أطاعَكَ منّيَ القلبُ العصِيُّ
أطاعَكَ منّيَ القلبُ العصِيُّ / وكم يَقْوَى على النَّبْلِ الرّمِيُّ
وكم للغِيدِ من نظرٍ كَليلٍ / يُصابُ بسَهمه بَطلٌ كَمِيّ
وكنتُ من الهوَى حُرّاً إلى أن / سَباني منكَ طَرْفٌ جاهليّ
سَقيمٌ قد رمَيْتَ به فؤادي / وقد يُبْلَى بذي السَّقْمِ البَريّ
فإن يكُ حُبُّ ذاتِ الخالِ غَيّاً / كما زعَموا فلا رَشَدَ الغَويّ
ذكرْتُ العامريّةَ والمَطايا / يُطَرِّبُها الغُلامُ العامِريّ
فحَنَّ الأرحبِيُّ وهَمَّ شَوقاً / بكَفّي أَن يَحِنَّ الأصبَحيّ
وبِتُّ وللصّبابةِ في فُؤادي / مَكانٌ ليس يَعْرِفُه الخَليّ
أَقولُ ولَيْلتي تَزدادُ طُولاً / ومالي غَيرَ كوكبِها نَجِيّ
ألا صُبْحٌ يُتاحُ لنا مُضيء / أَلا لَيلٌ يُتاحُ له مُضيّ
فحُلَّ عِقالَها يا صاحِ إنّا / بأرضٍ عِداً يمَلُّ بها الثَّويّ
ولمّا رابَني إظْلالُ أَمرٍ / ولاحظَ مُنْتَهاهُ الألمعيّ
زجَرْتُ بأرضِ خُوزِسْتانَ عَنْسي / مُروقَ السّهمِ أَسْلَمَه الحَنيّ
ووافَيْتُ الجِبالَ كما تَسامَى / إلى قُلَلِ الشّوامخِ مَضْرَحيّ
وأعرَضَ بعدَهُنَّ فلا عُراضٌ / لأنفاسِ الرّياح بها دَويّ
وغُبْرٌ من بني الغَبْراءِ مَلأى / فلا يَجْري بها إلاّ جَريّ
يُسَلُّ لهمْ من الجَفنَينِ خوفاً / معَ اللّيلِ الكرَى والمَشرَفيّ
فلَم نَنزِلْ بشابُر خُواةَ إلاّ / وكلُّ رِكابنا نِضْوٌرَذيّ
فألمَمْنا بها واللّيلُ يَحكي / زِناداً ضَوْؤُه فيه خَبيّ
وصَبّحْنا بَروجِرْداً فمِلْنا / إليها والنهارُ بها فَتِيّ
فما بلَغتْ بنا همَذانَ إلاّ / وقد أَلوى بها الأمدُ القَصيّ
بأثباجٍ كما انتطحَتْ وُعولٌ / بِشابةَ أَو كما انأطَرَتْ قِسيّ
فأعجَلْنا بها للرَّكْبِ زاداً / ورُحْنا للرَّكابِ بنا هَويّ
وشارَفْنا المُعسكرَ بعْدَ لأْيٍ / وقد نقرَ الطُّبولَ بها العَشيّ
ولاح لنا الخيامُ البيضُ منه / على بُعْدٍ كما برَق الحَبيّ
وطاولَتِ السّماءَ سُرادِقاتٌ / على أَبوابها رُكزَ القُني
فجاذبَنا أَعنَّتَها المَذاكي / وسالبَنا أَزِمّتَها المَطيّ
وقُلنا اليوم حان لنا مُناخٌ / به تُلقى مع اليُمْنِ العِصيّ
فلمّا أَن دنَتْ منها رِكابي / تَلقّاني بإدراري نَعيّ
فقلتُ وإصبَعي في فيَّ تَدْمَى / لقد عاشَ السّخاءُ الحاتِميّ
كذا فَلْيُكرَمِ الزَّورُ المُوافي / كذا فَلْيُكرِمِ المَولَى الوَفيّ
حياءً معشرَ الكُتّابِ منّا / فما حازَ النُّهَى إلاّ حَبِيّ
وما بَينَ الكتابةِ من ذِمام / وبينَ الشِّعرِ مُتَّضِحٌ جَليّ
وليس يُلابِسُ الآدابَ أَدنَى / من الإطنابِ إن أَنِفَ الأبيّ
أَيُزْعَمُ أَنَّ إدراري لغَيْري / لعَمْرُكَ إنّه كَذِبٌ فَريّ
فيا قلمَ الكتابةِ أَنتَ عندي / كَذوبٌ بعدَ فَعْلِتها دَعيّ
وليس لسانُك المَشْقوقُ إلاّ / لِكذْبكَ إن تَأمّلَهُ ذَكيّ
فقال وهَزَّ من عِطْفي مُجيباً / وما بِيراعةِ الكُتّابِ عِيّ
لعلّ خِتامَ ما كتبوا جَميلٌ / يُسَرُّ بهِ وإنْ كُرِهَ البَديّ
فخَطُّ الفَصِّ مَعكوسٌ عَجيبٌ / ويَصدُرُ عنه مَقْرؤٌ سَويّ
تَعجّبَ صاحبي من طُولِ هَمّي / فقلتُ لِيَهْنِكَ البالُ الرَّخِيّ
وخَوَّفني تَصاريفَ اللّيالي / فقلتُ اللهُ حَسْبي والصَّفيّ
وكيف يَخافُ رَيبَ الدَّهرِ حُرٌّ / وَليُّ الدَّولتَينِ له وَليّ
وهل يُخشَى كَسادُ الفَضلِ يوماً / وناصِرُه أَبوه الأريَحيّ
لقد أَهدَى الغداةَ شِفاءَ صَدري / فتىً وجْهُ الزّمانِ به وَضىّ
أَخو هِمَمٍ لَوِ استَعْلَتْ لظَلّتْ / سَواميَ في السّماء لها رُقىّ
غدا لعُفاتِه فرعاً كريماً / نَماهُ منَ العُلا أَصْلٌ زكيّ
فهَزَّهُ عِطفه فَنَنٌ رَطيبٌ / وجودُ بنانِه ثَمَرٌ جَنيّ
كأنّ الوافدِينَ نُجومُ لَيلٍ / ورَحْبَ جَنابِه الفَلَكُ العليّ
إذا ما حانَ من فِرَقٍ ذَهابٌ / أُتيحَ إليه من فِرَقٍ مَجِيّ
ومُستوفي مَمالكَ قاصياتٍ / كِفايتُه لِعاطلِها حُليّ
أَظلَّ به على الآفاقِ عِلْمٌ / فما مِنْ أَمرها عنه خَفيّ
كعَينِ الشّمسِ يَلْحَظُ كُلَّ قُطْرٍ / من الأقطار ناطرُها المُضيّ
له قلمٌ بما يَحمي شَحيحٌ / وصاحبُه بما يَحوي سَخيّ
كلَمْعِ البَرقِ أَنملُه حِساباً / وفيه الغَيثُ مَشرَبُه رَويّ
أَيا مَن طبعُه عَدْلٌ وفَضْلٌ / فمِنه الحُرُّ بالنُّعْمَى حَريّ
ومَن أَدْنى مَناقِبه سَناءٌ / ومَن أَدنَى مَواهبِه سَنيّ
أَيُقصَدُ نَقْلُ إدراري بظُلْمٍ / وظُلمُ النّاسِ مَرتَعُه وَبيّ
ولم يُحْسَنْ إليّ بحِفْظِ غَيبٍ / ومثْلُك حينَ لم يُحسِنْ مَسيّ
حلَفْتُ بربِّ مكّةَ والمسَاعي / ومَن واراه طَيْبةُ والغَرّي
لقد كادَتْ تُعاتِبُهمْ قوافٍ / لها الأقلامُ تُطرِقُ والدُّويّ
وقد مُلِئتْ قوارصَ مؤلماتٍ / ولكنْ مُلجَمٌ قيلَ التّقيّ
وقَيدُ أوابدي كَرَمٌ وَدينٌ / عنِ الأقوام لا حَصَرٌ وعِيّ
وحاشا أَن أذُمَّ سَراةَ قومٍ / وزَنْدي في العُلا بِهمُ وَريّ
لقد أَزِفَ المَسيرُ بلا عِتادٍ / وشَحَّ بدَرّهِ الخِلْفُ البَكيّ
وتَحتي أعوَجِيٌّ لا يُجارَى / ولكنْ تحت رَحْلي أَخْدَريّ
فهل لك أن تَجودَ وأنتَ بحْرٌ / به لا عنه كُلٌ فتىً غَنِيّ
بعالي القَدِّ سافِلُه وَثيقٌ / لراكبِه وعاليهِ وَطيّ
غدا في الخيلِ من طَرْفٍ نسيباً / عريقاً وهْو من طَرَفٍ نَفيّ
قَصيرَ العُرْفِ أربَعُه طِوالٌ / يُباهي الخيلَ مَنظرُهُ البَهيّ
تَطيرُ حصَى الأماعزِ من يدَيْهِ / كما نقَد الدَّراهِمَ صَيّرفيّ
ويَسْتَدني البعيدَ منَ الفيافي / كما يُطوَى النّسيجُ الأتحَميّ
ولو أجريتَه حَولاً صَبورٌ / ولو أوقَرتَه طَوداً قَويّ
وظَنّي أن يَمُنَّ به سَماحاً / فتىً للوَفْد نائلُه هَنيّ
مَليءٌ أن يَجودَ به وفكْري / بمَدْحي أن يَجودَ له مَليّ
أيا بحراً ومَشرَعُه نَداهُ / ويا بدراً ومَطلَعُه نَديّ
ويَتْبَعُه كرامُ النّاسِ طُرّاً / كما تَبعَ السِّنانَ السَّمْهَريّ
كريمٌ يُفصِحُ المُدّاحُ فيه / وصَوغُ المَدْحِ في اللُّؤَماء عِيّ
أهبْتُ إلى مَديحِك بالقوافي / فكاد يُسابِقُ الصَّدَرَ الرَّويّ
فدونَكَها مُوشَّحةَ المَعاني / كما جُلِيَتْ على البَعْلِ الهَديّ
وإن أضحَتْ ومَنظرُها جَميلٌ / فقد أمسَتْ وخاطِبُها كَفيّ
فدُمتَ لنا مُطاعَ الأمرِ عِزّاً / ودام لك البَقاءُ السَّرمَديّ
ولا سَلَب الزّمانُ عُلاك يوماً / فأنت لعاطلِ الدُّنيا حُليّ