المجموع : 78
نَسِيمُ الصّبحِ باكَرَني بَلِيلا
نَسِيمُ الصّبحِ باكَرَني بَلِيلا / فأبرأ طيبُهُ قلباً عَلِيلا
وأشرقَتِ الغزالةُ من سماءٍ / كبلّورٍ غداً ملآنَ نِيلا
فَتَحتُ لها الفؤادَ جناحَ نسرٍ / فأدفأ نُورُها جسمي النّحيلا
وفاحَ الزَّهرُ يَجمعُ كلَّ لونٍ / لدَى شَجَرٍ عَلَيه حَنا ظَلِيلا
فَخِلتُ الحَقلَ طاوُوساً تَمَشّى / يُجرّر ريشَهُ ذَيلاً خَضِيلا
وغرّدَتِ الطُّيورُ بألفِ لحن / تُحيِّي المشَهدَ الحسَنَ الجَليلا
فَهاج الشّوقُ فيّ إِلى رُبُوع / سأذهَبُ في محبّتِها قتيلا
بها علّقتُ آمالي وحبي / فقلبي لن يملّ ولن يميلا
أأرتعُ في حماها بين صَحبي / وأشفي من أطايبها الغليلا
وبعد الموت أُدفَنُ في ثَراها / فأبقى بَينَ أحبابي نزيلا
وتسقي زهَرهُ رشّاتُ مزنٍ / مكافأةً لمن صَنعَ الجميلا
وبنت الحيّ تذكرُني وتبكي / بكاءَ حمامةٍ فَقَدت هَديلا
وحينَ ينوحُ غصنُ الدوحِ فوقي / صدى قبري يجاوِبُه طويلا
تصبّاكَ التمَوُّجُ والهديرُ
تصبّاكَ التمَوُّجُ والهديرُ / فسرتَ وحَولكَ الزَّبدُ النثيرُ
أمن طرب لصوتِ البحرِ تحنو / عليهِ أو إليهِ تستطِير
فخُذ مِنه القَصائدَ والقوافي / ففي أمواجهِ شعرٌ كثير
وخُذ مِنه اتّساعاً واقتداراً / لنفسكَ فهو جبارٌ كبير
ولا تُرهبكَ غارتُه غَضوباً / وكن مُتقَحِّماً وهو المُغير
وقُل يا بحرُ قد لاقيت بحراً / فأنت لهُ رفيقٌ أو نظير
رأيتُ الشرقَ ملكاً للنبيِّ
رأيتُ الشرقَ ملكاً للنبيِّ / يُزَلزَلُ تحت رِجلِ الأجنبيِّ
فحتامَ الفرنجةُ في هِراشٍ / عليهِ كأنَّهُ مالُ الصّبيِّ
فقل للطامعينَ بهِ رُويداً / قد استغنى اليتيمُ عن الوصيِّ
لقَد طالَ المَطالُ على وعُودٍ / بها تُطلى مطامِعُ أشعبيِّ
إذا قُلنا مَتى الإنجازُ قُلتُم / حَذارِ جحافلَ المَلِكِ الخفيِّ
تصَبَّرنا أُسُوداً في قُيُودٍ / على هذا الرّواغِ الثَّعلَبيِّ
وقُلنا نحن عُزلٌ فارحَمُونا / ولا تَتَلَطّخوا بدَمٍ زكيِّ
فصوَّبتُم مدافعَكم إلينا / لترشُقَنا بأنواعِ الشظيِّ
ومن أموالِنا صُنعَت لتودي / بكلِّ فتىً همامٍ ألمعيِّ
تدجَّجتُم ولم تُبقوا سلاحاً / لشعبٍ قد غدا هدفَ الرميِّ
ولو أنّا تعادلنا وجلنا / لأنصفنا الأصيلَ من الدعيِّ
فما حَطَمَ السلاحَ سوى سلاحٍ / يماثِلُهُ بتدبيرٍ خفي
فلسنا دونكم جَلَداً وبأساً / وأعزَلنا يُغير على الكمي
ولكنَّ القذائفَ والشظايا / حَمَتكُم من سنان السَّمهَري
بمائتِنا نلاقي الألفَ منكم / وما منّا سوى البطلِ الجري
زَعَمتُم أنّكم أعوانُ عدلٍ / تُجيرونَ الضّعيفَ من القوي
وفي أعمالِكم تكذيبُ قولٍ / غدا كيّاً على الجرحِ الدميِّ
أننصِفكُم ونحملُ كلَّ حيفٍ / فنأتي بالهديّةِ والهَدِيِّ
ونَنصُرُكُم وأنتم من عُدانا / فنؤخذَ بالخَّديعةِ من دَهِيِّ
ويومَ السلمِ تَنتَقِمونَ منا / فهَل هذي مكافأةُ الوفي
فبالمرصاد نحن لكم لنقوى / ونُرغِم أنفَ مختالِ عَتي
سنَصبرُ حاقدينَ على زمانٍ / به انتصرَ الخسيسُ على السري
فإمّا أن يكونَ لنا انتقامٌ / وتظفيرٌ بكلِّ فتى حَري
وإما أن نقاتِلَكُم ونَفنَى / بلا أسفٍ على العيشِ الدني
فإنَّ الموت في شرَفٍ وعزٍّ / أحبُّ من الحياةِ الى الأبي
سيوفُ الشرقِ ماضيةٌ ظُباها / وأمضاها شباةُ محَمدي
فلم يدعِ العلوجُ الحمرُ سيفاً / ولا رمحاً لأحمسِه العصي
فهل فرَجٌ لأهلِ الشرقِ يُرجى / بنجدةِ ربّةِ الشرقِ القصي
فيَشكُرَ كلُّ مظلومٍ فقيرٍ / مساعدةً من الشهّمِ السخي
هي اليابانُ تَطلَعُ للمعالي / بمطلَعِ رايةِ الشمسِ السني
لها في البحرِ أسطولٌ يدلّي / مراسيَهُ كأشطانِ الركي
بوارِجُهُ على الأمواجِ ترسو / قلاعاً في الصبائحِ والعشي
وجَحفَلُها يضيقُ البرُّ عنهُ / وفيهِ كلُّ مقدامٍ عدي
فيالِقُه سحائبُ في حَشاها / صواعقُ منذراتٌ بالدَّوي
مشى الأمراءُ والقوّادُ فيه / إِلى تذليلِ جبّارٍ طغِيِّ
فلم يُبقوا له علماً رفيعاً / ولا حصناً منيعاً للرُقيِّ
فهبَّ الشَّرقُ بعد خمورِ دهرٍ / لصرخةِ ذلك الشعبِ النخيِّ
وحارَ الغربُ في نصرٍ مبينٍ / علىالجيشِ اللّهامِ القيصريِّ
وباتَ الرومُ في قلقٍ ورُعبٍ / لترجيعِ الصدى صوتَ النعي
ولولا بأسُه دخلوا حماهُ / وقد جارَ البغيُّ على التقي
أيا أهلَ المشارقِ لا تناموا / فإنَّ عدوَّكُم في ألفِ زِيِّ
وكونوا أُمّةً يومَ التنادي / على أُممٍ من الغَربِ الغوي
وصيروا بعدَهُ أُمماً تآخت / وقد عَطَفَ الصفيُّ على الصفي
فلو أنّ الهنودَ مشوا جميعاً / إلى يومٍ أغرَّ عَرَمرَمي
لطاحَ الإنكليزُ بهِ وآلت / شدائدُه إلى شدّ المطي
ولكنّ الدسائسَ فرّقَتنا / فصرنا كالنبالِ بلا قِسي
لفولاذِ المدافعِ قد خَضعنا / فسيِّدُنا أذلُّ من الخصي
وضعفُ العزمِ والأخلاقِ أودى / بآلاف لدى نفرٍ قوي
فوهنُ الشّعبِ من وَهَنِ المزايا / ومن فَقدِ السلاحِ المعنوي
وفي صدقِ العزيمةِ كلُّ صعبٍ / يهونُ على الشجاعِ الأريحي
أبيُّ النفسِ يَلقى الموتَ طوعاً / ويقحمُه ببأسٍ عنتري
فلا عذرٌ لأعزَلَ سيمَ ضيماً / فقالَ أخافُ بطشةَ مدفعي
قوى الأرواح فوقَ قوى سلاحٍ / فرنجيٍّ يُعدُّ لمشرفي
فلو أن النفوسَ لها جِماحٌ / لكسّرنا المدافعَ بالعصي
مِن الإفرَنجِ لاَ يُرجى حياءٌ / فصونوا نضرةَ الوجهِ الحيي
فإما الحربُ في تحصيلِ حقٍّ / وإما السلمُ في حكمٍ سوي
لهم ملكٌ ومالٌ بين شعبٍ / حفيٍّ في منازِلهِ عَرِيِّ
فوا أسفي على الشرقيّ يَشقى / وأهلُ الغَربِ في عيشٍ رخي
أضاعَ الدينَ والدنيا جهولاً / ولم يكُ غيرَ مظلومٍ أذِيِّ
فحتّامَ الغضاضةُ والتغاضي / عن الأرزاء بالطّرفِ القذي
ويا أبناءَ يعربَ هل أصاخت / ضمائركم لتأنيبِ الندي
فَحولَ الكعبةِ العُظمى نجومٌ / تطالِعُكُم من الليلِ الدجي
أغيروا كلُّكم عرباً وغاروا / على الدينِ الحنيفِ الأحمدي
ودونَ الملكِ والإسلامِ موتوا / على حقٍّ كسيّدنا علي
وصونوا خيرَ ميراثٍ وسيروا / على النهجِ القويمِ الراشدي
وبالأسطولِ والجيشِ استعزّوا / لتحموا الملكَ من أمرٍ فريِّ
دعوا أثراً عفا وضَعوا أساساً / لقصرٍ من أُميّة مَرمَري
فيُنظمَ شَملُكم عقداً فريداً / يدلُّ على ذكاءِ الجوهري
خليفتُكُم حوى الدنيا فأزرت / عمامتُه بتاجٍ كسروي
وَرثتُم ملكَ غسانٍ ونضرٍ / وحِميرَ ذي الجلالِ التبّعيِّ
وقد زدتم عليه ملكَ دارا / وقيصرَ ثم فرعونَ الحمي
ولم يكُ مجدُ ذي القرنين إِلا / حقيراً عِندَ مجدٍ يَعربي
مواطنكُم يَعيثُ الرومُ فيها / وهم منها على كنفٍ وطي
لكم أشواكها ولهم جَناها / فليتَ حتوفَهم عند الجني
صبرتُم صبرَ أيّوبِ المعنّى / عَلَيهِم بعدَ حلمٍ أحنفي
فما عرفوا لكم صبراً وحلماً / وهل يُرجى الندى من أعجمي
وشرّ عداتِكم منكم فبلوى / بني العباسِ بابن العلقمي
ومُزِّقَ ملكُ أندلسٍ بدعوى / طوائفِه وحكمٍ فوضوي
فما حَسَمَ الخيانةَ وهي داءٌ / سِوى سيفٍ أحدّ مهلّبي
صلاح الدينِ ماتَ فهل سميٌّ / لقاهِرهم له بأس السمي
فيغدو الشرقُ حراً مستقلاً / فتجمعُهُ خلافةُ هاشمي
ويأخذُ للعزائم والمواضي / مضاءً من حسامٍ خالدي
أتاني الوَحيُ في ليلٍ شجاني / فجاشَ الشعرُ في صدري الشجي
فجدتُ بهِ على قومي وعيني / تصونُ بقيةَ الدمعِ الذريّ
ولو هملت دموعُ الحرِّ حيناً / على البلوى لكانت كالولي
ألا يا حبذا ليلٌ جميلٌ / زواهِرهُ كأصنافِ الحُلِيِّ
أرِقتُ ولذَّ لي أرقي عليهِ / لسكري بالجمالِ السرمدي
وما سَهري لجملٍ أو لنعمٍ / ولا شَغفي بحسنٍ زينبي
ولكنّ المراغبَ سهّدتني / لأحملَ عبءَ مأفونٍ خلي
فهمي كلُّهُ في أمرِ قومي / ولم يستَهونِي لهوُ الغوي
إذا نلتُ المنى نفّستُ كرباً / وإِلا فالسلامُ على الشقي
هنالِك بتُّ أرعى النجمَ بعثاً / وأحدجُهُ بمقلةِ بابلي
لعلي أهتدي من سرّ نفسي / إِلى سرِ الوجودِ الأولي
ولما أن هجعتُ رأيتُ طيفاً / يحييني بثغرٍ لؤلؤي
فضاعَ الطيبُ منه ومن نقابٍ / يُرفرفُ فوقَ بُردٍ أتحمي
تلألأتِ الجواهرُ فيه حتى / رأيتُ كواكب الأفُقِ البهي
فلاحت خيرُ من لبست نطاقاً / وعلّت من زلالٍ كوثري
فقالت وهي باسمةٌ سلامٌ / على من شِعرُهُ مثل الأتي
هَبطتُ إليك من جنّاتِ عدنٍ / فطِب نفساً بطيب طوبوي
وخذ منه نشاطاً واعتزاماً / وخفّف لوعة القلبِ العني
حظيتَ الحظوة الكبرى جزاءاً / لما أُوتيتَ من خُلُقٍ رضي
فمثلُكَ من يكونُ لفخرِ قومٍ / اذا افتخروا بشهمٍ لوذعي
إِلى العربِ انتميتَ وأنت برٌّ / فيا لك من أخي عربٍ هدي
فقلت وقد سجدت لها سلامٌ / على هذا الجلال الفاطمي
أيا بنتَ النبيِّ رفعتِ قدري / بتقريبي إلى الملأ العلي
فهانَ عليَّ دون حماكِ موتي / وهذا الموتُ فخرُ العبقري
فنفسي كلها طربٌ وشوقٌ / لرؤيا بين أنوار الحبيّ
أسيّدة النساءِ وأنتِ أبهى / من المريخ في الفلك النقي
على روحي أفيضي النورَ حتى / أرى فجراً على روضٍ ندي
لقد جرّدتُ من شعري سيوفاً / تذود عن الضريح اليثربي
وقد أشعَلتُ بالفرقانِ لبي / فهدي النارُ من صدري اللظي
فؤادي كربلاءُ هوىً وحرباً / ولم يُنكر بلاء الشافعي
أَأَنتِ بذاك راضيةٌ لأرضى / بآلام الشهيد الطالبي
فقالت أنت بالإسلام أولى / فصلّ فسلّمنَّ على النبي
أمِن عربيةٍ تشتاقُ دارا
أمِن عربيةٍ تشتاقُ دارا / وبنتُ الرّومِ تمنعكَ المزارا
سعادُ هناكَ تنزِلُ في البوادي / وأنت هنا لِتَقتحِمَ الغمارا
لعمركَ لم أخف مَوجاً وريحاً / ولكن خفتُ من عِلجٍ إسارا
إذا ما النّسرُ هيضَ لهُ جناحٌ / وحصَّ الريشُ فانتثرَ انتثارا
يرى الآفاقَ تَعرفُهُ مليكاً / ولكن ليسَ يَسطيعُ المطارا
فوا أسفي على وَطني وأهلي / إذا هاجَ الدُّجى فيَّ ادِّكارا
فبتُّ أرى العيونَ السودَ ترنو / وَدمعَ الحزنِ ينحدرُ انحدارا
يَفيضُ على حبيبٍ أو نسيبٍ / وما بَردَ البكاءُ لها أوارا
تَلفُّتها الى طَللٍ وقبرٍ / وسيفٍ سلّهُ الرومُ اقتسارا
فلا تدري وقد نزلوا حماها / أتبكي الأهلَ أم تبكي الديارا
أرى الديجورَ أغماداً تدلّت / وأفكاري قد انسلَّت شِفارا
ألِفتُ على اهتمامٍ واحتمام / سهادي الجمَّ والنومَ الغرارا
وقد قطَّعتُ أعصابي اجتهاداً / وقد ضيّعتُ أيامي اغترارا
فحتّامَ التعلُّلُ والتّمنّي / ومن شمسِ الشبابِ أرى ازوِرارا
رَمَيتُ الحظَّ عصفوراً جميلاً / فطاشَ السهمُ والعصفورُ طارا
أنا المغبونُ في حَرثي وغَرسي / وغَيري يجتَني منّي الثمارا
ولمّا طالَ بي أَرَقي وهمِّي / نَهضتُ كموثَقٍ يَبغي الفرارا
وقلتُ حلا سراي إلى فتاةٍ / بها قلبي مِنَ الهمِّ استَجارا
فتؤنسُ وَحشَتي ويفرُّ لَيلي / إذا أبصَرتُ في الثّغرِ افترارا
فأطلعتِ النّجومَ الزُّهرَ حَولي / بمبسَمِها وفَوقي النّجمُ غارا
مشَيتُ كأنّني غازٍ يُرَجّي / لِعزّ الملُكِ فتحاً وانتِصارا
وكانَ البرقُ مِن حَنقٍ وغَيظٍ / يُمَزِّقُ ثوبَ ليلي المستعارا
هدَت قَلبي العروبَ وطهّرتهُ / وبعدَ ضَلالِه وَجَدَ القرارا
وقد لَعِبَت بهِ الأهواءُ حتى / رأيتُ دَمي حلالاً أو جبارا
فأشبِهُ زَورقاً جارَى نَسيماً / فَهَبَّ علَيهِ إعصارٌ فجارا
وعُصفُوراً لَطيفاً شرَّدتهُ / عَواصِفُ بينها ضلَّ اتّكارا
فقالَت إِذ رأتني كَيفَ تأتي / لِنَحملَ مِنكَ بينَ النّاسِ عارا
فما وَقتُ الزّيارةِ مِنكَ هذا / وما كنّا لنأمَلَ أن نُزارا
فَعُد مُتَخَفِّياً واكتُم هَوانا / وِإلا يَزدَدِ الحبُّ اشتهارا
فقلتُ أرى السّجوفَ أشدَّ كتماً / من الظلماءِ إن رمتُ استتارا
قَطَعتُ إليكِ سوراً بعدَ سورٍ / أراه لِضيقِ ما حَولي سِوارا
فَكيفَ أعودُ والرُّقباءُ حَولي / ومنكِ بَلَغتُ جناتٍ ودارا
بِنارِ هوىً ونارِ قِرىً عزائي / ومِثلي مَن بِنارينِ استَنارا
ولَيلُ الهمِّ يَجلوه حَدِيثٌ / نرى فيهِ انبثاقاً واستِعارا
فأعطِيني كلاماً لا قواماً / وعاطِيني حَدِيثاً لاَ عِقارا
فَشَمُّ العطرِ مِن نفسٍ لطيفٍ / يكرِّهُني مِنَ الخَمرِ الخُمارا
بنَفحِ الطّيبِ منكِ تَطِيبُ نَفسي / وشِعري كانَ مِن نَفَسِ العَذَارى
فبتُّ وقد شمَمتُ فماً وكاساً / أرى العشّاقَ إخوانَ السكارى
غَزَت قَلبي العيونُ وروّضَتهُ / فَزادَتهُ اخضلالاً واخضِرارا
عبدتُ النارَ في الخدِّ احمِراراً / ونورُ هَواكِ أعبدُهُ اصفرارا
مَررتِ على حِمَى النُّعمَى نُعامى / تزيدُ النّشرَ في الرَّوضِ انتِشارا
فقالت بَل مَرَرتُ مرورَ نحلٍ / فصارَ الوَردُ في خدّي بهارا
وإني لا أراكَ تَعُودُ فادخل / عَفيفاً تَلقَ طاهرةً نوارا
فقلتُ من المحاسنِ زوّدِيني / لآمَنَ في العواثيرِ العِثارا
وآخذَ قوةً من ضِعفِ حبّي / تُصَيِّرُني دليلاً للحَيارى
فحين أراكِ تَبتَسِمينَ أعلو / وأحتَقِرُ الصّغائرَ والصِّغارا
فما وَجدُ الفَرَزدق مِثلَ وَجدي / وقد ذكَرَ الهوى فبكى نوارا
ولا المجنونُ يومَ دَعَتهُ لَيلى / لِيَجني مِن رُبى نَجدٍ عِرارا
لَكِ الخيرُ اختَصَرتُ كِتابَ ليلي / وفي التّأليفِ أختارُ اختِصارا
أحاملةً على الخدَّينِ وَرداً / وفي الشَفَتينِ سلسالاً ونارا
حَوَت بَرَدى وحرَّانَ الثّنايا / وخَدُّكِ من نصيبين استَشَارا
أبونا آدمُ الجاني فَخَوفاً / على الرُمّانِ أخفي الجُلَّنارا
وإِلا قالَ مفتونٌ لِهذا / على الفِردَوسِ فَضّلتُ القِفارا
ولمّا أن رأيتُ الغزوَ مَجداً / لِنَهبِ النّهدِ مزّقتُ الإزارا
على خَدَّيكِ أرخي لي خِماراً / فَلولا اللّيلُ ما اشتَقتُ النّهارا
خِمارُكِ فيهِ ترويحٌ لِقَلبي / إِذا النَّسَماتُ هبّت فاستَطارا
فما أحلى النِّقابَ على المُحيّا / إذا حَفِظَ الخفارةَ والوقارا
توارَى الحُسنُ فيهِ لاحتراسٍ / كذاكَ الدرِّ في صَدَفٍ توارى
لقد صانَ الطّهارةَ من جبينٍ / حكى قمَراً وكانَ لهُ سِرارا
وما ذاكَ السرارُ سِوَى تمام / لِمن يَخشى الضّلالَ أو الضرارا
نِقابُكِ دونَ وجهكِ ليسَ إِلا / رجاءٌ خَلفَهُ وطَرٌ يُدارى
ولولا عزَّةُ الأوطارِ هانَت / فما وَجَدَ العِصاميُّ افتِخارا
فشدِّي بالخِمارِ عَلَيهِ قَهراً / لمغرٍ بالسّفورِ هَذَى ومارى
وصدّي عن غويٍّ رامَ حُسناً / عَلَيهِ اللهُ في القُرآنِ غارا
أبِنتَ العالمِ الشرقيّ حِفظاً / لزيٍّ يُكسِبُ الحُسنَ ازدهارا
وظلّي فيهِ مُسلِمةً حَصاناً / على رَغمِ الذي خَلَعَ العِذارا
حِجابُ الوَجهِ ليسَ حِجابَ نَفسٍ / إذا رَفعت من الجهلِ السِّتارا
تعالَت نَفخَةُ الباري تعالى / وكانت من لَظَى نارٍ شرارا
فَجَوهَرُها من الأعراضِ يَبدو / لأهلِ الحقّ سِرّاً أو جَهارا
فإنَّ النّورَ يخترِقُ الدّياجي / وإنّ الصّوتَ يجتازُ الجِدارا
أيا بنتَ الّذينَ أنا فَتاهُم / وفي شِعري حَمَلت لهم شعارا
على الروميِّ تِيهي واستعزّي / وللعربي لا تُبدي نفارا
من الزبّاءِ صانَ الحصنُ حُسناً / بهِ ازدادت علوّاً واقتِدارا
وجرّت شَعرَها والذّيلُ فيهِ / وساسَت مُلكَها وحَمت ذِمارا
وإنَّ حميّةَ النُّعمانِ أزرَت / بكسرى أبرَوِيزَ وَرِيثِ دارا
أُحِبُّكِ يا فَتاةُ لحُبِّ قَومي / وأرفَعُ من مَناقِبهم مَنارا
أحنُّ إِلى مَواطِنهم فأبكي / على مُلكٍ قدِ اندَثرَ اندِثارا
وفي صَدري حَزازاتٌ وسَيفٌ / يحزُّ القلبَ من علجٍ أغارا
فكم هَجَروا منازِلَهم إباءً / ليَجتَنبوا الدنيئةَ والشَّنارا
كذا تخلو العَرائنُ مِن أُسُودٍ / تَرى للذّئبِ في خَيسٍ وجارا
إذا العربُ استَعدُّوا لِلأعادي / وبارُوهُم مِراساً وادِّخارا
ترى الدُّنيا عَجائبَ مِن رِجالٍ / يَرونَ الأرضَ لا تَسَعُ المغارا
فأيّامُ الجزائرِ قد أرَتنا / مِنَ الأعرابِ أبطالاً كِبارا
لعبدِ القادرِ اضطَرَبَت فرَنسا / وكان الإنتِصارُ لها انكِسارا
على فَقرٍ وضُعفٍ حارَبَتهُ / فأنزل في كتائِبها البوارا
جمالُكِ يا عروب أقرَّ عَيني / وذكّرَني أبا مُضرٍ نِزارا
فحِينَ أراكِ أستَجلي قُصُوراً / مِن الخُلفاءِ قَد صارت غُبارا
على رِدفَيكِ بَغداد اسبطرّت / وفيها المجدُ يَعتَنِقُ الفِخارا
وفي خَدَّيكِ سامرّا تُريني / مِنَ الدّنيا النّضارةَ والنّضارا
أنا العربيُّ بَينَ الرومِ أمشي / غَريباً أو أُعدُّ مِنَ الأسَارى
رأيتُ عرُوبَتي شَرَفاً وفخراً / فبتُّ أودَّ إسلامَ النصارى
فَقُولي للألى أرجو نَداهم / وأهوى مِن منازِلهم جِوارا
فَتاكُم ضاعَ في المَنفى فمدُّوا / لهُ الأيدي وسلُّوهُ غِرارا
تردّى البُطْلُ ثوبَ الحقِّ ردحاً / لِيخَدعَهُ فأزهَقَهُ وثارا
وخاصَمَه اللئامُ ولم يَكُونوا / خُصُوماً بَل زبانيةً شِراراً
فقالَ على الهُدى والحقّ مَوتي / فأرضَى الله واسترضى الخِيارا
شَرِبناها على ذكرِ الوليدِ
شَرِبناها على ذكرِ الوليدِ / وليلُ الهمِّ يثقلُ كالحديدِ
فَخفَّ وشفَّ عن صبحٍ جميلٍ / كما شفَّ الحريرُ عن القدود
مُسخَّنةٌ وفاترةٌ تراءت / لنا في الكأسِ ناراً في جَليد
هي الصّهباءُ رَمزُ الحبِّ فيها / وفي لمعانِها كذبُ الوعود
ونكهتُها كأنفاسِ العذارى / إذا فاغَمتَهنَّ على صدود
وأما طعمُها فاسكُب وذقهُ / لتعرفَه بمختصرٍ مفيد
تَشوقُ العاشقين بريحِ شيحٍ / ولونٍ من دُجى ولظى قديد
وتُطمعُهم على نكدٍ وبؤسٍ / بما للإنكليزِ من الهنود
تقادمَ عَهدُها فروت حديثاً / غدا فيهِ حديثاً عهدُ هود
وعلّمتِ التآلفَ والتَّساوي / فأحسَت سيداً كأس المسود
وإنَّ صفاءَها منهُ التّصافي / وتوثيقُ المودّةِ والعهود
فلم أرَ مِثلها لرخاء عيشٍ / ونزعِ الغلِّ من قلبِ الحقود
فَقُل للمسلمينَ تجرَّعوها / على دين النّصارى واليهود
أخافُ من المزاجِ على زجاجٍ / يَسيلُ فما لدَيها من جمود
وَفورَتُها لسورَتِها مثالٌ / فإنذارُ الصواعقِ بالرعود
تَجنَّب شربَها واحذَر هواها / لأن الحانَ عرّيسُ الأسود
سواءٌ فيهِ عربدةٌ السكارى / وزمجرةُ الليوثِ على الصيود
تمشّت في عروقِ أبي نواسٍ / فهزّت عرشَ هارونَ الرشيد
وجرّدَت السيوفَ على عروشٍ / فأثكلتِ الخِلافةَ بالوليد
وذاقَتها جنانٌ بعدَ صدٍّ / فجادَت بالترائبِ والنُّهود
عديٌّ قد أجادَ الشّعرَ فيها / فلا تعذر بها غيرَ المُجيد
إذا الحَبَبُ النّثيرُ طفا عَليها / قرأتُ النَّثر من عبدِ الحميد
تذكّرتُ الذينَ تعشَّقوها / فكانَ الموتُ منهم كالرقود
فقلتُ على مضاجعهم سلامٌ / وموتاها أُولو الرأي السّديد
لقد ماتوا سَكارى واستحبُّوا / مناياهم على كرهِ الوجود
إلى السرِّ الخفيّ تحنُّ نفسي / لتسكنَ بعدَ تقطيعِ القيود
وتقنعُ بالقليل على حصولٍ / وتُعرِضُ بالوعودِ عن العديد
تمرُّدُها أثارَ الناسَ حَولي / فلم تحفل بوعد أو وعيد
ومن نُمرودَ شاقَتها نِبالٌ / فحيَّت كلَّ جبارٍ عنيد
ولم أكُ راغباً يوماً لجهلي / بعيشٍ أو بموتٍ من لبيد
أُحبُّ العيشَ في سعةٍ قصيراً / ولا اهتمُّ بالعيشِ العتيد
فما أدنى الحياةَ من التّلاشي / وما أدنى الحمامَ من الخلود
فكلني بالكؤوس أَكِل مداماً / فأخَتبرَ المنيّةَ بالهجود
وأسكرُ سكرةً لا صحوَ منها / وأَدخلُ جنّتَي حورٍ وغيد
وتحتي الزَّهرُ منتثرٌ وفَوقي / ونومي بينَ أقداحٍ وعود
وللأوتارِ ترنيمٌ شجيٌّ / كترجيعِ النواحِ على اللحود
فجلُّستانُ أو بستانُ سَعدي / يشَوّقُني إِلى عهدٍ سعيد
من الأقداحِ والأحداقِ سكري / فدع للنوكِ تجميعَ النقود
كذاكَ تقاربت لفظاً ومعنىً / فليسَ السكرُ عَنها بالبعيد
وفي الكأسِ الكياسةُ فاغتِنمها / وخُذ من نارِها قبلَ الخمود
فما نفعُ الحياةِ بلا اغتباطٍ / ولا طرب وإيناسٍ وجود
بحبّ الخمرِ شارَكني نَديمٌ / رشيقُ القدّ أطولُ من عمود
يموتُ بها ويحيا كلَّ يومٍ / فيدفعهُ القديمُ إلى الجديد
يَذوبُ ظرافةً ويَتيهُ عجباً / وينعتُ كلَّ صاحٍ بالبليد
يقولُ إذا عيوبُ الناسِ عُدّت / أتَعذلني على عَيبي الوحيد
تَعدُّ الشّربَ عَيباً غيرَ أني / عرفتُ بهِ الأسودَ من القرود
فقل للعاذِلينَ حَسدتُموه / ولا يُرجَى الثناءُ من الحسود
وحرمة دنّها لو ذقتمُوها / لجدتُم بالطّريفِ وبالتليد
وأطربكم على الألحانِ شعرٌ / من البحرِ الطّويلِ أو المديد
وإني لو مرضتُ وجعتُ يوماً / ومن تَشرابها داءُ العميد
لفضّلتُ المدامَ على دَوائي / وآثرتُ النبيذَ على الثَّريد
فمن دائي الدواءُ وفي الحميّا / محيّا السَّعدِ يبسمُ للمجيد
بها هانَ الحِمامُ على عَبيدٍ / فلم يَفرَق من الموتِ الأكيد
وقيلَ له تمنَّ فقالَ خمراً / يُنيرُ شُعاعُها عبرَ الشهيد
له يومٌ ولي أيامُ بؤسٍ / بها اشتُقّ الأشدُّ من الشَّديد
أنا بالسكرِ ثم الموت أولى / ففي هذينِ راحةُ مُستَزيد
فنعمَ الموتُ بعدَ السكرِ منها / وإلقاءُ السَّلامِ على عبيد
وفي موتي بها تحلوُ حَياتي / فمنها بَعثتي بعدَ الهمودِ
وفي حزني تُسلّيني كؤوسي / كأبوابٍ من العقدِ الفريد
فقلت لهُ اسقِنيها واشرَبَنها / على رغمِ الحسودِ أو الجحود
فأجلسُ بينَ ريحانٍ وراحٍ / وأستَجلي الكؤوسَ على الورودِ
وأغرسُ جنةً وأشيدُ قصراً / على أطلال عادٍ أو ثمود
ليالي مسلمٍ بيضٌ ففيها / شَفَت بنتُ المجوسِ ابنَ الوليد
وفي جرجانَ عزَّتهُ قليلاً / فلم يعبأ بأعمالِ البريد
كنَخلتِه غريباً حنَّ لما / رأى في الخمرِ أمناً للطريد
فكم من ليلةٍ منهُ تريني / شريداً يَقتفي أثرَ الشَّريد
وقد بلَّ النّدى شَعري وثوبي / وشِعري كالجواهرِ في العقود
ولاح البدرُ بين غماتيهِ / فرغّبني بمكسالٍ قعود
إليها اجتَزتُ سُوقاً بعد سوقٍ / وقلبي فيهِ من حرِّ الوقيد
وحينَ دَخَلتُ منزلها أرَتني / كناساً فيهِ تخويرُ الجليد
جَلت عن نارِ وَجنتِها دخاناً / وأبدَت حمرَها من تحتِ سود
وقالت والوشاحُ على يَدَيها / بهذا مَصرعُ البطل النجيد
فقلتُ النارُ شاقتني وإني / مجوسيٌّ يُشمِّرُ للسجود
أرى نهدَيكِ معزفةً وعرشاً / لأكبرِ من هشامٍ أو يزيد
إذا لمَستهما كفِّي وجسَّت / أُناغي أو أُغنِّي كالوليد
بضيقِ الذَّرعِ مِنكِ أضيقُ ذرعاً / فأَخفي ما يوَسوسُ أو فجودي
فلستُ براجعٍ عنهُ وإني / لآخِذُهُ من الزَّردِ النضيد
فآدمُ لم يَرعهُ الموتُ لما / جَنى التفَّاحَ من حمرِ الخدود
ولما احمرَّ خدّاها ولاحت / على الشّفتَينِ بيِّنةُ الشّهود
هَصَرتُ قوامَها بذؤابَتيها / فلامَسَ رأسُها حَبلَ الوريد
وبتُّ أقبِّلُ المرجانَ حتى / رأيتُ الدرِّ من أغلى فريد
وفاحَ على ثناياها شَذاها / وفي أنفاسِها تحريقُ عود
سَقَتني خمرَتَي كأسٍ وثَغرٍ / وجادَت لي بتَجويدٍ وجيد
نَعِمتُ بها منعِّمةً للحنِ / إذا غَنّت أقولُ لها أعيدي
كذا محبوبةٌ غَنّت وفضلٌ / لدى متوكِّلٍ ولدى سعيد
وأطرَبتِ الحجازَ جَرادتاهُ / مُغرِّدَتينِ للعيشِ الرغيد
ولما انشَقَّ صدرُ الليلِ حقداً / على مُتَمَتِّعٍ فيه سهيد
تنشّقتُ النسيمَ فنعّشتني / نوافحُ برَّدت حرّى الكبود
وقابَلني الصّباحُ كمشتهاةٍ / رَنت وتبسّمت لفتى ودود
فتقتُ إِلى التنزّه في رياض / معلّقةٍ إِلى الجبلِ المريد
لأملأ مُهجتي نوراً ونضراً / وطيباً في حِمى ظلٍّ برود
طلعتُ أجدّ آمالي عَليه / معَ الفَلَقِ المجدّدِ والمعيد
وليسَ مطيتي إِلا زحوفاً / أحَبُّ إِليَّ من ذاتِ الوخيد
فكم حنّت خمائلُ وارجَحَنَّت / ونَفحُ نَسيمها مشيُ الوئيد
وفيها الرّيحُ هبت فاشرأبت / كجمهورٍ يُطلّ على وفود
فأطرَبني حفيفٌ أو خريرٌ / لماءٍ في التهائم والنجود
فطَوراً سالَ رقراقاً وطَوراً / تبجَّسَ من حَشى الصّخرِ الصَّليد
وغَرّد ثَمَّ عصفورٌ لطيفٌ / فعلّمني أساليبَ النّشيد
وردَّد صفرةً خَلبت فؤادي / فكانت عنده بيت القصيد
فَقُلتُ أعِد غِناءَكَ يا مُعَنَّى / ولستُ لغيرهِ بالمُستعيد
سواءٌ نحن فالتغريدُ شعرٌ / فغرِّد للمجيدِ المستجيد
وإِلا ضعتَ مِثلي بينَ قومٍ / أُجاوِرُهم ولستُ بمُستفيد
جواري لم يكن إِلا إساراً / وأشعاري كصَلصلةِ القيود
فبت حرّاً وطِر حرّا فموتٌ / حياةُ الحرِّ ما بينَ العبيد
لسانُ الطَّير أفهمُه فرُوحي / كأرواحٍ من الأطيارِ رود
شكوتُ إليكَ والشّكوى عزاءٌ / فما أدنى الودود من اللدود
أراكَ تزقُّ أفراخاً وتزقُو / فأذكرُ كلّ مأدبةٍ وعيد
وَقَت لكَ دوحةٌ إلفاً وعشّاً / وهذي دعوةُ النائي الفقيد
أرى حبّي شراراً مُستَطيرا
أرى حبّي شراراً مُستَطيرا / فَخافي أن ترَي مِنهُ سعيرا
بِلحظِكِ تقدحينَ زِنادَ قلبي / وتمنعني ثناياكِ النَّميرا
إذاً لا تَعجَبي إن جئتُ يوماً / بمائِك من لهيبي مُستجيرا
فربّ ضرورةٍ حلَّت وخيرٍ / كبيرٍ برَّرَ الشرَّ الصغيرا
لماذا ترفعين الذَّيلَ عمداً / ليبدو الساقُ أبيضَ مُستَديرا
ولو أرخَيتِهِ رَفَعَتهُ عَيني / وقد رَمقَتكِ ناهبةً جَسورا
أبنتَ الرّومِ عقدُ الصّلحِ أولى / مع العربيِّ فاطَّرحي الغُرورا
أتُبدينَ التجلّدَ في جلادٍ / وقد أرسَلتِ طَرفَك لي سفيرا
سأتبعُ من أبي دلفٍ طَريقاً / فلا تحمي الدّروبَ ولا الثُغُورا
سَلي أهليكِ عن عربٍ غُزاةٍ / على أنهارِهم عَقَدوا الجسُورا
لئن كان الهوى وهباً ونهباً / هَبيني تملأي قلبي حُبُورا
فمن عينٍ كراهبةٍ تصلّي / وثغرٍ مُسلِمِ يأبى الفُطورا
ومن خدٍّ مجوسيٍّ وصدرٍ / يهوديٍّ لموسى كان طُورا
وخصرٍ كافرٍ وهلمَّ جرا / فأفتَحُ قلعةً سُوراً فسُورا
رأيتُ الحبَّ مثلَ الداءِ عَدوى / يُحَيِّرُ سرُّها النّطسَ البصيرا
أحَبَّ اليَشكُريُّ فتاةَ خِدرٍ / فَعانقَها وقَبّلها كثيرا
فهمَّ بعيرُهُ لما رآهُ / بناقَتِها فَقَبّلت البَعيرا
تصّبتكَ النواعمُ يا فؤادي / ليسمعنَ الأنينَ أو الزّفيرا
على الأغوارِ يَسبلنَ الليالي / وفي الأنجادِ يُطلِعنَ البُدُورا
ويَحبُكنَ الحبائلَ من شعورٍ / فإن يَصطَدنَ يَملُكنَ الشُّعورا
ويُظمئِنَ القلوبَ إِلى ثغورٍ / فتَلقى النارَ إن تردِ الثغورا
فلا تَخدَعكَ رقّةُ فاتِناتٍ / لرقّ الحرّ رقَّقنَ الخصُورا
هي الأُنثى الضّعيفَةُ علّمتني / وكنتُ لها نَديماً أو سَميرا
بذرفةِ دَمعةٍ سَفَكت دماءً / فَكيفَ بذرفِها الدّمعَ الغزيرا
وراءَ الكلّةِ البيضاءِ ظَبيٌ / غَريرٌ يَصرَعُ الأسَدَ الهَصُورا
تَلوحُ كأنَّها طيفٌ وتخفى / وتحكي الماءَ عذباً أو كديرا
غلائِلُها حبائلُ زَخرَفتها / وذرّت فوقَها حبّاً نَثيرا
فَرَفرَفتِ النواظِرُ تجتليها / فأُعلِقت القلوبُ بها طُيُورا
تَبرُّجُها وزَبرَجُها خِداعٌ / لِكي تُذكي العواطفَ والشُّرُورا
حَوَت كحلاً وغاليةً وصبغاً / وإبريزاً وساموراً مُنيرا
تضاءلَ خَصرُها غَوراً ليُغري / برِدفٍ أشبَهَ التلَّ النَّضيرا
وأطلعَ صَدرُها الرمّانَ رَطباً / فكانَ كجنّةٍ حمَلت غَديرا
ومن فيها وعَينيها ثلاثٌ / لها دُنياكَ تُوشِكُ أن تمورا
فبالشَّفَتين والعَينَينِ تَدعُو / وإن ترغَب تَقُل أخشى المصيرا
وإمّا حدّثت مضَغَت وغضّت / بجَفنيها لتُطرِبَ أو تُثِيرا
فسائلها لماذا كلُّ هذا / إذا ما كُنتِ غانيةً طَهُورا
إذا غازَلتَها ازورَّت وفرَّت / وقالت إنّما تَبغي نكيرا
ولكن إن أخَذتَ بلا سؤالٍ / ظَفرتَ بها وفرَّكتَ الحريرا
تضنُّ بلَمسةٍ من راحَتَيها / وما في الدِّرعِ تُنهبُهُ المغيرا
فلا تَرهَب دَلالاً أو عَفافاً / ولا تَقنُط إذا أَبدت نفُورا
فإنّ حِجابَ عفّتها رَقيقٌ / يُحاولُ كلّ يومٍ أن يَطيرا
تجلّد في العِراكِ تَنَل مراماً / فذاتُ الضّعفِ تَحترِمُ القديرا
وحاذِر أن تقولَ لجارَتَيها / ضَحُوكاُ ليسَ صاحِبُنا خَبيرا
وعجِّل ما استَطَعتَ إِلى وصالٍ / قريبٍ واسلكِ النَّهجَ القصيرا
وأعطِ اللينَ ما أعطتك ليناً / ولا تكُ إن جفت صبّاً غيُورا
فمَن وصَلتكَ صِلها ثم دَعها / إِلى أُخرى ولا تَلبث حَسيرا
وقِس أُنثى بأُنثى فالغَواني / سواءٌ عندَ ما تَلِجُ الخُدورا
بَدَت مِنها السَّرائرُ والخفايا / لِمَن ألفَ الحشايا والسُّتورا
فكم من رِدفِها المهتزِّ بطلاً / وكم من صَدرها المُرتَجّ زُورا
وكم في ثَغرها البسّامِ كيداً / وكم في خَدِّها الباهي ذُرُورا
وكم في جيدِها الحالي نُذوراً / وكم في طرفها الساجي نذيرا
وكم شهدت ستائرها عراكاً / وكم سمِعت وسائدُها هَديرا
فقَد تَلقى عَفافاً مِن بغيٍّ / وتَلقى من مخدَّرةٍ عُهورا
أفِق لا تَبك ذا سلمٍ وسلمى / وصُن مِن دَمعكَ الغالي يَسيرا
فإنّ العشقَ وَهمٌ مُضمحِلٌّ / سَتَضحكُ مِنهُ إن تَدرِ الأمُورا
وإن الكفرَ أوَّلُهُ ارتيابٌ / إذا ما العَقلُ فنَّد مُستَخيرا
فرُبَّ غِوايةٍ أعمَت بصيراً / وربَّ حقيقةٍ قادت ضَريرا
عقلتُ فلم تُدَلّهني فتاةٌ / ولن أترقَّبَ الثَّوبَ القَصيرا
سأتركُ دلّها لأبٍ وأمٍّ / وخطّيبٍ تُذَوِّبُهُ نُفُورا
أتُبدي الغنجَ كي أُبدي هُيامي / وكي يَغلي دَمي تُبدي فُتُورا
وحينَ أزورُها تُرخي حِجاباً / وفي الشرفاتِ ترمُقُني سَفُورا
أما واللهِ لولا همُّ مَجدٍ / خُلقتُ لهُ وكنتُ بهِ جَديرا
لقلتُ لها أَعدّي واستَعدّي / فإنّ الأمرَ أقحَمُهُ خطيرا
تجاوَزتِ اليسيرَ إِلى عسيرٍ / وبالتّجويزِ يَسّرتِ العَسيرا
ولي أُمنيَّةٌ فوقَ الثُّريَّا / سمَوتُ بها فطَايرتِ النّسورا
ومن أبياتِ شعري شدتُ بيتاً / رَفيعاً يَفضَلُ الهرمَ الكبيرا
وفي الحبّ اكتَسبتُ حجىً وظرفاً / وما استكملتُ حتى صرتُ زيرا
سليمانُ الحكيم غدا حكيماً / بأن أعلى لبلقيس السّريرا
سأقضي في الهوى وطراً قريباً / وأغتَنمُ اللذاذةَ والسرُورا
ألذُّ الحبّ أدناهُ قُطوفاً / فأعوامُ الصِّبا تمضي شُهورا
يعفُّ المرءُ عَجزاً أو رياءً / ويَستُرُ بالمداجاةِ الفجورا
لإيهامٍ يلفُّ بثوبِ وَهمٍ / حقيقتَهُ ويُودعُها العصورا
وفي شهَواتهِ يُبدي عَفافاً / ويُظهِرُ نارَهُ للناسِ نورا
بليلى طالَ ليلُ الصبِّ أما / أنا فاللّيلُ أقطَعُهُ قَصيرا
يرى من خِدرِها إيوانَ كِسرى / ولستُ أرى الخَورنَقَ والسَديرا
كذاكَ النّاسُ هاموا في هواهم / بأوهامٍ بها سيقوا حميرا
وما الدُّنيا سِوى عريٍ قبيحٍ / وليسَ قصورُها إِلا قُبُورا
وإنَّ الحقَّ يقبحُ إن تعرَّى / فعلِّل منهُ بالحِلو الحَزيرا
وأظهِر للعِدى جَلداً وصَمتاً / ويومَ البَطشِ أسمِعهم زئيرا
فما مَلكَ الورى رغباً ورهباً / سِوى من كانَ فتّاكاً صَبُورا
على الحسَناتِ تلقى ألفَ خصمٍ / ولا تلقى بسيئةٍ عذيرا
تثبت فالأمور لها رواءٌ / وتمويهٌ وكن حَولاً حَذروا
لبانتُكَ انقَضَت في حبِّ لبنى / فخُذ لبّاً ودَع منها قُشورا
وعِش حرّاً خَليّا مُستَقِلاً / تَكُن في كلّ منزلةٍ أميرا
ألا يا هندُ حيِّي الباسِلينا
ألا يا هندُ حيِّي الباسِلينا / إذا شَهِدُوا الوَغى مُتَبسِّمينا
فما ردُّ التحيَّةِ منكِ إِلا / كما حيَّا النَّسيمُ الياسمينا
وطيبي يا ابنَةَ الأحرارِ نفساً / لقد عادَ الأحبَّةُ ظافرينا
وكلَّ صَبيحةٍ ألقي سلاماً / على فِتيانِك المُستَبسِلينا
أَلم تتبَسَّمي يا هندُ لمَّا / رأيتِ فتاكِ قد رَفعَ الجبينا
ولاحت نفسُهُ في مُقلتيهِ / تُريكِ العزمَ يهزأُ بالسّنينا
وقالَ وبَينَ أَضلُعِهِ فؤادٌ / كلَيثٍ خادرٍ يحمي العَرينا
دَعيني أركَب الأخطارَ وحدي / ألستِ مُحبَّةً للماجِدينا
إذا ما جادَ بالنَّغماتِ جُودي / بقُبلاتٍ تذكّرهُ اليمينا
وغنّي يا مَليحةُ للصّبايا / قصائدَهُ التي رنَّت رَنينا
وقولي أيُّها البَطلُ المفدَّى / وقاكَ اللهُ شرَّ الحاسدينا
عَرَفتُكَ سيّدَ الشعراءِ طرّاً / وأنت اليومَ أوفى العاشقينا
ألا هَل تَذكُرينَ مساءَ بِتنا / نذوبُ جوىً ألا هَل تَذكُرينا
وقَلبكِ مثلَ عُصفورٍ لطيفٍ / يُناجي بالهَوى قَلبي الحزَينا
وفي عَينَيك أنوارٌ تُريني / عفافاً يَكتُم السرَّ الدَّفينا
ومن حبّاتِ عقدِكِ قد تدلّى / صَليبٌ يحرسُ الكنزَ الثمينا
أُحاولُ أن أمدَّ يديَّ حيناً / فتُرجِعُني المهابةُ عنكِ حينا
وليلَ ذكرتُ في الحمراءِ أهلي / فذبتُ إِلى مغانيهِم حنينا
وبتُّ أسائل الأرواحَ عنهم / وأنشُقُ طيبَهنَّ وتنشُقينا
وللأمواجِ حَولينا هديرٌ / يُعيدُ لنا وِداع الراحلينا
تذكّرتُ الحمى فأدَرتُ وَجهي / إِلى الوطنِ الذي فيهِ رَبينا
هُنالِكَ ألفُ تذكارٍ شجيٍّ / سيحفَظها فتاكِ وتحفظينا
جمالُ الشاطئِ الورديِّ صُبحاً / يُذَكّرنا الربوعَ إذا نَسينا
ويوحِشُكِ الدُّجى طوراً وطوراً / بأنوارِ الكواكبِ تأنَسينا
وكنتِ كئيبةً تَذرينَ دَمعاً / وبالكفَّينِ دَمعي تمسحينا
فقلتِ وفي ثناياكِ ابتِسامٌ / كآمالٍ بَدَت لليائسينا
تجلَّد في الشدائدِ يا حَبيبي / فأنت سَليلُ قومٍ أكرمينا
وهل عادى الزّمانُ سِوى عظامٍ / بما فوقَ الثُّريَّا طامِعينا
عَهدتُكَ باسلاً في كلِّ خَطبٍ / تشجّع باللّحاظِ الخائفينا
فكن بطلاً لترضيني وإِلا / سَلوتُ هواكَ والعهدَ المكينا
وَدَعنا اليومَ بينَ الناسِ نَشقى / ليُسعِدَنا جَزاءُ الصَّابرينا
فقلتُ أتَضمُدينَ جروحَ قلبي / لأنسى يا مليحةُ ما لقينا
أرى أرضَ الأجانبِ ضيَّعتني / وقد أصبحتُ في سجني رَهينا
أرى الأعداءَ يجتَمِعونَ حَولي / ولن أخشى العدى المتجمّعينا
ستُرضي همَّتي شَرَفي وحبّي / وأنت على كلامي تَشهدينا
إذا ما اللّيلةُ الغراءُ أرخَت / سِتاراً ردَّ عنّا الكاشِحينا
وسامَرتِ الكواكبَ طالعاتٍ / من الظّلماءِ تهدي التائهينا
وذرَّت نجمةٌ زَهراءُ كنّا / نمدُّ إِلى أشعّتِها اليَمينا
وشاقَتكِ الخمائلُ نائحاتٍ / فبتّ ترجّعينَ لها أَنينا
وفاحَ العطرُ من أذيالِ ريحٍ / محمَّلةٍ سلامَ النازحينا
بعَيشِ أبيكِ يا هندُ اذكريني / ولا تَنسي المودَّةَ ما حَيينا
وإن شطَّ المزارُ ومتُّ فابكي / غداً ذيَّالِكَ الصبَّ الأمينا
تعالي قَبِّليني في جَبيني / على مرأى الأعادي أجمَعينا
لعلَّ قلوبَهم تَنشَقُّ غيظاً / فأحمدَ ما فعَلتِ وتحمدينا
فهل مِثلي ترينَ أخا وفاءٍ / وجودٍ إن خبرتِ الأكثيرنا
وبينَ جوانحي يا هندُ قلبٌ / تفجَّرَ منهُ ما لا تجهَلينا
تجمَّعت الفضائلُ في حِماهُ / فأصبَحَ دُونها حصناً حَصينا
وما عمري سِوى عشرينَ عاماً / فكيفَ إذا بَلغتُ الأربعينا
لعمرُكِ كلُّ يومٍ من حياتي / أُفضِّلُه على عيشِ المئينا
تعالي نَسمَع الهدراتِ ليلاً / ونخترقُ العواصفَ هازئينا
وإن خُوّفتِ شراً لا تخافي / لأنَّ بقيّةَ الأبطال فينا
قِفي بالله سلّينا قَليلاً / ومن بسماتِ ثغرِكِ زَوِّدِينا
فما بسماتُه إِلا شعاعٌ / يعلِّلُ بالأمانيِّ السَّجينا
سَلي إن كنتِ لم تَثقي بقولي / عنِ الخبرِ الذي تتعشَّقينا
لعلَّك بعدَ أن تتأكّديهِ / عن النَّصر المبينِ تُحدّثينا
كذلكَ إن نعِش عِشنا كِراماً / وإن متنا دُعينا الخالدينا
فلسنا في الدّيار سِوى نجومٍ / تقرِّبها عيونُ الساهرينا
ولسنا في القبورِ سِوى طُيوبٍ / يلذُّ عَبيرُها للناشقينا
أأَنتِ على جباهٍ عالياتٍ / أزاهيرَ القرنفلِ تَنثُرينا
ويومَ ترينها أَفَلت نجوماً / على الأجداثِ دمعاً تَذرُفينا
وعينيكِ اللتينِ تصبَّتاني / سأضربُ حاسِدي حتى يَلينا
وأظلمُ عابدي الأصنامَ حتى / يَقولوا اليومَ صِرنا مؤمنينا
وأنزعُ كلَّ تقليد عَقيمٍ / وكلَّ خرافةٍ للأوَّلينا
وأكسرُ كلَّ سلسلةٍ وقيدٍ / لكي تمتدَّ أيدي الكاتبينا
وأحملُ رايةَ الإصلاحِ حتى / أرى الفتيانَ خَلفي سائرينا
وأهدمُ غيرَ هيَّابٍ قلاعاً / ضِخاماً من بناءِ الأقدمينا
وأبني فَوقَها قصراً جَديداً / غَدا شِعري لهُ أُسّاً مَتينا
أنا فكتورُ هوغو بينَ قومي / إذا عاشَ ابنُ طعمةَ تفرحينا
أخا الحَسناءِ هلّا جئتَ خَصمي / وقلتَ لهُ قَهَرنا المُعتَدينا
وما في نَصرنا فخرٌ ولكن / أرَدنا أن نكونَ مؤدّبينا
ليعلمَ أنَّنا فتيانُ صِدقٍ / يُلبّونَ المروءةَ مُسرعينا
صَرَعنا كلَّ جبارٍ عنيدٍ / وما كنّا بذاكَ مُفاخِرينا
وإنا إن نَظمنا شِعرَ صدقٍ / نظمناهُ لِقَومٍ شاعرينا
وإنَّا إن أفضنا نورَ حقٍّ / أفَضناه لقومٍ مُبصرينا
نغرِّدُ ما نغرِّدُ بالقَوافي / لنُطرِبَ نُخبةَ المتمدّنينا
وليسَ يهمُّنا أن ضاع درٌّ / لدى أجلافِنا المتعصِّبينا
فللأشعارِ تأثيرٌ جميلٌ / على قلبٍ حوَى طرباً ولينا
سلوا عنّا الحسودَ متى رآنا / حَيارَى كالأرانب راكِضينا
أينكُرُ بَطشَنا يومَ التَقينا / وكنّا قائلينَ وفاعلينا
وكنّا حاملينَ لِواءَ عزٍّ / يظلِّلُنا ويحمي الأقربينا
إذا ما شاءَ تجربةً رآنا / بتَجربةِ العزائمِ راغبينا
ليدري الناسُ من منّا جبانٌ / إذا حامت عيونُ الشّاهدينا
ولكن دَعوتي للخَصمِ عيبٌ / لأني لستُ أحسِبهُ قرينا
يردِّدُ كالصّدى شِعري فأرثي / لِشعرورٍ يقودُ المدَّعينا
سَعى بالشرِّ والإغراءِ بَيني / وبينَ كبارِ قومي النابغينا
أنا منهم وهم مِثلي كرامٌ / فَلسنا حاسِدينَ ومبغِضينا
بإصلاحٍ عُرفنا أو صلاحٍ / فلم نكُ فاسِدينَ ومُفسدينا
وهل بينَ العِظامِ لهُ مقامٌ / إذا جاؤوا عليَّ مُسلِّمينا
وحيّتكِ المكارمُ باسماتٍ / فقد أخبَرتُها الخبرَ اليقينا
ألا يكفيكِ فخراً أنَّ شِعري / عَليكِ هَمَى وكنتُ بهِ ضَنينا
وصاحِبُكِ الفَتى حرٌّ جَسُورٌ / زعيمٌ في صفوفِ المُصلِحينا
ترينَ الهمَّةَ الشماءَ فيه / إذا طلعَ الكِرامُ مُجاهِدينا
ضَعي كفَّيكِ في يَدِهِ وقُولي / صَدَقتَ فكن زَعيمَ الأفضلينا
خُلِقنا للذُّرَى فاجثم عَليها / ودَع حسَّادَنا مُتَدَحرجينا
ألم ترَ كيفَ نَسرُ الجوِّ يَعلو / وقد طاشَت سِهامُ القانِصينا
وكيفَ الكَوكبُ السيّارُ يجري / وقد حارَت عقولُ الراصِدينا
وكيفَ الشّمسُ تُشرقُ كلَّ يومٍ / على أشرارِنا والصّالحينا
وُلِدنا في لفائفِنا كِباراً / كذلكَ شاءَ ربُّ العالمينا
بَرزتِ لنا من القَصرِ العليّ
بَرزتِ لنا من القَصرِ العليّ / كما طلعَ الهلالُ من العشيّ
فهل للعاشقِ العاني وصولٌ / إليكِ وأنت في الفَلكِ السني
جَنَيتُ الوردَ من خدَّيكِ لما / رَنوتُ إِلى محيّاكِ الحيي
وما لمست يَدي وفمي ولكن / جناهُ كان بالنَّظرِ الخفي
لئن حَجَّبتِ عن عَينيّ حُسناً / فروحي منكِ في ريّاً وري
وإن تُرخي النِّقاب عليه جاءت / إِليَّ الرِّيحُ بالأرجِ الشهي
أطلّي من على شرفٍ وطلّي / دمي فالموتُ يعذبُ للشقي
فإمّا أن تفي حبّاً شريفاً / وإمّا أن أموتَ بمشرفي
جمالُكِ فيه للنّعمان ملكٌ / فعذّبني بأسرٍ من عدي
ومن عينيكِ كسرةُ جيشِ كِسرى / إذاً لن تُؤخذي بدمي الزكي
ألابِسةَ السّوادِ على بياضٍ / فلقتِ الصبحَ في الليلِ الدجي
لعمر أبيكِ ما شاهدتُ حُسناً / كهذا فاستُريهِ عن الغوي
جمالُكِ راعني فوقفتُ أرنُو / إليهِ كَمُشرئبٍّ للنَّدي
ويا بشراً بدا ملكاً كريماً / هبوطُ الوحي منهُ على النبي
أرى أغلى الجواهِر في الثَّنايا / أهذا الثغرُ صنعُ الجوهري
ووسوسةُ الحُلَى خلبت فؤادي / فوسواسُ الفؤادِ من الحُلِيِّ
ضحكت وحولَك العشاقُ صَرعَى / فكانَ الحقُّ عندَكِ للقوي
وباتَ الموتُ قدّامي وخَلفي / لتهطالِ النّبالِ من القِسي
أرامية بنبلِ اللحظِ من لي / بنزعِ السّهمِ من قلبي الدميِّ
وكيفَ أردُّ عن صَدري سِهاماً / تُمزّق لامةَ البطل الكمي
سمائي في جُفونكِ والجبينِ
سمائي في جُفونكِ والجبينِ / فحسنُكِ منهُ تعزيةُ الحزينِ
وما شِعري سِوى خَفَقان قلبي / وقد عرفَ الحنانَ منَ الحنين
ومنكِ الوحيُ والتَّنزيلُ فيه / كتَنزيلٍ من الرُّوحِ الأمين
أيحرمُني النهارُ أقلَّ شيءٍ / وفي الليلِ البهيمِ تُؤانسيني
فليتَ الليلَ حلمٌ مستمرٌّ / فيستَغني السخيُّ عن الضنين
فوا شوقي إلى الليلِ المُوافي / بطيفٍ حقَّ تسهيدي يَفيني
وفي الأحلامِ لذاتٌ تقضَّت / كأجملِ ما يكونُ من اليقين
رأيتكِ يا بخيلةُ في مَنامي / مُقبِّلتي وخصرُكِ في يميني
فأوَّلُ قبلةٍ كانت لعيني / وعشرٌ بعدَها ملأت جبيني
أَلي في يقظةٍ تقبيلُ ثغرٍ / وخدٍّ أضعفا قلبي وديني
وقد أعَرضتِ نافرةً لقولي / تعالي يا مليحةُ قبِّليني
وتحت المجسدِ الشفَّافِ نهدٌ / مَدَدتُ إليه كفَّ المُستدين
وإما جئتُ ألمسهُ مَشُوقاً / رَدَدتِ يَدي بيا أمي ارحميني
وكم من طوقِهِ أدخَلتُ زَهراً / لانشقَ منه ريَّا الياسمين
فديتُ بخيلةَ حرمت كريماً / يساعِدُها على صونِ الثمين
لقد هاجَ الهوى هذا الحريرُ
لقد هاجَ الهوى هذا الحريرُ / أَمِن شَفَتَيكِ أم منهُ العبيرُ
حكى قلبي برقَّتِه فأمسى / على النسماتِ يخفقُ أو يطير
فلا تدَعي النسيمَ يسرُّ شيئاً / إليك فإنني صبٌّ غيور
وهذا عقدُكِ الغيرانُ مِثلي / يذوبُ فحبُّهُ حبٌّ صغير
جبينكُ لاحَ في ليلِ التَّصابي / هلالاً منه نفسي تَستَنير
وشَعرُكِ ظلمةٌ سترت هوانا / وللأمواه في الوادي هدير
وفي خدَّيكِ وردٌ منهُ أبكي / فذاكَ الوردُ من دمعي نضير
وفي شفتيكِ لي ماءٌ ونارٌ / فقلبي لابتِسامِهما مُنير
وخَصرُكِ رقَّ حتى كادَ يَفنى / لذلكَ رقَّ شِعري والشعور
قوامكِ فيهِ جناتٌ حسانٌ / وفي قلبي لِمَنظَرها سَعير
فمن تلكَ المحاسنِ لي كنوزٌ / على كفَّيَّ جَوهَرُها نثير
حملتُ هواكِ فانشقَّت ضُلوعي / وكادَ القلبُ منها يَستَطير
وإمّا بتُّ أنشدُ شعرَ حبّي / فأبياتي يُقَطِّعُها الزَّفير
أرى العشَّاقَ لي خدماً وجنداً / وإني في هواكِ لهم أمير
جَبينُكِ لاحَ فجراً في حماكِ
جَبينُكِ لاحَ فجراً في حماكِ / وثَغرُكِ فاحَ زهراً من جَناكِ
أُحبُّكِ يا مليحةُ حبَّ إلفٍ / لإلفٍ في البعاد عليهِ باك
وما ذاكَ الصفيرُ سِوى حنينٍ / إلى العشِّ المعلَّقِ بالأراك
ألستِ تُمتِّعيني من محيَّاً / براهُ الله من صافٍ وزاك
وأنتِ صبيَّةٌ وأنا صبيٌّ / فما أحنى صِبايَ على صِباك
تحنُّ إليكِ نفسي كي تَحِنِّي / وتبكي مُقلتي لِترى بُكاك
فهلا تنظرينَ إليَّ عَطفاً / وهلا ترفقينَ بمُبتلاك
فنمزجُ دَمعنا عيناً لعينٍ / وقلبي بالمُنى يَلقى مُناك
فلي من ثغركِ الأحوى رجاءٌ / سِوى وحيٍ لِوصلِكِ أو رِضاك
أُحبكِ يا ملاكُ وليسَ حبِّي / سِوى وحيٍ بواسطةِ الملاك
فكيفَ يكونُ لي منهُ هلاكٌ / ولا تسعى الملائكُ بالهلاك
ولو خُيِّرتُ في سَعدي ونحسي / دخلتُ جهنَّماً ولثمتُ فاك
تعالي نقضِ قبلَ الصبحِ دَينا
تعالي نقضِ قبلَ الصبحِ دَينا / فليلُ الوَصلِ لا يمشي الهُوَينا
فما أحلى الغرامَ بلا سخاءٍ / ولا بخلٍ ووَصلكِ بينَ بينا
ألا يا ميُّ كم بتنا صباحاً / نُقَطِّرُ دَمعنا من مُهجَتَينا
ونمزجهُ سخيناً حينَ كنّا / نُقَرِّبُ للتلائم وَجنَتينا
وأزهارُ البنفسجِ ذابلاتٌ / بأعيُنِ حُسَّدٍ ترنو إلينا
ويَلمسُنا النسيمُ على اشتياقٍ / فيُرجِفُنا ويَسرُقُ زَفرتينا
وكم بتنا وطرفُ النَّجمِ يرنو / وأغصانُ الحِمى تحنو عَلينا
أرى في عَينِكِ النجلاء نفسي / ونورَ الحقِّ في عَيني ترينا
ونُقسِمُ أننا نرعى عُهوداً / فنعقدُ للتعاهدِ خِنصَرينا
ونجزعُ من تنائينا فنبكي / ونشبكُ للتَّداني ساعِدَينا
تشاكينا وَبينَ يديكِ رأسي / وبين يديَّ خصرُكِ فاشتَفينا
رمَتني في الصباحِ بوَردَتينِ
رمَتني في الصباحِ بوَردَتينِ / فأغرَتني بلثمِ الوَجنتينِ
ولمّا رمتُ شمَّةَ وَردتيها / شَمَمتُ الياسمينَ من اليدين
تراءينا على المرآةِ حيناً / فأبصرتُ النضارَ مع اللُّجَين
ونورُ الشمسِ طافَ بمعصَميها / وفي القرطينِ نورُ الفَرقدين
فقالت وهي جازعةٌ كرئمٍ / ترى الصيَّادَ بينَ الربوتين
أمِن خدِّي تريدُ اللثمَ غصباً / فقلتُ لها ومن ثغرٍ وعين
فقالت هل ترى خَفقانَ صَدري / فقلتُ أرى خفوقَ الخافقين
أيا روميّةً سَلبَت فؤادي / وأنسَتني عهودَ الرقمتين
تعالي ندنِ قَومينا بوصلٍ / فيَعتنقا لدى مُتَعانِقَين
فإن عانقتُ بنتَ الرومِ أشهَد / تَعانُقَ أمَّتَينِ ورايتين
أمامَكِ شاعرُ العربِ المرجَّى / لنهضةِ قومِهِ في المشرقين
تحومُ عليكِ روحي كالفراشِ
تحومُ عليكِ روحي كالفراشِ / فأشعرُ بارتياحٍ وانتِعاشِ
وأصبحُ ساعةً ملكاً وأعلو / بعرشٍ دونَهُ عرشُ النجاشي
فحتَّامَ التكتُّمُ والتخفّي / مذاعٌ حبُّنا والسرُّ فاش
يُظنُّ بنا وبعضُ الظنِّ إثمٌ / فجلِّي باليقينِ ظنونَ واش
فإمّا ذاعَ بينَ الناسِ حبٌّ / فسيَّان التعرُّضُ والتحاشي
فوا شوقي إلى تِلكَ المغاني / وسَيري أو قُعودي في المماشي
وللجسمَينِ في الشَّوقِ ارتِعاشٌ / تُقابله الخمائلُ بارتِعاش
بعيشكِ مَتِّعيني من حريرٍ / وغاليةٍ تفوحُ من الرياش
هما للحُسنِ أوراقٌ وزهرٌ / لغصنٍ فوقَ مجرى الماءِ ناشي
فؤادي طارَ في حبّ الملاحِ
فؤادي طارَ في حبّ الملاحِ / كأزهارٍ تطيرُ على الرياحِ
ولي طَربٌ لأنغامٍ وشعرٍ / وأمواهٍ وريحانٍ وراح
وأعشقُ في الطبيعةِ كلَّ حسنٍ / تراءى في الغدوّ وفي الرواح
وكلُّ الحسنِ عندي حسنُ خودٍ / حصانِ الدرعِ مقلاقِ الوشاح
تريني الحسنَ أجمَعَ في محيَّاً / طلاقَتُهُ كأنوارِ الصباح
عَذابي والعذوبةُ في هواها / وقد يرتاحُ قلبي في الجِراح
كعصفورٍ رأى شرَكاً وحبّاً / فلذَّ لهُ التعلّقُ بالجناح
ودونَ الماءِ كم ألقى شَفيراً / فلا أرتدُّ عن وردِ القراح
أسيِّدتي الظريفةُ أنتِ روحُ
أسيِّدتي الظريفةُ أنتِ روحُ / بريّا الوردِ تغدو أو تروحُ
بلفظِكِ وابتسامِكِ همتُ حتى / رأيتُ الصبحَ بينهما يلوحُ
فديتُكِ حدِّثيني تُطربيني / فصوتُكِ فيهِ ألحانٌ تنوح
وإن أنشَدتِ من شِعري قليلاً / تصبّاني على فيكِ الصّبوح
نذوبُ صبابةً وهوىً ولطفاً / وروحانا المعذبتانِ روح
ونأملُ في الهوى العذريِّ برءاً / لجرحَينا فتَنفَتِحُ الجروح
فهذا النورُ في عينيك منِّي / وطيبُك من فمي أبداً يفوح
على جزعٍ أرومُ ولا أحوزُ
على جزعٍ أرومُ ولا أحوزُ / فإن أسأَلْ تقُل ذا لا يجوزُ
معذِّبتي عروبٌ ذلَّ كِسرى / وقيصرُ في هواها والعزيز
شكوتُ لها الهوى يوماً فقالت / بما ترجوهُ منّا لا تفوز
فدونَ الدرع والمرط الثريّا / وتحتهما الذخائر والكنوز
فقلت لها أرى نَسبي شفيعاً / إليكِ وإنّهُ نسبٌ يميز
فقالت زاننا شرفٌ وطهرٌ / وصانَ جمالنا حرزٌ حريز
أمِن عربيَّةٍ تبغي وصالاً / وهذا لم يَنلهُ أبرويز
لِطَلعةِ حُسنِها انهزَمَ الإياسُ
لِطَلعةِ حُسنِها انهزَمَ الإياسُ / فقلبي كلُّه أملٌ وباسُ
أماطت عن محيّاها نقاباً / وقلبي فيه للحبّ انبجاس
فبتُّ كأنني صنمٌ لأني / فتى في الحبِّ ليسَ له مِراس
فقالت وهي باسمةٌ أتخشى / مهاةً ضمَّها هذا الكناس
لبسمَتِها رَأيتُ فماً صغيراً / كخاتِمها الذي فصّاهُ ماس
وفي أنفاسِها نفَسُ النّعامى / بروضٍ كلُّهُ وردٌ وآس
فطاوَعنا الهوى حتى عَصَتنا / جوارحُنا وأخضَعنا النُّعاس
ألا يا رَبَّةَ القصرِ الجميلِ
ألا يا رَبَّةَ القصرِ الجميلِ / هبيني ضمَّةَ الخصرِ النحيلِ
أُحبُّكِ يا ظلومُ فأنتِ عندي / مكانُ الصبحِ من عينِ العليل
ولو أني أقولُ مكان صُبحي / أخافُ عليكِ من ليلي الطويل
أَحبك يا ظلومُ فأنتِ عندي / مكان المال من نفسِ البخيل
ولو أني أقولُ مكان مالي / أخافُ عليك من صنعِ الجميل
أقول لصاحبٍ في الحبّ لاما
أقول لصاحبٍ في الحبّ لاما / أيَدري السكرَ من جَهلَ المداما
فديتُ صبيةً قالت لتربٍ / عرفناهُ فعلَّمنا الغراما
وكان يقولُ إن الحبَّ فنٌّ / برعتُ به فصرتُ له إِماما