المجموع : 14
أراك ركبتَ في الأهوال بحراً
أراك ركبتَ في الأهوال بحراً / عظيماً ليس يُؤمن من خطوبهْ
تُسَيّرُ فلْكهُ شرْقاً وغَرْباً / وتُدْفَعُ من صَبَاهُ إلى جنوبه
وأصعبُ من ركوبِ البحر عندي / أُمُورٌ ألجأتكَ إلى ركوبه
ألا كمْ تُسْمِعُ الزمن العتابا
ألا كمْ تُسْمِعُ الزمن العتابا / تخاطبُهُ ولا يدري الخطابا
أتطمعُ أن يردّ عليك إلفاً / ويُبْقي ما حييتَ لك الشبابا
ألم تَرَ صرفه يُبلي جديداً / ويتركُ آهلَ الدّنْيا يَبابا
وإن كان الثواءُ عليك داءً / فبرؤك في نوىً تُمطي الركابا
وهمّكَ همّ مرتقِبٍ أموراً / تسيحُ على غرائبها اغترابا
وإن أخا الحزامةِ مَن كَراهُ / كَحَسْوِ مُرَوّعِ الطيرِ الثِّغابا
فتىً يستطعمُ البيضَ المواضي / ويستسقي اللهاذمَ لا السحابا
فصرِّفْ في العُلى الأفعالَ حزماً / وعزْمًا إن نحوْتَ بها الصّوابا
وكن في جانبِ التحريض ناراً / تزيدُ بنفحةِ الرّيحِ التهابا
فلم يُمِهِ الحسامَ القينُ إلّا / ليصرفَ عند سلَّتهِ الرّقابا
ولا ترْغبْ بنفسك عن فلاةٍ / تخالُ سَرَابَ قيْعَتها شَرابا
فكم مُلْكٍ يُنال بخوْض هُلْكٍ / فلا يُبْهِمْ عليك الخوفُ بابا
وقفتُ من التناقضِ مُستريباً / وقد يقفُ اللبيبُ إذا استرابا
كأنّ الدهرَ محْسنُهُ مُسيءٌ / فما يَجْزي على عملٍ ثوابا
ولو أخذَ الزّمان بكفّ حرّ / لكان بطبعِهِ أمْراً عُجابا
يَجُرّ عليّ شرْبُ الراحِ همّاً / ويورثُ قلبيَ الشدوُ اكتئابا
وفي خُلُقِ الزّمان طباعُ خُلْفٍ / تُمرِّرُ في فمي النُّغَبَ العذابا
وقد بُدِّلتُ بعد سَرَاةِ قومي / ذئاباً في الصّحابةِ لا صحابا
وألفيتُ الجليسَ على خلافي / فلسْتُ مجالِساً إلّا كِتابَا
وما العنقاءُ أعوزُ من صديقٍ / إذا خَبُثَ الزمانُ عليك طابا
وما ضاقتْ عليَّ الأرضُ إلّا / دَحَوْتُ مكانَها خُلُقاً رحابا
سأعتسِفُ القفارَ بِمُرْقِلاتٍ / تجاوزني سباسِبَها انتهابا
تخالُ حديث أيديها سراعاً / حثيثَ أناملٍ لقطت حسابا
وتحسبُ خافقَ الهادي وجيفاً / يظنّ زمامَ مخطمه حُبابا
وَأَسرى تَحتَ نَجمٍ من سناني / إِذا نَجمٌ عنِ الأَبصارِ غابا
وإنّ المَيْتَ في سفرِ المعالي / كمن نالَ المُنى منها وآبا
ويُنجدني على الحدثان عضْبٌ / يُذلل قرعه النوَبَ الصعابا
يمانٍ كلما استمطرْتُ صوْباً / به من عارض المهَجات صابا
كأن عليه نارَ القينِ تُذكى / فلولا ماءُ رَوْنَقِهِ لَذابا
كأنّ شُعاعَ عينِ الشمسِ فيه / وإن كان الفِرِنْدُ به ضَبابا
كأنّ الدَّهْرَ شَيّبَهُ قديماً / فما زال النجيعُ لهُ خضابا
كأنّ ذُبابَهُ شادي صَبوحٍ / يحرّكُ إن ضربتُ به رقابا
وكنّا في مواطِنِنا كراماً / تعافُ الضيمَ أنفسُنا وتابى
ونطلع في مطالعنا نجوماً / تعدّ لكلّ شيطان شهابا
صبرنا للخطوب على صُروفٍ / إذا رُمِيَ الوليدُ بهنّ شابا
ولم تَسْلَمْ لنا إلا نفوسٌ / وأحسابٌ نُكَرّمهاْ احتسابا
ولم تخْلُ الكواكبُ من سقوطٍ / ولكن لا يُبَلّغُها الترابا
وكنتُ إذا مرضتُ رجوتُ عيشاً
وكنتُ إذا مرضتُ رجوتُ عيشاً / لياليَ كنتُ في شرخ الشبابِ
فصرتُ إذا مرضت خشيت موتاً / وقلتُ قد انقضى عَدَدُ الحسابِ
فنفسُ الشيخ تضعف كلّ حينٍ / وقوّتُهُ على طَرَفِ الذّهابِ
ولستُ مُصَدّقاً خُدَعَ الأماني / وهل تُوكى المَزَادُ على السّرابِ
رُوَيْدَكِ يا معذِّبَةَ القلوبِ
رُوَيْدَكِ يا معذِّبَةَ القلوبِ / أما تَخْشَينَ من كسْبِ الذنوبِ
متى يُجْري طلوعُكِ في جفوني / سنا شمسٍ مواصلةِ الغروبِ
وكم تُبْلي الكروبُ عليك جسمي / ألا فَرَجٌ لديك من الكروبِ
وأنْتِ قدحتِ في أعشارِ قلبي / بسهميك المُعلّى والرّقيبِ
ولم أسمع بأنّ عيونَ عِينٍ / تُفيضُ سهامَهُنَّ على القلوبِ
لحظّك بالعُلى بالفوزِ قِدْحُ
لحظّك بالعُلى بالفوزِ قِدْحُ / وذَكرِك في غريب المجد شَرْحُ
رأيتُ مُحمداً والناسَ طرّاً / شَكا وشَكوا فلَمّا صحّ صحّوا
مُحِبّكَ في التّقى بهداكَ يُهْدى / وينحو في العُلى ما أنْت تنحو
فَبُلّغْتَ المُنى فيه ومَرّتْ / به تلك الليالي وهي صُلْحُ
ونلتَ سعادةً ما اسودّ ليلٌ / وعينَ كرامةٍ ما ابيضّ صبحُ
فَرَفْعُ النجمِ في علياكَ خَفْضٌ / وفَيْضُ البَحرِ في نُعماكَ رشحُ
نَعِيمُكَ أنْ تُزَفَّ لك العُقَارُ
نَعِيمُكَ أنْ تُزَفَّ لك العُقَارُ / عروساً في خلائقها نِفَارُ
فإن مُزِجت وجدتَ لها انقياداً / كما تنقادُ بالخُدَعِ النّوَارُ
رأيتُ الراحَ للأفراح قطباً / عليه من الصَّبُوح لها مَدَارُ
إذا ضَحِكَتْ لُمْبِصِرِها رياضٌ / بواكٍ فَوْقَها سُحُبٌ غِزارُ
كَأَنَّ فروعها أيدٍ أَشارتْ / بأطرافٍ خواتِمُها قِصارُ
ولم أرَ قبل رؤيتها سيوفاً / لِجَوهَرِهِنَّ بِالهَزِّ انتِثارُ
ولا زنداً له في الجوِّ قَدْحٌ / مكانَ شرارها هَمَتِ القِطارُ
وقائدةٍ إلَيكَ مِنَ القناني / كَميتاً جُلّها في الدَّنِّ قارُ
تَروحُ لِسُكرِها بِكَ في عِثَارٍ / فَتَحمَدُهُ إِذا ذُمَّ العثارُ
إذا مُزِجتْ لِتَعْدلَ في الندامى / تَطَايَرَ عن جوانِبِها الشرارُ
وقلتُ وقد نظرتُ إلى عُجابٍ / أثغرُ الماء تَضحَكُ عنه نارُ
نَلقَ مَهَاة عيشك من مَهَاةٍ / وزينتها القلادةُ والسّوارُ
تُمَرّضُ مُقْلَةً ليصحَّ وَجْدٌ / تَوَارَى في الضُّلوعِ له أُوَارُ
ويَفتَنُ شَخْصَكَ المرمِيَّ منها / فتورٌ بالملاحةِ واحْوِرارُ
وخُذ ماءً منَ الياقوتِ يَطفو / له دُرَرٌ مُجَوَّفَةٌ صغارُ
يريك حديقةً من ياسَمينٍ / تَفَتّحَ وَسْطَها لَهُ جُلّنارُ
إذا فتحَ المزاجُ اللَّونَ منها / مضى وردٌ لها وأتى بَهَارُ
فَقَد طَردَ الكرى عنّا خطيبٌ / رفيعُ الصَّوتِ مِنْبَرُهُ الجدارُ
ورقّ ذماءُ نَفْسِ الليل لمَّا / تَنَفَّسَ في جوانبهِ النهارُ
أدِرْ ذَهَبَ العقار لِنَفْيِ هَمٍّ / ولا تحزنْ إذا ذهبَ العَقَارُ
فَلِلمَعروف فِي يُمْنى عَليٍّ / غِنىً لا يُتَّقى معَهُ افتِقارُ
هو المَلِكُ الَّذي اضطَرَبَتْ إِلَيهِ / بِقُصّدهِ الخضارمُ والقفارِ
تَرَفّعَ من معاليه مَحَلّا / له في سَمْكِهِ الدريُّ جارُ
وأعْرَقَ في نجارٍ حِميَرِيٍّ / فطابَ الفرعُ مِنهُ والنجارُ
وَما زَالوا بِأَنواعِ العَطايا / لَهُ يُمنى تُجاوِدها يَسارُ
تعمّ الوفدَ من يده أيادٍ / كَأَنَّ البحرَ من يَدِهِ اختِصارُ
ويسمحُ زنده بِجُذىً تَلَظّى / إذا زندٌ خبا وَوَهَى العفارُ
وإن وهبَ الألوفَ وهنَّ كُثْرٌ / تقدَّمَ قبلهنَّ الإعتذارُ
عَظيمُ الجدّ يُضربُ مِن ظُباهُ / وَيُطعَنُ مِن أَسِنَّتِهِ البوارُ
يسيرُ وخلفه أبطالُ حربٍ / على حَوضِ المنونِ لهم تَبَارُ
إذا أضحى شعارُ الأُسدِ شَعْراً / فمن زَرَدِ الدروع لهم شِعارُ
وقد وَسِعَتْهُمُ الحلقاتُ منها / وَأَحمَتهُنَّ للهَيجاءِ نارُ
يَخوضُ حَشى الكريهَةِ مِنهُ جَيشٌ / نُجومُ سَمائِهِ الأسَلُ الحرارُ
بِحَيثُ تَغورُ من قِمَمِ الأَعادي / جَداوِلُ بالأَكُفِّ لَها انفِجارُ
إِذا لَبِسَت سَماءٌ مِنهُ أَرضاً / دَجاها فَوقَهُ نَقعٌ مثارُ
تُريكَ قَشاعِماً في الجوِّ منها / حوائمَ كلَّما ارتَكَمَ الغبارُ
حُسامُكَ نُورُ ذِهنِكَ فيه صَقْلٌ / وَعَزْمُكَ في المضاءِ له غرارُ
لَقَد أَضحى على دينِ النَّصارى / لِدينِ المسلِمينَ بِكَ انتِصارُ
حَمَيتَ ذِمارَهُ بَرَّاً وبَحراً / بمرْهَفَهٍ بها يُحمى الذِّمارُ
أراك اللّهُ في الأعلاج رأياً / لَهُم مِنهُ المَذَلَّةُ والصَّغَارُ
رَأَوا حَربِيَةً تَرمي بِنِفطٍ / لإخمادِ النفوسِ له استعارُ
كأنّ المُهْلَ في الأنبوب منه / إلى شَيِّ الوجوه له ابتِدارُ
إذا ما شكّ نحرُ العلجِ منه / تعالى بالحِمام له خُوَارُ
كأنَّ مَنافسَ البُركانِ فيها / لأهوالِ الجحيمِ بها اعتبارُ
نحاسٌ ينبري منه شُواظٌ / لأرواحِ العلوجِ بِه بَوَارُ
وما لِلماءِ بالإطفاءِ حُكْمٌ / عَلَيهِ لَدى الوقودِ ولا اقتِدارُ
فَرَدَّ اللَّه بأسَهُمُ عَلَيهمْ / فَرِبحُهُمُ بِصَفقَتِهم خَسارُ
وخافوا من مناياهُمْ وفرّوا / فدافعَ عن نُفوسِهِمُ الفِرارُ
وقد جعلوا لهم شُرُعَ الشواني / مَعَ الأَرواحِ أَجنِحَةً وطاروا
وهل يَلقى مُصادَمَةً حَصاهم / جِبالاً سَحقُها لَهُمُ دَمارُ
لِيَهنَكَ أنَّ مُمتَنِعَ الأماني / لِكَفِّكَ في تَناوُلِها اختِيارُ
لَكَ الفُلْكُ الَّتي تَجري بِسَعْدٍ / يدورُ به لك الفَلَكُ المُدَارُ
تَهبُّ له الرياح مُسَخَّراتٍ / وتَسكنُ في تَحركها البحارُ
وما حَمَلتْهُ من أنواع طيبٍ / فَمَدْحٌ عَرْفُهُ لَكَ وافتِخارُ
أَمَولانا الَّذي ما زال سَمحاً / إِلَيهِ بِكُلِّ مَكرُمَةٍ يُشارُ
أرى رسمي غداً بيدي كرسمٍ / عَفَا وَعَفَتْ له بالمحلِ دارُ
وكانَتْ لى شُموسٌ ثم أَضحَت / بدوراً والبدورُ لها سرارُ
وبين سناهُما بَوْنٌ بعيدٌ / وذا ما لا يُرَادُ به اختبارُ
وَجَدتُ جَناحَ عُصفورٍ جناحي / فَأَصبَح لِلعقابِ به احتِقارُ
فلي نَهْضٌ يجاذبُني ضَعيفٌ / أَتَنهَضُ بي قَوادِمُهُ القصارُ
فَرُدَّ عَلَيَّ موفوراً جناحي / وإلّا لا جَنَاح ولا مَطَارُ
أيا خُلُجَ المدامعِ لا تغيضي
أيا خُلُجَ المدامعِ لا تغيضي / وَذُوبي غَيْرَ جامدةٍ وَفيضي
فقد قُلِبَ التّأسِّي بالرّزايا / أسىً ملأ التراقِيَ بالجريضِ
أراكَ على الرّحيلِ بأرْضِ مَحْلٍ / فقيرَ الرّحْلِ من زادٍ عريضِ
فَدَعْ أشَرَ الجَموحِ وكُنْ ذليلاً / لعِزِّ اللَّه كالعَوْدِ المروضِ
فلستَ مُنَعَّماً بيَدَيْ حبيبٍ / ولا بِمُعَذَّبٍ بيدي بغيضِ
وأشقى الناس في الأُخرى ابن دنيا / يقول لِنَفسِهِ في الغيِّ خُوضي
أَما شَرَحَتْ له عِبَرُ اللَّيالي / معانِيَ بَعْدَ مُلْتَبِسِ الغموضِ
وناحتْ هَذِهِ الدُّنْيا عَلَيه / فظنَّ نياحَها شَدْوَ القريضِ
فلا يَغتَرَّ بالحدثانِ غَمْرٌ / لذيذُ النوم في طَرْفٍ غضيضِ
فقَد يُصْمي الرَّدى في الوكدِ فَرخاً / فَيَرْتَعُ منه في لحمٍ غريضِ
وَيُبلْي غَيْرَ مُستَبقٍ حيَاةً / لِقَشْعَمِ شاهِقٍ مَيْتِ النهوضِ
ويُلْحِمُهُ ابنُهُ ما اختار نهساً / بِمِنْسَرِهِ المُدَمّى من أنيضِ
وساعاتُ الفَتى سُودٌ وَبِيضٌ / تُرَحِّلُ سُودَ لِمّتِهِ ببيضِ
يذوقُ المرءُ في مَحْياهُ موتاً / جفُوفَ الزّهْرِ في الروضِ الأَريضِ
وأشراكُ الرّدى في الغيب تخفى / كما يَخْفَيْنَ في تُرْبِ الحضيضِ
عجبتُ لجَمْعِهِ فيهنّ صَيداً / بها بينَ القشاعِمِ والبَعوضِ
رأيتُ الخلقَ مرْضى لا يُداوَى / لهم كَلَبٌ مِنَ الزّمَنِ العضوضِ
وَلا آسٍ لهم إِلّا مريضٌ / فهل يُجْدي المريضُ على المريضِ
يواصلُ فيهمُ فتكُ ابن آوى / وهم في غَفْلَةِ البَهَمِ الرّبيضِ
وما ينجو امرُؤٌ من قَبضَتَيهِ / يُدِلّ بِسَبق مُنْجَرِدٍ قبيضِ
وقالوا الزكرَمِيُّ أُذيقَ كأساً / يحولُ بها الجريضُ عن القريضِ
فقدتمْ في المُعَلّى كِبْرَ حَظٍّ / له بالفائزين ندَىَ مُفِيضِ
يطيرُ به جَنَاح الطّبْع سَبقاً / مِنَ الإحسانِ في جوٍّ عَريضِ
ولو مُزِجَتْ حلاوَتُهُ بنفطٍ / لسَاغَ وَجَلّ عن خَصرِ الفَضيضِ
لقد عَدِمَ المُعَمّى منه فكّاً / ومات لِمَوتِهِ عِلْمُ العَروضِ
أبا حَفصٍ تَرَكتَ بِكُلِّ حَزْنٍ / عَليكَ الفضلَ ذا قلبٍ مهيضِ
يُرَوّي اللَّهُ ترباً نِمْتَ فيه / فباكي المُزْنِ مُبْتَسِمُ الوميضِ
فَقد أبقَيتَ ألِسنَةَ البرايا / بفخرِكَ في حديثٍ مستفيضِ
خطابٌ عن لقائكمُ يَعُوقُ
خطابٌ عن لقائكمُ يَعُوقُ / وَمِثْلي لا يُناطُ به العقوقُ
أأقدر أنْ يُقَدَّرَ لي زمانٌ / له خُلُقٌ بأُلفَتِنا خليقُ
فيقبض بُعْدَنا ليلٌ عَدوٌّ / ويبسط قُربَنا يومٌ صديقُ
لَقَد حَنَّتْ إلى مَثواكَ نَفسي / كمُرْزِمَةٍ إلى وَطَنٍ تتوقُ
تَحَمّلَ بالنّوَى عنِّي التأسّي / وحَمّلَني الأَسى ما لا أُطيقُ
وَحَمّرَ دمعيَ المبيضَّ حُزْنٌ / يذوب بحرِّهِ قَلبي المشوقُ
كأنَّ العينَ تُسْقِطُ مِنهُ عيناً / فَلُؤلُؤهُ إِذا ذَرَفَت عَقيقُ
وهَبني قد قدحتُ زنادَ عزمٍ / تضرّمَ في الأناة له حريقُ
ألَيْسَ اللَّه ينفذ منه حكماً / فَيعقلني به وأَنا الطّليقُ
فرَغتُ منَ الشبابِ فَلَستُ أَرنو / إلى لهوٍ فيشغلني الرّحيقُ
ولا أَنا في صقليةٍ غلاماً / فتلزمني لكلّ هوىً حُقوقُ
لَياليَ تُعْمِلُ الأَفراحُ كَأسي / فما لي غير ريقِ الكأسِ ريقُ
تَجَنَّبْتُ الغِوايَةَ عن رَشادٍ / كما يَتَجَنّبُ الكَذبَ الصّدوقُ
وَإِن كانَت صباباتُ التصابي / تَلوحُ لها على كَلِمي بروقُ
كَتَبتُ إِلَيكِ في سِتينَ عاماً / فساحاً في خطايَ بهنّ ضيقُ
ومن يرحلْ إلى السبعين عاماً / فمعتَرَكُ المنون له طريقُ
أَبا الحسنِ انتَشِقْ مِنِّي سلاماً / كأنّ نسميه مسكٌ فتيقُ
وقلّ لدى عليلٍ عند كربٍ / تناولُ راحةٍ فيها يفيقُ
أرى القدَرَ المُتَاحَ إذا رآني / جريتُ جَرَى فكان هو السّبوقُ
فلا تيْأسْ فللرحمنِ لُطْفٌ / يُحَلّ بِيُسْرِهِ العَقْدُ الوثيقُ
بَقيتُ مَعَ الحياةِ وماتَ شَعْري
بَقيتُ مَعَ الحياةِ وماتَ شَعْري / بشيبي فالقذالُ به يُنقّى
فشَعري لا يُكفَّنُ في خضابٍ / ولا ينفكّ للأنظار مُلْقى
وَتَركُكَ مَنْ شَجاكَ الموتُ منه / بِلا كَفَنٍ لِحُزْنٍ فيكَ أَبْقى
فَلا تَخضِبْ مَشيبَكَ لِلغَواني / فَتَغنى عَنهُ ناعِمَةً وتَشقى
فشاهدُ زورِ خَضْبكَ لَيس يُعْطى / بِباطِلِهِ مِنَ الغاداتِ حقّا
فَلا تَهوَ الفتاةَ وأنْتَ شيخٌ / فأبعدُ وَصْلِها مِنْ صَيْدِ عَنْقا
أَلَيسَ بَنو الزّمانِ بَنو أَبيكا
أَلَيسَ بَنو الزّمانِ بَنو أَبيكا / فَجَرِّدْ عَن حَقائِقِكَ الشكوكا
ولا تَسأَلْ مِنَ المَملوكِ شَيئاً / فَترجِعَ خائِباً وَسَلِ المَليكا
فَلَستَ تَنالُ رِزقاً لم تَنَلْهُ / وَلَو أَبصَرتَه مِمَّا يَليكا
فكم خيرٍ ظفرتَ به نضيجاً / وكنتَ حُرِمتَ رؤيتَهُ فريكا
وَجَدْتُ الحلمَ ينصرني على مَنْ
وَجَدْتُ الحلمَ ينصرني على مَنْ / أسُلّ لحربه ظُبةَ الحُسامِ
ولي كَلِمٌ كأنّ اللّفْظَ منها / يَرُشّ السمعَ منه بالسّهامِ
ولكنّي أكفكفها بِحِلْمٍ / يُلاثُ البُرْدُ منه على شمامِ
ولستُ أُعيدُ من حَنَقٍ عليه / مخاطبةً لتجديد الخصامِ
ويقصرُ في الحقيقة كلُّ شيءٍ / ثَنَيْتَ جمِيعَهُ غَيْرَ الكَلامِ
خلعتُ على بُنيّاتِ الكرومِ
خلعتُ على بُنيّاتِ الكرومِ / محاسنَ ما خُلِعْنَ على الرسومِ
أخذتُ بمذهب الحكَميّ فيها / وكيفَ أميلُ عن غرَض الحكيمِ
وما فضلُ الطلول على شَمُولٍ / تمجّ المسك في نَفَس النسيمِ
يُجدَّدُ حبّها في كلّ قلبٍ / إذا صقلتْهُ من صدئ الهمومِ
وكنتُ على قديم الدهر أصبو / إلى اللّذّاتِ بالقصر القديمِ
تُرَدّ إذا ظمئت عليّ كأسي / كما رُدّ اللبان على الفطيمِ
وما استنطقْتُ من طَلَلٍ صَموتٍ / كأنّ له إشاراتِ الكليمِ
بل استنطقْتُ بالنّغماتِ عوداً / تَنَبّهَ مُطْرِباً في حجر ريمِ
وربّ منيمةِ الندماءِ سُكْراً / نفيتُ بها المنامَ عن النديمِ
فقامَ ومُقْلةُ الإصباحِ فيها / بقيَّةُ إثمدِ الليلِ البهيمِ
كأنّ الصبحَ معترضاً دجاهُ / خصيمٌ يستطيلُ على خصيمِ
كأنّ الشرق في هذا وهذا / مَصَفٌّ فيه زَنْجيّ ورومي
وليلٍ شُقّ فيه ضياءُ صُبْحٍ / كأدهمَ في إغارتهِ لطيمِ
قطعنا تحت غيهبه عَراءً / بعاريةِ العظامِ من اللحومِ
وداميَةً مناسِمُها رَسَمْنا / لها قَطْعَ المهامِهِ بالرّسيمِ
وَطُفْنا في البلاد طوافَ قَوْمٍ / يريح نفوسهمْ تَعَبُ الجسومِ
وفي مغنى ابنِ عبّادٍ حَلَلْنا / وقد نِلنا المنى عند العَزيمِ
بحيثُ يَغضّ أبصاراً ملوكٌ / تُعظِّمُ هيبةَ الملك العظيمِ
تُنَظَّمُ في مراتبِهِ المعالي / فتحسبُها نجوماً للنّجومِ
وتهمي من أنامِلِهِ العَطايا / فتحسبُها غيوماً للغيومِ
وتصدُرُ عن ندى يده الأماني / إذا وردتهُ هِيماً غير هيمِ
إذا نسيَ الكرامُ أنابَ ذكراً / يسافرُ في فمِ الزّمنِ المقيمِ
تناجيه فراسةُ ناظرَيهِ / بما في مُضْمَرِ القلبِ الكتومِ
فيا ابنَ الصّيد من لخْمٍ ولخمٌ / بدورُ مطالع الحسبِ الصميمِ
إذا جادوا فأنواءُ العطايا / وإن حلموا فأطوادُ الحلومِ
وأحرَمَ في يمينك مَشْرَفيّ / أدَمْتَ ببذلِهِ صَوْنَ الحريمِ
ومُعتَرَكٍ تَلَقّى الفنشُ فيه / غريماً مهلكاً نَفْسَ الغريمِ
تَسَتّرَ بالظلامِ وفرّ خوفاً / برَوْعٍ شَقّ سامعتي ظليمِ
وذاقَ بيوسفٍ ذي البأس بُؤساً / فمرّرَ عنده حلوَ النّعيمِ
وقد نهشتْهُ حيّاتُ العوالي / سلوا الليلَ السليمَ عن السليمِ
ثنى توحيدُكَ التثليثَ منه / يَعَضّ على يَدَيْ فَزِعٍ كظيمِ
رآك وأنتَ مبتسمٌ كضارٍ / تثاءَبَ عن نواجذه شتيمِ
غداة أتى بصلبانٍ أضَلّتْ / علوجاً أبْرَموا كَيْدَ البريمِ
كأنّهمُ شياطينٌ ولكنْ / رميتَهُمُ بمحرقةِ النجومِ
علوجٌ قُمْصُ حَرْبهمُ حَدِيدٌ / يُعبِّرُ عنهمُ سَهَكُ النَّسيمِ
يَقودهمُ لحينهِمُ ظَلومٌ / لأنفسهمْ فوَيلٌ للظلومِ
رعى نَبْتَ الوشيج بهمْ فمادوا / وتلك عواقبُ المرعى الوخيمِ
وأوردهمْ حياضاً في المواضي / بماءِ الموتِ ساقٍ من جمومِ
ولما أنْ أتاكَ بقومِ عادٍ / أتَيْتَ بصرصرِ الريح العقيمِ
وقد ضرَّمتَ نارَ الحرب حتى / حَكَتْ زفراتُها قِطَعْ الجحيمِ
وثارَ بركضِ شُزَّبِها قَتامٌ / خَلَعْنَ به الصريمَ على الصريمِ
فثوبُ الجوّ مُغْبَرُّ الحواشي / ووجهُ الأرض مُحمرُّ الأديمِ
وقد سَكِرَتْ صِعادُ الخطّ حتى / تأوّدَ كلّ لدنٍ مستقيمِ
وما شَرِبت سوى خمرِ التراقي / ولا انتشقتْ سِوَى وَرْدِ الكلومِ
فصلّ لربّك المعبودِ وانحرْ / قُرُوماً منهمُ بَعْدَ القرومِ
وَعَيِّدْ بالهدى وأعِدْ عليهمْ / عذابَ الحرب بالألمِ الأليمِ
أمُدامٌ عن حَبابٍ تبتسمْ / أمْ عقيقٌ فوقه دُرٌّ نُظِمْ
أعَلى الهمّ بعثنا كأسنا / أم بنجمِ الأفْقِ شيطانٌ رُجم
أظلامٌ لضياءٍ طَبَقٌ / أم على الكافور بالمسكِ خُتِم
أندىً في الزهرٍ أم ماءُ الهوى / حارَ في أعينِ حُورٍ لم تنم
أعمودُ الصبح في الغيهبِ أم / غُرّةُ الأشقرِ في الغيمِ الأحَمْ
أمِراةٌ أم غديرٌ دائمٌ / مقشعرّ الجلدِ بالقَرّ شَبِمْ
قَدَرَتْ منه الصّبا سرداً فما / رَفَعَتْ عنه يداً حتى انفصمْ
كلّ ذا يدعو إلى مشمولةٍ / فذرِ اللوم عليها أو فَلُمْ
واغتنمْ من كلّ عيشٍ صَفْوَهُ / فألَذّ العيش صفوٌ يُغْتَنَمْ
واشكلِ الأوتار عن نغمتها / لا تسوغُ الخمرُ إلا بالنّغم
ومدامٍ قَدُمَتْ فهيَ إذا / سُئِلتْ تخبرُ عنْ عادِ إِرم
سكنتْ أجوفَ في جوْف الثرى / نَسَجَ الدّهْرُ عليه وَرَقَم
خالفَتْ أفعالُها أعمارَها / فأتَتْ قُوّتُها بَعْدَ الهرم
فهي في الرّاووقِ إن رَوّقْتَها / لهبٌ جارٍ وماءٌ مُضطرم
أفْنَتِ الأحقابُ منها جوهراً / ما خلا الجزءَ الذي لا ينقسم
فهي مما أفرطتْ رقّتُها / تجدُ الريّ بها وهيَ عَدَم
لا ينالُ الشَّرْبُ من كاساتها / غيرَ لونٍ يُسْرِع السّكرَ وشم
وكأنّ الشمس في ناجودِها / من سوادِ القارِ في قمصِ ظلم
فأدِرْ للروح أُخْتاً والزرا / جينِ بنتاً وسرورِ النفس أُم
فهي مفتاحٌ للذّاتٍ لنا / ويدُ المنصور مفتاحُ الكرم
حلّ قصرَ المجد منه مَلِكٌ / بُدئَ المجدُ به ثمّ خُتِم
يحتبي في الدستِ منه أَسدٌ / وهلالٌ وسحابٌ وَعَلَم
يتركُ النقمةَ في جانبهِ / وإذا عاقبَ في اللّه انتقم
وإذا قال نعم وهي له / عادةٌ أسبغَ بالبذل النِّعَم
ذو أيادٍ بأيادٍ وُصِلَتْ / كتوالي دِيَمٍ بَعْدَ ديم
وإذا ما بَخِلَ الغيمُ سخا / وإذا ما عَبَسَ الدهرُ بَسَم
تنتخي السادات عزّاً فإذا / قَرُبَتْ من عنده صارتْ خدمْ
لست أدري أيمينٌ قُبّلَتْ / منه في تسليمها أمْ مُستَلم
يذعرُ الجبّارُ منه فعلى / شَفَةٍ يمشي إليه لا قدم
فالقُ الهامِ إذا كرّ سطا / مِسْعَرُ الحربِ إذا همّ اعتَزَم
كلَّما أوطأ حرْباً سنبكاً / حمِيَ الرّوْعُ وَشَبّ المقتحم
وإذا حاولَ في طعنِ الكُلى / صَرّفَ اللهذَمَ تصريفَ القلم
يطأ الهامَ التي فَلّقَهَا / بلهامٍ للأعادي مُلتهِم
يُرْجِعُ الليلَ نهاراً بالظّبا / ويعيدُ الظُّهرَ بالنقع عَتَمْ
فضياءُ الشهب في قَسْطَلِهِ / ويعيدُ الظهر ديال في نيم
إنّما حِمْيَرُ أُسْدٌ لم تَزَلْ / من قناها ساكناتٍ في أجَم
كلّ شهمِ القلبِ مرهوبِ الشبا / مُرْتضى الأخلاقِ محمودِ الشيم
يستظلّون بأوراق الظّبا / وأُوَارُ الرّوْعِ فيهم مُحْتَدم
وعروسٍ لك قد أهدَيْتُها / تُكْلَمُ الحُسّادُ منها بالكَلِم
في تقاصيرَ من الدّرّ إذا / حاولوا تحصيلهَا فهيَ حِكَم
يضربُ الأمثالَ فيها بِكُمُ / أُمَمٌ في المدح منْ بعد أُمم
أسكنت ذكرَك حُكْماً خالداً / أبداً بُنْيانُهُ لا ينْهَدِم
وذاتِ ذوائبٍ بالمسكِ ذابَتْ
وذاتِ ذوائبٍ بالمسكِ ذابَتْ / بَلغْتُ بها المُنى وَهْيَ التّمَنّي
مُنَعَّمَةٌ لها إعزازُ نَفْسٍ / يُصرَّفُ دلُّها في كلّ فنِّ
شموسٌ من ملوك الرّوم قامَتْ / تدافعُ فاتكاً عن فَتْحِ حِصنِ
بخدّ لاحَ فيه الوردُ غَضّاً / وغصْنٍ ماس بالرّمّان لَدْنِ
فطالَتْ بيننا حَرْبٌ زبُونٌ / بلا سيفٍ هناك ولا مجنِّ
وفاضَتْ نَفْسُها الحمراءُ منها / وسالَتْ نفسيَ البيضاءُ منّي
ومطلعةِ الشموسِ على غصونٍ
ومطلعةِ الشموسِ على غصونٍ / مُضَاحِكَةٍ عن الدّرّ المصونِ
كأنّ السحرَ جيءَ به طبيباً / ليبرئهنّ مِنْ سَقَم العيونِ
فلمّا لم يجدْ فيها علاجاً / أقامَ محَيَّراً بين الجفونِ
ولم أرَ قبلها مُقَلاً مِرَاضاً / مُحَرَّكَةَ الملاحةِ بالسكونِ
تُنَفَّذُ في القلوب لها سهامٌ / مُنَصَّلَةٌ بفولاذِ المَنُونِ