المجموع : 11
بِعَيشِكَ هَل جُزيتَ عَنِ القَوافي
بِعَيشِكَ هَل جُزيتَ عَنِ القَوافي / بِغَيرِ أَجَدتَ أَو لا فُضَّ فوكَ
جَزاؤكَ مِن كَريمٍ أَو بَخيلٍ / رَقيقاً كانَ شِعرُكَ أَو رَكيكا
كَلامٌ لَيسَ يُغني عَنكَ شَيئاً / إِذا لَم يَقتُلِ الآمالَ فيكا
وَرُبَّتَما يَمُنُّ عَلَيكَ قَومٌ / كَأَنَّكَ قَد غَدَوتَ بِهِم مَليكا
إِذا أَرسَلتَ قافِيَةً شَروداً / فَقَد أَيقَظتَ في الناسِ الشُكوكا
وَقَد تُبلى بِأَحمَقَ يَدعيها / فَإِن تَغضَب لِذَلِكَ يَدعيكا
سَرى يَطوي بِنا الأَميالَ طَيّاً
سَرى يَطوي بِنا الأَميالَ طَيّاً / كَما تَطوِ السِجِلَّ أَوِ الإِزارا
فَلَم نَدر وَجُنحُ اللَيلِ داجٍ / أَبَرقاً ما رَكِبنا أَم قِطارا
بِنا وَبِهِ حَنين وَاِشتِياقٌ / وَلَولا ذانِ ما سِرنا وَسارا
وَلَكِنّا وَسِعنا الشَوقَ ذَرعاً / وَضاقَ بِهِ فَصَعَّدَهُ بُخارا
وَسَمَّينا الَّذي يُخفيهِ وَجداً / وَسَمَّينا الَّذي يُخفيهِ نارا
غَفا صَحبي وَبَعضُهُم تَغَفى / وَلَم أَذُقِ الكَرى إِلّا غِرارا
جَلَستُ أُراقِبُ الجَوزاءَ وَحدي / كَما قَد يَرقَبُ الساري المَنارا
يَسيرُ بِنا القِطار وَنَحنُ نَرجو / لَو اِختَصَرَ الطَريقَ بِنا اِختِصارا
وَأُقسِمُ لَو أُحَدِّثَهُ بِما بي / لَحَلَّقَ في الفَضاءِ بِنا وَطارا
إِلى البَلَدِ الأَمينِ إِلى كِرامٍ / يُراعونَ المَوَدَّة وَالجِوارا
إِلى المُزدادِ وُدَّهُم لَدَينا / إِذا زِدنا صِفاتُهُمُ اِختِبارا
إِذا سَتَرَت نَحَبَّتِها قُلوبٌ / فَحُبّي لا أُطيقُ لَهُ اِستِتارا
فَيا إِخوانَنا في كُلِّ أَمرٍ / أَصِخوا كَي أُخاطِبَكُم جِهارا
طَوَيناها سَباسِبَ شاسِعاتٍ / تَسيرُ الواخِداتُ بِها حَيارى
وَلَولا أَن تَسيرَ بِنا إِلَيكُم / رَكائِبُنا مَشَيناها اِختِيارا
لِنَنقُلَ مِن نويركَ لَكُم تَحايا / تُحاكي في لَطافَتِها العَقارا
وَنَنقُلُ عَنكُمُ أَخبارَ صِدقٍ / تُحاكي النِدَّ في الرَوضِ اِنتِشارا
سَمِعنا بَِلهَزار وَنَحنُ قَومٌ / كَما نَهوى الغِنا نَهوى الهَزارا
لَدَيكَُم كَوكَب وَبِنا ظَلامٌ / وَأَنتُمُ تَكرَونَ لَنا العِثارا
جَعَلنا رَسمُهُ في كُلِّ نادٍ / وَصَيَّرنا القُلوبَ لَهُ إِطارا
أَجَل هَذا الَّذي نَبغيهِ مِنكُم / وَنَرجو لا اللُجَين وَلا النُضارا
أَتَيناكُم عَلى ظَمَإٍ لِأَنّا / عَرَفنا فيكُمُ السُحبَ الغِزارا
وَأَنتُم مَعشَرٌ طابوا نُفوساً / وَأَخلاقاً كَما كَرُموا نِجارا
بَقَيتُم في سَلام وَاِغتِباطٍ / تُضيءُ وُجوهُكُم هَذي الدِيارا
شَربِناها عَلى سِرِّ القَوافي
شَربِناها عَلى سِرِّ القَوافي / وَسِرِّ الشاعِرِ السَمحِ الأَبَرِّ
سَقانا قَهوَتَينِ بِغَيرِ مَنِّ / عَصيرِ شُجَيرَة وَعَصيرِ فِكرِ
فَنَحنُ اِثنانِ سَكرانٌ لِحينٍ / عَلى أَمن وَسَكرانٌ لِدَهرِ
فَمَن أَمسى يَهيمُ بِبِنتِ قَصرٍ / فَإِنّا هائِمونَ بِبِنتِ قَفرِ
إِذا حَضَرَت فَذَلِكَ يَومُ سَعدٍ / وَإِن غابَت فَذَلِكَ يَومُ قَهرِ
لَها مِن ذاتِها سِترٌ رَقيقٌ / كَما صَبَغَ الحَياءُ جَبينَ بَكرِ
إِذا دارَت عَلى الجُلّاسِ هَشّوا / كَأَنَّ كُؤوسَها أَخبارُ نَصرِ
وَنَرشُفُها فَنَرشُفُ ريقَ خَودٍ / وَنَنشُقُها فَنَنشُقُ ريحَ عِطرِ
وَلا نَخشى مِنَ الحُكّامِ حَداً / وَعِندَ اللَهِ لَم نوصَم بِوِزرِ
فَما في شُربِها إِثم وَنُكرٌ / وَشِربُ الخَمرِ نُكرٌ أَيَّ نُكرِ
وَلَيسَت تَستَخِفُّ أَخا وَقارٍ / وَبِنتُ الدَنِّ بِالأَحلامِ تَزري
وَتَحفَظُ سِرَّ صاحِبَها مَصوناً / وَبِنتُ الكَرَمِ تَفضَحُ كُلَّ سِرِّ
وَلِلصَهباءِ أَوقات وَهَذي / شَرابُ الناسِ في حَر وَقَرِّ
وَتَصلُحُ أَن يُطافَ بِها مَساءً / وَتَحسُنُ أَن تَكونَ شَرابَ طُهرِ
فَلَو عَرَفَت مَزاياها الغَواني / لَعَلَّقَ حُبُّها في كُلِّ نَحرِ
كَأَنَّ حُبوبُها خُضرا وَصُفراً / فُصوصَ زُمُرُّد وَشُذورَ تِبرِ
كَأَنَّ الجِنَّ قَد نَفَثَت رُؤاها / عَلى أَوراقِها في ضَوءِ فَجرِ
أَلَستَ تَرى إِلَيها كَيفَ تَغى / وَكَيفَ تَثورُ إِن مُسَّت بِجَمرِ
كَأَنَّ نَخيلَ مِصرِ قَد حَساها / وَإِلّا ما اِهتِزازُ نَخيلُ مِصرِ
جَلَوتُ بِها مِنَ الأَكدارِ ذِهني / كَما أَنّي غَسَلتُ هُمومَ صَدري
وَما هِيَ قَهوَةٌ تُطهى وَتُحسى / وَلَكِن نَفحَةٌ مِن روحِ حُرِّ
حَوى في شِعرِهِ عَبَثُ اِبنِ هاني / وَزادَ عَلَيهِ فَلسَفَةَ المَعَرّي
فَيا لَكَ شاعِراً لَبِقاً لَعوباً / كَأَنَّ يَراعَهُ أُنبوبُ سِحرِ
يَفيضُ سَلاسَةً في كُلِّ لَفظٍ / وَيَجري رِقَّةً في كُلِّ سَطرِ
حَوَت دارُ السَميرِ هَدِيَّتَيهِ / وَتَحوي هَذِهِ الأَوراقُ شُكري
شُهورُ العامِ أَجمَلُها رَبيعٌ
شُهورُ العامِ أَجمَلُها رَبيعٌ / وَأَبغَضَها إِلى الدُنيا جُمادى
وَخَيرُ المالِ ما أَمسى زَكاةً / وَخَيرُ الناسِ مَن نَفَعَ العِبادا
بِرَبِّكَ قُل لَنا وَخَلاكَ ذَمٌّ / أَعيسى كانَ يَدَّخِرُ العَتادا
تَنَبَّه أَيُّها الراعي تَنَبَّه / فَمَن حَفِظَ الوَرى حَفِظَ العِبادا
خِرافُكَ بَينَ أَشداقِ الضَواري / وَمِثلُكَ مَن حَمى وَوَقّى النِقادا
تَبَدَّلَ أَمنُهُم رُعُبا وَخَوفاً / وَصارَت نارُ أَكثَرِهِم رَمادا
لَقَد أَكَلَ الجَرادُ الأَرضَ حَتّى / تَمَنّوا أَنَّهُم صاروا جَرادا
فَما لَكَ لا تَجودُ لَهُم بِشَيءٍ / وَقَد رَقَّ العَدُوُّ لَهُم وَجادا
وَمالَكَ لا تُجيبُ لَهُم نِداءً / كَأَنَّ سِواكَ لا أَنتَ المُنادى
وَرَبَّتَ ساهِرٍ في بَعلَبَكِّ / يُشاطِرُ جَفنُهُ النَجمَ السَهادا
يَزيدُ اللَيلُ كُربَتَهُ اِشتِداداً / وَفَرطُ الهَمِّ لَيلَتَهُ سَوادا
إِذا مالَ النُعاسُ بِأَخدَعَيهِ / ثَنى الذُعرُ الكَرى عَنه وَذادا
بِهِ الداءانِ مِن سَغَب وَخَوفٍ / فَما ذاقَ الطَعام وَلا الرُقادا
تَطوفُ بِهِ أُصَيبِيَةٌ صِغارٌ / كَأَنَّ وُجوهَهُم طُلِيَت جِسادا
جِياعٌ كُلَّما صاحوا وَناحوا / تَوَهَّمَ أَنَّ بَعضَ الأَرضِ مادا
إِذا ما اِستَصرَخوه وَضاقَ ذَرعاً / نَبا عَنهُم وَما جَهِلَ المُرادا
وَلَكِن لَم يَدَع بُؤسَ اللَيالي / طَريفاً في يَدَيه وَلا تِلادا
وَلَو تَرَكَ الزَمانُ لَهُ فُؤاداً / لَما تَرَكَت لَهُ البَلوى فُؤادا
أَتَفتَرِشُ الحَرير وَتَرتَديهِ / وَيَفتَرِشُ الجَنادِل وَالقَتادا
وَيَطلُبُ مِن نَباتِ الأَرضِ قوتاً / وَتَأبى غَيرَ لَحمِ الطَيرِ زادا
وَتَهجَعُ هانِئً جَذلاً قَريراً / وَقَد هَجَرَ الكَرى وَجَفا الوِسادا
عَجيبٌ أَن تَكونَ كَذا ضَنيناً / وَلَم تُبصِر بِنا إِلّا جَوادا
أَما تَخشى مَقالَةَ ذي لِسانِ / أَماتَ الناسَ كَي يُحيِ الجَمادا
لِذاتُكَ هَمُّهُم نَفعُ البَرايا / وَهَمُّكَ أَن تَكيد وَأَن تُكادا
نَزَلتَ بِنا فَأَنزَلناكَ سَهلاً / وَزِدناكَ النُضارَ المُستَفادا
فَكانَ حَزَأُنا أَن قُمتَ فينا / تُعَلِّمُنا القَطيعَة وَالبُعادا
فَلَمّا ثارَ ثائِرُ كُلِّ حُرٍّ / رَجِعتَ اليَومَ تَمتَدِحُ الحِيادا
أَتَدفَعُ بِالغَوِيِّ إِلى التَمادي / وَتَعجَبُ بَعدَ ذَلِكَ إِن تَمادى
سَكَتَّ فَقامَ في الأَذهانِ شَكٌّ / وَقُلتَ فَأَصبَحَ الشَكُّ اِعتِقَدا
تَجَهَّمتَ القَريضَ فَفاضَ عَتَباً / وَإِن أَحرَجتَهُ فاضَ اِنتِقادا
وَلَولا أَن أَثَرتَ الخُلفَ فينا / وَدِدنا لَو مَخَضناكَ الوِدادا
أَلانْبي لَو طَبَعنا الشَمسَ يَوماً
أَلانْبي لَو طَبَعنا الشَمسَ يَوماً / وَقَلَّدناكَها سَيفاً صَفيحا
وَرَصَّعناهُ بِالشُهبِ الدَراري / لَما زُدناكَ فَخراً أَو مَديحا
لِأَنَّكَ أَشجَعُ الأَبطالِ طُرّاً / وَأَعظَمُ قادَةِ الدُنيا فُتوحا
إِذا ما مَرَّ ذِكرُكَ بَينَ قَومٍ / رَأَيتَ أَشَدُّهُم عِيّاً فَصيحا
فَكَم داوَيتَ سورِيّاً مَريضاً / وَكَم أَسقَمتَ تُركِيّاً صَحيحا
وَكَم قَد صُنتَ في بَيروتَ عِرضاً / وَكَم أَمَّنتَ في الشَهباءِ روحا
غَضِبتَ عَلى الهِلالِ فَخَرَّ ذُعراً / وَلُحتَ لَهُ فَحاذَرَ أَن يَلوحا
عَصَفتَ بِهِم فَأَمسى كُلُّ حِصنٍ / لِخَيلِ النَصرِ مَيداناً فَسيحا
مَشَت بِكَ هِمَّةٌ فَوقَ الثُرَيّا / فَزَلزَلَتِ المَعاقِل وَالصُروحا
مِنَ الوادي إِلى صَحراءِ سينا / إِلى أَن زُرتَ ذَيّاكَ الضَريحا
إِلى بَحرِ الجَليلِ إِلى دِمَشقٍ / تُطارِدُ دونَكَ التُركي القَبيحا
فَكانَ الجُندُ كُلُّهُمُ يَشوعاً / وَكانَت كُلُّ سورِيّا أَريحا
فَإِن يَكُنِ المَسيحُ فِدى البَرايا / فَإِنَّكَ أَنتَ أَنقَذتَ المَسيحا
أَقاحٌ ذاكَ أَم شَنَبُ
أَقاحٌ ذاكَ أَم شَنَبُ / وَريقٌ ذاكَ أَم ضَرَبُ
وَوَجهٌ ذاكَ أَم قَمَرٌ / وَخَدٌّ ذاكَ أَم ذَهَبُ
جَمالٌ غَيرُ مُكتَسَبٍ / وَبَعضُ الحُسنِ يُكتَسَبُ
ثَكِلتِ الظَرفَ عاذِلَتي / أَهَذا الحُسنُ يُجتَنَبُ
عَدَدتُ لَها العُيوبَ وَلَيـ / ـسَ إِلّا الظَرفُ وَالأَدَبُ
فَتاةٌ بَينَ مَبسَمِها / وَبَينَ عُقودِها نَسَبُ
لَواحِظُها نَمَتها الهِندُ / لَكِن أَهلُها عَرَبُ
مُرَنَّحَةٌ إِذا خَطَرَت / رَأَيتَ الغُصنَ يَضطَرِبُ
مَشَت وَوَنَت رَوادِفُها / فَكادَ الخَصرُ يَنقَضِبُ
يُسَرُّ العاذِلونَ إِذا / نَأَت وَيَعودُني الوَصَبُ
وَيَصطَخِبونَ إِن قَرُبَت / وَعِندي يَحسُنُ الطَرَبُ
فَأَبكي كُلَّما ضَحِكوا / وَأَضحَكُ كُلَّما غَضِبوا
وقائلة: هجرت الشعر حتى
وقائلة: هجرت الشعر حتى / تغنّى بالسخافات المغنّي
أتى زمن الربيع وأنت لاهٍ / وقد ولّى ولم تهتف بلحن
ونفسك كالصّدى في قاع بئر / ومثل الفجر ملتحفا بدجن
فما لك ليس يستهويك حسن / وأنت لمرء تعشق كلّ حسن؟
أتسكت والشباب عليك ضاف / وحولك للهوى جنّلت عدن؟
ركود الماء يورثه فسادا! / فقلت لها : استكيني واطمئني
فما حطمت يد الأيام روحي / وإن حطمت أباريقي ودنّي
ولم أعقد على خوف لساني / ولا ضنّا على الدنيا بفنّي
ولكنّي امرؤ للناس ضحكي / ولي وحدي تباريحي وحزني
إذا أشكو إلى خدن همومي / وفي وسعي السكوت ظلمت خدني
وتأبى كبريائي أن يراني / فتى مغرورقا بالدمع جفني
فأستر عبرتي عنه نئلا / يضيق بها وإن هي أحرقتني
ويبكي صاحبي فإخال أني / أنا الجاني وإن لم يتّهمني
فأمسح أدمعا في مقلتيه / وإن حكت اللهب وإن كوتني
لأني كلما رفّهت عنه / طربت كأنني رفّهت عنّي
كذلك كان شأني بين قومي / وهذا بين كلّ الناس شأني
أقول لكلّ نوّاح رويدا / فإنّ الحزن لا يغني ويضني
وجدت الدمع بالأحرار يزري / فليت الدمع لم يخلق بجفن!
سبيل العز أن تبني وتعلي / فلا تقنع بأنّ سواك يبني
ولا تك عالة في عنق جدّ / رميم العظم أو عبئا على ابن
فمن يغرس لكي يجني سواه / يعش ويموت من يحيا ليجني!
ألائمتي اتركيني في سكوني / ولومي من يضجّ بغير طحن
إذا صار السماع بلا قياس / فلا عجب إذا سكت المغني
أنا ولئن سكتّ وقال غيري / وجعجع صاب الصوت الأرنّ
إذا أنا لم أجد حقلا مريعا / خلقت الحقل في روحي وذهني
فكادت تملأ الأثمار كفّي / ويعيق بالشّذى الفوّاح ردني
تركت النّجم مثلك مستهاما
تركت النّجم مثلك مستهاما / فإن تسه سها أو نمت ناما
بنفسك لوعة لو في الغوادي / لصارت كلّ ماطرة جهاما
وفيك صبابة لو في جماد / لأشبه دمعك الجاري انسجاما
هوى بك في العظام له دبيب / أشابك وهو لم يبرح غلاما
يظنّ اللّيل يحوي فيك شخصا / وما يحوي الدّجى إلاّ عظاما
نفيت الغمض عن جفنيك يأتي / كأنّك واصل فيه الملاما
أتأرق ثمّ ترجو الطّيف يأتي / شكاك الطّيف لو ملك الكلاما
شجتك النّائحات بجنح ليل / فبت تساجل النّوح الحماما
لكدت تعلّم الطّير القوافي / وكدت تعلّم اللّيل الغراما
إذا ذكر الشّآم بكيت وجدا / وما تنفك تدّكر الشّآما
وكنت سلوته إلاّ قليلا / وكنت هجرته إلاّ لماما
رويدك أيّها اللاّحي رويدا / لك الويلات ليت سواك لاما
أأرقد والخطوب تطوف حولي / وأقعد بعدما الثقلان قاما
ويشقى موطني وأنام عنه / إذًا من يدفع الخطر الجساما
بلادي لا عرا شرٌّ بلادي / ولا بلغ العدى منها مراما
لبست اللّيل إشفاقا عليها / وإن شاءت لبست لها القتاما
وقفت لها البراع أذبّ عنها / فإن يكهم وقفت لها الحساما
سقى قُطرَ الشّآم القَطرُ عني / وحيا أهله الصّيد الكراما
دوت صياحهم في كلّ صقع / فكادت تنشر الموتى الرماما
وتطبع في المحيّا الجهم بشرا / وتغلق في فم الثّكلى ابتساما
فحوّلت القنوط إلى رجاء / وصيّرت الونى فينا اعتزاما
غدونا كلّما ذكروا طربنا / كأن بنا المعتّقة المداما
ولم أر كالضّمير الحرّ فخرا / ولم أر كالضّمير العبد ذاما
إذا غاب الذّليل النّفس عني / نظرت إلى الذي حمل الوساما
إذا جاب الكلام علّي عارا / هجرت النّطق أحسبه حراما
وأجفو القصر يلزمني هوانا / وأهوى العزّ يلزمني الحماما
رجال التّرك ما نبغي انتقاضا / لعمركم ولا نبغي انتقاما
ولكنّا نطالبكم بحقّ / ونكره من يريد لنا اهتضاما
حملنا نير ظلمكم قرونا / فأبلاها وأبلانا وداما
رعيتم أرضنا فتركتموها / إذا وقع الجراد رعى الرّغاما
فبات الذّئب يشكوكم عواء / وبات الظّبي يشكوكم بغاما
جريتم (بالهلال) إلى محاق / ولولا جهلكم بلغ التّماما
وكنتم كلّما زدنا ليانا / لنسير غوركم زدتم عراما
فما راقيتم فينا جوارا / ولا حفظت لنا يدكم ذماما
أثرتم بيننا الأحقاد حتّى / ليقتل بعضنا بعضا خصاما
وشاء اللّه كيدكم فبتنا / كمثل الماء والخمر التئاما
فجهلا تبعثون الرّسل فينا / نديف لنا مع الأري السّماما
سنرمقهم إذا طلعوا علينا / كأنّا نرمق الدّاء العقاما
فإنّ عرى سددناها وثاقا / نموت ولا نطيق لها انفصاما
خف التّركي يحلف بالمثاني / وخفه كلّما صلّى وصاما
ومن يستنزل الأتراك خيرا / كمن يستقبس الماء الضّراما
هم نزعوا لواء الملك منّا / ونازعنا طغامهم الطّعاما
وقالوا: نحن للإسلام سور / وإنّ بنا الخلافة (والإماما)
فهل في دين أحمد أن يجوروا / وهل في دين أحمد أن نضاما؟
إلى كم يحصرون الحكم فيهم / وكم ذا يبتغون بنا احتكاما
ألسنا نحن أكثرهم رجالا / إذا عدوا وأرفعهم مقاما
إذا طلعت ذكاء فليس تخفى / ولو حاكوا الظّلام لها لثاما
مخوّفنا المثقّفة العوالي / لقد هدّدت بالجمر النّعاما
سنوقدها تعير الشّمس نارا / ويعيي أمرها الجيش اللّهاما
وعلم المرء أنّ الموت آت / يهون عنده الموت الزّؤاما
أبعدك يعرف الصّبر الحزين
أبعدك يعرف الصّبر الحزين / وقد طاحت بهجته المنون ؟
رمتك يد الزمان بشرّ سهم / فلمّا أن قضيت بكى الخؤون
رماك و أنت حبّه كلّ قلب / شريف فالقلوب له رنين
و لم يك للزمان عليك ثار / و لم يك في خلالك ما يشين
و لكن كنت ذا خلق رضيّ / على خلق لغيرك لا يكون
و كنت تحيط علما بالخفايا / و تمنع أن تحيط بك الظنون
كأنّك قد قتلت الدّهر بحثا / فعندك سرّه الخافي مبين
حكيت البدر في عمر و لكن / ذكاؤك لا تكوّنه قرون
عجيب أن تعيش بنا الأماني / و أنّا للأماني نستكين
و ما أرواحنا إلاّ أسارى / و ما أجسادنا إلاّ سجون
و ما الكون مثل الكون فان / كما تفنى الدّيار كذا القطين
لقد علقتك أسباب المنايا / وفيّا لا يخان و لا يخون
أيدري النعش أيّ فتى يواري / و هذا القبر أيّ فتى يصون ؟
فتى جمعت ضروب الحسن فيه / و كانت فيه للحسنى فنون
فبعض صفاته ليث و بدر / و بعض خلاله شمم و لين
أمارات الشّباب عليه تبدو / و في أثوابه كهل رزين
ألا لا يشمت الأعداء منّا / فكلّ فتى بمصرعه رهين
أيا نور العيون بعدت عنّا / و لمّا تمتليء منك العيون
و عاجلك الحمام فلم تودّع / و بنت و لم يودّعك القرين
و ما عفت الوداع قلى و لكن / أردت و لم يرد دهر ضنين
فيا لهفي لأمّك حين يدوّي / نعيّك بعد ما طال السّكون
و لهف شقيقك النّائي بعيدا / إذا ما جاءه الخبر اليقين
ستبكيك الكواكب في الدّياجي / كما تبكيك في الرّوض الغصون
و يبكي أخوة قد غبت عنهم / و أمّ ثاكل و أب حزين
فما تندى لنا أبدا ضلوع / عليك و ما تجفّ لنا شؤون
قد ازدانت بك الفتيان طفلا / كما يزدان بالتّاج الجبين
ذهبت بزينه الدّنيا جميعا / فما في الدهر بعدك ما يزين
و كنت لنا الرجاء فلا رجاء / و كنت لنا المعين فلا معين
أبعدك يا أخي أبغي عزاء / إذا شلّت يساري و اليمين ؟
يهون الرزء إلاّ عند مثلي / بمثلك فهو رزء لا يهون
عليك تقطّع الحسرات نفسي / و فيك أطاعني الدّمع الحرون
فملء جوانحي حزن مذيب / و ملء محاجري دمع سخين
و ما أبقى المصاب على فؤادي / فأزعم أنّه دام طغين
يذود الدمع عين عيني كراها / و تأبى أن تفارقه الجفون
لقد طال السّهاد و طال ليلي / فلا أدري الرّقاد متى يكون
كأنّ الصبح قد لبس الدّياجي / عليك أسى لذلك ما يبين
ذهبت مسائلا عن خير شيء
ذهبت مسائلا عن خير شيء / لأعرف كنه أخلاق البريّه
فقالت لي الكنيسة خير شيء / هو الزهد الذي يمحو الخطيّه
و قالت لي الشريعة : خير شيء / شمول العدل أبناء الرّعيّه
و قال الشهرة الجنديّ خير / و إن كانت تقود إلى المنيّة
و قال أخو الحصافة : خير شيء / هو الحقّ المبين بلا مريّة
و قال أخو الجهالة : خير شيء / سرور النفس في الدنيا الدّنيّة
و قال لي الفتى وصل الصّبايا / و قالت لي الهوى البنت الصبيّه
و لمّا أن خلوت سألت نفسي / لأعرف رأيها في ذي القضيّح
فقالت لا أرى خيرا و أبقى / من الإحسان للنفس الشّقيّة
أباعثة المطايا من حديد
أباعثة المطايا من حديد / كأسراب القطا للعالمينا
ركائب في فجاج الأرض تسري / تقلّ الذاهبين الأيبينا
تقصّ على المدائن و القرايا / حكاية قومك المستنبطينا
و كيف العقل يخلق من زريّ / مهين لا زريّ و لا مهينا
و ينفخ في الجماد قوى وحسّا / فيركش تارة و يطير حينا
و يهتف بالقصائد و الأغاني / و قد ذهب الردى بالمنشدينا
لقد حسدتك أمّ الفنّ " روما " / كما حسدتك ضرّتها " أثينا "
فمجدك فوق مجدها علاء / و حسنك فوق حسنها فتونا
نزلنا في حماك فقرّبينا / و باركنا ثراك قباركينا
فما لطماعة بنضار " فورد " / و فضّته إليك اليوم جينا
فما هو في سماحته " كمعن " / و ليست نوقه للذابحينا
و لكن فيك إخوان هوينا / لأجلهم جميع الساكنينا
أحبّونا كأنّهم ذوونا / و أنسونا بلطفهم ذوينا
و عاهدناهم إذ عاهدونا / فلم ننكث و لا نكثوا يمينا
إذا غضبوا على الدنيا غضبنا / و إن رضوا على الدنيا رضينا
دعاهم للعلى و الخير داع / من " الوادي " فلبّوا أجمعينا
أيخذل " جارة الوادي " بنوها ؟ / معاذ الله هذا لن يكونا
فما لاقيت " زحليّا " جبانا / و لا لاقيت " زحليّا " ضنينا
تأمّل كيف أضحى " تلّ شيحا " / يحاكي في الجلالة " طورسينا "
فعن هذا تحدذرت الوصايا / و في هذا وجدنا المحسنينا
على جنباته و على ذراه / جمال يبهر المتأمّلينا
فلم مثله للخير دنيا / و لم أر مثله فتحا مبينا
فيا أشبال " لبنان " المفدّى / و يا إخواننا و بني أبينا
ترنّح عصركم فخرا و هشّت / لصنعكم عظام المائتينا
تبارى الناس في طلب المعالي / فكنتم في المجال السابقينا
بنى الأهرام " فرعون " فدامت / لتخبر كيف كان الظالمونا
و كم أشقى الجموع الفرد منهم / و كم طمس الألوف لكي يبينا
وشدتم معهدا في " تلّ شيحا " / سيبقى ملجأ للبائسينا
يطلّ الفجر مبتسما عليه / و يرجع مطمئنّا مستكينا
و يمضي يملأ الوادي ثناء / عليكم و الأباطح و الحزونا
أرى غيثين يستبقان جودا / هما مطر السّما و الغائثونا
لئن حجب الغمام الشّمس عنّا / فلم يطمس ضياء الله فينا
و لم يستر سبيل الخير عنكم / و لم يقبض أكفّ الباذلينا
وجدت المرء حبّ الخير فيه / فإن يفقده صار المرء طينا
تكمّش في الحقول الشوك بخلا / فذلّ و عاش مكتئبا حزينا
و أسنى الورد إذ أعطى شذاه / مكانته فكن في الواهبينا
سألت الشعر أن يثني عليكم / فقالت لي القوافي : قد عيينا
سيجزيهم عم البؤساء ربّ / يكافيء بالجميل المحسنينا