المجموع : 16
يعزّ علي أن ألفىَ المعزى
يعزّ علي أن ألفىَ المعزى / أديباً ملءُ برديه الرجاءُ
وملءُ جَنابِه نورٌ أصيلٌ / كأنَّ هُداه ما وَعتِ السماءُ
أيحسنُ للحيياة وللبرايا / فيخذلُ أو يعذبُ أو يُساء
ومن أين التاسىّ في المآسي / ودنيانا يعُّج بها الشقاء
ونخترع السعادة في إباءٍ / لعزّتنا فلا يُجدى الإباء
عبيدٌ نحسبُ الأسياد منا / وفيمَ الوهمَ أو فيمَ الرياء
وليس سوى المقادر حاكماتٌ / تُراوغنا فيخدعنا الدهاء
لأمرٍ حارت الألبابُ فيه / وجود العالمين أو الفناء
تساوى كل ما نلقى ونرجو / كما وعت الشكولَ الكهرباءُ
ففي طى البقاء لنا فناءٌ / وفي طىّ الفناءِ لنا بقاء
على رغم المصاب أبا رجاءٍ / تصبر حينما الصبرُ الفداء
لئن غرق الشهيد فنحن غرقى / أشُّد ولا رجاءُ ولا نجاء
سواءٌ حولَ لنكلنَ المعَّلى
سواءٌ حولَ لنكلنَ المعَّلى / أطوفُ أم أحُّج إلى لنينِ
فليس برافعي إلاّ شعوري / بُدنيا الناسِ والحقِ الغبينِ
أُبُّث الشِّعر أنىَّ كنتُ حُبِّى / وأرعاه بإيماني الأمين
وأدعو للأخوةِ لا أداجي / ولو ضَحَّيتُ بالحظِّ الطعين
وآبى أن أرى شراً لشرّ / جَزاءً إن أَناخ على المئينِ
فليس الحكمُ في الأفراد حكماً / يصُّح على الشُّعوب وفي البنين
وكم من قائلٍ إنىّ بحلمٍ / أجازفُ بالتراثِ وبالسنين
لعلى حالمٌ لكنَّ قلبي / يرّتلُ للتسامحِ خيرَ دين
ثَنائي للإمامِ كرتشقفسكي / يُبارى فيه إعجابي حنيني
الى العلم المَّبرز في نهاه / ورافعِ رايةِ الأدب الثمين
يُرَبِّى الرائدين ولم يزالوا / حماة الفنِ والفكرِ الرصين
اليه تطلعُ الاقوام شتى / كأن الفخرَ من حظَ المدين
كأن الضاد لما غزالته / حمته مع الصبي الحلو المصون
فليس يشيخُ مهما طالَ عمراً / وليس بزاهدٍ أو مستهين
وما نقداته إلا مهوراً / تزَف إلى عزيزات الفنون
تربعَ حاكماً نظما ونثرا / وعف عن السياسة والطنين
فقد صارت مجامرَ محرِقاتٍ / ودرباً للسجون وللمجون
وعاني الحُّر منها ما يعاني / رقيبُ السجن في دارِ الجنون
ولم يبرح يبشِّرُ في ابتسام / لدنيا الناسِ بالفجرِ الجنين
وقد حفَّ الظلام بهم وحيناً / تلظى بالمخاوفِ والظنون
وها أنا مؤمنٌ أزجى دعائي / إليه وللأنام ولليقين
دماءٌ لا تجُّف وإن أريقت
دماءٌ لا تجُّف وإن أريقت / على نارِ السُّطورِ ولا تكُّف
فدىً للضائعينَ وللحيارىَ / فموتهمو وقد بيعوا أخُّف
علام فداؤهم وعلام أشقى / وليس بجمعهم حُرُّ يعُّف
وقد أكلوا على الحالين لحمى / وقد هرعوا لتعذيبي وخفُّوا
بنو أهلي وإن هانوا وساؤا / وآصرتي وإن صغروا وسفُّوا
أبيتُ لهم مذلَّتهمث فعابوا / وأصغرتُ التكالُب فاستكفوا
وما عرفوا لماضيهم جلالاً / سوى أوهامهم فيما يُزفَ
كأنَّ الحق يؤخذ بالتدنىِّ / كأنَّ المجدَ يورثهٌ المسُّف
بنى وطني ألا حُّر أبُّى / يدوسُ على الخطوب ولا يُسُّف
ويصرع كلَّ جبارٍ سفيهٍ / يُغررُ بالعقول ويستخُّف
شكته الأرض للأحرار لما / دَهَاهَا منه تخريبٌ وُعنفُ
تدينَ بالعهارة ليس سترٌ / يُمِّوهُ ما جناهُ وليس شُّف
ويُنسبُ للصلاحِ ولا صلاحٌ / سوى ما شاء مزمارق وَدُف
حلالٌ رجمهٌ ولو أنَّ جمراً / قذفناه به يؤذيه قذف
وعارٌ صَلبهُ فالصَّلبُ مجدٌ / به ذكرَى المسيح لنا ترف
فمن مجرى العدالةَ وهو يَأبىَ / مُساومةً ولا يثنيهِ عَسفُ
وَمن ذا يغسلُ الأدرانَ عنَّا / وعاراً لا يزول ولا يَخُّف
ومن ذا يُرسل الطعنات بكراً / تدف العباثينَ ولا تدف
ومن ذا يشترى الخلدَ احتساباً / ولا يدعُ الدماءَ سُدىً تجُّف
رئيسَ العزفِ حين تُشيرُ تُحيى
رئيسَ العزفِ حين تُشيرُ تُحيى / معانيَ باللجونِ مُضمَّخاتِ
كأنَّ عصاكَ بنتُ عصاً لموسى / تَبضُّ بكلّ ألوانِ الحياة
ولستَ مُنسِّقَ الأنغامِ لكن / مُصِّورُهَا لأحلامٍ عُفاةِ
تُشير فَتطلقُ الأنغامَ نشوَى / وكانت كالأجنةِ نائماتِ
وَنسمعها مُغازَلةً وَنجوَى / وأطيافاً سَوَاهمَ راقصات
وأحياناً مَشاهدَ رائعاتٍ / وأطوارَ المعارِك والممات
لئن وَحَدَّت للفنانِ دُنيا / فَروُحُكَ وُزعِّت في الخالدات
وما نظري إليك على خُشوعٍ / أمام المعجزاتِ سوى صَلاتي
عَزائي قِف مكانكَ يا عَزائي
عَزائي قِف مكانكَ يا عَزائي / فإنِّى لا أراك سوى الُمرائي
هَجرتُكَ مذ خبرتُ صُروفَ دنيا / تُراوغُنا بألوانِ الفناءِ
ولستَ بأىِّ حالٍ من تُرجَّى / لِتزجُي للأخِ الجِّم الإباءِ
إلى الحِّر الذي صَاحَبتُ فيه / أحبَّ الشاعريةِ والذكاء
ومن يطوِى الفؤادَ على هُمومٍ / ولكن في ابتسامِ الكبرياءِ
ومن نَظراتهُ للكونِ نُورُ / وإن بعدَ الوُجودُ عن الِضباءِ
ومن عَرَفَ الحياةَ وإن تسامت / فناءً قد تَطَّورَ عن فَناءِ
فحسبي أن أصوغَ له رَجَاءً / من الصبَّرِ الُمرنَّقِ بالبكاءِ
ومن قلبٍ وفيٍ لا يداجِي / ومن حُبٍّ صفيٍّ لا يُرائي
بأن يَحيا ملاذاً للأماني / ولو وُئدت وضاعت في الهباءِ
هو الاقطاعُ هل لم تعرفوهُ
هو الاقطاعُ هل لم تعرفوهُ / أيخفى عنكمو الوجهُ الكريهُ
ألا يكفى الذي عانيتموهُ / قروناً وهو جبارٌ سفيهُ
أيخدعكم بِوهَمٍ مادحوهُ / وهم أهلوه أو من بايعوهث
أكانَ الادمىَّ مناصروهُ / ودونَ الأدميِّ مخالفوهُ
إلامَ البؤس والصفرُ الوجوهُ / وهذا الذلُ يعشقهُ ذووهُ
وهذا الموت شاه فخلدوهُ /
صفية في حنانك لي عزاء
صفية في حنانك لي عزاء / تجلى حين ميلادي تجلى
وكان الدمع يقطر من فؤادي / فأخجل من وفائك واضمحلا
ووفاتني الهدية وهي تحكي / مشاهد ما نراه وما تولى
وتصدح بالمحبب من أغان / وبالرقصات آيا لن تملا
جهاز عد معجزة ولكن / رأيتك أنت أبدع أو أحلا
وإن كنت ابنتي فالبر أضحى / حراما لن يباح ولو أجلا
وصار يعد معجزة فإنا / فقدناه خيالا قد تدلى
أيشخص بيننا والظلم فاش / ويحسبه سواد الناس عدلا
وأمسى الحب محض خزعبلات / وكان الحب سلطانا معلى
وصار الناس أشبه بالضواري / وما شبع الورى نهبا وقتلا
حنانك يا صفية فل حزني / على دنيا تعد الحمق عقلا
اضاعت كل غيثاري وسرت / بتعذيبي واضحى الغدر سهلا
ولو عقل الورى حرصوا على أن / يكونوا كلهم للحب أهلا
فما دنياهموا إلا خرابٌ / ويبقى الحب بعد وما أظلا
وتفنى الأرض يوم الشمس تمضي / ويحيا الحب حرا مستقلا
صفيّة عشت للإحسان رمزا / وللحب المقدّس أين خلا
أخي عبد المسيح فدتك نفسي
أخي عبد المسيح فدتك نفسي / يعزّ عليّ أن أهب التأسي
لمثلك أيها الخل المرجى / إذا الأحداث فاتنا لياس
وما أنا باعث لك من عزائي / سوى ألم تملك كل نفسي
وسخر بالوجود وما تغنى / به اللاهون في أفياء رمس
ونطمع في غد وغد تولى / كحاضرنا ومات بحضن أمس
وما وهب الوجود لنا سرورا / سوى الأحزان في اثواب أنس
وما خلد الحياة لنا ولكن / لذرت سبحن بكل شمس
فنح واسخر كسخري يا صديقي / بدنيانا وبالعيش الأخس
وما كان افتقادك غير فقدي / لجوهرة تضيّع بعد حبس
أتاني نعيها وأنا مريض / وأقرب عودي حزني وياسي
أتاني بعد أن دفنت ففاضت / دموعي مرتين لها ونفسي
واما أنت أنت فيا صديقي / رجاحتك الملاذ بكل نحس
وأنت الفيلسوف بلا مراء / تفك الأسر عن عان وجبس
فلا تغلل حجاك بما تعاني / وما عانيت وافترض التاسي
إلى إيطاليا خفوا وطيروا
إلى إيطاليا خفوا وطيروا / هنالك لا هنا لكمو المصير
إلى فاروق حيث خصصتموه / بتسبيح هو النيل الكبير
شقينا منكمو عمرا طويلا / فروحوا عمركم عمر قصير
ولا تتواضعوا بالطهر دعوى / فإن الطهر عنوان حقير
لكم حاربتمو مثلي كأني / أنا الجاني وكلكمو الطهور
وكم من غصّة من بعد أخرى / تحمّلنا وكلكمو فخور
تنافستم بألوان الدنايا / كأنكمو السواقي إذ تدور
وسودتم معالمنا سفاها / وقلتم هكذا تزهو البدور
وعاقبتم لنا حسا طليقا / كأن أخس ما نجني الشعور
ولم ترضوا لنا رزقا حلالا / ورزقكمو الغواية والفجور
ولم نبذل لمصر الخير إلا / وأجمعكم بنقمته يثور
إذا اعترف الأباعد والأعادي / بقيمتنا فقد هوت النسور
أبعد جميع ما أسلفتموه / يقال الآن مولانا الوزير
ومولانا الأديب الحر حقا / ومن آياته كيد وزور
ومولانا الذي وهب البرايا / مآثره وأجمعها غرور
ومولانا الذي لم يجن ذنبا / فليس لمثله ذنب صغير
ومولانا الذي يرجى مثالا / لأمته ومولانا الجسور
ومولانا الذي جعل المعالي / تحج إليه إذ هو لا يزور
لعمري لست أدري أي حظ / يداعبنا وما الراي الأخير
أعين العدل يحكمنا التعالي / أم الإنصاف يحكمنا الحمير
تمهل يا قطار علام تجري
تمهل يا قطار علام تجري / وأنت مخلف ينبوع شعري
أتحسب في المدينة أيّ سحر / وهذا الريف ينفث كل سحر
وهذا البحر يملؤه هدير / حنون مشبه همسات فجر
وهاتيك السوائم في إخاء / وأمن ها هنا تلهو تجري
وكل الناس في دعة وبشر / وما عرفوا بمقياس وقدر
بيوتهمو تصان بغير قفل / وصفوهمو يشاع بغير أجر
أتسرع هكذا وتفوت دنيا / تفيض بكل ترحاب وبشر
وفيها الطير صاحب فلسفات / وفيها كاد ينشد كل صخر
وفيها الزهر رمز لم يكيف / خلاف الزهر في أكناف مصر
وفيها تعزف الحشرات شتى / أغاريد الصبابة دون سر
وفيها الأرنب اللاهي حكته / صداقة كلبنا اللاهي لهر
وفيها تنبت الخضر ابتهاجا / إذا أثمارها رفت بسكر
وفيها النور تملؤه المعاني / فتغمر كل وجدان وفكر
وفيها الليل تملؤه الأماني / كواكب لم تحد بأي سير
وفيها الحب ينضر في شباب / وإن هو ثم فات ربيع عمر
أتسرع هكذا عن كل هذا / لعلك أنت تجهل حين تدري
بني معروف جاحدكم جحود
بني معروف جاحدكم جحود / لآيات تسامت فوق عرف
بكم تزهى العروبة إذ تراكم / أعز خصالها للمستشف
فما برحت شهامتكم تغنى / ملاحم للتبع والتقفي
وما انفكت محارمكم شعاعا / من الألق الإلهيّ الأعف
وما زالت شجاعتكم ملاذا / وحصنا يوم إرهاق وعسف
وأن التضحيات لكم شعار / وأعظمها يبالغ في التخفي
كذاك الشمس كم فاضت حياة / وما منت وتعطي وهي تخفي
وهل جبل الدروز سوى منار / سليل الشمس في وحي وعطف
تقبّله فتمنحه حياة / ويلثمها وفيا خلف شف
وحين تبادلا حبا بحب / وحين تمازجا رشفا برشف
تمخض بالحياة حياة شعب / أبي عز في جبل ونعف
فدوّت في العصور مزمجرات / دويّ السيل للسهل المسف
وخلتنا على الأيام نغنى / بسيرته برغم المستخف
ذكرت رجاله الأخيار حولي / عزاء لي ومثلي شبه منفي
فزادوني بسيرتهم ولوعا / بإقدامي وبأسا رغم ضعفي
كذلك نخوة الأبطال منهم / فكل مفرد بمكان ألف
وأما دينهم فندى ونبل / وجم مروءة وجفاء خلف
وحرياتهم قدس معلى / وقد ثاروا على غل ورشف
وهم في قلّة أغلى تراثا / وأروع من جحافل لا توفي
وما سل المهند للتوفي / كسل المشرفية للتشفي
أباغي حظّه بقنا وخيل / كباغيه بمنوال وحف
وما الجبل الوقور لجاذبيه / على العلات كالجزء الأخف
لماذا الثورة اشتعلت لماذا
لماذا الثورة اشتعلت لماذا / أوهم أم أبي الجبن النفاذا
إذا ما اطعت تسقي الأرض غيثا / فلا تقنع بسقياها الرذاذا
ولا تدع الجنادب حاكميها / كأنك لم تجد فيها ملاذا
أعيذك أن تعيد الظلم فينا / ومثلك من أعز ومن أعاذا
فكم وغد حيالك مشرئب / إلى الطاغوت في فكر تهاذى
يدس ليرجع الإفساد حتما / أهذا من تحالفه أهذا
وما من ثورة نجحت جزافا / فإن النجح يتخذ اتخاذا
فيا مثل البطولة دون من / ودون إساءة وسواه آذى
تبصّر واضرب الضربات بكرا / معاذ الله أن تنسى معاذا
وطهر مصر من أرجاس جيل / تعلق بالخساسة واستعاذا
وما أدري المشانق ساخرات / أحق بهم أم النطع المحاذى
زعانف أرهقوا الأحرار دهرا / فلا ترحم وإن تك مستعاذا
وأقزام بآثام تعالوا / لماذا أنت راحمهم لماذا
ترفع عن معاداة الكريم
ترفع عن معاداة الكريم / وعن بذل الصداقة للئيم
كلا الأمرين منقصة وأسمى / نقاء العيش من معنى الخصيم
فإن فرض العداء عليك فرضا / فلذ بمكارم الخلق الكريم
أحب إلي أن أشقى بخلقي / عن الإسفاف في وهم النعيم
ومن يحسب جنوني في اعتزازي / فما هو بالحصيف ولا الحكيم
ففي نفسي عوالم لم تخنّي / وما ضاعت مع الليل البهيم
فإن من الألوهة في اعتزالي / نصيري أو دليلي أو نديمي
يرف الشعر لي في كل شيء / رفيف الشدو في الصمت المقيم
وقد شملت فنون تأملاتي / فنون الكون في سحر عميم
وايسرها خرير الماء حولي / وتغريد الطيور مع النسيم
وبسمات المروج ملوحات / بنشوى الزهر والنبت الجميم
وأنات السواقي وهي أشجى / وأبلغ من دموع لليتيم
وموج البحر مصطفق عتي / كجبار يصفق للخديم
وألوان الرمال على الروابي / جواهر للغنيّ وللعديم
ورش الماء للشلال حتى / ليقهره كشيطان رجيم
وجيش النحل حولي في فتوح / هي القبلات للزهر الوسيم
وأنداء الحقول مشعشعات / بخمر في تجليها الحميم
وأسراب السوائم وهي ترعى / كحاكمة على ملك عظيم
ولمحات النجوم وراء سحب / كستر الجود من كف الكريم
ووحي الشمس وهي تمج حلما / تنوع في النثير وفي النظيم
فهذي كلها من بعض صحبي / وكنزي حين عيرني خصيمي
وأما غيرها فأجل شأنا / ولم يدركه تقدير العليم
لعلّ جميع هذا الكون حولي
لعلّ جميع هذا الكون حولي / رموز خلفها معنى الإله
أتابعها فتشعرني جديدا / كأن لها انتباها لانتباهي
وتلك عبادتي الكبرى إذا ما / عبدت وليس تمتمة الشفاه
أضلّي للجمال ولا أصلي / كمن جعلوا الصلاة من الملاهي
فلا تقطع عليّ تأملاتي / وإن طالت فليس لها تناهى
وخذ عنها التصوف والتجلي / فما كانا بتعفير الجباه
وما الرب المذل الخلق ربا / ولا المتجبر العاتي المباهي
وفائي للصديق أبي علي
وفائي للصديق أبي علي / وفاء العشب للطل السري
شممت عبير وردك حين سقمي / فأنعشني كوحي من نبي
وما زال الأريج خدين أنفي / وإلف دمي كمعنى عبقري
يواقيت بحمرتها أضاءت / فمن مثلي بميراثي الغنيّ
كأن ضياءها وشذى حلاها / وقد مزجا تفنن جوهري
ولكن تلك أفئدة صغار / كبار في الرموز وفي الرويّ
ترفّ بشعرها فيرف قلبي / مناجاة لها وإلى نجيي
صديقي من خبرت هواه صدقا / كنحلي والرحيق السكري
ومن كانت زيارته شفاء / تناثر في الحديث اللؤلئي
ومن كمّيه في عطف رشيق / وفي أنس عجيب مستحي
يفر العام بعد العام مني / ويزداد اقتراب أبي عليّ
كأن حنانه عوض لعمري / أجل وجزاء تسبيحي التقي
وجافى من محضت له ودادي / كأن الهجر من حظ الوفيّ
وأنت بقيت لي الذخر المرجى / تجمل لي بحبك كل شيء
ولو أني صلبت جزاء صدقي / وددت نهايتي مثل الولي
تنادينا بنكهتها فهيا
تنادينا بنكهتها فهيا / نعم هيا لنعبدها سويا
لتحسدها الأزاهر والدوالي / وتعشق روحها الروح الشذيا
نماها الزنج حباب صغارا / كحباب القلوب لظى وريا
وقد خلصت طويتها جمالا / فلا حرج إذا اسود المحيا
إذا شمت تفوح بكل قلب / جنى كالشهد مبتسما زكيا
وإن رشفت تطوف بكل ذهن / وتبدعه الطروب العبقريا
هلموا إن مجلسها ربيع / بألوان الملاحة قد تزيا
وفي أقداحها حب بريء / كحب الطفل يمرح مستحيا
كأن حبابها من ذكريات / هواتف كالكواكب والثريا
إذا ما استوعبت رفعت نفوسا / إلى ما ليس ترفعها الحميا
كأن سوادها أخفى نجوما / يلاعب بعضها بعضا صبيا
هلموا نقتبس منها حبورا / يشعشعنا ونلثمه نجيا
فما بخلت لنا من قبل يوما / ببهجتها ولا جفت النديا
وكم عادت لنا عودا حميدا / وكم جادت لنا جودا سخيا
ونحرقها ونسحقها فتزكو / كأن لم نرتكب أمرا فريا
ونغليها فترقص في غرام / وتمنحنا الرحيق الكوثريا
أدرها أيها الساقي أدرها / وبادر ربما خلقت نبيا
فمن أحلامها سور وآي / وإلهام نطالعه خفيّا
إذا ما الراح أغنتنا بوهم / وجدنا القهوة الحقّ الغنيّا
وما حلم النيام وإن تغالى / كحلم الصحو مؤتلقا سريا
أدرها كي أغازلها وفيّا / كما أهوى وأتركها وفيّا