القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إلياس أبو شبكة الكل
المجموع : 6
خَلَقتُكِ صورَةً مِمّا هَوِيتُ
خَلَقتُكِ صورَةً مِمّا هَوِيتُ / فَخمرٌ أَنتِ من وَحيي وَقوتُ
وَتَنزِعُكِ المَزاعِمُ مِن حُقوقي / كَأَنّي ما عَشِقتُ وَما شَقيتُ
لِغَيري تَدّعي الدُنيا سَراجاً / لَهُ مِنهُ الفَتيلُ وَلي الزُيوتُ
وَكَم نَكرَ الزَمانُ عَلَيَّ حَقّاً / وَكَم فنيَ الزَمانُ وَما فَنيتُ
وَفاؤُكِ بِهجَةُ الأَجيالِ ذِكرٌ / وَحُبُّكِ آيَةُ العُشّاقِ صيتُ
خَيالٌ أَنتِ من روحي وَقَلبي / تشعُّ لهُ بِديواني البيوتُ
سَكبتُ عَلَيهِ من حُبّي عُطوراً / وَمن شِعري جَمالاً لا يَموتُ
أَتيتِ فَأورقَ الأَدبُ السنيُّ
أَتيتِ فَأورقَ الأَدبُ السنيُّ / وَغَنّى الحُبُّ وَاِخضَلَّ الرَويُّ
وَكنتُ عَلى الجفافِ وَمن قنوطي / يَفيضُ عَلى دَمي ظِلٌّ شَقِيُّ
عَلَيكِ مِنَ الهَوى قوتٌ مَنيعٌ / وَمن أَعرافِهِ عَبَقٌ شَهِيُّ
وَفي عَينَيكِ يَستَهوي عَفافٌ / لهُ في النَفسِ جاذِبُهُ الخفيُّ
وَفي شَفَتَيكِ إِغواءٌ لَذيذٌ / يَذوبُ عَلَيهِ قُربانٌ نَقِيُّ
أَتَيتِ مِن السَماءِ عَلَيكِ ظِلٌّ / وَمن أَغراسِها خَضَرٌ طريُّ
فَقَبَّلَني عَلى شَفَتي رَسولٌ / وَمَسَّ فَمي كَلامٌ عَبقَرِيُّ
أحبّكِ فَوق ما تسعُ القلوبُ
أحبّكِ فَوق ما تسعُ القلوبُ / وَخيَّل شاعِرٌ وَوَعى حَبيبُ
لَأَنتِ مِنَ السَماءِ سَحابُ عِطرٍ / يَسحُّ عَليَّ مِنكِ نَدىً عَجيبُ
أُحسُّكِ بي فَعِرقُكِ صارَ عِرقي / وَما لِقَذىً بعرقينا دَبيبُ
فَنَحنُ إِذا اِلتَقى صدرٌ وَصَدرٌ / لَنا فَكَما اِلتَقى كوبٌ وَكوبُ
وَإِن مُزِجَت بِنا خَمرٌ وَخَمرٌ / تَمازَجَ في النَدى نَسَمٌ وَطيبُ
أَرى أَدَبي بِعَينِكِ حينَ يَهوي / عَلى فَمِكِ الأَديبِ فَمي الأَديبُ
بِنا نارٌ وَلَيسَ بِنا هَشيمٌ / وَعاصِفَةٌ وَلَيسَ لَنا هبوبُ
تَرامى اللَيلُ كَالهَمِّ الثَقيلِ
تَرامى اللَيلُ كَالهَمِّ الثَقيلِ / يَجُرُّ ذُيولَ مِعطَفهِ الطَويلِ
وَيُبرِزُ في مَشارِفهِ نُجوماً / بِلَونٍ بُرتُقالِيٍّ ضَئيلِ
وَكانَت زوق ميكائيل تُصغي / الى هَمسِ النَياسم في الحُقولِ
فَتَبسِمُ عَن كَواكِبها النَحيلَه / وَتَحلمُ في جَواذِبِها الجَميلَة
بِعَهدٍ مَرَّ في الدُنيا جَميلِ /
وَكانَت قُبَّةُ الجَرَس المُقيمَه / عَلى عَمَدَي كَنيسَتُها القَديمَه
تَقَطَّعُ في السَماءِ وَقد تَرامى / عَلَيها النورُ أَفلاذاً سَقيمَه
كَطَيفٍ يَخفر الأَمواتِ لَيلاً / وَيَبقى ساهِراً سَهَرَ الأُمومه
وَكانَ اللَيلُ مُنفَطِرَ الشُعورِ / أَحَسَّ لَهيبَ سُكّانِ القُبورِ
فَلَطَّفَ في مَعابِرِهِ نَسيمَه /
وَكانَت أَغصُنُ الدَوح القَديمِ / يَهزُّ رُؤوسَها مَرُّ النَسيمِ
فَيُسمَع في الدُجى مِنها حَفيفٌ / كَصَوتِ الوَخزِ في قَلبٍ أَثيمِ
وَفي الاِكواخِ أَقباسٌ ضِعافٌ / كَأَخيِلَةِ الكَواكِبِ في الأَديمِ
تُصَعِّدُ في نَوافِذها الصَغيرَه / زَفيراً من أَشعَّتها الحَقيرَه
كَأَنَّ بزيتها بَعضَ الهُمومِ /
وَفي الأَبعادِ كان يُرى الخَليجُ / تَمجُّ مِياهُهُ نوراً يَموجُ
كَلَوحٍ أَسوَدٍ مُلقىً عَلَيهِ / إِطارٌ فيهِ من ذَهَبٍ نَسيجُ
تُدبِّجهُ مَصابيحٌ وَزُهرٌ / لَها في الماءِ مَنظَرُها البَهيجُ
وَأَضواءُ النُجوم عَلى الشَواطِىءُ / إِذا اِمتَزَجَت بِأَضواءِ المرافىء
يَكونُ مِنَ الخَيالِ بِها مَزيجُ /
دَعِ الأَبعادَ في اللَيلِ الجَميلِ / تَنَم سَكرى مَعَ النورِ الضَئيلِ
وَخَلِّ أَنامِلَ النَسَماتِ تَلعَب / كَما شاءَت بِأَوراقِ الحُقولِ
وَدَع قَطرَ النَدى المَخمورَ يَسقُط / عَلى جَسَد الجَنائِنِ وَالطلولِ
وَهَيّا بي نَلِج قَصراً صَغيرا / تَرى المِصباحَ يَملاُوه شُعورا
رَسا في الزَوق من عَهدِ طَويلِ /
فَتُبصِرَ إِن وَلَجتَ فَتىً كَئيبا / مِنَ الإِحساسِ يوشِكُ أَن يَذوبا
إِذا أَمعَنتَ فيه رَأَيتَ جِسماً / يَفور كَأَنَّ في دَمِهِ لَهيبا
لَهُ قَلبٌ يُرى في كُلِّ قَلبٍ / كَأَنَّ اللَهَ ذَرَّ بِهِ قُلوبا
فَتىً كَالفَجرِ أَلواناً وَعُمرا / إِذا أَبصَرتَه أَبصَرتَ فَجرا
يَمُدُّ جَمالُهُ ظِلّا غَريبا /
وَإِن أَصغَيتَ تَسمَعُهُ يَقولُ / لِوالِدَةٍ أَلَمَّ بِها النُحولُ
لِأُمٍّ فارَقَت زوجاً حَبيباً / طَواهُ من الرَدى لَيلٌ ثَقيلُ
أُحِسُّ لَها اِضطِّراباً في فُؤادي / وَدَمعاً في حَناياهُ يَجولُ
وَما أَحسَستُ امسِ بِمِثلِ هذا / فَاِمسي كان لا ادري لِماذا
جَميلاً كُلُّ ما فيهِ جَميلُ /
أَجل يا أُمِّ صِرتُ فَتىً شَقيّا / يَكادُ اليَأسُ يُطفىءُ مُقلَتَيّا
فَأَينَ مَضَت لَيالِيَّ الخَوالي / وَقَلبٌ كان في الماضي خَلِيّا
أَرى غَلواءَ تُعرِضُ عن هُيامي / وَيَكتُمُ قَلبُها سِرّاً خَفِيّا
وَتَسمَعُها تَقولُ لَهُ شَفيقُ / بُنَيَّ لَقَد أَضلَّتكَ الطَريقَ
فَهَل نَبَّهت قَلبَكَ يا بُنَيّا /
جَميلٌ يا وَحيدي أَن تُحبّا / وَتَرفَعَ لِلهَوى عَيناً وَقَلبا
وَتَسمَعَ مِنهُ أَنغاماً عِذاباً / وَتَشرَب من يَدَيهِ الماءَ عَذباء
لَقَد أَحسَستُ قَبلَكَ بِاِضطِرابٍ / وَقاسَيتُ الهَوى سَهلا وَصَعبا
وَلكِن لَيسَ يَندَمُ مَن تَأَنّى / فَغلوا يا اِبنِ أَكبَرُ مِنكَ سِنّا
اِذا رَضِيَ الهَوى فَالعُمرُ يَأبى /
تَأَنَّ فَسَوفَ تَهوى مَن تُريدُ / وَتَهواكَ العَذارى وَالوُرودُ
فَمِثلُكَ لا يُجاوِرُهُ قُنوطٌ / وَمِلءُ شَبابِهِ عَقلٌ رَشيدُ
أَمامك يا اِبن أَعوامٌ طِوالٌ / وَمن زَهَرِ الهَوى عَدَدٌ عَديدُ
تَأَنَّ فَسَوفَ تَقطِفُ مِنهُ زَهرَه / تَكونُ أَشَدَّ من غَلواءَ نُضرَه
يُبارِكُ عِطرَها العَهدُ الجَديدُ /
فَيُطلِقُ زَفرَةَ التَمِسِ الكَئيبِ / وَيَغرَقُ في دُجى فِكرٍ غَريبِ
وَيَذهَبُ لا يُجيبُ وَفي هَواهُ / لَظى شَكٍّ أَشَدُّ مِنَ اللَهيبِ
وَكَيفَ يُجيبُ أُمّا جَفَّ فيها / عُصارُ الحُبِّ في عَهد الغُروبِ
أَيا أُمي اِصرِفي ذي الكَأسَ عَنّي / فَما في الحُبِّ شَأنٌ لِلتَأَنّي
وَما لِلعُمر شَأنٌ في القُلوبِ /
وَيَذهبُ لا يُجيبُ وَفي هَواهُ / من الاِشجانِ ما يُضني قِواهُ
دَعي يا أُمِّ زَهرَ الناسَ يَبسِم / وَيَنشَق في الوَرى غَيري شَذاهُ
فَلي في جَنَّةِ الاِشواكِ زَهرٌ / غَريبُ اللَونِ لا أَرضى سِواهُ
تُذَكِّرُني وَحَقِّكَ ما نَسيتُ
تُذَكِّرُني وَحَقِّكَ ما نَسيتُ / وَهَل أَنسى شُجونَكَ ما حَييتُ
أُحِسُّكَ في الحَرارَةِ مِن حَنيني / كَأَنَّكَ في غَليلِ دَمي تَبيتُ
وَأَسمَعُ مِنكَ ما أَسمَعتَ قَلبي / وَقَد غَدَرَ الحَبيبُ المُستَميتُ
يُغَرِّقُ مِن عُيونكَ في عُيوني / هَوً ساهٍ وَوِجدانٌ شَتيتُ
تَقولُ أَرى عَلى وَقبَيكَ خَمراً / إِذا وُصِفَت تَنَكَّرَتِ النعوتُ
أَخافُ عَلَيكَ مِن دَمِها فَإِنّي / بَذَلتُ لَها الحَياةَ وَما رَويتُ
هَواكَ هَوايَ قَلبُكَ مِثلُ قَلبي / كَما تَهوى عَلى مَضمَضٍ هَويتُ
سَلَكنا مُعضِلَ الدُنيا وَلكِن / شُفيتَ مِنَ الشَقاءِ وَما شُفيتُ
تُرابُ القَبرِ أَسلَمُ مِن فِراشٍ / عَلى جَنبَيهِ ثُعبانٌ وَحوتُ
رَأَيتُكَ تَملَأُ الدُنيا ضِياءً / وَفي عَينَيكَ تَحتَرِقُ الزُيوتُ
وَتَفنى في المَحَبَّةِ وَهيَ بِكرٌ / وَيَسمَنُ حَولَكَ البُغضُ المَقيتُ
وقَلبُ الحُرِّ آفَتُهُ هَواهُ / وَآفَةُ وَحيِهِ الأَدَبُ النَحيتُ
فَفيهِ يُحَقَّرُ الخَزُّ المُوَشّى / وَيُكرَمُ في سِواهُ العَنكَبوتُ
تَكَلَّم يا فِليكسُ فَنَحنُ صَرعى / وَفي أَعماقِنا حُلُمٌ يَموتُ
وَعَلِّم كَيفَ تُكتَسَبُ المَراقي / وَكَيفَ تُشادُ لِلأُمَمِ البُيوتُ
وَكَيفَ صَواعِقُ الأَفكارِ تَهوي / وَكَيفَ يُجَلجِلُ الشَعبُ الصَموتُ
أُفَتِّشُ في سُكوتِكَ عَن بَياني / فَيُخرِسُهُ بِرَوعَتِهِ السُكوتُ
وَأَبحَثُ عَن شُعاعِكَ في سِراجي / وَلي مِن زَيتِكَ العُلوِيِّ قوتُ
سَمِعتُ المِنبَرَ المَحزونَ يَشكو / فَتَتَّضِعُ الأَرائِكُ وَالتُخوتُ
يَقولُ رُزِقتُهُ أَشهى طَعامي / وَلَمّا اِشتَدَّ ساعِدُهُ قَويتُ
أَبَرُّ الوُلدِ بِالآباءِ خُلقاً / وَأَقرَبُهُم إِلَيَّ إِذا زُهيتُ
عَلى عُريي نَما أَمَلاً وَلَمّا / أَظَلَّتني ذِراعاهُ كُسيتُ
يَلُفُّ وَتينُهُ خَشَبي فَيَحيا / وَيَنبُضُ لي بِهِ شَرَفٌ وَصيتُ
وَكُنتُ أَوَدُّ لَو ذَوّيتَ نَوطاً / لَهُ وَإِلى سَريرَتِهِ رَقيتُ
وَنَوطُ البَعضِ تُحرَمُهُ الأَعالي / وَيُمنَحَهُ الزِبانِيَةُ التَحوتُ
سَمِعتُ عَروسَ شِعرِكَ في خَيالي / تَقولُ عَشِقتُهُ حَتّى اِشتَهَيتُ
فَفي عَينَيهِ ذَوبُ السِحرِ يُرغي / وَفي أَهدابِهِ المِسكُ الفَتيتُ
بَذَلتُ لَهُ الخَطايا مِن عُروقي / وَحينَ لَمَستُ مِرشَفَهُ نَقيتُ
وَأَطلَقتُ الرَوِيَّ لَهُ جَواري / قيانٌ في مَزاهِرِها رَبيتُ
سَمِعتُ بِلادَكَ الثَكلى تُنادي / ليَ الغِطريفُ وَالرجُلُ الثَبيتُ
ليَ الأَنوارُ في عَنَتِ اللَيالي / إِذا ما راغَتِ الدُنيا العَنوتُ
ليَ الفُصحى عَلى أَدَبٍ بَليغٍ / وَمِن أَليانِ ثَديَيها سُقيتُ
وَلَيسَ ليَ الضَواري في خُدوري / تَسَرَّتني وَكَالسِلَعِ اِقتُنيتُ
يُقَعقِعُ في مَشافِرِها سَميجٌ / وَأَدرَدُ أَشنَعُ الدَعوى هَريتُ
عَذيري مِن مَماليكٍ مَوالٍ / لَهُم خُطَطٌ وَلَيسَ لَهُم سُموتُ
سَمِعتُ القَبرَ يَنفُثُ مِن دُجاهُ / حَديثاً فيهِ أَشجاني الخُفوتُ
يَقولُ إِلَيَّ يَأتي كُلُّ حَيٍّ / وَيَبقى في تُرابي ما بَقيتُ
يُقيمُ اِثنانِ في دُنيا سُكوني / فَتىً يَفنى وَآخَرُ لا يَموتُ
أَتَجهَلُ قَدرَ بِشرٍ إِنَّ بِشرا
أَتَجهَلُ قَدرَ بِشرٍ إِنَّ بِشرا / لَأَرفَعُ مِنكَ في الناسوتِ قَدرا
نَما بَينَ الأَباعِرِ في البَراري / وَغَيرَ الكَهفِ لَم يَعرِف مَقَرّا
ولكِن حَلَّ في بُردَيهِ وَحيٌ / كَفاكَ تَفاخُراً وَكَفاهُ فَخرا
وَهَل في بُردَتَيكَ سِوى دَعِييٍّ / تَسَوَّدَ في القَبيلَةِ حينَ أَثرى
رَأَت بِشراً عَجوزٌ ذاتَ يَومٍ / وَقَد حَزَرَت بِهِ وَطَراً وَأَمرا
فَقالَت أَنتَ تَبحَثُ عَن عُروسٍ / وَبِاِبنَةِ عَمِّكَ المِضيافِ أَحرى
فَقالَ لَها وَهَل هِي ذاتُ حُسنٍ / فَقالَت إِنَّها في الحُسنِ بُشرى
لَها شَعرٌ كَأَنَّ اللَيلَ مِنهُ / تَمَنّى البَدرُ فيهِ أَن يَمُرّا
كَأَنَّ ذُؤابَتَيهِ حِبالُ أَسرٍ / تُشَدُّ بِها قُلوبُ العُربِ أَسرى
فَخَفَّ لِعَمِّهِ نَشوانَ جَذلاً / وَكاشَفَهُ فَلاقى مِنهُ زَجرا
فَقالَ لَهُ أَبَيتَ اللَعنَ قُل لي / أَفاطِمَةٌ لِغَيرِ دَمي تُسَرّى
أَتَأباها عَلَيَّ وَمِن ذِراعي / لِآمالِ القَبيلِ عَمِلتُ جِسرا
فَمَن لَكَ في الرَعِيَّةِ غَيرُ بِشرٍ / يَرُدُّ غَوائِلَ الغَزَواتِ حُمرا
وَكَم بِكرٍ وَهَبتُكَ مِن دِمائي / وَتَأبى يا ظَلومُ عَلَيَّ بِكرا
وَهامَ مُشَعَّثَ الأَحلامِ غَيظاً / يُخَرِّبُ تارَةً وَيَعُجُّ أُخرى
وَثارَ عَلى قَبيلَتِهِ بِضُرٍّ / فَكانَ الذِئبَ فَتكاً أَو أَضَرّا
فَضَجَّ بَنو الرَعِيَّةِ مِن أَذاهُ / وَأَوجَسَ عَمُّهُ خَوفاً وَذُعرا
فَقَرَّبَهُ إِلَيهِ وَقَد تَحَرّى / لَهُ شَرَكاً لِيوقِعَ فيهِ ذِمرا
وَقالَ لَهُ إِذا ما كُنتَ شَهماً / أَنِلني مِن خُزاعَةَ مِنكَ مَهرا
فَدَبَّت سورَةُ العَرَبِيِّ فيهِ / وَأَسرَجَ مُهرَهُ حَتّى يَكُرّا
وَجَنَّبَ في حِمالتِهِ جُرازاً / لَهيبُ المَوتِ يَنفُثُ مِنهُ جَمرا
وَكانَ النَجَوُّ مُربَدّاً رَهيباً / كَاَنَّ مِنَ الجَحيمِ عَلَيهِ سِترا
فَسامَرَهُ حَفيفُ الغابِ حيناً / وَحيناً سامَرَتهُ طُيوفُ ذِكرى
وَفيما بِشرُ يَطوي البيدَ طَيّاً / وَيَنشُرُها عَلى الامالِ نَشرا
إِذا بِالمُهرِ أَجفَلَ وَاِعتَراهُ / جُمودُ دُمىً وَأَحجَمَ وَاِقشَعَرّا
فَأَغمَدَ في الدياجي ناظِرَيهِ / فَأَبصَرَ في ثَناياها هِزَبرا
وَفاضَت نَشوَةً مِن مُقلَتَيهِ / مُشَعشَعَةٌ فَقالَ عُقِرتَ مُهرا
وَحينَ جَذا اِنتَضى السَيفَ المُرَوّى / وَقالَ اِنبُت فَإِنَّكَ لَن تَفِرّا
فَلَستُ بِراجِعٍ يا لَيثُ حَتّى / يَصِرَّ بِكَ الذبابُ الغثّ صَرّا
وَأَقدَمَ مُثبِتَ الأَبصارِ فيهِ / فَكانَ كِلاهُما أَسَداً تَسَرّى
وَكانَ اللَيثُ يَفرَقُ مِنهُ طَوراً / وَيَبسُطُ تارَةً لِلوَثبِ ظُفرا
وَفي أَلحاظِهِ لَهَبٌ غَضوبٌ / يُراشِقُهُ بِهِ شَفعاً وَوِترا
يَنِشُّ بِشِدقِهِ زَبَدٌ حَرورٌ / وَيَنفُثُ صَدرُهُ حُمَماً أَحَرّا
وَضَجَّ الغابُ فَالدُنيا صِراعٌ / تُفَجِّرُ في رُواقِ اللَيلِ حُرّا
وَحينَ رَآهُ أَرسَخَ منهُ بَأساً / تَذَأبَ وَالغَضَنفَرُ كانَ حُرّا
وَأَطلَقَ بِشرُ مُنصَلَهُ عَلَيهِ / فَقَدَّ لَهُ مِنَ الأَضلاعِ عَشرا
وَثارَ الكَونُ ثَورَتَهُ فَأَلقى / عَلى اللَيلِ الحُسامَ فَدارَ فَجرا
وَأَسكَرَ مَشهَدُ الضِرغامِ بِشراً / وَكَم شَرِبَ الدَمَ المُهراقَ خَمرا
فَقَدَّ قَميصَهُ عَنهُ وَأَملى / عَلَيهِ بِالدَمِ المَطولِ شِعرا
أَفاطِمَ لَو شَهِدتِ بِبَطنِ خَبتٍ / وَقَد لاقى الهِزَبرُ أَخاكِ بِشرا
وَوالى سَيرَهُ يَمتَلُّ فيهِ / لِيَبلُغَ مَأرَباً قَد كانَ وَعرا
وَأَنداءُ الصَباحِ تَفوحُ طيباً / وَيَسكُبُها النَسيمُ عَلَيهِ عِطرا
وَفيما الحُبُّ يَنهَبُهُ عَراهُ / فَحيحٌ مَرَّ في أُذُنَيهِ مَرّا
وَأَبصَرَ حَيَّةً طَلَعَت عَلَيهِ / مِنَ الأَدغالِ مِثلَ التُربِ سَمرا
أَذابَ الصُبحُ خَمرَتَهُ عَلَيها / فَمالَت مِن خُمورِ الصُبحِ سَكرى
وَشَعَّت كَالزُجاجِ وَقَد تَلَوَّت / عَلى أَعشابِها بَطناً وَظَهرا
فَقالَ أَخوكِ كانَ عَلَيَّ وِقراً / وَلكِن أَنتِ أَثقَلُ مِنهُ وِقرا
فَهَل بُعِثَت بِهِ روحٌ تَرَدَّت / بِجِلدِ الأَفعوانِ تَرومُ ثَأرا
ولاقاها بِصَدرٍ راضَ صَبراً / وَلاقَتهُ بِصَدرٍ ضاقَ صَبرا
فَكانَت تَنثَني عَنهُ اِغتِيالاً / وَتُنشِبُ رَأسَها لِلفَرسِ غَدرا
تُرى ماذا يَحُلُّ بِنا إِذا ما / أُصيبَ بِنَكبَةٍ اللَهُ أَدرى
فَبِشرٌ مَرجِعُ الفُرسانِ فينا / وَحامينا إِذا الجَوُّ أَكفَهَرّا
بَعَثتُ بِهِ إِلى حَتفٍ ذَميمٍ / كَأَنّي لِلقَبِيلِ حَفَرتُ قَبرا
فَإِن يَسلَم مِنَ الأَسَدِ اِبنِ داذا / فَلَن يَنجو مِنَ الأَفعى طِمِرّا
وَشَمَّرَ لِلِّحاقِ بِهِ وَكانَت / دِماهُ تُثيرُهُ وَالعَينُ شَكرى
عَلى فَرَسٍ كَأَنَّ الجِنَّ تَعدو / بِرِجلَيها فَتَختَفِيانِ سِرحا
وَلَمّا أَدرَكَ اِبنَ أَخيهِ حَيّاً / يَروغُ الوَحشُ مِنهُ جَذا وَخَرّا
وَقالَ اِعدِل عَنِ الأَفعى فَإِنّي / رَأَيتُكَ أَرحَبَ الأَعرابِ صَدرا
لَأَنتَ أَحَقُّ مِن أُمَراءِ قَومي / بِفاطِمَةٍ فَكُن لي ابِناً وَصِهراً
فَأَلهَبتِ الحَماسَةُ كَفَّ بِشرٍ / فَصَعَّدَ سَيفُهُ المَصدورُ جَمرا
وَأَطعَمَ خَصمَهُ يُسرى يَدَيهِ / وَأَجرى المَوتَ مِن يُمناهُ نَهرا
فَقَبَّلَ عَمُّهُ يَدَهُ بِحُبٍّ / وَقالَ أَتَيتُ أَطلُبُ مِنكَ عُذرا
أَلا عُد بي إِلى حَيثُ السَرايا / تُقيمُ لِعُرسِكَ اليَومَ الأَغَرّا
فَقَد شَهِدَت صُخورُ الغابِ يا اِبني / بِأَنَّكَ فارِسُ الأَعرابِ طُرّا
وَعادا وَالغُصونُ تَميلُ تيهاً / كَأَنَّ بِها لِما شَهِدَتهُ سُكرا
وَتَعطِفُ في الطَريقِ عَلى يَدَيهِ / تُقَبِّلُ مِنهُما يُمنى وَيُسرى
وَإِذ كانا يَجوبانِ البَراري / وَيَنثُرُ بِشرُ آيَ الفَخرِ نَثرا
إِذا بِمُلَثَّمِ العَينَينِ نَجدٍ / تَعَرَّضَّ في الطَريقِ لَهُ مُصِرّا
وَقالَ كَفاكَ تَفَخرُ يا عِصاماً / فَفَخرُكَ مَرَّ في أُذُنَيَّ فَجرا
قَتَلتَ بَهيمَةً وَقَتَلتَ سوساً / وَتَملأُ ماضِغَيكَ قَذىً وَنُكرا
فَقالَ وَمَن تَكونُ فَقالَ إِنّي / نَذيرُ المَوتِ جِئتُ إِلَيكَ جَهرا
أَنا دَهرٌ وَأَيّامي سَعيرٌ / إِذا نازَلتَني نازَلتَ دَهرا
وَفي غَضَبٍ تَبَدّى المَوتُ فيهِ / عَلى سَيفَيهِما كَرّاً وَفَرّا
أَصابَ مُلَثَّمُ العَينَينِ بِشراً / فَأَحجَمَ عَنهُ إِخفاقاً وَقَسرا
وَصاحَ بِه أَبَيتَ اللَعنَ فَاِرفَع / لِثامَكَ لا تَظَلَّ عَلَيَّ سِرّا
فَقالَ الخَصمُ وَهوَ يُميطُ سِتراً / أَنا اِبنُكَ فَاِنظُرِ الوَلَدَ الأَبَرّا
فَعاوَدَ بِشرَ تَذكاراتُ عَهدٍ / تَصَرَّمَ تارِكاً في الصَدرِ ذِكرى
وَقَبَّلَهُ وَقالَ أَراكَ يا اِبني / بِفاطِمَةَ اِبنَةِ الأَعمامِ أَحرى

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025