القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 61
وميضُ البرق هيَّج منك وجدا
وميضُ البرق هيَّج منك وجدا / فكدت تظنُّه من ثغرِ سعدى
ألمَّ بنا بجنحِ الليل وهناً / كما جرّدت من سيف فرندا
توقَّد في حشا الظلماء حتَّى / وجَدنَا منه في الأحشاء وقدا
وجدَّ بنا الهوى من بعد هزلٍ / وكم هزل الهوى يوماً فجدَّا
خليليَّ اذكرا في الجزع عَهدي / فإنِّي ذاكر بالجزعِ عهدا
وأيَّاماً عهِدتُ بها التصابي / وكانَ العيش بالأحباب رغدا
زمان كم هصرتُ به قدوداً / لباناتِ النقا وقطفت وردا
ولذَّات لأيامٍ قصار / قَضَت أيَّامها أن لا تردا
بعيشك إن مررت بدارِ ميٍّ / وهاتيكَ الطلول فلا تعدَّى
لنقضي يا هُذَيْمُ بها حقوقاً / عَلينا واجباتٍ أن تؤدَّى
أتذكرُ يوم أقبلنا عليها / على إبلٍ تقدُّ السَّيرَ قدَّا
وعُجنا العيس عن نجدٍ حثيثاً / وخلَّفنا وراء العيس نجدا
فروَّينا منازلَ دارساتٍ / بها صرف النوى أزرى وأودى
بواعث لوعةٍ ودموع عينٍ / أمدَّ العينَ منها ما أمدَّا
لئنْ خُلِقَتْ منازلنا فإنِّي / رأيت الوجدَ فيها مستجدَّا
ملكتُ وقوف جانحةٍ إليها / ولم أملِكْ لهذا الدمع ردَّا
وكانتْ للغرامِ ديارُ ميٍّ / مراحاً كلّ آونةٍ ومغدى
بودّكما رفيقيَّ ارفقا بي / إذا راعَيتُما للصبِّ ودَّا
أعيناني على كلفي لعلِّي / أرى من هذه الزفرات بُدا
ولي كبدٌ إلى الأحبابِ حرَّى / فهل تلقى لها يا سعدُ بَردا
أحبَّتَنا وإنِّي قبلَ هذا / شريت هواكمُ بالرُّوح نقدا
أزيدكُمُ دنوًّا واقتراباً / وقد زدْتُمْ مصارمةً وبعدا
عِديني يا أُميمَة بالتداني / وإنْ لم تنجزي يا ميُّ وعدا
أرى سيفي فأذكر منك لحظاً / وخطَّاري فأذكر منك قدَّا
أمنك الطَّيف واصلني وولَّى / فما بلّ الصَّدا مني وصدَّا
ولو أهديته أخرى لعيني / لأنعمني بل أسدى وأهدى
تهدّى من زرودَ إلى جفوني / وما أدري إذاً أنَّى تهدَّى
ولو أدَّى إليك حديث وجدي / عرفت إليك منِّي ما يؤدَّى
جفتني الغانيات فلا سبيلٌ / إلى سلمى ولا إسعاف سعدى
وخاصمتُ الزمانَ فخاصمتني / حوادثُ لم تزلْ خصماً ألدَّا
فإنْ أظهرتُ للأيَّامِ منِّي / رضًى عنها فقد أضمرت حقدا
سأترك للنياق بكلِّ أرضٍ / ذميلاً من توقُّصِها ووخدا
كما لابن الجميل أبي جميل / نياق مطالب الرَّاجين تحدى
فتبلغ مقصداً وتنال عزًّا / كريم لو يفتني منه قصدا
فكم يولي الجميل أبو جميلٍ / ونوليه به شكراً وحمدا
ويوشك إنْ سقَتْ يده جماداً / بجدوى أنبتتْ شيحاً ورندا
إذا يمَّمته يَمَّمتُ يمناً / وإنْ طالعته طالعتُ سعدا
لقد نالَ العلاءَ ومدَّ باعاً / إلى ما لا ينال وجازَ حدَّا
هو الجبل الأشمّ من الرَّواسي / تخرُّ له الجبال الشمُّ هدَّا
أدامَ اللهُ في الزوراءِ ظِلاًّ / له منه علينا قد أمدَّا
وآمنَ أهلَها كَيدَ الرزايا / وإن لسائرِ الأرزاء كيدا
فوقرها وقد مارت وقور / إذا حرَّكته حرَّكت طودا
وأيّة أزمةٍ لم يُدعَ فيها / ولم يمدد لها باعاً أشدَّا
ومكرمة وإحسان وفضل / وما فيها سعى ولها تصدَّى
جميل ابنِ الجميل لكلِّ حرٍّ / يؤمل منه إحساناً ورفدا
فقلْ للوفدِ غايته إليه / أَوَفْدَ الأكرمين نعمت وفدا
بجودٍ منه يترك كلَّ حرٍّ / له في ذلك الإحسان عبدا
وفيض يدٍ يكاد البحر منها / على طولِ المدى أن يستمدَّا
مرير السخط نشهد أن ما في / يثيب عفاته ضرباً وشهدا
أبيٌّ لا يضام وَرُبَّ ضيمٍ / سعى لينال جانبه فأكدى
شجاعٌ ما انتضى الصمصام إلاَّ / وصيَّر مفرقَ الأعداء غمدا
قوام الدِّين والدُّنيا جميعاً / وسيف الله والركنَ الأشدَّا
مناقبك التي مثل الدراري / نظمت بها لجِيدِ الدهر عقدا
وجودكَ للوجودِ به حياة / ولولا أنتَ مهجته تردَّى
وبعض الجود منقصةٌ وذمٌّ / وجودكَ لم يزلْ عزًّا ومجدا
بروحي منك أبيضُ مشرفيٌّ / وأمضى من شفير السيف حدَّا
يضيءُ ضياءَ منصلتٍ صقيلٍ / تجرَّد من قرابٍ أو تَبَدا
وإنِّي قد عَرَفتُ الناس طرًّا / ولم أعرف له في الناسِ نِدَّا
فَضَلْتَ العالمين بكلِّ فضلٍ / فلا عجب إذا أصبحتَ فردا
وَفَدَّتْكَ الأماجد والأعالي / ومثلك في الأماجد من يُفدَّى
وما في الماجدين أجلُّ قدراً / ولا أورى وأثقب منكَ زندا
ولا أوفى وأطولُ منك باعاً / ولا أعلنُ إلى العلياءِ جدَّا
فَدُمْ واسلمْ كما نهوى وتهوى / تَسرُّ مُوالياً وتغيظُ ضدَّا
فإنَّكَ إنْ سَلِمْتَ مَعَ المعالي / فلا نخشى لكلِّ الناس فقدا
إذا نَبَتِ الدِّيارُ بحرِّ قومٍ
إذا نَبَتِ الدِّيارُ بحرِّ قومٍ / فليسَ على المُفارقِ من جناحِ
ومنذُ وجَدتُ من همِّي رسيساً / إلى روحي وأعوزني ارتياحي
وما صَعَّرْتُ للأيام خدِّي / ولم أخفِضْ لنائبةٍ جناحي
وضاقَ بيَ الخناق فلمتُ نفسي / وإن لم يلحُني باللَّوم لاحي
وقد أصبحتُ في زمنٍ ممارٍ / يريني الجدَّ من خللِ المزاحِ
رَفَضْتُ إقامتي وَرَكِبْتُ أمراً / حَريًّا أن يكونَ به صَلاحِي
تسيرُ بنا بلُجِّ البحر فُلك / كمثل الطَّير خافقة الجناحِ
وما زلنا بها حتَّى حللنا / صَبَاحاً في كويت آل الصبَّاحِ
لدى قوم أعزّ الناس جاراً / وأندى بالنوال بطون راحِ
أباةٌ لا يطوف الضَّيم فيهم / ولا جار لهم بالمستباحِ
غيوث مكارمٍ وليوث حربٍ / وأكفاءُ الشجاعةِ والكفاحِ
نزلت بهم على سعةٍ ورحبٍ / وأنس وابتهاجٍ وانشراحِ
فقومٌ ساد عبد الله فيهم / فبالبأسِ الشَّديدِ وبالسَّماحِ
إذا نزلوا لعمرُ أبيكَ أرضاً / حَموهَا بالأسِنَّةِ والرِّماحِ
فكم بدأوا بمكرمةٍ وثنَّوا / وكم نحروا العدى نحر الأضاحي
سَقَوا أعداءهم حمرَ المنايا / بسمر الخطِّ والبيضِ الصفاح
وما زالت مكارمهم تنادي / لدى الآمال حيَّ على الفلاحِ
بأيديهم شكيمة ذي اقتدارٍ / تَرُدُّ الجامحين عن الجماحِ
همُ وضعوا أفاويق المعالي / كما رَضَعَ الفَصيلُ من اللقاحِ
إذا ما زرتُهم يوماً وفى لي / ضميني للزيارةِ بالنجاحِ
بهم أطلَقتُ ألسنَة القوافي / بما تمليه من كَلِمٍ فصاحِ
لقد مُزجَتْ محبَّتهم بروحي / مزاج الرَّاح بالماءِ القراحِ
كأَنَّ مديحُهم عندي عقارٌ / به كانَ اغتباقي واصطباحي
ثمِلْتُ بهم وما خامَرْتُ خمراً / ولا راحي بسطتُ لكأس راحِ
ألذُّ من المدامة للندامى / وها أنا في هواهم غير صاحِ
ولو أنِّي اقترحتُ على زماني / وأعطاني الزمان على اقتراحي
لما فارقتُهم يوماً ومالي / إذا وُفِّقْتُ عنهم من براحِ
ويأبى ذاكَ لي قَدَرٌ متاح / ونحنُ بقبضةِ القدر المتاحِ
أدارَ الكأس مترعةً شرابا
أدارَ الكأس مترعةً شرابا / وأهداها لنا ذهباً مذابا
وقد غارت نجوم الصبح لمَّا / رأته وهو قد كشفَ النقابا
وقالَ ليَ الهوى فيه اصطحبها / وطِبْ نفساً بها فالوقت طابا
ونحنُ بجنَّةٍ لا خلدَ فيها / ولا واش نخاف به العقابا
ونارُ الحسن في وَجَنات أحوى / من الغلمان تلتهب التهابا
أدرها يا غلام عَليَّ صرفاً / وأرشفني بريقتك الرضابا
أدرها مُزَّة تحلو وَدَعني / أُقبِّل من ثناياك العذابا
أراش سهامَ مقلته غريرٌ / إذا أرمى بها قلباً أصابا
وطافَ بها على الندمان يسعى / كأَنَّ بكفِّهِ منها خضابا
وشَرِبٍ يشهدون الغيَّ محضاً / إذا الشيطان أبصرهم أنابا
عكفت بهم على اللَّذَّات حتَّى / قرعت بهم من الغايات بابا
متى حجب الوقار اللَّهو عنهم / رأوا أنْ يرفعوا ذاك الحجابا
وقاموا للَّتي لا عيبَ فيها / يرَوْنَ بتركها للعاب عابا
كأَنَّ مجالس الأفراح منهم / كؤوس الرَّاح تنظمهم حبابا
تريك مذاهباً للقومِ شتَّى / وتذهب في عقولهم ذهابا
تحرَّينا السرور وَرُبَّ رأيٍ / أرادَ الخِطْءَ فاحتمل الصوابا
وما زلنا نريق دمَ الحميَّا / ونشربها وقد ساغتْ شرابا
إلى أن أقلعت ظلم الدياجي / كما طيَّرتَ عن وكرٍ غرابا
وغنَّتنا على الأَغصان وُرْقٌ / نهزّ لهنَّ أعطافاً طرابا
وقد ضحكَ الأَقاح الغضُّ منَّا / وأبصرَ من خلاعتنا عجابا
وظلّ البان يرقص والقماري / تغنِّيه انخفاضاً وانتصابا
وفينا كلُّ مبتهج خليعٍ / طروب شبَّ عارضه وشابا
إذا شرب المدام وأطربته / أعادَ على المشيبِ بها الشبابا
ألا بأبي من العشَّاق صبٌّ / متى ذكر الغرام له تصابى
بكُلِّ مهفهفِ الأعطاف يعطو / بجيد الظبي روع فاسترابا
إذا وطئ التراب بأخمصيه / تمنَّى أن يكون له ترابا
وأيم الله إنك مستهام / إذا استعذبت في الحبِّ العذابا
أعدْ لي ذكر أقداحٍ كبارٍ / ملاءً من شربك أو قرابا
وخلِّ اليوم عنك حديث سلمى / فلا سلمى أريد ولا الربابا
ومن قول الشجيّ سألت ربعاً / خلا ممَّن أُحبّ فما أجابا
وخذ بحديث سلمانٍ فإنِّي / أحبّ به الثناء المستطابا
يهاب مع الجمال ولا يدارى / ويوصف بالجميل ولا يحابى
فلو فاكهته لجنيت شهداً / ولو عاديته لشهدت صابا
ولم ترَ قبله عينٌ رأته / جميلاً راح محبوباً مهابا
ينوب عن الصَّباح إذا تجلَّى / وما ناب الصَّباح له منابا
بنفسي من أفديه بنفسي / وما فدَّاه من أحدٍ فخابا
رغبت عن الأنام به فأضحى / يطوِّقني أياديه الرغابا
فكان ليَ الثناء عليه دأباً / وكان له الندى والجود دابا
هم الرأس المقدَّمُ من قريش / يريك الناس أجمعها ذنابا
وهم من خير خلق الله أصلاً / وفرعاً واحتساباً وانتسابا
ويرضى الله ما رضيت قريشٌ / ويغضب إنْ هم راحوا غضابا
ففيهم شيَّد الله المعالي / وفيهم أنزل الله الكتابا
أولئك آلُ بيتٍ أنزلوها / تراثاً عن أبيهم واكتسابا
شواهق من جبال المجد تسمو / مفاخرها وأبنية رحابا
وأخلاقاً مهذَّبة لِداناً / وإيماناً من الجدوى رطابا
إليكم ننتمي وبكم نباهي / من البحر الشرايع والعبابا
وفي الدَّارين ما زلنا لديكم / نجوز الأجر منكم والثوابا
وأبلغ ما يكون به التَّمنِّي / دنوًّا من جنابك واقترابا
زماناً راعني بنواك شهراً / فما لي لا أريع به الركابا
فليس العيدُ ما أوفى بعيدٍ / ولم أشهد به ذاكَ الجنابا
وعاتبنا بفرقتك الليالي / على ما كانَ حزناً واكتئابا
فأمَّا أقصر الأَشراف باعاً / فأطولهم مع الدُّنيا عتابا
فيا قمراً عن الزوراء غابا / زماناً للتنزُّه ثمَّ آبا
طلعت طلوع بدر التِّمِّ لمَّا / غَرَبْتَ فلا لقيت الاغترابا
وجئت فجئتنا بالخيرِ سيلاً / تُسيلُ به الأباطح والهضابا
فإنَّك كلَّما استُسقيت وبلاً / سقيت وكنت يومئذٍ سحابا
فمن مِنَح شرحتَ لنا صدوراً / ومن مِنَنٍ تقلّدها الرقابا
ولمَّا أنْ نظمتُ له القوافي / ولجت بها على الضرغام غابا
وقمتُ عليه أُنشدُها وأهدي / لحضرته الدعاء المستجابا
إذا منع اللئيم ندى يديهِ / أبى إلاَّ انصباباً وانسكابا
لِيَهْنِكُمُ زواجٌ في هناءِ
لِيَهْنِكُمُ زواجٌ في هناءِ / به انشرحت لأقوامٍ صدورُ
ترون الخير مجلوباً إليه / وفي أطرافه الخير الكثير
ويطرب في مغانيكم محبٌّ / يبوح لكم بما كتم الضمير
تَقَرّ العين فيكم إن تراكم / وفي أخلاقكم كرمٌ وخيرُ
إذا سُدتُم وكنتم حيث أهوى / وما فيكم بمكرمة قصور
ولا عجباً إذا ما ساد شبلٌ / أبوه ذلك الأسد الهصور
ألا يا عمَّ أبناءٍ كرام / تَعمُّ به السعادة والحبور
ومهدي العالمين إلى رشاد / يلوح به لعلم منك نور
بذكر تطمئن به قلوب / ووعظ قد تلين له الصخور
تهنّ بذلك التزويج ممن / بها الأيام تشرق والشهور
وسُرَّ به كما تبغي وأرّخ / ففي تزويج نعمان سرور
إلى إحسان مولانا الرفاعي
إلى إحسان مولانا الرفاعي / بكشكول الرَّجاء مددت باعي
هو القطب الذي لا قطب يدعى / سواه في الأنام بلا نزاع
عريض الجاه ذو قدر كريمٍ / طويل الباع بل رحب الذراع
تَولَّدَ من رسول الله شبلٌ / به دانت له كلُّ السباع
وقبّل كفَّ والده جهاراً / غدت بالنور بادية الشعاع
وشاهدنا الثقات وكل فرد / رآها بانفراد واجتماع
فتلك فريّة لم يخط فيها / سواه من مطيع أو مطاع
عشقت طريق حضرته عياناً / وأما الغير يعشق بالسماع
بذكر جلاله وعلاه نمشي / رويداً فوق أنياب الأفاعي
فماء زلاله يروي غليلي / وروضي إن تنكرت المراعي
ولم أعبأ بجعجعة وطحن / فذاك الصخر خرّ من اليفاع
مجيري إن تعاقبت الرزايا / وغوثي إن تكاثرت الدواعي
إذا ما الدهر جلَّلَنا بخطب / وأورث صدعه سوء الصداع
بهمته العليّة إن توالت / نكيل خطوبه صاعاً بصاع
أبا العلمين سيِّدنا المفدى / على وجل أتيتُ إليك ساعي
أتيتك زائراً أبغي قبولاً / ففيك توصلي ولك انقطاعي
أتيت إليك أشكو من ذنوب / تولدها بنا قبح الطباع
فما كذبت بما أرجو ظنوني / ولا خابت بنا تلك المساعي
لقد عصرتنيَ الأيام حتَّى / جرى من مقلتي لبن الرضاع
لك الهمم التي شهد المعادي / بها إذ لا سبيل إلى الدفاع
إذا خفقت رياح العزم منها / أمِنَّا في حماه من الضياع
وليس سواه في حزم وعزم / يبين لنا المضيع من المضاع
فهذا ملجأ من حلَّ فيه / يَعُدْ من غير خوف وارتياع
أُمَرِّغُ حُرَّ وجهي في ترابٍ / به التمريغ للجنَّات داعي
وقفنا والجفون لها مسيل / بهاتيك الأماكن والبقاع
فكم من مقلة للشوق أذرت / وأجرت دمعها دون امتناع
فيا بن الأكرمين جعلت مدحي / بكم خير ارتداء وادّراع
إذا ما رمت أنّ أحصي ثناكم / طلبت بذاك غير المستطاع
ألا إنَّ الذنوب لقد توالت / وجاءت وهي حاسرة القناع
فقد أصبتنيَ الدنيا إليها / وغرَّتني بأنواع الخداع
فخذ بيدي بأرض الحشر يوماً / يساوي بالجبان وبالشجاع
وأدركني ومن نفسي أجرني / وأنعم في قبولك باصطناعي
فقد ناجيتها لما أتينا / رويدك وابشري أن لا تراعي
وإنِّي عُدتّ في نفسي وجسمي / مليئاً بالهدى والانتقاع
بلى روحي لديك لقد أقامت / تشاهدُ نقطة السر المذاع
أُوَدِّعُ حضرة ملئت جلالاً / وليس لنا سواها اليوم راعي
كريم بالسلام لدى حضوري / ولكني بخيل بالوداع
ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجير
ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجير / كئيبٍ ذي فؤاد مستطيرِ
يقلِّبُه الأَسى ظهراً لبطنٍ / ويُسْلِمُهُ إلى حرِّ الزفير
وكيفَ يَقَرُّ بالزفرات صبٌّ / وفي أحشائه نار السَّعير
يعالج بالهوى دمعاً طليقاً / يصوبُ للوعة القلب الأَسير
وكم في الحيِّ من ليثٍ هصورٍ / صريع لواحظ الرشأ الغرير
وكنت على قديم الدهر أصبو / بأشواقي لربَّات الخدور
وكنت إذا زأرت بأسد غيل / رأيت الأُسْدَ تفزع من زئيري
فغادرني الزَّمان كما تراني / عقيراً في يد الخطوب العقور
فأَغدو لا إلى خلٍّ أنيسٍ / وما لي غير همِّي من سمير
فآهاً يا أُميمة ثمَّ آهاً / لما لاقيت من دهرٍ مبير
محا من أُسرتي الأَشراف منهم / كما مُحيت حروفٌ من سطور
لقد بعد الكرام النجب عنِّي / فليلي بعدهم ليل الضرير
على أنِّي دفعت إلى زمان / يخاطر فيه ذو المجد الخطير
تشبّهت الأَسالف بالأَعالي / وقد تاه الصغير على الكبير
وأمستْ هذه الدُّنيا تريني / حوادثها أعاجيب الأُمور
ولا زالتْ تتوقُ لذاك نفسي / إلى يومٍ عبوسٍ قمطرير
لعلِّي أنْ أبُلَّ به غليلاً / ويهدأ بعض ما بي من زفير
أراني إنْ حلَلْتُ بدار قومٍ / أساءَ ببعض أقوامٍ حضوري
وذي عجب أضرَّ الجهل فيه / وأنفٍ مشمخرٍ بالغرور
يرى من نفسه ربّ المعالي / ولا ربّ الخورنق والسدير
ضريت بوجهه وصددت عنه / كما صدَّ العظيم عن الحقير
وألقى المعجبين بكلِّ عُجْبٍ / وأسحبُ ذيل مختالٍ فخور
وكم رفع الزَّمان وضيع نفس / فنال الحظَّ بالباعِ القصير
وكم حطَّ القضاء إلى حضيض / وكان محلُّه فوقَ الأَثير
أصونُ عن الأَرذال عزَّ نفسي / وَصَوْنُ النفس من شِيَم الغيور
ولا أهديتُ منذ قرضت شعراً / إلى من لا يزال بلا شعور
وكم في الناس من حيٍّ ولكنْ / يُرى في الناس من أهل القبور
أتيتُ البصرة الفيحاء أسعى / وحبَّكِ سَعْيَ مقدام جسور
أزورُ بها من العلماء شيخاً / حباه الله بالعِلم الغزير
إلى عَلَمٍ من الأَعلام فردٍ / تفيض علومه فيض البحور
لأحمد نخبة الأَنصار يغدو / مسيري إنْ عزمت على المسير
إذا ما عدّدت أعيان قومٍ / وقابلنا نظيراً بالنَّظير
فعين أُولئك الأَعيان منهم / وقلب في صدور بني الصُّدور
وإنِّي مذ ركنتُ إلى عُلاه / كأنِّي قد ركنت إلى ثبير
رَغِمْتُ بودّه آناف قوم / رَمَوْني بالعتوّ وبالنفور
إذا أخَذَت بغاربهم يميني / أخذتُ بغارب الجدّ العثور
رعيت لديه روض العزّ غضًّا / وأنهلني من العذب النمير
إلى منهاج شرعته ورودي / وعن مورود نائله صدوري
ركنت إلى المناجيب الأَعالي / ولم أركنْ إلى وغدٍ شرير
أبار بنور تقوى الله وجهاً / وقد يزهو على القمر المنير
غنيٌّ عن جميعِ الناس عفٌّ / رؤوفٌ بالضَّعيفِ وبالفقير
ترى من وجهه ما قد تراه / على وجه الصَّباح المستنير
يُعَدُّ من الأَوائل في تقاه / وإنْ وافاك بالزَّمن الأَخير
وهل يخفى على أبصار بادٍ / شموس علاه بادية الظهور
فخُذْ عنه العلوم فقد حباه / إله العرش بالفضلِ الشهير
ولم نظفر بمثل علاه يوماً / بمطّلع بصير بالأُمور
فسل منه الغوامض مشكلاتٍ / فإنَّك قد سقطت على الخبير
تحومُ عليه أهل الفضل طرًّا / كما حامَ الظماءُ على غدير
ولم يبرح لأهل العلم ظلاًّ / يقي بظلاله حرَّ الهجير
ويغنيني عن الأَنصار مولًى / نصيري حين يخذلني نصيري
له محض المودَّة من خلوصي / ومحض الودّ إخلاص الضَّمير
سأجزيه على النعماء شكراً / بما يرضيه من عبدٍ شكور
لمطبوع على كرم السجايا / ومجبول على كرم وخِير
زهتْ في حسن مدحتك القوافي / كما تزهو القلائد في النحور
وطابَ بك الثناء وإنَّ شعري / تضمَّخَ من ثنائك بالعبير
فدمْ واسلمْ على أبد اللَّيالي / وعشْ ما دمت حيًّا في سرور
أمِنْ بعد الهُمام القَرْم وادي
أمِنْ بعد الهُمام القَرْم وادي / تَصوبُ غمامةٌ ويسيل وادي
وهل يسقي الغمامُ بني زبيدٍ / فتنقع غلة ويبلّ صادي
لتصدى بعده الورّاد طرا / وأين الماء من غلل الصوادي
شديد البأس أروع مستشيط / يرد شكيمة الكرب الشداد
فكيف يقوده صرف المنايا / وكنت عهدته صعب القياد
قريباً كانَ ممَّن يَرْتَجيه / رماه الحتفُ منّا بالبعاد
وذخر الأنجبين وكلّ ذخر / ستسلِمه الخطوبُ إلى النفاد
فقدنا صبحَ غرَّته بليل / كسا الأيام أردية السواد
وروّعت النجوم الزهر حتَّى / برزن من الدجنّة في حداد
كأنَّ له من الأحشاء قبراً / فؤادي لو شققت على فؤادي
يعز على العوالي والمعالي / وسمر الخط والخيل الجياد
أسيرٌ بين أيديها المنايا / فلا يُفدى وإن كثر المفادي
يغضّ الطرف لا عن كبرياء / ولم يشغل بمكرمة ودادي
فليس القول منه بمستعاد / وليس الجود منه بمستفاد
يبيت بلا أنيس بين قومٍ / نيامٍ لا تَهُبُّ من الرقاد
ولو يفدى فدته إذَن رجال / عوادٍ بالسيوف على الأعادي
وحالت دونه بيض حداد / شفعن بزرقة السمر الصعاد
ولاجتهدت بمنعته عقول / لها في الرأي حقّ الاجتهاد
ولكن قد أصيبَ بسهم رامٍ / قضى أن لا يرد عن المراد
وليس لما قضاه الله ردٌ / وأمرُ الله يجري في العباد
أرى الآجال تطلبنا حثيثاً / ونحن من الغواية في تهاد
وأعمار تناكَصُ بانتقاص / وآمال تهافت بازدياد
وقد غلبت لشقوتنا علينا / وكاد الغيُّ يمكر بالرشاد
ونطمع بالبقاء وما برحنا / نُرَوَّعُ بالتفرّق والبعاد
نودّع نائياً بالرغم منا / إلى سفر يطول بغير زاد
ونسلو عن أحبتنا ولسنا / بملتقيين إلاَّ في المعاد
لقد عظم المصاب وجل رزءٌ / بفقد المكرمين من البلاد
فقدنا وادياً فيها فقلنا / على الدنيا العفا من بعد وادي
وفلَّ الموت مضرب هندوانٍ / وأرزى بالحمائل والنجاد
أذوب عليك بالحزن إدّكاراً / وأشرقَ منك بالماء البراد
ولي نفسٌ تَلهبُ عن زفيرٍ / كما طار الشَّرار عن الزناد
على ليث هزبر تكاد منه / ليوث الغاب تصفد في صفاد
يماط عن الثياب وكان يكسو / غداة الروع سابغة الدؤادي
قد انقشعت سحابة كلّ عافٍ / بوبل القطر في السنة الجماد
وكدرت المشارب بعد صفو / وما يجديك رفق من ثماد
هي الأيام لا تصفو لحيًّ / ولا تبقي الموالي والمُعادي
ألَمْ تنظر لما صنعت بعادٍ / وأقيالٍ مضت من بعد عاد
وما أدري على أيّ اتكال / وثقنا بالسلامة واعتماد
فكم نطأ الرماد ونحن ندري / ونعلم أنَّ جمراً في الرماد
وهبنا مثل نبت الزرع ننمو / فهل زرع يدوم بلا حصاد
وتهلِكُ أمَّة وتجيء أخرى / ويخفى ذا وهذا اليوم بادي
على هذا اطّراد الدهر قِدماً / فكيف نروم عكس الاطراد
لقد كانت بيوت بني زبيد / ولا أرمٌ بها ذات العماد
فراحت كالسوام بغير راع / وضلّت كالجمال بغير حاد
فمن للجود بعدك والعطايا / ومن للحرب يقدم والجلاد
فلا تستسقيا غيثاً مريعاً / وقرّي يا صوارم في الغماد
فقد فَقَدَ المكارم ناشدوها / فلا جود يؤمل من جواد
بربك هل سمعت لنا نداءً / وما يغني النداء ولا التنادي
أما أنتَ المجيب لكل هول / ببيض الهند والزرق الحداد
ومنتدب الكماة ومقتداها / إذا انتدب الفوارس للطراد
ووابل صوبها المنهل تندى / بنائله الروائح والغوادي
فمن يدعى وقد صمَّ المنادي / فوالهف الصريخ عن المنادي
بللتك بالنجيع نجيع دمعي / وأقلامي بمسود المداد
وقد قلت الرثاء وثَمَّ قولٌ / يثير لظى حشاً ذات اتقاد
فليتك كنت تسمع فيك قولي / وما أبديه من محض الوداد
تشق لها قلوب لا جيوب / ولو كانت أفظّ من الجماد
قوافٍ تقطر العبرات منها / وتستسقى لك الديم الغوادي
إذا ناحت عليك بكلّ نادٍ / بكينا المكرمات بكل ناد
وَقَفنا بالركائب يومَ سلعٍ
وَقَفنا بالركائب يومَ سلعٍ / على دارٍ لنا أمست خلاءا
نردد زفرة ونجيل طرفاً / يجاذبنا على الطلل البكاءا
وقفنا والنياق لها حنين / كأن النوق أعظمنا بلاءا
هوىً إنْ لم يكن منها وإلا / فمن إلْفٍ لنا عنا تناءى
وقفنا عند مرتبع قديم / فجدَّدنا بموقفنا العزاءا
وقلت لصاحبي هل من دواء / فقد هاج الهوى في الركب داءا
ودار طالما أوقفت فيها / فغادرت الظِّماء بها رواءا
لها حق على المشتاق منا / فأسرع يا هذيم لها الأداءا
أرق يا سعد دمعك إنَّ دمعي / دمٌ إنْ كانَ منك الدمع ماءا
وما لك لا تريق لها دموعاً / وإنِّي قد أرقت لها دماءا
تكاد تميتني الأطلال يأساً / بأهليها وتحييني رجاءا
هوىً ما سرَّها إذ سرّ يوماً / وكم سرّ الهوى من حيث ساءا
كأن العيس تشجيها المغاني / فتشجينا حنيناً أو رغاءا
وقد عاجت مطايانا سراعاً / فما رحّلتها إلاَّ بِطاءا
دعاه إلى الهوى داعي التّصابي
دعاه إلى الهوى داعي التّصابي / فراح يذكر أيّام الشباب
يذيل مدامعاً قد أرسَلَتها / لواعج فرط حزن واكتئاب
وأبصره العذول كما تراه / بما قاسى شديد الاضطراب
وفي أحشائه وجدٌ كمينٌ / يعذّبه بأنواع العذاب
فلام ولم يُصِب باللّوم رشداً / وكان العذر أهدى للصواب
جفته الغانيات وقد جفاها / فلا وصل من البيض الكعاب
وكان يروعه من قبل هذا / هوى سلمى وزينب والرباب
يروع إلى الدمى صابٍ إليها / ويأنس في أوانها العراب
أعيدي النَّوح يا ورقاء حتَّى / كأنَّكِ قد شكوتكِ بعض ما بي
بكيت وما بكيت لفقد إلفٍ / على أني أصبتُ ولم تُصابي
وذكّرني وميض البرق ثغراً / برود الشرب خمري الرضاب
وما أظمأك يا كبدي غليلاً / إلى رشف الثنايات العذاب
أتنسى يا هذيم غداة عُجنا / على ربع نهاب للذهاب
فَأوْقَفْنا المطيَّ على رسوم / كآثار الكتاب من الكتاب
وأطلال لميَّةَ باليات / بكت أطلالَها مقلُ السحاب
نسائلها عن النائين عنها / فتعجز يا هذيم عن الجواب
هنالك كانت العبرات منا / خضاباً أو تنوب عن الخضاب
أُمني النفس بعد ذهاب قومي / بما يرجو المفارق من إياب
ذريني يا أميم من الأماني / فما كانت خلا وعد كذاب
ذريني أصحب الفلوات إنِّي / رأيتُ الجدَّ أوفقَ بالطلاب
فما لي يا أميمة في خمول / يطول به مع الدنيا عتابي
سقيم بين ظهراني أناسٍ / أروم بهم شراباً من سراب
يجنّبني نداهم صَون عرضي / وتركي للدنيّة واجتنابي
وكم لي فيهمُ من قارصات / وما نفدت سهام من جعابي
سأرسلها وإنْ كانت حثياً / عليها من أباة الضيم آبي
وإنّي مثلما عَلِمَتْ سُعادٌ / وقورُ الجأش مِقْلاقُ الركاب
وأدَّرع القتام لكلّ هول / كما أغمدت سيفاً في قراب
وأصحبُ كلّ مُبْيضّ السجايا / وجنح الليل مسودّ الإهاب
ليأخذ من أحاديثي حديثاً / غنياً عن معاطاة الشراب
بمدح محمَّدٍ ربّ المعالي / ورائق صفوة الحسب اللباب
وها أنا لا أزال الدهر أثني / عليه بالثناء المستطاب
فأطرب فيه لا طرب الأغاني / وكأس الراح ترقص بالحباب
إذا دارٌ نَبتْ بي رحَّلَتها / عزائم باسل عالي الجناب
أطرّزُ باسمه بُرْدَ القوافي / كوشي البرد طرز بالذهاب
وفيه تنزل الحاجات منا / وتنزل في منازله الرحاب
إذا آب الرجاءُ إليه لاقى / بساحة مجده حسن المآب
تواضع وهو عالي القدر سامٍ / ولا عجبٌ هو ابنُ أبي تراب
شريف من ذؤابة آل بيتٍ / براء في الدنا من كل عاب
يشرفني إذا أدنيت منه / دنوّي من علائي واقترابي
وفيما بيننا والفضل قربى / من العرفان والنسب القراب
أهيم بمدحه في كل وادٍ / وأقرع في ثناه كل باب
إلى حضراته الأمداح تجبى / ومن ثم انتَمى فيها لجابي
يرغّب فضله الفضلاء فيه / ويطمعهم بأيديه الرغاب
عطاء ليس يسبقه مطال / وقد يعطي الكثير بلا حساب
وينفق في سبيل الله مالاً / لأبناء السبيل وفي الرقاب
جزى الله الوزير الخير عنا / وأجزاه بأضعاف الثواب
فقد سَرَّ العراقَ ومن عليها / بقاضٍ لا يروغ ولا يحابي
وأبقى الله للإسلام شيخاً / به دفع المصاب عن المصاب
بمثل قضائه فصل القضايا / ومثل خطابه فصل الخطاب
من القوم الذين عَلَوْا وسادوا / كما تعلو الرؤوس على الذناب
أطلّوا بالعلاء على البرايا / كما طلّ الجبال على الروابي
ليهنك أنت يا بغداد منه / بطلعة حسن مرجوٍ مهاب
أقام العدل في الزوراء حتَّى / وجدنا الشاء يأنس بالذئاب
وأنى لا يطاع الحق فيها / ولا تجري الأمور على الصواب
وسيف الله في يد هاشميّ / صقال المتن مشحوذ الذباب
خروجك من دمشق الشام ضاهى / خروج العضب أصلت للضراب
وجئت مجيء سيل الطمّ حتَّى / لقد بلغ الروابي والزوابي
بعلم منك زخّار العباب / وفضل منك ملآن الوطاب
فمن هذا ومن هذا جميعاً / أتيت الناس بالعجب العجاب
وراح الناس يا مولاي تدعو / لعزك بالدعاء المستجاب
فلا أفلتْ نجومك في مغيب / ولا حُجِبَتْ شموسُك في ضباب
متى يَشفى بكَ الصبُّ العَميد
متى يَشفى بكَ الصبُّ العَميد / ويبلُغُ من دُنُوُّكَ ما يُريدُ
شجٍ يُحييه وصلٌ من حَبيبٍ / ويقتلُهُ التَجَنُّبُ والصُّدود
وما أنسى لنا ساعاتِ لهوٍ / مَضَتْ والعيشُ يومئذٍ حميد
ونحنُ من المسرَّةِ في رياضٍ / تُحاكُ من الرَّبيع لها برود
وبنتُ الكرم قد طَلَعت علينا / يُكلّل تاجَها الدرُّ النضيد
معتَّقَةً تُسَرُّ النفسُ فيها / وقد طافت بها حسناءُ رُود
وقد صَدَحَتْ على الأَغصان وُرقٌ / فأغصانُ النقا إذ ذاكَ ميد
تُعيدُ عليَّ ما تُبدي غَرَاماً / فكم تُبدي الغرامَ وكم تُعيدُ
تجاوبها الغواني بالأَغاني / فيُطربنا لها نايٌ وعُود
فحينئذٍ يدارُ على الندامى / مُذابُ التبر والماء الجَمود
ويُرجَمُ كلُّ شيطانٍ مريدٍ / بحيث الهمُّ شيطانٌ مريد
سقى أيَّام لهوٍ في زَرود / وما ضَمَّتْ معانيها زَرود
نُجَدِّدُ ذكرها في كلِّ يومٍ / وهل يبقى مع الذكر الجديد
فقد مَرَّتْ لنا فيها ليالٍ / كما نظمت قلائدها العقود
ليالٍ لم نكنْ نُصْغي للاحٍ / أينقص بالملامة أم يزيد
فكم في الحبِّ من لاح لصبٍّ / يفيد بزعمه ما لا يفيد
أحِبَّتَنا لقد طالَ التنائي / وحالت بيننا بيدٌ فبيد
فيا زمنَ الصِّبا هَلْ من رجوعٍ / ويا عهدَ الشباب متى يعود
سلامُ الله أحبابي عليكم / إلى بغداد يحملها البريد
يُهَيِّجُ لوعتي وَجْدٌ طريفٌ / لكم ويشوقُني وَجْد تليد
فهل أخبِرْتم أنِّي بحالٍ / يساءُ بها من الناس الحسود
تَقُرُّ البصرةَ الفيحاء عَيني / بما يولي محمَّدها السعيد
فتًى لا يزالُ يُوليني نداه / ويغمُرني له كرم وجود
تدفَّقَ منهلاً عذباً فراتاً / فلي من عذب منهله ورود
ولولا برّه طِبت نفساً / ولم يخضرّ لي في الدهر عود
أُشاهدُ منه إذ يبدو هلالاً / وبدراً من مطالعه السعود
وغيثاً كلّما ينهلُّ جَوٌّ / وليثاً كلّما خفَقَتْ بنود
فَدَتْه الناسُ من رجلٍ كريمٍ / تنبَّه للجميل وهم رقود
وشيَّد ما بَنَتْه من المعالي / له الآباء قِدماً والجدود
فتىً من هاشمٍ بيضِ الأيادي / بحيثُ حوادثُ الأيّام سودُ
رؤوفٌ بالمُلِمِّ له رحيمٌ / صديقٌ صادقٌ بَرٌّ وَدود
ومَن آوى إليه وحلَّ منه / بأكرم ما تحلُّ به الوفود
فقد آوى إلى ركنٍ شديد / وليس كمثله ركن شديد
همُ آلُ النبيّ وكلُّ فضلٍ / لديهم يستفيد المستفيد
هُمُ يوم النوال بحارُ جود / وفي يوم النزال هم الأُسود
فمن جودٍ تَصوبُ به الغوادي / ومن بأسٍ يلين له الحديد
هُمُ الأقطاب والأنجاب فينا / إذا دارت دوائرها الوجود
وإنْ عُرِضَت كرامتهم علينا / فما للمنكرين لها جحود
وما احتاج النهار إلى دليل / وقد شَهِدَتْ به منه شهود
فمنها ما نشاهده عياناً / إذا ما النار أضرمها الوقود
وللأكفاء يومئذٍ عَلَيْهم / هبوطٌ في الحضيض ولا صعود
رجال كالجبال إذا اشمَخرَّتْ / تَبيدُ الراسياتُ ولا تبيد
يخلّدُ ذكرهم في كلِّ عصر / وما للمرءِ في الدنيا خلود
فيا بيت القصيد إليك تهدى / من العبد الرقيق لك القصيد
فيطربك النشيد وكلَّ حرٍّ / كريم الطبع يطربه النشيد
فإنَّك والثناءُ عليك منِّي / وما أملَيته طوق وجيد
لقد سُدْتَ الكرامَ ولا عجيبٌ / فمثلك في الأكارم من يسود
وما استغنيتُ عنك بكلِّ حال / وهل يغني عن الماء الصعيد
خدمتك بالقريض فطال باعي / كما خَدَمَتْ مواليها العبيد
ونِلْتُ بك المرادَ من الأماني / فَنِلْتَ من المهيمنِ ما تريد
إلى شعبانَ مَولايَ المفدى
إلى شعبانَ مَولايَ المفدى / ربيعِ الفضلِ والروضِ النضير
إلى من لم تزل أيديه فينا / كأمثالِ القلائدِ في النحور
يعرّج بي الغرام وينثني بي / لأسباب تمرُّ من الخطور
وقد سأل الأميرُ الأمسِ عنّي / وعن سبب القعود عن المسير
ومن كرم السجايا والمزايا / إذا سأل الكبيرُ عن الصغير
وقالوا كيف لا تمضي إليه / فترجع بالسرور وبالحبور
فلم أكْشِفْ لهم عن كُنْهِ أمري / وأطْلِعْهم على ما في ضميري
وما تركي زيارته بقَصدي / ولا كانَ انقطاعي عن قصوري
وما استغنيتُ لا وأبيك عنه / غِنى الظامي عن الماء النمير
ولا من دون شرعته ورودي / ولا من غير مورده صدوري
نهاري عنده لمعانٌ بَرقٍ / وليلي بعْدَه ليلُ الضرير
فظاظة حاجبٍ ورديّ حظٍ / يعوقُ العبدَ عن باب الأمير
وجَدْتُ ببابه البوَّابَ يعدو / أشَدَ عليَّ من كلبٍ عقور
وصار الكلبُ ينبَحُني بسبٍّ / ويُكثِرُ بالنبيح وبالهرير
وأكره أن أكونَ له مجيباً / وما أنا من مجاوبة الشرير
فهل أبصرتم كلباً يحامي / محافظةً على الليث الهصور
لمن أشكو الحجاب ومن نصيري / وأبدي الاعتذار ومن عذيري
ألا مَنْ مبلغٌ عنّي سلامي
ألا مَنْ مبلغٌ عنّي سلامي / رئيساً في العراق على النّظام
تحية مخلصٍ بالوُدّ يُبدي / صبابةَ ذي فؤاد مستهام
ويبلغه على البعد اشتياقاً / من الداعي إلى الشَّهم الهمام
لقد طلعت فائله علينا / طلوع البدر في جنح الظلام
سنشكره على ما كانَ منه / كشكر الروض آثار الغمام
وما أسداه من كرم السجايا / وفاءٌ بالمودة والذمام
زهت في ناصر أبيات شعر / أتَتْ فالمدح من حُرِّ الكلام
لقد أثنى الرئيسُ بها عليه / ثناءً باحترام واحتشام
تُسَرُّ بها لعمري أولياءٌ / وتعقد عنه السنة الخصام
وإنَّ الفضل يعرفه ذووه / به امتاز الكرام عن اللئام
رآه مدحت الدنيا حُساماً / وقد يغنيه عن حمل الحسام
فقدَّمه المشيرُ ليوم بُؤسٍ / يقدُّ من الخوارج كل هام
فيا لله من والٍ مشيرٍ / عظيم الشأن عالي القدر سامي
لئن باهَتْ به الزوراء أرْبَتْ / بهمته على حلب وشام
إذ انتظم العراقُ به فأضحى / يفاخرُ غيرَه بالانتظام
ودمَّر بالصوارم مفسديها / وأوْرَدهم بها وِرْدَ الحمام
ومدَّ إلى الحَسا كفًّا فطالت / ونال بطولها صعب المرام
رمى من بالعراق عُصاةَ نجدٍ / وزيرٌ ما رمى مرماه رامي
وأدّى خِدمة عَظُمَتْ وجَلَّتْ / بهمته لسلطان الأنام
لِيَهْنِك ما بَلَغْتَ من الأماني
لِيَهْنِك ما بَلَغْتَ من الأماني / فَلَمْ تَبْرَح بأيَّام التَّهاني
تُسَرُّ وقد تَسُرُّ الناس طرًّا / ببيضِ فعالك الغرّ الحسان
وفيما قدْ فَعَلْتَ جُزيتَ خيراً / وهل تجزى سوى خلد الجنان
فَعَلْتَ الواجبَ المأمور فيه / وما سنّ النَّبيُّ من الختان
وأولَمْتَ الوَلائم فاستَلَذَّتْ / لها الفقراءُ من قاصٍ ودانِ
وأكثَرْتَ الطعام بهنّ حتَّى / لقَدْ ضاق الطعام عن الجفان
وجاء الناس أفواجاً إليها / فلمْ يعرف فلان من فلان
شرابُهم شرابٌ سُكَّريٌّ / وممّا يشتهون لحوم ضان
لقد قيل الطعام فلم تدان / وقد قيل السماع فلم تدان
بذكر الله إنَّك قبل هذا / قد استغنيتَ عن كلّ الأغاني
وما تلهو عن السَّبْع المثاني / بأصواتِ المثالثِ والمثاني
خَتَنْتَ بَنيك في أيّام سَعْدٍ / بمعتَدِل الفصولِ من الزمان
وأربعمائة خُتِنَتْ وكانت / يَتامى لم تُسَنَّنْ بالختان
كسَوتَهم الملابسَ فاخراتٍ / فراحوا مثلَ روض الأقحوان
فمن خضرٍ ومن صُفرٍ وحُمرٍ / كأمثال الشقيق الأرجواني
كأزهار الرَّبيع لها ابتهاجٌ / وقد سُقيَت حيا المزن الهتان
أتيت بها من الصَدقات بكراً / وما كانت لعمرك بالعوان
أرَدْتَ بذاكَ وجْهَ الله لا ما / يقالُ ويستفاض من اللسان
أُحِبُّكَ لا لمالٍ أقْتَنيه / ولا طمعٌ بجود وامتنان
ولا أثني عليكَ الخيرَ إلاَّ اعت / قاداً باللّسان وبالجَنان
وكيفَ وأنتَ للإسلام ركنٌ / تُشاد به القواعدُ والمباني
أعَزَّ الله فيك الدينَ عِزًّا / ولم يَكُ قبلَ ذلك بالمُهان
فكنتَ الرَّوح والمعنى المعالي / فقلْ ما شئت عن روح المعاني
تقولُ الحقَّ لا تخشى ملاماً / ولست عن المقالة بالجبان
ولا داريتَ أو ماريتَ قوماً / برفعة منصبٍ وعلوِ شان
ولم تحكمْ على أمرِ بشيءٍ / إلى أنْ يستبينَ إلى العيان
فتدرك ما تحاول بالتأني / وإنْ رمتَ الجميل فلا توان
محمّد الأمين أمِنْتَ مما / تحاذِرُه وإنَّك في أمان
كفاك الله ألسِنَةً حداداً / لها وخزٌ ولا وخزُ السنان
ولم أسمَعْ مقالاً فيك إلاَّ / مقالَ الخير آناً بعد آن
بَقيتَ لنا وللدنيا جميعاً / وكلٌّ غيرُ وجهِ الله فانِ
بدا والصُّبحُ غارَ على الظَّلامِ
بدا والصُّبحُ غارَ على الظَّلامِ / وعِقدُ النَّجم محلول النظامِ
فحيَّا بالرُّضاب وبالحميّا / فأحيا بالرّضاب وبالمدامِ
إذا ما الشيخ في الكأس احتساها / غدا في الحال أنشط من غلام
لئِنْ عَلَّلْتَني يا صاحِ يوماً / بأحبابي فَعَلّلْني بجام
دَعا عنِّي الملامة في التصابي / فقد رَوَّعتُماني بالملام
ألا يا صاحبيَّ وبي غرام / أعيناني على داءِ الغرام
ويا ريح الصَّبا النجديّ بلِّغْ / سُليْمى يا صَبا نجد سلامي
ومن لي بالكرى يوماً لعلي / أرى طيفَ المليحة بالمنام
وما أنسى لها في الركب قولي / وقد نظرت لأجفان دوامي
نحولي ما بخصرك من نحولٍ / وسقمي ما بطرفك من سقام
سقى الأثلاث في سلع سيولاً / فقد جَلَبَتْ حمائِمها حمامي
بكيتُ وما بكت في الدَّوح وُرْقٌ / تظنّ هيامها أبداً هيامي
ولو كانَ الهوى من غير دمع / قَضَينا بالغرام على الحمام
أداوي مهجةً يا سعد جرحى / رماها من رماة الحسن رام
رمين قلوبنا غزلانُ سلع / فما أخطأتَ هاتيك المرامي
فبتّ جريح ألفاظ مراضٍ / ورُحتُ طعين ذياك القوام
قدود البيض لا سمر العوالي / ولحظ السرب لا حد الحسام
كتمتُ الحبَّ متّهماً عليه / وما لي طاقة بالإكتتام
وكيفَ أطيقُ والعبرات منّي / تعبّر عن فؤاد مستهام
وما نقص اشتياق الصَّبِّ شيئاً / على وجه حكى بدر التمام
يَدِبُّ هواك يا سلمى بروحي / دبيبَ الصَّرخدية في العظام
وفيتُ بعهد من نقضت عهودي / وما لوفاء ميّ من دوام
فليتَ المالكيّة حين صَدَّت / رَعَيْتُ ذمامها وَرَعَتْ ذمامي
صَبَرتُ على الحوادث صَبْرَ حُرٍّ / يَرى بالصَّبرِ إبلاغ المرامي
وقلتُ معلِّلاً نفسي ولكن / مقالي كانَ أصدق من حذام
سأحمدْ عند محمود السجايا / عواقبَ أمرِ أخطار عظام
وأستغني به عمَّا سواه / كما يغني الركام عن الجهام
وأرجو أن تُظَفِّرَني سريعاً / عنايَتُه بغايات المرام
لقد دَرَّتْ سحائبه إلى أنْ / زهَتْ فيهنّ أزهار الكلام
فحَدِّثْ عن مكارمه فإنِّي / لتعْجِبُني أحاديثُ الكرام
إذا ما جئتني بحديث جودٍ / لقرم جوده كالغيث هامي
فما حَدَّثتُ إلاَّ عن أشمّ / ولا أخبرت إلاَّ عن همام
ذكاءٌ فيه أروى من زنادٍ / وكفٌّ منه أندى من غمام
وآراءٌّ إذا نَفَذَتْ لأمرٍ / فهنّ اليوم أنفَذُ من سهام
يرى فعل الجميل عليه فرضاً / كمفترض الصَّلاة مع الصّيام
وقامَ له على الأعناق شكر / فلا يُقضى إلى يوم القيام
سريع الجود إنْ يُدْعَ لحسنى / وها هو ذا بطيء الانتقام
أياديه حَطَمْنَ المال جوداً / فما أبْقَتْ يَداه من حطام
على أبوابه الآمال منّا / قدْ ازدحمت لنا أيَّ ازدحام
تخيَّرْ ما تشاء وسَله تعطى / من ابن المصطفى خير الأنام
تيقَّنْ أن أمرك سوف يقضى / إذا ما شِمْتَ منه سنا ابتسام
أخو الهمم الَّتي تحكي المواضي / وتفتك فتك خواض القتام
تسامى مجده فعلاً محلاً / وإنَّ مَحَلَّ أهلِ المجد سامي
جميلك قاطن في كلّ أرضٍ / وذكرك سار جوّان الموامي
طميتَ وأنتَ يوم الجود بحر / وبحرك لا يزال الدهر طامي
ومن جدواك كم قد سال سيلٌ / فروّى سيلُ جودك كل ظامي
لقد أوليتني نِعَماً جساماً / فما أهداك للنعم الجسام
دَعاك لأمره المولى عليٌّ / فكنتَ وأنتَ في أعلى مقام
وعُدْتَ لديه يا عين المعالي / برأيك ناظراً أمر النظام
فتمّ لجيشه المنصور أمر / وإنَّ الأمر يحسن بالتمام
سَطا بحُسام مقلته وَصالا
سَطا بحُسام مقلته وَصالا / كأنّي جئتُ أسألُه الوِصالا
وجار على المتيَّم في جفاه / وأجرى أدْمُعَ الصبّ انهمالا
ومهما ازددت بين يديه ذلاً / يَزد عزًّا ويتبعه دلالا
حكى البدرَ التمام له مُحَيًّا / وشابه قدُّه الغصنَ اعتدالا
وأذَّنَ حُسْنُه للوجد فيه / فشاهدنا بوجنته بلالا
بقلبي نار خدٍّ قد تلظَّتْ / فتورث في جوانحي اشتعالا
وفي جسمي سقام عيون خشف / عدت منها لي الداء العضالا
وما أنسى بذات الرمث عهداً / مضى لكن حسبناه خيالا
زماناً لم نحاذر فيه واشٍ / ولم نسمع لعذال مقالا
وكم قد زارني رشأ غرير / فأرشفني على ظمأٍ زلالا
وعهدي ليله أبداً قصير / فلما سار من أهواه طالا
وأنَّى يرتجي الَّلاحي سلُوِّي / وقد ذابت حشاشتي انسلالا
أيهديني عن الأَشواق لاحٍ / وما قد زادني إلاَّ ضلالا
فلا تسألْ وقيت الشرّ دمعاً / إذا ما لاح برق الحيف سالا
أَحَلَّتْ سربُ ذاك الربع قتلي / ولم يك قبلهن دمي حلالا
ولو أبصَرتَ إذ رحلوا فؤادي / رأيت الصبر يتّبع الجمالا
ألا لله ما فعلتْ بقلبي / جفون لم تخل إلاَّ نصالا
وربٍّ قد كسا الأَحباب حسناً / كساني من صبابتها انتحالا
وإنِّي في الغرام وفي التصابي / كمثل محمَّدٍ حزت الكمالا
فتًى في العلم والإِكرام بحرٌ / وكانَ وروده عذباً زلالا
له عزم حكى الشمّ الرَّواسي / وخُلقٌ قد حكى الرِّيح الشمالا
ومرتاح إلى الإِكرام طبعاً / ولا يحوي لبذل المال مالا
أحبّ الناس في الدنيا لديه / فتًى أبدى لنائله السؤالا
ويهوى المكرمات بكلِّ آنٍ / ولن نلقى به عنها ملالا
وكانَ نداه للعافين وصلاً / وكانَ على أعاديه وبالا
كساهُ الله تاجاً من فخارٍ / وألبسه المهابة والجلالا
فلو زالتْ جبال الله عنها / لكانَ وقاره فيها جبالا
نديّ الكفّ راحته غمام / فلو لمس الحصى فيها لسالا
وما بخلتْ له أبداً يمينٌ / وما عَرَفَ المواعد والمطالا
همامٌ لو يروم الأُفق نيلاً / بباعٍ من عزائمه لنالا
ويؤذن بشرُه بسحاب جود / وكان تبسم الكرماء خالا
لقد نلنا به صعب الأَماني / فلم نعرف بساحته المحالا
وحبر العلم بل بحر غزير / أجلّ الناس في الدُّنيا نوالا
بدا منه محيّا ثم نور / فأمسى في ذوي الآمال فالا
ومدَّ يمينه في البسط يوماً / فأغمرنا عطاءاً واتِّصالا
حباهُ اللهُ في حسن السجايا / وتلك عطيَّة الباري تعالى
خلالٌ كالصوارم مرهفات / أجادتها محاسنه الصقالا
فإن قلنا لدى الدُّنيا جميل / عنينا حسن خلقك والخصالا
أتحصي المادحون له كمالاً / ومن ذا عدّ في الأرض الرمالا
وما غالتْ بك المُدَّاحُ حَمْداً / إذا ما فيك أطنَبَ ثمَّ غالى
أعوذ ببأسه من كلِّ خطبٍ / فقد أضحى على الدُّنيا عقالا
وعزم يقهر الأَعداء قهراً / وإنْ لم تلتق منه قتالا
فلو طاولنَه السُّمر العوالي / على نيل المرام إذنْ لطالا
وقد كمل العلوم وكلّ فخر / وقد زان المفاخر والكمالا
وما هو غير بدر في المعالي / فلا عجب إذا نالَ الكمالا
فلو شاهدت في التقرير منه / بياناً خلته السحر الحلالا
يهدي الله فيه الخلق رشداً / وفيه يكشف الله الضلالا
ولم يترك لأهل الفخر فخراً / ولم يترك لذي قولٍ مقالا
فما خابت ظنون أخي مرامٍ / أصارك في مطالبه مآلا
فخذها سيِّدي منها قصيداً / وصيّر لي رضاك بها نوالا
تَذَكَّر في ربوع الضّال عَهْداً
تَذَكَّر في ربوع الضّال عَهْداً / فزاد به وجودُ الذكر وَجْدا
وأضناه الهوى بغرام نجد / فأصبحَ بالضّنى عظماً وجلدا
وشامتْ منه أعْيُنه فأروى / وميض البرق في الأحشاء زندا
فمن لجوانح مُلِئَت غراماً / كما مُلِئَت عيون الصَّبِّ سهدا
وفي تلك المنازل كانَ قلبي / فمذ فقد الأحبة راح فقدا
سقى أطلال رامة في غوادٍ / تخدد ثم وجه الأرض خدا
وحيّاها حَياً يحكي دموعي / بها يسقي ها علماً ووهدا
وكيف سلوّ أهل الخيف وُدّي / ولم أسْلُ لهم في البين وُدّا
تصدّى ظبيُ لعلع في تلافي / وأسْلَبَني التصبّر حين صدّا
وظُلم منه حرّم رشفِ ظَلْمٍ / سواه لا يريني الوجد بردا
ولم يعطف على دَنِفٍ كئيب / وقد حاكى غصون البان قدا
أعينا مغرم العينين صبًّا / تَعدّته السّهام وما تعدّى
لعمرك ما الهوى إلاَّ هوانٌ / ومَن رام الملاح وما تردّى
وكم مولىً تعرّض للتصابي / فصيّره الهوى بالرغم عبدا
خليليَّ اسلكا فينا حديثاً / لنجفو عنده سلمى وسُعدى
وهاتا لي بمحمود مديحاً / وقولاً فيه مدحاً ما تَوَدّا
به الرحمن أودع كلَّ فضلٍ / وفي بُرد الفضائل قد تردّى
إذا عَدّوا أكابر كلّ قومٍ / فأول ما جناب علاه عدا
لقد زرع الجميل لكل قلب / فكلٌّ فاه في علياه حمدا
وحلّ له على الإسلام شكراً / فصار عليهم فرضاً يؤدّى
وعَمَّ ثناؤه شرقاً وغرباً / وسَيَّر ذكره غوراً ونجدا
ويبسط راحةً تنهلّ جوداً / أحبّ مكارم الكرماء وفدا
ونوردُ من يديه إذا ظَمِئْنا / فيسقيان بذاك الكفّ شهدا
وندفع في عنايته خطوباً / إذا أضحت لنا خصماً ألدا
متى يممته تجدو نداه / أفادك من كلا البحرين رفدا
فهذا أعلم العلماء طراً / وأكرمُ من أفاد ندىً وأجدى
وكم من حاسدٍ لعلاه يوماً / فمات بغيظه حَسَداً وحِقدا
وأمَّل مجده فغدا كليلاً / ورام بلوغ همّته فأكدى
أرَدْنا أنْ نَعُدّ له صفاتٍ / فما اسطعنا لذاك الفضل عدا
وحاولنا نروم له نظيراً / فان بعصرنا في الناس فردا
تقلّد منه هذا الدِّين سيفاً / وزيّن فيه هذا العصر عقدا
وقلنا كالحسام العضب عزماً / نفاق غراره قطعاً وحدا
وقسنا كفّه بالمزن جوداً / فكان يمينه من ذاك أندى
ويمزج لطفه آنا وقاراً / يذوب فكاهة ويشد وجدا
وصال بمحكم الآيات يوماً / وهدّ عقيدة الأغيار هدا
أبان لأهل إيران بياناً / فحيَّرهم بما أخفى وأبدى
دلائل ما استطاعوا ينكروها / وكيف الحق يُنكر إذ تبدّى
وبحر ما له جزر ولكن / يكون له مدى الأيام مدا
يجرّد من سيوف الله بيضاً / ويركب من خيول العزم جردا
كفى أهل العراق به افتخاراً / فقد نالوا به عزًّا ومجدا
فما ضلّت لعمر أبيك قوم / تروم بعلمه للحق رشدا
بروحي واطئ هام المعالي / وما أرضى بها إلاَّك يفدى
طلبت العلم لا طلباً لمال / فنلت بذاك توفيقاً وسعدا
ولو يعطى الرجال على حجاها / إليك من القليل الأرض تهدى
ولم لا منك تغتاظ الأعادي / وهم جِيَفٌ وشمّوا منك ندا
فظنوا قاربوك بكلّ شيءٍ / وهيهات التقارب صار بعدا
عليك أبا الثناء يبثّ عبد / مدى أيامه شكراً وحمدا
نعيد باسمك السامي قصيداً / ولا نبغي سوى المرضاة قصدا
حَثثْتُ على عنيف السَّير نُوقي
حَثثْتُ على عنيف السَّير نُوقي / وقدَّمت الطَّريق على الرفيق
وقد فتق الزَّمان على فؤادي / هموماً فهي بارزة الفتوق
خرجت إلى جميل أبي جميل / إلى الرحب الفضاء من المضيق
ولولا تمره والبرّ منه / بقينا صابرين على السويق
فلو جاد النقيب لنا بسمنٍ / حَمِدْنا التمر يعجن بالدَّقيق
رأت عيناي في سفر عجيب / أعزّ لديَّ من بيض الأنوق
أخا رشد يغضّ من المعاصي / وزنديق يتوب من الفسوق
وقالوا إنَّ قدّوري تردَّى / رواء الناس كالبرّ الصدوق
فآونة يصلّي في فريقٍ / وآونة يسبّح في فريق
وأخبرني ثقات الناس عنه / بأنْ لا زال في كرب وضيق
فكاد الشوق يحملني إليه / فيستشفي مشوقٌ من مشوق
ولكنِّي كتبت له كتاباً / كما كتب الشفيق إلى الشفيق
أُعزِّره على ترك الحُميَّا / وأهديه إلى بئس الطريق
أقول له وبعض النصح غشٌّ / بما بيني وبينك من حقوق
وثوقك بالعذاب نهاك عنها / وعفو الله أولى بالوثوق
وكم لله من فرجٍ قريبٍ / وكم للعبد من سعة وضيق
أتنسى لا اقترفت الإِثم إلاَّ / كبيراً بين مزمارٍ وبوق
ليالينا الَّتي انصرمت وولَّت / حَلَتْ إلاَّ بكأس من رحيق
وكان مكاننا أنَّى سكرنا / مكان الكلب قارعة الطريق
يمرُّ بنا الشّقيُّ فنبتليه / ونزهد بالتقيّ المستفيق
وقولك للتي سكرت ونامت / فعلت بك المقابح أو تفيقي
سددت مسامع الحسناء قهراً / بمثل الجذع من نخلٍ سحوق
تخبّرني ضيوفك أين جاءَت / بأنَّك قد بعدت عن اللحوق
تنادي بالطعام بلا شراب / كما نهق الحمار على العليق
وما هذا الَّذي عوّضت عنها / وهل يُغني الحديث عن العتيق
ألم تك بالفساد كما تراني / يشقُّ عليَّ أن أعصي شقيقي
فلا طابتْ أُوَيقات لصاحٍ / رمى أُمَّ الخبائث بالعقوق
لقد كدَّرْتَ يومئذٍ صفائي / وقد أيبست بالتأنيب ريقي
وأصبح عنك راضي غير راضٍ / فلا ترْكن إلى سخط الصديق
وقد رزق السعادة بالمعاصي / بسلطنة ابن سلطان رزوقي
لقد أمسى يعضُّ على يديه / ويختار الرَّحيق على الحريق
وكم خمرٍ معتّقةٍ رآها / ففضَّلها على الخلِّ العتيق
وكانَ الدنّ لا يروي مناها / فأصبح يشمئزّ من النشوق
وكم من تائبٍ من قبل هذا / مروع من كبائره فروق
وحدّ التَّائبين اليوم عندي / اختياراً رميهم بالمنجنيق
فيا لك توبة عادت عليه / بأن يهوي سحيقاً من سحيق
رأيناهُ يُصلِّي الخَمْسَ باقٍ / بمحراب الصَّلاة على الشَّهيق
فسلَّطنا شياطين القوافي / عليه بالصّبوح وبالغَبُوق
وأغوينا في سحرٍ مبينٍ / من التبيان بالشعر الرقيق
إلى أن عاد أفسق من عَليها / وأَسرَعَ بالإِجابة من سلوقي
فما يدنو من الشيطان إلاَّ / تَمَسَّكَ منه بالحبل الوثيق
وكان بنعمةٍ لو كانَ يرعى / لها حقًّا ويوفي بالحقوق
وها هو بعدها في كلِّ حالٍ / تغيّر بالمجاز عن الحقيقي
قضى في خدمةِ النقباء عمراً / وتلك نضارة العيش الأَنيق
غريقك يا أبا سلمان فيها / وكم في بحرِ جودك من غريق
يقول رجاء من آوي إليه / لقد حنَّتْ إلى الخيرات نوقي
يؤمّل من مكارمك الأَماني / ويرقبُ منك صادقة البروق
فلا غابت شموس بني عليٍّ / وقد أَذِنَتْ علينا بالشروق
تلوحُ لنا بهم صُوَرُ المعالي / فتهدينا إلى المعنى الدَّقيق
لبابك سيِّد النُّقباء وافت / منبِّئةً علاك عن العلوق
وتكشف عندك الأَستار كشفاً / بحرّ القول عن حال الرَّقيق
تحثُّ السَّير مسرعةً تهادى / إلى علياك من فجٍّ عميق
تقوم على الرُّؤوس لهم أناس / تساويهم على قَدَمٍ وسوق
أرى في لفظِ هذا الشَّهم معنًى
أرى في لفظِ هذا الشَّهم معنًى / يُنبئُ عَن مدى عِلْمٍ عظيم
ومهما زدته نظراً بفكري / رأيتُ نهاه قِسطاس العلوم
لآلِ المصطفى عِلْمُ وجودٌ
لآلِ المصطفى عِلْمُ وجودٌ / يحوزُهما مَجيدٌ أو نَجيبُ
وفي هذا الزَّمان من البرايا / لمحمودَين ساقَهما النصيب
تَورَّث علمَهم قَمَرُ الفتاوى / وشمسٌ ما لها أبداً مغيب
وحازَ فخارهم وكذا علاهم / وجودهم تَوَرَّثه النقيب
نقيبُ السَّادة الأَشراف زَانتْ
نقيبُ السَّادة الأَشراف زَانتْ / بطَلْعَتِهِ المنازلُ والقصورُ
بنى مقصورةً شَرُفَتْ بناءً / أُعِدَّتْ بالسُّرور لمن يزورُ
فقلتُ لسيِّد النُّقباء أرِّخ / مبانيها يشرِّفُها المشيرُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025