سقَى أيَّامَ رامة بل سقاها
سقَى أيَّامَ رامة بل سقاها / عميقُ الحفر مقتدِحٌ حصاها
أحمُّ كأنَّ أُدْمَ العيس فيه / مرقعة الجِلالِ لمن طلاها
يُسِفُّ يطامِع الخَرقاءَ حتى / تبوِّعَه لتمسحَه يدَاها
إذا زُرَّتْ سحابَتُه أحالت / صَبَا نجدٍ محلَّلةً عُراها
يسيل بمائه وادي أُشَيٍّ / فيُترِعُ فوق كاظمةَ العِضاها
كأنَّ سماءه حنَّت فدرَّتْ / على الأرض اليتيمةِ مِرزَماها
إذا شامت بوارقه سيوفا / ليُغمدَها تراجَعَ فانتضاها
وتأمُرُ باتباع البرق نفسي / فإن أتبعتُه عيني نَهاها
ولم أر قبله حمراءَ خُضْراً / عواقبُها ولا ضرباً أماها
يذكِّرني وللأشواق عيد / ثنايا أمِّ سعدةَ أو لَماها
ألا للهِ يومَ عُكاظَ عينٌ / جلتها نظرة فغدت قذاها
ترى لَعِبَ البِلى بالدار جِدًّا / فيلعب أو يجدّ بها بكاها
وكم بِلَوى الشقيقة ومن فؤادٍ / أسير لو تكلم قال آها
ومن شاكٍ لو استمعت إليه / قِنانُ أبانَ ذاب له صفاها
وطيِّبة الغداةِ تفُتُّ باناً / عقائصُها ومسكا رَيْطَتاها
إذا ما لم يجد فيها معابا / ضرائرها تعلَّل عائباها
أضلّ البينُ فطنتها فحارت / كأمّ الخشفِ ناشدةً طَلاها
تميل على الرِّحالة ميلَ سرجي / تُسِرُّ إليَّ تُفهمني هواها
فألثِمُ في السِّرار تريبتيها / ومن لي لو تكون الأذنُ فاها
أجيرانَ الحمى مَن لابن ليلٍ / أتى مسترشدا بكُمُ فتاها
ولما كنتُمُ يومَ التنائي / مَنيَّةَ نفسه كنتم مُناها
أروم لكشف بلواها سواكم / وإن طبيبهَا لمَن ابتلاها
أرِقتُ ونام عن إسعادِ عيني / خليلٌ كان يُسهمُ في كراها
أجاذبه عن الإسعاد كرها / ومن ذا يملِك الودَّ الكراها
وقبلك قد عصبتُ يدي بمولىً / ليُلحمَها فظفَّرَ فانتقاها
رَمى ظهري وقال توقَّ قُدْما / فجاءتني النبالُ ولا أراها
إذا صافحتُه أطبقتُ كفّي / على كفٍّ أناملها مُداها
وبارقة تخايل في عذارى / على الأبصار من وجهي سناها
إذا مطرت بأرضٍ لم تخضِّر / أراكتَها ولم يُخصِب ثراها
نمَى أثرُ النوائب في فؤادي / فأعدَى لِمَّتي حتَّى دهاها
رمى عنها الزمانُ الشيبَ حينا / فلما ملَّ صحبتَها رماها
وكانت ليلة تُخفِي عيوبي / فدلَّ عليَّ طالبَها ضُحاها
إذا اعتبر المجرِّبُ في سِنِيه / تقلُّبَها تيقَّنَ مُنتهاها
حياةُ المرء أنفاسٌ تقضَّى / وإن طالت وأعدادٌ تناهَى
أرى الأيامَ يوماً والأسامِي / عليها مستعارات حُلاها
وفتية ليلةٍ ظلماءَ خاضوا / دجاها بي فكنتُ فتَى سُراها
سمحتُ لهم على غَرَرٍ بنفسٍ / ملبيِّةٍ لأوّل مَن دعاها
رمَوا بظنونهم من ذا أخوهم / على الجُلَّى فما زكنوا سواها
وذي شَعَثٍ نشرتُ له الفيافي / وأدراجَ الطريق وقد طواها
إذا حسِب الرواحَ بعُقرِ دارٍ / وقلتُ نُزولُها عارٌ عداها
ومن كانت له العلياءُ حاجا / وأشعرَ نفسَه صبرا قضاها
حلفتُ بها تنافخُ في بُرَاها / عجيجاً أو تَساوَكُ من وَجاها
تُولِّي الشمسَ أحداقا عِماقا / كقُلبِ الماءِ لو نقعتْ صداها
يلاغطن الحصا والليلُ داجٍ / لُغاطَ الطيرِ باكرنَ المِياها
تَمنَّى العُشْبَ يوما بعد يومٍ / فلا مرعَى لها إلا مِعَاها
نواحل كالقسيِّ معطَّفات / وهم مِثلُ السهام على مَطاها
عليهم كلُّ نذرٍ ما رأوها / بمكّةَ هابطاتٍ أو مِناها
لقد تعِب السحابُ وراءَ أيدي / بني عبد الرحيم فما شآها
كرام عشيرةٍ دعَمتْ بِناها / بعزَّة بيتها وحَمتْ حِماها
تفوَّقَت المكارمَ في ليالي / مرَاضعِها وسادت في صِباها
لهم ولدتْ فأنجبت المعالي / بنينَ ومنهمُ وجدتْ أباها
عتاق الطير أحرار المجالي / إذا حدَثانُ أحسابٍ نفاها
تخالُ درارياً طُبِعت وجوها / إذا كشفوا الموارِن والجِباها
بنو السنوات إن هزلت قِراها / جدوبا سمّنوا كرما قَراها
لهم نارٌ على شَرَفِ المقَارِي / أقرَّ الله عينَيْ مَن رآها
إذا قصر الوقودُ الجزلُ عنها / قبيلَ الصبح مُندِلَ مَوقِداها
تُضيءُ كأنَّها والليلُ داجٍ / تزيَّد من جباههُم جُذَاها
يبيت سميرَ سؤددها عليها / فتىً منهم إذا قَرَّ اصطلاها
يماطل نومَه عن مقلتيه / تطلُّعُ نفسِهِ ضيفاً أتاها
إذا الكوماءُ يُسمنها ربيعٌ / وغَصَّت بالأضالع عرضتاها
وراحت تشرُفُ النَّعمَ استواءً / كأنّ مِلاطَ روميٍّ بناها
رأى الأضيافَ أولى أن يُهينوا / كريمتَها ويهتدموا ذُراها
وقام فأطعم الهنديَّ عَقْرا / أسافلَها ليُطعمَهم عُلاها
ولم يعطِفْه أن عَجَّتْ حنينا / ألائفُها وفُجِّعَ راعياها
فأمست بينهم نُهبَى أكيلٍ / يُدَنِّي فَلذةً منها حواها
إذا ما خافَ من قِدْرٍ عليها / مماطلةً تعجَّلَ فاشتواها
وبات يَسُرُّ نفسا لو عداها / غِنَى الأموالِ موَّلها غِناها
نمَتْ أعراقُها في بيت كسَرى / إلى غَيْناءَ مُحْلَوْلٍ جَناها
ترى مغسولة الأعراض منها / نتائجَ ما تدرَّن من ظُباها
وتحسبها إذا شهِدت طِعانا / بألسنِها منصِّلةً قَناها
حموا خُطَطَ العلا لَسنا وضربا / بأقوال وأسيافٍ نَضاها
وكلُّ فتىً يُتَبِّعُ حاجتيه / مَقَصَّ الذئبِ يعتقبُ الشِّياها
إذا حُسرتْ له لِمَمُ الأعادي / مطأطئةً للَهذمِه فَلاها
ولما طال منبِتها وطالت / تفرَّع من رَواسيها رباها
رأت بمحمدٍ لولا أبوه / شيوخَ المجدِ تابعةً فتاها
تأخَّر في قياد المجد عنها / وخاتَمَها فكان كمن بداها
غلام سادها يَفَعا فأوفى / كما أوفت وقد سادت سواها
له بِدَعُ المكارم لو رآها / لآخرَ قبلَه قلنا حكاها
ولم أر مثلَه طودا زليقا / يُهَزُّ فيُجتنَى مالا وجاها
ولا مجدا أواجهُ منه شخصا / ولا كرما أخاطبه شفاها
كأن الله خيَّره فسوَّى / خلائقَه الحسانَ كما اشتهاها
أبا سعدٍ قدحتُ بمصلِداتٍ / فلما فُضَّ زندُك لي وراها
دعوتُك والطَّريق عليه أفعَى / سليسٌ مسُّها خشِنٌ سَداها
كأنَّ مجرَّها مجرَى سبوحٍ / بلُجِّ أوالَ شَرَّعَ نُوتياها
تمجُّ السمَّ من جوفاءَ خِيلتْ / ثِفالَ الموت هامتُها رَحاها
كأنَّ يمانياً رقَشتْ يداه / حَبيرةَ بردَتيه على قَراها
فما إن زال نصرُك لي زميلا / ورأيُك حاويا حتى رقَاها
وكم لك والقُوَى بيدِي ضِعافٌ / يدٌ عندي مضاعفةٌ قُواها
إذا ما قمتُ أشكرها تثنَّت / فتشغلُ عن مباديها ثِناها
أعيذ علاك من لدَغات عينٍ / لوَ انّ المجدَ أبصرها فقَاها
مسامعُ عِفنَ من جهلٍ قِرَاطي / فعدنَ حصاً تردَّد في لَهاها