بَكى حَتى بَكَيتُ على بُكَاهُ
بَكى حَتى بَكَيتُ على بُكَاهُ / جَرِيحٌ عينُهُ نَزَفَتْ دِماهُ
يُسائلُ أَينَ حَلَّ رِكابُ لَيلى / ويَنسَى أنَّ لَيلَى في حشاهُ
هَوَى قلبٍ تَعَلَّقَهُ اختياراً / فَصارَ عَنِ اضطِرارٍ مُنتَهاهُ
ونارُ الحُبِّ يُوقِدُها غُرُورٌ / ولكنْ ليسَ يُخمِدُها انتبِاهُ
تَنُودُ بنا العَواطِفُ راكباتٍ / طَريقاً لا تُقيمُ على هُداهُ
فنَهوَى مَن تراهٌ العينُ طَوراً / ونَهَوى تارةً مَن لا تَراهُ
هَوِيتُ النازلَينِ دِيارَ مِصرٍ / وقلبي قد أَحَلَّهما حِماهُ
هُما القَمَرانِ في أكنافِ أَرضٍ / يَغارُ النَجْمُ منها في سَماهُ
كِلا الرَجُلَينِ من أَفرادِ عَصرِ / يُقصِّرُ كُلُّ عصرٍ عن مَداهُ
وكُلُّهما حُسامٌ مَشرَفيٌّ / تَلُوحُ إذا استُطِيرَ بهِ المِياهُ
أَصابا كُلَّ مَحمِدَةٍ وفَضلٍ / لهُ بينَ الوَرَى شَرَفٌ وجاهُ
فذاكَ مُحمَّدٌ يُثنَى جميلاً / عليهِ وذاكَ مِن حَمدٍ ثَناهُ
يَصُولُ يَراعُ كلٍّ في يَدَيهِ / بأَنفَذِ ما تَصُولُ بهِ قَناهُ
وأَبلغِ ما تُقَلِّبُهُ قُلوبٌ / وأفَصَحِ ما تَفُوهُ بهِ الشِفاهُ
أَطاعَهُما القَرِيضُ فكانَ عَبداً / بأَسهارِ الليالي مُشتَراهُ
ولو عَرَفَتْهُما الأَعرابُ قِدْماً / لَخرَّتْ نحوَ شِعِرِهِما الجِباهُ
على الإسكَندَريّةِ كلَّ يومٍ / سَلامُ اللهِ مُعتنِقاً رِضاهُ
لَئِنْ يكُ فاتَها جَبَلٌ ففيها / جِبالٌ في معارِجِها يُتاهُ
بها الجَبَلانِ من عِلمٍ وحِلمٍ / وحَزمٍ قد أَقامَهُما الإِلهُ
علَينا قام ظِلُّهما مديداً / ونورُ الشمسِ يَسطَعُ من وَراهُ
نَهيمُ إلى ضِفافِ النِيلِ شَوقاً / وإِنْ بَعُدَتْ علينا ضِفَّتاهُ
ونَرصُدُ كلَّ غاديةٍ عَساها / ترَشَّفَتِ المَواطِرَ مِن صَفاهُ
هِيَ الدُنيا تَغُرُّ بِها الأماني / وأَينَ مِنَ الذي غَرَّتْ مُناهُ
أَماتَتْ في هَواها كلَّ نفسٍ / وكلَّ فُؤَادِ صَبٍّ في هَواهُ
تَدورُ بنا على عَجَلٍ رَحاها / وداعي الموتِ قد دارتْ رَحاهُ
إذا غَرَسَ الفَتَى فيها رَجاءً / فلا يرجو الحَياةَ إلى جَناهُ