القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد زكي أبو شادي الكل
المجموع : 16
يعزّ علي أن ألفىَ المعزى
يعزّ علي أن ألفىَ المعزى / أديباً ملءُ برديه الرجاءُ
وملءُ جَنابِه نورٌ أصيلٌ / كأنَّ هُداه ما وَعتِ السماءُ
أيحسنُ للحيياة وللبرايا / فيخذلُ أو يعذبُ أو يُساء
ومن أين التاسىّ في المآسي / ودنيانا يعُّج بها الشقاء
ونخترع السعادة في إباءٍ / لعزّتنا فلا يُجدى الإباء
عبيدٌ نحسبُ الأسياد منا / وفيمَ الوهمَ أو فيمَ الرياء
وليس سوى المقادر حاكماتٌ / تُراوغنا فيخدعنا الدهاء
لأمرٍ حارت الألبابُ فيه / وجود العالمين أو الفناء
تساوى كل ما نلقى ونرجو / كما وعت الشكولَ الكهرباءُ
ففي طى البقاء لنا فناءٌ / وفي طىّ الفناءِ لنا بقاء
على رغم المصاب أبا رجاءٍ / تصبر حينما الصبرُ الفداء
لئن غرق الشهيد فنحن غرقى / أشُّد ولا رجاءُ ولا نجاء
سواءٌ حولَ لنكلنَ المعَّلى
سواءٌ حولَ لنكلنَ المعَّلى / أطوفُ أم أحُّج إلى لنينِ
فليس برافعي إلاّ شعوري / بُدنيا الناسِ والحقِ الغبينِ
أُبُّث الشِّعر أنىَّ كنتُ حُبِّى / وأرعاه بإيماني الأمين
وأدعو للأخوةِ لا أداجي / ولو ضَحَّيتُ بالحظِّ الطعين
وآبى أن أرى شراً لشرّ / جَزاءً إن أَناخ على المئينِ
فليس الحكمُ في الأفراد حكماً / يصُّح على الشُّعوب وفي البنين
وكم من قائلٍ إنىّ بحلمٍ / أجازفُ بالتراثِ وبالسنين
لعلى حالمٌ لكنَّ قلبي / يرّتلُ للتسامحِ خيرَ دين
ثَنائي للإمامِ كرتشقفسكي / يُبارى فيه إعجابي حنيني
الى العلم المَّبرز في نهاه / ورافعِ رايةِ الأدب الثمين
يُرَبِّى الرائدين ولم يزالوا / حماة الفنِ والفكرِ الرصين
اليه تطلعُ الاقوام شتى / كأن الفخرَ من حظَ المدين
كأن الضاد لما غزالته / حمته مع الصبي الحلو المصون
فليس يشيخُ مهما طالَ عمراً / وليس بزاهدٍ أو مستهين
وما نقداته إلا مهوراً / تزَف إلى عزيزات الفنون
تربعَ حاكماً نظما ونثرا / وعف عن السياسة والطنين
فقد صارت مجامرَ محرِقاتٍ / ودرباً للسجون وللمجون
وعاني الحُّر منها ما يعاني / رقيبُ السجن في دارِ الجنون
ولم يبرح يبشِّرُ في ابتسام / لدنيا الناسِ بالفجرِ الجنين
وقد حفَّ الظلام بهم وحيناً / تلظى بالمخاوفِ والظنون
وها أنا مؤمنٌ أزجى دعائي / إليه وللأنام ولليقين
دماءٌ لا تجُّف وإن أريقت
دماءٌ لا تجُّف وإن أريقت / على نارِ السُّطورِ ولا تكُّف
فدىً للضائعينَ وللحيارىَ / فموتهمو وقد بيعوا أخُّف
علام فداؤهم وعلام أشقى / وليس بجمعهم حُرُّ يعُّف
وقد أكلوا على الحالين لحمى / وقد هرعوا لتعذيبي وخفُّوا
بنو أهلي وإن هانوا وساؤا / وآصرتي وإن صغروا وسفُّوا
أبيتُ لهم مذلَّتهمث فعابوا / وأصغرتُ التكالُب فاستكفوا
وما عرفوا لماضيهم جلالاً / سوى أوهامهم فيما يُزفَ
كأنَّ الحق يؤخذ بالتدنىِّ / كأنَّ المجدَ يورثهٌ المسُّف
بنى وطني ألا حُّر أبُّى / يدوسُ على الخطوب ولا يُسُّف
ويصرع كلَّ جبارٍ سفيهٍ / يُغررُ بالعقول ويستخُّف
شكته الأرض للأحرار لما / دَهَاهَا منه تخريبٌ وُعنفُ
تدينَ بالعهارة ليس سترٌ / يُمِّوهُ ما جناهُ وليس شُّف
ويُنسبُ للصلاحِ ولا صلاحٌ / سوى ما شاء مزمارق وَدُف
حلالٌ رجمهٌ ولو أنَّ جمراً / قذفناه به يؤذيه قذف
وعارٌ صَلبهُ فالصَّلبُ مجدٌ / به ذكرَى المسيح لنا ترف
فمن مجرى العدالةَ وهو يَأبىَ / مُساومةً ولا يثنيهِ عَسفُ
وَمن ذا يغسلُ الأدرانَ عنَّا / وعاراً لا يزول ولا يَخُّف
ومن ذا يُرسل الطعنات بكراً / تدف العباثينَ ولا تدف
ومن ذا يشترى الخلدَ احتساباً / ولا يدعُ الدماءَ سُدىً تجُّف
رئيسَ العزفِ حين تُشيرُ تُحيى
رئيسَ العزفِ حين تُشيرُ تُحيى / معانيَ باللجونِ مُضمَّخاتِ
كأنَّ عصاكَ بنتُ عصاً لموسى / تَبضُّ بكلّ ألوانِ الحياة
ولستَ مُنسِّقَ الأنغامِ لكن / مُصِّورُهَا لأحلامٍ عُفاةِ
تُشير فَتطلقُ الأنغامَ نشوَى / وكانت كالأجنةِ نائماتِ
وَنسمعها مُغازَلةً وَنجوَى / وأطيافاً سَوَاهمَ راقصات
وأحياناً مَشاهدَ رائعاتٍ / وأطوارَ المعارِك والممات
لئن وَحَدَّت للفنانِ دُنيا / فَروُحُكَ وُزعِّت في الخالدات
وما نظري إليك على خُشوعٍ / أمام المعجزاتِ سوى صَلاتي
عَزائي قِف مكانكَ يا عَزائي
عَزائي قِف مكانكَ يا عَزائي / فإنِّى لا أراك سوى الُمرائي
هَجرتُكَ مذ خبرتُ صُروفَ دنيا / تُراوغُنا بألوانِ الفناءِ
ولستَ بأىِّ حالٍ من تُرجَّى / لِتزجُي للأخِ الجِّم الإباءِ
إلى الحِّر الذي صَاحَبتُ فيه / أحبَّ الشاعريةِ والذكاء
ومن يطوِى الفؤادَ على هُمومٍ / ولكن في ابتسامِ الكبرياءِ
ومن نَظراتهُ للكونِ نُورُ / وإن بعدَ الوُجودُ عن الِضباءِ
ومن عَرَفَ الحياةَ وإن تسامت / فناءً قد تَطَّورَ عن فَناءِ
فحسبي أن أصوغَ له رَجَاءً / من الصبَّرِ الُمرنَّقِ بالبكاءِ
ومن قلبٍ وفيٍ لا يداجِي / ومن حُبٍّ صفيٍّ لا يُرائي
بأن يَحيا ملاذاً للأماني / ولو وُئدت وضاعت في الهباءِ
هو الاقطاعُ هل لم تعرفوهُ
هو الاقطاعُ هل لم تعرفوهُ / أيخفى عنكمو الوجهُ الكريهُ
ألا يكفى الذي عانيتموهُ / قروناً وهو جبارٌ سفيهُ
أيخدعكم بِوهَمٍ مادحوهُ / وهم أهلوه أو من بايعوهث
أكانَ الادمىَّ مناصروهُ / ودونَ الأدميِّ مخالفوهُ
إلامَ البؤس والصفرُ الوجوهُ / وهذا الذلُ يعشقهُ ذووهُ
وهذا الموت شاه فخلدوهُ /
صفية في حنانك لي عزاء
صفية في حنانك لي عزاء / تجلى حين ميلادي تجلى
وكان الدمع يقطر من فؤادي / فأخجل من وفائك واضمحلا
ووفاتني الهدية وهي تحكي / مشاهد ما نراه وما تولى
وتصدح بالمحبب من أغان / وبالرقصات آيا لن تملا
جهاز عد معجزة ولكن / رأيتك أنت أبدع أو أحلا
وإن كنت ابنتي فالبر أضحى / حراما لن يباح ولو أجلا
وصار يعد معجزة فإنا / فقدناه خيالا قد تدلى
أيشخص بيننا والظلم فاش / ويحسبه سواد الناس عدلا
وأمسى الحب محض خزعبلات / وكان الحب سلطانا معلى
وصار الناس أشبه بالضواري / وما شبع الورى نهبا وقتلا
حنانك يا صفية فل حزني / على دنيا تعد الحمق عقلا
اضاعت كل غيثاري وسرت / بتعذيبي واضحى الغدر سهلا
ولو عقل الورى حرصوا على أن / يكونوا كلهم للحب أهلا
فما دنياهموا إلا خرابٌ / ويبقى الحب بعد وما أظلا
وتفنى الأرض يوم الشمس تمضي / ويحيا الحب حرا مستقلا
صفيّة عشت للإحسان رمزا / وللحب المقدّس أين خلا
أخي عبد المسيح فدتك نفسي
أخي عبد المسيح فدتك نفسي / يعزّ عليّ أن أهب التأسي
لمثلك أيها الخل المرجى / إذا الأحداث فاتنا لياس
وما أنا باعث لك من عزائي / سوى ألم تملك كل نفسي
وسخر بالوجود وما تغنى / به اللاهون في أفياء رمس
ونطمع في غد وغد تولى / كحاضرنا ومات بحضن أمس
وما وهب الوجود لنا سرورا / سوى الأحزان في اثواب أنس
وما خلد الحياة لنا ولكن / لذرت سبحن بكل شمس
فنح واسخر كسخري يا صديقي / بدنيانا وبالعيش الأخس
وما كان افتقادك غير فقدي / لجوهرة تضيّع بعد حبس
أتاني نعيها وأنا مريض / وأقرب عودي حزني وياسي
أتاني بعد أن دفنت ففاضت / دموعي مرتين لها ونفسي
واما أنت أنت فيا صديقي / رجاحتك الملاذ بكل نحس
وأنت الفيلسوف بلا مراء / تفك الأسر عن عان وجبس
فلا تغلل حجاك بما تعاني / وما عانيت وافترض التاسي
إلى إيطاليا خفوا وطيروا
إلى إيطاليا خفوا وطيروا / هنالك لا هنا لكمو المصير
إلى فاروق حيث خصصتموه / بتسبيح هو النيل الكبير
شقينا منكمو عمرا طويلا / فروحوا عمركم عمر قصير
ولا تتواضعوا بالطهر دعوى / فإن الطهر عنوان حقير
لكم حاربتمو مثلي كأني / أنا الجاني وكلكمو الطهور
وكم من غصّة من بعد أخرى / تحمّلنا وكلكمو فخور
تنافستم بألوان الدنايا / كأنكمو السواقي إذ تدور
وسودتم معالمنا سفاها / وقلتم هكذا تزهو البدور
وعاقبتم لنا حسا طليقا / كأن أخس ما نجني الشعور
ولم ترضوا لنا رزقا حلالا / ورزقكمو الغواية والفجور
ولم نبذل لمصر الخير إلا / وأجمعكم بنقمته يثور
إذا اعترف الأباعد والأعادي / بقيمتنا فقد هوت النسور
أبعد جميع ما أسلفتموه / يقال الآن مولانا الوزير
ومولانا الأديب الحر حقا / ومن آياته كيد وزور
ومولانا الذي وهب البرايا / مآثره وأجمعها غرور
ومولانا الذي لم يجن ذنبا / فليس لمثله ذنب صغير
ومولانا الذي يرجى مثالا / لأمته ومولانا الجسور
ومولانا الذي جعل المعالي / تحج إليه إذ هو لا يزور
لعمري لست أدري أي حظ / يداعبنا وما الراي الأخير
أعين العدل يحكمنا التعالي / أم الإنصاف يحكمنا الحمير
تمهل يا قطار علام تجري
تمهل يا قطار علام تجري / وأنت مخلف ينبوع شعري
أتحسب في المدينة أيّ سحر / وهذا الريف ينفث كل سحر
وهذا البحر يملؤه هدير / حنون مشبه همسات فجر
وهاتيك السوائم في إخاء / وأمن ها هنا تلهو تجري
وكل الناس في دعة وبشر / وما عرفوا بمقياس وقدر
بيوتهمو تصان بغير قفل / وصفوهمو يشاع بغير أجر
أتسرع هكذا وتفوت دنيا / تفيض بكل ترحاب وبشر
وفيها الطير صاحب فلسفات / وفيها كاد ينشد كل صخر
وفيها الزهر رمز لم يكيف / خلاف الزهر في أكناف مصر
وفيها تعزف الحشرات شتى / أغاريد الصبابة دون سر
وفيها الأرنب اللاهي حكته / صداقة كلبنا اللاهي لهر
وفيها تنبت الخضر ابتهاجا / إذا أثمارها رفت بسكر
وفيها النور تملؤه المعاني / فتغمر كل وجدان وفكر
وفيها الليل تملؤه الأماني / كواكب لم تحد بأي سير
وفيها الحب ينضر في شباب / وإن هو ثم فات ربيع عمر
أتسرع هكذا عن كل هذا / لعلك أنت تجهل حين تدري
بني معروف جاحدكم جحود
بني معروف جاحدكم جحود / لآيات تسامت فوق عرف
بكم تزهى العروبة إذ تراكم / أعز خصالها للمستشف
فما برحت شهامتكم تغنى / ملاحم للتبع والتقفي
وما انفكت محارمكم شعاعا / من الألق الإلهيّ الأعف
وما زالت شجاعتكم ملاذا / وحصنا يوم إرهاق وعسف
وأن التضحيات لكم شعار / وأعظمها يبالغ في التخفي
كذاك الشمس كم فاضت حياة / وما منت وتعطي وهي تخفي
وهل جبل الدروز سوى منار / سليل الشمس في وحي وعطف
تقبّله فتمنحه حياة / ويلثمها وفيا خلف شف
وحين تبادلا حبا بحب / وحين تمازجا رشفا برشف
تمخض بالحياة حياة شعب / أبي عز في جبل ونعف
فدوّت في العصور مزمجرات / دويّ السيل للسهل المسف
وخلتنا على الأيام نغنى / بسيرته برغم المستخف
ذكرت رجاله الأخيار حولي / عزاء لي ومثلي شبه منفي
فزادوني بسيرتهم ولوعا / بإقدامي وبأسا رغم ضعفي
كذلك نخوة الأبطال منهم / فكل مفرد بمكان ألف
وأما دينهم فندى ونبل / وجم مروءة وجفاء خلف
وحرياتهم قدس معلى / وقد ثاروا على غل ورشف
وهم في قلّة أغلى تراثا / وأروع من جحافل لا توفي
وما سل المهند للتوفي / كسل المشرفية للتشفي
أباغي حظّه بقنا وخيل / كباغيه بمنوال وحف
وما الجبل الوقور لجاذبيه / على العلات كالجزء الأخف
لماذا الثورة اشتعلت لماذا
لماذا الثورة اشتعلت لماذا / أوهم أم أبي الجبن النفاذا
إذا ما اطعت تسقي الأرض غيثا / فلا تقنع بسقياها الرذاذا
ولا تدع الجنادب حاكميها / كأنك لم تجد فيها ملاذا
أعيذك أن تعيد الظلم فينا / ومثلك من أعز ومن أعاذا
فكم وغد حيالك مشرئب / إلى الطاغوت في فكر تهاذى
يدس ليرجع الإفساد حتما / أهذا من تحالفه أهذا
وما من ثورة نجحت جزافا / فإن النجح يتخذ اتخاذا
فيا مثل البطولة دون من / ودون إساءة وسواه آذى
تبصّر واضرب الضربات بكرا / معاذ الله أن تنسى معاذا
وطهر مصر من أرجاس جيل / تعلق بالخساسة واستعاذا
وما أدري المشانق ساخرات / أحق بهم أم النطع المحاذى
زعانف أرهقوا الأحرار دهرا / فلا ترحم وإن تك مستعاذا
وأقزام بآثام تعالوا / لماذا أنت راحمهم لماذا
ترفع عن معاداة الكريم
ترفع عن معاداة الكريم / وعن بذل الصداقة للئيم
كلا الأمرين منقصة وأسمى / نقاء العيش من معنى الخصيم
فإن فرض العداء عليك فرضا / فلذ بمكارم الخلق الكريم
أحب إلي أن أشقى بخلقي / عن الإسفاف في وهم النعيم
ومن يحسب جنوني في اعتزازي / فما هو بالحصيف ولا الحكيم
ففي نفسي عوالم لم تخنّي / وما ضاعت مع الليل البهيم
فإن من الألوهة في اعتزالي / نصيري أو دليلي أو نديمي
يرف الشعر لي في كل شيء / رفيف الشدو في الصمت المقيم
وقد شملت فنون تأملاتي / فنون الكون في سحر عميم
وايسرها خرير الماء حولي / وتغريد الطيور مع النسيم
وبسمات المروج ملوحات / بنشوى الزهر والنبت الجميم
وأنات السواقي وهي أشجى / وأبلغ من دموع لليتيم
وموج البحر مصطفق عتي / كجبار يصفق للخديم
وألوان الرمال على الروابي / جواهر للغنيّ وللعديم
ورش الماء للشلال حتى / ليقهره كشيطان رجيم
وجيش النحل حولي في فتوح / هي القبلات للزهر الوسيم
وأنداء الحقول مشعشعات / بخمر في تجليها الحميم
وأسراب السوائم وهي ترعى / كحاكمة على ملك عظيم
ولمحات النجوم وراء سحب / كستر الجود من كف الكريم
ووحي الشمس وهي تمج حلما / تنوع في النثير وفي النظيم
فهذي كلها من بعض صحبي / وكنزي حين عيرني خصيمي
وأما غيرها فأجل شأنا / ولم يدركه تقدير العليم
لعلّ جميع هذا الكون حولي
لعلّ جميع هذا الكون حولي / رموز خلفها معنى الإله
أتابعها فتشعرني جديدا / كأن لها انتباها لانتباهي
وتلك عبادتي الكبرى إذا ما / عبدت وليس تمتمة الشفاه
أضلّي للجمال ولا أصلي / كمن جعلوا الصلاة من الملاهي
فلا تقطع عليّ تأملاتي / وإن طالت فليس لها تناهى
وخذ عنها التصوف والتجلي / فما كانا بتعفير الجباه
وما الرب المذل الخلق ربا / ولا المتجبر العاتي المباهي
وفائي للصديق أبي علي
وفائي للصديق أبي علي / وفاء العشب للطل السري
شممت عبير وردك حين سقمي / فأنعشني كوحي من نبي
وما زال الأريج خدين أنفي / وإلف دمي كمعنى عبقري
يواقيت بحمرتها أضاءت / فمن مثلي بميراثي الغنيّ
كأن ضياءها وشذى حلاها / وقد مزجا تفنن جوهري
ولكن تلك أفئدة صغار / كبار في الرموز وفي الرويّ
ترفّ بشعرها فيرف قلبي / مناجاة لها وإلى نجيي
صديقي من خبرت هواه صدقا / كنحلي والرحيق السكري
ومن كانت زيارته شفاء / تناثر في الحديث اللؤلئي
ومن كمّيه في عطف رشيق / وفي أنس عجيب مستحي
يفر العام بعد العام مني / ويزداد اقتراب أبي عليّ
كأن حنانه عوض لعمري / أجل وجزاء تسبيحي التقي
وجافى من محضت له ودادي / كأن الهجر من حظ الوفيّ
وأنت بقيت لي الذخر المرجى / تجمل لي بحبك كل شيء
ولو أني صلبت جزاء صدقي / وددت نهايتي مثل الولي
تنادينا بنكهتها فهيا
تنادينا بنكهتها فهيا / نعم هيا لنعبدها سويا
لتحسدها الأزاهر والدوالي / وتعشق روحها الروح الشذيا
نماها الزنج حباب صغارا / كحباب القلوب لظى وريا
وقد خلصت طويتها جمالا / فلا حرج إذا اسود المحيا
إذا شمت تفوح بكل قلب / جنى كالشهد مبتسما زكيا
وإن رشفت تطوف بكل ذهن / وتبدعه الطروب العبقريا
هلموا إن مجلسها ربيع / بألوان الملاحة قد تزيا
وفي أقداحها حب بريء / كحب الطفل يمرح مستحيا
كأن حبابها من ذكريات / هواتف كالكواكب والثريا
إذا ما استوعبت رفعت نفوسا / إلى ما ليس ترفعها الحميا
كأن سوادها أخفى نجوما / يلاعب بعضها بعضا صبيا
هلموا نقتبس منها حبورا / يشعشعنا ونلثمه نجيا
فما بخلت لنا من قبل يوما / ببهجتها ولا جفت النديا
وكم عادت لنا عودا حميدا / وكم جادت لنا جودا سخيا
ونحرقها ونسحقها فتزكو / كأن لم نرتكب أمرا فريا
ونغليها فترقص في غرام / وتمنحنا الرحيق الكوثريا
أدرها أيها الساقي أدرها / وبادر ربما خلقت نبيا
فمن أحلامها سور وآي / وإلهام نطالعه خفيّا
إذا ما الراح أغنتنا بوهم / وجدنا القهوة الحقّ الغنيّا
وما حلم النيام وإن تغالى / كحلم الصحو مؤتلقا سريا
أدرها كي أغازلها وفيّا / كما أهوى وأتركها وفيّا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025