المجموع : 5
أَحَقٌّ أَنَّهُم دَفَنوا عَلِيّا
أَحَقٌّ أَنَّهُم دَفَنوا عَلِيّا / وَحَطّوا في الثَرى المَرءَ الزَكِيّا
فَما تَرَكوا مِنَ الأَخلاقِ سَمحاً / عَلى وَجهِ التُرابِ وَلا رَضِيّا
مَضَوا بِالضاحِكِ الماضي وَأَلقوا / إِلى الحُفَرِ الخَفيفَ السَمهَرِيّا
فَمَن عَونُ اللُغاتِ عَلى مُلِمٍّ / أَصابَ فَصيحَها وَالأَعجَمِيّا
لَقَد فَقَدَت مُصَرِّفَها حَنيناً / وَباتَ مَكانُهُ مِنها خَلِيّا
وَمَن يَنظُرُ الفُسطاطَ تَبكي / بِفائِضَةٍ مِنَ العَبَراتِ رِيّا
أَلَم يَمشِ الثَرى قِحَةً عَلَيها / وَكانَ رِكابُها نَحوَ الثُرَيّا
فَنَقَّبَ عَن مَواضِعِها عَلِيٌّ / فَجَدَّدَ دارِساً وَجَلا خَفِيّا
وَلَولا جُهدُهُ اِحتَجَبَت رُسوماً / فَلا دِمَناً تُريكَ وَلا نُؤِيّا
تَلَفَّتَتِ الفُنونُ وَقَد تَوَلّى / فَلَم تَجِدِ النَصيرَ وَلا الوَلِيّا
سَلوا الآثارَ مَن يَغدو يُغالي / بِها وَيَروحُ مُحتَفِظاً حَفِيّا
وَيُنزِلُها الرُفوفَ كَجَوهَرِيٍّ / يُصَفِّفُ في خَزائِنِها الحُلِيّا
وَما جَهِلَ العَتيقَ الحُرَّ مِنها / وَلا غَبِيَ المُقَلَّدَ وَالدَعِيّا
فَتىً عافَ المَشارِبَ مِن دَنايا / وَصانَ عَنِ القَذى ماءَ المُحَيّا
أَبِيُّ النَفسِ في زَمَنٍ إِذا ما / عَجَمتَ بَنيهِ لَم تَجِدِ الأَبِيّا
تَعَوَّدَ أَن يَراهُ الناسُ رَأساً / وَلَيسَ يَرَونَهُ الذَنبَ الدَنِيّا
وَجَدتُ العِلمَ لا يَبني نُفوساً / وَلا يُغني عَنِ الأَخلاقِ شَيّا
وَلَم أَرَ في السِلاحِ أَضَلَّ حَدّاً / مِنَ الأَخلاقِ إِن صَحِبَت غَوِيّا
هُما كَالسَيفِ لا تُنصِفهُ يَفسُد / عَلَيكَ وَخُذهُ مُكتَمِلاً سَوِيّا
غَديرٌ أَترَعَ الأَوطانَ خَيراً / وَإِن لَم تَمتَلئ مِنهُ دَوِيّا
وَقَد تَأتي الجَداوِلُ في خُشوعٍ / بِما قَد يُعجِزُ السَيلَ الأَتِيّا
حَياةُ مُعَلِّمٍ طَفِأَت وَكانَت / سِراجاً يُعجِبُ الساري وَضِيّا
سَبَقتُ القابِسينَ إِلى سَناها / وَرُحتُ بِنورِها أَحبو صَبِيّا
أَخَذتُ عَلى أَريبٍ أَلمَعِيٍّ / وَمَن لَكَ بِالمُعَلَّمِ أَلمَعِيّا
وَرُبَّ مُعَلِّمٍ تَلقاهُ فَظّاً / غَليظَ القَلبِ أَو فَدماً غَبِيّا
إِذا اِنتَدَبَ البَنونَ لَها سُيوفاً / مِنَ الميلادِ رَدَّهُمُ عَصِيّا
إِذا رَشَدَ المُعَلِّمُ كانَ موسى / وَإِن هُوَ ضَلَّ كانَ السامِرِيّا
وَرُبَّ مُعَلِّمينَ خَلَوا وَفاقوا / إِلى الحُرِيَّةِ اِنساقوا هَدِيّا
أَناروا ظُلمَةَ الدُنيا وَكانوا / لِنارِ الظالِمينَ بِها صِلِيّا
أَرِقتُ وَما نَسيتُ بَناتِ بومٍ / عَلى المَطَرِيَّةِ اِندَفَعَت بُكِيّا
بَكَت وَتَأَوَّهَت فَوَهِمتُ شَرّاً / وَقَبلِيَ داخَلَ الوَهمُ الذَكِيّا
قَلَبتُ لَها الحَذِيَّ وَكانَ مِنّي / ضَلالاً أَن قَلَبتُ لَها الحَذِيّا
زَعَمتُ الغَيبَ خَلفَ لِسانِ طَيرٍ / جَهِلتُ لِسانَهُ فَزَعَمتُ غِيّا
أَصابَ الغَيبَ عِندَ الطَيرِ قَومٌ / وَصارَ البومُ بَينَهُمو نَبِيّا
إِذا غَنّاهُمو وَجَدوا سَطيحاً / عَلى فَمِهِ وَأَفعى الجُرهُمِيّا
رَمى الغُربانُ شَيخَ تَنوخَ قَبلي / وَراشَ مِنَ الطَويلِ لَها دَوِيّا
نَجا مِن ناجِذَيهِ كُلُّ لَحمٍ / وَغودِرَ لَحمُهُنَّ بِهِ شَقِيّا
نَعَستُ فَما وَجَدتُ الغَمضَ حَتّى / نَفَضتُ عَلى المَناحَةِ مُقلَتَيّا
فَقُلتُ نَذيرَةٌ وَبَلاغُ صِدقٍ / وَحَقٌّ لَم يُفاجي مَسمَعَيّا
وَلَكِنَّ الَّذي بَكَتِ البَواكي / خَليلٌ عَزَّ مَصرَعُهُ عَلَيّا
وَمَن يُفجَع بِحُرٍّ عَبقَرِيٍّ / يَجِد ظُلمَ المَنِيَّةِ عَبقَرِيّا
وَمَن تَتَراخَ مُدَّتُهُ فَيُكثِر / مِنَ الأَحبابِ لا يُحصي النَعِيّا
أَخي أَقبِل عَلَيَّ مِنَ المَنايا / وَهاتِ حَديثَكَ العَذبَ الشَهِيّا
فَلَم أَعدِم إِذا ما الدورُ نامَت / سَميراً بِالمَقابِرِ أَو نَجِيّا
يُذَكِّرُني الدُجى حَميماً / هُنالِكَ باتَ أَو خِلّاً وَفِيّا
نَشَدتُكَ بِالمَنِيَّةِ وَهيَ حَقٌّ / أَلَم يَكُ زُخرُفُ الدُنيا فَرِيّا
عَرَفتَ المَوتَ مَعنىً بَعدَ لَفظٍ / تَكَلَّم وَاِكشِفِ المَعنى الخَبِيّا
أَتاكَ مِنَ الحَياةِ المَوتُ فَاِنظُر / أَكُنتَ تَموتُ لَو لَم تُلفَ حَيّا
وَلِلأَشياءِ أَضدادٌ إِلَيها / تَصيرُ إِذا صَبَرتَ لَها مَلِيّا
وَمُنقَلَبُ النُجومِ إِلى سُكونٍ / مِنَ الدَوَرانِ يَطويهِنَّ طَيّا
فَخَبِّرني عَنِ الماضينَ إِنّي / شَدَدتُ الرَحلَ أَنتَظِرُ المُضِيّا
وَصِف لي مَنزِلاً حُمِلوا إِلَيهِ / وَما لَمَحوا الطَريقَ وَلا المُطِيّا
وَكَيفَ أَتى الغَنِيُّ لَهُ فَقيراً / وَكَيفَ ثَوى الفَقيرُ بِهِ غَنِيّا
لَقَد لَبِسوا لَهُ الأَزياءَ شَتّى / فَلَم يَقبَل سِوى التَجَربُدَ زِيّا
سَواءٌ فيهِ مَن وافى نَهاراً / وَمَن قَذَفَ اليَهودُ بِهِ عَشِيّا
وَمَن قَطَعَ الحَياةَ صَدّاً وَجوعاً / وَمَن مَرَّت بِهِ شِبَعاً وَرِيّا
وَمَيتٌ ضَجَّتِ الدُنيا عَلَيهِ / وَآخَرُ ما تُحِسُّ لَهُ نَعِيّا
بَني مِصرٍ مَكانُكُمو تَهَيّا
بَني مِصرٍ مَكانُكُمو تَهَيّا / فَهَيّا مَهِّدوا لِلمُلكِ هَيّا
خُذوا شَمسَ النَهارِ لَهُ حُلِيّاً / أَلَم تَكُ تاجَ أَوَّلِكُم مَلِيّا
عَلى الأَخلاقِ خُطّوا المُلكَ وَاِبنوا / فَلَيسَ وَراءَها لِلعِزِّ رُكنُ
أَلَيسَ لَكُم بِوادي النيلِ عَدنُ / وَكَوثَرُها الَّذي يَجري شَهِيّا
لَنا وَطَنٌ بِأَنفُسِنا نَقيهِ / وَبِالدُنيا العَريضَةِ نَفتَديهِ
إِذا ما سيلَتِ الأَرواحُ فيهِ / بَذَلناها كَأَن لَم نُعطِ شَيّا
لَنا الهَرَمُ الَّذي صَحِبَ الزَمانا / وَمِن حدَثانِهِ أَخَذَ الأَمانا
وَنَحنُ بَنو السَنا العالي نَمانا / أَوائِلُ عَلَّموا الأُمَمَ الرُقِيّا
تَطاوَلَ عَهدُهُم عِزّاً وَفَخرا / فَلَمّا آلَ لِلتاريخِ ذُخرُ
نَشَأنا نَشأَةً في المَجدِ أُخرى / جَعَلنا الحَقَّ مَظهَرَها العَلِيّا
جَعَلنا مِصرَ مِلَّةَ ذي الجَلالِ / وَأَلَفنا الصَليبَ عَلى الهِلالِ
وَأَقبَلنا كَصَفٍّ مِن عَوالِ / يُشَدُّ السَمهَرِيُّ السَمهَرِيّا
نَرومُ لِمِصرَ عِزّاً لا يُرامُ / يَرِفُّ عَلى جَوانِبِه السَلامُ
وَيَنعَمُ فيهِ جيرانٌ كِرامُ / فَلَن تَجِدَ النَزيلَ بِنا شَقِيّا
نَقومُ عَلى البِنايَةِ مُحسِنينا / وَنَعهَدُ بِالتَمامِ إِلى بَنينا
إِلَيكِ نَموتُ مِصرُ كَما حَيينا / وَيَبقى وَجهُكِ المَفدِيُّ حَيّا
حَبَرت مقالة جمعت فأوعت
حَبَرت مقالة جمعت فأوعت / وجاءت في سبيل الحق غاية
شفيت غليلنا ودفعت عنا / وقمت بمنتهى فرض الكفاية
فر زالت سهامك صائبات / على رغم الوشاية والسعاية
ففي صدر المقطم قد قرأنا / سطورا خطها قلم الغواية
وفي صدر المؤيد قد تلونا / بحمد الله آيات الهداية
يصدِّعنا المقطم كل يوم / ويزعجنا بإعلان الحماية
وينذرنا بويل بعد ويل / على ويل كما نعق أبن دايه
فمهلا فيلسوف الشر مهلا / فإن لكل نازلة نهاية
لقد كشف المؤيد عنك سترا / وأظهر للملا بطل الرواية
فمثِّل غير هذا الدور واعلم / بأن اللورد قد قطع الجراية
أحق أنهم دفنوا عليا
أحق أنهم دفنوا عليا / وحطوا في الثرى المرء الزكيا
فما تركوا من الأخلاق سمحا / على وجه التراب ولا رضيا
مضوا بالضاحك الماضى وألقوا / إلى الحفر الخفيف السمهريا
فمن عون اللغات على ملم / أصاب فصيحها والأعجميا
لقد فقدت مصرِّفها حنينا / وبات مكانه منها خليا
ومن ينظر ير الفسطاط تبكى / بفائضه من العبرات ريا
ألم يمش الثرى قحة عليها / وكان ركابها نحو الثريا
فنقب عن مواضعها علىٌّ / فجدد دارسا وجلا خفيا
ولولا جهده احتجبت رسوما / فلا دمنا تريك ولا نؤيّا
تلفتت الفنون وقد تولى / فلم تجد النصير ولا الوليا
سلوا الآثار من يغدو يغالى / بها ويروح محتفظا حفيا
وينزلها الرفوف كجوهري / يصفف في خزائنها الحليا
وما جهل العتيق الحر منها / ولا غبى المقلد والدعيا
فتى عاف المشارب من دنايا / وصان عن القذى ماء المحيا
أبىّ النفس في زمن إذا ما / عجمت بنيه لم تجد الأبيا
تعوّد أن يراه الناس رأسا / وليس يرونه الذَّنَب الدنّيا
وجدت العلم لا يبنى نفوسا / ولا يغنى عن الأخلاق شيا
ولم أر في السلاح أضل حدا / من الأخلاق إن صحبت غبيا
هما كالسيف لا تنصفه يفسد / عليك وخذه مكتملا سويا
غدير أترع الأوطان خيرا / وإن لم تمتلئ منه دويا
وقد تأتى الجداول في خشوع / بما قد يعجز السيل الأتيا
حياة معلم طفئت وكانت / سراجا يعجب السارى وضيا
سبقت القابسين إلى سناها / ورحت بنورها أحبو صبيا
أخذت على أريب ألمعي / ومن لك بالمعلم ألمعيا
ورب معلم تلقاه فظا / غليظ القلب أوَفدماً غبيا
إذا انتدب البنون لها سيوفا / من الميلاد ردّهم عصيا
إذا رشد المعلم كان مسوى / وإن هو ضل كان السامريا
ورب معلمين خلوا وفاتوا / إلى الحرية أنساقوا هديا
أناروا ظلمة الدنيا وكانوا / لنار الظالمين بها صُلِيَّا
أرقت وما نسيت بنات بوم / على المطرية اندفعت بكيا
بكت وتأؤهت فوهمت شرّا / وقبلى داخل الوهم الذكيا
قلبت لها الحُدى وكان منى / ضلالا أن قلبت لها الحذيا
زعمت الغيب خلف لسان طير / جهلت لسانه فزعمت غيا
أصاب الغيب عند الطير قوم / وصار البوم بينهمو نبيا
إذا غناهمو وجدوا سطيحا / على فمه وافعى الجرهميا
رمى الغربان شيخ تنوخ قبلى / وراش من الطويل لها رويا
نجا من ناجذيه كل لحم / وغودور لحمهن به شقيا
نَعستُ فما وجدت الغمض حتى / نفضت على المناحة مقلتيا
فقلت نذيرة وبلاغ صدق / وحق لم يفاجئ مسمعيا
ولكن الذي بكت البواكي / خليل عز مصرعه عليا
ومن يُفجع بحرٍّ عبقري / يجد ظلم المنية عبقريا
ومن تتراخ مدته فيكثر / من الأحباب لا يحص النعيا
أخي أقبل على من المنايا / وهات حديثك العذب الشهيا
فلم أعدم إذا ما الدور نامت / سميرا بالمقابر أو نجيا
يذكرني الدى لِدَةً حميما / هنالك بات أو خلا وفيا
نشدتك بالمنينة وهي حق / ألم يك زخرف الدنيا فويا
عرفت الموت معنى بعد لفظ / تكلم واكشف المعنى الخبيا
أتاك من الحياة الموت فانظر / أكنت تموت لو لم تلف حيا
وللاشياء أضداد إليها / تصير إذا صبرت لها مليا
ومنقلب النجوم إلى سكون / من الدوران يطويهن طيا
فخبرني عن الماضين إني / شددت الرحل أنتظر المضيا
وصف ل منزلا حُملوا إليه / وما لمحوا الطريق ولا المطيا
وكيف أتى الغنىّ له فقيرا / وكيف ثوى الفقير به غنيا
لقد لبسوا له الأزياء شتى / فلم يقبل سوى التجريد زيا
سواء فيه من وافى نهارا / ومن قذف اليهود به عشيا
ومن قطع الحياة صدى وجوعا / ومن مرت به شبعا وريا
وميت ضجت الدنيا عليه / وآخر ما تحس له نعيا
ببيت الأمة أعتَقلِ المطيّا
ببيت الأمة أعتَقلِ المطيّا / وفي دهليزه أطرق ملِيا
وألقِ سِبال ذقنك فيه وأنشق / تراب الساحة الكبرى ذكيا
وأدِّ إلى الجزيريّ التحايا / وسله ينل لك الإذن العلِيا
وحَملق فيه حين يهز عِطفا / تجد تحت الغِلالة سمهريا
وقل لم أدرِ أنت أم الجديلي / ألذّ تقمصا وأَحبّ زِيا
وإن يحمل إليك الإذن فاصعد / تجد دَرَجا يبلغك الرُّقيا
هناك دع التبهنس كابن سينا / ولا تتبخترنّ زمخشريا
ولا ترقص إذا أنشدتَ شعرا / فإن الرقص آذى البحتريا
وقل يا واهب الرتب العوالى / متى وعسى تبلَّغني النديا
ورأسك لا فشرت ولن تراني / مجمش لحيتي ما دمت حيا
ولا قرقرت أوبربرت يوما / كما هيجت ديكا مالِطِيا
ولا سمع الجماعة غير أني / أرى السودان قطرا أجنبيا
برئت إليك من خلطي وخبطي / ومما لفق الواشي علَيا
وجئت إليك أشكو من هموم / مؤرّقة فهل تُصغى إليّا
فقد ضاقت بي الدنيا فسعني / فقد تسمع المنافق والتقيا
فكم خصم عطفت عليه حتى / تقدّم في ولايتك الوليا
فهبني كنت خصما أو عدوّا / أليس الصفح مذهبك الرضيا
لعلك قد علمت وفاة مكسى / وكيف مضى وخّلف لي عليا
و أوفرلَند أدركها كُساح / فليت كساحَها في ركبتيا
وخطب الصيدلية كان أدهى / وأنكر موقعا في مسمعيا
رحلت وفي العيادة كل شئ / وعدت فما وجدت هناك شيا
خلَت من كل ما فيها كأني / أقمت الفأر فيها صيدليا
ولى مرضى من العمال كُثر / إذا الأسطى مضى بعث الصبيا
أحررها تذاكر ليس تحُصى / وما من ذاك شئ في يديا