المجموع : 20
نداؤك يا فؤادُ كفى نداء
نداؤك يا فؤادُ كفى نداء / أما تنفك تسقيني الشقاء
أنا ظمآن لم يلمع سراب / على الصحراء إلا خلتُ ماءَ
وأنت فراش ليل كلّ نور / تبعت وكلَّ برق قد أضاءَ
فؤادي قل لها لما افترقنا / على شجن وما نرجو اللقاء
حببتكِ ما شدوت لديك شعرا / ولكني اعتصرت لكِ الدماءِ
إذا أنا في هواك أضعت روحي / فلست أضيع فيك دمي هباء
غرامك كان محراب المصلى / كأني قد بلغتُ بك السماء
خلعت الآدمية فيه عني / ولكن ما خلعت به الإباء
فلم أركع بساحته رياء / ولا كالعبد ذلاً وانحناء
ولكني حببتك حب حرٌ / يموت متى أراد وكيف شاء
وحبيب كان دنيا أملي / حبه المحراب والكعبة بيته
من مشى يوماً على الورد له / فطريقي كان شوكا ومشيته
من سقى يوماً بماء ظامئاً / فأنا من قدح العمر سقيته
خفق القلب له مختلجاً / خفقة المصباح إذ ينضب زيته
قد سلاني فتنكرت له / وطوى صفحة حبي فطويته
أقبلتُ للنيل المبارك شاكياً / زمني وقد كثرت عليَّ همومي
ومسحت كفي والجبين بمائه / علّي أهدئ ثورة المحمومِ
وجلست أنثر جعبة معمورة / بالذكرياتِ جديدها وقديم
لهفي لحب مات غير مدنس / وشباب عمر مرَّ غير ذميم
خان الأحبة والرفاق ولم أخن / عهدي لهم وصفحتُ صفح كريم
أيخيفني العشب الضعيف أنا الذي / أسلمت للشوك الممض أديمي
وإذا ونى قلبي يدق مكانه / شممي وتخفق كبرياء همومي
إني لأحمل جعبتي متحديا / زمني بها وحواسدي وخصومي
أحني لعرش الله رأساً ما انحنى / بالذل يوماً في رحاب عظيم
أجل أهواك أنتِ مُنى حياتي
أجل أهواك أنتِ مُنى حياتي / وأنت أحبُّ من بصري وسمعي
وهل أنساكِ كلا لست أنسى / هوى قد كان إلهامي ونبعي
لبست من التصبر عنك درعا / فها أنا تنزع الأيام درعي
وها أنا لا أورّي عنك سرا / عرفت محبتي ورأيتِ دمعي
تلاشت قوتي وغدا فؤادي / كأن خفوقه خلجات نزع
أبشره فيرقص في ضلوعي / وأنظر سود أيامي فأنعي
وقد نضب الخيال وغاض طبعي / ومات على حياض اليأس زرعي
أجرجر وحدتي في كل حشد / وأحمل غربتي في كل جمع
مزّقته فصار والله لا يقدر / حتى أن يسأل الله رفقا
لجة بعد لجة كلما صارع / ردت له أمانيه غرقى
فيلق بعد فيلق حجب الشمس / ولم يبق للنواظر أفقا
وسنان الغروب تغزوه حمرا / وسنان العذاب تطعن زرقا
وجيوش الظلام تزحف زحفا / وثقال الأقدام تسحق سحقا
هتفتُ وقد بدت مصر لعيني
هتفتُ وقد بدت مصر لعيني / رفاقي تلك مصر يا رفاقي
أتدفعني وقد هاضت جناحي / وتجذبني وقد شدت وثاقي
خرجت من الديار أجر همي / وعدت إلى الديار أجر ساقي
إليك أزف في اليوم الجليل
إليك أزف في اليوم الجليل / تحيات الزميل إلى الزميل
تحيات يرف عليك منها / ندى الأسحار في ظل الخميل
سلاماً للإمام علي جئنا / إليه بالعشير وبالقبيل
نبايع منه فناً عبقرياً / وعقلاً في العقول بلا مثيل
تلفت يا عليُّ تجد وفاء / وما احتاج الوفاء إلى دليل
أقول لحاسب الستين مهلاً / وقعت على الحساب المستحيل
إذا أحصيت للأجسام عمراً / فكيف تعدُ أعمار العقول
ولو أن الألى أنقذت جاءوا / يؤدون القديم من الجميل
ولو أن الألى علمت جاءوا / يؤدون القليل من القليل
ولو منحوك عمرهم جميعا / وما هو بالكثير ولا الجزيل
إذن لرأيت عمرك عمر نجم / له في اللانهاية ألف جيل
بربك كم وصلت حياة قوم / وكم حاربت من داء وبيل
وكم أنقذت من أسر المنايا / وكم نضوٍ شفيت وكم عليل
إذا ما الموت أبدى ناجذيه / إذا انطفأت عيون في الذبول
إذا غامت محاجرها ظماءً / كما غامت نجومٌ في الأفول
فما هو غير أن أقبلت حتى / تبدل كل أمر مستحيل
كأنك لمع برق في الأعالي / يحيي مقدم الغيث الهطول
كأنك واحةٌ في القفر لاحت / رأتها أعين الركب الكليل
كأنك جنة في البيد تندى / بعذب الماء والظل الظليل
ولو أيامك العصماء جاءت / بكل أغر مزدانٍ حفيل
إذن لطلعن في الظلمات بيضا / من الغرر اللوامع والحجول
ولو أن المآثر ذات قول / لقلت تكلمي وصفي وقولي
أضفها فهي أعمار أضيفت / وما تدري لماضيك النبيل
تعال أذع لنا سر الفحول / ودع صمت الحيي أو الخجول
سلالة عبقرٍ وعشير جن / بعدتم في الحياة عن الشكول
فما للشيب من باب إليكم / ولا للضعف يوماً من سبيل
لقد جهل الألى حسبوك شيخاً / فلا تقبل حساباً من جهول
أعيذ صباك كيف يكون شيخاً / شعاع سلافة وسنا شمول
وما ظفروا بأثبت منك عوداً / ولا أقوى وأصلب في الحمول
ولا ظفروا بأصفى منك روحاً / كأن مزاجها من سلسبيل
أرى سحر الشباب عليك غضاً / وقاك الله أنفاس الأصيل
تعالى الله كم من معجزات / معلقة بإصبعك النحيل
محيل القسوة الكبرى حناناً / ورافعها إلى فن جميل
معارك من دمٍ أم ساح حرب / أسنتها منغمة الصليل
يسير المبضع الجبار فيها / بكفك سير مطواع ذليل
معارك كم كسبت بها حياة / وما لك في المواقع من قتيل
تقسمك الورى قوماً فقوماً / وما لك بالورى ضجر الملول
تقضّي في مسائك ألف أمرٍ / وتقطع في نهارك ألف ميل
وإما سرت عن حفل قصير / فعن وعد بمؤتمر طويل
وأنت أب لذا وأخ لهذا / ومنك لمن رجاك يدا خليل
نبيَّ الطب أدركنا إذا ما / تطلعت العيون إلى رسول
فكم في مصر أجسام مراض / بأرواح كأشباح الطلول
فيا أسفا إذا تركت فظلت / فرائس للدعيّ وللدخيل
عليَّ لقد ملكت عصاة موسى / فقم واضرب بها أفعى الخمول
أقول لأعين الطب الحيارى / وقعت من الفخار على سليل
أبا حسن سلمت على الليالي / وعش متعت بالعمر الطويل
وزيري الطيب الحر الجليلا
وزيري الطيب الحر الجليلا / تقبله هوى حرا نبيلا
يقيم على الحوادث لا يبالي / ويأبى في العوادي أن يميلا
ولا يدري الزمان له اختلافا / ولا يدري الرياء له سبيلا
على الأدب الرفيع ووارديه / بسطت الخير والظل الظليلا
وما للقائلين عليك فضل / فقد جئنا نرد لك الجميلا
قطفت لك القوافي طوق شعري / فعذراً أن قطفت لك القليلا
وددت بأن أطيل لك القوافي / فيمنعني حياؤك أن أطيلا
وزيري الطيب الحر الجليلا / وقفت عن الرفاق هنا رسولا
أعيد لك الذي يطوي فؤادي / وفخراً أن أعيد وأن أقولا
أقول لجاهلٍ معنى المعالي / إلامَ يظل جاهلكم جهولا
دسوقي لا الوزارة قربتنا / ولا قامت على صلة دليلا
عشقنا فيك أخلاقاً وفضلاً / تقبله هوى حرا نبيلا
أمير الفضل فضلك بيت شعرٍ
أمير الفضل فضلك بيت شعرٍ / عُلاك نسجن معناه الرفيعا
إذا كان الضياء نسيج فن / سناه يملأ الكون الوسيعا
فحولك حيثما تمشي وتسعى / قصيدٌ عامر غمر الربوعا
تكلم حيثما تمضي مبيناً / وما عرف البيان ولا البديعا
حببت سناك أتبعه بشعري / وفخراً أن أكون له تبيعا
مدحتك جهد مقدرة القوافي / فضقت بها مقصِّرة جميعا
أتعصاني مغردة بنفسي / معودة هنالك أن تطيعا
أقول لها وقد كلت قصوراً / رويدك واهدئي لن نستطيعا
يراك الناس حيث ترى عظيما / كريماً في تسامحه وديعا
وأنت النهر دفاقاً قوياً / إذا ما هم لم يملك رجوعا
يفيض على الربوع جلال نعمى / ويغشى من حوائلها المنيعا
أحبك ما حييت وأنتَ حسبي
أحبك ما حييت وأنتَ حسبي / فجرب أنت قلباً بعد قلبي
ويا أسفا على صحراء عمر / جفاها بعدك المطر الملبي
نهاري في لوافحها سراب / وليلي من أباطيل وكذبِ
وفي أذنيَّ من شفتيك عتب / إذا أنا ساعة أضجعت جنبي
وتلك قوافل الأيام تترى / تمر علي سرباً بعد سرب
عوابس لا يطل سناك منها / ولم ألمح مطالعه بركب
فإن غفلت عيون الحظ عنا / وصرت ولم أكن أدري بقربي
تبيني فتلك خيام حبي / وإني موقد لك نار قلبي
تعالَ سل القبيلة والجمالا
تعالَ سل القبيلة والجمالا / لأية غاية شدوا الرحالا
وكيف تبدلوا أرضاً بأرض / وكيف تغيروا حالا وحالا
تطلعت العيون لعل ماء / يتاح على الهواجر أو ظلالا
ومدّ الشيخ في الصحراء لحظاً / كلحظ الصقر في الآفاق جالا
كأن بنيه سقما أو هزالا / خيال جر هيكله خيالا
أقافلة الحياة أريتنيها / فلم تر مثلها عيني مثالا
أجل هي نحن في الدنيا حيارى / وما ندري لقافلة مآلا
رأيت حياتنا كم من غريب / على جنبيه بالإِعياء مالا
وكم من سائل لم يلق ردا / وقد سأل الهواجر والرمالا
فإن تجب القفار عليه يوماً / تردُّ له سوافيها السؤالا
أقافلة الحياة أريتنيها / خيالا أو ضلالا أو محالا
أحبُّ أجَل أحبّ كأن نبعاً
أحبُّ أجَل أحبّ كأن نبعاً / سماوياً تفجّر في دمائي
لقد طاب الوجود بحالتيه / شقائي فيك أجملُ من هنائي
وليلي فيك أحسنُ من نهاري / وصبحي فيك أجملُ من مسائي
فمفترقان فيه إِلى لقاءٍ / وملتقيان حتّى في التنائي
أميمةُ إنَّ عمر الحبّ حقّاً / لأعجبُ آيةٍ تحت السماء
فما أدري لأيّهما ثنائي / ثوانيه السِّراع أم البطاء
أهذا الحُلم يمضي شبه لمحٍ / أم الأبدُ المديد بلا انتهاء
أتفكيري هناك أم انتظاري / لأروعِ هالةٍ حول البهاء
وأزهى من تثنَّى في حُلِيٍّ / وأبهج من تَهادى في رداء
وأسنى من تخطَّر في دلال / وأطهر من تعثَّر في حياء
سيذكر ملتقانا النيلُ يوماً / غداةَ تُعَدُّ أيام الصفاء
وحيدٌ غير أني في زحامٍ / من الآمال تَترى والرجاء
إلى أن لاح عرشُ النور مني / قريباً والهلالُ إِلى اعتلاء
فمؤتلقٌ على أفقٍ بعيدٍ / ومنعكسٌ على فضِّيِّ ماء
كذلك أنت في فكري وروحي / سناك مع الهلال على سواء
وطيفٌ عبقريٌّ في خيالي / وحيدُ الذّات مختلفُ الرُّواء
أحبك فوق ما عشقت قلوبٌ
أحبك فوق ما عشقت قلوبٌ / ولا أدري الذي من بعد حبي
وأعلم أن كُلِّي فيك فانٍ / وعيني فيك ذائبةٌ وقلبي
وأعلم أن عندك من يُنادي / خفيّاً هاتفاً وأنا الملبّي
وأعلم أن حبي ليس يشفي / وبعدي ليس يُجديني وقربي
ولما لم أجد للحب حلا / هتفتُ به كما يرضيك سِر بي
وخذني حيث هند لا تسلني / لأية غايةٍ ولأيِّ دَرب
أناشدك الهوى هل أنت مثلي
أناشدك الهوى هل أنت مثلي / نهاري فيك أشجانٌ وليلي
زمانٌ لا يفارقني عذابي / ولازمني الشقاء به كظلّي
كأن اللَّيل أصبح لي مِداداً / أُسَطِّر منه آلامي ويُملي
حياتي فيه قفرٌ بعد قفرٍ / وعمري فيه كالأبد المُمِلِّ
أبعد جوار هندٍ والأماني / أُكابد جيرة النجم المُطِلّ
أحبك لأ أَمَلُّ لقاك يوماً / ومن لي بالذي يُدنيك من لي
أحبك لست أدري سرَّ حبي / وعلمي فيه أشقاني كجهلي
أقول لعلّ هذا الدهرَ يصفو / ويا أسفاه لو تُغنِي لعلّي
أحاول سلوةً وأرى الليالي / بغير هواك لي هيهات تُسلي
قضيتَ العمر تذكر لي
قضيتَ العمر تذكر لي / وأذكر في الهوى جرحك
فقم نسخر من الأَمَلِ / ومن أعماقنا نضحك
وقم نسخر من الدنيا / وقم نَلهُ مع اللاهي
طويتُ صحيفة الأمس / فَدَعها في يد الله
هي الدنيا كما كانت / وماذا ينفع الوعظ
وما عتبت ولا خانت / ولكن خانك الحظّ
أردنا الجاه والذهبا / فلم يتلطَّف المولى
وهذا العمر قد ذهبا / وأحسن ما به ولّى
لعينيكَ احتملنا ما احتملنا
لعينيكَ احتملنا ما احتملنا / وبالحرمانِ والذلِّ ارتضينا
وهان إذا عطفت ولو خيالاً / وأين خيالك المعبود أينا
تعالَ فلم يعد في الحي سارٍ / وهوَّمتِ المنازلُ بعد وهنِ
وران على نوافذها ظلامٌ / وقد كانت تطلّ كألف عينِ
تعالَ فقد رأيتُ الكون يحنو / عليّ ويدرك الكرب الملمَّا
ويجلو لي النجوم فأزدريها / وأغمض لا أريد سواك نجما
ومنتظرٌ بأبصاري وسمعي / كما انتظرتكَ أيامي جميعا
وهل كان الهوى إلا انتظاراً / شتائي فيك ينتظر الربيعا
أرى الآباد تغمرني كبحرٍ / سحيقِ الغور مجهولِ القرار
ويأتمر الظلام عليَّ حتى / كأني هابط أعماق غارِ
وتصطخبُ العواصف ساخرات / وتطعنني بأطراف الحرابِ
وتشفق بعد ما تقسو فتمضي / لتقرع كل نافذةٍ وبابِ
فصحت بها إلى أن جف حلقي / فحين سكتُّ كلمني إِبائي
وأشعرني العذاب بعمق جرحي / وأعمق منه جرح الكبرياءِ
ولمّا لَم تفز بلقاك عيني / لمحتك آتياً بضمير قلبي
فأسمع وقع أقدامٍ دوانِ / وأنصت مصغياً لحفيف ثوبِ
وأخلق مثلما أهوى خيالاً / وأستدني الأماني والحبيبا
وأُبدع مثلما أهوى حديثاً / لناءٍ صار من قلبي قريبا
أمدّ يديَّ في لهف إليه / أشاكيه بمحتبس الدموعِ
فيسبقني إلى لقياه قلبي / وثوباً ثم يبرد في ضلوعي
فتصطخب العواطف ساخرات / وتطعنني بأطراف الحرابِ
وتشفق بعد ما تقسو فتمضي / لتقرع كل نافذةٍ وبابِ
أحقاً كنت في قربي
أحقاً كنت في قربي / لعلي واهمٌ وهما
تكلَّم سيدَ القلب / وقل لي لم يكن حُلما
دنوت إليَّ مستمعا / فبُحتُ وفرطَ ما بحتُ
بعادك والذي صنعا / وهجرُك والذي ذقتُ
وحبِّي ويحه حبِّي / تَبيعك حيثما كنتَ
تكلَّم سيدَ القلبِ / وقل بالله ما أنتَ
أرى في عمق خاطركَ / جلالاً يشبه البحرا
وألمح في نواظرك / صفاء الرحمة الكبرى
وأنت رضىً وتقبيلُ / وأنت ضنىً وحرمانُ
وفي عينيك تقتيلُ / وفي البسمات غفرانُ
وأنت تَهَلُّلُ الفجرِ / وبسمتُه على الأفقِ
وحيناً أنَّةُ النهرِ / وحزن الشمس في الغَسقِ
وأنت حرارة الشمس / وأنت هناءة الظلِّ
وأنت تجارب الأمس / وأنت براءة الطفل
وأنت الحسن ممتنعا / تحدَّى حصنه النجما
وأنت الخيرُ مجتمعا / وعندك عرشُه الأسمى
وعندك كل ما أظمأ / وردّ القلب لهفانا
وعندك كل ما أدمى / وزاد الجرح إثخانا
وعندك كل ما أحيا / وشدَّد عزمه الواهي
حنانُكَ نضرة الدنيا / وقربُكَ نعمةُ اللهِ
وفيم هواجس القلب / وفيم أطيل تسآلي
أحبك أقدسَ الحبِّ / وحبك كنزيَ الغالي
سناكَ صلاة أحلامي / وهذا الركن محرابي
بهِ ألقيت آلامي / وفيه طرحت أوصابي
هوىً كالسحر صيّرني / أرى بقريحة الشهبِ
وطهَّرني وبصَّرني / ومزَّق مغلقَ الحجبِ
سموت كأنما أمضي / إلى ربٍّ يناديني
فلا قلبي من الأرض / ولا جسدي من الطين
سموت ودق إحساسي / وجُزتُ عوالم البشرِ
نسيت صغائر الناسِ / غفرت إساءَة القدرِ
أهاب بنا فلبّينا
أهاب بنا فلبّينا / منادٍ ضمّ روحينا
كأنا إذ تصافحنا / تعانقنا بكفينا
كأن الحب تيار / سرى ما بين جسمينا
يؤجج في نواظرنا / ويشعل في دماءينا
هجرتِ فلم نجد ظلاً يقينا
هجرتِ فلم نجد ظلاً يقينا / أحُلماً كان عطفُكِ أم يقينا
أهجراً في الصبابة بعد هجرٍ / أرى أيامَهُ لا ينتهينا
لقد أسرفتِ فيه وجُرتِ حتى / على الرَّمق الذي أبقيتِ فينا
كأن قلوبنا خُلِقَت لأمرٍ / فمذ أبصرنَ من نهوى نسينا
شُغِلنَ عن الحياة ونِمنَ عنها / وبِتن بمن نحبُّ موكلينا
فإن مُلِئت عروق من دماءٍ / فإنَّا قد ملأناها حنينَا
دنا الموعدُ والغرف
دنا الموعدُ والغرف / ة وكر للمواعيد
وجاءت ربّة الحسن / كمزمور لداوود
فرفّ البشر في الصمت ال / لَذي خيم في الغرفه
وثارت حيرتي الهوجا / ء بين الفجر والعفه
وثارت آه من ثور / ة هذي اللهفة الحرّى
هنا الحسن الذي يدعو / ك في بسماته السكرى
وهذا الجسم يا ظمآ / ن في دارك كم يغري
أطهراً تدعي اليوم / فماذا نلت من طهر
هنا الحلم الذي أبصر / تَ في غفوة حرمانك
هنا الكأس التي تزري / بما جمّعت في حانك
هنا اللهب الذي جُس / د في نهد وفي ساقِ
على مذبحة المعبو / د قدم طهرك الباقي
نداء بين عينيك / كهذا الليل مجهولُ
يجاوبه حنينٌ ثا / ر في قلبيَ مخبول
فقلت الليل يا من كن / ت عند الليل قربانا
لنغرق في دخان الجس / م أشجاناً وحرمانا
فنام الضوء خجلانا / على مصباح نشوانِ
قريراً لا تنبهه / سوى أنات تحنان
وكان الليل مرتميا / على النافذة الوسنَى
تلصّص خلسة يرنو / إلى معبدنا الأسنى
فشاع السر بين اللي / ل والأنجم والزهر
وإذ بالفجر بساما / إلى إلفين في خدر
قسوتِ فلم نجد ظِلا يقينَا
قسوتِ فلم نجد ظِلا يقينَا / أحلما كانَ عطفُكِ أم يقينَا
أهجراً في الصبابة بعد هجرٍ / أرى أيامَه لا ينتهينَا
لقد أسرفتِ فيه وجُرتِ حتى / على الرمقِ الذي أبقيتِ فينَا
كأن قلوبَنَا خُلِقَت لأمرٍ / فمذ أبصرنَ من نهوى نسينَا
شُغلنَ عن الحياة ونمنَ عنها / وبتنَ بمن نحِبُّ موكلينَا
فإن مُلِئَت عروقٌ من دماء / فإنَّا قد ملأناهَا حنينَا
يمر الناسُ ما مروا وشاءوا / على هَذا الثرى متنقلينَا
وأنت تَنَقَّلينَ على قلوبٍ / وأكبادٍ وأرواحٍ بلينَا
فرفقاً بالذي أبقيتِ منها / وأقسمُ كم تركتِ لنا أنينَا
فإنك إن سررتِ فلم نجدها / فرشنا الدمعَ هتَّاناً سخينَا
أهب ببيانِكَ الصافي تدفق
أهب ببيانِكَ الصافي تدفق / وقف بالقدس واهتف في رباهُ
وقم نقضي الحقوقَ إذا دعينا / أليسَ الشرق يجمعنا حِمَاهُ
سلام الله من أبناءِ مصر / إلى أرض البسالة والفتوَّة
من المهدِ الذي هز البرايا / إلى مهدِ القداسة والنبوَّة
من الوطنِ الكريمِ على الليالي / إلى الوطنِ الكريمِ على الجوارِ
من الوادي الخصيبِ بلا نظير / إلى الوادي المكلّلِ بالوقارِ
وقد رقَّت حواشيه إلى أن / رأيتُ الطودَ يخضرُّ اخضرارَا
لقد فاضَ الجلالُ عليه حتى / كأن عليه من نورٍ إزارَا
تهبُّ به النسائمُ ساحراتٍ / كأنَّ أريجَها أنفاسُ موسَى
وتأتلق الحياةُ على الروابي / كأنَّ على الربى كفّ عيسى
وتنظر روعةَ الإِسلام فيه / وقد غَمَرَ المدائنَ واليبابَا
فحيث تديرُ في الأنحاءِ عيناً / فنورُ محمد ملأ الرحابَا
حللنا في ذراكم يومَ عيدٍ / بعدنا فيه عن مصر مزارَا
فألفينا لديكم ألفَ عيدٍ / تُنَسّينا الأحبةَ والديارَا
وكم عبرت بلا فرحٍ ليالٍ / وكم بالله أعيادٌ تمرُّ
وكيفَ تطيب أعيادٌ وتحلو / لصادٍ والفمُ المحروم مُرُّ
وكيف تطيب أعيادٌ وتحلو / إذا عزَّ التعاهدُ واللقاءُ
فإن العيدَّ عيدٌ يومَ تدنو / ويجمعنا التفاهمُ والإِخاءُ
بني القدس التفت فسر قلبي / جهودٌ بالشدائِد لا تبالي
أرى روحَ الحياة تفيض فيكم / وعزمكمو يفيض على الليالي
أرى أملاً وقلباً حيث أمشي / وأعثر بالحياة إذا التقيتُ
إلى أن قالَ قائلكم لديكم / بأقصى الأرض بحرٌ وهو مَيتُ
خرجنا أمس في ركبٍ جليلٍ / نؤدي للمنية ما علينا
فلما أن بلغناه جميعاً / وقر الركب عند الشطِّ عينَا
عجبتُ لمن يسمي ذاك مَيتاً / وقلتُ يمين ربي ذا افتئاتُ
أميتُ من يحيينا ابتساماً / وتشرقُ في جوانبه الحياةُ
نزلنا فارحين على ذراهُ / فراشاتٍ تحومُ فيه وَثبَا
يكاد المرءُ يشربه سروراً / كأن الملحَ فيه صارَ عَذبَا
أراغب قمتُ أهدي عن عليّ / تحياتِ الكريمِ إلى الكريمِ
وإن أشكر يداً لك وَهيَ تسدي / فتلكَ يدُ العظيمِ إلى العظيمِ
تعالَ نزفُّ للثغرِ السلامَا
تعالَ نزفُّ للثغرِ السلامَا / ألستَ تَرَى على الثغرِ ابتسامَا
ألم تشعر كأن يَدَي عزيزٍ / مَسَحنَ لك المواجعَ والسقاما
كأن خُطى العبابِ خطى حبيبٍ / كأنَّ الموجَ أفئدةٌ تَرامى
سلاماً يا عروسَ الماء إني / أحبُّكِ لا أملُّ بكِ المقاما
أسيرُ إِلى لقائكِ نِضوَ شوقٍ / وأرجعُ عن ربوعكِ مستهاما
أراكِ فتنتشي روحي وقلبي / كأني قد سُقِيتُ بك المدَاما
وإن طُوِيَ البساطُ فنصبَ عيني / عليكِ خيالُ أحبائي القدامى
وإن طاحَ الزمانُ بكأس حبي / فلا الساقي نسيتُ ولا الندامى
فؤادي قم بنا نذكر شجانا / لصخرٍ في جوارِ المكسِ قاما
تعالَ ولا تقل هذا جمادٌ / وكيفَ ترومُ بالصخرِ اعتصاما
فكم في الحيِّ من قلبٍ أصمّ / تَنَكَّرَ أو تَجَاهَلَ أو تعامى
وكم صخرٍ أحسَّ بما عنانا / وما عَرَفَ الحديثَ ولا الكلاما
وكم في الناسِ من رجلٍ قويٍّ / شديدِ البأسِ يقتحمُ اقتحاما
تَعرَّضَ للحوادث لا يبالي / تَلقَّاها نصالاً أم سهاما
فإِن عَرضت له الذكرُ الخوالي / رأيتَ الكونَ في عينيه غاما
عرته الرجفةُ الكبرى وراحت / جيوشُ الصبرِ تنهزمُ انهزاما
بربكِ أيها الأنوارُ ماذا / صنعتِ بساهرٍ ألِفَ الظلاما
بربك أيها الأمواجُ ظلَّت / على الشطئانِ ترتطمُ ارتطاما
أتيتُكِ أبتغي منك التأسِّي / وأَنشدُ في نواحيك السلاما
أراكِ فتحتِ لي شجناً جديداً / وكنتُ أرومُ للماضي التئاما
وَهَيتُ وخانني جَلَدِي وإلا / فهذي الدمعةُ الحرَّى علاما
أيا بلدَ التأسي كيف أنسَى / زماني فيكِ كهلاً أو غلاما
ويومَ أتيتُ مكتئباً عليلاً / أحسُّ البَينَ يدنو والحِماما
أجرجرُ فيكِ أقداماً ثقالاً / وأجمعُ مِن عزيمتيَ الحطاما
وعلاتي وأدوائي كبارٌ / شربنَ دمي وأبلَينَ العظاما
أراكِ فلا أبالي بالمنايا / وأَحمدُ عند شاطئكِ الختاما
وكم طافَ الرفاقُ وغادروني / كَعُوَّادٍ ومروا بي كراما
تمرُّ بيَ الحياةُ ولستُ أدري / أيومٌ مرَّ أم قضَّيتُ عاما
عرفتك والشتاءُ يمدُّ ظلا / وينشر في جوانبكِ الغماما
عرفتكِ والمصيفُ عليكِ زاهٍ / وقرنُ الشمسِ يضطرمُ اضطراما
عرفتكِ والعواصفُ فيك غضبى / نشرنَ على مُحَيَّاكِ القتاما
عرفتك والفلائكُ فيك بيضٌ / مجنحةٌ يحاكينَ الحَماما
عرفتكِ هادئاً والفجر غافٍ / كأَنَّ البحر وَسَّدَه فناما
عرفتك كالصديقِ بكلِّ حالٍ / وكنتِ شرابَ روحي والطعاما
وملحُكِ في دمي وشذاكِ باقٍ / وهذا الصوتُ أسمعُه دواما
تعالي صخرةَ الماضي أجيبي / وقوفُكِ وانتظارُكِ ذا إلاما
لقيتِ من العبابِ كما لقينا / من الأيَّام قرعاً واصطداما
كأنكِ للورى هدفٌ وهذي / جموعٌ تبتغي أمراً جساما
إذا ما أخفقوا رجعوا فُرَادَى / وإن هَمُّوا وجدتهُمُ زحاما
فؤادي إن تغيرتِ الليالي / فمثلكَ مَن رَعَى فيها الذماما
بلغنَا كعبةَ الآمالِ فاخشع / ودعنا في مناسِكهَا قياما
خُذِ السلوانَ من حجرٍ صموتٍ / فما أحراكَ بالحجرِ استلاما
بربكَ أينَ أحلامٌ غَوالٍ / وعمرٌ قد قطعناهُ نياما
وعهدٌ كانَ فيك ربيع وردٍ / كهذا اليومِ حُسناً وانسجاما