المجموع : 7
تمنّى الرّكب وجهك و الصباحا
تمنّى الرّكب وجهك و الصباحا / فجنّ اللّيل من فجرين لاحا
وحنّ إلى ظلالك عبد شمس / يريح شجونه ظمأى طلاحا
حمى الله الكواكب من معدّ / وصانك بينها قمرا لياحا
و طمأن للجواري كلّ بحر / و بلّغها السعادة و النجاحا
بطاح القدس دنّسها مغير / فهل صانت كتائبنا البطاحا
و هل جبهت بحدّ السيف دعوى / كعرض القوم فاجرة وقاحا
و لم نغضب لها أيّام كانت / حمى نهبا و شعبا مستباحا
و لا صدّت سرايانا عدوا / و لا هاجت حمّيتنا كفاحا
و لا اهتزّت صوارمنا انتخاء / و لا صهلت صوافننا مراحا
نجابه باليهود دما و نارا / فنغضي لا إباء و لا طماحا
جلونا الفاتحين فلا غدوّا / نرى للفاتحين و لا رواحا
إذا انفصفت أسنّتنا وصلنا / بأيدينا الأسنّة الصفاحا
إذا خرس الفصيح فقد لقينا / من النيران ألسنة فصاحا
زماجر دكّت الطّغيان دكّا / و أخرست الزلازل و الرّياحا
و تعرف هذه الحصباء منّا / دما سكبا و هامات وراحا
و أشلاء مبعثرة تمنّت / على البيد الشقائق و الأقاحا
تتيه بها الرّمال و تصطفيها / من الفردوس ريحانا و راحا
يرفّ على خمائل غوطتيها / هوى بطل على الغمرات طاحا
فألمح في السّراب منى شهيد / تخيّل في الوغى الماء القراحا
فلا حرم الشهيد بروض عدن / على بردى غبوقا و اصطباحا
حمى دنيا أميّة أريحيّ / متين الأسر قد فرع الرّماحا
أبو حسّان إن طغت الرزايا / تحدّى الدّهر و القدر المتاحا
أشمّ الأنف أبلج سمهريّ / كأنّ على محيّاه صباحا
تمرّس بالخطوب فما شكاها / و لولا كبره لشكا وباحا
تذكّرت الشام أخاك سعدا / و من ذكر الحبيب فلا جناحا
أرقّ النّاس عاطفة و طبعا / و أعنفهم على الطّاغي جماحا
ينافح لا تروّعه المنايا / فإن شتم اللئيم فلا نفاحا
إذا بكت الشام أخاك سعدا / فقد بكت المروءة و السّماحا
زحمنا النجم منه على جناح / و فيّأنا مروءته و هوى صراحا
جراح في سريرتك اطمأنّت / لقد أكرمت بالصبر الجراحا
كأنّ الهمّ ضيفك فهو يلقى / على القسمات بشرا و ارتياحا
و قبلك ما رأت عيني هموما / مدلّلة و أحزانا ملاحا
و قد ترد الهموم على كريم / فترجع من صباحته صباحا
و يا دنيا أميّة لا تراعي / شبابك يغمر الرحب الفساحا
طلعت على العصور هدى و خيرا / غداة طلعت غزوا و اقتتاحا
و ما نبل الصّلاح على ضعيف / فبعض الذلّ تحسبه صلاحا
و علّمت الحضارة فهي فجر / على الأكوان ينساح انسياحا
و ربّ حضارة طهّرت و طابت / و ربّ حضارة ولدت سفاحا
و علّمت المروءة فهي عطر / من الفردوس يسكرنا نفاحا
و علّمت العروبة فهي عرض / لربك لن يهان و لن يباحا
أساح المجد حسبك لن تكوني / لغير شبابك المأمول ساحا
خذي ما شئت و اقترحي علينا / كرائم هذه الدنيا اقتراحا
أبا حسّان رفّ كريم ودّي / على نعماك فخرا و امتداحا
بلائي ما شهدت و ليس منّا / إذ عدّدتها غررا و ضاحا
إذا زحمتني الجلّى بروع / جمعت لها الإباء فلا براحا
و لو زحمت ثبيرا حين شدّت / عليّ لضجّ غاربه و زاحا
و أوجع من مصائبها خليل / أغار على المروءة و استباحا
يكتّم بغضه حقدا و جمرا / و يسمعني حنينا و التياحا
و يزعم كيده سرّا خفيّا / لقد جهر الزّمان به افتضاحا
تنكر و هو لو كشّفت عنه / أسفّ مجانة و هوى مزاحا
و ذلّ فلا نسمّيه عداء / و هان فلا نسمّيه نطاحا
و لو شئنا جزيناه و نرضي / شمائلنا فنوسعه سماحا
أتنكرني الشام و في فؤادي / تلقّيت الصوارم و الرماحا
إذا نسيت على الجلّى وفائي / فقد عذروا على الغدر الملاحا
و غنّيت الشام دما و ثأرا / فلا شكوى عرفت و لا نواحا
و أكرم عهدك الميمون شعري / فقلّده جواهري الصحاحا
أتسمع أنّه صوت الشباب
أتسمع أنّه صوت الشباب / فدته النفس من داع مجاب
و ما غير الشباب حمى عزيز / يرجّى للثواب و للعقاب
أبا النشء الجديد بنيت نشأ / من الأخلاق و الأدب اللباب
هنيئا ما أصابك من خطوب / و ما لاقيت من محن صعاب
و ما غالبت من زمن و ناس / و أنت الليث ينهد للغلاب
و أعوام الشبيبة و هي تطوى / على شمل شتيت و اغتراب
تجاهر بالحقيقة لا تداري / و تصدع بالنصيحة لا تحابي
تعهّدت الشباب فمن قصيد / سقيت به البيان إلى كتاب
دعوتهم إلى الفصحى فلبّوا / و بورك في الدعاء المستجاب
جلوت فتونها فهفوا إليها / و فلّت حدّة النّفر الغضاب
و ما اختلفوا على الأنساب إلاّ / هديتهم إلى النسب القراب
تؤلّف بينهم و تذود عنهم / ذياد الليث عن أشبال غاب
أتذكر في الشام لنا عهودا / معطّرة كأنفاس الكعاب
بدمّر لا السفوح معطّلات / من الغزل النديّ و لا الروابي
و هل عند الخمائل ما قطفنا / من الفتن المنوّرة العذاب
نطوّف ما نطوّف ثمّ نأوي / إل أفنانها النضر الرطاب
و ننشدها النسيب على ذبول / فيغنيها النسيب عن الرباب
ورود الشام تسكرها القوافي / و تهفو للتوجّع و العتاب
و تطرب للنديّ من المعاني / فتجزي بالظلال ز بالملاب
لئن نضرت خمائلها فإنّي / خلعت على خمائلها شبابي
و ودّعت الصبى فيها حميدا / و رحت أغشّ قلبي بالتّصابي
أحنّ إلى شبابي حين أهفو / إلى تلك المعالم و القباب
و من ينعم بصحبته فإنّي / جنى مرّ الإباء على صحابي
لدات طفولتي ذهبوا تباعا / و عاقتني الخطوب عن الذهاب
أسائل عنهم فأرى وجوما / فأغضي قد عثرت على الجواب
و أسمع للقبور صدى وجيعا / حنين الغائبين إلى الإياب
سقى تلك القبور دمي و دمعي / وجلّ القبر عن سقيا السحاب
و من فوق التراب فدى بدور / خبا لألاؤها تحت التراب
أتعذلني و قلبي في وجيب / من الذكرى و دمعي في انسكاب
فديتك إن بكيت أسى و ذكرى / فهذا الدمع لم يك في حسابي
و عيدك بهجة الدنيا عليه / رواء من شمائلك السوابي
صحبتك في الشام و كنت برّا / تخاطبني و تلطف في خطابي
تعلّمني الوسيم من القوافي / و تهديني القويم من الشّعاب
و تكرم مشهدي و تذود عنّي / إذا الحسّاد أنطقها غيابي
فتاك و إن تأوّلت الأعادي / و لجّت في أذاي و في اغتيابي
و غسّان العلى قومي و لكن / إلى آدابك الغرّ انتسابي
شجاها من عهودك ما شجاها
شجاها من عهودك ما شجاها / وجنّ الليل فأدركت أساها
هفت لشبابها و صبت إليه / ورقّ لها النصيح فما لحاها
و هيهات الشباب و أين منه / منى للنّفس تعثر في وجاها
كبا و ركائب الأعوام فيه / من العشرين لم تنقل خطاها
أيخذلني الشباب ضنى و سقما / أفول الشمس تغرب في ضحاها
و ما عذر الشباب كبرت فيه / و لي نفس فتيّات مناها
سقاها من سلافته كؤوسا / و حنّت للمزيد فما سقاها
يراخي بالعنان لها وريدا / فإن وثبت لغايتها ثناها
و تدعوها الفتون و هنّ سحر / فتطرق لا تلبّي من دعاها
تريد و لا يرد و كلّ نفس / يجاريها الشباب على هواها
يريها للمنى صورا ملاحا / فما همّت بها إلاّ أباها
فبا ظلّ الشباب أتتك غرثى / فكان أذى القطيعة من قراها
أطلّت هوانها فاذهب حبيبا / رعته على المغيب و ما رعاها
و ضمّ إليك عقدك و هو درّ / لأزين من سوارك معصماها
معذّبة إذا لمحت جمالا / هفت و جدا و عاودها ضناها
و تنشد حبّها الأسمى و تأوي / إذا عيي السهاد إلى كراها
فتلمح في الرؤى حسنا طريفا / و جلّ الحسن تخلقه روءاها
تبّنته فجاء يهزّ عطفا / ببردتها و يخطر في حلاها
و كدت و سحره سحر خفيّ / أرى فيه المحبّب من صباها
هداها الله من حيرى أضاعت / لبانتها و بارك من هداها
نسائل عن أخيها من تلاقي / و كلّ أخيّة وجدت أخاها
و أحسب أنّه أغفى كلالا / و مرّت في الظلام فما رآها
أأخت الدّوح حسبك لا تغنّي / فأخت السّرب قد فقدت طلاها
و يا نفسي عبدتك عن يقين / و حسبي قد عبدت بك الإلها
أحبّ الحسن في الحدق الرّواني / و في ثغر الفتاة و في لماها
و في عطف يثير هوى ملحّا / إذا رفّت عليه ذوءابتاها
و في نهدي منعّمة لعوب / و في ماء الخدود و في لظاها
و في ضحك الطفولة و هو سحر / و في مرح الصّغار و في دماها
أعانق قامة فيه و غصنا / و ألثم فيه سالفة وفاها
برئت إلى الحقيقة من غواة / تفرّ من الصباح إلى دجاها
تريد رضاك تقييدا و أسرا / و أين رضاك ربّي من رضاها
و أنكر قدرة الخلاّق روح / رأى صور الجمال و ما اشتهاها
لمن جليت بزينتها عروسا / و فيم أحبّها و لمن براها
عبدتك في الجمال و لا أبالي / ضلال النفس ذلك أم هداها
ففي نفسي جحيمك من سيصلى / بها لشقائه و من اصطلاها
و في نفسي السماء و فرقداها / و من سمك السماء و من رقاها
و هل من أنّة خفيت و دقّت / أسى إلاّ و في نفسي صداها
فيا لك من عمى و سلمت عينا / لو اختارت لما تركت عماها
و يا لك حيرة عرضت لموسى / فضلّ سبيل غايتها و تاها
أراد جلاءها نفر كريم / فجلّلها الغموض و ما جلاها
فتحت سريرتي صفحات نور / و قد خبر الصحيفة من تلاها
و زحزحت الحجاب عن الخفايا / و قلنا شقوة بلغت مداها
أحقّا ما روت عنك الرّواة
أحقّا ما روت عنك الرّواة / ترى أم في حديثهم هنات
و هل نبأ رواه البرق صدق / أم الأسلاك فيه كاذبات
غلبت الموت فيه و ذاك أمر / ستكبره القرون الآتيات
و هوّنت المنون لشاربيها / فلا ألم هناك و لا شكاة
سلكت صعابها ما فلّ حدّ / لعزمك لا و لا غمزت قناة
و أرخصت الحياة فيا لكنز / أزالته المقاديم الأباة
بسطت يديك بسطة أريحيّ / فكانت من عطاياك الحياة
و كنت هناك أجرأهم جنانا / إذا طاشت من القوم الحصاة
و أثبتهم لدى الجلّى فؤادا / إذا ما أعوز القوم الثبات
بلغت من العدى بالموت ما لم / تبلّغه السيوف المرهفات
لقد و قفوا لديك و هي حيارى / فراعهم سكونك و الأناة
رأوك تهشّ في وجه المنايا / و حولك في الحياة الطّيبات
و تبتسم للمنون و قد تسنّت / لو اخترت النجاة لك النجاة
و تقتبل الردى ظمأ و جوعا / ليذكو الغرس بعدك و النبات
فأكبرك العداة و ربّ حرّ / تغنّت في بطولته العداة
عصيت العاطفات فمتّ جوعا / و من بعض القيود العاطفات
و لم تبخل بنفسك و هي كنز / متى بخلت بأنفسها الكماة
لقد حرّرتعا فسمت صعودا / كما سمت النجوم النّيرات
علوت بها عن الأعراض حتّى / تساوى الموت عندك و الحياة
أ أكرم حبّنا أصفى و أسمى
أ أكرم حبّنا أصفى و أسمى / على عنت الخطوب من العتاب
و ما عزّيت حين ألمّ خطب / مصابك في جلالته مصابي
أخا الجلّى و رب أخ تعرّى / لدى الجلّى عن الحسب القراب
أحبّك للنبيل من المعالي / و للعطر السّريّ من الرغاب
و أنت إذا تحدتك الرزايا / ضياء الشمس يسخر بالسحاب
تحنّ إليك عند البعد روحي / حنين الورد للنّطف العذاب
و حبّك نعمة الدنيا و أحلى / من النّعمى شمائلك السوابي
ثنائي عن لقائك يا أميري
ثنائي عن لقائك يا أميري / عثار الجدّ و القدم الوجيع
فخفّ من الجموع إليك قلبي / يرافقها و ما درت الجموع
و مزّقه الحنين فكلّ جرح / هوى يشكو و غالية تضوع
أميري و العلى حسب رفيع / يمكّن مجده أدب رفيع
جمعت كليهما فزكت أصول / على نعمائها و زكت فروع
تنمّر كلّ خوّان لئيم / و تاه النذل و اختال الوضيع
و نالت من حرائرنا بغيّ / لكلّ هوى مسخّرة تبوع
و ربّة حرّة جاعت و تغنى / بثدييها البغيّ فلا تجوع
رأيت الكفر يكتمه ذووه / و كفر القوم عريان خليع
و أوصدت الشام السمع عنّا / فما في الشام للبلوى سميع
عنوا للخائنين و دلّلوهم / و ما بالوا بأرحام تضيع
و ما صرعوا عدوّهم بنعمى / و لكنّ الوفاء هو الصريع
فلو درت الضلوع صنيع قلبي / لما غفرت جريرته الضلوع
يطيع أحبّة جاروا عليه / و يأمره الزمان فلا تطيع
تشفّع في ذنوبهم وفائي / ففاز الحبّ و انتصر الشفيع
أميري هذه شكوى ألحّت / فضاق بجمرها الصدر الوسيع
و عندك مثلها و لدى كلينا / لأسرار العلى حرم منيع
و أهلا بالامير فكلّ قلب / على لقياك خفّاق نزوع
نزلت مع الربيع على ربانا / فقال الناس : أيّكما الرّبيع
أ أكرم ما تضوّعت الغوالي
أ أكرم ما تضوّعت الغوالي / بأعطر منك مأثرة و عرفا
صهرت من الخطوب فزدت قدرا / و تلك سجيّة الذهب المصفى