القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِبْراهيم ناجِي الكل
المجموع : 20
نداؤك يا فؤادُ كفى نداء
نداؤك يا فؤادُ كفى نداء / أما تنفك تسقيني الشقاء
أنا ظمآن لم يلمع سراب / على الصحراء إلا خلتُ ماءَ
وأنت فراش ليل كلّ نور / تبعت وكلَّ برق قد أضاءَ
فؤادي قل لها لما افترقنا / على شجن وما نرجو اللقاء
حببتكِ ما شدوت لديك شعرا / ولكني اعتصرت لكِ الدماءِ
إذا أنا في هواك أضعت روحي / فلست أضيع فيك دمي هباء
غرامك كان محراب المصلى / كأني قد بلغتُ بك السماء
خلعت الآدمية فيه عني / ولكن ما خلعت به الإباء
فلم أركع بساحته رياء / ولا كالعبد ذلاً وانحناء
ولكني حببتك حب حرٌ / يموت متى أراد وكيف شاء
وحبيب كان دنيا أملي / حبه المحراب والكعبة بيته
من مشى يوماً على الورد له / فطريقي كان شوكا ومشيته
من سقى يوماً بماء ظامئاً / فأنا من قدح العمر سقيته
خفق القلب له مختلجاً / خفقة المصباح إذ ينضب زيته
قد سلاني فتنكرت له / وطوى صفحة حبي فطويته
أقبلتُ للنيل المبارك شاكياً / زمني وقد كثرت عليَّ همومي
ومسحت كفي والجبين بمائه / علّي أهدئ ثورة المحمومِ
وجلست أنثر جعبة معمورة / بالذكرياتِ جديدها وقديم
لهفي لحب مات غير مدنس / وشباب عمر مرَّ غير ذميم
خان الأحبة والرفاق ولم أخن / عهدي لهم وصفحتُ صفح كريم
أيخيفني العشب الضعيف أنا الذي / أسلمت للشوك الممض أديمي
وإذا ونى قلبي يدق مكانه / شممي وتخفق كبرياء همومي
إني لأحمل جعبتي متحديا / زمني بها وحواسدي وخصومي
أحني لعرش الله رأساً ما انحنى / بالذل يوماً في رحاب عظيم
أجل أهواك أنتِ مُنى حياتي
أجل أهواك أنتِ مُنى حياتي / وأنت أحبُّ من بصري وسمعي
وهل أنساكِ كلا لست أنسى / هوى قد كان إلهامي ونبعي
لبست من التصبر عنك درعا / فها أنا تنزع الأيام درعي
وها أنا لا أورّي عنك سرا / عرفت محبتي ورأيتِ دمعي
تلاشت قوتي وغدا فؤادي / كأن خفوقه خلجات نزع
أبشره فيرقص في ضلوعي / وأنظر سود أيامي فأنعي
وقد نضب الخيال وغاض طبعي / ومات على حياض اليأس زرعي
أجرجر وحدتي في كل حشد / وأحمل غربتي في كل جمع
مزّقته فصار والله لا يقدر / حتى أن يسأل الله رفقا
لجة بعد لجة كلما صارع / ردت له أمانيه غرقى
فيلق بعد فيلق حجب الشمس / ولم يبق للنواظر أفقا
وسنان الغروب تغزوه حمرا / وسنان العذاب تطعن زرقا
وجيوش الظلام تزحف زحفا / وثقال الأقدام تسحق سحقا
هتفتُ وقد بدت مصر لعيني
هتفتُ وقد بدت مصر لعيني / رفاقي تلك مصر يا رفاقي
أتدفعني وقد هاضت جناحي / وتجذبني وقد شدت وثاقي
خرجت من الديار أجر همي / وعدت إلى الديار أجر ساقي
إليك أزف في اليوم الجليل
إليك أزف في اليوم الجليل / تحيات الزميل إلى الزميل
تحيات يرف عليك منها / ندى الأسحار في ظل الخميل
سلاماً للإمام علي جئنا / إليه بالعشير وبالقبيل
نبايع منه فناً عبقرياً / وعقلاً في العقول بلا مثيل
تلفت يا عليُّ تجد وفاء / وما احتاج الوفاء إلى دليل
أقول لحاسب الستين مهلاً / وقعت على الحساب المستحيل
إذا أحصيت للأجسام عمراً / فكيف تعدُ أعمار العقول
ولو أن الألى أنقذت جاءوا / يؤدون القديم من الجميل
ولو أن الألى علمت جاءوا / يؤدون القليل من القليل
ولو منحوك عمرهم جميعا / وما هو بالكثير ولا الجزيل
إذن لرأيت عمرك عمر نجم / له في اللانهاية ألف جيل
بربك كم وصلت حياة قوم / وكم حاربت من داء وبيل
وكم أنقذت من أسر المنايا / وكم نضوٍ شفيت وكم عليل
إذا ما الموت أبدى ناجذيه / إذا انطفأت عيون في الذبول
إذا غامت محاجرها ظماءً / كما غامت نجومٌ في الأفول
فما هو غير أن أقبلت حتى / تبدل كل أمر مستحيل
كأنك لمع برق في الأعالي / يحيي مقدم الغيث الهطول
كأنك واحةٌ في القفر لاحت / رأتها أعين الركب الكليل
كأنك جنة في البيد تندى / بعذب الماء والظل الظليل
ولو أيامك العصماء جاءت / بكل أغر مزدانٍ حفيل
إذن لطلعن في الظلمات بيضا / من الغرر اللوامع والحجول
ولو أن المآثر ذات قول / لقلت تكلمي وصفي وقولي
أضفها فهي أعمار أضيفت / وما تدري لماضيك النبيل
تعال أذع لنا سر الفحول / ودع صمت الحيي أو الخجول
سلالة عبقرٍ وعشير جن / بعدتم في الحياة عن الشكول
فما للشيب من باب إليكم / ولا للضعف يوماً من سبيل
لقد جهل الألى حسبوك شيخاً / فلا تقبل حساباً من جهول
أعيذ صباك كيف يكون شيخاً / شعاع سلافة وسنا شمول
وما ظفروا بأثبت منك عوداً / ولا أقوى وأصلب في الحمول
ولا ظفروا بأصفى منك روحاً / كأن مزاجها من سلسبيل
أرى سحر الشباب عليك غضاً / وقاك الله أنفاس الأصيل
تعالى الله كم من معجزات / معلقة بإصبعك النحيل
محيل القسوة الكبرى حناناً / ورافعها إلى فن جميل
معارك من دمٍ أم ساح حرب / أسنتها منغمة الصليل
يسير المبضع الجبار فيها / بكفك سير مطواع ذليل
معارك كم كسبت بها حياة / وما لك في المواقع من قتيل
تقسمك الورى قوماً فقوماً / وما لك بالورى ضجر الملول
تقضّي في مسائك ألف أمرٍ / وتقطع في نهارك ألف ميل
وإما سرت عن حفل قصير / فعن وعد بمؤتمر طويل
وأنت أب لذا وأخ لهذا / ومنك لمن رجاك يدا خليل
نبيَّ الطب أدركنا إذا ما / تطلعت العيون إلى رسول
فكم في مصر أجسام مراض / بأرواح كأشباح الطلول
فيا أسفا إذا تركت فظلت / فرائس للدعيّ وللدخيل
عليَّ لقد ملكت عصاة موسى / فقم واضرب بها أفعى الخمول
أقول لأعين الطب الحيارى / وقعت من الفخار على سليل
أبا حسن سلمت على الليالي / وعش متعت بالعمر الطويل
وزيري الطيب الحر الجليلا
وزيري الطيب الحر الجليلا / تقبله هوى حرا نبيلا
يقيم على الحوادث لا يبالي / ويأبى في العوادي أن يميلا
ولا يدري الزمان له اختلافا / ولا يدري الرياء له سبيلا
على الأدب الرفيع ووارديه / بسطت الخير والظل الظليلا
وما للقائلين عليك فضل / فقد جئنا نرد لك الجميلا
قطفت لك القوافي طوق شعري / فعذراً أن قطفت لك القليلا
وددت بأن أطيل لك القوافي / فيمنعني حياؤك أن أطيلا
وزيري الطيب الحر الجليلا / وقفت عن الرفاق هنا رسولا
أعيد لك الذي يطوي فؤادي / وفخراً أن أعيد وأن أقولا
أقول لجاهلٍ معنى المعالي / إلامَ يظل جاهلكم جهولا
دسوقي لا الوزارة قربتنا / ولا قامت على صلة دليلا
عشقنا فيك أخلاقاً وفضلاً / تقبله هوى حرا نبيلا
أمير الفضل فضلك بيت شعرٍ
أمير الفضل فضلك بيت شعرٍ / عُلاك نسجن معناه الرفيعا
إذا كان الضياء نسيج فن / سناه يملأ الكون الوسيعا
فحولك حيثما تمشي وتسعى / قصيدٌ عامر غمر الربوعا
تكلم حيثما تمضي مبيناً / وما عرف البيان ولا البديعا
حببت سناك أتبعه بشعري / وفخراً أن أكون له تبيعا
مدحتك جهد مقدرة القوافي / فضقت بها مقصِّرة جميعا
أتعصاني مغردة بنفسي / معودة هنالك أن تطيعا
أقول لها وقد كلت قصوراً / رويدك واهدئي لن نستطيعا
يراك الناس حيث ترى عظيما / كريماً في تسامحه وديعا
وأنت النهر دفاقاً قوياً / إذا ما هم لم يملك رجوعا
يفيض على الربوع جلال نعمى / ويغشى من حوائلها المنيعا
أحبك ما حييت وأنتَ حسبي
أحبك ما حييت وأنتَ حسبي / فجرب أنت قلباً بعد قلبي
ويا أسفا على صحراء عمر / جفاها بعدك المطر الملبي
نهاري في لوافحها سراب / وليلي من أباطيل وكذبِ
وفي أذنيَّ من شفتيك عتب / إذا أنا ساعة أضجعت جنبي
وتلك قوافل الأيام تترى / تمر علي سرباً بعد سرب
عوابس لا يطل سناك منها / ولم ألمح مطالعه بركب
فإن غفلت عيون الحظ عنا / وصرت ولم أكن أدري بقربي
تبيني فتلك خيام حبي / وإني موقد لك نار قلبي
تعالَ سل القبيلة والجمالا
تعالَ سل القبيلة والجمالا / لأية غاية شدوا الرحالا
وكيف تبدلوا أرضاً بأرض / وكيف تغيروا حالا وحالا
تطلعت العيون لعل ماء / يتاح على الهواجر أو ظلالا
ومدّ الشيخ في الصحراء لحظاً / كلحظ الصقر في الآفاق جالا
كأن بنيه سقما أو هزالا / خيال جر هيكله خيالا
أقافلة الحياة أريتنيها / فلم تر مثلها عيني مثالا
أجل هي نحن في الدنيا حيارى / وما ندري لقافلة مآلا
رأيت حياتنا كم من غريب / على جنبيه بالإِعياء مالا
وكم من سائل لم يلق ردا / وقد سأل الهواجر والرمالا
فإن تجب القفار عليه يوماً / تردُّ له سوافيها السؤالا
أقافلة الحياة أريتنيها / خيالا أو ضلالا أو محالا
أحبُّ أجَل أحبّ كأن نبعاً
أحبُّ أجَل أحبّ كأن نبعاً / سماوياً تفجّر في دمائي
لقد طاب الوجود بحالتيه / شقائي فيك أجملُ من هنائي
وليلي فيك أحسنُ من نهاري / وصبحي فيك أجملُ من مسائي
فمفترقان فيه إِلى لقاءٍ / وملتقيان حتّى في التنائي
أميمةُ إنَّ عمر الحبّ حقّاً / لأعجبُ آيةٍ تحت السماء
فما أدري لأيّهما ثنائي / ثوانيه السِّراع أم البطاء
أهذا الحُلم يمضي شبه لمحٍ / أم الأبدُ المديد بلا انتهاء
أتفكيري هناك أم انتظاري / لأروعِ هالةٍ حول البهاء
وأزهى من تثنَّى في حُلِيٍّ / وأبهج من تَهادى في رداء
وأسنى من تخطَّر في دلال / وأطهر من تعثَّر في حياء
سيذكر ملتقانا النيلُ يوماً / غداةَ تُعَدُّ أيام الصفاء
وحيدٌ غير أني في زحامٍ / من الآمال تَترى والرجاء
إلى أن لاح عرشُ النور مني / قريباً والهلالُ إِلى اعتلاء
فمؤتلقٌ على أفقٍ بعيدٍ / ومنعكسٌ على فضِّيِّ ماء
كذلك أنت في فكري وروحي / سناك مع الهلال على سواء
وطيفٌ عبقريٌّ في خيالي / وحيدُ الذّات مختلفُ الرُّواء
أحبك فوق ما عشقت قلوبٌ
أحبك فوق ما عشقت قلوبٌ / ولا أدري الذي من بعد حبي
وأعلم أن كُلِّي فيك فانٍ / وعيني فيك ذائبةٌ وقلبي
وأعلم أن عندك من يُنادي / خفيّاً هاتفاً وأنا الملبّي
وأعلم أن حبي ليس يشفي / وبعدي ليس يُجديني وقربي
ولما لم أجد للحب حلا / هتفتُ به كما يرضيك سِر بي
وخذني حيث هند لا تسلني / لأية غايةٍ ولأيِّ دَرب
أناشدك الهوى هل أنت مثلي
أناشدك الهوى هل أنت مثلي / نهاري فيك أشجانٌ وليلي
زمانٌ لا يفارقني عذابي / ولازمني الشقاء به كظلّي
كأن اللَّيل أصبح لي مِداداً / أُسَطِّر منه آلامي ويُملي
حياتي فيه قفرٌ بعد قفرٍ / وعمري فيه كالأبد المُمِلِّ
أبعد جوار هندٍ والأماني / أُكابد جيرة النجم المُطِلّ
أحبك لأ أَمَلُّ لقاك يوماً / ومن لي بالذي يُدنيك من لي
أحبك لست أدري سرَّ حبي / وعلمي فيه أشقاني كجهلي
أقول لعلّ هذا الدهرَ يصفو / ويا أسفاه لو تُغنِي لعلّي
أحاول سلوةً وأرى الليالي / بغير هواك لي هيهات تُسلي
قضيتَ العمر تذكر لي
قضيتَ العمر تذكر لي / وأذكر في الهوى جرحك
فقم نسخر من الأَمَلِ / ومن أعماقنا نضحك
وقم نسخر من الدنيا / وقم نَلهُ مع اللاهي
طويتُ صحيفة الأمس / فَدَعها في يد الله
هي الدنيا كما كانت / وماذا ينفع الوعظ
وما عتبت ولا خانت / ولكن خانك الحظّ
أردنا الجاه والذهبا / فلم يتلطَّف المولى
وهذا العمر قد ذهبا / وأحسن ما به ولّى
لعينيكَ احتملنا ما احتملنا
لعينيكَ احتملنا ما احتملنا / وبالحرمانِ والذلِّ ارتضينا
وهان إذا عطفت ولو خيالاً / وأين خيالك المعبود أينا
تعالَ فلم يعد في الحي سارٍ / وهوَّمتِ المنازلُ بعد وهنِ
وران على نوافذها ظلامٌ / وقد كانت تطلّ كألف عينِ
تعالَ فقد رأيتُ الكون يحنو / عليّ ويدرك الكرب الملمَّا
ويجلو لي النجوم فأزدريها / وأغمض لا أريد سواك نجما
ومنتظرٌ بأبصاري وسمعي / كما انتظرتكَ أيامي جميعا
وهل كان الهوى إلا انتظاراً / شتائي فيك ينتظر الربيعا
أرى الآباد تغمرني كبحرٍ / سحيقِ الغور مجهولِ القرار
ويأتمر الظلام عليَّ حتى / كأني هابط أعماق غارِ
وتصطخبُ العواصف ساخرات / وتطعنني بأطراف الحرابِ
وتشفق بعد ما تقسو فتمضي / لتقرع كل نافذةٍ وبابِ
فصحت بها إلى أن جف حلقي / فحين سكتُّ كلمني إِبائي
وأشعرني العذاب بعمق جرحي / وأعمق منه جرح الكبرياءِ
ولمّا لَم تفز بلقاك عيني / لمحتك آتياً بضمير قلبي
فأسمع وقع أقدامٍ دوانِ / وأنصت مصغياً لحفيف ثوبِ
وأخلق مثلما أهوى خيالاً / وأستدني الأماني والحبيبا
وأُبدع مثلما أهوى حديثاً / لناءٍ صار من قلبي قريبا
أمدّ يديَّ في لهف إليه / أشاكيه بمحتبس الدموعِ
فيسبقني إلى لقياه قلبي / وثوباً ثم يبرد في ضلوعي
فتصطخب العواطف ساخرات / وتطعنني بأطراف الحرابِ
وتشفق بعد ما تقسو فتمضي / لتقرع كل نافذةٍ وبابِ
أحقاً كنت في قربي
أحقاً كنت في قربي / لعلي واهمٌ وهما
تكلَّم سيدَ القلب / وقل لي لم يكن حُلما
دنوت إليَّ مستمعا / فبُحتُ وفرطَ ما بحتُ
بعادك والذي صنعا / وهجرُك والذي ذقتُ
وحبِّي ويحه حبِّي / تَبيعك حيثما كنتَ
تكلَّم سيدَ القلبِ / وقل بالله ما أنتَ
أرى في عمق خاطركَ / جلالاً يشبه البحرا
وألمح في نواظرك / صفاء الرحمة الكبرى
وأنت رضىً وتقبيلُ / وأنت ضنىً وحرمانُ
وفي عينيك تقتيلُ / وفي البسمات غفرانُ
وأنت تَهَلُّلُ الفجرِ / وبسمتُه على الأفقِ
وحيناً أنَّةُ النهرِ / وحزن الشمس في الغَسقِ
وأنت حرارة الشمس / وأنت هناءة الظلِّ
وأنت تجارب الأمس / وأنت براءة الطفل
وأنت الحسن ممتنعا / تحدَّى حصنه النجما
وأنت الخيرُ مجتمعا / وعندك عرشُه الأسمى
وعندك كل ما أظمأ / وردّ القلب لهفانا
وعندك كل ما أدمى / وزاد الجرح إثخانا
وعندك كل ما أحيا / وشدَّد عزمه الواهي
حنانُكَ نضرة الدنيا / وقربُكَ نعمةُ اللهِ
وفيم هواجس القلب / وفيم أطيل تسآلي
أحبك أقدسَ الحبِّ / وحبك كنزيَ الغالي
سناكَ صلاة أحلامي / وهذا الركن محرابي
بهِ ألقيت آلامي / وفيه طرحت أوصابي
هوىً كالسحر صيّرني / أرى بقريحة الشهبِ
وطهَّرني وبصَّرني / ومزَّق مغلقَ الحجبِ
سموت كأنما أمضي / إلى ربٍّ يناديني
فلا قلبي من الأرض / ولا جسدي من الطين
سموت ودق إحساسي / وجُزتُ عوالم البشرِ
نسيت صغائر الناسِ / غفرت إساءَة القدرِ
أهاب بنا فلبّينا
أهاب بنا فلبّينا / منادٍ ضمّ روحينا
كأنا إذ تصافحنا / تعانقنا بكفينا
كأن الحب تيار / سرى ما بين جسمينا
يؤجج في نواظرنا / ويشعل في دماءينا
هجرتِ فلم نجد ظلاً يقينا
هجرتِ فلم نجد ظلاً يقينا / أحُلماً كان عطفُكِ أم يقينا
أهجراً في الصبابة بعد هجرٍ / أرى أيامَهُ لا ينتهينا
لقد أسرفتِ فيه وجُرتِ حتى / على الرَّمق الذي أبقيتِ فينا
كأن قلوبنا خُلِقَت لأمرٍ / فمذ أبصرنَ من نهوى نسينا
شُغِلنَ عن الحياة ونِمنَ عنها / وبِتن بمن نحبُّ موكلينا
فإن مُلِئت عروق من دماءٍ / فإنَّا قد ملأناها حنينَا
دنا الموعدُ والغرف
دنا الموعدُ والغرف / ة وكر للمواعيد
وجاءت ربّة الحسن / كمزمور لداوود
فرفّ البشر في الصمت ال / لَذي خيم في الغرفه
وثارت حيرتي الهوجا / ء بين الفجر والعفه
وثارت آه من ثور / ة هذي اللهفة الحرّى
هنا الحسن الذي يدعو / ك في بسماته السكرى
وهذا الجسم يا ظمآ / ن في دارك كم يغري
أطهراً تدعي اليوم / فماذا نلت من طهر
هنا الحلم الذي أبصر / تَ في غفوة حرمانك
هنا الكأس التي تزري / بما جمّعت في حانك
هنا اللهب الذي جُس / د في نهد وفي ساقِ
على مذبحة المعبو / د قدم طهرك الباقي
نداء بين عينيك / كهذا الليل مجهولُ
يجاوبه حنينٌ ثا / ر في قلبيَ مخبول
فقلت الليل يا من كن / ت عند الليل قربانا
لنغرق في دخان الجس / م أشجاناً وحرمانا
فنام الضوء خجلانا / على مصباح نشوانِ
قريراً لا تنبهه / سوى أنات تحنان
وكان الليل مرتميا / على النافذة الوسنَى
تلصّص خلسة يرنو / إلى معبدنا الأسنى
فشاع السر بين اللي / ل والأنجم والزهر
وإذ بالفجر بساما / إلى إلفين في خدر
قسوتِ فلم نجد ظِلا يقينَا
قسوتِ فلم نجد ظِلا يقينَا / أحلما كانَ عطفُكِ أم يقينَا
أهجراً في الصبابة بعد هجرٍ / أرى أيامَه لا ينتهينَا
لقد أسرفتِ فيه وجُرتِ حتى / على الرمقِ الذي أبقيتِ فينَا
كأن قلوبَنَا خُلِقَت لأمرٍ / فمذ أبصرنَ من نهوى نسينَا
شُغلنَ عن الحياة ونمنَ عنها / وبتنَ بمن نحِبُّ موكلينَا
فإن مُلِئَت عروقٌ من دماء / فإنَّا قد ملأناهَا حنينَا
يمر الناسُ ما مروا وشاءوا / على هَذا الثرى متنقلينَا
وأنت تَنَقَّلينَ على قلوبٍ / وأكبادٍ وأرواحٍ بلينَا
فرفقاً بالذي أبقيتِ منها / وأقسمُ كم تركتِ لنا أنينَا
فإنك إن سررتِ فلم نجدها / فرشنا الدمعَ هتَّاناً سخينَا
أهب ببيانِكَ الصافي تدفق
أهب ببيانِكَ الصافي تدفق / وقف بالقدس واهتف في رباهُ
وقم نقضي الحقوقَ إذا دعينا / أليسَ الشرق يجمعنا حِمَاهُ
سلام الله من أبناءِ مصر / إلى أرض البسالة والفتوَّة
من المهدِ الذي هز البرايا / إلى مهدِ القداسة والنبوَّة
من الوطنِ الكريمِ على الليالي / إلى الوطنِ الكريمِ على الجوارِ
من الوادي الخصيبِ بلا نظير / إلى الوادي المكلّلِ بالوقارِ
وقد رقَّت حواشيه إلى أن / رأيتُ الطودَ يخضرُّ اخضرارَا
لقد فاضَ الجلالُ عليه حتى / كأن عليه من نورٍ إزارَا
تهبُّ به النسائمُ ساحراتٍ / كأنَّ أريجَها أنفاسُ موسَى
وتأتلق الحياةُ على الروابي / كأنَّ على الربى كفّ عيسى
وتنظر روعةَ الإِسلام فيه / وقد غَمَرَ المدائنَ واليبابَا
فحيث تديرُ في الأنحاءِ عيناً / فنورُ محمد ملأ الرحابَا
حللنا في ذراكم يومَ عيدٍ / بعدنا فيه عن مصر مزارَا
فألفينا لديكم ألفَ عيدٍ / تُنَسّينا الأحبةَ والديارَا
وكم عبرت بلا فرحٍ ليالٍ / وكم بالله أعيادٌ تمرُّ
وكيفَ تطيب أعيادٌ وتحلو / لصادٍ والفمُ المحروم مُرُّ
وكيف تطيب أعيادٌ وتحلو / إذا عزَّ التعاهدُ واللقاءُ
فإن العيدَّ عيدٌ يومَ تدنو / ويجمعنا التفاهمُ والإِخاءُ
بني القدس التفت فسر قلبي / جهودٌ بالشدائِد لا تبالي
أرى روحَ الحياة تفيض فيكم / وعزمكمو يفيض على الليالي
أرى أملاً وقلباً حيث أمشي / وأعثر بالحياة إذا التقيتُ
إلى أن قالَ قائلكم لديكم / بأقصى الأرض بحرٌ وهو مَيتُ
خرجنا أمس في ركبٍ جليلٍ / نؤدي للمنية ما علينا
فلما أن بلغناه جميعاً / وقر الركب عند الشطِّ عينَا
عجبتُ لمن يسمي ذاك مَيتاً / وقلتُ يمين ربي ذا افتئاتُ
أميتُ من يحيينا ابتساماً / وتشرقُ في جوانبه الحياةُ
نزلنا فارحين على ذراهُ / فراشاتٍ تحومُ فيه وَثبَا
يكاد المرءُ يشربه سروراً / كأن الملحَ فيه صارَ عَذبَا
أراغب قمتُ أهدي عن عليّ / تحياتِ الكريمِ إلى الكريمِ
وإن أشكر يداً لك وَهيَ تسدي / فتلكَ يدُ العظيمِ إلى العظيمِ
تعالَ نزفُّ للثغرِ السلامَا
تعالَ نزفُّ للثغرِ السلامَا / ألستَ تَرَى على الثغرِ ابتسامَا
ألم تشعر كأن يَدَي عزيزٍ / مَسَحنَ لك المواجعَ والسقاما
كأن خُطى العبابِ خطى حبيبٍ / كأنَّ الموجَ أفئدةٌ تَرامى
سلاماً يا عروسَ الماء إني / أحبُّكِ لا أملُّ بكِ المقاما
أسيرُ إِلى لقائكِ نِضوَ شوقٍ / وأرجعُ عن ربوعكِ مستهاما
أراكِ فتنتشي روحي وقلبي / كأني قد سُقِيتُ بك المدَاما
وإن طُوِيَ البساطُ فنصبَ عيني / عليكِ خيالُ أحبائي القدامى
وإن طاحَ الزمانُ بكأس حبي / فلا الساقي نسيتُ ولا الندامى
فؤادي قم بنا نذكر شجانا / لصخرٍ في جوارِ المكسِ قاما
تعالَ ولا تقل هذا جمادٌ / وكيفَ ترومُ بالصخرِ اعتصاما
فكم في الحيِّ من قلبٍ أصمّ / تَنَكَّرَ أو تَجَاهَلَ أو تعامى
وكم صخرٍ أحسَّ بما عنانا / وما عَرَفَ الحديثَ ولا الكلاما
وكم في الناسِ من رجلٍ قويٍّ / شديدِ البأسِ يقتحمُ اقتحاما
تَعرَّضَ للحوادث لا يبالي / تَلقَّاها نصالاً أم سهاما
فإِن عَرضت له الذكرُ الخوالي / رأيتَ الكونَ في عينيه غاما
عرته الرجفةُ الكبرى وراحت / جيوشُ الصبرِ تنهزمُ انهزاما
بربكِ أيها الأنوارُ ماذا / صنعتِ بساهرٍ ألِفَ الظلاما
بربك أيها الأمواجُ ظلَّت / على الشطئانِ ترتطمُ ارتطاما
أتيتُكِ أبتغي منك التأسِّي / وأَنشدُ في نواحيك السلاما
أراكِ فتحتِ لي شجناً جديداً / وكنتُ أرومُ للماضي التئاما
وَهَيتُ وخانني جَلَدِي وإلا / فهذي الدمعةُ الحرَّى علاما
أيا بلدَ التأسي كيف أنسَى / زماني فيكِ كهلاً أو غلاما
ويومَ أتيتُ مكتئباً عليلاً / أحسُّ البَينَ يدنو والحِماما
أجرجرُ فيكِ أقداماً ثقالاً / وأجمعُ مِن عزيمتيَ الحطاما
وعلاتي وأدوائي كبارٌ / شربنَ دمي وأبلَينَ العظاما
أراكِ فلا أبالي بالمنايا / وأَحمدُ عند شاطئكِ الختاما
وكم طافَ الرفاقُ وغادروني / كَعُوَّادٍ ومروا بي كراما
تمرُّ بيَ الحياةُ ولستُ أدري / أيومٌ مرَّ أم قضَّيتُ عاما
عرفتك والشتاءُ يمدُّ ظلا / وينشر في جوانبكِ الغماما
عرفتكِ والمصيفُ عليكِ زاهٍ / وقرنُ الشمسِ يضطرمُ اضطراما
عرفتكِ والعواصفُ فيك غضبى / نشرنَ على مُحَيَّاكِ القتاما
عرفتك والفلائكُ فيك بيضٌ / مجنحةٌ يحاكينَ الحَماما
عرفتكِ هادئاً والفجر غافٍ / كأَنَّ البحر وَسَّدَه فناما
عرفتك كالصديقِ بكلِّ حالٍ / وكنتِ شرابَ روحي والطعاما
وملحُكِ في دمي وشذاكِ باقٍ / وهذا الصوتُ أسمعُه دواما
تعالي صخرةَ الماضي أجيبي / وقوفُكِ وانتظارُكِ ذا إلاما
لقيتِ من العبابِ كما لقينا / من الأيَّام قرعاً واصطداما
كأنكِ للورى هدفٌ وهذي / جموعٌ تبتغي أمراً جساما
إذا ما أخفقوا رجعوا فُرَادَى / وإن هَمُّوا وجدتهُمُ زحاما
فؤادي إن تغيرتِ الليالي / فمثلكَ مَن رَعَى فيها الذماما
بلغنَا كعبةَ الآمالِ فاخشع / ودعنا في مناسِكهَا قياما
خُذِ السلوانَ من حجرٍ صموتٍ / فما أحراكَ بالحجرِ استلاما
بربكَ أينَ أحلامٌ غَوالٍ / وعمرٌ قد قطعناهُ نياما
وعهدٌ كانَ فيك ربيع وردٍ / كهذا اليومِ حُسناً وانسجاما

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025