القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 14
أراك ركبتَ في الأهوال بحراً
أراك ركبتَ في الأهوال بحراً / عظيماً ليس يُؤمن من خطوبهْ
تُسَيّرُ فلْكهُ شرْقاً وغَرْباً / وتُدْفَعُ من صَبَاهُ إلى جنوبه
وأصعبُ من ركوبِ البحر عندي / أُمُورٌ ألجأتكَ إلى ركوبه
ألا كمْ تُسْمِعُ الزمن العتابا
ألا كمْ تُسْمِعُ الزمن العتابا / تخاطبُهُ ولا يدري الخطابا
أتطمعُ أن يردّ عليك إلفاً / ويُبْقي ما حييتَ لك الشبابا
ألم تَرَ صرفه يُبلي جديداً / ويتركُ آهلَ الدّنْيا يَبابا
وإن كان الثواءُ عليك داءً / فبرؤك في نوىً تُمطي الركابا
وهمّكَ همّ مرتقِبٍ أموراً / تسيحُ على غرائبها اغترابا
وإن أخا الحزامةِ مَن كَراهُ / كَحَسْوِ مُرَوّعِ الطيرِ الثِّغابا
فتىً يستطعمُ البيضَ المواضي / ويستسقي اللهاذمَ لا السحابا
فصرِّفْ في العُلى الأفعالَ حزماً / وعزْمًا إن نحوْتَ بها الصّوابا
وكن في جانبِ التحريض ناراً / تزيدُ بنفحةِ الرّيحِ التهابا
فلم يُمِهِ الحسامَ القينُ إلّا / ليصرفَ عند سلَّتهِ الرّقابا
ولا ترْغبْ بنفسك عن فلاةٍ / تخالُ سَرَابَ قيْعَتها شَرابا
فكم مُلْكٍ يُنال بخوْض هُلْكٍ / فلا يُبْهِمْ عليك الخوفُ بابا
وقفتُ من التناقضِ مُستريباً / وقد يقفُ اللبيبُ إذا استرابا
كأنّ الدهرَ محْسنُهُ مُسيءٌ / فما يَجْزي على عملٍ ثوابا
ولو أخذَ الزّمان بكفّ حرّ / لكان بطبعِهِ أمْراً عُجابا
يَجُرّ عليّ شرْبُ الراحِ همّاً / ويورثُ قلبيَ الشدوُ اكتئابا
وفي خُلُقِ الزّمان طباعُ خُلْفٍ / تُمرِّرُ في فمي النُّغَبَ العذابا
وقد بُدِّلتُ بعد سَرَاةِ قومي / ذئاباً في الصّحابةِ لا صحابا
وألفيتُ الجليسَ على خلافي / فلسْتُ مجالِساً إلّا كِتابَا
وما العنقاءُ أعوزُ من صديقٍ / إذا خَبُثَ الزمانُ عليك طابا
وما ضاقتْ عليَّ الأرضُ إلّا / دَحَوْتُ مكانَها خُلُقاً رحابا
سأعتسِفُ القفارَ بِمُرْقِلاتٍ / تجاوزني سباسِبَها انتهابا
تخالُ حديث أيديها سراعاً / حثيثَ أناملٍ لقطت حسابا
وتحسبُ خافقَ الهادي وجيفاً / يظنّ زمامَ مخطمه حُبابا
وَأَسرى تَحتَ نَجمٍ من سناني / إِذا نَجمٌ عنِ الأَبصارِ غابا
وإنّ المَيْتَ في سفرِ المعالي / كمن نالَ المُنى منها وآبا
ويُنجدني على الحدثان عضْبٌ / يُذلل قرعه النوَبَ الصعابا
يمانٍ كلما استمطرْتُ صوْباً / به من عارض المهَجات صابا
كأن عليه نارَ القينِ تُذكى / فلولا ماءُ رَوْنَقِهِ لَذابا
كأنّ شُعاعَ عينِ الشمسِ فيه / وإن كان الفِرِنْدُ به ضَبابا
كأنّ الدَّهْرَ شَيّبَهُ قديماً / فما زال النجيعُ لهُ خضابا
كأنّ ذُبابَهُ شادي صَبوحٍ / يحرّكُ إن ضربتُ به رقابا
وكنّا في مواطِنِنا كراماً / تعافُ الضيمَ أنفسُنا وتابى
ونطلع في مطالعنا نجوماً / تعدّ لكلّ شيطان شهابا
صبرنا للخطوب على صُروفٍ / إذا رُمِيَ الوليدُ بهنّ شابا
ولم تَسْلَمْ لنا إلا نفوسٌ / وأحسابٌ نُكَرّمهاْ احتسابا
ولم تخْلُ الكواكبُ من سقوطٍ / ولكن لا يُبَلّغُها الترابا
وكنتُ إذا مرضتُ رجوتُ عيشاً
وكنتُ إذا مرضتُ رجوتُ عيشاً / لياليَ كنتُ في شرخ الشبابِ
فصرتُ إذا مرضت خشيت موتاً / وقلتُ قد انقضى عَدَدُ الحسابِ
فنفسُ الشيخ تضعف كلّ حينٍ / وقوّتُهُ على طَرَفِ الذّهابِ
ولستُ مُصَدّقاً خُدَعَ الأماني / وهل تُوكى المَزَادُ على السّرابِ
رُوَيْدَكِ يا معذِّبَةَ القلوبِ
رُوَيْدَكِ يا معذِّبَةَ القلوبِ / أما تَخْشَينَ من كسْبِ الذنوبِ
متى يُجْري طلوعُكِ في جفوني / سنا شمسٍ مواصلةِ الغروبِ
وكم تُبْلي الكروبُ عليك جسمي / ألا فَرَجٌ لديك من الكروبِ
وأنْتِ قدحتِ في أعشارِ قلبي / بسهميك المُعلّى والرّقيبِ
ولم أسمع بأنّ عيونَ عِينٍ / تُفيضُ سهامَهُنَّ على القلوبِ
لحظّك بالعُلى بالفوزِ قِدْحُ
لحظّك بالعُلى بالفوزِ قِدْحُ / وذَكرِك في غريب المجد شَرْحُ
رأيتُ مُحمداً والناسَ طرّاً / شَكا وشَكوا فلَمّا صحّ صحّوا
مُحِبّكَ في التّقى بهداكَ يُهْدى / وينحو في العُلى ما أنْت تنحو
فَبُلّغْتَ المُنى فيه ومَرّتْ / به تلك الليالي وهي صُلْحُ
ونلتَ سعادةً ما اسودّ ليلٌ / وعينَ كرامةٍ ما ابيضّ صبحُ
فَرَفْعُ النجمِ في علياكَ خَفْضٌ / وفَيْضُ البَحرِ في نُعماكَ رشحُ
نَعِيمُكَ أنْ تُزَفَّ لك العُقَارُ
نَعِيمُكَ أنْ تُزَفَّ لك العُقَارُ / عروساً في خلائقها نِفَارُ
فإن مُزِجت وجدتَ لها انقياداً / كما تنقادُ بالخُدَعِ النّوَارُ
رأيتُ الراحَ للأفراح قطباً / عليه من الصَّبُوح لها مَدَارُ
إذا ضَحِكَتْ لُمْبِصِرِها رياضٌ / بواكٍ فَوْقَها سُحُبٌ غِزارُ
كَأَنَّ فروعها أيدٍ أَشارتْ / بأطرافٍ خواتِمُها قِصارُ
ولم أرَ قبل رؤيتها سيوفاً / لِجَوهَرِهِنَّ بِالهَزِّ انتِثارُ
ولا زنداً له في الجوِّ قَدْحٌ / مكانَ شرارها هَمَتِ القِطارُ
وقائدةٍ إلَيكَ مِنَ القناني / كَميتاً جُلّها في الدَّنِّ قارُ
تَروحُ لِسُكرِها بِكَ في عِثَارٍ / فَتَحمَدُهُ إِذا ذُمَّ العثارُ
إذا مُزِجتْ لِتَعْدلَ في الندامى / تَطَايَرَ عن جوانِبِها الشرارُ
وقلتُ وقد نظرتُ إلى عُجابٍ / أثغرُ الماء تَضحَكُ عنه نارُ
نَلقَ مَهَاة عيشك من مَهَاةٍ / وزينتها القلادةُ والسّوارُ
تُمَرّضُ مُقْلَةً ليصحَّ وَجْدٌ / تَوَارَى في الضُّلوعِ له أُوَارُ
ويَفتَنُ شَخْصَكَ المرمِيَّ منها / فتورٌ بالملاحةِ واحْوِرارُ
وخُذ ماءً منَ الياقوتِ يَطفو / له دُرَرٌ مُجَوَّفَةٌ صغارُ
يريك حديقةً من ياسَمينٍ / تَفَتّحَ وَسْطَها لَهُ جُلّنارُ
إذا فتحَ المزاجُ اللَّونَ منها / مضى وردٌ لها وأتى بَهَارُ
فَقَد طَردَ الكرى عنّا خطيبٌ / رفيعُ الصَّوتِ مِنْبَرُهُ الجدارُ
ورقّ ذماءُ نَفْسِ الليل لمَّا / تَنَفَّسَ في جوانبهِ النهارُ
أدِرْ ذَهَبَ العقار لِنَفْيِ هَمٍّ / ولا تحزنْ إذا ذهبَ العَقَارُ
فَلِلمَعروف فِي يُمْنى عَليٍّ / غِنىً لا يُتَّقى معَهُ افتِقارُ
هو المَلِكُ الَّذي اضطَرَبَتْ إِلَيهِ / بِقُصّدهِ الخضارمُ والقفارِ
تَرَفّعَ من معاليه مَحَلّا / له في سَمْكِهِ الدريُّ جارُ
وأعْرَقَ في نجارٍ حِميَرِيٍّ / فطابَ الفرعُ مِنهُ والنجارُ
وَما زَالوا بِأَنواعِ العَطايا / لَهُ يُمنى تُجاوِدها يَسارُ
تعمّ الوفدَ من يده أيادٍ / كَأَنَّ البحرَ من يَدِهِ اختِصارُ
ويسمحُ زنده بِجُذىً تَلَظّى / إذا زندٌ خبا وَوَهَى العفارُ
وإن وهبَ الألوفَ وهنَّ كُثْرٌ / تقدَّمَ قبلهنَّ الإعتذارُ
عَظيمُ الجدّ يُضربُ مِن ظُباهُ / وَيُطعَنُ مِن أَسِنَّتِهِ البوارُ
يسيرُ وخلفه أبطالُ حربٍ / على حَوضِ المنونِ لهم تَبَارُ
إذا أضحى شعارُ الأُسدِ شَعْراً / فمن زَرَدِ الدروع لهم شِعارُ
وقد وَسِعَتْهُمُ الحلقاتُ منها / وَأَحمَتهُنَّ للهَيجاءِ نارُ
يَخوضُ حَشى الكريهَةِ مِنهُ جَيشٌ / نُجومُ سَمائِهِ الأسَلُ الحرارُ
بِحَيثُ تَغورُ من قِمَمِ الأَعادي / جَداوِلُ بالأَكُفِّ لَها انفِجارُ
إِذا لَبِسَت سَماءٌ مِنهُ أَرضاً / دَجاها فَوقَهُ نَقعٌ مثارُ
تُريكَ قَشاعِماً في الجوِّ منها / حوائمَ كلَّما ارتَكَمَ الغبارُ
حُسامُكَ نُورُ ذِهنِكَ فيه صَقْلٌ / وَعَزْمُكَ في المضاءِ له غرارُ
لَقَد أَضحى على دينِ النَّصارى / لِدينِ المسلِمينَ بِكَ انتِصارُ
حَمَيتَ ذِمارَهُ بَرَّاً وبَحراً / بمرْهَفَهٍ بها يُحمى الذِّمارُ
أراك اللّهُ في الأعلاج رأياً / لَهُم مِنهُ المَذَلَّةُ والصَّغَارُ
رَأَوا حَربِيَةً تَرمي بِنِفطٍ / لإخمادِ النفوسِ له استعارُ
كأنّ المُهْلَ في الأنبوب منه / إلى شَيِّ الوجوه له ابتِدارُ
إذا ما شكّ نحرُ العلجِ منه / تعالى بالحِمام له خُوَارُ
كأنَّ مَنافسَ البُركانِ فيها / لأهوالِ الجحيمِ بها اعتبارُ
نحاسٌ ينبري منه شُواظٌ / لأرواحِ العلوجِ بِه بَوَارُ
وما لِلماءِ بالإطفاءِ حُكْمٌ / عَلَيهِ لَدى الوقودِ ولا اقتِدارُ
فَرَدَّ اللَّه بأسَهُمُ عَلَيهمْ / فَرِبحُهُمُ بِصَفقَتِهم خَسارُ
وخافوا من مناياهُمْ وفرّوا / فدافعَ عن نُفوسِهِمُ الفِرارُ
وقد جعلوا لهم شُرُعَ الشواني / مَعَ الأَرواحِ أَجنِحَةً وطاروا
وهل يَلقى مُصادَمَةً حَصاهم / جِبالاً سَحقُها لَهُمُ دَمارُ
لِيَهنَكَ أنَّ مُمتَنِعَ الأماني / لِكَفِّكَ في تَناوُلِها اختِيارُ
لَكَ الفُلْكُ الَّتي تَجري بِسَعْدٍ / يدورُ به لك الفَلَكُ المُدَارُ
تَهبُّ له الرياح مُسَخَّراتٍ / وتَسكنُ في تَحركها البحارُ
وما حَمَلتْهُ من أنواع طيبٍ / فَمَدْحٌ عَرْفُهُ لَكَ وافتِخارُ
أَمَولانا الَّذي ما زال سَمحاً / إِلَيهِ بِكُلِّ مَكرُمَةٍ يُشارُ
أرى رسمي غداً بيدي كرسمٍ / عَفَا وَعَفَتْ له بالمحلِ دارُ
وكانَتْ لى شُموسٌ ثم أَضحَت / بدوراً والبدورُ لها سرارُ
وبين سناهُما بَوْنٌ بعيدٌ / وذا ما لا يُرَادُ به اختبارُ
وَجَدتُ جَناحَ عُصفورٍ جناحي / فَأَصبَح لِلعقابِ به احتِقارُ
فلي نَهْضٌ يجاذبُني ضَعيفٌ / أَتَنهَضُ بي قَوادِمُهُ القصارُ
فَرُدَّ عَلَيَّ موفوراً جناحي / وإلّا لا جَنَاح ولا مَطَارُ
أيا خُلُجَ المدامعِ لا تغيضي
أيا خُلُجَ المدامعِ لا تغيضي / وَذُوبي غَيْرَ جامدةٍ وَفيضي
فقد قُلِبَ التّأسِّي بالرّزايا / أسىً ملأ التراقِيَ بالجريضِ
أراكَ على الرّحيلِ بأرْضِ مَحْلٍ / فقيرَ الرّحْلِ من زادٍ عريضِ
فَدَعْ أشَرَ الجَموحِ وكُنْ ذليلاً / لعِزِّ اللَّه كالعَوْدِ المروضِ
فلستَ مُنَعَّماً بيَدَيْ حبيبٍ / ولا بِمُعَذَّبٍ بيدي بغيضِ
وأشقى الناس في الأُخرى ابن دنيا / يقول لِنَفسِهِ في الغيِّ خُوضي
أَما شَرَحَتْ له عِبَرُ اللَّيالي / معانِيَ بَعْدَ مُلْتَبِسِ الغموضِ
وناحتْ هَذِهِ الدُّنْيا عَلَيه / فظنَّ نياحَها شَدْوَ القريضِ
فلا يَغتَرَّ بالحدثانِ غَمْرٌ / لذيذُ النوم في طَرْفٍ غضيضِ
فقَد يُصْمي الرَّدى في الوكدِ فَرخاً / فَيَرْتَعُ منه في لحمٍ غريضِ
وَيُبلْي غَيْرَ مُستَبقٍ حيَاةً / لِقَشْعَمِ شاهِقٍ مَيْتِ النهوضِ
ويُلْحِمُهُ ابنُهُ ما اختار نهساً / بِمِنْسَرِهِ المُدَمّى من أنيضِ
وساعاتُ الفَتى سُودٌ وَبِيضٌ / تُرَحِّلُ سُودَ لِمّتِهِ ببيضِ
يذوقُ المرءُ في مَحْياهُ موتاً / جفُوفَ الزّهْرِ في الروضِ الأَريضِ
وأشراكُ الرّدى في الغيب تخفى / كما يَخْفَيْنَ في تُرْبِ الحضيضِ
عجبتُ لجَمْعِهِ فيهنّ صَيداً / بها بينَ القشاعِمِ والبَعوضِ
رأيتُ الخلقَ مرْضى لا يُداوَى / لهم كَلَبٌ مِنَ الزّمَنِ العضوضِ
وَلا آسٍ لهم إِلّا مريضٌ / فهل يُجْدي المريضُ على المريضِ
يواصلُ فيهمُ فتكُ ابن آوى / وهم في غَفْلَةِ البَهَمِ الرّبيضِ
وما ينجو امرُؤٌ من قَبضَتَيهِ / يُدِلّ بِسَبق مُنْجَرِدٍ قبيضِ
وقالوا الزكرَمِيُّ أُذيقَ كأساً / يحولُ بها الجريضُ عن القريضِ
فقدتمْ في المُعَلّى كِبْرَ حَظٍّ / له بالفائزين ندَىَ مُفِيضِ
يطيرُ به جَنَاح الطّبْع سَبقاً / مِنَ الإحسانِ في جوٍّ عَريضِ
ولو مُزِجَتْ حلاوَتُهُ بنفطٍ / لسَاغَ وَجَلّ عن خَصرِ الفَضيضِ
لقد عَدِمَ المُعَمّى منه فكّاً / ومات لِمَوتِهِ عِلْمُ العَروضِ
أبا حَفصٍ تَرَكتَ بِكُلِّ حَزْنٍ / عَليكَ الفضلَ ذا قلبٍ مهيضِ
يُرَوّي اللَّهُ ترباً نِمْتَ فيه / فباكي المُزْنِ مُبْتَسِمُ الوميضِ
فَقد أبقَيتَ ألِسنَةَ البرايا / بفخرِكَ في حديثٍ مستفيضِ
خطابٌ عن لقائكمُ يَعُوقُ
خطابٌ عن لقائكمُ يَعُوقُ / وَمِثْلي لا يُناطُ به العقوقُ
أأقدر أنْ يُقَدَّرَ لي زمانٌ / له خُلُقٌ بأُلفَتِنا خليقُ
فيقبض بُعْدَنا ليلٌ عَدوٌّ / ويبسط قُربَنا يومٌ صديقُ
لَقَد حَنَّتْ إلى مَثواكَ نَفسي / كمُرْزِمَةٍ إلى وَطَنٍ تتوقُ
تَحَمّلَ بالنّوَى عنِّي التأسّي / وحَمّلَني الأَسى ما لا أُطيقُ
وَحَمّرَ دمعيَ المبيضَّ حُزْنٌ / يذوب بحرِّهِ قَلبي المشوقُ
كأنَّ العينَ تُسْقِطُ مِنهُ عيناً / فَلُؤلُؤهُ إِذا ذَرَفَت عَقيقُ
وهَبني قد قدحتُ زنادَ عزمٍ / تضرّمَ في الأناة له حريقُ
ألَيْسَ اللَّه ينفذ منه حكماً / فَيعقلني به وأَنا الطّليقُ
فرَغتُ منَ الشبابِ فَلَستُ أَرنو / إلى لهوٍ فيشغلني الرّحيقُ
ولا أَنا في صقليةٍ غلاماً / فتلزمني لكلّ هوىً حُقوقُ
لَياليَ تُعْمِلُ الأَفراحُ كَأسي / فما لي غير ريقِ الكأسِ ريقُ
تَجَنَّبْتُ الغِوايَةَ عن رَشادٍ / كما يَتَجَنّبُ الكَذبَ الصّدوقُ
وَإِن كانَت صباباتُ التصابي / تَلوحُ لها على كَلِمي بروقُ
كَتَبتُ إِلَيكِ في سِتينَ عاماً / فساحاً في خطايَ بهنّ ضيقُ
ومن يرحلْ إلى السبعين عاماً / فمعتَرَكُ المنون له طريقُ
أَبا الحسنِ انتَشِقْ مِنِّي سلاماً / كأنّ نسميه مسكٌ فتيقُ
وقلّ لدى عليلٍ عند كربٍ / تناولُ راحةٍ فيها يفيقُ
أرى القدَرَ المُتَاحَ إذا رآني / جريتُ جَرَى فكان هو السّبوقُ
فلا تيْأسْ فللرحمنِ لُطْفٌ / يُحَلّ بِيُسْرِهِ العَقْدُ الوثيقُ
بَقيتُ مَعَ الحياةِ وماتَ شَعْري
بَقيتُ مَعَ الحياةِ وماتَ شَعْري / بشيبي فالقذالُ به يُنقّى
فشَعري لا يُكفَّنُ في خضابٍ / ولا ينفكّ للأنظار مُلْقى
وَتَركُكَ مَنْ شَجاكَ الموتُ منه / بِلا كَفَنٍ لِحُزْنٍ فيكَ أَبْقى
فَلا تَخضِبْ مَشيبَكَ لِلغَواني / فَتَغنى عَنهُ ناعِمَةً وتَشقى
فشاهدُ زورِ خَضْبكَ لَيس يُعْطى / بِباطِلِهِ مِنَ الغاداتِ حقّا
فَلا تَهوَ الفتاةَ وأنْتَ شيخٌ / فأبعدُ وَصْلِها مِنْ صَيْدِ عَنْقا
أَلَيسَ بَنو الزّمانِ بَنو أَبيكا
أَلَيسَ بَنو الزّمانِ بَنو أَبيكا / فَجَرِّدْ عَن حَقائِقِكَ الشكوكا
ولا تَسأَلْ مِنَ المَملوكِ شَيئاً / فَترجِعَ خائِباً وَسَلِ المَليكا
فَلَستَ تَنالُ رِزقاً لم تَنَلْهُ / وَلَو أَبصَرتَه مِمَّا يَليكا
فكم خيرٍ ظفرتَ به نضيجاً / وكنتَ حُرِمتَ رؤيتَهُ فريكا
وَجَدْتُ الحلمَ ينصرني على مَنْ
وَجَدْتُ الحلمَ ينصرني على مَنْ / أسُلّ لحربه ظُبةَ الحُسامِ
ولي كَلِمٌ كأنّ اللّفْظَ منها / يَرُشّ السمعَ منه بالسّهامِ
ولكنّي أكفكفها بِحِلْمٍ / يُلاثُ البُرْدُ منه على شمامِ
ولستُ أُعيدُ من حَنَقٍ عليه / مخاطبةً لتجديد الخصامِ
ويقصرُ في الحقيقة كلُّ شيءٍ / ثَنَيْتَ جمِيعَهُ غَيْرَ الكَلامِ
خلعتُ على بُنيّاتِ الكرومِ
خلعتُ على بُنيّاتِ الكرومِ / محاسنَ ما خُلِعْنَ على الرسومِ
أخذتُ بمذهب الحكَميّ فيها / وكيفَ أميلُ عن غرَض الحكيمِ
وما فضلُ الطلول على شَمُولٍ / تمجّ المسك في نَفَس النسيمِ
يُجدَّدُ حبّها في كلّ قلبٍ / إذا صقلتْهُ من صدئ الهمومِ
وكنتُ على قديم الدهر أصبو / إلى اللّذّاتِ بالقصر القديمِ
تُرَدّ إذا ظمئت عليّ كأسي / كما رُدّ اللبان على الفطيمِ
وما استنطقْتُ من طَلَلٍ صَموتٍ / كأنّ له إشاراتِ الكليمِ
بل استنطقْتُ بالنّغماتِ عوداً / تَنَبّهَ مُطْرِباً في حجر ريمِ
وربّ منيمةِ الندماءِ سُكْراً / نفيتُ بها المنامَ عن النديمِ
فقامَ ومُقْلةُ الإصباحِ فيها / بقيَّةُ إثمدِ الليلِ البهيمِ
كأنّ الصبحَ معترضاً دجاهُ / خصيمٌ يستطيلُ على خصيمِ
كأنّ الشرق في هذا وهذا / مَصَفٌّ فيه زَنْجيّ ورومي
وليلٍ شُقّ فيه ضياءُ صُبْحٍ / كأدهمَ في إغارتهِ لطيمِ
قطعنا تحت غيهبه عَراءً / بعاريةِ العظامِ من اللحومِ
وداميَةً مناسِمُها رَسَمْنا / لها قَطْعَ المهامِهِ بالرّسيمِ
وَطُفْنا في البلاد طوافَ قَوْمٍ / يريح نفوسهمْ تَعَبُ الجسومِ
وفي مغنى ابنِ عبّادٍ حَلَلْنا / وقد نِلنا المنى عند العَزيمِ
بحيثُ يَغضّ أبصاراً ملوكٌ / تُعظِّمُ هيبةَ الملك العظيمِ
تُنَظَّمُ في مراتبِهِ المعالي / فتحسبُها نجوماً للنّجومِ
وتهمي من أنامِلِهِ العَطايا / فتحسبُها غيوماً للغيومِ
وتصدُرُ عن ندى يده الأماني / إذا وردتهُ هِيماً غير هيمِ
إذا نسيَ الكرامُ أنابَ ذكراً / يسافرُ في فمِ الزّمنِ المقيمِ
تناجيه فراسةُ ناظرَيهِ / بما في مُضْمَرِ القلبِ الكتومِ
فيا ابنَ الصّيد من لخْمٍ ولخمٌ / بدورُ مطالع الحسبِ الصميمِ
إذا جادوا فأنواءُ العطايا / وإن حلموا فأطوادُ الحلومِ
وأحرَمَ في يمينك مَشْرَفيّ / أدَمْتَ ببذلِهِ صَوْنَ الحريمِ
ومُعتَرَكٍ تَلَقّى الفنشُ فيه / غريماً مهلكاً نَفْسَ الغريمِ
تَسَتّرَ بالظلامِ وفرّ خوفاً / برَوْعٍ شَقّ سامعتي ظليمِ
وذاقَ بيوسفٍ ذي البأس بُؤساً / فمرّرَ عنده حلوَ النّعيمِ
وقد نهشتْهُ حيّاتُ العوالي / سلوا الليلَ السليمَ عن السليمِ
ثنى توحيدُكَ التثليثَ منه / يَعَضّ على يَدَيْ فَزِعٍ كظيمِ
رآك وأنتَ مبتسمٌ كضارٍ / تثاءَبَ عن نواجذه شتيمِ
غداة أتى بصلبانٍ أضَلّتْ / علوجاً أبْرَموا كَيْدَ البريمِ
كأنّهمُ شياطينٌ ولكنْ / رميتَهُمُ بمحرقةِ النجومِ
علوجٌ قُمْصُ حَرْبهمُ حَدِيدٌ / يُعبِّرُ عنهمُ سَهَكُ النَّسيمِ
يَقودهمُ لحينهِمُ ظَلومٌ / لأنفسهمْ فوَيلٌ للظلومِ
رعى نَبْتَ الوشيج بهمْ فمادوا / وتلك عواقبُ المرعى الوخيمِ
وأوردهمْ حياضاً في المواضي / بماءِ الموتِ ساقٍ من جمومِ
ولما أنْ أتاكَ بقومِ عادٍ / أتَيْتَ بصرصرِ الريح العقيمِ
وقد ضرَّمتَ نارَ الحرب حتى / حَكَتْ زفراتُها قِطَعْ الجحيمِ
وثارَ بركضِ شُزَّبِها قَتامٌ / خَلَعْنَ به الصريمَ على الصريمِ
فثوبُ الجوّ مُغْبَرُّ الحواشي / ووجهُ الأرض مُحمرُّ الأديمِ
وقد سَكِرَتْ صِعادُ الخطّ حتى / تأوّدَ كلّ لدنٍ مستقيمِ
وما شَرِبت سوى خمرِ التراقي / ولا انتشقتْ سِوَى وَرْدِ الكلومِ
فصلّ لربّك المعبودِ وانحرْ / قُرُوماً منهمُ بَعْدَ القرومِ
وَعَيِّدْ بالهدى وأعِدْ عليهمْ / عذابَ الحرب بالألمِ الأليمِ
أمُدامٌ عن حَبابٍ تبتسمْ / أمْ عقيقٌ فوقه دُرٌّ نُظِمْ
أعَلى الهمّ بعثنا كأسنا / أم بنجمِ الأفْقِ شيطانٌ رُجم
أظلامٌ لضياءٍ طَبَقٌ / أم على الكافور بالمسكِ خُتِم
أندىً في الزهرٍ أم ماءُ الهوى / حارَ في أعينِ حُورٍ لم تنم
أعمودُ الصبح في الغيهبِ أم / غُرّةُ الأشقرِ في الغيمِ الأحَمْ
أمِراةٌ أم غديرٌ دائمٌ / مقشعرّ الجلدِ بالقَرّ شَبِمْ
قَدَرَتْ منه الصّبا سرداً فما / رَفَعَتْ عنه يداً حتى انفصمْ
كلّ ذا يدعو إلى مشمولةٍ / فذرِ اللوم عليها أو فَلُمْ
واغتنمْ من كلّ عيشٍ صَفْوَهُ / فألَذّ العيش صفوٌ يُغْتَنَمْ
واشكلِ الأوتار عن نغمتها / لا تسوغُ الخمرُ إلا بالنّغم
ومدامٍ قَدُمَتْ فهيَ إذا / سُئِلتْ تخبرُ عنْ عادِ إِرم
سكنتْ أجوفَ في جوْف الثرى / نَسَجَ الدّهْرُ عليه وَرَقَم
خالفَتْ أفعالُها أعمارَها / فأتَتْ قُوّتُها بَعْدَ الهرم
فهي في الرّاووقِ إن رَوّقْتَها / لهبٌ جارٍ وماءٌ مُضطرم
أفْنَتِ الأحقابُ منها جوهراً / ما خلا الجزءَ الذي لا ينقسم
فهي مما أفرطتْ رقّتُها / تجدُ الريّ بها وهيَ عَدَم
لا ينالُ الشَّرْبُ من كاساتها / غيرَ لونٍ يُسْرِع السّكرَ وشم
وكأنّ الشمس في ناجودِها / من سوادِ القارِ في قمصِ ظلم
فأدِرْ للروح أُخْتاً والزرا / جينِ بنتاً وسرورِ النفس أُم
فهي مفتاحٌ للذّاتٍ لنا / ويدُ المنصور مفتاحُ الكرم
حلّ قصرَ المجد منه مَلِكٌ / بُدئَ المجدُ به ثمّ خُتِم
يحتبي في الدستِ منه أَسدٌ / وهلالٌ وسحابٌ وَعَلَم
يتركُ النقمةَ في جانبهِ / وإذا عاقبَ في اللّه انتقم
وإذا قال نعم وهي له / عادةٌ أسبغَ بالبذل النِّعَم
ذو أيادٍ بأيادٍ وُصِلَتْ / كتوالي دِيَمٍ بَعْدَ ديم
وإذا ما بَخِلَ الغيمُ سخا / وإذا ما عَبَسَ الدهرُ بَسَم
تنتخي السادات عزّاً فإذا / قَرُبَتْ من عنده صارتْ خدمْ
لست أدري أيمينٌ قُبّلَتْ / منه في تسليمها أمْ مُستَلم
يذعرُ الجبّارُ منه فعلى / شَفَةٍ يمشي إليه لا قدم
فالقُ الهامِ إذا كرّ سطا / مِسْعَرُ الحربِ إذا همّ اعتَزَم
كلَّما أوطأ حرْباً سنبكاً / حمِيَ الرّوْعُ وَشَبّ المقتحم
وإذا حاولَ في طعنِ الكُلى / صَرّفَ اللهذَمَ تصريفَ القلم
يطأ الهامَ التي فَلّقَهَا / بلهامٍ للأعادي مُلتهِم
يُرْجِعُ الليلَ نهاراً بالظّبا / ويعيدُ الظُّهرَ بالنقع عَتَمْ
فضياءُ الشهب في قَسْطَلِهِ / ويعيدُ الظهر ديال في نيم
إنّما حِمْيَرُ أُسْدٌ لم تَزَلْ / من قناها ساكناتٍ في أجَم
كلّ شهمِ القلبِ مرهوبِ الشبا / مُرْتضى الأخلاقِ محمودِ الشيم
يستظلّون بأوراق الظّبا / وأُوَارُ الرّوْعِ فيهم مُحْتَدم
وعروسٍ لك قد أهدَيْتُها / تُكْلَمُ الحُسّادُ منها بالكَلِم
في تقاصيرَ من الدّرّ إذا / حاولوا تحصيلهَا فهيَ حِكَم
يضربُ الأمثالَ فيها بِكُمُ / أُمَمٌ في المدح منْ بعد أُمم
أسكنت ذكرَك حُكْماً خالداً / أبداً بُنْيانُهُ لا ينْهَدِم
وذاتِ ذوائبٍ بالمسكِ ذابَتْ
وذاتِ ذوائبٍ بالمسكِ ذابَتْ / بَلغْتُ بها المُنى وَهْيَ التّمَنّي
مُنَعَّمَةٌ لها إعزازُ نَفْسٍ / يُصرَّفُ دلُّها في كلّ فنِّ
شموسٌ من ملوك الرّوم قامَتْ / تدافعُ فاتكاً عن فَتْحِ حِصنِ
بخدّ لاحَ فيه الوردُ غَضّاً / وغصْنٍ ماس بالرّمّان لَدْنِ
فطالَتْ بيننا حَرْبٌ زبُونٌ / بلا سيفٍ هناك ولا مجنِّ
وفاضَتْ نَفْسُها الحمراءُ منها / وسالَتْ نفسيَ البيضاءُ منّي
ومطلعةِ الشموسِ على غصونٍ
ومطلعةِ الشموسِ على غصونٍ / مُضَاحِكَةٍ عن الدّرّ المصونِ
كأنّ السحرَ جيءَ به طبيباً / ليبرئهنّ مِنْ سَقَم العيونِ
فلمّا لم يجدْ فيها علاجاً / أقامَ محَيَّراً بين الجفونِ
ولم أرَ قبلها مُقَلاً مِرَاضاً / مُحَرَّكَةَ الملاحةِ بالسكونِ
تُنَفَّذُ في القلوب لها سهامٌ / مُنَصَّلَةٌ بفولاذِ المَنُونِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025