المجموع : 16
تَبارك حسن لَيلى إن لَيلى
تَبارك حسن لَيلى إن لَيلى / كعابٌ شعرها الذهب المذابُ
عيون تفتن الألبابَ سودٌ / ووجه منه يندفق الشباب
لَقَد أَرسلت عَن بعد كتاباً / إلى لَيلى فَما رجع الجواب
فَما أَدري أَليلى لَم ترد أَن / تجيب عليه أَم ضاع الكِتاب
وَلَم أَر مثل لَيلى في حَياتي / فَتاة لا يمل لها جناب
يريد الحسن من لَيلى سفوراً / فيدفن ذلك الحسن الحِجاب
تلاقينا فَطالَ لدى التَلاقي / عَلى طول النوى منا العتاب
أريد لَو اِستَتَبَّ لي الخُلودُ
أريد لَو اِستَتَبَّ لي الخُلودُ / وَلَكِن أين مني ما أريدُ
عَلى أَنَّ البقاء يطيل همي / وَما في ريثه ما أَستَفيد
وَلَيسَ بِنافِعي شَيئاً بَقائي / وَقَد غصت بأصحابي اللحود
وَلكن كَيفَ إقناعي لنفس / تعلُّقُها بدنياها شَديد
أأصبر عن أحبائي الألى قد / ثَوَوا إني إذاً رجل جليد
مشوا للموت من دار أقاموا / معي فيها فأقفرت العهود
تثير ديارهم حزناً بقلبي / وتوحشني التهائم والنجودُ
فان يكُ في الأسى رجل وحيد / فاني ذلك الرجل الوحيد
يسير إلى المقابر كلَّ يوم / أخٌ منها التراب به يزيد
ولو عاد الذي يمضي سلونا / ولكن من ترحَّل لا يعود
وما هي حالة الشهداء فيها / أَأَيقاظٌ هنالك أم رقود
لعمرك لا يردُّ الموت حصن / ولا هذي العساكر والجنود
يبيد نعم يبيد المرء لكن / عناصره تدوم ولا تبيد
يدور الشيء من صفة لأخرى / ولكن منه لا يفنى الوجود
وجسم المرء تبنيه خلايا / زمانُ حياتها فيه زهيد
إذا ما مات منها فيهِ قسم / يجيء مكانه قسم جديد
وينقطع التجدُّد حين يودي / فلا يخضرُّ بعد اليبس عود
ألا إن الحياة أعزّ شيء / نُحب وإنها الخصم اللَّدود
شقاءٌ عم هذا الناسَ حتى / تشكَّى الشيخ منه والوليد
وقالوا بعض من يحيا سعيد / فمن هو ذلك الحيُّ السعيد
أتعكس حالة الشرق الليالي / فتجتمع المعارف والجدود
أثار الجهل في بغدادَ ناساً / تجيش بهم على هضمي الحقود
وما ان لي إلى الجهال ذنب / فيغريهم بنفسي أن يكيدوا
سوى أني مخالفهم وأني / لكل خرافة منهم جَحود
عليَّ كلابهم هرّت فمن لي / بِمخصَرة بها عني أذود
بُليت بثلة ضجوا وعجُّوا / لأقوالي كأنهم القرود
بهائمُ رتّع لكن عليهم / كإنسان تشكلت الجلود
وأشرافٍ لهم بالرغم منهم / طريف المجد والمجد التليد
لعمرك لا يُنيل المجد مالٌ / ولا خيلٌ ولا إبلٌ ترود
ولا ثوبٌ على طرفيه وشيٌ / ولا قصر على تلّ مَشيد
دَعُوا باللَه دعوى المجد مَيناً / فما أورت لكم فيهِ زنود
فإن المجد في أدب غزير / وإن المجد في علم يفيد
وإن المجد ذبٌّ عن ضعيف / تَهضَّمهُ أخو الظلم العنيد
وكم هُضمت ببلدتكم نفوس / فطاب لكم عن النصر القعود
وإن يطلع عليكم قرن والٍ / يَخِرُّ بكم إلى الأرض السجود
وهل علم الذين توعدوني / بأَني لا يخوّفني الوعيد
وأني في مكاني ثابت لا / تزلزلني الصواعق والرعود
ولست بِمَن إذا جلبوا يبالي / بهم فلكل زوبعة ركود
أداري الحاسدين رجاء أن لا / يبالغ في مساءتيَ الحسود
يضرُّ النفس منه أو يَقيها / فتى يلج الحوادث أو يحيد
وأوقاتُ الفتى إما نحوس / تدور على المصائب أو سعود
ليالٍ هن بالأفراح بيض / وأيام من الأحزان سود
كذاك الشعر فهو يكون إما / رديئاً لا يطيب به النشيد
وإما رائق الألفاظ زاهٍ / فتحسب أنه العقد الفريد
وذاك هو الذي إن أنشدوه / تَزَيّنَ منه للآداب جيد
أقول الشعر منقاداً إليه / بطبعٍ لي وأكثره قصيد
فأنظِمه ولا أدري أَأَني / مسيء حين أنظم أم مجيد
إليك عَن المَجَرَّة لا تسلني / وَعن عدد العوالِم كَم يَزيد
وَلا عما وَراء السحب منها / فَذَلِكَ مطلب عنا بَعيد
حدود تَنتَهي الأفكار منا / وَما إِن تَنتَهي تلك الحدود
وَبين الفرقدين عَلى اتصال / تَراهُ عيوننا بُعدٌ مَديد
أَلكني يا ضياء إلى نجوم / بعيدات لها منها وقود
يَراها من له لب شموساً / ويعمه عَن حقائقها البَليد
وَجئْ منها بأَخبار إلينا / فإنك بَينَنا نعم البَريد
سَترقى النفس طائرة إليها / إذا اِنفكت عَن النفس القيود
لقد تعست هنا فإذا تعالت / يكون نصيبَها عيش رغيد
لعمرك قد تَشابهت اللَيالي / فَما في عودها شيء جَديد
نهار بعده يأتي نهار / وَليل كُلما ولى يَعود
ترى عيني بكفِّ الموت قوساً / بها سهم إلى جهتي سديد
فيا موت ارمني إن كنت ترمي / فإني بالردى صبٌّ عميد
وَلَم أَرَ منهلاً كالمَوت عذباً / عَلى طرفيه تزدَحِم الورود
أقول لمن يهاب الموت جبناً / برغمك كائن ما لا تريد
ولكني أخلِّف عند موتي / نساءً حزنها بعدي شديد
فتلدم للجوى منها صدور / وتخمش للأسى منها خدود
مرزَّأَة وأخرى ذات نوح / وأخرى ما لأعينها جمود
تَقلبُ بانتظام في الهَواءِ
تَقلبُ بانتظام في الهَواءِ / حمائمُ هن بهجةُ كل رائي
ملونة وَلَيسَ هناك صبغ / بألوان حوت كل البهاء
حَمائم كلها رمن اِقتراباً / من الأرض ارتفعن إِلى السماء
وَعدن صواعداً متقلبات / وَلَيسَ صعودهن بلا عناء
هجرن وُكُونَهن بها اضطراراً / فطرن من الصباح إلى السماء
إذا رمن الوقوع عَلى بيوت / ربين بها اِنقلبن إلى الوَراء
بِتَصفيق يلذُّ لسامعيه / وَتَصعيد ورقص في الهَواء
دفنَّا الحزمَ وَالخلقا
دفنَّا الحزمَ وَالخلقا / دفنا الصبحَ وَالفلقا
دفنا من إذا ما قا / ل يُبدي رأَيه صدقا
دفنا من لعادات / لنا موروثة خرقا
دفنا كوكباً في لَي / لنا قَد كانَ مؤتلقا
دفنا سيداً حراً / بغير الحق ما نطقا
مراداً ذلك الشهم ال / لذي لَم يعرف الفرقا
عَلى تَبجيله قد كا / ن كل الناس متفقا
أشاهد حمرة في الأف / قِ تطلي بالدم الأفقا
لعل الشمس قَد غابَت / فأبقت خلفَها شفقا
رأَيت البحر مضطرباً / رأَيت الفلك منخرقا
وَكانَ اللَيل فوق البح / ر جهماً ينشر الغسقا
وَراكبه كَثير اللَهْ / وِ لا يخشى به الغَرَقا
فؤادي حين فاجأه / نعيّ مراده خفقا
أَضاعَت دوحة العرفا / ن منها الزهر وَالوَرقا
سقاك الغَيث من تهطا / لِهِ يا قبره غدقا
سَكَتنا حين ذمونا وَعابوا
سَكَتنا حين ذمونا وَعابوا / وإن سكوتنا عنهم جوابُ
وَهَل ضَرر عَلى قمر تسامى / إذا نبحت عَلى القمر الكلاب
أَرى عند الَّذي يأَتي اِنتقاداً / إذا كثر الحجى قلّ السباب
أَرى ناساً لهم دون البَرايا / وجوه حين تَلقاها صلاب
إذا ما الصدق أَعوزهم لقدح / فإن سلاحهم فيه الكذاب
سطا نفر عَلى آداب قوم / كذاك تعيث في اللَيل الذئاب
كَثير من يعاديني فيؤذي / وأَكثر من يعاديني الصحاب
وأَما الشاتِمون لغير شيء / فَلي من أَمرهم عجبٌ عجاب
لَقَد ساءَلت لَو أَجدى سؤالي / وَقَد عاتبت لَو نفع العتاب
وَما ذَنبي إليهم غير أني / إذا خاطبتهم صدق الخطاب
وَلست بمن يداجي مستبداً / تذل له من الناس الرقاب
وَكَم من فارغ يَطفو لنفخ / بمارنه كَما يَطفو الحباب
إذا ما ضاقَ بي يوماً مَكان / فإن مسالكي عنه رحاب
وَهَل يَحلو مَقامي في بلاد / تساوى الرأس فيها وَالذناب
وَلَيسَ تعوقني عَن أَرض مصر / إذا يممتها الطرق الصعاب
وإني إن ذهبت أُريد مصراً / فَلَيسَ يضر بغداد الذهاب
سَأَرحَل جاعلاً بغداد خَلفي / فَما عَيشي بها إلا عَذاب
وَما زالَت من الأعداء فيها / موجهة إلى صَدري الحراب
مناي هيَ الَّتي قد خادَعَتني / فَقَد لمعت كَما لمع السراب
وَلا أَرجو السَعادة بعد شيبي / فقد ذهبت كَما ذهب الشباب
وإن قَضَت السياسة لي سقوطاً / فَكَم ينقض في ليل شهاب
ذببت عَن العراق وَعن بنيه / وَلَم يكُ لي سوى الإصلاح داب
وَعلمتُ الشباب فكان منهم / جزائي أَن يحقِّرني الشَباب
وَرب صَنيعة نفعت أُناساً / فكانَ لغير فاعلها الثواب
أَقول لمن يداهنني وجاهاً / وَيثلبني إذا كانَ الغياب
بنيت القول حين أَفضَت فيه / عَلى جهل فأَخطأك الصواب
حذار من العباب فلا تخضه / مخافة أَن يطوحك العباب
لعمر أَبيك ما الوطن المفدى / بيوت للمقام وَلا تراب
بل الوطن العَزيز مثار ذكرى / لأجداد ثووا فيه وَغابوا
وَفي شَيخوخَتي سأَسير منه / وإن الشيخ ليسَ له مآب
رأَيت السيف قد ملك الشعوبا
رأَيت السيف قد ملك الشعوبا / ولم أَر أَنَّه ملك القلوبا
رأَيت له محاسن فائقات / كما أني رأَيت له عيوبا
رأَيت الحقد بعد السيف يبقى / بمكمنه فينتظر الوثوبا
متى ما مسَّ حرَّ الوجه سيفٌ / رأَيت مكانه منه خضيبا
وإن له جروحاً مبقيات / إذا التأمت بصاحبها ندوبا
إذا ما السيف سل بغير حق / فأحرِ به هنالك أَن يخيبا
وكل حكومة بالسيف تقضي / فإن أَمامها يوماً عَصيبا
وليس يدوم للأعلين عز / وإن لكل طالعة غروبا
إذا رجع الخصوم إلى التقاضي / فإن السيف أَكبرهم ذنوبا
أراد الناس أن يرقوا فحازوا
أراد الناس أن يرقوا فحازوا / عَلى مهل رقيهم المجيدا
وَلَو أنا أردنا لارتَقينا / ولكن ما اِستطعنا أن نريدا
حنانك لا تؤاخذنا
حنانك لا تؤاخذنا / على نسياننا الأمرا
ولا تحمل علينا إن / زللنا ربنا إصرا
أُعَظِّم شأَن أبيات أتتني
أُعَظِّم شأَن أبيات أتتني / وأهداها إليّ أخ حميمُ
بهنَّ له عَليَّ عظيم فضل / يقصِّر دونه شكري العظيم
فحمداً أيها المفضال حمداً / لفضل أنت مبديهِ الكريم
زهت أبيات شعرك حين وافت / كما تزهو لناظرها النجوم
لقد طوّقت جيد الشكر مني / بها فكأنها العقد النظيم
ببيتك وهو أعظم كل بيت / يباهي المجد والحسب الصميم
يسوّر أرضه شرف حديث / يحيط بسوره شرف قديم
كأنَّ مكارم الأخلاق طير / على علياءِ ذروتهِ تحوم
محمد ايها الغطريف عندي / لك الوُدّ الذي أبداً يدوم
وسل إن شئت تعلم ما بقلبي / فؤادك عنه فهو به عليم
فبين مكاني القلبين منا / صراطٌ للمودّة مستقيم
إليك تتوق أيتها السماءُ
إليك تتوق أيتها السماءُ / نفوسٌ قد أضرَّ بها الشقاء
ومضَّتها على الأرض الرزايا / وأسأمها بمحبسها الثواءُ
أَحِقِّي يا سماء مُنى نفوس / إليك لها إليك لها التجاء
ترجِّي فيك بعد الموت عيشاً / فوا أسفاه إن خاب الرجاءُ
عِدينا ثم إن شئت امطلينا / فإنا بالوعود لنا اكتفاءُ
وإنا نحن قوم قد أُهنَّا / وإنا نحن قوم أبرياءُ
وإنا قد عشقنا الموت لما / سمعنا ذكره فمتى اللقاء
إذا أمست حياة المرء داءً / فليس سوى الحمام لها دواءُ
يشاء المرء أن يحيا سليماً / ولكنَّ الحوادث لا تشاءُ
وما حب المعيشة في ديارٍ / لأحرار النفوس بها جفاءُ
فلا سقيا ولا رعيا لأرضٍ / تُراق على جوانبها الدماءُ
وما سلمت عليها قبل هذا / من الأرزاء حتى الأنبياء
أنفسي إن جزعت من المنايا / فإني منكِ يا نفسي براءُ
عبدتِ الأدنياءَ رجاءَ دنيا / حوتها بالخداع الأدنياءُ
وأُوردت الهوان فلم تُعافى / فأين تحدثي أين الإباءُ
أَبيني يا سماء وخبرينا / بما لم ندر دام لكِ العلاءُ
ولا زالت على مرِّ الليالي / نجومك يستضئ بها الفضاءُ
هل الأرواح بعد الموت منا / لها في جوِّك السامي بقاءُ
أم الأرواح تابعة جسوماً / لنا تبلى فيلحقها الفناءُ
فضاؤُك هل يصير إلى انتهاءٍ / أم الأبعاد ليس لها انتهاءُ
وحقٌّ أن للإجرام حداً / أم الحدُّ الذي يعزى افتراءُ
وبعد نهاية الأجرام قولي / خلاءٌ في الطبيعة أم ملاءُ
يحيرني امتدادك في الأعالي / ويبهجني بزرقتك الصفاءُ
أُحبُّ ضياء أنجمك الزواهي / فأحسنُ ما بأنجمك الضياءُ
نجومك في دوائر سابحاتٍ / يحف بها المهابة والبهاءُ
تَراءى في تحركها بطاءً / وما هي في تحركها بطاءُ
ولا هي في الجسامة لو علمنا / ولا في بعدها عنا سواءُ
أبيني يا سماء وخيِّريني / وإلّا دام في قلبي امتراءُ
أيبقى المكثرون من الخطايا / إذا ماتوا وليس لهم جزاءُ
لعمركِ لا تريد النفس هذا / فما الجاني وذو التقوى بواءُ
رأَيت البعض يخشع للمنايا / فيذكرها ويغلبه البكاءُ
مخافة أن يُلمَّ الموت يوما / ببنيته فينهدم البناءُ
ويضرب عن وراء الموت صفحاً / كأن الموت ليس له وراءُ
فإن تسأل يقل ما الموت إلا / نهاية كل من لهم ابتداءُ
أضاءَتك الحياة وكنتَ قبلا / بليلٍ حشو ظلمته العماءُ
وجودُك بعد ذاك الليل صبح / وهذا الصبح يعقبه المساءُ
رقيت من الجماد فصرت حياً / تميِّره الدراية والذكاءُ
أقول كذا ولم أزدد يقيتا / يما في الأمر لو كشف الغطاءُ
فقلت له وبعض القول حقٌّ / صريح لا يجوز به المراءُ
أليس يركِّب الأحياء طرا / عناصرُ أوضحتها الكيمياءُ
فقال بلى فقلت له أليس ال / عناصر لا تحسُّ ولا تشاءُ
فقال بلى فقلت إذن فماذا / جرى حتى استتب لها النماءُ
وصارت بعد في الإنسان جسماً / يفكِّر عاقلا وله دهاءُ
فقال السر في التركيب أن ال / مركَّب قد يقوم به ارتقاءُ
إذا اتحدت عناصر في بناءٍ / تغيَّر وصفه ذاك البناءُ
وجدَّ له خصائص ذات شأنٍ / عناصر جسمه منها خلاءُ
وإن حياتنا والموت فاعلم / أجيجٌ في العناصر وانطفاءُ
ولكن التعصب في أناسٍ / أضلَّهم الهوى داء عياءُ
وإفهام الجهول الحق مرّاً / عناءٌ ليس يشبهه عناءُ
وفي الأصل الجواهر لو علمنا / قوى منها الأثير له امتلاءُ
تلاقى بينها فتكون منها / جواهر في النفار لها ولاءُ
صغيرات الحجوم محقراتٌ / ومنها الكائنات لها ابتناءُ
تَضمّن قوتي جذب ودفع / كما يبديه هذا الكهرباءُ
وإن الشمس والاجرام طرّاً / من الحركات ولَّدَها السماءُ
لكل مقولة منها إليها / على الدور ابتداءٌ وانتهاءُ
فإن برزت فذاك لها وجود / وإن خفيت فذاك لها فناءُ
سماؤك هذه تحوي نجوماً / لأكثرها عن البصر اختفاءُ
فتحسب ما يريك الليل منها / شموعاً في الصباح لها انطفاءُ
وما هي لو تعي إلا شموساً / بها ليدَى منوِّرها اعتناءُ
شموس قد أضاء الجوُّ منها / وزال بها عن الكون العماءُ
يصغرها بعينك حين ترنو / لها بعدٌ هنالك واعتلاءُ
أهمَّ بأن أعدّ الأرض منها / كواحدة فيمتعني الحياءُ
فإن الأرض تابعة لشمسٍ / إلى أمّ النجوم لها انتماءُ
فتيهي يا نعماء فليس شيء / تكون فيك عنك له غناء
فأنت لكل موجودٍ وجودٌ / وأنت لكل موجودٍ وعاء
وهذا الجو أنت له امتدادٌ / وهذي الأرض أنت لها غطاء
وإن وجود ما في الكون طراً / عليك إذا تأملنا ثناء
يليق يليق ما استعليت كبراً / بشأنك يا سماء الكبرياء
فقبل القبل كنت كذا سماءً / ولا شمسٌ هناك ولا ضياء
ستفنى الكائنات وليس إلا / لوجه اللَه ثم لك البقاء
فقلت له رعاك اللَه هذا / على ما جاء في العلم اعتداء
فإن حقائق الأشياء سرُّ / خفي ما لغامضه انجلاء
وأبدت قبلنا الحكماء فيها / أقاويلاً فما برح الخفاء
متى تحضر تطب يا عذل بالا
متى تحضر تطب يا عذل بالا / وأما أن تغب عنا فلا لا
وكم واعدتنا يا عدل وصلاً / وجوناه فلم تنل الوصالا
وطالبناك بالإبحار لما / مطلت فلم تزد إلا مطالا
إلى الناس التفت يا عدل يوماً / فإن عليك للناس اتكالا
زوالك بما لا تهنأ محضروه / يكون لعز مملكة زوالا
وإن السعد حيث ظلعت يبدو / وإن الأمن حيث تميل مالا
وإنك كالصبح إذا تجلى / وأسفر عن عمود قد تلالا
وإنك قد أضأت الناس قدماً / وإنك كنت حينئذٍ هلالا
فكيف وأنت هذا العصر بدرٌ / بلغت تمام ضوئك والكمالا
تُوارى نورك المحبوبَ عنا / وتحجُب عن محبيك الجمالا
أقم للحق ديواناً عظيماً / ورخّص كي نُلمَّ به عجالى
فنقرأ في ظُلامتنا كتاباً / ونشكو في حضورٍ منك حالا
وقفت وأعيني مغرورقاتٌ / على ربعٍ لمية قد أحالا
على ريعٍ لميةَ زايلتهُ / ولم يك عَرف مية عنه زالا
أسائله فلم يُرجع جوابي / كأن الربع ما فهم السؤالا
وقفت محاذياً طللاً حكاني / بهِ وحكيت دارسه هُزالا
كاني إذ أسائله خيالٌ / يخاطب في مُعَطّلة خيالا
ذكرت به زماناً فيه ميّ / تلاعبني وتوليني الوصالا
وصالاً قد نعمت به كأني / شربت به على ظمأٍ زلالا
إلا يا ميّ حبك في فؤادي / كمثل النار يشتعل اشتعالا
أبيني كيف ليلك قر تقضى / فبعدَك ليلنا يا ميُّ طالا
أَميَّةُ نوّلينا منك قرباً / أمية ثم لا تَذَرى النوالا
ولم نك إذ منعت الوصل ندرى / ابخلاً كان ذلك أم دلالا
اذنبٌ يا رعاكِ اللَه أنا / عشقنا منك يا ميُّ الجمالا
أدر في الربع عيناً منك وانظر / إلى حال إليها الربع حالا
تولى فيه عنك العيش حلواً / فخلَّ العين تنهمل انهمالا
وما الربع الذي أخبرت عنهُ / سوى الوطن الذي ركناه مالا
وليس سوى العدالة ما هوينا / وميٌّ قد ذكرناها مثالا
إذا أمست حياة المرء عبثاً / عليه لا يطيق لها احتمالا
ولازَمهُ من الآلام داءٌ / وأصبح داؤُه داءً عضالا
وقد فرحت أعاديه شِماتاً / وفارقه أحبتهُ مَلالا
فليس سوى الحِمام له طبيبٌ / يداوي منه آلاماً توالى
فإن الموت يرحمه وينفي / خطوباً قد نزلن به ثقالا
وإن الموت ملتجأ كريمٌ / لمن ألقى بساحته الرحالا
فزرنا عاجلاً يا موت زرنا / فإن لنا بزورتك احتفالا
ويا نفس ارحلي عنا ففينا / بقاؤك لم يكن إلا ضلالا
ودوسي في طريقك كل صعبٍ / بعزمٍ تنطحين به الجبالا
فإنك إن برحت الجسم منا / سموت إلى ذرى جوّ تعالى
نَفِرُّ من الحياة إلى المنايا / لأن حياتنا أمست وَبالا
نريد من الكروب بها خلاصاً / وعن دار الهوان بها ارتحالا
وإنّ لنا إذا متنا حياةً / ننالُ إلى السماء بها انتقالا
ستخرج عن مضيق الجسم روحي / وتلقى في الفضاء لها مجالا
بقاء الروح بعد الجسم أمرٌ / بهِ اختلفوا ومن يدري المآلا
فقال البعض إن الروح تبقى / إذا انفصلت عن الجسم انفصالا
وقال البعض إن النفس تفنى / إذا لاقت قوى الجسم انحلالا
فظن بقاءَها حتما أناسٌ / وعدَّ بقاءها قومٌ مُحالا
وقد قلنا بهِ ونفاه بعض / وإن لنا مع النافي جدالا
ألا يا دمع إنك تَرجماني
ألا يا دمع إنك تَرجماني / فبيِّن للأحبة ما أُعاني
إليهم في فؤادي بعضُ شكوى / لسانك فيهِ أفصح من لساني
تحبهم ثم ارزم ثم سالا
تحبهم ثم ارزم ثم سالا / فعب اتيه يطأ التلالا
كأن الجو عفريت مخوف / تزمجر ثم كشر ثم صالا
كأن البرق في يده حسام / يشق به من السحب الجبالا
كأن الغيث غدران تهاوى / كأن الزمن يشتعل اشتعالا
كأن الليل شيطان رجيم / رأى ليزيد شرته مجالا
كأن الريح جبار عنيد / يريد ليقلع الا كم الثقالا
كأن البرد جني تنزى / هنالك او هنا يلقى نبالا
وزمجرت الطبيعة فهي غول / يريد بمن ترباهم نكالا
أتلقى الارض ساعتها ويلقى / عليها كل ذي روح زوالا
وكان الحرب بين الجو يرغي / ووجه الارض صاخبة سجالا
فقدت بليلة ادجت كهذي / جميع مشاعري الا خيالا
وان خيال ليلى لي سراج / سيهديني اذا خفت الضلالا
قضت ليلى وقد مرضت ثلاثا
قضت ليلى وقد مرضت ثلاثا / يعذب روحها الداء الدفين
وكانت في الفراش تئن ليلى / فجاء الموت وانقطع الانين
اتت في صورة الاطياف ليلى
اتت في صورة الاطياف ليلى / بليل فيه قد هاجت شجوني
جعلت لنومها صدري فراشاً / فعافته ونامت في عيوني
تقدم أهله الطاوين يمشي
تقدم أهله الطاوين يمشي / إلى ذي نعمة أثرى وجمع
وغمغم قائلا إنا جياع / فقال يرده جوعوا لنشبع