولكنْ إنّما أَبغي اهْتِماما
وفوقَ الرِّفْدِ ما أصبحْتُ أَبغي / ومثْلُكَ قلّدَ المِنَنَ الجِساما
فلا زالتْ عزائمُكَ المَواضي / تَعُمُّ النّاسَ نُعْمَى وانْتِقاما
ودولةُ هاشمٍ حمَدتْكَ قِدْماً / فَدُمْتَ كما دُعيتَ لها نِظاما
إذا افْتخرَتْ غدوْتَ لها لِساناً / أوِ انْتصرَتْ غدوْتَ لها حُساما
وأَحسُدُ زَنْدَرُوذَ غداةَ سِرْنا
وأَحسُدُ زَنْدَرُوذَ غداةَ سِرْنا / وما حَسَدي له إلاّ عليكمْ
لأنّيَ راحِلٌ عنكمْ برَغْمي / وسارٍ وهْو مُنحدِرٌ إليكم
فديتُكَ رابني الإعراضُ عنّي
فديتُكَ رابني الإعراضُ عنّي / وذلك قد يَريبُ من الكَريمِ
ولم أعرِفْ له سبباً لعَمْري / سوى الإضجارِ بالنّظْمِ السّقيم
وقد طوَّلْتُ في الأبياتِ جِدّاً / وإنْ أَدلَلْتُ بالوُدِّ القديم
فلا تَسمَحْ بما أنا مُستحِقٌّ / ولا يكُ قَدُّ سَيْري من أديمي
فليس جوابَ تطويلٍ عظيمٍ / سوى استعمالِ تقصيرٍ عظيم
أَلَحْظٌ في جُفونِكِ أم صَوارمْ
أَلَحْظٌ في جُفونِكِ أم صَوارمْ / وحَرْبٌ لي فؤادُكِ أم مُسالِمْ
ولم أَر قبلَ يومِ البَيْنِ غِيداً / قَواتلَ بالجُفونِ ولا كَوالم
ولا بَطلاً صوارمُه لِحاظٌ / يُجَرِّدُها وجُنَّتُه مَعاصِم
كأنَّ الخالدِيّةَ يومَ راحَتْ / تَهادَى بينَ أترابٍ نَواعم
أَتاكَ مِنَ الفلاةِ بمُقْلَتيْها / كحيلُ الطَّرفِ من بقَرِ الصّرائم
مُهَفْهَفةٌ يَنوطُ العِقْدُ منها / بسالفتَيْ طَلاً من وَحْشِ جاسِم
يُلاعِبُ ظِلَّهُ مرَحاً ويَحْنو / عليه من ظباءِ القاعِ رائم
ليَهْنِكِ يا ابنةَ الأقوامِ أَنّي / بحُبّكِ لو جَزيْتِ الصَّبَّ هائم
وكم من حاسدٍ يَثْني عِناني / يُعالِجُ فيكِ وَجْداً وهْو لائم
لقد فَتنَتْ لحاظُكِ كُلَّ قلبٍ / فما في النّاسِ من عَينَيْكِ سالم
أقولُ وقد تَلوَّيتُ ادِّكاراً / ولم أملِكْ من الطَّرَبِ الحيازم
سقَى دَمْعي وإنْ لم يَصْفُ وجْداً / مَنازلَ بينَ وَجْرةَ فالأَناعِم
وما ملَّ البكاءَ عليكِ طَرْفي / فتَحتاجَ الطُّلولُ إلى الغَمائم
وجائلةُ النُّسوعِ تَخالُ منها / رواسيَ في الفلا وَهِيَ الرَّواسم
كَمرِّ البَرقِ يَطْلَعْنَ الثّنايا / مُشمِّرةً ويَهْوِينَ المَخارم
تَهُزُّ معاشراً كالبِيضِ بيضاً / قَوائمُها العِجالُ لها القَوائم
نَشاوَى من كؤوسِ كرىً وسَيْرٍ / فهمْ غِيدُ الطُّلَى مِيلُ العَمائم
يقولُ دَليلُهمْ وقدِ اسْتمَرَّتْ / إلى قَصْدِ العُلا بهمُ العزائم
إذا بَلغَتْ بأرحُلِنا المَهارى / وألقَتْها إلى بابِ ابنِ غانم
لثَمْنا ثَمَّ أيدي العيسِ شُكْراً / وألْصَقْنا المباسِمَ بالمناسم
وكيف جُحودُ ما صنَع المطايا / وقد حَجّتْ بنا حَرَمَ المكارم
جَنابُ فتىً تُرَى للفضلِ فيه / وللإفضالِ والعُلْيا مَواسم
إمامٌ كلّما فَكّرتَ فيه / بدا لك عالَمٌ في ثَوبِ عالِم
أعاد النّحْوَ مَعْمورَ النّواحي / ورَدَّ العلْمَ مَشْهورَ المَعالم
أخو ثقةٍ يَهُزُّ المرءُ منه / حُساماً في المُلِمّاتِ العَظائم
له يدُ واهبٍ ومقالُ وافٍ / وَقلْبُ مُشيَّعٍ وفَعالُ حازم
ومنطقُ خالدٍ ودهاءُ عَمْروٍ / ونجدةُ عامرٍ وسَخاءُ حاتِم
فإنْ جُبِلَتْ على كَرَمٍ يَداهُ / فمِن أخلاقِ آباءٍ أَكارم
إذا ما جئْتَهُ لاقاكَ خِرْقٌ / من الفِتْيانِ طَلْقُ الوجهِ باسم
وإنْ جَرَّدْتَه في وجهِ خطْبٍ / تَجرَّدَ باترُ الحَدَّيْنِ صارم
فلا عَدِمَتْ شَمائلَه المَعالي / ولا زال الحسودُ بهِنَّ راغم
إذا لم تَقْدِرا أَنْ تُسعداني
إذا لم تَقْدِرا أَنْ تُسعداني / على شَجَني فَسِيرا واتْرُكاني
دَعاني من مَلامِكُما سَفاهاً / فداعي الشَّوقِ دُونكُما دَعاني
وأينَ منَ الملامِ لقَى هُمومٍ / يَبيتُ ونِضْوُه مُلْقَى الجِران
يَشيمُ البرقَ وهْو ضجيعُ عَضْبٍ / ففي الجَفْنَينِ منه يَمانيان
وقفْتُ ولم تَقِفْ منّي دُموعٌ / لأجفاني تُعاتِبُ مَنْ جَفاني
ولا أَنسَى وإنْ نُسِيَتْ عُهودي / غداةَ حدا الرِّكابَ الحادِيان
فماج إلى الوَداعِ كثيبُ رَمْلٍ / ومال إلى العناقِ قضيبُ بان
وحاول منه تَذكرةً مشوقٌ / فأعطى خدَّهُ عِقْدَيْ جُمان
ودرَّعَ قلْبَهُ بالصّبْرِ حتّى / رماني بالصَّبابةِ واتَّقاني
أميلُ عن السُّلُوِّ وفيه بُرْؤٌ / وأعلَقَ بالغرامِ وقد بَراني
وتَعجبُ من حنيني في التّنائي / وأعجبُ من صُدودِكَ في التَّداني
ألا للهِ ما صنعَتْ بعَقْلي / عَقائلُ ذلك الحَيِّ اليَماني
نَواعمُ ينْتَقِبْنَ على شَقيقٍ / يَرِفُّ ويبْتَسِمْنَ عنِ اقْحُوان
دنَوْنَ عشيّةَ التّوديعِ منّي / ولي عينانِ بالدّمِ تَجْريان
فلم يَمْسحْنَ إكراماً جُفوني / ولكنْ رُمْنَ تَخْضيبَ البنان
وكم إلْفٍ حَواني البُعْدُ عنه / وأضلاعي على كمَدٍ حَوان
أذُمُّ إليه أيّامُ التّنائي / وإن لم أحظَ أيّامَ التّداني
وأجعَلُ لو قَدَرْتُ على جُفوني / طريقَ الطّارقينَ إلى جِفاني
وليلٍ خِلْتُ لَمْعَ الشُّهْبِ فيه / شَرارَ غضاً تَطايرَ في دُخان
طَرقْتُ الحيَّ فيه على سَبوحٍ / يلوحُ أمامَ غُرَّتِه سِناني
كأنّ بَريقَ ذا وبياضَ هذي / إذا اقْترنا بلَيْلٍ كَوكبان
ودهْرٍ ضاعَ فيه مَضاءُ حَدّي / ضياعَ السَّيفِ في كفِّ الجَبان
أُكابدُ فيه كُلَّ وضيعِ قومٍ / إذا بهرَتْهُ رِفْعتيَ ازْدَراني
يُطَيْلِسُ منه رأْساً فيه أوفَى / وأكثرُ من خُيوطِ الطَّيْلَسان
وفي الكُمِّ العريضِ له يمينٌ / حقيقٌ أنْ تُقطَّعَ باليَماني
أقولُ إذا همُ حَسدوا مكان / تعالَيْ فانْظُري بمَن ابتلاني
ولو عَزّوا أهنْتُهمُ انْتِقاماً / ولكنْ لا إهانةَ للمُهان
زمانُكَ ليس فيه سِواكَ عَيْبٌ / وعيبٌ ليس فيَّ سِوى زَماني
وركْبٍ آنسوا أمَداً فحَثّوا / إليه العِيسَ تَمرَحُ في المَثاني
بآمالٍ كما قَطَعوا طِوالٍ / إليه ومثْلما عَقَدوا مِتان
ضَمِنْتُ لها وَشيكَ النُّجْحِ لكنْ / على كفَّيْكَ تَحقيقُ الضَّمان
بيُمْنِ الصَّاحبِ المأمولِ أَضحَتْ / دِيارُ المُلْكِ آهلةَ المَغاني
وعادَتْ بَهجةُ الدُّنيا إليها / وكانَتْ مِن أكاذيبِ الأماني
وعمَّ الأرضَ إحساناً وعَدْلاً / طُلوعُ أغرَّ مَنْصورٍ مُعان
وباهَى طَلْعةَ السَّعْدَيْنِ منه / بسَعْدٍ ما لَهُ في النّاسِ ثان
ولم يَكُ لو تأدَّبتِ اللّيالي / ليُوسَمَ باسْمِ مَوْلىً خادمان
له يومان يومٌ للعَطايا / يُفَرِّقُها ويومٌ للطّعان
فَداهُ مَنْ سعَى يَبْغي مَداهُ / كما قُرِنَ الهَجينُ إلى الهِجان
وقال النَّجْمُ لا تَطمَحْ إلى مَنْ / أراهُ في العُلُوِّ كما تَراني
تُباريه وبينكما قياساً / تَفاوُتُ ما تَعُدُّ الخِنْصِران
بَسطْتَ قِوامَ دينِ اللهِ كَفّاً / تَمُنُّ على العُفاةِ بلا امْتنان
وتأتي أسطُرُ التَّوقيعِ منها / وقد أُوتينَ من سِحْر البَيان
بأحسنَ من خُطوطٍ للغَوالي / لوائحَ في خُدودٍ للغواني
إذا افتخرَتْ مُلوكُ الأرضِ قِدْماً / بآثارٍ تُخَلِّفُها حِسان
قَلعْتَ القلعةَ العَلْياءَ بأساً / أحلَّ قطينَها دارَ الهَوان
وكانتْ للطّعامِ قُعودَ عِيٍّ / وقد مَلكوا لها طَرَفَ العِنان
فلم يَترجَّلوا عنها إلى أنْ / تَلاقَتْ حولَها حَلَقُ البِطان
فَتحْتَ الحِصْنَ ثُمّ جعَلْتَ منه / بثأْرِ الحِصْنِ تَخْريبَ المباني
فظلَّ تَدُقُّ أيْدي الخيلِ منها / مَراقيَ أعيَتِ الحَدَقَ الرَّواني
مَلكْتَ قِيادَ طاعتِهمْ برَأيٍ / مَزَجْتَ له الخُشونةَ باللُّيان
وشابَه فتْحَ مكّةَ حينَ أعطَى / رسولُ اللهِ مَطْلوبَ الأمان
فما دَرَجَ الزّمانُ بها قليلاً / وللكُفّارِ تُطْرِقُ مُقْلَتان
نعَمْ فَتحوا ولكنْ من رُقادٍ / عُيونَهمُ إلى شَرِّ امْتِحان
شكَوا جَدْباً فأعشَبَ بالأفاعي / لهمُ مُلْسُ الثَّنايا والرِّعان
وطاعنَهمْ لكَ الإقبالُ منها / بأقْتلَ من شبَا الصُّمِّ اللِّدان
بحيّاتِ الصِّمام الصُّمِّ لمّا / رَقَوا بالسَّلْمِ حيَّاتِ الطِّعان
كأنّ الطّودَ غَيْظاً حينَ ألقَى / بإفكِهمُ الجَهولَ أخا افْتِتان
رَماهمْ منه كلَّ مكانِ كَفٍّ / لتَلْتقِفَ الطّغاةَ بأُفْعُوان
تثَعْبَنَ كلُّ صَعْبٍ منه لمّا / تفَرْعَن كلُّ عِلْج ذي امْتِهان
وزارَكَ في زمانِ الفَتْحِ عيدٌ / كما ابتدَر المدَى فَرَسا رِهان
فهذا للمدائحِ يَجْتليها / مُدَبَّجةً وهذا للأغاني
فلا زالتْ لكَ الأيّامُ طُرّاً / مُتوَّجةَ المطالعِ بالتَّهاني
أعِرْ نظَراً هلالَ العيدِ يَبْدو / على أُفُقِ السَّماءِ كسَطْرِ حان
كأنّك إذ شدَدْتَ مهادَ عِزٍّ / لسُلْطانِ الوَرى فوقَ العِيان
وسَمْتَ بنُونِ سُلْطانٍ مَجيداً / أديمَ سمائهِ وَسْمَ الحِصان
ألا يا أشرفَ الوزراء طُرّاً / إذا عُدُّ الأقاصي والأداني
خُلِقتَ مؤيَّداً بعُلُوِّ شَأنٍ / يُذِلُّ منَ الورى لك كُلُّ شان
إذا شُنَّتْ سُطاكَ على عَدُوٍّ / فلا يَنْجو بقَعْقَمةٍ الشِّنان
ولا بِنزالِ أرْعَنَ ذي جيادٍ / ولا بنُزولِ أجْيدَ ذي رِعان
رمَيتَ بها بني الإلْحادِ حتّى / تركتهمُ بمدرجةِ التّفاني
رجَوا حكْمَ الِقران ورُحْتَ فيهمْ / بسَيْفِكَ مُمْضياً حُكْمَ القُران
ليَهْنِكَ مَوْقفٌ أظهرتَ فيه / لدينِ اللهِ إعزازَ المكان
وعَقْدُكَ مجلسَ النَّظَرِ افْتِخاراً / ومالكَ يومَ مكرُمةٍ مُدان
ومُجتمَعُ الأئمّةِ في نَدىٍّ / وقَد وافَوْكَ من قاصٍ ودان
كأنّهمُ النُّجومُ وأنتَ بدْرٌ / إذا نظَرتْ إليكمْ مُقْلَتان
إذا غمَضَتْ مَسائلُهمْ تَهدَّى / بضوء جَبينِكَ المُتناظِران
تَرى الخَصْمَيْنِ يَسْتَبِقانِ فيها / كما طلَب المدَى فَرسا رِهان
وليس منَ العجيبِ وأنتَ بحْرٌ / إذا غاصوا على دُرَرِ المَعاني
لهمْ في كُلِّ مسألةٍ خِلافٌ / يَقومُ بحُجَّتَيْهِ الجانبان
فأمّا حُبُّهمْ لك حينَ تَبْلو / فَمُتّفِقٌ عليهِ المَذْهبان
فلا زال اجْتماعُ الشَّمْلِ منكمْ / من الدَّهرِ المُفَرِّقِ في أمان
فهمْ لكَ في أبيكَ أجَلُّ إرْثٍ / وأعلَى سُؤْدَدٍ يَبْنيهِ بان
صلاةُ اللهِ دائمةٌ عليه / مُبوِّئةً له زُلَفَ الجِنان
فلا بَرِحَت لك الأيّامُ غُرّاً / مُتوَّجةَ المطالعِ بالتَّهاني
فكم يا أيُّها المَولَى تُراني / أُعاني للحوادثِ ما أُعاني
وأستَحْيي زماناً أنت فيه / إذا أرخَيْتُ للشَّكْوَى عِناني
فأوجِدْني خَلاصاً من يدَيْهِ / وأوجِدْهُ خَلاصاً من لِساني
وكُنْ لي كالمُؤيَّدِ في اصطناعي / لِيُعْضَدَ أوّلٌ منكمْ بِثان
بقولٍ قصيدةٍ أبدَعْتُ فيه / رجَعْتُ لها بألْفٍ قد حَباني
ولو أعملْتَ فكْرَكَ في حُقوقي / رَعيْتَنيَ الغداةَ كما رَعاني
فأدنى نظرةٍ لكَ ألْفَ عامٍ / تَعيشُ به وتُطلِقُ ألْفَ عان
وهل رأتِ الملوكُ خلالَ حُلْمٍ / نظائرَ ما تُرِينا في العِيان
وأنت حلَلْتَ عُقْدةَ شاهِديزٍ / وأنتَ عَقْدْتَ سِكْرَ المَسْرُتان
هَمُ بدأوا وأنت تُتِمُّ كُلاًّ / فلم يَكُ بالتّمامِ لهمْ يَدان
لعسكرِ مُكْرَمٍ حَقُّ اخْتصاصٍ / فلا يَكُ في مَصالحها تَوان
فَمُرْ بعمارةِ الدُّولابِ فيها / تكُنْ إحدى صَنائِعكَ الحِسان
لقد زَيَّنْتَ عَصْركَ بالمعالي / كما زَيّنْتَ شِعريَ بالمعاني
يَضيعُ بأرضِ خُوزِستانَ مِثْلي / ضَياعَ السّيْفِ في كَفِّ الجَبان
وآمُلُ من شُمولِ العَدلِ أنّي / أُعانُ على عجائبِ ما أُعاني
وأُرغِمُ حُسَّدي فَقَدِ اسْتَطالوا / ولولا أنت ما حَسدوا مكاني
رأوْا عِرْضي كعِرضهم ولكنْ / على حالَيْنِ لا يَتَقاربان
رَماني العَيبُ لمّا قلّ مالي / على أدبي وهمْ عَيبُ الزَّمان
أقولُ لهمْ إذا عَرضَوا لذَمّي / تعالَيْ فانْظُري بمَنِ ابْتلاني
وأُقسِمُ ما فِرِنْدٌ في حُسامٍ / بأشْرفَ من مَديحِكَ في لساني
وخُذْها من فَمِ الرّاوي نَشيداً / ألذَّ منَ الرَّحيقِ الخُسْرُواني
بلا لفظٍ على الأسماعِ بكْرٍ / إذا جُليَتْ ولا مَعْنىً عَوان
ومَنْ يُرضي علاءكَ في ثَناءٍ / ولو نُظِمَتْ له سَبْعٌ مَثان
ودينُ مُحمّدٍ في كُلِّ حالٍ / ومُلْكُ مُحمّدٍ لكَ شاكران
فدامَ ودُمْتَ في نَعَمٍ جِسامٍ / كذلكَ ما تَواخَى الفَرْقَدان