المجموع : 22
هَنيئاً أَيُّها المَلِكُ الأَجَلُّ
هَنيئاً أَيُّها المَلِكُ الأَجَلُّ / لَكَ العَرشُ الجَديدُ وَما يَظِلُّ
تَسَنَّمَ عَرشَ إِسماعيلَ رَحباً / فَأَنتَ لِصَولَجانِ المُلكِ أَهلُ
وَحَصِّنهُ بِإِحسانٍ وَعَدلٍ / فَحِصنُ المُلكِ إِحسانٌ وَعَدلُ
وَجَدِّد سيرَةَ العُمَرَينِ فينا / فَإِنَّكَ بَينَنا لِلَّهِ ظِلُّ
لَقَد عَزَّ السَريرُ وَتاهَ لَمّا / تَبَوَّأَهُ المَليكُ المُستَقِلُّ
وَهَشَّ التاجُ حينَ عَلا جَبيناً / عَلَيهِ مَهابَةٌ وَعَلَيهِ نُبلُ
تَمَنّى لَو يَقِرُّ عَلى أَبِيٍّ / تَذِلُّ لَهُ الخُطوبُ وَلا يَذِلُّ
وَقَد نالَ المَرامَ وَطابَ نَفساً / فَها هُوَ ذا بِلابِسِهِ يُدِلُّ
وَما كُنتَ الغَريبَ عَنِ المَعالي / وَلا التاجُ الَّذي بِكَ باتَ يَعلو
وَإِنَّكَ مُنذُ كُنتَ وَلا أُغالي / حُسامٌ لِلأَريكَةِ لا يُفَلُّ
فَكَم نَهنَهتَ مِن غَربِ العَوادي / وَكَم لَكَ في رُبوعِ النيلِ فَضلُ
وَما مِن مَجمَعٍ لِلخَيرِ إِلّا / وَمِن كَفَّيكَ سَحَّ عَلَيهِ وَبلُ
فَقَد عَرَفَ الفَقيرُ نَداكَ قِدماً / وَقَد عَرَفَ الكَبيرُ عُلاكَ قَبلُ
لَكَ العَرشانِ هَذا عَرشُ مِصرٍ / وَهَذا في القُلوبِ لَهُ مَحَلُّ
فَأَلِّف ذاتَ بَينِهِما بِرَأيٍ / وَعَزمٍ لا يَكِلُّ وَلا يَمَلُّ
فَعَرشٌ لا تَحُفُّ بِهِ قُلوبٌ / تَحُفُّ بِهِ الخُطوبُ وَيَضمَحِلُّ
أَبا الفَلّاحِ كَم لَكَ مِن أَيادٍ / عَلى ما فيكَ مِن كَرَمٍ تَدُلُّ
وَآلاءٍ وَإِن أَطنَبتُ فيها / وَفي أَوصافِها فَأَنا المُقِلُّ
عُنيتَ بِحالَةَ الفَلّاحِ حَتّى / تَهَيَّبَ أَن يَزورَ الأَرضَ مَحلُ
وَكَيفَ يَزورُ أَرضاً سِرتَ فيها / وَأَنتَ الغَيثُ لَم يُمسِكهُ بُخلُ
وَكَم أَحيَيتَ مِن أَرضٍ مَواتٍ / فَأَضحَت تُستَرادُ وَتُستَغَلُّ
وَأَخصَبَ أَهلُها مِن بَعدِ جَدبٍ / وَفاضَ عَلَيهِمُ رَغَدٌ وَنَفلُ
وَكَم أَسعَفتَ في مِصرٍ جَريحاً / عَلَيهِ المَوتُ مِن كَثَبٍ يُطِلُّ
وَكُنتَ لِكُلِّ مِسكينٍ وِقاءً / وَأَهلاً حينَ لَم تَنفَعهُ أَهلُ
وَكُنتَ فَتىً بِعَهدِ أَبيكَ نَدباً / لَهُ رَأيٌ يُسَدِّدُهُ وَفِعلُ
لِكُلِّ عَظيمَةٍ تُدعى فَتُبلي / بَلاءَ مُجَرِّبٍ يَحدوهُ عَقلُ
تَوَلَّيتَ الأُمورَ فَتىً وَكَهلاً / فَلَم يَبلُغ مَداكَ فَتىً وَكَهلُ
وَجَرَّبتَ الحَوادِثَ مِن قَديمٍ / وَمِثلُكَ مَن يُجَرِّبُها وَيَبلو
وَكُنتَ لِمَجلِسِ الشورى حَياةً / وَنِبراساً إِذا ما القَومُ ضَلّوا
فَلَم يُلمِم بِساحَتِهِ جَحودٌ / وَلَم يَجلِس بِهِ عُضوٌ أَشَلُّ
وَما غادَرتَهُ حَتّى أَفاقوا / وَمِن أَمراضِ عَيشِهِمُ أَبَلّوا
فَعِش لِلنيلِ سُلطاناً أَبِيّاً / لَهُ في مُلكِهِ عَقدٌ وَحَلُّ
وَوالِ القَومُ إِنَّهُمُ كِرامٌ / مَيامينُ النَقيبَةِ أَينَ حَلّوا
لَهُم مُلكٌ عَلى التاميزِ أَضحَت / ذُراهُ عَلى المَعالي تَستَهِلُّ
وَلَيسَ كَقَومِهِم في الغَربِ قَومٌ / مِنَ الأَخلاقِ قَد نَهِلوا وَعَلّوا
فَإِن صادَقتَهُم صَدَقوكَ وُدّاً / وَلَيسَ لَهُم إِذا فَتَّشتَ مِثلُ
وَإِن شاوَرتَهُم وَالأَمرُ جِدُّ / ظَفِرتَ لَهُم بِرَأيٍ لا يَزِلُّ
وَإِن نادَيتَهُم لَبّاكَ مِنهُم / أَساطيلٌ وَأَسيافٌ تُسَلُّ
فَمادِدهُم حِبالَ الوُدِّ وَاِنهَض / بِنا فَقِيادُنا لِلخَيرِ سَهلُ
وَخَفِّف مِن مُصابِ الشَرقِ فينا / فَنَحنُ عَلى رِجالِ الغَربِ ثِقلُ
إِذا نَزَلَت هُناكَ بِهِم خُطوبٌ / أَلَمَّ بِنا هُنا قَلَقٌ وَشُغلُ
حَيارى لا يَقِرُّ لَنا قَرارٌ / تُنازِلُنا الخُطوبُ وَنَحنُ عُزلُ
فَأَهلاً بِالدَليلِ إِلى المَعالي / أَلا سِر يا حُسَينُ وَنَحنُ نَتلو
وَأَسعِدنا بِعَهدِكَ خَيرَ عَهدٍ / بِهِ أَيّامُنا تَصفو وَتَحلو
فَأَمرُكَ طاعَةٌ وَرِضاكَ غُنمٌ / وَسَيفُكَ قاطِعٌ وَنَداكَ جَزلُ
لِلونا شُهرَةٌ في الطِبِّ تاهَت
لِلونا شُهرَةٌ في الطِبِّ تاهَت / بِها مِصرٌ وَتاهَ بِها مَديحي
وَمِن عَجَبٍ تَدينُ بِدينِ موسى / وَتَأتينا بِمُعجِزَةِ المَسيحِ
أَقَصرَ الزَعفَرانِ لَأَنتَ قَصرٌ
أَقَصرَ الزَعفَرانِ لَأَنتَ قَصرٌ / خَليقٌ أَن يَتيهَ عَلى النُجومِ
كِلا عَهدَيكَ لِلأَجيالِ فَخرٌ / وَزَهوٌ لِلحَديثِ وَلِلقَديمِ
ثَوى بِالأَمسِ فيكَ عُلاً وَمَجدٌ / وَأَنتَ اليَومَ مَثوىً لِلعُلومِ
فَمِن نُبلٍ إِلى مَجدٍ أَثيلٍ / إِلى عِلمٍ إِلى نَفعٍ عَميمِ
أَضَفتَ إِلى صُروحِ العِلمِ صَرحاً / بِزَورَةِ ذَلِكَ المَلِكِ الحَكيمِ
فَيالَكَ مَنزِلاً رَحباً سَرِيّاً / بَنَتهُ أَنامِلُ الذَوقِ السَليمِ
وَحاطَتهُ بِبُستانٍ أَنيقٍ / يُريكَ جَمالُهُ وَجهَ النَعيمِ
أَبا فاروقَ أَنتَ وَهَبتَ هَذا / لِمِصرَ وَهَكَذا مَنحُ الكَريمِ
وَلا عَجَبٌ فَمِصرُ عَلى وَلاءٍ / وَمالِكُها عَلى خُلُقٍ عَظيمِ
يُطالِعُها بِبَرٍّ كُلَّ يَومٍ / وَيَرعاها بِعَينِ أَبٍ رَحيمِ
وَيُرهِفُ مِن عَزائِمِ آلِ مِصرٍ / إِذا خارَت لَدى الخَطبِ الجَسيمِ
كَسَوتَ الأَزهَرَ المَعمورَ ثَوباً / مِنَ الإِجلالِ وَالعِزِّ المُقيمِ
قَضَيتَ بِهِ الصَلاةَ فَكادَ يُزهى / بِزائِرِهِ عَلى رُكنِ الحَطيمِ
رَأى فيكَ المُعِزُّ زَمانَ أَعلى / قَواعِدَهُ عَلى ظَهرِ الأَديمِ
فَهَشَّ وَهَزَّهُ طَرَبٌ وَشَوقٌ / كَما هَشَّ الحَميمُ إِلى الحَميمِ
وَهَلَّلَ كُلُّ مَن فيهِ وَدَوَّت / بِهِ أَصواتُ شَعبِكَ كَالهَزيمِ
كَذا فَليَحمِلِ التاجَينَ مَلكٌ / يُعِزُّ شَعائِرَ الدينِ القَويمِ
وَيَخشى رَبَّهُ وَيُطيعُ مَولىً / هَداهُ إِلى الصِراطِ المُستَقيمِ
أَيَأذَنُ لي المَليكُ البَرُّ أَنّي / أُهَنِّئُ مِصرَ بِالأَمرِ الكَريمِ
فَيا مِصرُ اِسجُدي لِلَّهِ شُكراً / وَتيهي وَاِقعُدي طَرَباً وَقومي
فَقَد تَمَّ البِناءُ وَعَن قَريبٍ / تُزَفُّ لَكِ البَشائِرُ مِن نَسيمِ
فَدارُ البَرلَمانِ أَعَزُّ دارٍ / تُشادُ لِطالِبِ المَجدِ العَميمِ
بِها يَتَجَمَّلُ العَرشُ المُفَدّى / وَتَحيا مِصرُ في عَيشٍ رَخيمِ
فَشَرِّفها بِرَبِّكَ وَاِختَتِمها / وَأَسعَدِها بِدُستورٍ تَميمِ
بِآيِ مُحَمَّدٍ وَبِآيِ عيسى / فَعَوِّذهُ وَآياتِ الكَليمِ
أَبا فاروقَ خُذ بِيَدِ الأَماني / وَحَقِّقها عَلى رَغمِ الخَصيمِ
أَفَقنا بَعدَ نَومٍ فَوقَ نَومٍ / عَلى نَومٍ كَأَصحابِ الرَقيمِ
وَأَصبَحنا بِيُمنِكَ في نُهوضٍ / يُكافِئُ نَهضَةَ النَبتِ الجَميمِ
فَحُطنا بِالرِعايَةِ كُلَّ يَومٍ / نَحُفُّكَ بِالوَلاءِ المُستَديمِ
أَراكَ وَأَنتَ نَبتُ اليَومِ تَمشي
أَراكَ وَأَنتَ نَبتُ اليَومِ تَمشي / بِشِعرِكَ فَوقَ هامِ الأَوَّلينا
وَأوتيتَ النُبُوَّةَ في المَعاني / وَما دانَيتَ حَدَّ الأَربَعينا
فَزِن تاجَ الرِئاسَةِ بَعدَ سامي / كَما زانَت فَرائِدُهُ الجَبينا
وَهَذا الصَولَجانُ فَكُن حَريصاً / عَلى مُلكِ القَريضِ وَكُن أَمينا
فَحَسبُكَ أَنَّ مُطرِيَكَ اِبنُ هاني / وَأَنَّكَ قَد غَدَوتَ لَهُ قَرينا
أَثَرتَ بِنا مِنَ الشَوقِ القَديمِ
أَثَرتَ بِنا مِنَ الشَوقِ القَديمِ / وَذِكرى ذَلِكَ العَيشِ الرَخيمِ
وَأَيّامٍ كَسَوناها جَمالاً / وَأَرقَصنا لَها فَلَكَ النَعيمِ
مَلَأناها بِنا حُسناً فَكانَت / بِجيدِ الدَهرِ كَالعِقدِ النَظيمِ
وَفِتيانٍ مَساميحٍ عَلَيهِم / جَلابيبٌ مِنَ الذَوقِ السَليمِ
لَهُم شِيَمٌ أَلَذُّ مِنَ الأَماني / وَأَطرَبُ مِن مُعاطاةِ النَديمِ
كَهَمِّكَ في الخَلاعَةِ وَالتَصابي / وَإِن كانوا عَلى خُلُقٍ عَظيمِ
دَعَوتُهُمُ إِلى أَنسٍ فَوافَوا / مُوافاةَ الكَريمِ إِلى الكَريمِ
وَجاؤوا كَالقَطا وَرَدَت نَميراً / عَلى ظَمَإٍ وَهَبّوا كَالنَسيمِ
وَكانَ اللَيلُ يَمرَحُ في شَبابِ / وَيَلهو بِالمَجَرَّةِ وَالنُجومِ
فَواصَلنا كُئوسَ الراحِ حَتّى / بَدَت لِلعَينِ أَنوارُ الصَريمِ
وَأَعمَلنا بِها رَأيَ اِبنِ هاني / فَأُلحِقنا بِأَصحابِ الرَقيمِ
وَظَبيٍ مِن بَني مِصرٍ غَريرٍ / شَهِيِّ اللَفظِ ذي خَدٍّ مَشيمِ
وَلَحظٍ بابِلِيٍّ ذي اِنكِسارِ / كَأَنَّ بِطَرفِهِ سيما اليَتيمِ
سَقانا في مُنادَمَةٍ حَديثاً / نَسينا عِندَهُ بِنتَ الكُرومِ
سَلامُ اللَهِ يا عَهدَ التَصابي / عَلَيكَ وَفِتيَةِ العَهدِ القَديمِ
أَحِنُّ لَهُم وَدونَهُمُ فَلاةٌ / كَأَنَّ فَسيحَها صَدرُ الحَليمِ
كَأَنَّ أَديمَها أَحشاءُ صَبٍّ / قَدِ اِلتَهَبَت مِنَ الوَجدِ الأَليمِ
كَأَنَّ سَرابَها إِذ لاحَ فيها / خِداعٌ لاحَ في وَجهِ اللَئيمِ
تَضِلُّ بِلَيلِها لِهبٌ فَتَحكي / بِوادي التيهِ أَقوامَ الكَليمِ
وَتَمشي السافِياتُ بِها حَيارى / إِذا نُقِلَ الهَجيرُ عَنِ الجَحيمِ
فَمَن لي أَن أَرى تِلكَ المَغاني / وَما فيها مِنَ الحُسنِ القَديمِ
فَما حَظُّ اِبنِ داوودٍ كَحَظّي / وَلا أوتيتُ مِن عِلمِ العَليمِ
وَلا أَنا مُطلَقٌ كَالفِكرِ أَسري / فَأَستَبِقُ الضَواحِكَ في الغُيومِ
وَلَكِنّي مُقَيَّدَةٌ رِحالي / بِقَيدِ العُدمِ في وادي الهُمومِ
نَزَحتُ عَنِ الدِيارِ أَرومُ رِزقي / وَأَضرِبُ في المَهامِهِ وَالتُخومِ
وَما غادَرتُ في السودانِ قَفراً / وَلَم أَصبُغ بِتُربَتِهِ أَديمي
وَها أَنا بَينَ أَنيابِ المَنايا / وَتَحتَ بَراثِنِ الخَطبِ الجَسيمِ
وَلَولا سَورَةٌ لِلمَجدِ عِندي / قَنِعتُ بِعيشَتي قَنَعَ الظَليمِ
أَيا اِبنَ الأَكرَمينَ أَباً وَجَدّاً / وَيا اِبنَ عُضادَةِ الدينِ القَويمِ
أَقامَ لِدينِنا أَهلوكَ رُكناً / لَهُ نَسَبٌ إِلى رُكنِ الحَطيمِ
فَما طافَ العُفاةُ بِهِ وَعادوا / بِغَيرِ العَسجَدِيَّةِ وَاللَطيمِ
أَتَيتُكَ وَالخُطوبُ تَزِفُّ رَحلي / وَلي حالٌ أَرَقُّ مِنَ السَديمِ
وَقَد أَصبَحتُ مِن سَعيي وَكَدحي / عَلى الأَرزاقِ كَالثَوبِ الرَديمِ
فَلا تُخلِق فُديتَ أَديمَ وَجهي / وَلا تَقطَع مُواصَلَةَ الحَميمِ
أَخي وَاللَهِ قَد مُلِئَ الوِطابُ
أَخي وَاللَهِ قَد مُلِئَ الوِطابُ / وَداخَلَني بِصُحبَتِكَ اِرتِيابُ
رَجَوتُكَ مَرَّةً وَعَتَبتُ أُخرى / فَلا أَجدى الرَجاءُ وَلا العِتابُ
نَبَذتَ مَوَدَّتي فَاِهنَأ بِبُعدي / فَآخِرُ عَهدِنا هَذا الكِتابُ
شَكَرتُ جَميلَ صُنعِكُمُ بِدَمعي
شَكَرتُ جَميلَ صُنعِكُمُ بِدَمعي / وَدَمعُ العَينِ مِقياسُ الشُعورِ
لِأَوَّلِ مَرَّةٍ قَد ذاقَ جَفني / عَلى ما ذاقَهُ دَمعَ السُرورِ
نَمى يا بابِلِيُّ إِلَيكَ شَوقي
نَمى يا بابِلِيُّ إِلَيكَ شَوقي / وَعَيني لازَمَت سَكبَ الدُموعِ
وَلَو أَنّي تَرَكتُ سَراحَ قَلبي / لَطارَ إِلَيكَ مِن قَفَصِ الضُلوعِ
أَحامِدُ كَيفَ تَنساني وَبَيني
أَحامِدُ كَيفَ تَنساني وَبَيني / وَبَينَكَ يا أَخي صِلَةُ الجِوارِ
سَأَشكو لِلوَزيرِ فَإِن تَوانى / شَكَوتُكَ بَعدَهُ لِلمُستَشارِ
أَيَشبَعُ مُصطَفى الخولي وَأُمسي / أُعالِجُ جَوعَتي في كِسرِ داري
وَبَيتي فارِغٌ لا شَيءَ فيهِ / سِوايَ وَإِنَّني في البَيتِ عاري
وَما لي جَزمَةٌ سَوداءُ حَتّى / أُوافِيَكُم عَلى قُربِ المَزارِ
وَعِندي مِن صِحابي الآنَ رَهطٌ / إِذا أَكَلوا فَآسادٌ ضَواري
فَإِن لَم تَبعَثَنَّ إِلَيَّ حالاً / بِمائِدَةٍ عَلى مَتنِ البُخارِ
تُغَطّيها مِنَ الحَلوى صُنوفٌ / وَمِن حَمَلٍ تَتَبَّلَ بِالبَهارِ
فَإِنّي شاعِرٌ يُخشى لِساني / وَسَوفَ أُريكَ عاقِبَةَ اِحتِقاري
أَعيدوا مَجدَنا دُنيا وَدينا
أَعيدوا مَجدَنا دُنيا وَدينا / وَذودوا عَن تُراثِ المُسلِمينا
فَمَن يَعنو لِغَيرِ اللَهِ فينا / وَنَحنُ بَنو الغُزاةِ الفاتِحينا
مَلَكنا الأَمرَ فَوقَ الأَرضِ دَهراً / وَخَلَّدنا عَلى الأَيّامِ ذِكرى
أَتى عُمَرٌ فَأَنسى عَدلَ كِسرى / كَذَلِكَ كانَ عَهدُ الراشِدينا
جَبَينا السُحبَ في عَهدِ الرَشيدِ / وَباتَ الناسُ في عَيشٍ رَغيدِ
وَطَوَّقَتِ العَوارِفُ كُلَّ جيدِ / وَكانَ شِعارُنا رِفقاً وَلينا
سَلوا بَغدادَ وَالإِسلامَ دينُ / أَكانَ لَها عَلى الدُنيا قَرينُ
رِجالٌ لِلحَوادِثِ لا تَلينُ / وَعِلمٌ أَيَّدَ الفَتحَ المُبينا
فَلَسنا مِنهُمُ وَالشَرقُ عانى / إِذا لَم نَكفِهِ عَنَتَ الزَمانِ
وَنَرفَعُهُ إِلى أَعلى مَكانٍ / كَما رَفَعوهُ أَو نَلقى المَنونا
بَناتِ الشِعرِ بِالنَفَحاتِ جودي
بَناتِ الشِعرِ بِالنَفَحاتِ جودي / فَهَذا يَومُ شاعِرِكِ المُجيدِ
أَطِلّي وَاِسفِري وَدَعيهِ يُحيي / بِما توحينَ أَيّامَ الرَشيدِ
إِذا ما جَلَّ قَدرُكِ عَن هُبوطٍ / مُريهِ إِلى سَمائِكِ بِالصُعودِ
وَأَولي ذَلِكَ الفاني بَياناً / يَتيهُ بِهِ عَلى أَهلِ الخُلودِ
وَحُلّي عُقدَةً مِن أَصغَرَيهِ / يَلِن لِهُتافِهِ قاسي الحَديدِ
فَما أَنا واقِفٌ بِرُسومِ دارٍ / أُسائِلُها وَلا كَلِفٌ بِرودِ
وَلا مُستَنزِلٌ هِبَةً بِمَدحٍ / وَلا مُستَنجِزٌ حُرَّ الوُعودِ
وَلَكِنّي وَقَفتُ أَنوحُ نَوحاً / عَلى قَومي وَأَهتِفُ بِالنَشيدِ
وَأَدفَعُ عَنهُمُ بِشَبا يَراعٍ / يَصولُ بِكُلِّ قافِيَةٍ شَرودِ
بَناتُ الشِعرِ إِن هِيَ أَسعَدَتني / شَكَوتُ مِنَ العَميدِ إِلى العَميدِ
وَلَم أَجحَد عَوارِفَهُ وَلَكِن / رَأَيتُ المَنَّ داعِيَةَ الجُحودِ
أَذيقونا الرَجاءَ فَقَد ظَمِئنا / بِعَهدِ المُصلِحينَ إِلى الوُرودِ
وَمُنّوا بِالوُجودِ فَقَد جَهِلنا / بِفَضلِ وُجودِكُم مَعنى الوُجودِ
إِذا اِعلَولى الصِياحُ فَلا تَلُمنا / فَإِنَّ الناسَ في جُهدٍ جَهيدِ
عَلى قَدرِ الأَذى وَالظُلمِ يَعلو / صِياحُ المُشفِقينَ مِنَ المَزيدِ
جِراحٌ في النُفوسِ نَغَرنَ نَغراً / وَكُنَّ قَدِ اِندَمَلنَ عَلى صَديدِ
إِذا ما هاجَهُنَّ أَسىً جَديدٌ / هَتَكنَ سَرائِرَ القَلبِ الجَليدِ
إِلى مَن نَشتَكي عَنَتَ اللَيالي / إِلى العَبّاسِ أَم عَبدِ الحَميدِ
وَدونَ حِماهُما قامَت رِجالٌ / تُرَوِّعُنا بِأَصنافِ الوَعيدِ
فَما جِئنا نُطاوِلُكُم بِجاهٍ / يُطولُكُمُ وَلا رُكنٍ شَديدِ
وَلا بِتنا نُعاجِزُكُم بِعِلمٍ / يَبينُ بِهِ الغَوِيُّ مِنَ الرَشيدِ
وَلَكِنّا نُطالِبُكُم بِحَقٍّ / أَضَرَّ بِأَهلِهِ نَقضُ العُهودِ
رَمانا صاحِبُ التَقريرِ ظُلماً / بِكُفرانِ العَوارِفِ وَالكُنودِ
وَأَقسَمَ لا يُجيبُ لَنا نِداءً / وَلَو جِئنا بِقُرآنٍ مَجيدِ
وَبَشَّرَ أَهلَ مِصرٍ بِاِحتِلالٍ / يَدومُ عَلَيهِمُ أَبَدَ الأَبيدِ
وَأَنبَتَ في النُفوسِ لَكُم جَفاءً / تَعَهَّدَهُ بِمُنهَلِّ الصُدودِ
فَأَثمَرَ وَحشَةً بَلَغَت مَداها / وَزَكّاها بِأَربَعَةٍ شُهودِ
قَتيلُ الشَمسِ أَورَثَنا حَياةً / وَأَيقَظَ هاجِعَ القَومِ الرُقودِ
فَلَيتَ كُرومَراً قَد دامَ فينا / يُطَوِّقُ بِالسَلاسِلِ كُلَّ جَيدِ
وَيُتحِفُ مِصرَ آناً بَعدَ آنٍ / بِمَجلودٍ وَمَقتولٍ شَهيدِ
لِنَنزِعَ هَذِهِ الأَكفانَ عَنّا / وَنُبعَثَ في العَوالِمِ مِن جَديدِ
رَمى دارَ المَعارِفِ بِالرَزايا / وَجاءَ بِكُلِّ جَبّارٍ عَنيدِ
يُدِلُّ بِحَولِهِ وَيَتيهُ تيهاً / وَيَعبَثُ بِالنُهى عَبَثَ الوَليدِ
فَبَدَّدَ شَملَها وَأَدالَ مِنها / وَصاحَ بِها سَبيلُكِ أَن تَبيدي
هَبوا دَنلوبَ أَرحَبَكُم جَناناً / وَأَقدَرَكُم عَلى نَزعِ الحُقودِ
وَأَعلى مِن غِلادَستونَ رَأياً / وَأَحكَمَ مِن فَلاسِفَةِ الهُنودِ
فَإِنّا لا نُطيقُ لَهُ جِواراً / وَقَد أَودى بِنا أَو كادَ يودي
مَلِلنا طولَ صُحبَتِهُ وَمَلَّت / سَوابِقُنا مِنَ المَشيِ الوَئيدِ
بِحَمدِ اللَهِ مُلكُكُمُ كَبيرٌ / وَأَنتُم أَهلُ مَرحَمَةٍ وَجودِ
خُذوهُ فَأَمتِعوا شَعباً سِوانا / بِهَذا الفَضلِ وَالعِلمِ المُفيدِ
إِذا اِستَوزَرتَ فَاِستَوزِر عَلَينا / فَتىً كَالفَضلِ أَو كَاِبنِ العَميدِ
وَلا تُثقِل مَطاهُ بِمُستَشارٍ / يَحيدُ بِهِ عَنِ القَصدِ الحَميدِ
وَفي الشورى بِنا داءٌ عَهيدٌ / قَدِ اِستَعصى عَلى الطِبِّ العَهيدِ
شُيوخٌ كُلَّما هَمَّت بِأَمرٍ / زَأَرتُم دونَهُ زَأرَ الأُسودِ
لِحىً بَيضاءُ يَومَ الرَأيِ هانَت / عَلى حُمرِ المَلابِسِ وَالخُدودِ
أَتَرضى أَن يُقالَ وَأَنتَ حُرٌّ / بِأَنَّكَ قَينُ هاتيكَ القُيودِ
وَهَل في دارِ نَدوَتِكُم أُناسٌ / بِهَذا المَوتِ أَو هَذا الجُمودِ
فَنَحِّ غَضاضَةَ التاميزِ عَنّا / كَفانا سائِغُ النيلِ السَعيدِ
أَرى أَحداثَكُم مَلَكوا عَلَينا / بِمِصرَ مَوارِدَ العَيشِ الرَغيدِ
وَقَد ضِقنا بِهِم وَأَبيكَ ذَرعاً / وَضاقَ بِحَملِهِم ذَرعُ البَريدِ
أَكُلُّ مُوَظَّفٍ مِنكُم قَديرٌ / عَلى التَشريعِ في ظِلِّ العَميدِ
فَضَع حَدّاً لَهُم وَاُنظُر إِلَينا / إِذا أَنصَفتَنا نَظَرَ الوَدودِ
وَخَبِّرهُم وَأَنتَ بنا خَبيرٌ / بِأَنَّ الذُلَّ شِنشِنَةُ العَبيدِ
وَأَنَّ نُفوسَ هَذا الخَلقِ تَأبى / لِغَيرِ إِلَهِهاً ذُلَّ السُجودِ
وَوَلِّ أُمورَنا الأَخيارَ مِنّا / نَثِب بِهِمُ إِلى الشَأوِ البَعيدِ
وَأَشرِكنا مَعَ الأَخيارِ مِنكُم / إِذا جَلَسوا لِإيقامِ الحُدودِ
وَأَسعِدنا بِجامِعَةٍ وَشَيِّد / لَنا مِن مَجدِ دَولَتِكَ المَشيدِ
وَإِن أَنعَمتَ بِالإِصلاحِ فَاِبدَأ / بِتِلكَ فَإِنَّها بَيتُ القَصيدِ
وَفَرِّج أَزمَةَ الأَموالِ عَنّا / بِما أوتيتَ مِن رَأيٍ سَديدِ
وَسَل عَنها اليَهودَ وَلا تَسَلنا / فَقَد ضاقَت بِها حِيَلُ اليَهودِ
إِذا ما ناحَ في أَسوانَ باكٍ / سَمِعتَ أَنينَ شاكٍ في رَشيدِ
جَميعُ الناسِ في البَلوى سَواءٌ / بِأَدنى الثَغرِ أَو أَعلى الصَعيدِ
تَدارَك أُمَّةً بِالشَرقِ أَمسَت / عَلى الأَيّامِ عاثِرَةَ الجُدودِ
وَأَيِّد مِصرَ وَالسودانَ وَاِغنَم / ثَناءَ القَومِ مِن بيضٍ وَسودِ
وَما أَدري وَقَد زَوَّدتُ شِعري / وَظَنّي فيكَ بِالأَمَلِ الوَطيدِ
أَجِئتَ تَحوطُنا وَتَرُدُّ عَنّا / وَتَرفَعُنا إِلى أَوجِ السُعودِ
أَمِ اللُردُ الَّذي أَنحى عَلَينا / أَتى في ثَوبِ مُعتَمَدٍ جَديدِ
لَقَد نَصَلَ الدُجى فَمَتى تَنامُ
لَقَد نَصَلَ الدُجى فَمَتى تَنامُ / أَهَمٌّ ذادَ نَومَكَ أَم هُيامُ
غَفا المَحزونُ وَالشاكي وَأَغفى / أَخو البَلوى وَنامَ المُستَهامُ
وَأَنتَ تُقَلِّبُ الكَفَّينِ آناً / وَآوِنَةً يُقَلِّبُكَ السَقامُ
تَحَدَّرَتِ المَدامِعُ مِنكَ حَتّى / تَعَلَّمَ مِن مَحاجِرِكَ الغَمامُ
وَضَجَّت مِن تَقَلُّبِكَ الحَشايا / وَأَشفَقَ مِن تَلَهُّفِكَ الظَلامُ
تَبيتُ تُساجِلُ الأَفلاكَ سُهداً / وَعَينُ الكَونِ رَنَّقَها المَنامُ
وَتَكتُمُنا حَديثَ هَواكَ حَتّى / أَذاعَ الصَمتُ ما أَخفى الكَلامُ
بِرَبِّكَ هَل رَجَعتَ إِلى رَسيسٍ / مِنَ الذِكرى وَهَل رَجَعَ الغَرامُ
وَقَد لَمَعَ المَشيبُ وَذاكَ سَيفٌ / عَلى فَودَيكَ عَلَّقَهُ الحِمامُ
أَيَجمُلُ بِالأَديبِ أَديبِ مِصرٍ / بُكاءُ الطِفلِ أَرهَقَهُ الفِطامُ
وَيَصرِفُهُ الهَوى عَن ذِكرِ مِصرٍ / وَمِصرٌ في يَدِ الباغي تُضامُ
عَدِمتُ يَراعَتي إِن كانَ ما بي / هَوىً بَينَ الضُلوعِ لَهُ ضِرامُ
وَما أَنا وَالغَرامَ وَشابَ رَأسي / وَغالَ شَبابِيَ الخَطبُ الجُسامُ
وَرَبّاني الَّذي رَبّى لَبيداً / فَعَلَّمَني الَّذي جَهِلَ الأَنامُ
لَعَمرُكَ ما أَرِقتُ لِغَيرِ مِصرٍ / وَما لي دونَها أَمَلٌ يُرامُ
ذَكَرتُ جَلالَها أَيّامَ كانَت / تَصولُ بِها الفَراعِنَةُ العِظامُ
وَأَيّامَ الرِجالُ بِها رِجالٌ / وَأَيّامَ الزَمانُ لَها غُلامُ
فَأَقلَقَ مَضجَعي ما باتَ فيها / وَباتَت مِصرُ فيهِ فَهَل أُلامُ
أَرى شَعباً بِمَدرَجَةِ العَوادي / تَمَخَّخَ عَظمَهُ داءٌ عُقامُ
إِذا ما مَرَّ بِالبَأساءِ عامٌ / أَطَلَّ عَلَيهِ بِالبَأساءِ عامُ
سَرى داءُ التَواكُلِ فيهِ حَتّى / تَخَطَّفَ رِزقَهُ ذاكَ الزِحامُ
قَدِ اِستَعصى عَلى الحُكَماءِ مِنّا / كَما اِستَعصى عَلى الطِبِّ الجُذامُ
هَلاكُ الفَردِ مَنشَؤُهُ تَوانٍ / وَمَوتُ الشَعبِ مَنشَؤُهُ اِنقِسامُ
وَإِنّا قَد وَنينا وَاِنقَسَمنا / فَلا سَعيٌ هُناكَ وَلا وِئامُ
فَساءَ مُقامُنا في أَرضِ مِصرٍ / وَطابَ لِغَيرِنا فيها المَقامُ
فَلا عَجَبٌ إِذا مُلِكَت عَلَينا / مَذاهِبُنا وَأَكثَرُنا نِيامُ
حُسَينُ حُسَينُ أَنتَ لَها فَنَبِّه / رِجالاً عَن طِلابِ الحَقِّ ناموا
وَكُن بِأَبيكَ لِاِبنِ أَخيكَ عَوناً / فَأَنتَ بِكَفِّهِ نِعمَ الحُسامُ
أَفِض في قاعَةِ الشورى وِئاماً / فَقَد أَودى بِنا وَبِها الخِصامُ
وَعَلِّمهُم مُصادَمَةَ العَوادي / فَمِثلُكَ لا يُرَوِّعُهُ الصِدامُ
فَفي حِزبِ اليَمينِ لَدَيكَ قَومٌ / وَإِن قَلّوا فَإِنَّهُمُ كِرامُ
وَفي حِزبِ الشِمالِ لَدَيكَ أُسدٌ / كُماةٌ لا يَطيبُ لَها اِنهِزامُ
فَكونوا لِلبِلادِ وَلا يَفُتكُم / مِنَ النُهُزاتِ وَالفُرَصِ اِغتِنامُ
فَما سادوا بِمُعجِزَةٍ عَلَينا / وَلَكِن في صُفوفِهِمُ اِنضِمامُ
فَلا تَثِقوا بِوَعدِ القَومِ يَوماً / فَإِنَّ سَحابَ ساسَتِهِم جَهامُ
وَخافوهُم إِذا لانوا فَإِنّي / أَرى السُوّاسَ لَيسَ لَهُم ذِمامُ
فَكَم ضَحِكَ العَميدُ عَلى لِحانا / وَغَرَّ سَراتَنا مِنهُ اِبتِسامُ
أَبا الفَلّاحِ إِنَّ الأَمرَ فَوضى / وَجَهلُ الشَعبِ وَالفَوضى لِزامُ
فَأَسعِدنا بِنَشرِ العِلمِ وَاِعلَم / بِأَنَّ النَقصَ يَعقُبُهُ التَمامُ
وَلَيسَ العِلمُ يُمسِكُنا وَحيداً / إِذا لَم يَنصُرِ العِلمَ اِعتِزامُ
وَإِن لَم يُدرِكِ الدُستورُ مِصراً / فَما لِحَياتِها أَبَداً قِوامُ
حَمَونا وِردَ ماءِ النيلِ عَذباً / وَقالوا إِنَّهُ مَوتٌ زُؤامُ
وَما المَوتُ الزُؤامُ إِذا عَقَلنا / سِوى الشَرِكاتِ حَلَّ لَها الحَرامُ
لَقَد سَعِدَت بِغَفلَتِنا فَراحَت / بِثَروَتِنا وَأَوَّلُها التِرامُ
فَيا وَيلَ القَناةِ إِذا اِحتَواها / بَنو التاميزِ وَاِنحَسَرَ اللِثامُ
لَقَد بَقِيَت مِنَ الدُنيا حُطاماً / بِأَيدينا وَقَد عَزَّ الحُطامُ
وَقَد كُنّا جَعَلناها زِماماً / فَوا لَهفي إِذا قُطِعَ الزِمامُ
فَيا قَصرَ الدُبارَةِ لَستُ أَدري / أَحَربٌ في جِرابِكَ أَم سَلامُ
أَجِبنا هَل يُرادُ بِنا وَراءٌ / فَنَقضي أَم يُرادُ بِنا أَمامُ
وَيا حِزبَ اليَمينِ إِلَيكَ عَنّا / لَقَد طاشَت نِبالُكَ وَالسِهامُ
وَيا حِزبَ الشِمالِ عَلَيكَ مِنّا / وَمِن أَبناءِ نَجدَتِكَ السَلامُ
أَلَم تَرَ في الطَريقِ إِلى كِيادِ
أَلَم تَرَ في الطَريقِ إِلى كِيادِ / تَصيدُ البَطَّ بُؤسَ العالَمينا
أَلَم تَلمَح دُموعَ الناسِ تَجري / مِنَ البَلوى أَلَم تَسمَع أَنينا
أَلَم تُخبِر بَني التاميزِ عَنّا / وَقَد بَعَثوكَ مَندوباً أَمينا
بِأَنّا قَد لَمَسنا الغَدرَ لَمساً / وَأَصبَحَ ظَنُّنا فيكُم يَقينا
كَشَفنا عَن نَواياكُم فَلَستُم / وَقَد بَرِحَ الخَفاءُ مُحايِدينا
سَنُجمِعُ أَمرَنا وَتَرَونَ مِنّا / لَدى الجُلّى كِراماً صابِرينا
وَنَأخُذُ حَقَّنا رَغمَ العَوادي / تُطيفُ بِنا وَرَغمَ القاسِطينا
ضَرَبتُم حَولَ قادَتِنا نِطاقاً / مِنَ النيرانِ يُعيي الدارِعينا
عَلى رَغمِ المُروءَةِ قَد ظَفِرتُم / وَلَكِن بِالأُسودِ مُصَفَّدينا
لَقَد طالَ الحِيادُ وَلَم تَكُفّوا
لَقَد طالَ الحِيادُ وَلَم تَكُفّوا / أَما أَرضاكُمُ ثَمَنُ الحِيادِ
أَخَذتُم كُلَّ ما تَبغونَ مِنّا / فَما هَذا التَحَكُّمُ في العِبادِ
بَلَونا شِدَّةً مِنكُم وَلينا / فَكانَ كِلاهُما ذَرَّ الرَمادِ
وَسالَمتُم وَعادَيتُم زَماناً / فَلَم يُغنِ المُسالِمُ وَالمُعادي
فَلَيسَ وَراءَكُم غَيرُ التَجَنّي / وَلَيسَ أَمامَنا غَيرُ الجِهادِ
سَكَتُّ فَأَصغَروا أَدَبي
سَكَتُّ فَأَصغَروا أَدَبي / وَقُلتُ فَأَكبَروا أَرَبي
وَما أَرجوهُ مِن بَلَدٍ / بِهِ ضاقَ الرَجاءُ وَبي
وَهَل في مِصرَ مَفخَرَةٌ / سِوى الأَلقابِ وَالرُتَبِ
وَذي إِرثٍ يُكاثِرُنا / بِمالٍ غَيرِ مُكتَسَبِ
وَفي الرومِيِّ مَوعِظَةٌ / لِشَعبٍ جَدَّ في اللَعِبِ
يُقَتِّلُنا بِلا قَوَدٍ / وَلا دِيَةٍ وَلا رَهَبِ
وَيَمشي نَحوَ رايَتِهِ / فَتَحميهِ مِنَ العَطَبِ
فَقُل لِلفاخِرينَ أَما / لِهَذا الفَخرِ مِن سَبَبِ
أَروني بَينَكُم رَجُلاً / رَكيناً واضِحَ الحَسَبِ
أَروني نِصفَ مُختَرِعٍ / أَروني رُبعَ مُحتَسِبِ
أَروني نادِياً حَفلاً / بِأَهلِ الفَضلِ وَالأَدَبِ
وَماذا في مَدارِسِكُم / مِنَ التَعليمِ وَالكُتُبِ
وَماذا في مَساجِدِكُم / مِنَ التِبيانِ وَالخُطَبِ
وَماذا في صَحائِفِكُم / سِوى التَمويهِ وَالكَذِبِ
حَصائِدُ أَلسُنٍ جَرَّت / إِلى الوَيلاتِ وَالحَرَبِ
فَهُبّوا مِن مَراقِدِكُم / فَإِنَّ الوَقتَ مِن ذَهَبِ
فَهَذي أُمَّةُ اليابا / نِ جازَت دارَةَ الشُهُبِ
فَهامَت بِالعُلا شَغَفاً / وَهِمنا بِاِبنَةِ العِنَبِ
سَليلَ الطينِ كَم نِلنا شَقاءً
سَليلَ الطينِ كَم نِلنا شَقاءً / وَكَم خَطَّت أَنامِلُنا ضَريحا
وَكَم أَزرَت بِنا الأَيّامُ حَتّى / فَدَت بِالكَبشِ إِسحاقَ الذَبيحا
وَباعَت يوسُفاً بَيعَ المَوالي / وَأَلقَت في يَدِ القَومِ المَسيحا
وَيا نوحاً جَنَيتَ عَلى البَرايا / وَلَم تَمنَحهُمُ الوُدَّ الصَحيحا
عَلامَ حَمَلتَهُم في الفُلكِ هَلّا / تَرَكتَهُم فَكُنتَ لَهُم مُريحا
أَصابَ رِفاقِيَ القِدحَ المُعَلّى / وَصادَفَ سَهمِيَ القِدحَ المَنيحا
فَلَو ساقَ القَضاءُ إِلَيَّ نَفعاً / لَقامَ أَخوهُ مُعتَرِضاً شَحيحا
رَمَيتُ بِها عَلى هَذا التَبابِ
رَمَيتُ بِها عَلى هَذا التَبابِ / وَما أَورَدتُها غَيرَ السَرابِ
وَما حَمَّلتُها إِلّا شَقاءً / تُقاضيني بِهِ يَومَ الحِسابِ
جَنَيتُ عَلَيكِ يا نَفسي وَقَبلي / عَلَيكِ جَنى أَبي فَدَعي عِتابي
فَلَولا أَنَّهُم وَأَدوا بَياني / بَلَغتُ بِكِ المُنى وَشَفَيتُ ما بي
سَعَيتُ وَكَم سَعى قَبلي أَديبٌ / فَآبَ بِخَيبَةٍ بَعدَ اِغتِرابِ
وَما أَعذَرتُ حَتّى كانَ نَعلي / دَماً وَوِسادَتي وَجهَ التُرابِ
وَحَتّى صَيَّرَتني الشَمسُ عَبداً / صَبيغاً بَعدَ ما دَبَغَت إِهابي
وَحَتّى قَلَّمَ الإِملاقُ ظُفري / وَحَتّى حَطَّمَ المِقدارُ نابي
مَتى أَنا بالِغٌ يا مِصرُ أَرضاً / أَشُمُّ بِتُربِها ريحَ المَلابِ
رَأَيتُ اِبنَ البُخارِ عَلى رُباها / يَمُرُّ كَأَنَّهُ شَرخُ الشَبابِ
كَأَنَّ بِجَوفِهِ أَحشاءَ صَبٍّ / يُؤَجِّجُ نارَها شَوقُ الإِيابِ
إِذا ما لاحَ ساءَلنا الدَياجي / أَبَرقُ الأَرضِ أَم بَرقُ السَحابِ
أُعَزّي القَومَ لَو سَمِعوا عَزائي
أُعَزّي القَومَ لَو سَمِعوا عَزائي / وَأُعلِنُ في مَليكَتِهِم رِثائي
وَأَدعو الإِنجِليزَ إِلى الرِضاءِ / بِحُكمِ اللَهِ جَبّارِ السَماءِ
فَكُلُّ العالَمينَ إِلى فَناءِ /
أَشَمسُ المُلكِ أَم شَمسُ النَهارِ / هَوَت أَم تِلكَ مالِكَةُ البِحارِ
فَطَرفُ الغَربِ بِالعَبَراتِ جاري / وَعَينُ اليَمِّ تَنظُرُ لِلبُخارِ
بِنَظرَةِ واجِدٍ قَلِقِ الرَجاءِ /
أَمالِكَةَ البِحارِ وَلا أُبالي / إِذا قالوا تَغالى في المَقالِ
فَمِثلُ عُلاكِ لَم أَرَ في المَعالي / وَلا تاجاً كَتاجِكِ في الجَلالِ
وَلا قَوماً كَقَومِكِ في الدَهاءِ /
مَلَأتِ الأَرضَ أَعلاماً وَجُندا / وَشِدتِ لِأُمَّةِ السَكسونِ مَجدا
وَكُنتِ لِفَألِها يُمناً وَسَعدا / تُرى في نورِ وَجهِكِ إِن تَبَدّى
سُعودَ البَدرِ في بُرجِ الهَناءِ /
وَكُنتِ إِذا عَمَدتِ لِأَخذِ ثارِ / أَسَلتِ البَرَّ بِالأُسدِ الضَواري
وَسَيَّرتِ المَدائِنَ في البِحارِ / وَأَمطَرتِ العَدُوَّ شُواظَ نارِ
وَذَرَّيتِ المَعاقِلَ في الهَواءِ /
أُعَزّي فيكِ تاجَكِ وَالسَريرا / أُعَزّي فيكِ ذا المَلِكَ الكَبيرا
أُعَزّي فيكِ ذا الأَسَدَ الهَصورا / عَلى العَلَمِ الَّذي مَلَكَ الدُهورا
وَظَلَّلَ تَحتَهُ أَهلَ الوَلاءِ /
أُعَزّي فيكِ أَبطالَ النِزالِ / وَمَن قاسوا الشَدائِدَ في القِتالِ
وَأَلقَوا بِالعَدُوِّ إِلى الوَبالِ / وَلَم يَمنَعهُمُ فَوقَ الجِبالِ
لَهيبُ الصَيفِ أَو قُرُّ الشِتاءِ /
أَيَدري المُسلِمونَ بِمَن أُصيبوا
أَيَدري المُسلِمونَ بِمَن أُصيبوا / وَقَد وارَوا سَليماً في التُرابِ
هَوى رُكنُ الحَديثِ فَأَيُّ قُطبٍ / لِطُلّابِ الحَقيقَةِ وَالصَوابِ
مُوَطَّأَ مالِكٍ عَزِّ البُخاري / وَدَع لِلَّهِ تَعزِيَةَ الكِتابِ
فَما في الناطِقينِ فَمٌ يُوَفّي / عَزاءَ الدينِ في هَذا المُصابِ
قَضى الشَيخُ المُحَدِّثُ وَهوَ يُملي / عَلى طُلّابِهِ فَصلَ الخِطابِ
وَلَم تَنقُص لَهُ التِسعونَ عَزماً / وَلا صَدَّتهُ عَن دَركِ الطِلابِ
وَما غالَت قَريحَتَهُ اللَيالي / وَلا خانَتهُ ذاكِرَةُ الشَبابِ
أَشَيخَ المُسلِمينَ نَأَيتَ عَنّا / عَظيمَ الأَجرِ مَوفورَ الثَوابِ
لَقَد سَبَقَت لَكَ الحُسنى فَطوبى / لِمَوقِفِ شَيخِنا يَومَ الحِسابِ
إِذا أَلقى السُؤالَ عَلَيكَ مُلقٍ / تَصَدّى عَنكَ بِرُّكِ لِلجَوابِ
وَنادى العَدلُ وَالإِحسانُ إِنّا / نُزَكّي ما يَقولُ وَلا نُحابي
قِفوا يا أَيُّها العُلَماءُ وَاِبكوا / وَرَوّوا لَحدَهُ قَبلَ الحِسابِ
فَهَذا يَومُنا وَلَنَحنُ أَولى / بِبَذلِ الدَمعِ مِن ذاتِ الخِضابِ
عَلَيكَ تَحِيَّةُ الإِسلامِ وَقفاً / وَأَهليهِ إِلى يَومِ المَآبِ
مَضَيتَ وَنَحنُ أَحوَجُ ما نَكونُ
مَضَيتَ وَنَحنُ أَحوَجُ ما نَكونُ / إِلَيكَ وَمِثلُ خَطبِكَ لا يَهونُ
بِرَغمِ النيلِ أَن عَدَتِ العَوادي / عَلَيكَ وَأَنتَ خادِمُهُ الأَمينُ
بِرَغمِ الثَغرِ أَن غُيِّبتَ عَنهُ / وَأَن نَزَلَت بِساحَتِكَ المَنونُ
أَجَلُّ مُناهُ لَو يَحويكَ مَيتاً / لِيَجبُرَ كَسرَهُ ذاكَ الدَفينُ
أَسالَ مِنَ الدُموعِ عَلَيكَ بَحراً / تَكادُ بِلُجِّهِ تَجري السَفينُ
وَقامَ النادِباتُ بِكُلِّ دارٍ / وَكَبَّرَ في مَآذِنِهِ الأَذينُ
أُصيبَ بِذي مَضاءٍ أَريَحِيٍّ / بِهِ عِندَ الشَدائِدِ يَستَعينُ
فَتى الفِتيانِ غالَتكَ المَنايا / وَغُصنُكَ لا تُطاوِلُهُ غُصونُ
صَحِبتُكَ حِقبَةً فَصَحِبتُ حُرّاً / أَبِيّاً لا يُهانُ وَلا يُهينُ
نَبيلَ الطَبعِ لا يَغتابُ خِلّاً / وَلا يُؤذي العَشيرَ وَلا يَمينُ
تَطَوَّعَ في الجِهادِ لِوَجهِ مِصرٍ / فَما حامَت حَوالَيهِ الظُنونُ
وَلَم يَثنِ الوَعيدُ لَهُ عِناناً / وَلَم تَحنَث لَهُ أَبَداً يَمينُ
وَلَم تَنزِل بِعِزَّتِهِ الدَنايا / وَلَم يَعلَق بِهِ ذُلٌّ وَهونُ
مَضى لِسَبيلِهِ لَم يَحنِ رَأساً / وَلَم يَبرَح سَريرَتَهُ اليَقينُ
تَرَكتَ أَليفَةً تَرجو مُعيناً / وَلَيسَ سِوى الدُموعِ لَها مُعينُ
تَنوحُ عَلى القَرينِ وَأَينَ مِنها / وَقَد غالَ الرَدى ذاكَ القَرينُ
سَمِعتُ أَنينَها وَاللَيلُ ساجٍ / فَمَزَّقَ مُهجَتي ذاكَ الأَنينُ
فَقَد عانَيتُ قِدماً ما يُعاني / عَلى عِلّاتِهِ القَلبُ الحَزينُ
مِنَ الخَفِراتِ قَد نَعِمَت بِزَوجٍ / سَما بِجَلالِهِ أَدَبٌ وَدينُ
أَقامَت في النَعيمِ وَلَم تُرَوَّع / فَكُلُّ حَياتِها رَغَدٌ وَلينُ
لَقَد نَسَجَ العَفافُ لَها رِداءً / وَزانَ رِداءَها الخِدرُ المَصونُ
دَهاها المَوتُ في الإِلفِ المُفَدّى / وَكَدَّرَ صَفوَها الدَهرُ الخَؤونُ
فَكادَ مُصابُها يَأتي عَلَيها / لِساعَتِها وَتَقتُلُها الشُجونُ
رَبيبَةُ نِعمَةٍ لَم تَبلُ حُزناً / وَلَم تَشرَق بِأَدمُعِها الجُفونُ
وَفَت لِأَليفِها حَيّاً وَمَيتاً / كَذاكَ كَريمَةُ اللَوزِي تَكونُ
سَتَكفيها العِنايَةُ كُلَّ شَرٍّ / وَيَحرُسُ خِدرَها الروحُ الأَمينُ