القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 20
كؤوسُ الدمعِ مُتْرَعةٌ دِهاقُ
كؤوسُ الدمعِ مُتْرَعةٌ دِهاقُ / وللحزنِ اصطباحٌ واغتباقُ
مضى " فرْعَوْنُ " لم تَفقِدْهُ مصرٌ / ولا " هارونُ " حنَّ له العراق
أُديف " الرافدان " فلن يرادا / ولا " بردى" من البلوى يُذاق
وكيف يَلَذُّ للوُرّادِ ماءٌ / عليهِ من بنيهِ دمٌ يُراق
ثباتاً يا دِمَشقُ على الرزايا / وتوطيناً وإن ضاق الخناق
وفوزاً بالسِّباق وليس أمراً / غريباً أن يكونَ لكِ السباق
دمشقُ وأنتِ غانيةٌ عروسٌ / أمشتبك الحرابِ لكِ الصََّداق؟
أذنباً تحسبون على البرايا / إذا ما ضويقوا يوماً فضاقوا
بعين اللهِ ما لقيتْ شعوب / لحد السيف مكرهةً تُساق
عجافاً أُطلقت ترعى ولكن / معاهدة القويّ لها وَثاق
وعيقَتْ مُذْ بَغَتْ حقاً مضاعا / وساموها الدمار فلمْ يُعاقوا
ذروا هذي الشعوبَ وما اشتهته / مذاقُهُمُ لهمُ ولكم مذاق
تحررتِ البلادُ سوى بلادٍ / ذُيولٍ شانهن الالتحاق
أبابُ الله يُفتح للبرايا / وعن هذي البلاد به انغلاق
وكيف تسير مطلقةً بلادٌ / عليها من احابيلٍ نطاق
فيا وطني ومن ذكراك روحي / إذا ما الروحُ أحرجها السياق
أُشاق إلى رُباكَ وأيُّ حرٍّ / أقَلَّتهُ رُباك ولا يُشاق
ويا جوَّ العراقِ وكنت قبلاً / مداواةُ المراض بك انتشاق
لقد خَبُثَتْ الأنفاسُ حتى / لروحي منك بالروح اختناق
على " مدنية " زهرت وفاقا / سلامٌ كلما ذُكرَ الوفاق
تولى أسّها الباني اعتناء / وشيد ذِكْرَها الحَسَنَ اتفاق
أُشاق لها اذا عنَّت خيامٌ / وأذكرها اذا حنَّت نِياق
تغشتها النزاهةُ لم تَشُبْها / أساليبٌ كِذابٌ واختلاق
كما شيّدتُمُ شِدْنا وزِدنا / ولكن ما لقينا لم تلاقوا
وما سِيانِ بالرفق امتلاكٌ / لمملكة وبالسيف امتشاق
سلوا التاريخَ عن شمس أُديلت / وعن قمر تَعاوَرَهُ المحاق
هل الأيامُ غيّرتِ السجايا / وهل خَشُنَتْ طباعُهُمُ الرِقاق
وهل إفريقيا شهِدت سَراةً / بها كالعرب مذ عُبِرَ الزُّقاق
غداةَ البحر تملِكه سفينٌ / لنا والبر تحرُسُهُ عتاق
و " طارقُ " ملؤُهُ نارٌ تَلَظَّى / وحشوُ دروعِه سمٌّ ذُعاق
بأنْدَلُسٍ لنا عرشٌ وتاجٌ / هوى بهما التخاذلُ والنفاق
هما شيئان ما اجتمعا لشعبٍ / فاما الملكُ فيهِ أو الشقاق
أولئك مَعشرٌ سَكرِوا زماناً / وناحُوا ملكَهُم لما أفاقوا
فانْ كُتِبَ الفراقُ لنا فصبراً / على كل الورى كُتِبَ الفراق
لنا شوق إذا ذكروا رباها / وإنْ نُذكَرْ لها فلها اشتياق
يُطاق تقلبُ الأيام فينا / وأما أنْ نَذلَّ فلا يُطاق
على سَعةٍ وفي طُنَفُ الأمان
على سَعةٍ وفي طُنَفُ الأمان / وفي حَبّات أفئدةٍ حواني
بقرب أخيهِما كرماً ولطفاً / وثائرة يُسَرُّ الرافدانِ
فتى عبد العزيز وفيكَ ما في / أبيك الشْهمِ من غُررِ المعاني
لأمرّ ما تُحس منِ انعطافٍ / عليك وما ترى من مهرجان
تأملْ في السُّهول وفي الروابي / ومختلِف الأباطحِ والمغاني
ألستَ ترى ارتياحاً وانطلاقاً / يلوح على خمائلها الحسان
وفي شتى الوُجوه ترى انبساطاً / ولو في وجه مكتئب وعاني
وذاك لأن كلَّ بني سُعودٍ / لهم فضل على قاصٍ وداني
وأنّهُمُ الملاجيءُ في الرزايا / وأنَهُمُ المطامحُ والأماني
وأنك والذي أُفِدْتَ عنه / أباك ملاذةُ الحر المُهانِ
تسوسون الرعية بالتساوي / بفرط العدْل أو فرط الحنان
فلا مثلَ الجناة يُرى بريء / ولا بَدَلَ البريء يُعافُ جاني
لكم في ذمة الأحرار دَيْنٌ / وأكرِمْ بالمدُين وبالمُدان
أبوكَ ابن السعود أبو القضايا / مشرفةً على مرّ الزمان
ولمَحُ الكوكب المُلْقي شُعاعاً / على شُعَب الجْزيرة والمَحاني
ورمزُ العبقريةِ في زمان / به للعبقرية كلُّ شأن
لها كُتِبَ الخلودُ وما سواها / برغم دعاية الداعين فاني
ولم أر مثلَهُ إلا قليلاً / مهِيباً في السماع وفي العِيان
كأني منه بين يَديْ هِزبَرٍ / أخي لِبَدٍ على بُعدِ المكان
أقول الشعر محتفظاً وئيداً / كأني خائفٌ من أن يراني
وقى اللهُ الحِجزَ وما يليهِ / بفضل أبيك من غُصَصِ الهوان
ومتَّعَ ذلك الشعبَ الموقَّى / بسبع سنينَ شيقةٍ سِمان
على حينَ اصطلى جيرانُ نجد / بجمر لظىً وسمّ الأفعوان
وقد رقَّت لها حتى عِداها / لكابوس بها مُلقى الجِران
أرادَتْه اضطراراً لا اختياراً / وليس لها بدَفْعَتِه يدان
فليت الساهرين على دَماراً / فداءُ الساهرين على الكيِان
وما سِيانِ مشتملون حَزْماً / ومشتملون أحزمةَ الغواني
تُحاك له الدسائسُ تحت ليل / من الشحناء داجي الطَّيْلسان
على يد مصطلينَ بهِ غِضابٍ / على عليائه حرِدِي اللسان
وحُسّاد لذي شرف مَهيب / رَمَوْا منه بسُلٍّ واحتقان
من القوم الذين إذا استُجيشوا / ذكا لأُنوفهم أَرجُ الجِنان
مشى للناس وضّاحاً وجاءوا / إليهم تحت أقنعة القِيان
فقل لهُمُ رويداً لا يَطيشوا / ولا يَغُررْهُمُ فرطُ التواني
فبالمرصادِ صِلٌّ أرقميٌّ / شديدُ البطش مرهوبُ الجَنان
يُريهِمْ غفلةً حتى إذا ما / تمادَوْا في اللّجاجة والحِران
مشى لهم كأروعِ ما تراه / حديدَ الناب محتشدَ الدُّخان
وقال لشيخهم إن شئتَ ألّا / أراك ترفعاً أفلا تراني ؟
إذا لم تَقْوَا أن تبنى فحايد / وكن شَهمْا يقدِّرُ صنعَ باني
مَشَيْتُمْ والملوكُ إلى مجالٍ / به أحرزتُمُ قَصَبَ الرِّهان
فجاء مقامُهُمْ عنكم وضيعاً / مقام الزَج زلَّ عن السِّنان
فلا تحسَبْ بأن دعاةَ سُوءٍ / تحرَّكُ من فلانٍ أو فلان
ولا شتى زحاريفٍ ركاكٍ / ولا شتى أساليبٍ هِجان
تَحَوَّلَ عَنْكُمُ مجرى قُلوب / موجهةٍ إليكم بِاتزان
يسُرُّ الناسَ أنَّ فتىً كريماً / يُسَرَّ كما يعاني ما يعاني
ترفع يا سرورُ عن القوافي / فانكَ لَلْغنيُّ عنِ البيان
وَهبني كنتُ ذا حَصَرٍ عِيِيّاً / وهبني كنت منحبسَ اللسان
فما قدْرُ العواطف والنوايا / إذا احتاجت لنقْلِه تَرجَمان
سل الأخوين معتنقين غابا
سل الأخوين معتنقين غابا / لأيةِ غايةٍ طَويَا الشبابا
وعن أي المبادئِ ضيَّعوهُ / دماً لم يألُهِ الناسُ اطِّلابا
أللاؤطان وهي تَعِجُّ شكوى / كعهدهما وتصطخبُ اصطخابا
ولو كَدَمَيهما سالت دماء / محرَّمة لما رأت انقلابا
على الأخوين معتنقين صفا / كما صفَّفتَ أعواداً رِطابا
عَتَبتُ وغاية في الظلم أني / أحمِّلُ فوق ما لقيا عتابا
أدالَ الله من بيتٍ مُشادٍ / على بيتٍ يخلِّفهُ خرابا
ولاَ هنأتَ بما لَقِيت أناسٌ / على قبريكما رَفَعوا القِبابا
مشى نعش يجرُّ وراه نعشاً / سحابٌ مُقلع قَفّى سحابا
وناحتْ خلفه أشباحُ حزنٍ / يُخفِّي نطقُها الالمَ اكتئابا
بعين الله منتظرينَ أوباً / بما يُبكي الصخورَ الصمَّ آبا
دم الاخوين في الكفنين يغلي / خطاب لو وَعىَ قومٌ خطابا
سيعلمُ من يخال الجَوَّ صفواً / بانَّ الجْوَّ مملوء ضبابا
ومن ظن المجالسَ عامراتٍ / بمدح أنها شُحِنَتْ سِبابا
ويعرفُ من أراد صميمَ شعبي / رَميِّاً أيَّ شاكلةٍ أصابا
ويُدرِكَ أينَ صفوُ الماء عنه / وريِّقُهُ إذا وَرَدَ اللصابا
ولو عَرَفت بلادي ما أرادَت / بها النُواب لم ترد انتخابا
فلا وأبيكَ ما ونَتَ الليالي / تُديف لموطني سُمّاً وصابا
حَدَدْنَ لقلبه ظُفراً فلما / وَجَدْنَ بقيةً أَنشبْنَ نابا
فيالكَ موطناً واليأسُ يمشي / فلو رام الرَجا حُلُماً لخَابا
أرادَ الرأسَ لم يحصلْ عليه / مكابرةً ولا لزمَ الذُنابي
لمن وإلى مَ مِن ألمٍ يُنادي / كَفاَه مذَّلةً أن لا يجابا
وهل طرَقتْ يمينُ الحق بابا / ولم تسدد شِمال الظلمِ بابا
فواأسفاً لمطّلبٍ طلابا / يخال الموتَ اقربَ منه قابا
وقد اتخذوا لحومَ بنيهِ زاداً / وقد لبِسوا جلوَدهُمُ ثيابا
رضُوا من صُبحِهم فجراً كِذاباً / ومن أنوار شمسهِمُ اللعابا
وقرَّت للأذى منهم صُدورٌ / فسَمَّوهُنَ افئدةً رِحابا
ووقر من أتاحَ العابَ فيهم / وقالوا إنهم يأبَون عابا
لقد طاف الخيالُ عليَّ طيفاً / رأيتُ به الحمامةَ والغُرابا
فكان العدلُ ممتلئاً سَقاماً / وكان الظلمُ ممتلئاً شبابا
فيا وطني من النكبات فَأمَنْ / فقد وَفَّتكَ حظَّك والنصابا
وان خَشُنَتْ عليك مكاشفاتٌ / فحسبُك أن تُجامَلَ أو تحابَى
وان طُوِيت على دَغَلٍ قلوبٌ / فقد أُعطِيتَ ألسنةً رطابا
إذا خانتكَ مَوهبِةٌ فحقُّ
إذا خانتكَ مَوهبِةٌ فحقُّ / سبيل العيشِ وَعْرٌ لا يُشَقُّ
وما سهلٌ حياةُ أخي شُعورٍ / من الوجدان ينبُضُ فيه عِرق
أحلَّتْهُ وداعتُه محيطاً / حَمَتْه جوارحٌ للصيد زُرق
تفيض وضاحةً والعيشُ غِشٌ / سلاحك فيه أن يعلوك رَنْق
وتحمل ما يحلّ من الرزايا / قُواكَ وقد تخورُ لما يَدِقّ
يطُن الناسُ أنّك عُنجهُيُّ / وأنتَ وَهُم بما ظَنّوا مُحِقّ
قليلٌ عاذروكَ على انقباضٍ / أحب الناسِ عند الناسِ طَلْق
ووجهٍ تُقطُر الأحزانُ منه / على الخُلَطاء مَحمِلُه يشِقّ
شريكُكَ في مِزاجك من تُصافي / له شِقٌ وطوعُ يديك شِق
وقبلاً قال ذو أدَب ظريفٍ / قِرى الأضياف قبلَ الزاد خُلْق
وعذرُك أنت آلامٌ ثِقالٌ / لهنَّ بعيشةِ الأدباء لَصق
أحقُّ الناس بالتلطيف يغدو / وكل حياتِه عَنَتٌ وزَهْق
تسير بك العواطفُ للمنايا / وعاطفةٌ تسوءُ الظُفرَ حُمق
وحتى في السكوت يُرادُ حزمٌ / وحتى في السلامِ يُرادُ حِذق
يريد الناسُ أوضاعاً كثاراً / وفيك لما يُريدُ الناسُ خَرق
خضوعُ الفرد للطبقاتِ فَرضٌ / وقاسيةٌ عقوبةُ من يَعِقّ
نسيجٌ من روابطَ محكماتٍ / شذوذُ العبقريةِ فيه فَتْق
وعندّكَ قوَّةُ التعبير عما / تُحسُّ وميزةُ الشُعَراء نُطْق
حياتُك أن تقولَ ولو لهاثاً / وحُكمٌ بالسكوت عليك شَنْق
فما تدري أتطلق من عنان القريحةِ / أم تُسفُّ فتُستَرَقّ
فان لم تُرضِ أوساطاً وناساً / ولم تكذِبْ وحُسْنُ الشعرِ صِدق
ولم تقلِ الشريفُ أبو المعالي / وتَعلَمُ أنه حمَقان مَذْق
ولم تمدحْ مؤامرةً وحُكما / بأنهما لميلِ الشَعب وَفق
دُفِعتَ الى الرعاع فكان شتمٌ / ورحتَ إلى القضاء فكان خَنْق
بقاءُ النوع قال لكلِّ فرد / " أُحطُّ شمائلي عَدل ورِفق "
قلوب صِحابتي غُلْفٌ ووِرْدي / لمن لم يعرف التهويش طَرْق
وصارمةٌ نواميسي وعندي / لمن لا يسحَقُ الوجدانَ سَحق
وإني لاحبٌ بالظلم سهلٌ / ومنحدِرٌ لصافي القلب زَلْق
غريبٌ عالم الشعراء تقسو / ظروفهم والسنُهم تَرِق
كبعضِ الناس هُمْ فاذا استُثيروا / فبينهم وبين الناس فَرْق
شذوذُ الناس مُختَلَق ولكنْ / شذوذُ الشاعر الفَنّان خَلْق
وإن تعجَبْ فمن لَبِقٍ أريبٍ / عليه تساويا سَطْحٌ وعُمْق
تضيق به المسالكُ وهو حُرٌّ / ويُعوِزُهُ التقلُّب وهو ذَلْق
وسرُّ الشاعرية في دِماغٍ / ذكيٍ وهو في التدبير خَرْق
تَخبَّط في بسائِطهِ وحَلَّت / على يَدهِ من الأفكار غُلْق
مشاهيرٌ وما طَلَبوا اشتهاراً / مَشَتْ بُرُدٌ بهم وأُثيرَ بَرق
ومَرموقونَ من بُعدٍ وقُربٍ / لَهمْ أُفُقٌ وللقمرين أُفْق
ومحسودونَ إن نَطَقوا وودُّوا / بشَدق منهُمُ لو خِيطَ شَدْق
يُعينُ عليهُمُ رَشْقُ البلايا / من التنقيد والشتَمات رَشق
فاما جَنْبةُ التكريم منهم / فبابٌ بعضَ أحيان يُدَقّ
متى تُحسِن مدائحَهُمْ يَجِلّوا / كما اشتُريِتَ لحُسن اللحن وُرْق
وإلا غُودِروا هَمَلا ضَياعاً / كما بَعدَ الشرابِ يُعاف زِقّ
ورب مُضيَّع منهم هباءاً / يَشيدُ بذكرهِ غَرب وشَرق
تَزيَّنُ في الندى له دوَاةٌ / ويُعرَض في المتاحف منه رَق
فيا عجباً لمنبوذٍ كحَق / يقدَّر من بديع نَثاه عِلْق
وفي شتى البلاد يُرى ضريحٌ / عليه من نِثار الوَرد وَسق
يُجل رفات أحمدِه فرات / وتَمسح قبرَ أحمدها دمشق
ومفرق ذاك شُجَّ فلم يُعقِّب / وُروعٌ ذا وسد عليه رزق
رِثاؤُكَ ما أشَقَّ على لساني
رِثاؤُكَ ما أشَقَّ على لساني / ورُزْؤك ما أشدَ على جَناني
وكيفَ يُطيقُ عن ألمٍ بياناً / ثكولٌ شَلَّ منهُ الأصغَران
وفَقدُكَ ما أمضَّ وقد توَّلتْ / جِيادُ النصرِ خَوضَ المعمعان
وشرقٌ كنتَ أمسِ لَهُ سِراجاً / كثيفُ الجْوِّ منتشرُ الدخان
تَهاوَى الطامعونَ على ثَراهُ / كما اختلفَ الذُبابُ على خِوان
تَعبَّسُ من مَزاحِفِهِمْ ثغورٌ / وتنتَفِضُ المشارفُ والمواني
وما أنبا مَصيرَكَ عن مصيري / وما أدنى مكانَكَ من مكاني
أصخْتُ لِمَنْ نعاك على ذُهولٍ / كأنيَ قد أصختُ لمَنْ نعاني
وكنتُ أُحِسُّ أنَّ هناك رُزْءاً / وأجهاُ كُنْهَهُ حتّى دهاني
صفَقْتُ براحتَيَّ منِ التياعٍ / وهل أدنتْ بعيداً راحتان؟!
ورُحْتُ وأيُّ جُرحٍ في فؤادي / مغالَطةً أعَضُّ على البَنان
وعانَقَني من الذِكْرَى خيالٌ / كسيرُ النَفْسِ يَشْرَقُ بالهوان
تسيلُ دماً جوانِبُهُ اشتياقاً / إلى اللَّمَحاتِ والمُتَعِ الحِسان
إلى تلك الليالي مُشرِقاتٍ / بها " لُبنانُ" مُزدَهِرُ المغاني
إلى سَمَرٍ كأنَّ عليه مما / تَنِثُّ مِن الشذا عَبَقَ الجِنان
خيالٌ رُحتُ من يأسٍ وحِرصٍ / أُسَلّي النفْسَ فيه عن العِيان
أثارَ لِيَ العواطِفَ من عنيفٍ / ومُصْطَخِبٍ ومُرْتْفِقٍ وحاني
وفكَّ من الأعِنَّةِ ذكرياتٍ / تَهُزُّ النفْسَ مُطلَقةَ العِنان
لمَمْتُ عُطورَها فشمِمْتُ منها / شذا الغَضَبِ المطَهَّرِ والحَنان
كِلانا مَعوِزٌ نُطْقاً عليهِ / طيوفُ الموتِ مُلقِيةُ الجِران
لَعَنْتُ اللفظَ ما أقسَى وأطْغَى / وما أعْصَى على صوَرِ المعاني
تقاضاني بيومِكَ تَرْجُماناً / وكنتُ ألوذُ منه بِتَرجُمان
فيا " عُمَرَ " النضالِ إذا تشكَّى / شُجاعُ القَلْبِ منَ خَوَرِ الجْبان
ويا " عُمَرَ " البيانِ إذا تغذَّى / عِجافُ النَشءِ بالفِكَرِ السِمان
ويا " عُمَرَ " الوفاءِ إذا تَخلّى / فُلانٌ في الشدائِد عنْ فُلان
ضُمِنتَ مِن الردى لو كانَ طَولٌ / وأينَ القادِرونَ على الضَّمان
وانَّا والحياةُ إلى تبابٍ / وكلُّ تَجَمُّعٍ فإلى أوان
لمحتربونَ أن نُمسي ونُضحي / وأنت بمعزِلٍ خالي المكان
أسيِتُ لعاكِفينَ عليكَ حُبَّاً / ومُخْتَصينَ فضلَكَ باحتضان
رفاقكَ يومَ مُزدَهرِ الأماني / ودِرْعِكَ يومَ مُشْتَجرِ الطِعان
حببتُكَ باسِماً والهمُّ يَمشي / على قَسَماتِ وجهِك باتِّزان
تُغالِبُه وتَغْلِبُه إباءً / كأنّكَ والهمومَ على رِهان
يُزَمُّ فمٌ فما تُفْضي شِفاهٌ / ويَخفى السِرُّ لولا المُقلتان
على مُوقَيهِما مَرَحٌ ولُطْفٌ / وإنساناهما بكَ مُتعبان
يفيءُ الصَحْبُ منك إلى وريفٍ / لطيفِ الظِلِّ خفَّاقِ المجاني
تَفيضُ طَلاقةً وتذوبُ رِفقاً / ووحْدَكَ أنتَ تدري ما تُعاني
وما أغلى الرجولةَ في شِفاهٍ / مُغَلَّفةٍ على ألمٍ " مُصان "
وعامِرةِ المعاني مُنتَقاةٍ / بها الكلِماتُ شامِخةُ المباني
فتقتَ الذِهنَ فيها عن طَريفٍ / يُشِعُ اللفظُ فيهِ عن جُمان
يَمُدُّك عَبْقَرٌ فيها وتُجبى / لكَ الخطَراتُ من قاصٍ وداني
أثرْتَ سُطورَها وذهبتَ عنها / فهُنَّ إليكَ من مَضَضٍ رواني
أبا " الخَطابِ " رانَ عليكَ ليلٌ / عقيمُ الفجرِ لا يتلوهُ ثاني
وأُغْمِضَتِ الجْفونُ على شَكاةٍ / تُدَغْدغُها من البُشرى أماني
أمانٍ يسودَ الناسَ حُكْمٌ / يَبيتُ الفردُ منهُ على أمان
فلا تبعَدْ وإن أخنى فَناءٌ / وما مُبقٍ مآثِرَهُ بفاني
ورهْنُ الخُلدِ أضْرِحَهٌ عليها / قُطوفُ الفِكرِ يانِعةٌ دواني
بكى " بَرَدَى " عليكَ بفيض دمعٍ / ومجَّ النيِلُ فيضاً من بيان
وجِئتُ أغُضُّ طَرْفيَ عن حياءٍ / فهذا ما يمُجُّ " الرافدانِ " !
إذا ما الحُزنُ طاوَعَ في مصابٍ / فانَّ الشِعرَ يُعْذَرَ في الحِران
ب " يافا " يومَ حُطَّ بها الرِكابُ
ب " يافا " يومَ حُطَّ بها الرِكابُ / تَمَطَّرَ عارِضٌ ودجا سَحابُ
ولفَّ الغادةَ الحسناءَ ليلٌ / مُريبُ الخطوِ ليسَ به شِهاب
وأوسعَها الرَذاذُ السَحُّ لَثْماً / فَفيها مِنْ تحرُّشِهِ اضطِراب
و " يافا " والغُيومُ تَطوفُ فيها / كحالِمةٍ يُجلِّلُها اكتئاب
وعاريةُ المحاسن مُغرياتٍ / بكفِّ الغَيمِ خِيطَ لها ثياب
كأنَّ الجوَّ بين الشمسِ تُزْهَى / وبينَ الشمسِ غطَّاها نِقاب
فؤادٌ عامِرُ الإيمانِ هاجَتْ / وسوِسُه فخامَرَهُ ارتياب
وقفتُ مُوزَّعَ النَّظَراتِ فيها / لِطَرفي في مغَانيها انْسياب
وموجُ البحرِ يَغسِلُ أخْمَصَيْها / وبالأنواءِ تغتسلُ القِباب
وبيّاراتُها ضَربَتْ نِطاقاً / يُخطِّطُها . كما رُسمَ الكتاب
فقلتُ وقد أُخذتُ بسِحر " يافا " / واترابٍ ليافا تُستطاب
" فلسطينٌ " ونعمَ الأمُ هذي / بَناتُكِ كلُها خوْدٌ كَعاب
أقَّلتني من الزوراءِ رِيحٌ / إلى " يافا " وحلَّقَ بي عُقاب
فيالَكَ " طائراً مَرِحاً عليه / طيورُ الجوِّ من حَنَقٍ غِضاب
كأنَّ الشوقَ يَدفَعُهُ فيذكي / جوانِحَهِ من النجم اقتراب
ركبِناهُ لِيُبلِغَنا سحاباً / فجاوزَه لِيبلُغَنا السّحاب
أرانا كيف يَهفو النجمُ حُبَّاً / وكيفَ يُغازِلُ الشمسَ الَّضَباب
وكيفَ الجوُّ يُرقِصُهُ سَناها / إذا خَطرتْ ويُسكِره اللُعاب
فما هيَ غيرُ خاطرةٍ وأُخرى / وإلاّ وَثْبةٌ ثُمَّ انصِباب
وإلاّ غفوةٌ مسَّتْ جُفوناً / بأجوازِ السماءِ لها انجِذاب
وإلاّ صحوةٌ حتّى تمطَّتْ / قوادِمُها كما انتفَضَ الغُراب
ولمّا طبَّقَ الأرَجُ الثنايا / وفُتِّح مِنْ جِنانِ الخُلدِ باب
ولاحَ " اللُّدُّ " مُنبسِطاً عليهِ / مِن الزَهَراتِ يانِعةً خِضاب
نظْرتُ بمُقلةٍ غطَّى عليها / مِن الدمعِ الضليلِ بها حِجاب
وقلتُ وما أُحيرُ سوى عِتابٍ / ولستُ بعارفٍ لِمَنِ العتاب
أحقَّاً بينَنا اختلَفَتْ حُدودٌ / وما اختَلفَ الطريقُ ولا التراب
ولا افترقَتْ وجوهٌ عن وجوهٍ / ولا الضّادُ الفصيحُ ولا الكِتاب
فيا داري إذا ضاقَت ديارٌ / ويا صَحبيْ إذا قلَّ الصِحاب
ويا مُتسابقِينَ إلى احتِضاني / شَفيعي عِندَهم أدبٌ لُباب
ويا غُرَّ السجايا لم يَمُنُوا / بما لَطُفوا عليَّ ولم يُحابوا
ثِقوا أنّا تُوَحَّدُنا همومٌ / مُشارِكةٌ ويجمعُنا مُصاب
تَشِعُّ كريمةً في كل طَرفٍ / عراقيٍّ طيوفُكُم العِذاب
وسائلةٌ دَماً في كلِّ قلبٍ / عراقيٍّ جُروحُكم الرِغاب
يُزَكينا من الماضي تُراثٌ / وفي مُستَقْبَلٍ جَذِلٍ نِصاب
قَوافِيَّ التي ذوَّبتُ قامَتْ / بِعُذري إنّها قلبٌ مُذاب
وما ضاقَ القريضُ به ستمحو / عواثِرَهُ صُدورُكم الرّحاب
لئنْ حُمَّ الوَداعُ فضِقتُ ذَرعاً / به واشتفَّ مُهجتيَ الذَّهاب
فمِنْ أهلي إلى أهلي رجوعٌ / وعنْ وطَني إلى وطني إياب
خُذي مَسعاكِ مُثَخنةَ الجِراحِ
خُذي مَسعاكِ مُثَخنةَ الجِراحِ / ونامي فوقَ داميةِ الصِفاحِ
ومُدِّي بالمماتِ إلى حياةٍ / تسَرُّ وبالعَناءِ إلى ارتياح
وقَرّي فوقَ جَمرِكِ أو تُرَدِّي / من العُقبى إلى أمرٍ صُراح
وقُولي قد صَبْرتُ على اغتباقٍ / فماذا لو صَبرتُ على اصِطباح
فانَّ أمرَّ ما أدْمَى كِفاحاً / طُعونُ الخائِفينَ مِن النجاح
فكُوني في سماحِكِ بالضحايا / كعهدكِ في سماحِكِ بالأضاحي
فان الحقَّ يقطُرُ جانباه / دَماً صِنوُ المُروُءةِ والسماح
وتأريخُ الشُعوبِ إذا تَبَنّى / دمَ الأحرارِ لا يمحوهُ ماحي
فِلَسْطينٌ سَلامُ اللهِ يَسري / على تلك المشارِفِ والبطاح
رأيتُكِ مِن خِلال الفَجرِ يُلقي / على خُضْر الرُّبى أحلى وِشاح
أطَلَّ النَسرُ مُنتصِباً عليهِ / فهبَّ الديكُ يُنذِرُ بالصياح
يؤوبُ الليلُ منه إلى جَناحٍ / وتبدو الشمسُ منه على جَناح
وعَينُ الفجرِ تَذري الدمعَ طَلاًّ / وتَمسَحُه بمنديل الصباح
وأنفاسُ المُروج معطَّراتٌ / بأنفاسِ الرُعاة إلى المَراح
لَمستُ الوحيَ في لْحنِ المثاني / وشِمتُ الحُزنَ في وقْعِ المساحي
وغَنَّى " أُورْشَلَيمَ " يُعيدُ لحناً / لداود هَزارٌ بالصُّداح
وحولي مِن شبابِكِ أيُّ روضٍ / ينُمُّ حَديثُه بشذا الأقاح
وألطافٍ كأنفُسهم عِذابٍ / وأسمارٍ كأوجُهِهمْ صِباح
سلاماً للعُكُوفِ على التياحي / وشوقاً للظِماء إلى ارتياحي
وحُزناً أنْ يجُرَّ الدهرُ حُزناً / على تلك الغَطارفةِ الوضاح
أأمَّ القُدْسِ والتأريخُ دامٍ / ويومُكِ مثلُ أمسِكِ في الكفاح
ومَُهدُكِ وهو مهبِطُ كُلِّ وحيٍ / كنعشكِ وهو مُشتَجرُ الرِماح
و " وادي التِيَهِ " إنْ لم يأوِ " موسى " / فقد آوى الصليب على " صلاح "
وذكرى " بختَ نُصَّر " في الفيافي / يُجَدَّدُها " أِلنْبي " في الضواحي
فلا تَتَخبَّطى فالليلُ داجٍ / وإنْ لم يَبْقَ بُدٌّ مِن صباح
شَدَدْتِ عُرى نِطاقِكِ فاستمِري / ولا يثقُلْ عليكِ فتُستباحي
ولا تُغْنَيْ بِنا إنّا بُكاةٌ / نَمُدُّكِ بالعويل وبالصياح
ولا تُغْنَيْ بِنا فالفِعلُ جَوٌّ / مَغِيْمٌ عِندَنا والقولُ صاح
ولن تَجدي كإيانا نصيراً / يَدُقُّ من الأسى راحاً براح
ولا قوماً يَرُدُّون الدّواهي / وقد خَرِسَتْ بألسْنةٍ فِصاح
أعِيْْذُكِ مِن مَصيرٍ نحنُ فيه / لقد عُوِّذتِ مِن أَجَلٍ مُتاح
ووضعٍ أمسِ كُلُهمُ لواهٍ / به واليوم كلُهم لواحي
تَنَصَّلَ منه زُوراً صانِعوهُ / كمولودٍ تحدَّرَ مِن سِفاح
وذمُّوا أنَّهم كانوا عُكوفاً / عليهِ في الغُدُوِّ وفي الرواح
وتأريخٍ أُريدَ لنا ارتجالاً / فآبَ كما أريدَ إلى افتضاح
شَحَنَّا دفَتيهِ بمُغمَضاتٍ / " كأحداقِ المها مرضى صحاح "
وغَلَّفْنا مظاهرهُ حِساناً / مزخرفةً على صُوَرٍ قِباح
وسُقْنا الناسَ مُكْرهةً عليه / على يد ِ ناعمينَ به وَقاح
ونَصَّبْنا مرَوِّضةً غِلاظاً / على ما في الطبائِعِ منْ جِماح
وأحْلَلْناه وهو ضريحُ شعبٍ / محلَّ الوَحْيِ جاءَ من الضُّراح
نجرَّعُهُ ذُعافاً ثم نُضفي / عليهِ محاسِنَ الشَّبِم القَراح
ورُبَّةَ " صَفْقَةٍ " عُقِدَت فكانت / كتحريم الطلاقِ على نِكاح
تُدبَّرُ في العواصِم من مُرِيْبِ / خبيثِ الذكر مَطعونِ النواحي
تفوحُ الخمر منها في اختْتامٍ / ويبدُو منها في افْتتاح
ويُسْفِرُ نَصُّها المُسوَدّ خِزياً / ومَظلمةً عن الغِيد المِلاح
و" تصريحٍ " يُمِطّطه قويّ / كَلَوْحِ الطّينِ يدحوه داحي
و " حلفٍ " لستُ أدري مِن ذُهولٍ / أعن جِدٍّ يُدَبَّرُ أم مِزاح
لنا حقٌ يُرجَّى بالتماسٍ / وباطِلُهمْ يُنفَّذُّ بالسلاح
ولستُ بعارِفٍ أبداً حَليفاَ / يهدِّدُه حليفٌ باكتساح
فلسطينُ تَوَّقيْ أنْ تكوني / كما كُنَّا بمَدرجَةِ الرياح
وأنْ تضَعي أمورَكِ في نِصابٍ / يوَّفُر او يُّطَفَّفُ باجتراح
وهابِي أن تُمدَّ إليكِ مِنَّا / يدُ المتضارِبين على القِداح
فكم هاوٍ أَجَدَّ لنا جُروحاً / بدعوى أنَّه آسي جراح
وأُصدِقُكِ الحديثَ فكم " حُلولٍ " / حرامٍ لُحْنَ في زِيٍّ مُباح
"نُطَوِّفُ ما نُطَوِّفُ ثُم نأوي / الى بيتٍ " أُقيمَ على " اقتراح "
يُخرِجُ ألفَ وجه مِنْ حديثٍ / ويَخْلُقُ ألْفَ معنىً لاصطلاح
هَويتَ لِنُصرةِ الحقّ السُهادا
هَويتَ لِنُصرةِ الحقّ السُهادا / فلولا الموتُ لم تُطِقِ الرُّقادا
ولولا الموتُ لم تَتْرُكْ جِهاداً / فَلَلْتَ به الظغاةَ ولا جِلادا
ولولا الموتُ لم تُفْرِحْ فُرادى / صعَقْتَهُمُ ولم تُحزِنْ سودا
ولولا الموتُ لم يَذهبْ حريقٌ / بيانعةٍ وقد بَلَغتْ حَصادا
وإنْ كانَ الحدادُ يَرُدُّ مَيتاً / وتَبلُغُ منه ثاكلةٌ مُرادا
فانَّ الشَّرقَ بينَ غدٍ وأمسٍ / عليكَ بِذِلَّةٍ لبِسَ الحِدادا!
ترفَّعْ أيُّها النجم المُسَجَّى / وزِد في دارة الشَّرَفِ اتّقادا
ودُرْ بالفكر في خَلَدِ الليالي / وجُلْ في الكون رأياً مُستعادا
وكُنْ بالصَّمتِ أبلغَ منك نُطْقاً / وأورى في مُحاجَجةٍ زِنادا
فانَّ الموتَ أقصرُ قِيدَ باعٍ / بأنْ يَغتالَ فِكراً واعتقادا
جمالَ الدين يا رُوحاً عَليّاً / تنزَّلَ بالرسالة ثمَّ عادا
تجشَّمْتَ المهالكَ في عَسوفٍ / تجشَّمَهُ سواك فما استَقادا
طَريقِ الخالدينَ فمَنْ تَحامى / مصايرَهُمْ تَحاماه وحادا
كثير الرُعْبِ بالأشلاء غطَّتْ / مَغاورَهُ الجماجِمُ والوِهادا
جماجِمُ رائِدي شَرَفٍ وحقٍّ / تهاوَوا في مَجاهلهِ ارتْيادا !
وأشباحُ الضحايا في طواهُ / على السارينَ تحتشِد احتشادا!
وفوقَ طُروسه خُطَّتْ سُطورٌ / دمُ الأحرار كان لها مِدادا
شقَقْتَ فِجاجَهُ لم تخْشَ تَيْهاً / ومَذْئَبةً وليلاً وانُفرادا
لأِنَّكَ حاملٌ ما لا يُوازي / بقُوَّتهِ : العقيدةَ والفؤادا!
وتختلِفُ الدُروبُ وسالكوها / وغايتُها دُنوّاً وابتعادا
ويختلفُ البُناةُ ورُبَّ بانٍ / بَنى مِن فِكرةٍ صَرْحاً وشادا
وأنت ازْدَدْتَ من سُمٍّ زعافٍ / تَذَوَّقَهُ سَواك فما استزادا!
نضالِ المستبدِّ يَرى انكشافاً / عَمايتَه وعثرتَه سَدادا
إذأ استحلىَ غَوايتَه وأصغى / إلى المتزلّفِينَ له تمادى
خَشِيتَ اللهَ عن علمٍ وحقٌّ / إذا لم تَخشَ في الحقّ العبادا
وجَدْتَ اللذَّةَ الكُبرى فكانت / طريفَ الفِكرِ والهِمَمِ التِلادا
وأعصاباً تَشُدُّ على الرَّزايا / إذا طاشَتْ وتَغلِبُها اتئادا
ولمَّا كنتَ كالفجر انبلاجاً / " وكالعنقاء تكْبُرُ أنْ تُصادا"
مَشَيْتَ بقلبِ ذي لبَدٍ هَصورٍ / " تُعانِدُ من تُريدُ له العِنادا"
صليبَ العُودِ لم يَغمزْكَ خَوفٌ / ولم تَسهُلْ على التَرفِ انعقادا
ولم تَنزِلْ على أهواء طاغٍ / ولا عمَّا تُريدُ لمِا أرادا
ولم أرَ في الرجالِ كمُستَمِدٍّ / من الحقِّ اعتزازاً واعتدادا
وكان مُعسكرانِ : الظُلمُ يَطغى / ومظلومٌ فلم تَقفِ الحيِادا
ولم تحتجَّ أنَّ البَغْيَ جيشٌ / وأنَّ الزاحفينَ له فُرادي
ولا أنَّ اللياليَ مُحرِجاتٌ / وأنَّ الدَّهَر خصمٌ لا يُعادى
و أنَّ الأمرَ مرهونٌ بوقتٍ / ينادي حينَ يأْزَفُ لا يُنادى
مَعاذيرٌ بها ادَّرَعَتْ نُفوسٌ / ضعافٌ تَرهبُ الكُرَبَ الشِّدادا
تُريدُ المجدَ مُرتميا عليها / جَنىً غَضّاً تَلَقَّفُهُ ازدِرادا!
جمالَ الدينِ كنتَ وكانَ شَرقٌ / وكانتْ شِرعةٌ تَهَبُ الجْهادا
وكانت جَنَّةٌ في ظِلِّ سيفٍ / حَمَى الفَردُ الذِمارَ به وذادا
وإيِمانٌ يقودُ الناسَ طَوعاً / إلى الغَمَراتِ فَتوىً واجتهادا
وناسٌ لا الحضارةُ دنَّسَتْهُمْ / ولا طالُوا مع الطَمَعِ امتِدادا
وكانت " عُروةٌ وُثْقَى " تُزَجَّى / لمنقَسِمينَ حُبّاً واتحادا
ونيَّةُ ساسةٍ بَسُطَتْ فبانت / ووجْهُ سياسةٍ جلَّى وكادا
وحُكْمٌ كالدَّجى عُريانُ صافٍ / فلم يُنْكِرْ إذا انتَسبَ السَّوادا
ولم يُدخِلْ من الألوانِ ظّلاً / يلوذُ به انتقاصاً وازْديادا
دَجَا قَسْراً وسادَ وكان شَهماً / صريحاً أنَّه بالرُّغمِ سادا
وجِئتَ ورُفقة لك كالدَّراري / لِضُلاَّلٍ بغَيْهَبِه رشادا
تَصُدُّ عُبابَهُ وجهاً لوجهٍ / وتَزْحَمُهُ انْعكاساً وَاطَّرادا
جمالَ الدينِ كنتَ وكانَ عهدٌ / سُقيتَ لما صمَدْتَ له العِهادا
نَما واشتطَّ واشتدَّتْ عُراه / وزادَ الصامدونَ لهُ اشتدادا
مشَتْ خمسونَ بعدَك مرْخياتٍ / أعِنَّتَها هِجاناً لا جِياداً
محَّملةً وسُوقاً من فُجورٍ / وشامخةً كَمُحصَنةٍ تهادى
تحوَّرَتِ السياسةُ عن مَداها / إلى أنأى مدىً وأقلَّ زادا
وباتَ الشرق ليلَتَه سَليماً / على حالينِ ما اختَلَفا مُفادا
على حُكْمين من شَفعٍ وَوتْرٍ / عُصارةُ كلّ ذلك أن ْ يُسادا
ولُطِّفَتِ الابادةُ فهو حُرٌّ / بأيِّ يَدٍ يُفَضِّلُ أنْ يُبادا!
ومُدَّتْ إصْبَعٌ لذويهِ فيهِ / فعاثَتْ فوقَ ما عاثُوا فَسادا!
فكَمْ في الشَّرقِ من بَلدٍ جريحٍ / تشَكِّى لا الجروحَ بَلِ الضِّمادا!
تشَكَّى بَغيَ مُقتادٍ بغيضٍ / تأبَّى أنْ يُطاوعَه انقيادا
فكانتْ حِيَلةٌ أنْ يَمْتَطيهِ / رضيعُ لِبانه فبغى وزادا
صَدىً للأجنبيّ ورُبَّ قَفْرٍ / أعادَ صدىً فَسُرَّ بما أعادا
وكان أجلَّ من زُمَرٍ إذا ما / تجَّنى المُستَبيحُ بها تفادى
فكانوا منه في العَوْراتِ سِتراً / وكانوا فوق جمرتهِ رمادا
تروَّى من مطامعهِ وأبقى / لهم من سُؤر ما وَرَدَ الثمادا
وكان إذا تهضَّمهُ غريبٌ / أقامَ له القيامةَ والمعادا
فأسلَمَهُ الغريبُ إلى قَريبٌ / يسّخِرُهُ كما شاءَ اضطهادا
وكان الأجنبيُّ وقد تَولَّى / زمام الأمرِ واغتَصَبَ البلادا
يرى أدنى الحُقوقِ لهمْ عليه / مُساغَ النقد والكلِم المُعادا
فأضحوا يحسبونَ النقد فتحاً / لو اسطاعُوا لِما يَصِمُ انتِقادا
فبئسَ مُنىً لمصفودٍ ذليلٍ / لَوَ انَّ يَديه لم تضَعا الصِفادا
وبئسْ مَصيرُ مُفَترشينَ جمراً / تَمّنْيهم لو افترَشوا القَتادا!
وكانوا كالزُّروعِ شَكَتْ مُحُولاً / فلمَّا استمْطرتْ مُطِرَتْ جرادا!
يقول : لَمَ اعتزلتَ؟ فقلتُ لِمْ لا
يقول : لَمَ اعتزلتَ؟ فقلتُ لِمْ لا / وخيرٌ من تظاهُريَ اعتزالي؟
نظمتُ فلم يُفد شيئاً نظامي / وقلت فلم يَجد أثراً مقالي
وهل تجدي الشَّجاعةُ في كلامٍ / جبانا عن مقارعة الرحال
أقول وذاك بهتانٌ وزورٌ / ظهوريَ لا لجاهٍ أو لمال
ألا فليشهَدَ الثقلانِ أني / مع الأيام ! ترخُص ..او تغالي
أذُم الناس إن غابوا ولكن / إذا حضروا فعُنوانُ الجلال
أبالي بامتداح الناس فعلي / وان أظهرت أني لا أُبالي
وازجُرهُم إذا نطقوا بعيبي / كأني بالغٌ حدَّ الكمال
وأُظهر عِفّةً عن نيل شيءٍ / إذا ألقيتُه صعب المنال
وأُسأل عن أمور لا أعيها / فأظْهِر أن نقصاً في السؤال
وكم سليت بالأوهام نفسي / وغطَّيت الحقيقةَ بالخيال
خططتُ على الرمالِ منىً فلما / تطامى السيلُ سِلْن مع الرمال
وكم من منطقٍ حُرٍّ نزيهٍ / أُزيَّفُهُ عِناداً بالجدال
مخافَة ان أُرى فيه اخيذاً / ومغلوباً كأني في قتال
على عهدي فلا الأيام حالت / ظواهرُها ولم تشِب الليالي
ولكنْ ضيقُ نفسي باعترافي / يريني أن ضيقاً في المجال
وكم وعدٍ حلفتُ بأنْ يوفّى / كأني قد حلفت على المِطال
أقول ولا أخاف الناسَ إني / مزجت حرامَ دهري بالحلال
وقد حَسُنتْ خِصالٌ لي ولكن / رأيت القبحَ أكثرَ في خِصالي
أخي إلياسً : ما أقسى اللَّيالي
أخي إلياسً : ما أقسى اللَّيالي / تُنيخُ بكَلْكَلٍ وتقولُ : مالي
تَسَمَّعُ إذ تَصامَمُ للنَّجاوى / وتَهْمِسُ إذ تخارسُ للنِّمال
وتخدَعُنا بمُقْمِرةٍ لَعُوبٍ / وتَرمينا بقوسٍ من " هِلال"
وتُعطينا اللَّذاذةَ عن يمينٍ / وتطعنُنا دِراكاً بالشِّمال
وتَفرُشُنا أمانيَ من حريرٍ / وفي طيَّاتِها سُمُّ الصِّلال
وتُدنينا وتُبعِدُنا وتلهو / بِنا لهوَ العواصف بالرِّمال
ونَلْمِسُها وتَلْمِسُنا عِياناً / وتمرُقُ مثلَ طَيفٍ من خيال
أخي إلياسً : لا تَخَلِ المُبَقَّى / يُوقَّى ما احتواكَ من الحِبال
كأنَّ الشَّمسَ لم تَطلُعْ علينا / ولم نَنعَم بوارفةِ الظِّلال
ولم نترَوَّ من كأسٍ حرامٍ / ولم نتمَلَّ من سِحْرٍ حَلال
ولم نتمَنَّ أنَّ الدَّهَر خُلْدٌ / وأنَّا لا نصيرُ إلى زَوال
ولم نسخَرْ بما نُملي عليه / ولم يسخَرْ بناسِخةِ الأمالي !
أخي إلياسُ : لا وصريحِ وُدٍّ / وعاطفةٍ أرقَّ من الزُّلال
وما شدَّ التَّصافي من عُرانا / وحَّلاها من الفِكَرِ الغوالي
يَميناً لستُ للدُّنيا بقالي / وإنْ كدُرتْ ولا عنها بسالي
لأنَّكَ كنتَ تُوصيني بهذا / وتُوصيني به سِيَرُ الرِّجال
ويُوصينا به أنَّا نُواري / حبيباً ثمَّ نُعقِبُه بتالي
ونَرجِعُ مِنْ جديدٍ عن فِراقٍ / أليمٍ نستزيدُ مِن الوصال
وما أنا مَنْ يُحاولُ أن يُداجي / أحِبَّتَهُ بكذِبٍ أو مُحال
بلى إنّي لَتُعْتَصَرُ اعتِصاراُ / حشايَ وأنت محترِبٌ حِيالي
دَلالاً في مَياديِنِ الجِهادِ
دَلالاً في مَياديِنِ الجِهادِ / وتيهاً بالجِراحِ وبالضِّمادِ
ورَشْفاً بالثغورِ من المَواضي / وأخذاً بالعِناق من الجِهاد
وَعبّاً مِن نميرِ الخُلد يَجري / لِمُنْزَفَةٍ دِماؤُهم صَوادي
وَتَوطيناً على جَمرِ المنايا / وإخلاداً إلى حَرِّ الجِلاد
وَإقداماً وإنْ سَرَتِ السَواري / بما يُشجي وإن غدتِ الغوادي
وبذلاً للنفيِس مِن الضحايا / فَأنْفَسُ منهم شَرفُ البلاد
حُماةَ الدارِ مسَّ الدارَ ضُرٌّ / ونادى بافتقادكُمُ المُنادي
أرادَتْكُمْ لِتكفوها فُلُوْلاً / مُعرِّزةٍ كأرتالِ الجَراد
وشاءتْكُمْ لتنهطِلوا عليها / هُطولَ الغيثِ في سَنةٍ جَماد
وطافَ عليكُمُ حُلُم العَذَارَى / مُروَّعةً كُحِلْنَ مِن السُهاد
يَشُوْقُ الذائدينَ على المَنايا / نداءُ العاجزاتِ عنِ الذياد
تطَلعَتِ العيونُ إلى خُيولٍ / مُحجَّلةٍ مُنشَّرَةِ الهوادي
خبَرْنَ رَحَى الوغَى فعن اعتِسافٍ / يَدُرنَ مدارَها وعنِ اعتماد
إذا الرِجّلانِ مسَّهما لُغوبٌ / شأتْ بهما اليدانِ عن ارتِداد
عليها كلُّ أُغلَبَ أرقميٍ / يَبيسِ العَينِ ريّانِ الفؤاد
زَوَتْ ما بين جَفْنَيْهِ هُمومٌ / نَفَتْ عن عينهِ دَرَنَ الرُقاد
وشدَّتْ خافِقَيهِ فلن يَرِّفا / إذا التقيا على الكُرَبِ الشِّداد
وكلُ مُسَعَّرِ الجَمراتِ يُكسَى / من الغَبَراتِ ثوباً من رماد
تَمرَّسَ بالحُتوف فلا يُبالى / أحادَتْ عنهُ أم عَدَتِ العوادي
ويا جُثَثاً يَفوحُ المجدُ مِنها / فتَعَبقُ في الجبالِ وفي الوِهاد
سَقَتْكِ الصائباتُ مِن التَّحايا / مُعطَّرَةً فما صَوبُ العِهاد
أعزُّ الناسِ في أغلى مماتٍ / وَخيرُ الزرعِ في خيرِ الحَصِاد
ويا مُتَقربين إلى المنايا / يَشُقُّ عليِهمُ وطءُ البِعاد
رأيتُ الجودَ ملهاةً يُجازَى / بها اللاهي بحَمْدٍ مُستفاد
ومُتَّجَراً يدُرُّ المجدَ ربحاً / لكُل مُسلِّفٍ بِيضَ الأيادي
يُؤدِّي الناسُ ما وَهَبَتَْ كِرامٌ / وتدفَعُهُ المحافِلُ والنّوادي
ولكِنْ ثَمَّ للبلوى مِحَكٌّ / تَميزُ به البخيلَ مِنَ الجواد
هُنالِكَ إذ يَشُقُّ على المفدَّى / فَكاكُ إسارِهِ منْ كفِّ فادي
تفيضُ النفسُ لا تدري جزاءً / - ولا تبغي – إلى يوم المعاد
ولا يَختَالُ – صاحبُها ازْدِهاءً / بما أسدى – على هامِ العباد
وروحٍ من " صلاح الدّينِ " هَبَّتْ / من الأجداثِ مُقلَقَةَ الوِساد
تَسَاءَلُ هل أتَتْ دوَلٌ ثمانٍ / ضِخامٌ ما أتاه على انفراد
وما أضفى الحديثُ على قديمٍ / وما ألقى الطَريفُ على تلاد؟
وما عِند الدُهاة منِ انْتقامٍ / ومن أخْذٍ بثأرٍ مُستقاد؟
وهل ضاقوا وهمْ كُثْرٌ ذِراعاً / بداهيةٍ نهضتُ بها دَآد
مَشَيْتُ بطبِّها عَجِلاً فطابت / عواقُبها وساروا باتِئاد
بلى كانوا ومَنْ عادَوْا تبيعاً / وكنتُ المستقِلَّ ومَن أُعادي
ومعتدّاً وما تُجدي حياةٌ / إذا خلتِ النفوسُ مِن اعتِداد
حَماةَ الدّارِ لم تَتْركْ لشعري / فِلَسْطينٌ سوى كَلِمٍ مُعاد
بَكَيْتُ مصابَها يَفَعاً ووافَتْ / نِهايَتهُا وخَمْسونٌ عدادي
قَدَحْتُ لها رَويَّاً من زِنادِي / وصُغْت لها رَّوِيَّا من فؤادي
وألقَيْتُ الظِِلالَ على القوافي / عليها يصْطَفقْنَ مِنِ ارتعاد
وهل عندي سوى قلبٍ مريرٍ / أُذَوِّبُهُ بكأسٍ مِن سُهاد
حماةَ الدارِ إنّي لا أُماري / وإن قلتُ الجديدَ ولا أُصادي
وليس تملُّقُ الجُمْهورِ مني / ولا التَّضْليلُ من شيمي ونادي
حماةَ الدارِ من عشرينَ عاماً / تقضَّتْ فاتَنا يومُ التَّنادي
دعانا وعدُ بلفورٍ وثنّى / وثلّثَ صائحُ البلدِ المُذاد
ونادتْنا بألسِنَةٍ حِدادٍ / دِماءٌ في قرارةِ كلِّ وادي
ومَوجاتٌ من الكُرَبِ الشدادِ / تراوَحُ بانتقاصٍ وازدياد
فكنّا نسْتَنِيمُ إلى قُلوبٍ / قَدَدْناها من الصُّمَ الصِلاد
وكنّا نستجير إلى زعيمٍ / كلِيلِ السيفِ لمّاع النِّجاد
كَذوبِ الدَّمع يسمَنُ في الرَّزايا / ويَدْعَرُ وهو يَرْفُلُ في الحِداد
وكنا نمتطي مُهْرَ الطِراد / فِلَسْطيناً إلى يومِ اصطياد
وكانَتْ دَلْوَ نّهازين مدّوا / بها واستنفدوا ملء المزاد
وَعَدْناها بثأرٍ مستقادِ / ومجدٍ قد أضَعنا مُسْتَعاد
بتصريحٍ وصاحبِه مفادِ / وتصريحٍ يَظَلُّ بلا مفاد
ومؤتمرٍ تعجَّلَ عاقدوه / ومؤتمرٍ سيؤذِنُ بانعقاد
حماةَ الدارِ ما النَّكساتُ سِرٌّ / ولا شيءٌ تَلفَّفَ في بِجَاد
ولا لُغْزٌ يَحارُ المرءُ فِيهِ / فَيَجهلُ ما سُداسٌ مِنْ أُحَاد
ولكِن مِثلَما وَضَحتْ ذُكاءٌ / ونَوَّرَ حاضِرٌ منها وبادي
فما ذَهبَتْ فِلَسطينٌ بسحر / ولا كُتِبَ الفناءُ بلا مِداد
ولا طاحَ البِناءُ بلا انحرافٍ / ولا بَنَتِ اليهودُ بلا عِماد
وما كنتْ فِلَسْطينٌ لِتَبقى / وجيرتُها يُصاحُ بها بَداد
وسِتُّ جِهاتِها أخذت بجوعٍ / وجهلٍ واحتقارٍ واضطهاد
شعوبٌ تستَرقُّ فما يُبَقّي / على أثرٍ لها ذُلُّ الصِّفاد
تُساطُ بها المواهِبُ والمزايا / وتُحتَجزُ العقائدُ والمبادي
وتَطْلُعُ بينَ آونةٍ وأُخرى / " بحجَّاج " يُزَيَّفُ أو " زياد "
فَيُذوي الخَوفُ منها كُلَّ خافٍ / ويُصمي الجَوْرُ منها كلَّ بادي
وتُنتَهَبُ البلادُ ومِنْ بَنيها / يَؤوبُ الناهبون إلى سِناد
وتَنطلِقُ المطامعُ كاشراتٍ / تُهدِّدُ ما تُلاقي بازدراد
وتَنطبِقُ السُّجونُ مُزمجراتٍ / على شبَهٍ وظَنٍّ واجتهاد
حُماةَ الدارِ ما ميدانُ حَربٍ / بأعنفَ من مَيادينِ اعتقاد
فَمثلُكُمُ من الأرواح جسمٌّ / تُقاسي الموتَ من عَنَتِ الجهاد
وأخلاقٌ تضيق بِمُغْرياتٍ / شدادٍ في خُصومَتها لِداد
تَكادُ تَطيحُ بالعَزماتِ لولا / رُجولَةُ قادرينَ على العِناد
رُجولةُ صائمينَ ولو أرادوا / لكانوا الطاعمينَ بأيّ زاد
ومَعركةٍ يَظَلُّ الحقُّ فيها / يُسالِمُ أو يُهادِنُ أو يُبادي
وميدانٍ وليس لنازليهِ / سوى الصَّبرِ المثلَّم من عَتاد
وكانتْ في السُّطوحِ مَزعزَعاتٍ / خُطوطٌ يرْتَسِمْنَ منَ الفَساد
فها هي فرطَ ما جَنَتِ الجواني / إلى عُمقٍ تَغَّورُ وامتداد
لقَد شبَّتْ عنِ الطَّوقِ المخازي / وكانَتْ بنتَ عامٍ في مِهاد
حُماةَ الدارِ لولا سُمُّ غاوِ / أساغَ شَرابَه فَرطُ التمادي
وَلَوْغٌ في دم الخِلِّ المُصافي / فقل ما شِئتَ في الجنِفِ المُعادي
ولبَّاسٌ على خَتَلٍ وغَدْرٍ / ثيابَ الواقفينَ على الحِياد
وَخِبٌ لا يُريكَ متى يُواتي / فتأمنَ سرَّهُ ومتى يُصادي
تَطلّعُ اذ تَطلّعُ في رَخِيٍّ / وتَقرَعُ حين تَقرعُ في جَماد
ولولا نازلونَ على هواه / سُكارَى في المحبّةِ والوداد!
نَسُوْا – إلا نفوسَهُمُ – وهامُوا / غراماً حيثُ هامَ بكلِّ واد
أجرّهُمُ على ذَهبٍ فَجرّوا / فِلسطيناً على شوكِ القَتاد
وقادُوها له كَبْشَ افتداءٍ / صنيعَ الهاربينَ منَ التّفادي
لكنتم طِبَّ عِلَتِها وكانت / بكم تُحدَى على يدِ خيرِ حادي
حُماةَ الدارِ لم تَزَلِ اللّيالي / يُطوِّحُ رائحٌ منها بغادي
ولا تَنفكُّ داجيةٌ بأخرى / تَعثَّرُ لم يُنِرهْا هَدْيُ هادي
ولا تألو الضلالَةُ وهي سِقطٌ / تُكابرُ أنّها أمُّ الرَّشاد
حماةَ الدار كلُّ مَسِيلِ ظُلمٍ / وإن طالَ المدى فإلى نَفاد
وكلُ مُحتَشَّدٍ فإلى انِفِضاضٍ / وكلُ مُفرَّقٍ فإلى احتشاد
فصبراً ينكشِفُ ليلٌ عميٌ / وينَحسرِ البياضُ عن السواد
وتَتَضِحِ النفوسُ عن الخبايا / ويُفصِحُ مَنْ يُريدُ عن المراد
وتَندفِعِ الشعوبُ إلى محجٍّ / مُبينِ الرُشدِ موثوقِ السَّداد
وتُؤذنْ جذوةٌ إلى انْطِفاءٍ / يَؤولَ مآلُها أم لاتّقاد
ومهما كانتِ العُقبى فَلستُمْ / بمسؤولينَ عن غيبٍ مُراد
بدت خَوداً لها الأغصان شَعرُ
بدت خَوداً لها الأغصان شَعرُ / ودجلةُ ريقُها والسَفْحُ ثَغْرُ
على " بغداد " ما بَقِيتْ سَلامٌ / يَضُوعُ كما ذَكَا للوَردِ نَشْر
سمتْ تَزْهو على السَفحَينِ منها / قصورٌ ملؤها زَهْوٌ وكِبْر
يُظلَّلُ دجلةً منها جَناحٌ / كما بَاهى بقادِمتَيه نَسْر
نزلتُ فما رأيتُ أبرَّ منها / وضيفُ كريمةٍ برّ يُبَر
قرتْني الريحُ لم يَفْسُد مَهَبٌّ / له والماءُ لم يسْدُدْ مَمَرُّ
سكِرتُ وما سُقِيتُ بغيرِ ماءٍ / ودجلةُ ماؤُها عَسَلٌ وخَمر
كريمةُ سادةٍ عَرَّقْنَ فيها / عروقٌ من بني " عدنان " نُضْر
كفى " العباسَ " ما أبقَتْ بنوه / فما تَربو على " بغدادَ" مِصْر
مَضَوا غُرَّ الوجوهِ وخلَّدتْهم / نِقاباتٌ من الآثار غُرّ
فمن يكُ ذكرهُ حَسَناً جميلاً / فحسْبُ القَوم في بغدادَ ذِكْر
فيا بغدادُ لا ينفكُّ سِرٌ / لحُسْنِكِ ينجلي فيدِقُّ سِر
أكنت و " بابلاً " بلداً سواء / فللملكَينِ باقٍ فيك سحر
سقى الجْسرَ المَطيرَ من الغوادي / فَملْقى اللهو واللذاتِ جسر
هو البرجُ الذي كادَتْ عليه / نجومُ الأفقِ ساجدةٌ تَخِرّ
رأيتُ بأفقه شمسْاً وبَدراً / كأحسنِ ما تُرَى شَمسٌ وبَدر
نهاراً كلُّه أُصُلٌ لِذاذٌ / وليلاً كلهُّ سحرٌ وفجر
وقفتُ عليه وِقفةَ مستطيرٍ / من الأحزانِ ملْ حَشاه ذُعر
وللأمواج من حَنَقٍ نَشيشٌ / كما يَغلي على النيرانِ قِدر
ودجلةُ كالسجينِ بغَى فراراً / وأزْبَدَ حيثُ أعوزَه المَفَرُّ
وذاك الثابتُ الأركانِ أمسى / عليها ريشةً لا تستَقِرُّ
فما أدري غَداةَ نَزَا عليه / من الأمواج مُغتَلِمٌ يؤر
أتحتَ الماءِ غاصوا حين جازوا / عليه أم فُوَيقَ الماءِ مرّوا
أحقاً أن " أمَّ الخير " منها / بعاصمة " الرشيد " أحاطَ شرّ
وبات الماءُ منها قِيدَ شِبرٍ / لقد أسدَى لها الأحسانَ شِبر
ودجلةُ حُرَّةٌ ضيمَت فجاشَت / ويأبى الضيمَ والاذلالَ حرّ
أضاعُوا ماءها هدراً وأخنَى / على مُستودَعِ البَرّكات فَقْر
فان تَكُ دجلةٌ هَدَأت وقرَّت / فللغضبان " شِقْشِقَةٌ " تَقَر
وإن تُبْتُمْ فذالكمُ وإلا / تُصِرُّ على البلية إن تُصرّوا
رأوا حسنَ العراق فأعجبتهمْ / اباطحُ من ربيع فيه خُضْر
وقد حَنُّوا اليه كما تلظى / فطيمٌ حول مرضعة تدُر
فيا وطناً جَفَوْهُ وهو راضٍ / وعقَّته بنوه وهو بَرّ
برغمي أن تروقَ لهم فتحلوا / مواردُهم وعيشي فيك مرّ
نصيبي منك دمعٌ ليس يرقى / على البلوى وجنبٌ لا يَقِر
رضيً بالحالتين ضنىً وبؤسٌ / فضُر من بلادي لا يضر
ولستُ ببائعٍ أرضي بأرضٍ / وإن لم ألقَ فيها ما يسر
ومن لم يرضَ موطنه مقراً / من الدنيا فليس له مقر
تتابعت الخطوبُ على بلادي / فواحدةٌ لواحدةٍ تُجَر
وقد مرت نحوسٌ واستمرت / وذلُ القوم نحسٌ مستمر
فلو قالوا تمنَّ لقلتُ يوماً / يكرُّ وما به خطبٌ يكر
إليك الشعرَ يا بغدادُ عِقداً / تناسق لؤلؤٌ فيه ودُرّ
بيانٌ جاش فيكِ فجاء عفواً / وحسنٌ رق منك فرقّ شعر
جرى بالوَفق من قلبي لساني / وأظهرت القوافي ما أُسِر
وَداعا ما أردت لكَ الوَداعا
وَداعا ما أردت لكَ الوَداعا / ولكنْ كانَ لي أملٌ فضاعا
وكمْ في الشرقِ مثلي من مُرَجٍّ / أرادَ لكَ النجاحَ فما استطاعا
وإنَّ يداً طوتكَ طوتْ قلوباً / مرفرفِةً وأحلاماً وِساعا
وقد كانت متى تذكَرْكَ نفسي / تَطِرْ –إذْ تمتلي فرحاً – شَعاعاً
فها هيَ بينَ تأميلٍ ويأسٍ / تُصبَّرُ ساعةً وتجيشُ ساعا
أمان الله والدُّنيا "هَلوكٌ " / أبتْ إلَّا التحوُّلَ والخِداعا
بغيرِ رويَّةٍ حُبّاً وكُرهاً / إذا كالتْ تُوفّي المرءَ صاعا
تثَّبتْ لا ترعُكَ فليس عدلاً / ولا عَّودتَ نفسكَ أنْ تُراعا
إلهُ الشرِّ جبارٌ عنيدٌ / يحبُّ معَ الجبابرةِ الصراعا
وأحكامُ القضاءِ مغفَّلاتٌ / يُسئنَ إذا انتخبنَ الإِقتراعا
أرى رأسَ " ابنَ سقاءٍ " محالاً / يُطيق بتاجكَ الألِقِ اضطلاعا
بلى وأظنّه عمَّا قريبٍ / سيشكو من تحمّله الصدداعا
لقد أودى بعاطفتي ركودٌ / فها أنا سوفَ أندفعُ اندفاعا
تقدَّمْ أيها الشرقيُّ وامددْ / يديكَ وصارعِ الدُّنيا صِراعا
فقد حلَفوا بأنَّك ما استطاعوا / ستبقى أقصرَ الأقوامِ باعا
وأنَّك ما تُشيِّدْ من بِناءٍ / تَجِدْ فيه انثلاماً وانصداعا
وليس بأوَّلِ التيجانِ تاجٌ / أرْدنَ له مطامعُهم ضياعا
فيا لِشقاء شعبٍ مَشرقيٌٍّ / إذا وجدوا به ملِكاً مُطاعا
وهبْ أوفى ب " أنقرة " وأنعمْ / رُواءُ المُلك يَزدهرُ التماعا
فلمْ تكنِ " البَنيَّةُ " وهيَ فردٌ / لتعدِلَ ألفَ بنيانٍ تداعى
سأقذِفُها وإنْ حُسِبَتْ شذوذاً / وإن ثقُلتْ على الأذنِ استماعا
فما للحرِّ بدٌّ من مَقالٍ / يرى لضميرِهِ فيه اقتناعا
إذا لم يشْمَلِ الاصلاحُ دِيناً / فلا رُشْداً أفادَ ولا انتفاعا
وأوفقُ منه أنظمةٌ تُماشي / حياةَ الناسِ تُبتدَعُ ابتداعا
أتتْ " مدنيَّةُ الاسلام " لمّاً / لشعثٍ لا انشقاقاً وانصداعا
ولا لُترى مواطِنُها خراباً / ولا ليبيتَ أهلوها جِياعاً
ولا لتكونَ للغربيِّ عوناً / يهدَّدُ فيه للشرقِ اجتماعا
وإلَّا ما يُريدُ القومُ منَّا / إذا ألقتْ محَّجبةٌ قِناعا
أعندَ نسائنا منهمْ عهودٌ / بأنَّهُمُ يجيدونَ الدِّفاعا
أإنْ حُلِقتْ لحىً مُلئتْ نِفاقاً / تَخِذْتُمْ شَعرها دِرْعاً مَناعا
رفعتمْ رايةً سوداءَ منها / وثوَّرتمْ بها ناساً وِداعا
عَفتْ مدنيَّةٌ لدمارِ شعبٍ / وديعٍ تخدُمُ الهمجَ الرَّعاعا
همُ نفخوا التمرُّدَ في خِرافٍ / وأغرَوهنَّ فانقلبت سِباعا
ومن خُططِ السياسةِ إنْ أرادتْ / فساد المُلك أفسدَتَ الطّباعا
على أني وإنْ أدمى فؤادي / ليومك ما أضيقُ به ذراعا
أُحمِّلكَ الملامةَ في أُموراٍ / بِطاءٍ قد مشيِتَ بها سِراعا
وقد كانت أناةٌ منكَ أولى / وإنْ كنتَ المجرِّبَ والشجاعا
" وخيرُ الأمرِ ما استقبلتَ منه / وليسَ بأنْ تتبَعهُ اتباعا"
" ولكنَّ الأديمَ إذا تفرَّى / بلىً وتعيُّباً غلبَ الصَّناعا"
عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوُقوفُ
عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوُقوفُ / وأنْ يَتعجَّلَ الزمنُ الرَّسيفُ
وأنْ ينجابَ عنكَ غُبارُ بُؤسٍ / يَضيقُ به مُحيَّاك الأسيف
أقِمْ كتِفَيْكَ لا يُثْقِلْكَ ذُلْ / ولا يشمَتْ بكَ القَصْرُ المُنيف
ولا يَقُلِ السَّريُّ هنا شقيٌّ / يَضيقُ بذُلِّ وَقْفَته الوصيف
تقدَّمْ إنَّ خلفَكَ راسفاتٍ / جماهيراً يضِجُّ بها الرَّصيف
صُفوفاً للسُجونِ بها تُعَبَّا / إذا أزِفَتْ وتنتَظِمُ الصُفوف
وأجنِحةً وإن طُويَتْ ففيها / على الأجيالِ قادِمةً رفيف
أطِلْ مُكثاً فانَّكَ عن قريبٍ / ستَنْقُّصُ في الضَّحايا أو تُضيف
وطُفْ دَهْراً فقد كرَّتْ دهورٌ / على الدُّنيا وأحرارٌ تطوف
ولم يَبْرَحْ بحيثُ نزلتَ ضيفاً / يُنيخُ الرَّحْلَ حُرٌّ مستضيف
هُنا الرأيُ العنيدُ أقامَ سَدّاً / عليه البغيُ – والفِكرُ الحصيف
ولا تخجَلْ فحيثُ وقفتَ ظلَّتْ / إلى غاياتِها تقفُ الأُلوف
ومِنْ حيثُ احتُجزِتَ مشى طليقاً / يَهُّزُّ الكونَ جبارٌ عَصوف
وأولاْءِ الذينَ لهمْ وجوهٌ / تُحَبِّبُ أو تُعَطِّفُ أو تخيف
وأجفانٌ ترِفُّ على عُيونٍ / تغورُ كما تَغوَّرَتِ الكهوف
وأسمالٌ لهمْ منها فِراشٌ / يُلَمُّ بها الثَّرى ولَهُمْ شُفوف
همُ المتقّحِمون الدَّهْرَ بأساً / به مِن وقعِ أرجُلِهمْ وجيف
فلا يُخذَلْ بمظهرِكَ الأليفُ / ولا يَطْمَعْ بِرُفقتكَ " العريف "
أطِلْ مكثاً فسوفَ يُزاحُ ليلٌ / تَلُفّكَ منه والدُّنيا سُجوف
ومِنْ هذي الكُوى سيُطِلُّ فجرٌ / ضَحوكٌ يملأ الدُّنيا كَشوف
ولم تَزَلِ الدُّنى من ألفِ ألفٍ / يُصرِّفُ من أعنَّتها " الرَّغيف "
تمرَّغَتِ الخدودُ مُصَعَّراتٍ / به واستُرْغِمتْ منها الأنوف
وظلَّ ابنُ " المطاحِنِ " مشمَخِراً / عليه الهامُ من فَزعٍ عُكوف
يدورُ الفِكرُ جباراً عنيداً / بحيثُ يدورُ والقلَمُ الرَّهيف
يُقِضُّ مضاجعَ الباغينَ منه / لكلِّ منامةٍ طيفٌ يطوف
وأني عرَّسوا أسرى إليهم / يُطيلُ عذابَهمْ وجهٌ مُخيف
تَخافُ شُذاةَ غَضبَتهِ أُلوفٌ / وتستجدي مودَّتهُ ألوف
وتُستاقَ الجيوشُ مُسَخَّراتٍ / لها من خوفِ زحفتهِ زُحوف
وكم جرَتِ الدّماءُ لها هَديرٌ / على حبَّاتِه وبها نزيف
وكم ألوى بها هذا النَّحيفُ / وهذا المستبِدُّ بنا العنيف
سَلِ التأريخَ كم زخَرَتْ شُجونٌ / بدفَّته وكمْ شُحِنَتْ حُتوف
وكم غادى ربيعَ الفكرِ فيه / من النَّزَّعاتِ عابرةً خريف
وكمْ ألقى على حيٍّ نزيلٍ / غُبارَ كِفاحهِ حيُّ خَلوف
وهلْ بالرَّغْمِ من هذا وهذا / تأبَّتْ منه دانيةً قُطوف
وهلْ دهرٌ أتى لمْ يَسْرِ فيه / يفيء ظِلالَهُ فِكرٌ وَريف
ولمْ تسحَبْ به الخطَرات ذيلاً / له في مسمعِ الدُّنيا حَفيف
أطِلْ مكثْاً إلى يومٍ تُوقّي / به كفَّيكَ أو تُلوى كُفوف
ودَعْ رُسْغَيهِما للقَيدِ نَهباً / لِنابَيه بلحمهِما صَريف
فمِنْ تأريخِكَ الألِقِ المدَّمى / تَبينُ بهذه النُقَطِ الحُروف
ومُلْكُ الدَّهرِ أنتَ بما توفّي / من الألمِ الذبيحِ وما تُعيف
ولَسْتَ مُخَّيراً في زمهريرٍ / تُشَتَي أو بجاحمةٍ تَصيف
ولا في أنْ يِمِسَّ ذويكَ ضُرٌّ / يَحيقُ بهمْ ومَظْلَمةٌ تَحيف
ولا آيِّ المصايرِ يحتويهمْ / وأيِّ نوىً تعاوَرهُمْ قَذوف
ولا أيِّ الجنينِ تُدِرُّ أمٌّ / رَءومٌ في مراضِعها رَءوف
ولا أيِّ الأكُفِّ بها تهاوى / ولا أيِّ السُمومِ لها تَديف
أطِل مكثاً فلمْ يَبْرَحْ أنيقٌ / رَشيقٌ في تأطّرهِ ظريف
يَتيهُ بحيثُ تَلتحِمُ الرَّزايا / عليكَ بحيثُ تَلْتَحِمُ السُقوف
مَشى فتعجَّبَ " الطاووسُ " منه / فقد ألوى بِمشيتهِ الزَّفيف
كأنْ لم تَضوِ إخوتَهُ سِياطٌ / ولمْ تَتحَدَّ أهلَهمُ الصُروف
بلى : وكأنَّ بُؤْسَهُمُ تليداً / له ولأهلهِ مَجْدٌ طَريف
أطِلْ مكثْاً إلى يومٍ تَلاقى / عليكَ بساحةِ الألمِ الصُفوف
أطِلْ مكثاً : وفاخِرْ أنْ خصماً / عَسوفاً خَصْمُهُ بغيٌ عسوف
ونَصِّبْ مِنْ جبينكَ فاللَّيالي / تُحاولُ ان تُخَوِّفَ مَنْ يُخيف
عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوقوفُ / ومهما طالَ فالدُّنيا ظُروف
خذي نفسَ الصبا " بغداد " إني
خذي نفسَ الصبا " بغداد " إني / بعثتُ لكِ الهوى عرضاً وطولا
يذكّرُني أريجٌ بات يُهدي / إلىَّ لطيمُه الريحَ البليلا
هواءك إذ نهشُّ له شَمالاً / وماءك إذ نصّفِقه شَمولا
ودجلةَ حين تَصقُلها النُعامى / كما مَسَحتْ يدٌ خداً صقيلا
وما أحلى الغصونَ إذا تهادت / عليها نُكَّسَ الأطراف مِيلا
يُلاعبها الصِّبا فتخال كفّاً / هناك ترقِّصُ الظلَّ الظليلا
ربوعُ مسرَّةٍ طابت مُناخاً / وراقت مَربعاً وحلَتْ مَقيلا
ذكرتُ نميرها فذكرتُ شعراً / " لأحمدَ" كاد لطفاً أن يسيلا
" وردنا ماءَ دجلةَ خيرَ ماءٍ / وزرنا أشرفَ الشجر النخيلا"
" أبغدادُ " اذكري كم من دموع / أزارتكِ الصبابةَ والغليلا
جرينَ ودجلةً لكن أجاجاً / أعدن بها الفراتَ السلسبيلا
" ولولا كثرةُ الواشينَ حولي " / أثرتُ بشعريَ الداءَ الدخيلا
إذن لرأيتِ كيف النار تذكو / وكيف السيل إنْ ركب المسيلا
وكيف القلبُ تملكه القوافي / كما يستملك الغيثُ المحولا
أدجلةُ إنَّ في العبرات نطقاً / يحّير في بلاغته العقولا
فانْ منعوا لساني عن مقالٍ / فما منعوا ضميري أن يقولا
خذي سجعَ الحَمامِ فذاك شعرٌ / نظمناه فرتَّله هديلا
ألا لا تسألاني ما دهَاني
ألا لا تسألاني ما دهَاني / فعن أيِّ الحوادثِ تسألانِ
بكَيت وما على نفسي ولكنْ / على وَطَنٍ مُضام مُستَهان
على وَطن عجيفٍ ليس يقوَى / على نُوَبٍ مُسلْسلةٍ سمان
تظُنُّ زعانفٌ . والظنُ إثم / باني لا أُرامي من رَماني
أأتركُهم وقد أغرَوا بأخذي / وأنساهُم وقد غَصَبوا مَكاني
اما واللهِ لولا خوفُ واشٍ / يحرَّفُ عن مقاصِده بَياني
إذنْ لملأتُ محفِلَكم شُجوناً / دماً يبكي عليها الرافدان
ولكني أطمَّنُ من هِياجي / وأمنع أن يغالبَني جَناني
لِحاظاً للعواقب وانتظاراً / ليومٍ ضامنٍ نيلَ الأماني
أمثلي تَمنَعون عن القوافي / ومثلي تحبِسون عن البيان ؟
سيمنعُ من طلاقته لساني / متى مُنِعَ الظهورَ الفرقدان
دعوه انه بالرغم منكم / جوادٌ سابقٌ ملءَ العِنان
عريقٌ ليسَ بالمجهول أصلاً / ولا يَنمي لآباء هِجان
أنا الصَبُّ الذي مَلَك القوافي / ولم يبلُغْ سوى عشرٍ زماني
حياتي للعراق فِدىً ووقفٌ / على وطني ومُصلِحُه كياني
ولو سُئِل الجمادُ لمن قريضٌ / تَهَشُّ له إذا يُروَى عَناني
" ولو اني بُلِيتُ بهاشميٍّ / خُؤولته بنو عبدِالمَدان
لهان عليّ ما ألقى ولكنْ / هلُّموا وانظروا بمن ابتلاني "
خُذوا من يَومكم لغدٍ متاعا
خُذوا من يَومكم لغدٍ متاعا / وسيروا في جهادِكمُ جِماعا
وكونوا في ادَّراء الخطب عنكم / يداً تَبني بها العَضُدُ الَّذراعا
ذروا خُلفاً على رأيٍ ورأيٍ / إلى ان يلقيَ الأمرُ القِناعا
وخلُّوا في قيادتكم حكيماً / يدبِّرُها هُجوماً او دِفاعا
رحيبً الصَدر ينهضُ بالرزايا / ويُحسنُ أن يُطيع وأن يُطاعا
حملتم ثِقْل جائرةٍ عسوفٍ / تميل بمن يحاولُها اضطِلاعا
ونادَيتم بذائعةٍ هَتوفٍ / نَمى خَبَرٌ بها لكُمُ وذاعا
تعلَّقَتِ العُيونُ بها احتفاءً / وأُتلِعَتِ الرقابُ لها اطلاعا
وأوجفتِ الشعوبُ على صداها / وقد عابَ العِيانُ بها السَماعا
تراهَنُ بينها عن كلِّ شَوط / بحلْبتكم وتُقتَرعُ اقتراعا
فقد وعَظَتْكُمُ سُودُ الليالي / ولم تعرفْ بما تعِظ الخِداعا
بأنَّ اشقَّ مطَّلَبٍ رأته / ضعيفٌ طالبٌ حقاً مُضاعا
فلا تكِلوا الأمورَ إلى قضاء / فما كانَ القضاءُ لكم رَضاعا
ولا تنسَوا بأن لكمْ عدوّاً / طويلاً وفي ازدراع الخُلفِ باعا
يُلوِّي كلَّ يَوم من قناةٍ / ويَبتدِع الشِقاقَ بها ابتِداعا
وانكُمُ بكَعْب السَوطِ منكم / قَرَعْتُم " رأس " مَن سنَّ القِراعا
قَرَعَتُم رأسَ مختَبطٍ رؤوساً / مماكرةُ ومالكَها صُداعا
مسكتُمْ من خِناقةِ أفعُوانٍ / شديدِ البطش يأبى الإنصِراعا
تعاصى والدُنى من كل حَدْبٍ / تهزُّ الصُلْبَ منه والنُخاعا
فمُدّوا كفَّكَم هَوناً فهَوناً / وجُرّوا منه أنياباً شِناعا
وفكُّوا شِدْقَ مُؤتذِبٍ خبيث / وسُلُّوا حَقَّكم منه انتزِاعا
ولا تَنْسَوا بأنَّ له عبيداً / شَراهم بابتسامته وباعا
حَباهم شرَّ ما يُحبَى خَؤونٌ / يغذَّي من كرامته الطِماعا
وعوَّضَهم عن الشَرَفِ المُبَقَّى / حُطام المالِ يذهَبُ والضِياعا
احَلَّ لهم دماءكمُ مَخاضا / وبؤَّأهم " حقوقَكمُ " رباعا
وملَّكهم رقابَكم فآبٍ / تملَّكَها وذو خَورَ أطاعا
فسقُّوهُم بكأسهمُ دِهاقاً / ذِعافَ الهَون والذلِّ اجتراعا
وجُروّهم على حَسَك الخطايا / ورُدُّوا كَيْدَهم بالصاع صاعا
وزيدوا بالدم العَبِق اتشاحاً / وبالوحي الذي يوحي ادِّراعا
وكانوا في احتراشِهمُ ذئاباً / فكونوا في ضَراوتكمْ ضِباعا
شَبابَ اليَوم إن غداً مَشوقٌ / يَمُدُّ لكم ليَحضُنَكم ذِراعا
يُمدُّكُمُ بروح من خُطوبٍ ! / تعوَّدَ انْ يمدَّ بها الصِراعا
وأنْ يعتاضَ عن جيل بجيلٍ / بها ويفضََّ بينهما النزاعا
رصاص البَغي يفجُرُكم ليجري / دمٌ يَزْكو به الوطنُ ازدِراعا
ويُخصِب من رياضِ حقلٌ / يُراح القادمونَ ! به انتِجاعا
و " سَوطُ " الفاجرينَ يُعيد لحناً / له تترنَّحُ الدنيا استِماعا
وقَعرُ السجن حيثُ مشتْ " فرنسا " / من " البستيل " ترتَفِعُ ارتفاعا
والوانٌ من " التعذيب"! تَهدي / سجلَّ " الثورة " الكبرى شُعاعا
واشباحٌ تُراوحكم قِباحٌ / تَروعُ حَصاتَكم ساعاً فساعا
هي الاشباحُ من عهد تَرامى / على عهد فترتجفُ ارتِياعا
شبابَ اليوم إنكمُ ثمارٌ / سيقطفُها الغدُ الآتي سِراعا
جَنى جيلٌ يعبِّئُ للرزايا / مصايرَه وللذُل اقتناعا
على جيلٍ كأنَّ عليه مما / بَنَى البانون من وِزْرٍ قلاعا
بذَوب الفكر يفتتح القَضايا / ويختِمها بمهجته اندفاعا
دَمَ " الشهداء " لا تذهَبْ هباءً / ولا تجمُدْ بقارعةٍ ضَياعا
ولا تشكُ الظِماء فان فينا / دماءً سوفَ تشربُها تِباعا
ولا تَخَلِ الجفاءَ فلم تُغَيَّبْ / يدٌ تُرعى ولا ذمم تُراعى
فما كَدم " الشهيد " اذا تَنادى / كثيرٌ ناثِروهُ اذا تَداعى
وما تَهَب الصنائع للبَرايا / كما يَهَبُ " الشهيد " لها اصطِناعا
انَفقِدُكم ! ولا نَرعىَ حفاظاً / وتَرعَى البيتَ فاقدةٌ صُواعا
اذن! فالثَأر نَنشُده كِذاباً / وصوتُ الحق نسمعُه خِداعا
اذن! فسَيُوسِعُ التاريخُ رجماً / كِلَينا من " أطَلَّ " ومن أضاعا
ونحن – اذن – نَسومُ دماً زكيّاً / بعاجلةٍ شِراءً وابتِياعا
فالىُّ " زكاً " يُصان – اذن – ويُقْنَى / وايُّ شذاة طهرٍ لن تُباعا
ونحن – اذن – على الأشلاء نُزجي / رغائبَنا ! ونُسمنُها رِتاعا
فليتَ الحزنَ تُطبقُ فوق سالٍ / سحابتُه وتأبى الإِنقِشاعا
وليت الليلَ يغمرهُ دخاناً / وليت الصبحَ يُمطرُه التياعا
وليت مُنىً يُراودها فِجاراً / تُعاوِده لتنهَشَه ضِباعا
وليت ضميرَه يثب افتزاعا / من الذكرى وينتفِضُ التذاعا
وليت العارَ يبرحُ مستضيفاً / سريرتَه اصطيافا وارتِباعا
وليت امامَ عينيه احتراقاً / جَرىَ كالشمع حاضرهُ وماعا
وليت خيالَ ماضيه مَسيخاً ! / يَلوح على ملامحِه انطِباعا
دمَ " الشهداء " انتَ اعزُّ مُلكاً / وقاعُك اشرفُ الدنيا بِقاعا
وانت الخُلدُ بالأنهار يَجري / وبالمِسك انتَشَى أرَجاً وضَاعا
دمَ الشهداء كنتَ النارَ شبَّتْ / على الباغين تندَلِعُ اندلاعا
تلُفُ طَغامَهمْ نِكساً فنِكساً / إلى يَومٍ تَلفُّهُمُ جِماعا
إلى يوم تُطيح بما أقاموا / وما اختَطُّوا فتَنسِفُهُ اقتِلاعا
دمَ " الشهداء " اهِدِ الجمعَ يُبصِرْ / طريقاً منك يزدَهِرُ التِماعا
أهبَّ له الحواضر والبوادي / وعرِّفْه المَشارفَ والتِلاعا
متى يَقْحَمْ قِطاعاً من شُرور / فأقحِمْه بسَوْرتِه قِطاعا
وسدِّدْ من خُطاه إذا توانى / وجدِّدْ من قُواه اذا تَداعى
وكن إن لفَّه ليلٌ شُعاعاً / وان طال الطريق به متاعا
دفعتَ بما استطعتَ الضُرَّ عنه / فزده ما استطعتَ بك انتِفاعا
وزِدْه ما استطعتَ لك انصياعا / وعما يُغضِبُ الوطَنَ امتِناعا
وزِده في الخُطوب بك اعتِزازاً / وحَوْلَ شعارِك الألِقِ اجتماعا
وكنْ فيما اندفَعْتَ شِعارَ جيلٍ / حثيثِ الخطو يأبَى الإرتجاعا
وأعلِنْ بانفطامِك عن شَبابٍ / به يتعلَّلُ الشيخ ارتِضاعا
عن الشهوات في الحكمِ ازدجاراً / وعن حكم يُلاث بها ارتِداعا
دمَ " الشهداء " مهما اسطَعْتَ فادفَع / وحَسْبُ الحر جُهداً ما استطاعا
إلى الغَمَرات افئدة تَنَزَّى / من " الغَمرات " تَخْشَى الانخِلاعا
تُحبُّ الموتَ تغمرُه التحايا / وتأبَى ان تَطيرَ به شَعاعا
وتَخْشَى الخُلدَ مُفزعةً نفوساً / وتهواه مُكرِّمةً طُباعا
وما انفكت على رِجْلٍ وأخرى / تُخالفها نُكوصاً وانصِياعا
فأكرِهْها وقُل سيري بسَوطٍ / يُدَمِّي من أبَى سَيْراً وطاعا
بسَوْطٍ من جُلودٍ ملزماتٍ / بهَدْي الناس يقتَطِعُ اقتِطاعا
تَوَكَّلَ ان يسودَ الناس حكمٌ / يُساوي من أُجيعَ بمن أجاعا
ويُسقطُ من شِفاهِهُمُ سَواداً / ويمحُو من مَعاجِمهم رَعاعا
وقل سيري ولا تقفي انتِكاصاً / وانتَ فَسَلْ ولا تقفِ انقِطاعا
وقل سيري فما يَعْيَا دليلٌ / حَدا من قبلكم فَهَدَى وضاعا
وقل سيري اتباعَ أخي افتِداءٍ / مَشَت من خَلفه الأمم اتباعا
جلبتُ لها " السُمُوَّ " فأوسعتني / من النُّكران ما يصِمُ اتضاعا
وذُقْتُ الوحشةَ الكبرى فكانت / أنيسَ الناعمين بها اضطجاعا
وكنت لها انا المجهول علماً / وأخلاقاً وحكماً واشتِراعا
ومخترعٍ يتيه على كِبراً / ولو لم أجرِ لم يجدِ اختِراعا
وفذٍ " عبقريّ من نَتاجي / تَرَعْرَعَ " صيتُه " ونما وشاعا
تجاهَلَني وكنتُ له خيالاً / وأهملني وكنت له يَراعا
وآخرَ ذي فُتوحٍ أشجعيٍّ / سفحتُ له ليرتبيَ اليَفاعا
تناسى من له اقتادَ السرايا / ومن كانَ الشَّجاعةَ والشُّجاعا
ويا اكفانَهم كوني لواءً / وسيعاً يحضُن الهِممَ الوِساعا
وسُدي ثُلمةً من كل خَرْقٍ / يَزيدُ الخَرقُ شقتَّه اتساعا
وزِيدِي في خضَمِّ المجد مَوْجاً / وكوني من سفائِنه شِراعا
عَدتني أن أزوركمُ عوادي
عَدتني أن أزوركمُ عوادي / فلا تُشْجوا بكتبكُمُ فؤادي
عجيبٌ ما أرتنيه الليالي / وأعجب منه أن سلم اعتقادي
بأيسر من أذاي ومن شَكاتي / رمى الناسُ " المعرّي " بارتداد
وما في هِمَّتي قِصرٌ ولكن / قدحتُ مطالبي فكبا زنادي
سلِ الأيامَ ما أنكرنَ مني / كريمَ الخِيم أم شرفَ الوِلاد
أرقُّ من النسيم الغضَّ طبعي / وأحمل ما يشقُّ على الجماد
فيا نفسي على الحسرات قَرّي / فأين مُراد دهركِ من مرادي
ولا ترِدي ماردَ صافيات / إذا ما كان حتماً أن تذادي
أينكر إلفتي حتى صحابي / وتنبو الأرض بي حتى بلادي
ومن عجب تضيعني وذكري / تردّده المحافل والنوادي
أيدري من يردِّدها حساناً / خلاءً من زِحتف أو سناد
تناقَلُها الرُّواة بكلّ فجٍّ / وتُهديها الحواضر للبوادي
بأن الشعرَ تشرب من عيوني / قوافيه وتأكل من فؤادي
ونَفسٍ لاقتِ الصدماتِ عزلى
ونَفسٍ لاقتِ الصدماتِ عزلى / وكانت وهي شاكيةُ السلاحِ
وقد كانتْ سباخاً فاستثيرت / وفلَّ صميمَها وقعُ المساحي
وأفراحٍ شحيحاتٍ أديفت / بأتراحٍ جُبِلْنَ على السَّماح
أأقرَبُ ما أكونُ إلى انقباض / وأبعَدُ ما أكون عن انشراح
وَشتَّان اقتراحات الليالي / وما تَبغيه مني واقتراحي
فليتَ حوادثأً ما رفَّهَتْ لي / نطاقَ العيشِ لم تحصُصْ جناحي
وليتَ مخابراً قَبُحَت دَهَتني / مجرَّدةً عن الصُورِ القِباح
إلى ألَمٍ وعن أَلَمٍ مسيري / فما أدري غُدويَّ من رَواحي
وما أختارُ ناحيةً لأنّي / رَماني الدهرُ من كل النواحي
وملء القلبِ إذ حبست لِساني / ظروفٌ مغرماتٌ باجتياحي
جراحٌ لم تَفِضْ فملئن قَيحاً / وبعضُ الشر لو فاضت جِراحي
رأيتُ معاشرَ الشعراء قبلي / تعدُّ الخمر مَجلبةَ ارتياح
وقد أُغرِقْتُ في الأحزان حتى / سئمتُ مَنادمي وَذَممتُ راحي
وما سكرانُ يقتحِمُ البلايا / كمُقتحِمِ البليةِ وهو صاحي
بعينِ الشعرِ والشعراءِ بيتٌ / هَتَفْتُ به فطارَ مع الرياح
يَهُبُّ مع الصَبا نَفسَاً رقيقاً / ومؤتلقاً يطيرُ مع الصَباح
له من وقعهِ نَسَبٌ صريح / يمتُّ به إلى الماءِ القراح
ولو في غيرِ أوطاني لجالتْ / به نظم القلائد والوِشاح
وقائلةٍ ترى الآدابَ سَفَّت / وقد غطّى النُعابُ على الصُداح
وما نفعُ السكوتِ وقد أُضيعتْ / حقوقُ ذوي الجدارهِ بالصياح:
تقدَّمْ للقوافي واقتَحِمْها / فقد يُرجى التقدُّمُ بالكفاح
أقول لها :دعي زَندي فاني / أخافُ عليك بادرةَ اقتداحي
وكلُّ حقيقةٍ ستَبينُ يوماً / وكل تصنّعٍ فإِلى افتضاح
وما بغدادُ والآدابُ إّلا / كما انتفخت طبولٌ من رياح
تُوفّي الحُرَّ من حقٍ مُضاعٍ / ومن عِرضٍ تمزِّقُه مُباح
ولما أنْ رأيتُ الشعرَ فيها / أداةً للتشاحن والتلاحي
أنرتُ ذُبالَ مسرجتي بكفي / أفتشُ عن أديبٍ في الضواحي
فكان هناك تحتَ ستارِ بُؤسٍ / يجلِّله وفي ثوب اطراح
أقول له : ألا وجهٌ حييٌ / يقيكَ طوارقَ النّوَبِ الوِقاح؟
أما في الحيِّ معترفٌ بفضلٍ / يناشِد عن غدوِّكَ والرواح؟
فقال وأرعشتْ شفتاهُ : دعني / أقابلْ جِدَّ دهرِكَ بالمُزاح
ومثلي ضحَّت الدنيا كِثاراً / فهبني بعضَ هاتيك الأضاحي
أتت زمراً فهدَّدت البلادا
أتت زمراً فهدَّدت البلادا / خطوبٌ هزَّت الحجرَ الجمادا
فيا وطناً تناهبتِ الرزايا / حُشاشتَه وأقلقتِ المهادا
برغمي أنَّ داءك لاأقيه / وجرَحكَ لاأطيق له ضمادا
وأنْ يِردوا مياهَكَ صافياتٍ / مرقرقةً وأنْ أرِدَ الثمادا
وأن تصفو مواردُهم فتحلوا / لهمْ وبنوكً لا يَجِدونَ زادا
تدفقْ ماءَ دجلة فاخترقْها / سهولاً طبنَ مرعىً أو وهادا
وجلّلْها عميمَ النبت واخلعْ / عليها الحُسْنَ وافرُشْه وسادا
وقُلْ للزارع المسكين يزرعْ / ويتركه إذا بلغ الحصادا
أراد السوطُ أن نشقى ليهنوا / وماضٍ حكم "سوطٍ " إنْ أرادا
وسيّدُ نفسه شعبٌ ولكنْ / قضى الفردُ المسلَّطُ أن يُسادا
ألا ساعٍ ولو بخيال طيفٍ / يبشّر أنَّ عصَ الظلم بادا
أخُلانَ العبادِ على استواءٍ / لِمن وعلى مَ اسلَمْتِ العِبادا
رأوا في الرافدين ثرىً خصيباً / يروقُ العين فانتشروا جرادا
سل النشءَ الجديدَ حماه ربي / أيقدِر أنْ يُبلّغنَا المرادا
أيقدر أن يُري التاريخ سعياً / متى نمرُرْ عليه نقلْ أجادا
وأن يسعى ليصلحها شعوباً / بنوها أوسعت فيها فسادا
فانَّ على الوجوه سماتِ خيرٍ / حساناً تكشف الكُرَبَ الشدادا
مدارسَنا احفظي الأولد إنا / وضعنا بين أضلعك الفؤادا
أريهم واجبَ الوطنِ المفدَّى / لكيما يُحسنوا عنه الجهادا
أريهمْ أننا بالعلم ننمو / كما ينمو الثرى سُقِي العهادا
أريهم أننا نبغي رجالاً / نسود بها الممالك لا سوادا
أشبَّانَ العراق لكم ندائي / ومثلُكُمُ جديرٌ أن يُنادى
ألستم إنْ نبا بالشعب خطبٌ / نضيناكمْ له قضباً حدادا
وحسب الشعبِ بالفكرِ اعتقاداً / وبعد الله بالنشء اعتضادا
لساني نافثٌ سماً وطبعي / يلطفُه فتحسبُه شِهادا
لئنْ غطى على كَبدي اديمٌ / فكم من جمرةٍ كُسِيَتْ رَمادا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025