المجموع : 6
خَلَقتُكِ صورَةً مِمّا هَوِيتُ
خَلَقتُكِ صورَةً مِمّا هَوِيتُ / فَخمرٌ أَنتِ من وَحيي وَقوتُ
وَتَنزِعُكِ المَزاعِمُ مِن حُقوقي / كَأَنّي ما عَشِقتُ وَما شَقيتُ
لِغَيري تَدّعي الدُنيا سَراجاً / لَهُ مِنهُ الفَتيلُ وَلي الزُيوتُ
وَكَم نَكرَ الزَمانُ عَلَيَّ حَقّاً / وَكَم فنيَ الزَمانُ وَما فَنيتُ
وَفاؤُكِ بِهجَةُ الأَجيالِ ذِكرٌ / وَحُبُّكِ آيَةُ العُشّاقِ صيتُ
خَيالٌ أَنتِ من روحي وَقَلبي / تشعُّ لهُ بِديواني البيوتُ
سَكبتُ عَلَيهِ من حُبّي عُطوراً / وَمن شِعري جَمالاً لا يَموتُ
أَتيتِ فَأورقَ الأَدبُ السنيُّ
أَتيتِ فَأورقَ الأَدبُ السنيُّ / وَغَنّى الحُبُّ وَاِخضَلَّ الرَويُّ
وَكنتُ عَلى الجفافِ وَمن قنوطي / يَفيضُ عَلى دَمي ظِلٌّ شَقِيُّ
عَلَيكِ مِنَ الهَوى قوتٌ مَنيعٌ / وَمن أَعرافِهِ عَبَقٌ شَهِيُّ
وَفي عَينَيكِ يَستَهوي عَفافٌ / لهُ في النَفسِ جاذِبُهُ الخفيُّ
وَفي شَفَتَيكِ إِغواءٌ لَذيذٌ / يَذوبُ عَلَيهِ قُربانٌ نَقِيُّ
أَتَيتِ مِن السَماءِ عَلَيكِ ظِلٌّ / وَمن أَغراسِها خَضَرٌ طريُّ
فَقَبَّلَني عَلى شَفَتي رَسولٌ / وَمَسَّ فَمي كَلامٌ عَبقَرِيُّ
أحبّكِ فَوق ما تسعُ القلوبُ
أحبّكِ فَوق ما تسعُ القلوبُ / وَخيَّل شاعِرٌ وَوَعى حَبيبُ
لَأَنتِ مِنَ السَماءِ سَحابُ عِطرٍ / يَسحُّ عَليَّ مِنكِ نَدىً عَجيبُ
أُحسُّكِ بي فَعِرقُكِ صارَ عِرقي / وَما لِقَذىً بعرقينا دَبيبُ
فَنَحنُ إِذا اِلتَقى صدرٌ وَصَدرٌ / لَنا فَكَما اِلتَقى كوبٌ وَكوبُ
وَإِن مُزِجَت بِنا خَمرٌ وَخَمرٌ / تَمازَجَ في النَدى نَسَمٌ وَطيبُ
أَرى أَدَبي بِعَينِكِ حينَ يَهوي / عَلى فَمِكِ الأَديبِ فَمي الأَديبُ
بِنا نارٌ وَلَيسَ بِنا هَشيمٌ / وَعاصِفَةٌ وَلَيسَ لَنا هبوبُ
تَرامى اللَيلُ كَالهَمِّ الثَقيلِ
تَرامى اللَيلُ كَالهَمِّ الثَقيلِ / يَجُرُّ ذُيولَ مِعطَفهِ الطَويلِ
وَيُبرِزُ في مَشارِفهِ نُجوماً / بِلَونٍ بُرتُقالِيٍّ ضَئيلِ
وَكانَت زوق ميكائيل تُصغي / الى هَمسِ النَياسم في الحُقولِ
فَتَبسِمُ عَن كَواكِبها النَحيلَه / وَتَحلمُ في جَواذِبِها الجَميلَة
بِعَهدٍ مَرَّ في الدُنيا جَميلِ /
وَكانَت قُبَّةُ الجَرَس المُقيمَه / عَلى عَمَدَي كَنيسَتُها القَديمَه
تَقَطَّعُ في السَماءِ وَقد تَرامى / عَلَيها النورُ أَفلاذاً سَقيمَه
كَطَيفٍ يَخفر الأَمواتِ لَيلاً / وَيَبقى ساهِراً سَهَرَ الأُمومه
وَكانَ اللَيلُ مُنفَطِرَ الشُعورِ / أَحَسَّ لَهيبَ سُكّانِ القُبورِ
فَلَطَّفَ في مَعابِرِهِ نَسيمَه /
وَكانَت أَغصُنُ الدَوح القَديمِ / يَهزُّ رُؤوسَها مَرُّ النَسيمِ
فَيُسمَع في الدُجى مِنها حَفيفٌ / كَصَوتِ الوَخزِ في قَلبٍ أَثيمِ
وَفي الاِكواخِ أَقباسٌ ضِعافٌ / كَأَخيِلَةِ الكَواكِبِ في الأَديمِ
تُصَعِّدُ في نَوافِذها الصَغيرَه / زَفيراً من أَشعَّتها الحَقيرَه
كَأَنَّ بزيتها بَعضَ الهُمومِ /
وَفي الأَبعادِ كان يُرى الخَليجُ / تَمجُّ مِياهُهُ نوراً يَموجُ
كَلَوحٍ أَسوَدٍ مُلقىً عَلَيهِ / إِطارٌ فيهِ من ذَهَبٍ نَسيجُ
تُدبِّجهُ مَصابيحٌ وَزُهرٌ / لَها في الماءِ مَنظَرُها البَهيجُ
وَأَضواءُ النُجوم عَلى الشَواطِىءُ / إِذا اِمتَزَجَت بِأَضواءِ المرافىء
يَكونُ مِنَ الخَيالِ بِها مَزيجُ /
دَعِ الأَبعادَ في اللَيلِ الجَميلِ / تَنَم سَكرى مَعَ النورِ الضَئيلِ
وَخَلِّ أَنامِلَ النَسَماتِ تَلعَب / كَما شاءَت بِأَوراقِ الحُقولِ
وَدَع قَطرَ النَدى المَخمورَ يَسقُط / عَلى جَسَد الجَنائِنِ وَالطلولِ
وَهَيّا بي نَلِج قَصراً صَغيرا / تَرى المِصباحَ يَملاُوه شُعورا
رَسا في الزَوق من عَهدِ طَويلِ /
فَتُبصِرَ إِن وَلَجتَ فَتىً كَئيبا / مِنَ الإِحساسِ يوشِكُ أَن يَذوبا
إِذا أَمعَنتَ فيه رَأَيتَ جِسماً / يَفور كَأَنَّ في دَمِهِ لَهيبا
لَهُ قَلبٌ يُرى في كُلِّ قَلبٍ / كَأَنَّ اللَهَ ذَرَّ بِهِ قُلوبا
فَتىً كَالفَجرِ أَلواناً وَعُمرا / إِذا أَبصَرتَه أَبصَرتَ فَجرا
يَمُدُّ جَمالُهُ ظِلّا غَريبا /
وَإِن أَصغَيتَ تَسمَعُهُ يَقولُ / لِوالِدَةٍ أَلَمَّ بِها النُحولُ
لِأُمٍّ فارَقَت زوجاً حَبيباً / طَواهُ من الرَدى لَيلٌ ثَقيلُ
أُحِسُّ لَها اِضطِّراباً في فُؤادي / وَدَمعاً في حَناياهُ يَجولُ
وَما أَحسَستُ امسِ بِمِثلِ هذا / فَاِمسي كان لا ادري لِماذا
جَميلاً كُلُّ ما فيهِ جَميلُ /
أَجل يا أُمِّ صِرتُ فَتىً شَقيّا / يَكادُ اليَأسُ يُطفىءُ مُقلَتَيّا
فَأَينَ مَضَت لَيالِيَّ الخَوالي / وَقَلبٌ كان في الماضي خَلِيّا
أَرى غَلواءَ تُعرِضُ عن هُيامي / وَيَكتُمُ قَلبُها سِرّاً خَفِيّا
وَتَسمَعُها تَقولُ لَهُ شَفيقُ / بُنَيَّ لَقَد أَضلَّتكَ الطَريقَ
فَهَل نَبَّهت قَلبَكَ يا بُنَيّا /
جَميلٌ يا وَحيدي أَن تُحبّا / وَتَرفَعَ لِلهَوى عَيناً وَقَلبا
وَتَسمَعَ مِنهُ أَنغاماً عِذاباً / وَتَشرَب من يَدَيهِ الماءَ عَذباء
لَقَد أَحسَستُ قَبلَكَ بِاِضطِرابٍ / وَقاسَيتُ الهَوى سَهلا وَصَعبا
وَلكِن لَيسَ يَندَمُ مَن تَأَنّى / فَغلوا يا اِبنِ أَكبَرُ مِنكَ سِنّا
اِذا رَضِيَ الهَوى فَالعُمرُ يَأبى /
تَأَنَّ فَسَوفَ تَهوى مَن تُريدُ / وَتَهواكَ العَذارى وَالوُرودُ
فَمِثلُكَ لا يُجاوِرُهُ قُنوطٌ / وَمِلءُ شَبابِهِ عَقلٌ رَشيدُ
أَمامك يا اِبن أَعوامٌ طِوالٌ / وَمن زَهَرِ الهَوى عَدَدٌ عَديدُ
تَأَنَّ فَسَوفَ تَقطِفُ مِنهُ زَهرَه / تَكونُ أَشَدَّ من غَلواءَ نُضرَه
يُبارِكُ عِطرَها العَهدُ الجَديدُ /
فَيُطلِقُ زَفرَةَ التَمِسِ الكَئيبِ / وَيَغرَقُ في دُجى فِكرٍ غَريبِ
وَيَذهَبُ لا يُجيبُ وَفي هَواهُ / لَظى شَكٍّ أَشَدُّ مِنَ اللَهيبِ
وَكَيفَ يُجيبُ أُمّا جَفَّ فيها / عُصارُ الحُبِّ في عَهد الغُروبِ
أَيا أُمي اِصرِفي ذي الكَأسَ عَنّي / فَما في الحُبِّ شَأنٌ لِلتَأَنّي
وَما لِلعُمر شَأنٌ في القُلوبِ /
وَيَذهبُ لا يُجيبُ وَفي هَواهُ / من الاِشجانِ ما يُضني قِواهُ
دَعي يا أُمِّ زَهرَ الناسَ يَبسِم / وَيَنشَق في الوَرى غَيري شَذاهُ
فَلي في جَنَّةِ الاِشواكِ زَهرٌ / غَريبُ اللَونِ لا أَرضى سِواهُ
تُذَكِّرُني وَحَقِّكَ ما نَسيتُ
تُذَكِّرُني وَحَقِّكَ ما نَسيتُ / وَهَل أَنسى شُجونَكَ ما حَييتُ
أُحِسُّكَ في الحَرارَةِ مِن حَنيني / كَأَنَّكَ في غَليلِ دَمي تَبيتُ
وَأَسمَعُ مِنكَ ما أَسمَعتَ قَلبي / وَقَد غَدَرَ الحَبيبُ المُستَميتُ
يُغَرِّقُ مِن عُيونكَ في عُيوني / هَوً ساهٍ وَوِجدانٌ شَتيتُ
تَقولُ أَرى عَلى وَقبَيكَ خَمراً / إِذا وُصِفَت تَنَكَّرَتِ النعوتُ
أَخافُ عَلَيكَ مِن دَمِها فَإِنّي / بَذَلتُ لَها الحَياةَ وَما رَويتُ
هَواكَ هَوايَ قَلبُكَ مِثلُ قَلبي / كَما تَهوى عَلى مَضمَضٍ هَويتُ
سَلَكنا مُعضِلَ الدُنيا وَلكِن / شُفيتَ مِنَ الشَقاءِ وَما شُفيتُ
تُرابُ القَبرِ أَسلَمُ مِن فِراشٍ / عَلى جَنبَيهِ ثُعبانٌ وَحوتُ
رَأَيتُكَ تَملَأُ الدُنيا ضِياءً / وَفي عَينَيكَ تَحتَرِقُ الزُيوتُ
وَتَفنى في المَحَبَّةِ وَهيَ بِكرٌ / وَيَسمَنُ حَولَكَ البُغضُ المَقيتُ
وقَلبُ الحُرِّ آفَتُهُ هَواهُ / وَآفَةُ وَحيِهِ الأَدَبُ النَحيتُ
فَفيهِ يُحَقَّرُ الخَزُّ المُوَشّى / وَيُكرَمُ في سِواهُ العَنكَبوتُ
تَكَلَّم يا فِليكسُ فَنَحنُ صَرعى / وَفي أَعماقِنا حُلُمٌ يَموتُ
وَعَلِّم كَيفَ تُكتَسَبُ المَراقي / وَكَيفَ تُشادُ لِلأُمَمِ البُيوتُ
وَكَيفَ صَواعِقُ الأَفكارِ تَهوي / وَكَيفَ يُجَلجِلُ الشَعبُ الصَموتُ
أُفَتِّشُ في سُكوتِكَ عَن بَياني / فَيُخرِسُهُ بِرَوعَتِهِ السُكوتُ
وَأَبحَثُ عَن شُعاعِكَ في سِراجي / وَلي مِن زَيتِكَ العُلوِيِّ قوتُ
سَمِعتُ المِنبَرَ المَحزونَ يَشكو / فَتَتَّضِعُ الأَرائِكُ وَالتُخوتُ
يَقولُ رُزِقتُهُ أَشهى طَعامي / وَلَمّا اِشتَدَّ ساعِدُهُ قَويتُ
أَبَرُّ الوُلدِ بِالآباءِ خُلقاً / وَأَقرَبُهُم إِلَيَّ إِذا زُهيتُ
عَلى عُريي نَما أَمَلاً وَلَمّا / أَظَلَّتني ذِراعاهُ كُسيتُ
يَلُفُّ وَتينُهُ خَشَبي فَيَحيا / وَيَنبُضُ لي بِهِ شَرَفٌ وَصيتُ
وَكُنتُ أَوَدُّ لَو ذَوّيتَ نَوطاً / لَهُ وَإِلى سَريرَتِهِ رَقيتُ
وَنَوطُ البَعضِ تُحرَمُهُ الأَعالي / وَيُمنَحَهُ الزِبانِيَةُ التَحوتُ
سَمِعتُ عَروسَ شِعرِكَ في خَيالي / تَقولُ عَشِقتُهُ حَتّى اِشتَهَيتُ
فَفي عَينَيهِ ذَوبُ السِحرِ يُرغي / وَفي أَهدابِهِ المِسكُ الفَتيتُ
بَذَلتُ لَهُ الخَطايا مِن عُروقي / وَحينَ لَمَستُ مِرشَفَهُ نَقيتُ
وَأَطلَقتُ الرَوِيَّ لَهُ جَواري / قيانٌ في مَزاهِرِها رَبيتُ
سَمِعتُ بِلادَكَ الثَكلى تُنادي / ليَ الغِطريفُ وَالرجُلُ الثَبيتُ
ليَ الأَنوارُ في عَنَتِ اللَيالي / إِذا ما راغَتِ الدُنيا العَنوتُ
ليَ الفُصحى عَلى أَدَبٍ بَليغٍ / وَمِن أَليانِ ثَديَيها سُقيتُ
وَلَيسَ ليَ الضَواري في خُدوري / تَسَرَّتني وَكَالسِلَعِ اِقتُنيتُ
يُقَعقِعُ في مَشافِرِها سَميجٌ / وَأَدرَدُ أَشنَعُ الدَعوى هَريتُ
عَذيري مِن مَماليكٍ مَوالٍ / لَهُم خُطَطٌ وَلَيسَ لَهُم سُموتُ
سَمِعتُ القَبرَ يَنفُثُ مِن دُجاهُ / حَديثاً فيهِ أَشجاني الخُفوتُ
يَقولُ إِلَيَّ يَأتي كُلُّ حَيٍّ / وَيَبقى في تُرابي ما بَقيتُ
يُقيمُ اِثنانِ في دُنيا سُكوني / فَتىً يَفنى وَآخَرُ لا يَموتُ
أَتَجهَلُ قَدرَ بِشرٍ إِنَّ بِشرا
أَتَجهَلُ قَدرَ بِشرٍ إِنَّ بِشرا / لَأَرفَعُ مِنكَ في الناسوتِ قَدرا
نَما بَينَ الأَباعِرِ في البَراري / وَغَيرَ الكَهفِ لَم يَعرِف مَقَرّا
ولكِن حَلَّ في بُردَيهِ وَحيٌ / كَفاكَ تَفاخُراً وَكَفاهُ فَخرا
وَهَل في بُردَتَيكَ سِوى دَعِييٍّ / تَسَوَّدَ في القَبيلَةِ حينَ أَثرى
رَأَت بِشراً عَجوزٌ ذاتَ يَومٍ / وَقَد حَزَرَت بِهِ وَطَراً وَأَمرا
فَقالَت أَنتَ تَبحَثُ عَن عُروسٍ / وَبِاِبنَةِ عَمِّكَ المِضيافِ أَحرى
فَقالَ لَها وَهَل هِي ذاتُ حُسنٍ / فَقالَت إِنَّها في الحُسنِ بُشرى
لَها شَعرٌ كَأَنَّ اللَيلَ مِنهُ / تَمَنّى البَدرُ فيهِ أَن يَمُرّا
كَأَنَّ ذُؤابَتَيهِ حِبالُ أَسرٍ / تُشَدُّ بِها قُلوبُ العُربِ أَسرى
فَخَفَّ لِعَمِّهِ نَشوانَ جَذلاً / وَكاشَفَهُ فَلاقى مِنهُ زَجرا
فَقالَ لَهُ أَبَيتَ اللَعنَ قُل لي / أَفاطِمَةٌ لِغَيرِ دَمي تُسَرّى
أَتَأباها عَلَيَّ وَمِن ذِراعي / لِآمالِ القَبيلِ عَمِلتُ جِسرا
فَمَن لَكَ في الرَعِيَّةِ غَيرُ بِشرٍ / يَرُدُّ غَوائِلَ الغَزَواتِ حُمرا
وَكَم بِكرٍ وَهَبتُكَ مِن دِمائي / وَتَأبى يا ظَلومُ عَلَيَّ بِكرا
وَهامَ مُشَعَّثَ الأَحلامِ غَيظاً / يُخَرِّبُ تارَةً وَيَعُجُّ أُخرى
وَثارَ عَلى قَبيلَتِهِ بِضُرٍّ / فَكانَ الذِئبَ فَتكاً أَو أَضَرّا
فَضَجَّ بَنو الرَعِيَّةِ مِن أَذاهُ / وَأَوجَسَ عَمُّهُ خَوفاً وَذُعرا
فَقَرَّبَهُ إِلَيهِ وَقَد تَحَرّى / لَهُ شَرَكاً لِيوقِعَ فيهِ ذِمرا
وَقالَ لَهُ إِذا ما كُنتَ شَهماً / أَنِلني مِن خُزاعَةَ مِنكَ مَهرا
فَدَبَّت سورَةُ العَرَبِيِّ فيهِ / وَأَسرَجَ مُهرَهُ حَتّى يَكُرّا
وَجَنَّبَ في حِمالتِهِ جُرازاً / لَهيبُ المَوتِ يَنفُثُ مِنهُ جَمرا
وَكانَ النَجَوُّ مُربَدّاً رَهيباً / كَاَنَّ مِنَ الجَحيمِ عَلَيهِ سِترا
فَسامَرَهُ حَفيفُ الغابِ حيناً / وَحيناً سامَرَتهُ طُيوفُ ذِكرى
وَفيما بِشرُ يَطوي البيدَ طَيّاً / وَيَنشُرُها عَلى الامالِ نَشرا
إِذا بِالمُهرِ أَجفَلَ وَاِعتَراهُ / جُمودُ دُمىً وَأَحجَمَ وَاِقشَعَرّا
فَأَغمَدَ في الدياجي ناظِرَيهِ / فَأَبصَرَ في ثَناياها هِزَبرا
وَفاضَت نَشوَةً مِن مُقلَتَيهِ / مُشَعشَعَةٌ فَقالَ عُقِرتَ مُهرا
وَحينَ جَذا اِنتَضى السَيفَ المُرَوّى / وَقالَ اِنبُت فَإِنَّكَ لَن تَفِرّا
فَلَستُ بِراجِعٍ يا لَيثُ حَتّى / يَصِرَّ بِكَ الذبابُ الغثّ صَرّا
وَأَقدَمَ مُثبِتَ الأَبصارِ فيهِ / فَكانَ كِلاهُما أَسَداً تَسَرّى
وَكانَ اللَيثُ يَفرَقُ مِنهُ طَوراً / وَيَبسُطُ تارَةً لِلوَثبِ ظُفرا
وَفي أَلحاظِهِ لَهَبٌ غَضوبٌ / يُراشِقُهُ بِهِ شَفعاً وَوِترا
يَنِشُّ بِشِدقِهِ زَبَدٌ حَرورٌ / وَيَنفُثُ صَدرُهُ حُمَماً أَحَرّا
وَضَجَّ الغابُ فَالدُنيا صِراعٌ / تُفَجِّرُ في رُواقِ اللَيلِ حُرّا
وَحينَ رَآهُ أَرسَخَ منهُ بَأساً / تَذَأبَ وَالغَضَنفَرُ كانَ حُرّا
وَأَطلَقَ بِشرُ مُنصَلَهُ عَلَيهِ / فَقَدَّ لَهُ مِنَ الأَضلاعِ عَشرا
وَثارَ الكَونُ ثَورَتَهُ فَأَلقى / عَلى اللَيلِ الحُسامَ فَدارَ فَجرا
وَأَسكَرَ مَشهَدُ الضِرغامِ بِشراً / وَكَم شَرِبَ الدَمَ المُهراقَ خَمرا
فَقَدَّ قَميصَهُ عَنهُ وَأَملى / عَلَيهِ بِالدَمِ المَطولِ شِعرا
أَفاطِمَ لَو شَهِدتِ بِبَطنِ خَبتٍ / وَقَد لاقى الهِزَبرُ أَخاكِ بِشرا
وَوالى سَيرَهُ يَمتَلُّ فيهِ / لِيَبلُغَ مَأرَباً قَد كانَ وَعرا
وَأَنداءُ الصَباحِ تَفوحُ طيباً / وَيَسكُبُها النَسيمُ عَلَيهِ عِطرا
وَفيما الحُبُّ يَنهَبُهُ عَراهُ / فَحيحٌ مَرَّ في أُذُنَيهِ مَرّا
وَأَبصَرَ حَيَّةً طَلَعَت عَلَيهِ / مِنَ الأَدغالِ مِثلَ التُربِ سَمرا
أَذابَ الصُبحُ خَمرَتَهُ عَلَيها / فَمالَت مِن خُمورِ الصُبحِ سَكرى
وَشَعَّت كَالزُجاجِ وَقَد تَلَوَّت / عَلى أَعشابِها بَطناً وَظَهرا
فَقالَ أَخوكِ كانَ عَلَيَّ وِقراً / وَلكِن أَنتِ أَثقَلُ مِنهُ وِقرا
فَهَل بُعِثَت بِهِ روحٌ تَرَدَّت / بِجِلدِ الأَفعوانِ تَرومُ ثَأرا
ولاقاها بِصَدرٍ راضَ صَبراً / وَلاقَتهُ بِصَدرٍ ضاقَ صَبرا
فَكانَت تَنثَني عَنهُ اِغتِيالاً / وَتُنشِبُ رَأسَها لِلفَرسِ غَدرا
تُرى ماذا يَحُلُّ بِنا إِذا ما / أُصيبَ بِنَكبَةٍ اللَهُ أَدرى
فَبِشرٌ مَرجِعُ الفُرسانِ فينا / وَحامينا إِذا الجَوُّ أَكفَهَرّا
بَعَثتُ بِهِ إِلى حَتفٍ ذَميمٍ / كَأَنّي لِلقَبِيلِ حَفَرتُ قَبرا
فَإِن يَسلَم مِنَ الأَسَدِ اِبنِ داذا / فَلَن يَنجو مِنَ الأَفعى طِمِرّا
وَشَمَّرَ لِلِّحاقِ بِهِ وَكانَت / دِماهُ تُثيرُهُ وَالعَينُ شَكرى
عَلى فَرَسٍ كَأَنَّ الجِنَّ تَعدو / بِرِجلَيها فَتَختَفِيانِ سِرحا
وَلَمّا أَدرَكَ اِبنَ أَخيهِ حَيّاً / يَروغُ الوَحشُ مِنهُ جَذا وَخَرّا
وَقالَ اِعدِل عَنِ الأَفعى فَإِنّي / رَأَيتُكَ أَرحَبَ الأَعرابِ صَدرا
لَأَنتَ أَحَقُّ مِن أُمَراءِ قَومي / بِفاطِمَةٍ فَكُن لي ابِناً وَصِهراً
فَأَلهَبتِ الحَماسَةُ كَفَّ بِشرٍ / فَصَعَّدَ سَيفُهُ المَصدورُ جَمرا
وَأَطعَمَ خَصمَهُ يُسرى يَدَيهِ / وَأَجرى المَوتَ مِن يُمناهُ نَهرا
فَقَبَّلَ عَمُّهُ يَدَهُ بِحُبٍّ / وَقالَ أَتَيتُ أَطلُبُ مِنكَ عُذرا
أَلا عُد بي إِلى حَيثُ السَرايا / تُقيمُ لِعُرسِكَ اليَومَ الأَغَرّا
فَقَد شَهِدَت صُخورُ الغابِ يا اِبني / بِأَنَّكَ فارِسُ الأَعرابِ طُرّا
وَعادا وَالغُصونُ تَميلُ تيهاً / كَأَنَّ بِها لِما شَهِدَتهُ سُكرا
وَتَعطِفُ في الطَريقِ عَلى يَدَيهِ / تُقَبِّلُ مِنهُما يُمنى وَيُسرى
وَإِذ كانا يَجوبانِ البَراري / وَيَنثُرُ بِشرُ آيَ الفَخرِ نَثرا
إِذا بِمُلَثَّمِ العَينَينِ نَجدٍ / تَعَرَّضَّ في الطَريقِ لَهُ مُصِرّا
وَقالَ كَفاكَ تَفَخرُ يا عِصاماً / فَفَخرُكَ مَرَّ في أُذُنَيَّ فَجرا
قَتَلتَ بَهيمَةً وَقَتَلتَ سوساً / وَتَملأُ ماضِغَيكَ قَذىً وَنُكرا
فَقالَ وَمَن تَكونُ فَقالَ إِنّي / نَذيرُ المَوتِ جِئتُ إِلَيكَ جَهرا
أَنا دَهرٌ وَأَيّامي سَعيرٌ / إِذا نازَلتَني نازَلتَ دَهرا
وَفي غَضَبٍ تَبَدّى المَوتُ فيهِ / عَلى سَيفَيهِما كَرّاً وَفَرّا
أَصابَ مُلَثَّمُ العَينَينِ بِشراً / فَأَحجَمَ عَنهُ إِخفاقاً وَقَسرا
وَصاحَ بِه أَبَيتَ اللَعنَ فَاِرفَع / لِثامَكَ لا تَظَلَّ عَلَيَّ سِرّا
فَقالَ الخَصمُ وَهوَ يُميطُ سِتراً / أَنا اِبنُكَ فَاِنظُرِ الوَلَدَ الأَبَرّا
فَعاوَدَ بِشرَ تَذكاراتُ عَهدٍ / تَصَرَّمَ تارِكاً في الصَدرِ ذِكرى
وَقَبَّلَهُ وَقالَ أَراكَ يا اِبني / بِفاطِمَةَ اِبنَةِ الأَعمامِ أَحرى